بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد و آل محمد الاطيبين الاطهرين
و اللعنة الدآئمة الوبيلة على أعدآئهم و ظالميهم أجمعين
السلام على الحسين و على علي بن الحسين و على أولاد الحسين و على أصحاب الحسين عليهم السلام
كنت قد كتبت منذ عشرة سنة عندما كنت لا زلت شابا بعض النكات التي استفدتها من آية التطهير المباركة سواء من خلال مطالعة الكتب او التدبر في فقرات هذه الاية المباركة , الا انها بقت حبيسة تلكم الاوراق و لست ادري ان كان سيقع مورد الاستفادة للإخوتي هنا , كما قلت فانه قد مضى على كتابته اكثر من عشرة سنوات مع قلة التجربة و كثرة الاخطاء , ولكني اليوم و بعد سماعي لما جاء في مقالة السيد كمال من شبهات ارتئيت نشر ما كتبت دون احداث تغيير كثير في محتواه , حيث لا املك اليوم وقتا في المراجعة و التدقيق في هذه المباحث فلا يخلوا من الأخطاء و الاشتباه و لكن لا يخلو من الفائدة أيضا , لذلك ألتمس منكم العذر و الدعآء في السداد و التوفيق لهذا الفقير بباب مواليه صلوات الله و سلامه عليهم أجمعين.
نبدأ ببسم الله
نكتة لطيفة حول آية التطهير الشريفة
قد أورد أحد المخالفين إشكالا على آية التطهير المباركة لجعل التطهير الوارد فيه أمرا لا خصوصية فيه من خلال استشهاده بآية الوضوء المباركة
يقول المستشكل مستشهدا بآية الوضوء المباركة , بأن الإرادة في التطهير في آية سورة الاحزاب المباركة لا توجب خصوصية للمُطهَّر , إذ كما جاء في آية الوضوء هناك أيضا ارادة في التطهير لجميع المؤمنين كما قال الله تعالى : " ولكن يريد أن يطهركم " لذلك الارادة في كلا الآيتين تشريعية و ليس كما قلنا بأن الارادة في آية
سورة الاحزاب تكوينية , بعبارة أخرى الاذهاب و التطهير في آية سورة الاحزاب من فعل الله " المريد " كما الارادة في التطهير في آية الوضوء يعود ضميره إلى الله تعالى أيضا
الجواب على هذا الاشكال
نستعين بالله تعالى و نقول إن الذي يتمعن في هاتين الآيتين بدقة سوف لا يثير مثل هذا التساؤل إذ أن الأمر هو من الوضوح بمكان , و لكن بما أن غالب القوم مستعجلون في إستنتاجاتهم يقعون في مثل هذه الشبهات قصدا كان أو بدون قصد , فنقول على بركة الله :
أولا الخطاب في آية الوضوء المباركة لجميع المؤمنين لا فئة دون فئة
ثانيا الارادة في آية الوضوء المباركة إرادة تشريعية كما هو واضح لكل ذي لب حيث الامر فيه عبادي تشريعي , حيث شرّع الله الوضوء و التيمم و الغسل
أما في آية التطهير المباركة
أولا الخطاب أو الأمر أو أرادة التطهير وقع أو يقع على فئة معينة و خاصة , أما لو كانت الارادة تشريعيا فعنده كان من اللازم أن يكون الامر عاما , و حيث ان الارادة في التطهير شملت فئة خاصة دون غيرهم فهذا شاهد على أن نوع الارادة تختلف في هذه الآية عن آية الوضوء المباركة , فالارادة في آية التطهير إرادة تكوينية و الارادة التكوينية أمر خاص مما يشير الى أن الارادة هذه ارادة تكوينية للا سيما اذا رأينا التأكيدات و الاختصاصات و الحصر في هذه الآية لهذه الفئة الطيبة الطاهرة المباركة, إنظر
إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا
إنما أداة حصر يفيد التقييد و التأكيد
اللام في " ليذهب " تفيد التأكيد و كانت الجملة مفيدا لو إستعمل الله تعالى حرف " أن " مقام حرف " اللام " في الآية المباركة مثلا أن يقول الله عز و جل " أن يُذهب " و لكن " اللام " حرف أبلغ في التأكيد
تقديم عنكم : فلقد كانت الجملة مفيدة ايضا لو قال الله عز و جل , " الرجس عنكم " و لكن قدّم الله عز و جل لفظ " عنكم " على كلمة " الرجس " فقال تعالى " عنكم الرجس " مشيرا بذلك على أن هؤلاء الفئة ليس فيهم رجس أصلا حتى يُذهب عنهم و لكن الله عز و جل يريد أن " يدفع " أو " يُبعد " عنهم الرجس حتى يبقوا على طهارتهم الذاتية إن صح التعبير , أي بعبارة أخرى , أن الله عز و جل أبعد الرجس عن أهل البيت عليهم السلام و ليس أبعد أهل البيت عليهم السلام عن الرجس , فافهم هذا .
