آداب خدمة الناس
عن أمير المؤمنين عليه السلام:
"أحيوا المعروف بإماتته، فإن المنّة تهدم الصنيعة"1.
أ- مع الوصية
لقد تقدم أن المعروف الذي يثمر في الآخرة هو ما أريد به وجه اللَّه تعالى، وفي هذه الوصية المباركة يؤكد أمير المؤمنين عليه السلام على شرط آخر وهو عدم المنّة كاشفاً عن وجود نوعين من المعروف أحدهما ميت والآخر حي والأول ما يتبعه صاحبه بالمنّ والأذى والتفاخر وإظهار إنه صاحب النعمة على المحتاج، والثاني ما ينسى صاحبه إنه قام به ولا يظهر على الآخرين بثوب العلو وصاحب العطايا، ويد الإغداق، بل يحرص ويدأب على عدم معرفة أحد بأنه قدّم خدمات لأخيه أو جاره، ولا يكثر الحديث مع نفسه في هذا الشأن، بل يتناسى ويذكر معروف الآخرين معه كما أوصاه سيد الأوصياء عليهم السلام في قوله:
"إذا صنع إليك معروف فاذكر، إذا صنعت معروفاً فانسه"2.
فالذي نستفيده أن علينا حينما نقدّم مساعدات ونقوم بواجب الخدمات أن نراعي شعور الآخر ونلتزم بآداب الخدمة، فإذا تبّرع أحدنا لآخر بمبلغ من المال كي يصرفه في نفقة تعليم أولاده وتسديد الأقساط المدرسية المتوجبة عليه، لا يسوغ له كلما رآه في مكان أن يقول له:
"أنا الذي علّمت أولادك ولولاي لكان أبناؤك أميّين والفضل كله لي".
ويؤذيه بكلمات من هذا القبيل، يقول تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ
115
رِئَاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾3.
ويبيّن لنا القرآن الكريم أن الخطاب اللائق والكلمة الطيبة أفضل من المساعدة والصدقة المتبعة بالمنّ والايذاء حيث يقول عز من قائل:
﴿قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذًى وَاللّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ﴾4.
وقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: "إن اللَّه تبارك وتعالى كره لي ست خصال، وكرهتهن للأوصياء من ولدي وأتباعهم من بعدي: العبث في الصلاة، والرفث في الصوم، والمنّ بعد الصدقة واتيان المساجد جنباً، والتطلع في الوفد، والضحك بين القبور"5.
ب- ما ينبغي في خدمة الناس
1- عدم المنّة:
وقد أشير إليه في الفقرة السابقة، لكن من المفيد ذكر بعض المصاديق له حتى يكون المقصود واضحاً وهي: مصاديق المنّة:
أولاً: التحدّث الدائم بأنه قدّم مساعدات للعائلة الفلانية مثلاً.
ثانياً: طلب المكافأة منه بأن يشكره ويخدمه خدمة بديلة عن التي قدّمها له، وأن يعظّمه بالمدح والثناء في مجالس الناس العامة أو الخاصة، يقول الإمام الخميني قدس سره: "علينا أن لا نرى أنفسنا دائنين لخلق اللَّه عندما نخدمهم، بل هم الذين يمنون علينا حقاً لكونهم وسيلة لخدمة اللَّه جلّ وعلا".
ثالثاً: أمره بمتابعته في شؤونه بحيث أن كل ما يقوله يؤيّده فيه ويكثر من مرافقته ووفاقه حتى الوصول إلى درجة النفاق الذي يعني وفاقه ظاهراً وخلافه باطناً.
116
2- ترك الأذى:
والأذى كما ذكر في جامع السعادات: التعيير، والتوبيخ والاستخفاف، والاستخدام، والقول السيىء، وتقطيب الوجه وهتك الستر.
3- اجتناب تعظيم الخدمة:
والمراد أن لا يرى أن الخدمة التي قام بها للآخرين هي عظيمة وكبيرة بل لا يستكثر شيئاً في هذا الميدان لأنه مهما أنفق من مال أو بذل من جهدٍ فهو لا شيء بالنظر إلى ما ينتظره من البدل الإلهي والنعيم المقيم، وهو لا ينتظر في مساعدته الناس أن يبادلوه بالشكر والثناء وإنما ينتظر ما أعدّه اللَّه تعالى له من ثواب فهو في ذلك يحسن لنفسه وللآخرين.
