لا شك في أنّ الدين الإسلامي دين عالمي، وشريعة خاتمة، وقد كانت قيادة الأُمة الإسلامية من شؤون النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ما دام على قيد الحياة، وطبع الحال يقتضي أن يوكل مقام القيادة بعده الى أفضل أفراد الأُمّة وأكملهم.
إنّ في هذه المسألة وهي أنّ منصب القيادة بعد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم هل هو منصب تنصيصي تعييني أو أنّه منصب انتخابي؟ اتّجاهين:
فالشيعة ترى أنّ مقام القيادة منصب تنصيصي، ولابدّ أن ينصّ على خليفة النبيّ من السماء، بينما يرى اهل السنّة أنّ هذا المنصب انتخابي جمهوري، أي أنّ على الأُمّة ان تقوم بعد النبي باختيار فرد من أفرادها لإدارة البلاد.
إنّ لكل من الاتّجاهين المذكورين دلائل، ذكرها أصحابهما في الكتب العقائدية، إلاّ أنّ ما يمكن طرحه هنا هو تقييم ودراسة المسألة في ضوء دراسة وتقييم الظروف السائدة في عصر الرسالة، فإنّ هذه الدراسة كفيلة باثبات صحّة أحد الاّتجاهين.
إنّ تقييم الأوضاع السياسية داخل المنطقة الإسلامية وخارجها في عصر الرسالة يقضي بأنّ خليفة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لابدّ أن يعيّن من جانب الله تعالى، ولا يصحّ أن يوكّل هذا إلى الأُمّة، فإنّ المجتمع الإسلامي كان مهدّداً على الدوام بالخطر الثلاثي (الروم _ الفرس _ المنافقين) بشنّ الهجوم الكاسح، وإلقاء بذور الفساد والاختلاف بين المسلمين.
كما أنّ مصالح الأمّة كانت توجب أن يوحّد صفوف المسلمين في مواجهة الخطر الخارجي، وذلك بتعيين قائد سياسي من بعده، وبذلك يسد الطريق على نفوذ العدو في جسم الأمّة الإسلامية والسيطرة عليها، وعلى مصيرها.
وإليك بيان وتوضيح هذا المطلب:
لقد كانت الإمبراطورية الرومانية احد أضلاع الخطر المثلث الذي يحيط بالكيان الإسلامي، ويهدّده من الخارج والداخل.
وكانت هذه القوّة الرهيبة تتمركز في شمال الجزيرة العربية، وكانت تشغل بال النبي القائد على الدوام، حتى أنّ التفكير في أمر الروم لم يغادر ذهنه وفكره حتى لحظة الوفاة، والالتحاق بالرفيق الأعلى.
وكانت أوّل مواجهة عسكرية بين المسلمين والجيش المسيحي الرومي وقعت في السنة الثامنة من الهجرة في أرض فلسطين، وقد أدّت هذه المواجهة إلى استشهاد القادة العسكريين البارزين الثلاثة وهم «جعفر الطيار» و«زيد بن حارثة» و«عبد الله بن حارثة».
ولقد تسّبب انسحاب الجيش الإسلامي بعد استشهاد القادة المذكورين الى تزايد جرأة الجيش القيصري المسيحي، فكان يخشى بصورة متزايدة أن تتعرّض عاصمة الإسلام للهجوم الكاسح من قبل هذا الجيش.
من هنا خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في السنة التاسعة للهجرة على رأس جيش كبير جداً إلى حدود الشام ليقود بنفسه أيّة مواجهة عسكرية، وقد استطاع الجيش في هذا الرحلة الصعبة المضنية أن يستعيد هيبته الغابرة، ويجدّد حياته السياسية:
غير أنّ هذا الانتصار المحدود لم يقنع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأعد قُبيل مرضه جيشاً كبيراً من المسلمين، وأمّر عليهم«أُسامة بن زيد»، وكلّفهم بالتوجّه الى حدود الشام، والحضور في تلك الجبهة.