إذهاب الرجس عنهم هو الطهارة و التطهير بذاته و لكن أعقب الله عز و جل بعدها أيضا بكلمة " و يُطهّركم " مؤكدا على الطهارة و مستفيدا من حرف العطف " واو " في حين أن في آية الوضوء المباركة كانت العبارة هكذا " ولكن يريد أن يطهركم " فكانت كلمة " يطهركم " مسبوقة بأداة الشرط " أن " أي أن الطهارة في الوضوء مشروطة و لكن الطهارة في آية التطهير معطوفة على ارادة إذهاب الرجس مما يشير إلى الفرق بين المعنيين و إشارة أخرى على أن الارادة في آية التطهير تكوينية و خاصة
تأكيد ثالث على الطهارة بعد كلمة " و يطهركم " حيث أعقب الله عز و جل ذلك بكلمة " تطهيرا " أنظر هذا التأكيد المنقطع النظير في الطهارة لهذه الفئة الطيبة الطاهرة المطهرة , بينما لا تجد مثل هذه التأكيدات في آية الوضوء المباركة لعامة المؤمنين ,
و لا بأس في هذا المقام أن نشير إلى لطيفة أخرى عظيمة في خصوص هذه التأكيدات
إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا
إن كلمة " و يُطهّركم " فعل مشدد أصله " يُطْهِرَكم فتشديده يعني " يُطْهِرَكم + و يُطْهِرَكم " و كلمة " تطهيرا " مفعول مطلق من نفس لفظة الفعل و يفيد التوكيد أيضا فيكون الناتج " و يُطهِرَكم + و يُطهِرَكم + و يُطهِرَكم " و هذا فيه إشارة إلى وقوع التطهير لهذه الحقائق القدسية في مراتب ثلاث : تطهير الذات , تطهير الصفات , و تطهير الأفعال و هذا يعني أن جميع معاني النقص و الدنس المادي و المعنوي بعيدة عن هذه الذوات المقدسة و هي منزهة عنها
إشارة أخرى في إضافة مواد الحصر و التأكيد في آية التطهير :
التخصيص بـ " إنما " و بتقديم " عنكم " على أهل البيت و بفتح أهل َ البيت " بدل كسر اللام في " أهلِ البيت " مثلا
إذا كانت كلمة أهل مكسورة أي تكون " أهلِ البيت " فتكون المسألة مسألة مضاف و مضاف إليه و بذلك يكون المراد الذين يسكنون البيت هم الذين أهله
و لكن إذا كانت كلمة أهل مرفوعة أي تكون " أهلَ البيت " فتكون هذه التركيبة عنوانا خاصا و هنا هو عنوان خاص و أخص من " أهلِ البيت " بكسر اللام
أي أن مفاد الآية الكريمة بالنظر إلى ما أسلفناه أن الله عز و جل اصطفى من " أهلِ البيت " إصطفى منهم " أهلَ البيت " أو بتعبير آخر إن عبارة " أهلَ البيت " أخص من زوجات النبي الأكرم صلى الله عليه و آله الأطهار
فائدة أخرى في الاشارة إلى معنى الارادة الواردة في آية التطهير المباركة
الفائدة هي " أما الرجس في اللغة فمعناه كل ما يلوث الانسان سواء كان لوثا ظاهريا أو باطنيا و في هذه الاية هو اللوث و النجاسة الباطنية لأن الابتعاد و الطهارة من النجاسة الظاهرة و الباطنية وظيفة دينية عامة لجميع المسلمين و ذلك لشمول التكليف للجميع و لا خصوص لأهل البيت عليهم السلام حتى ترد الآية بحصرها و توكيدها بنفي الرجس الظاهري عن أهل البيت عليهم السلام , إذا الآية هنا أرادت أو جائت
لبيان فضيلة لهم خصّهم الله سبحانه و تعالى بها دون العالمين و أخبر عنها في كتابه الكريم , تمت إستفادة هذه الفائدة من كتاب " بنور فاطمة إهتديت "
فائدة أخرى
إن أهل البيت في آية التطهير إنما يراد بهم أهل بيت النبوة في بيت واحد " أهلَ البيت " تسكنه سيدة نساء العالمين السيدة فاطمة الزهرآء سلام الله عليها إبنة نبي الله الأعظم صلى الله عليه و آله الأطهار , و زوجها أمير المؤمنين علي بن أبيطالب صلوات الله و سلامه عليهما و ابناها سيدا شباب أهل الجنة الحسن و الحسين صلوات الله و سلامه عليهما و عليهم أجمعين , أما بيت الزوجية فلم يكن بيتا واحدا و إنما كانت هناك بيوتا متعددة تسكنها زوجات النبي صلى الله عليه و آله الأطهار لقوله تعالى " و قرن في بيوتكن " و في هذا الخطاب التوجيه لمن في بيوت النبي صلى الله عليه و آله الأطهار
