وأيُّ شرف أكرم من أن تكون تابعاً مطيعاً لرسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ؟
إنّ المتتبع لسيرة أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ يرى بعين المعجب كيف شرفهم الله بصحبة نبيه محمد ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ فهم قوم أختارهم الله بعلمه لمصاحبة رسوله ، لما علمه سبحانه من صفاء ونقاء قلوبهم ، فهم أبرُ هذه الأمة قلوباً ، وأكثرها علماً ، وأقلها تكلفاً ، وأطوعهم لأمر الله وأمر رسوله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ فحازوا ذلك الشرف ، ونالوا تلك المرتبة ، وأصابوا ذلك الحظ الوافر ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ، والله ذو الفضل العظيم .
وكم نتمنى أن نكون منهم ، ولو أن الأمر بيد أحدنا لتنمى أن يكون ممن ناصر رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ وقاتل دونه ، ونابذ عنه ، وكان من جنده المخلصين ، وأتباعه الصادقين ، فقاتل بين يديه وناظل عنه ، وفداه بنفسه وماله وأهله والناس أجمعين .
والحقيقة أنها فتنة لا ندري ماذا كنا سنصنع فيها لو كنا من أهلها ، فإن أشد ما يخشاه العبد أن يكون من أهل الزيغ والانحراف والمنابذة له ولدينه ، وتلك فتنة لا نطيق التفكير بها فكيف بنا لو عشنا فيها ؟
، وعلى العموم فقد رضينا بما كتب الله لنا ، وفي تقديره ـ سبحانه ـ الخير كله ، فأقدار الله تدور بين الرحمة والحكمة ، والعدل والفضل ، وخيرة الله لنا خير من خيرتنا لأنفسنا، فهو أرحم بنا من أنفسنا ، وألطف بنا من ذوي قرابتنا .
فإذا فاتنا شرف الصحبة ، فهل يمكن أن يفوتنا شرف الأخوة ؟!
ولسائل أن يسأل : هل يمكن أن أكون أخاً لخير من وطأ الثرى ومشى على الأرض بقدم ؟
وللإجابة على هذا السؤال الذي يدل على همة عالية وعزيمة غالية في زمن ضعف الهمم وفتور العزائم والركون للعرض الفاني والالتفات للعاع الأرض الزائل ، حتى أنك ترى من إذا رأى غنياً ذا مال ، أو وجيهاً ذا منصب ، أو مشهوراً ذا مكانة اجتماعية عالية ، أو حتى سفيهاً معروفاً ، تعلَّق بأذياله ، وتمسك بحباله ، ونسب نفسه إليه ، وألصق نفسه به ، وتفاخر بمعرفته ، وتباهى بقرابته ،وودَّ لو كان أخاً له !
فكيف لا تتمنى ـ أنت ـ أن تكون أخاً لصاحب المقام المحمود والحوض المورود ؟!
وإليك الإجابة من فيِّ من لا ينطق عن الهوى ، حيث جلس يوماً بين أصحابه ، فتمنى أن يراك !
فأي شرف لك ـ أيها المؤمن به والمتبع له ـ أن يتمنى خير خلق الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يراك بعينه ؟! وبينك وبينه مئين من السنين ، ومفاوز من القفار .
فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ أتى المقبرة فقال :" السلام عليكم دار قوم مؤمنين ، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ، وددت أنا قد رأينا إخواننا " ! قالوا : أو لسنا إخوانك يا رسول الله ؟ قال : " أنتم أصحابي ، وإخواننا الذين لم يأتوا بعد " . فقالوا : كيف تعرف من لم يأت بعد من أمتك يا رسول الله ؟ فقال :" أرأيت لو أن رجلاً له خيل غر محجلة بين ظهري خيل دُهمٍ بُهمٍ ، ألا يعرف خيله ؟! " قالوا : بلى يا رسول الله . قال :" فإنهم يأتون غراً محجلين من الوضوء ، وأنا فرطهم على الحوض ، ألا ليذادن رجال عن حوضي كما يذاد البعير الضال ، أناديهم : ألا هلمَّ . فيقال : إنهم قد بدلوا بعدك . فأقول : سحقاً سحقاً " 1
فهل تحنّ أنت لرؤيته ؟ إنَّ هذا لدليل أكيد على صدق محبته ، فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم :" من أشدِّ أُمتي لي حُباً ؛ ناسٌ يكونون بعدي يودُّ أحدهم لو رآني بأهله وماله " 2
فهل أنت على استعداد أن تخسر الأهل والمال لتفوز برؤية خير المرسلين ؟! إن كان ذلك كذلك ، فيا لك من فائز ! وإن كانت الأخرى ، فيا لها من خسارة كبرى ، والأماني رؤوس أموال المفاليس ، فلا تدعي المحبة أو تتمنى شرف الصحبة ، فلست من أهلها !
تعليق