أما الضلع الثاني من المثلث الخطير الذي كان يهدّد الكيان الإسلامي، فكان الإمبراطورية الإيرانية (الفارسية) وقد بلغ من غضب هذه الإمبراطورية على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومعاداتها لدعوته، أن أقدم امبراطور ايران «خسرو برويز» على تمزيق رسالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وتوجيه الإهانة الى سفيره باخراجه من بلاطه، والكتابة الى واليه وعميله باليمن بأن يوجّه الى المدينة من يقبض على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أو يقتله إن امتنع.
و«خسرو» هذا وإن قتل في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلاّ أنّ استقلال اليمن _ التي رزحت تحت استعمار الامبراطورية الإيرانية ردحاً طويلاً من الزمان _ لم يغب عن نظر ملوك ايران آنذاك، وكان غرور اولئك الملوك وتجبّرهم وكبرياؤهم لا يسمح بتحمّل منافسة القوة الجديدة ( القوة الإسلامية) لهم.
والخطر الثالث كان هو خطر حزب النفاق الذي كان يعمل بين صفوف المسلمين كالطابور الخامس على تقويض دعائم الكيان الإسلامي من الداخل الى درجة أنّهم قصدوا اغتيال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، في طريق العودة من تبوك الى المدينة.
فقد كان بعض عناصر هذا الحزب الخطر يقول في نفسه، انّ الحركة الإسلامية سينتهي امرها بموت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ورحيله، وبذلك يستريح الجميع.
ولقد قام أبو سفيان بن حرب بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمكيدة مشؤومة لتوجيه ضربة الى الامّة الإسلامية من الداخل وذلك عندما اتى علياً _ عليه السلام _ وعرض عليه ان يبايعه ضدّ من عيّنه رجال السقيفة، ليستطيع بذلك تشطير الامّة الإسلامية الواحدة الى شطرين متحاربين متقاتلين، فيتمكّن من التصيّد في الماء العكر.
ولكنّ الإمام علياً _ عليه السلام _ أدرك بذكائه البالغ نوايا أبي سفيان الخبيثة، فرفض مطلبه وقال له كاشفاً عن دوافعه ونواياه الشريرة:
«والله ما أردت بهذا إلاّ الفتنة، وإنّك والله طالما بغيت للإسلام شرّاً. لا حاجة لنا في نصيحتك»
بلغ دور المنافقين التخريبي من الشدّة بحيث تعرّض القرآن لذكرهم في سور عديدة هي: سورة آل عمران، والنساء، والمائدة والأنفال، والتوبة، والعنكبوت، والأحزاب، ومحمد، والفتح، والمجادلة، والحديد، والمنافقين والحشر.
فهل مع وجود مثل هؤلاء الاعداء الألداء والاقوياء الذين كانوا يتربّصون بالإسلام الدوائر، ويتحيّنون الفرص للقضاء عليه، يصح أن يترك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أُمّته الحديثة العهد بالإسلام، الجديدة التأسيس من دون أن يعيّن لهم قائداً دينياً سياسياً؟
إنّ المحاسبات الاجتماعية تقول: إنه كان من الواجب أن يمنع رسول الإسلام بتعيين قائد للأمّة،... من ظهور أيّ اختلاف وانشقاق فيها من بعده، وأن يضمن استمرار وبقاء الوحدة الإسلامية بايجاد حصن قوي وسياج دفاعي متين حول تلك الامّة.
إنّ تحصين الأمّة، وصيانتها من الحوادث المشؤومة، والحيلولة دون مطالبة كل فريق «الزعامة» لنفسه دون غيره، وبالتالي التنازع على مسألة الخلافة والزعامة، لم يكن ليتحقّق، إلاّ بتعيين قائد للامّة، وعدم ترك الامور للأقدار.
إنّ هذه المحاسبة الاجتماعية تهدينا الى صحّة نظرية «التنصيص على القائد بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم» ولعلّ لهذه الجهة ولجهات اخرى طرح رسول الإسلام مسألة الخلافة في الايام الاولى من ميلاد الرسالة الإسلامية، وظلّ يواصل طرحها والتذكير بها طوال حياته حتى الساعات الاخيرة منها، حيث عيّن خليفته ونصّ عليه بالنصّ القاطع الواضح الصريح في بدء دعوته، وفي نهايتها أيضاً.