فائدة أخرى
في اللغة العربية لا إشكال من دخول جملة اعتراضية في السياق و هذا دأب البلغاء و في القرآن أمثلة عديدة على هذا الامر
لأن الكلام العربي انما يدخله الاستطراد و الاعتراض و هو تخلل الجملة الاجنبية بين الكلام المنتظم المناسب , كقول الله تعالى " إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها و جعلوا أعزة أهلها أذلة و كذلك يفعلون * و إني مرسلة إليهم بهدية " فقوله تعالى " "وكذلك يفعلون " جملة معترضة من جهة الله تعالى بين كلام بلقيس
و قول الله تعالى " فلا أقسم بمواقع النجوم * و إنه لقسم لو تعلمون عظيم * إنه لقرآن كريم " فكذلك قوله تعالى " فلا أقسم بمواقع النجوم إلى إنه لقرآن كريم , فيما بينهما جملة اعتراضية
و قوله تعالى " يا يوسف اعرض عن هذا و استغفري لذنبك " تغير الخطاب في آية واحدة من يوسف إلى زليخا
و من ثم يجوز قول الله تعالى " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا " جملة معترضة متخللة لخطاب النساء النبي الاكرم صلى الله عليه و آله الاطهار , و على هذا النهج لا سيما لوجود أدوات حصر و تأكيدات عديدة مما تعطي للجملة الاتية بعد أداة الحصر إستقلالية عن ما سبقها
أمثلة قرآنية على هذا الأمر
مثلا في سورة الزمر الآية العاشرة
" قل يا عباد الذين آمنوا اتقوا ربكم للذين احسنوا في هذه الدنيا حسنة و أرض الله واسعة إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب " نرى أن جملة " إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب " هي جملة مستقلة عن ما سبقتها و هي بوحدها مفيدة المعنى و قد بدأت بأداة حصر " انما " و هناك أمثلة أخرى مثل
قل إنما انا بشر مثلكم يوحى إلى أنما الهكم اله واحد
أمر آخر لا يقل فائدة في قوله تعالى :
انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا
أننا لو قلنا أن فيهم رجسا لكان يجب أن يقال " منكم " بدل " عنكم " و التي تعني كل الارجاس المادية و المعنوية معا و هذا مُسلّم بل و لفظ " عنكم " تشير كما قلنا الى كل الارجاس المادية و المعنوية , حتى و إن كانوا طاهرين عنها , لطهارة ذواتهم النورانية, فهذه الأرجاس مُبعدة عنهم أصلا و هذه هي العصمة
شيئ مهم
إن الأهلية المشتقة من أهل , في لغة القرآن هي استحقاقية بمعنى أن أهل النار هم المستحقون للنار , أهل الجنة هم المستحقون للجنة و أهل البيت هم المستحقون أن يكونوا أهل بيت النبوة إذ هذا الشرف عظيم و المنصب خطير و هذا الاستحقاق انما
يعطى من قبل الله تعالى فليس كل من كان من عائلة أو أقرباء النبي صلى الله عليه و آله الأطهار جاز لنا أن ننسبه إلى أهل البيت النبي , كما أن ذلك واضح في خطاب نوح عليه السلام , فإن نوح عليه السلام كان يرى ابنه من اهله و لكن الله تعالى أخبره بأنه ليس من أهلك