يقول أمير المؤمنين عليه السلام: "ومن علم أن ما صنع إنما صنع إلى نفسه لم يستبطىء الناس في شكرهم، ولم يستزدهم في مودتهم فلا تلتمس من غيرك شكر ما أتيت إلى نفسك ووقيت به عرضك، واعلم أن الطالب إليك لحاجة لم يكرم وجهه عن وجهك، فأكرم وجهك عن ردّه"6.
فالذي ينبغي أن يستصغر المعطي عطيته والخادم خدمته ليعظم عند اللَّه وإن استعظمها صغرت عند اللَّه، جاء عن مولانا الصادق عليه السلام:
"رأيت المعروف لا يصلح إلا بثلاث خصال: تصغيره، وتستيره، وتعجيله، فأنت إذا صغّرته عظمته عند من تصنعه إليه، وإذا سترته تمّمته، وإذا عجّلته هنّأته وإن كان غير ذلك محقته ونكدته"7.
4- إتمام الخدمة:
جاء في الحديث: "جمال المعروف إتمامه"8.
وفيما قاله عيسى بن مريم عليه السلام: "يا معشر الحواريين بحق أقول لكم، إن الناس يقولون لكم، إن البناء
117
بأساسه وأنا لا أقول لكم كذلك قالوا: فماذا تقول يا روح اللَّه؟ قال: بحق أقول لكم إن آخر حجر يضعه العامل هو الأساس"9.
قد يقوم الإنسان بمعروف مع أخيه لكنه لا يكمله بل يتركه ناقصاً نتيجة تضجره أو عدم صبره إلى نهاية الطريق معه سيما إذا كان هذا المعروف يحتاج إلى صرف وقت طويل وقد يكون مثابراً ومتحملاً حتى اتمام معروفه على أحسن وجه وأجمل صورة فلا يهدأ له بال حتى ينجزه كاملاً ويرى أخاه مرتاحاً لقضاء حاجته ووصوله إلى مرامه المأمول وهذا هو المطلوب لأن اتمام المعروف ليس أقل أهمية من ابتدائه والمبادرة إليه، بل على العكس الاتمام أفضل كما جاء على لسان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "استتمام المعروف أفضل من ابتدائه"10.
وعن مولى المتقين عليه السلام: "اكمال المعروف أحسن من ابتدائه"11.
وفي بعض الأحاديث إن المرء إذا لم يكمل صنيعته وخدمته فكأنه لم يقم بشيء منها كما ورد:
"من لم يربِّ معروفه فكأنه لم يصنعه"12.
"من لم يربِّ معروفه فقد ضيّعه"13.
"الصنيعة إذا لم تربَّ14 أخلقت15 كالثوب البالي، والأبنية المتداعية"16.
5- تعجيل الخدمة:
حيث لا يليق التباطؤ في تقديم الخدمة للإخوان وينبغي التعجيل بالخدمة كما ورد في حديث مولانا الصادق عليه السلام المتقدم:
"رأيت المعروف لا يصلح إلا بثلاث خلال: تصغيره وتستيره وتعجيله"17.
وقد ورد أن كمال العطية تعجيلها ذلك أن تأخير الحاجة عن وقتها بفوت بهجة تحصيلها ولذا ورد: "وتعجيلها لتهنىء".
118
6- الاستعداد الدائم للخدمة:
ويقصد بذلك ما يشمل المستويين النفسي والمادي يقول الإمام الخميني قدس سره:
"ليهيء الأحبة الأعزاء أنفسهم لخدمة الإسلام والشعب المحروم، ويشدوا الأحزمة لخدمة العباد التي تعني خدمة اللَّه".
7- اختيار الخدمة الأنفع:
يقول الإمام الخميني قدس سره: "واختر في خدمة عباد اللَّه ما هو الأكثر نفعاً لهم وليس ما هو الأنفع لك ولأصدقائك، فمثل هذا الاختيار هو علامة الإخلاص للَّه جلّ وعلا".
التقرب إلى اللّه بها: إن أهم أدب من آداب قضاء حوائج الناس هو إخلاص النية فيها للّه عز وجل، لذا فقد ضرب اللّه لنا مثلاً لهذا الإخلاص بأهل البيت عليهم السلام حينما تصدقوا بطعامهم على المسكين واليتيم والأسير فقال:
"إنما نطعمكم لوجه اللّه لا نريد منكم جزاءً ولا شكوراً".
