كيف تذبُّ النار عن وجهك ؟
الحمد لله ولي المؤمنين ، وليس للكافرين من وال ، والصلاة والسلام على رسول الحق وخير الخلق ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، الكبير العظيم المتعال ، والصلاة والسلام على خير الأنام سيدنا محمد وآله ، أما بعد :
فلا يختلف مؤمنان في أن أعظم ما يجب على العبد أن يحاول النجاة منه ، والخلاص من الوقوع فيه ؛ هو عذاب النار ، فحرُّها شديد ، وقعرها بعيد ، ومقامع أهلها من حديد ، يقذف فيها كل جبار عنيد ، وهي تنادي : هل من مزيد ؟ هل من مزيد ؟
فهي دار العذاب والهوان ، ومحلُّ العقوبة والخسران ، وموقع العار والذلة والحرمان ، أعدها الله لأعدائه ، المحاربين لأوليائه ، والمجترئين على حرماته ، والمبارزين له بالعظائم ، فقد ملئت بكلِّ كريهة ، وحشرت بكلِّ طامَّة ، وأعدت لكل شقي عتيد عنيد !
فكيف السبيل للوقاية منها ؟ وما طريق الحماية من الوقوع في دركاتها ؟
إنه الأيمان الصادق والعمل الصالح بعد رحمة أرحم الراحمين ، وعفو أكرم الأكرمين ، ومِنَة أجود الأجودين .
ومن أعظم وأكرم الأعمال الصالحة التي أوجب الله بفضله على من عملها ؛ أن يذبَّ عن وجهه النار يوم القيامة ، ذبُّ المسلم عن عرض أخيه المسلم !
فمن سمع عن أخيه المسلم مذمَّة من أكلة لحوم البشر الذين اشتغلوا بإخوانهم عن أعدائهم سبَّا وذمَّا ، وقدحاً وجرحاً ، فليقم لله قومة لا يخاف فيها لومة لائم أو غضبة ناقم ، ليذب عن عرض أخيه ، وليذود عنه ، وليدافع دونه ، وليذكر محاسنه ، وليختلق له المعاذير ، وليحاول ـ بالحق ـ أن يُبري ساحته ، ثم عليه أن ينعطف أخرى على هؤلاء المشتغلين بعيوب غيرهم ، والغافلين عن عيوب أنفسهم ، أولئك الذي أشغلهم الشيطان بنقائص المسلمين ، فاشتغلوا بها جمعاً ورصداً ، وذكراً وعدَّا ، ونشراً وصدّا ، فقد ملئت قلوبهم بالأمراض المعطبة كالحسد الذي شرقوا به ، والحقد الذي ماتوا به كمداً ، والتعالي الذي أسقطهم في ظلمات الاستخفاف بالناس والاحتقار للخلق ، ورؤية النفس كالمعصومة ، فكأنما أصبحوا سدنة الجنة يدخلون فيها من يشاءون ، ويخرجون منها من لا يحبون ، ويطبعون على من يخالفهم ـ فيما تسوغ فيه المخالفة ـ بالمروق عن الدين والانحراف عن سير المؤمنين ، فهم ـ وفقط هم ـ من يسيرون على صراط مستقيم ، وغيرهم قد تنكب الصراط ، وانحرف عن المنهج ، وضل ضلالاً بعيداً ، لذلك لا تراهم إلا طاعنين مجرحين ، قادحين متنقصين ، كأنما احدهم يقول عن نفسه : لئن مات ابن معين ، وذهب ابن أبي حاتم ، وغاب الذهبي ، ورحل ابن الجوزي ، فما خلت الديار مني ، فقد ورثت علمهم بالجرح دون المدح ، وبالقدح دون التعديل ، فمن في المصر والعصر غيري ؟! ومن في الساحة سواي ؟!
مغرور مغمور ، خدعته نفسه فأعطبته ، وأوردته المهالك ، وغره بالله الغرور !
فمن له ـ بعد الله ـ ليسكته إلا أنت ؟!
فعن جابر وأبي طلحة الأنصاري ـ رضي الله عنهما ـ قالا :قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :"ما من امرئٍ يخذُلُ مسلماً في موطن يُنتقصُ فيهٍ من عِرضه ، ويُنتهكُ فيه من حُرمتهِ ، إلا خذلهُ الله تعالى في موطنٍ يحبُ فيه نصرته ، وما من أحدٍ ينصُرُ مسلماً في موطنٍ يُنتقصُ فيه من عِرضهِ ، تنتهكُ فيه من حُرمتهِ ، إلا نصره الله في موطنٍ يحبُّ فيه نُصرتهُ "
فالذب عن المؤمنين ، وخصوصاً ؛ الصالحين من عباد الله المؤمنين ، كالعلماء العاملين ، والدعاة الصادقين ، والمجاهدين الصامدين ، والباذلين المنفقين ، والعاملين لهذا الدين ، من أعظم أسباب الوقاية والحماية من نار الجحيم في يوم القيامة والدين .
فعن أبي الدرداء ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال :" مَن ردَّ عن عِرضِ أخيهِ ردَّ عن وجههِ النار يومَ القيامةِ "
فهيّا أيها المظفر ، قل قولتك ، وقم قومتك ، لمن ابتلاهم مولاهم بطبيعة الخنزير ، فلا يقعون إلا على القذارات ، ولا يحومون إلا على الجيف ، ولا يألفون إلا النتن والعفن ، فأسكتهم بالحق ، وأخرسهم بالصدق ، وأشغلهم ببناء أنفسهم عن هدم إخوانهم ، وبالتخلص من عيوبهم حتى لا يعيبوا بها غيرهم ، وعند الله يجتمع الخصوم !
تعليق