فاذا قلت " أهل النبي " مختلف جدا عن " أهل البيت " لأن النبي له أهل في العرف غير أهله عند الله , أما البيت فلا يبينه إلا الله تعالى لأنه ليس بيت آبائنا و أجدادنا إنه بيت الله تعالى الذي أذن أن يُذكر و يرفع فيه اسمه , , الله وحده هو الذي يحدد أهله , لأن أهله هم أهل الله , تعالى الله عن الصاحبة و الولد , فالنسبة إلى البيت ثابتة كالنسبة إلى الجنة و معنى ذلك أن أهل البيت عدد محدد لا يزيد و لا ينقص مطلقا و لفظة أهل البيت اتت في القرآن عند ذكر ابراهم الذي بنى البيت الحرام , الكعبة المشرفة بنور أمير المؤمنين صلوات الله و سلامه عليهما , مع اسماعيل عليه السلام و أيضا عند ذكراسحاق الذي بنى بيت المقدس في مسجد الاقصى فهؤلاء يرثون البيت كما يرثون كتاب الله و يرثون الامامة , لا ينال عهدي الظالمين , و يرثون النبوة و الكتاب , سورة الحديد آية 26 , و هذه الوراثة امتدت إلى خاتم الانبياء و المرسلين أبالقاسم محمد صلى الله عليه و آله الأطهار فهم أهل البيت " الكعبة " و التي تشرفت بولادة أمير المؤمنين عليه السلام و هذا واضح في كلام مولانا الشهدي علي الاكبر بن سيد الشهداء أباعبدالله الحسين عليه السلام
أنا علي بن الحسين بن علي نحن و رب البيت أولى بالنبي تالله لا يحكم فينا ابن الدعي
أو في نسخة أنا علي بن الحسين بن علي نحن و بيت الله أولى بالنبي أضربكم بالسيف ضرب غلام هاشمي
ألا يذكرك هذا بهذه الآية المباركة إن أولى الناس بابراهيم الذين اتبعوه و هذا النبي و الذين آمنوا
ثم على إثر ما تقدم تفهم شيئ من فلسفة الحج " و أجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم
-----------------------------------------------------------------------
عن السياق: آية إكمال الدين و تمام النعمة التي هي على نفس نسق آية التطهير جزء من الآية و لكنها مختلفة عن بقية أجزاء تلكم الآية التي تتحدث عن اللحوم المحرمة ,
كذلك آية " يوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ " التي تتغير فيه الضمائر في آية واحدة دون احداث أي بلبلة لدى ذهن القارئ النبيه
اما نساء النبي الأكرم صلى الله عليه و آله الأطهار , فنحن نعلم خروجهن عن آية التطهير من خلال آية صريحة مثل آية المباهلة التي مع أن الامر كان للجمع " نساءنا " ولكن لم يأتي النبي الأكرم صلى الله عليه و آله الأطهار بغير سيدة نساء العالمين فاطمة الزهرآء سلام الله عليها لدخولها صلوات الله عليها دون غيرهن في أهل البيت خاصة , أما نسوة النبي الاكرم صلى الله عليه و آله الأطهار فلهن بيوتات و ليس البيت النبوي الخاص, بدليل " وقرن في بيوتكن " , أما أهل البيت فهو مصطلح خاص جدا بفئة معينة و مبينة بدلالة فتح اللام دون كسرها في "أهل َ البيت ",و ليس " أهلِ البيت "
و هذا ما عدى عن الكم الهائل من الاحاديث النبوية و المعصومية الشريفة التي تخصص عموم الاية فيما لو كان هناك عموم , الامر الذي تنفيه وجود حرف التخصيص " إنما " في الاية المباركة
فالروايات صرحت بخروج نسوة النبي الاكرم صلى الله عليه و آله الاطهار عن آية التطهير و خصصت فقط دخول خمسة أهل الكساء صلوات الله و سلامه عليهم أجمعين فيها و الذرية المعصومية الشريفة صلوات الله و سلامه عليهم أجمعين بالتبع ,
نحن نوالي محمد و آل محمد صلوات الله و سلامه عليهم اجمعين و نقرأ القرآن على نهجهم الذي تعلمناه منهم
http://50.28.69.53/hajrvb/showthread.php?t=403024509
موضوع مفيد لاخي الفاضل اسدالله الغالب رحم الله والديه :
http://50.28.69.53/hajrvb/showthread.php?t=402703114
---------------------------------------------------------------------------
و أسألكم خالص الدعآء بحق فاطمة الزهرآء سلام الله عليها
يا زهرآء
---------------------------------------------------------------------------
أهدي ثواب هذا البحث إلى خالي و أخي و حبيبي عقيل و إلى جميع موتانا و موتى المؤمنين من شيعة أمير المؤمنين صلوات الله و سلامه عليهم أجمعين
الفاتحة مع الصلوات
تعليق