119
من فقه الاسلام
س: نرجو من سماحتكم الإجابة على الأسئلة الثلاثة الآتية:
1- إذا ماتت المرأة الحامل أثناء وضع الحمل، فما هو حكم الجنين الموجود في بطنها في هذه الموارد؟
أ- إذا ولجته الروح قريباً (ثلاثة أشهر أو أكثر) مع أنَّ احتمال موته إذا أُخرج من بطن أُمّه قو.
ب- إذا كان عمر الجنين سبعة أشهر أو أكثر.
ج- موت الجنين في بطن أُمّه.
2- إذا ماتت الحامل أثناء وضع الحمل، فهل يجب على الآخرين التأكّد الكامل من موت الجنين أو حياته؟
3- إذا ماتت الحامل أثناء وضع الحمل وبقي الولد في بطنها حياً، وأمرهم شخ خلافاً لما هو متعارف بدفن الأُم مع جنينها وإن كان حياً، فما هو رأيكم في ذلك؟
ج : إذا مات ولد الحامل بموتها فلا يجب إخراجه، بل لا يجوز.
ولكن لو بقي الجنين حياً في بطن أمه الميّتة وقد ولجته الروح، واحتمل بقاؤه حياً إلى إخراجه، تجب المبادرة إلى إخراجه فوراً، وما لم يحرز موت الجنين في بطن أمه الميّتة لا يجوز دفنها مع جنينها.
ولو دفن الجنين الحي مع أمه وبقي حياً حتى بعد الدفن ولو احتمالاً وجب المبادرة إلى نبش القبر وإخراج الجنين الحي من بطن أمه.
كما أنّه لو توقف حفظ حياة الجنين في بطن أمه الميتة على عدم المبادرة إلى دفنها فالظاهر وجوب تأخير دفن الأم للحفاظ على حياة جنينها.
ولو قال أحد بأنه يجوز دفن الحامل مع جنينها الحي في بطنها، وقام الآخرون بدفنها بظنّ صحة رأيه مما أدّى إلى موت الولد في داخل القبر أيضاً، فالديّة على من باشر الدفن.
إلاّ إذا استند موت الجنين إلى قول هذا القائل فالدية عليه.
س: قرّرت البلدية من أجل الاستفادة بشكل أفضل من الأرض، بناء قبور تتكون من طبقتين؟ فنرجو منكم أن تبينوا الحكم الشرعي لذلك.
ج: يجوز بناء قبور المسلمين من عدة طبقات إذا لم يوجب ذلك نبش القبر، ولا هتك حرمة المسلم18.
خلاصة الدرس
أ- الخدمة الصحيحة ما تكون خالية من المنّة والأذى والمراد بها وجه اللَّه تعالى وحينئذٍ تكون من الأعمال الخالدة.
ب- أكّد القرآن الكريم وأهل بيت العصمة (عليهم السلام) على حفظ كرامات الناس لدى تقديم المساعدات لهم ومراعاة الآداب في ذلك.
ج- ينبغي في خدمة الناس وعمل المعروف جملة أمور وهي: ترك الاعلام والتظاهر رعاية لمشاعرهم، وعدم انتظار المكافأة أو طلبها منهم، واجتناب تعظيم الخدمة، واتمامها على أحسن وجه، والتعجيل بها، والاستعداد الدائم لها واختيار ما هو الأنفع والأصلح منها إضافة إلى ترك المن والأذى وإخلاص النية للّه فيها.
أسئلة حول الدرس
1- اشرح وصية الأمير عليه السلام؟
2- ما هو المعروف الحي والمعروف الميت؟
3- اذكر آية تتحدث عن آداب الخدمة؟
4- اكمل حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "إن اللَّه تبارك وتعالى كره لي ست خصال..."؟
5- اذكر مصاديق للمنّة؟
6- ما هو معنى المنّ والأذى؟
7- عدّد ما ينبغي مراعاته في خدمة العباد؟
8- اذكر قولاً للإمام الخميني قدس سره حول الاستعداد للخدمة؟
للحفظ
قال تعالى: ﴿قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذًى وَاللّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ﴾19.
عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله: "الخلق عيال اللَّه فأحب الخلق إلى اللَّه من نفع عيال اللَّه وأدخل على أهل بيت سروراً"20.