وإليك بيان كلا هذين المقامين:
1 _ النبوّة والإمامة توأمان:
بغضّ النظر عن الأدلّة العقلية والفلسفية التي تثبت صحّة الرأي الأوّل بصورة قطعية، هناك أخبار وروايات وردت في المصادر المعتبرة تثبت صحّة الموقف والرأي الذي ذهب اليه علماء الشيعة وتصدّقه، فقد نصّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم على خليفته من بعده في الفترة النبوية من حياته مراراً وتكراراً، وأخرج موضوع الإمامة من محال الانتخاب الشعبي والرأي العام.
فهو لم يعيّن (ولم ينص على) خليفته ووصيه من بعده في أُخريات حياته فحسب، بل بادر الى التعريف بخليفته ووصيه في بدء الدعوة يوم لم ينضو تحت راية رسالته بعد سوى بضع عشرة من الاشخاص، وذلك يوم امر من جانب الله العلي القدير ان ينذر عشيرته الأقربين من العذاب الإلهي الأليم. وأن يدعوهم الى عقيدة التوحيد قبل أن يصدع رسالته للجميع ويبدأ دعوته العامة للناس كافة.
فجمع اربعين رجلاً من زعماء بني هاشم وبني المطلب، ثمّ وقف فيهم خطيباً فقال:
«أيّكم يؤازرني على هذا الأمر على ن يكون أخي ووصيّي وخليفتي فيكم؟».
فأحجم القوم، وقام عليّ _ عليه السلام _ وأعلن مؤازرته وتأييده له، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم برقبته، والتفت الى الحاضرين، وقال:
«إنّ هذا أخي ووصيّي وخليفتي فيكم»(1).
(1) تاريخ الطبري ج 2 ص 216، الكامل في التاريخ ج 2 ص 62 و63.
وقد عرف هذا الحديث عند المفسّرين والمحدّثين: ب «حديث يوم الدار» و«حديث بدء الدعوة».
على أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يكتف بالنص على خليفته في بدء رسالته، بل صرّح في مناسبات شتّى في السفر والحضر، بخلافة علي _ عليه السلام _ من بعده، ولكن لا يبلغ شيء من ذلك في الاهمية والظهور والصراحة والحسم ما بلغه حديث الغدير.
إنّ في هذه المسألة وهي أنّ منصب القيادة بعد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم هل هو منصب تنصيصي تعييني أو أنّه منصب انتخابي؟ اتّجاهين:
فالشيعة ترى أنّ مقام القيادة منصب تنصيصي، ولابدّ أن ينصّ على خليفة النبيّ من السماء، بينما يرى اهل السنّة أنّ هذا المنصب انتخابي جمهوري، أي أنّ على الأُمّة ان تقوم بعد النبي باختيار فرد من أفرادها لإدارة البلاد.
إنّ لكل من الاتّجاهين المذكورين دلائل، ذكرها أصحابهما في الكتب العقائدية، إلاّ أنّ ما يمكن طرحه هنا هو تقييم ودراسة المسألة في ضوء دراسة وتقييم الظروف السائدة في عصر الرسالة، فإنّ هذه الدراسة كفيلة باثبات صحّة أحد الاّتجاهين.
إنّ تقييم الأوضاع السياسية داخل المنطقة الإسلامية وخارجها في عصر الرسالة يقضي بأنّ خليفة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لابدّ أن يعيّن من جانب الله تعالى، ولا يصحّ أن يوكّل هذا إلى الأُمّة، فإنّ المجتمع الإسلامي كان مهدّداً على الدوام بالخطر الثلاثي (الروم _ الفرس _ المنافقين) بشنّ الهجوم الكاسح، وإلقاء بذور الفساد والاختلاف بين المسلمين.