للمطالعة
أنسيتَ إعتكافك؟!
عن ميمون بن مهران، قال: كنت جالساً عند الحسن بن علي عليهما السلام فأتاه رج فقال له: يا بن رسول اللَّه إنَّ فلاناً له عليَّ ما، ويريد أن يحبسني.
فقال عليه السلام: واللَّه ما عندي ما فأقضي عنك.
قال: فكلّمه.
قال: فلبس عليه السلام نعله، فقلت له: يا بن رسول اللَّه أنسيت اعتكافك21؟
فقال: لم أنسَ ولكني سمعتُ أبي عليه السلام يحدّث عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال:
"من سعى في حاجة أخيه فكأنّما عبد اللَّه عزَّ وجلَّ تسعة آلاف سنة، صائماً نهاره، قائماً ليله"22.
والأحاديث كثيرة في ثواب قضاء حاجة المؤمن، وهذا من مميّزات الإسلام، فقد جعل المسلم يهتم بشؤون المسلمين، بل جاء في الحديث: "من أصبح ولم يهتم بأمور المسلمين بات وليس منهم".
هوامش
1- ميزان الحكمة، حديث: 12653.
2- م.ن. حديث: 12654.
3- البقرة:264.
4- البقرة:263.
5- جامع السعادات، ج2، ص134.
6- الوافي، ج6، ص290.
7- م.ن.
8- ميزان الحكمة، حديث: 12656.
9- معاني الأخبار، ص133.
10- ميزان الحكمة، حديث: 12658.
11- م.ن. حديث: 12657.
12- م.ن. حديث: 12661.
13- م.ن. حديث: 12660.
14- لم تربَّ: لم تتم وتكمل.
15- أخلقت: بليت.
16- م.ن. حديث: 12659.
17- الوافي، ج6، ص290.
18- أجوبة الاستفتاءات، ج1ن ص71-72.
19- البقرة:263.
20- الكافي، ج2، ص164.
21- الاعتكاف هو: الصيام والمكوث في المسجد ثلاثة أيّام لا يخرج منه إلاّ للحاجة الضروريَّة، وكان الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم يعتكف في العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك.
22- من لا يحضره الفقيه، ج2، ص124.
عن أمير المؤمنين عليه السلام:
"أحيوا المعروف بإماتته، فإن المنّة تهدم الصنيعة"1.
أ- مع الوصية
لقد تقدم أن المعروف الذي يثمر في الآخرة هو ما أريد به وجه اللَّه تعالى، وفي هذه الوصية المباركة يؤكد أمير المؤمنين عليه السلام على شرط آخر وهو عدم المنّة كاشفاً عن وجود نوعين من المعروف أحدهما ميت والآخر حي والأول ما يتبعه صاحبه بالمنّ والأذى والتفاخر وإظهار إنه صاحب النعمة على المحتاج، والثاني ما ينسى صاحبه إنه قام به ولا يظهر على الآخرين بثوب العلو وصاحب العطايا، ويد الإغداق، بل يحرص ويدأب على عدم معرفة أحد بأنه قدّم خدمات لأخيه أو جاره، ولا يكثر الحديث مع نفسه في هذا الشأن، بل يتناسى ويذكر معروف الآخرين معه كما أوصاه سيد الأوصياء عليهم السلام في قوله:
"إذا صنع إليك معروف فاذكر، إذا صنعت معروفاً فانسه"2.
فالذي نستفيده أن علينا حينما نقدّم مساعدات ونقوم بواجب الخدمات أن نراعي شعور الآخر ونلتزم بآداب الخدمة، فإذا تبّرع أحدنا لآخر بمبلغ من المال كي يصرفه في نفقة تعليم أولاده وتسديد الأقساط المدرسية المتوجبة عليه، لا يسوغ له كلما رآه في مكان أن يقول له:
"أنا الذي علّمت أولادك ولولاي لكان أبناؤك أميّين والفضل كله لي".
ويؤذيه بكلمات من هذا القبيل، يقول تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ
115
رِئَاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾3.
ويبيّن لنا القرآن الكريم أن الخطاب اللائق والكلمة الطيبة أفضل من المساعدة والصدقة المتبعة بالمنّ والايذاء حيث يقول عز من قائل:
﴿قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذًى وَاللّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ﴾4.
وقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: "إن اللَّه تبارك وتعالى كره لي ست خصال، وكرهتهن للأوصياء من ولدي وأتباعهم من بعدي: العبث في الصلاة، والرفث في الصوم، والمنّ بعد الصدقة واتيان المساجد جنباً، والتطلع في الوفد، والضحك بين القبور"5.
ب- ما ينبغي في خدمة الناس
1- عدم المنّة:
وقد أشير إليه في الفقرة السابقة، لكن من المفيد ذكر بعض المصاديق له حتى يكون المقصود واضحاً وهي: مصاديق المنّة:
أولاً: التحدّث الدائم بأنه قدّم مساعدات للعائلة الفلانية مثلاً.
ثانياً: طلب المكافأة منه بأن يشكره ويخدمه خدمة بديلة عن التي قدّمها له، وأن يعظّمه بالمدح والثناء في مجالس الناس العامة أو الخاصة، يقول الإمام الخميني قدس سره: "علينا أن لا نرى أنفسنا دائنين لخلق اللَّه عندما نخدمهم، بل هم الذين يمنون علينا حقاً لكونهم وسيلة لخدمة اللَّه جلّ وعلا".
ثالثاً: أمره بمتابعته في شؤونه بحيث أن كل ما يقوله يؤيّده فيه ويكثر من مرافقته ووفاقه حتى الوصول إلى درجة النفاق الذي يعني وفاقه ظاهراً وخلافه باطناً.
116
2- ترك الأذى:
والأذى كما ذكر في جامع السعادات: التعيير، والتوبيخ والاستخفاف، والاستخدام، والقول السيىء، وتقطيب الوجه وهتك الستر.
3- اجتناب تعظيم الخدمة:
والمراد أن لا يرى أن الخدمة التي قام بها للآخرين هي عظيمة وكبيرة بل لا يستكثر شيئاً في هذا الميدان لأنه مهما أنفق من مال أو بذل من جهدٍ فهو لا شيء بالنظر إلى ما ينتظره من البدل الإلهي والنعيم المقيم، وهو لا ينتظر في مساعدته الناس أن يبادلوه بالشكر والثناء وإنما ينتظر ما أعدّه اللَّه تعالى له من ثواب فهو في ذلك يحسن لنفسه وللآخرين.
يقول أمير المؤمنين عليه السلام: "ومن علم أن ما صنع إنما صنع إلى نفسه لم يستبطىء الناس في شكرهم، ولم يستزدهم في مودتهم فلا تلتمس من غيرك شكر ما أتيت إلى نفسك ووقيت به عرضك، واعلم أن الطالب إليك لحاجة لم يكرم وجهه عن وجهك، فأكرم وجهك عن ردّه"6.
فالذي ينبغي أن يستصغر المعطي عطيته والخادم خدمته ليعظم عند اللَّه وإن استعظمها صغرت عند اللَّه، جاء عن مولانا الصادق عليه السلام:
"رأيت المعروف لا يصلح إلا بثلاث خصال: تصغيره، وتستيره، وتعجيله، فأنت إذا صغّرته عظمته عند من تصنعه إليه، وإذا سترته تمّمته، وإذا عجّلته هنّأته وإن كان غير ذلك محقته ونكدته"7.
4- إتمام الخدمة:
جاء في الحديث: "جمال المعروف إتمامه"8.
وفيما قاله عيسى بن مريم عليه السلام: "يا معشر الحواريين بحق أقول لكم، إن الناس يقولون لكم، إن البناء
117
بأساسه وأنا لا أقول لكم كذلك قالوا: فماذا تقول يا روح اللَّه؟ قال: بحق أقول لكم إن آخر حجر يضعه العامل هو الأساس"9.
قد يقوم الإنسان بمعروف مع أخيه لكنه لا يكمله بل يتركه ناقصاً نتيجة تضجره أو عدم صبره إلى نهاية الطريق معه سيما إذا كان هذا المعروف يحتاج إلى صرف وقت طويل وقد يكون مثابراً ومتحملاً حتى اتمام معروفه على أحسن وجه وأجمل صورة فلا يهدأ له بال حتى ينجزه كاملاً ويرى أخاه مرتاحاً لقضاء حاجته ووصوله إلى مرامه المأمول وهذا هو المطلوب لأن اتمام المعروف ليس أقل أهمية من ابتدائه والمبادرة إليه، بل على العكس الاتمام أفضل كما جاء على لسان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "استتمام المعروف أفضل من ابتدائه"10.
وعن مولى المتقين عليه السلام: "اكمال المعروف أحسن من ابتدائه"11.
وفي بعض الأحاديث إن المرء إذا لم يكمل صنيعته وخدمته فكأنه لم يقم بشيء منها كما ورد:
"من لم يربِّ معروفه فكأنه لم يصنعه"12.
"من لم يربِّ معروفه فقد ضيّعه"13.
"الصنيعة إذا لم تربَّ14 أخلقت15 كالثوب البالي، والأبنية المتداعية"16.
5- تعجيل الخدمة:
حيث لا يليق التباطؤ في تقديم الخدمة للإخوان وينبغي التعجيل بالخدمة كما ورد في حديث مولانا الصادق عليه السلام المتقدم:
"رأيت المعروف لا يصلح إلا بثلاث خلال: تصغيره وتستيره وتعجيله"17.
وقد ورد أن كمال العطية تعجيلها ذلك أن تأخير الحاجة عن وقتها بفوت بهجة تحصيلها ولذا ورد: "وتعجيلها لتهنىء".
118
6- الاستعداد الدائم للخدمة:
ويقصد بذلك ما يشمل المستويين النفسي والمادي يقول الإمام الخميني قدس سره:
"ليهيء الأحبة الأعزاء أنفسهم لخدمة الإسلام والشعب المحروم، ويشدوا الأحزمة لخدمة العباد التي تعني خدمة اللَّه".
7- اختيار الخدمة الأنفع:
يقول الإمام الخميني قدس سره: "واختر في خدمة عباد اللَّه ما هو الأكثر نفعاً لهم وليس ما هو الأنفع لك ولأصدقائك، فمثل هذا الاختيار هو علامة الإخلاص للَّه جلّ وعلا".
التقرب إلى اللّه بها: إن أهم أدب من آداب قضاء حوائج الناس هو إخلاص النية فيها للّه عز وجل، لذا فقد ضرب اللّه لنا مثلاً لهذا الإخلاص بأهل البيت عليهم السلام حينما تصدقوا بطعامهم على المسكين واليتيم والأسير فقال:
"إنما نطعمكم لوجه اللّه لا نريد منكم جزاءً ولا شكوراً".
119
من فقه الاسلام
س: نرجو من سماحتكم الإجابة على الأسئلة الثلاثة الآتية:
1- إذا ماتت المرأة الحامل أثناء وضع الحمل، فما هو حكم الجنين الموجود في بطنها في هذه الموارد؟
أ- إذا ولجته الروح قريباً (ثلاثة أشهر أو أكثر) مع أنَّ احتمال موته إذا أُخرج من بطن أُمّه قو.
ب- إذا كان عمر الجنين سبعة أشهر أو أكثر.
ج- موت الجنين في بطن أُمّه.
2- إذا ماتت الحامل أثناء وضع الحمل، فهل يجب على الآخرين التأكّد الكامل من موت الجنين أو حياته؟
3- إذا ماتت الحامل أثناء وضع الحمل وبقي الولد في بطنها حياً، وأمرهم شخ خلافاً لما هو متعارف بدفن الأُم مع جنينها وإن كان حياً، فما هو رأيكم في ذلك؟
ج : إذا مات ولد الحامل بموتها فلا يجب إخراجه، بل لا يجوز.
ولكن لو بقي الجنين حياً في بطن أمه الميّتة وقد ولجته الروح، واحتمل بقاؤه حياً إلى إخراجه، تجب المبادرة إلى إخراجه فوراً، وما لم يحرز موت الجنين في بطن أمه الميّتة لا يجوز دفنها مع جنينها.
ولو دفن الجنين الحي مع أمه وبقي حياً حتى بعد الدفن ولو احتمالاً وجب المبادرة إلى نبش القبر وإخراج الجنين الحي من بطن أمه.
كما أنّه لو توقف حفظ حياة الجنين في بطن أمه الميتة على عدم المبادرة إلى دفنها فالظاهر وجوب تأخير دفن الأم للحفاظ على حياة جنينها.
ولو قال أحد بأنه يجوز دفن الحامل مع جنينها الحي في بطنها، وقام الآخرون بدفنها بظنّ صحة رأيه مما أدّى إلى موت الولد في داخل القبر أيضاً، فالديّة على من باشر الدفن.