كما أنّ مصالح الأمّة كانت توجب أن يوحّد صفوف المسلمين في مواجهة الخطر الخارجي، وذلك بتعيين قائد سياسي من بعده، وبذلك يسد الطريق على نفوذ العدو في جسم الأمّة الإسلامية والسيطرة عليها، وعلى مصيرها.
وإليك بيان وتوضيح هذا المطلب:
لقد كانت الإمبراطورية الرومانية احد أضلاع الخطر المثلث الذي يحيط بالكيان الإسلامي، ويهدّده من الخارج والداخل.
وكانت هذه القوّة الرهيبة تتمركز في شمال الجزيرة العربية، وكانت تشغل بال النبي القائد على الدوام، حتى أنّ التفكير في أمر الروم لم يغادر ذهنه وفكره حتى لحظة الوفاة، والالتحاق بالرفيق الأعلى.
وكانت أوّل مواجهة عسكرية بين المسلمين والجيش المسيحي الرومي وقعت في السنة الثامنة من الهجرة في أرض فلسطين، وقد أدّت هذه المواجهة إلى استشهاد القادة العسكريين البارزين الثلاثة وهم «جعفر الطيار» و«زيد بن حارثة» و«عبد الله بن حارثة».
ولقد تسّبب انسحاب الجيش الإسلامي بعد استشهاد القادة المذكورين الى تزايد جرأة الجيش القيصري المسيحي، فكان يخشى بصورة متزايدة أن تتعرّض عاصمة الإسلام للهجوم الكاسح من قبل هذا الجيش.
من هنا خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في السنة التاسعة للهجرة على رأس جيش كبير جداً إلى حدود الشام ليقود بنفسه أيّة مواجهة عسكرية، وقد استطاع الجيش في هذا الرحلة الصعبة المضنية أن يستعيد هيبته الغابرة، ويجدّد حياته السياسية:
غير أنّ هذا الانتصار المحدود لم يقنع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأعد قُبيل مرضه جيشاً كبيراً من المسلمين، وأمّر عليهم«أُسامة بن زيد»، وكلّفهم بالتوجّه الى حدود الشام، والحضور في تلك الجبهة.
أما الضلع الثاني من المثلث الخطير الذي كان يهدّد الكيان الإسلامي، فكان الإمبراطورية الإيرانية (الفارسية) وقد بلغ من غضب هذه الإمبراطورية على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومعاداتها لدعوته، أن أقدم امبراطور ايران «خسرو برويز» على تمزيق رسالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وتوجيه الإهانة الى سفيره باخراجه من بلاطه، والكتابة الى واليه وعميله باليمن بأن يوجّه الى المدينة من يقبض على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أو يقتله إن امتنع.
و«خسرو» هذا وإن قتل في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلاّ أنّ استقلال اليمن _ التي رزحت تحت استعمار الامبراطورية الإيرانية ردحاً طويلاً من الزمان _ لم يغب عن نظر ملوك ايران آنذاك، وكان غرور اولئك الملوك وتجبّرهم وكبرياؤهم لا يسمح بتحمّل منافسة القوة الجديدة ( القوة الإسلامية) لهم.
والخطر الثالث كان هو خطر حزب النفاق الذي كان يعمل بين صفوف المسلمين كالطابور الخامس على تقويض دعائم الكيان الإسلامي من الداخل الى درجة أنّهم قصدوا اغتيال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، في طريق العودة من تبوك الى المدينة.
فقد كان بعض عناصر هذا الحزب الخطر يقول في نفسه، انّ الحركة الإسلامية سينتهي امرها بموت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ورحيله، وبذلك يستريح الجميع.
ولقد قام أبو سفيان بن حرب بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمكيدة مشؤومة لتوجيه ضربة الى الامّة الإسلامية من الداخل وذلك عندما اتى علياً _ عليه السلام _ وعرض عليه ان يبايعه ضدّ من عيّنه رجال السقيفة، ليستطيع بذلك تشطير الامّة الإسلامية الواحدة الى شطرين متحاربين متقاتلين، فيتمكّن من التصيّد في الماء العكر.