إلاّ إذا استند موت الجنين إلى قول هذا القائل فالدية عليه.
س: قرّرت البلدية من أجل الاستفادة بشكل أفضل من الأرض، بناء قبور تتكون من طبقتين؟ فنرجو منكم أن تبينوا الحكم الشرعي لذلك.
ج: يجوز بناء قبور المسلمين من عدة طبقات إذا لم يوجب ذلك نبش القبر، ولا هتك حرمة المسلم18.
خلاصة الدرس
أ- الخدمة الصحيحة ما تكون خالية من المنّة والأذى والمراد بها وجه اللَّه تعالى وحينئذٍ تكون من الأعمال الخالدة.
ب- أكّد القرآن الكريم وأهل بيت العصمة (عليهم السلام) على حفظ كرامات الناس لدى تقديم المساعدات لهم ومراعاة الآداب في ذلك.
ج- ينبغي في خدمة الناس وعمل المعروف جملة أمور وهي: ترك الاعلام والتظاهر رعاية لمشاعرهم، وعدم انتظار المكافأة أو طلبها منهم، واجتناب تعظيم الخدمة، واتمامها على أحسن وجه، والتعجيل بها، والاستعداد الدائم لها واختيار ما هو الأنفع والأصلح منها إضافة إلى ترك المن والأذى وإخلاص النية للّه فيها.
أسئلة حول الدرس
1- اشرح وصية الأمير عليه السلام؟
2- ما هو المعروف الحي والمعروف الميت؟
3- اذكر آية تتحدث عن آداب الخدمة؟
4- اكمل حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "إن اللَّه تبارك وتعالى كره لي ست خصال..."؟
5- اذكر مصاديق للمنّة؟
6- ما هو معنى المنّ والأذى؟
7- عدّد ما ينبغي مراعاته في خدمة العباد؟
8- اذكر قولاً للإمام الخميني قدس سره حول الاستعداد للخدمة؟
للحفظ
قال تعالى: ﴿قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذًى وَاللّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ﴾19.
عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله: "الخلق عيال اللَّه فأحب الخلق إلى اللَّه من نفع عيال اللَّه وأدخل على أهل بيت سروراً"20.
للمطالعة
أنسيتَ إعتكافك؟!
عن ميمون بن مهران، قال: كنت جالساً عند الحسن بن علي عليهما السلام فأتاه رج فقال له: يا بن رسول اللَّه إنَّ فلاناً له عليَّ ما، ويريد أن يحبسني.
فقال عليه السلام: واللَّه ما عندي ما فأقضي عنك.
قال: فكلّمه.
قال: فلبس عليه السلام نعله، فقلت له: يا بن رسول اللَّه أنسيت اعتكافك21؟
فقال: لم أنسَ ولكني سمعتُ أبي عليه السلام يحدّث عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال:
"من سعى في حاجة أخيه فكأنّما عبد اللَّه عزَّ وجلَّ تسعة آلاف سنة، صائماً نهاره، قائماً ليله"22.
والأحاديث كثيرة في ثواب قضاء حاجة المؤمن، وهذا من مميّزات الإسلام، فقد جعل المسلم يهتم بشؤون المسلمين، بل جاء في الحديث: "من أصبح ولم يهتم بأمور المسلمين بات وليس منهم".
هوامش
1- ميزان الحكمة، حديث: 12653.
2- م.ن. حديث: 12654.
3- البقرة:264.
4- البقرة:263.
5- جامع السعادات، ج2، ص134.
6- الوافي، ج6، ص290.
7- م.ن.
8- ميزان الحكمة، حديث: 12656.
9- معاني الأخبار، ص133.
10- ميزان الحكمة، حديث: 12658.
11- م.ن. حديث: 12657.
12- م.ن. حديث: 12661.
13- م.ن. حديث: 12660.
14- لم تربَّ: لم تتم وتكمل.
15- أخلقت: بليت.
16- م.ن. حديث: 12659.
17- الوافي، ج6، ص290.
18- أجوبة الاستفتاءات، ج1ن ص71-72.
19- البقرة:263.
20- الكافي، ج2، ص164.
21- الاعتكاف هو: الصيام والمكوث في المسجد ثلاثة أيّام لا يخرج منه إلاّ للحاجة الضروريَّة، وكان الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم يعتكف في العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك.
22- من لا يحضره الفقيه، ج2، ص124.