ولكنّ الإمام علياً _ عليه السلام _ أدرك بذكائه البالغ نوايا أبي سفيان الخبيثة، فرفض مطلبه وقال له كاشفاً عن دوافعه ونواياه الشريرة:
«والله ما أردت بهذا إلاّ الفتنة، وإنّك والله طالما بغيت للإسلام شرّاً. لا حاجة لنا في نصيحتك»
بلغ دور المنافقين التخريبي من الشدّة بحيث تعرّض القرآن لذكرهم في سور عديدة هي: سورة آل عمران، والنساء، والمائدة والأنفال، والتوبة، والعنكبوت، والأحزاب، ومحمد، والفتح، والمجادلة، والحديد، والمنافقين والحشر.
فهل مع وجود مثل هؤلاء الاعداء الألداء والاقوياء الذين كانوا يتربّصون بالإسلام الدوائر، ويتحيّنون الفرص للقضاء عليه، يصح أن يترك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أُمّته الحديثة العهد بالإسلام، الجديدة التأسيس من دون أن يعيّن لهم قائداً دينياً سياسياً؟
إنّ المحاسبات الاجتماعية تقول: إنه كان من الواجب أن يمنع رسول الإسلام بتعيين قائد للأمّة،... من ظهور أيّ اختلاف وانشقاق فيها من بعده، وأن يضمن استمرار وبقاء الوحدة الإسلامية بايجاد حصن قوي وسياج دفاعي متين حول تلك الامّة.
إنّ تحصين الأمّة، وصيانتها من الحوادث المشؤومة، والحيلولة دون مطالبة كل فريق «الزعامة» لنفسه دون غيره، وبالتالي التنازع على مسألة الخلافة والزعامة، لم يكن ليتحقّق، إلاّ بتعيين قائد للامّة، وعدم ترك الامور للأقدار.
إنّ هذه المحاسبة الاجتماعية تهدينا الى صحّة نظرية «التنصيص على القائد بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم» ولعلّ لهذه الجهة ولجهات اخرى طرح رسول الإسلام مسألة الخلافة في الايام الاولى من ميلاد الرسالة الإسلامية، وظلّ يواصل طرحها والتذكير بها طوال حياته حتى الساعات الاخيرة منها، حيث عيّن خليفته ونصّ عليه بالنصّ القاطع الواضح الصريح في بدء دعوته، وفي نهايتها أيضاً.
وإليك بيان كلا هذين المقامين:
1 _ النبوّة والإمامة توأمان:
بغضّ النظر عن الأدلّة العقلية والفلسفية التي تثبت صحّة الرأي الأوّل بصورة قطعية، هناك أخبار وروايات وردت في المصادر المعتبرة تثبت صحّة الموقف والرأي الذي ذهب اليه علماء الشيعة وتصدّقه، فقد نصّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم على خليفته من بعده في الفترة النبوية من حياته مراراً وتكراراً، وأخرج موضوع الإمامة من محال الانتخاب الشعبي والرأي العام.
فهو لم يعيّن (ولم ينص على) خليفته ووصيه من بعده في أُخريات حياته فحسب، بل بادر الى التعريف بخليفته ووصيه في بدء الدعوة يوم لم ينضو تحت راية رسالته بعد سوى بضع عشرة من الاشخاص، وذلك يوم امر من جانب الله العلي القدير ان ينذر عشيرته الأقربين من العذاب الإلهي الأليم. وأن يدعوهم الى عقيدة التوحيد قبل أن يصدع رسالته للجميع ويبدأ دعوته العامة للناس كافة.
فجمع اربعين رجلاً من زعماء بني هاشم وبني المطلب، ثمّ وقف فيهم خطيباً فقال:
«أيّكم يؤازرني على هذا الأمر على ن يكون أخي ووصيّي وخليفتي فيكم؟».
فأحجم القوم، وقام عليّ _ عليه السلام _ وأعلن مؤازرته وتأييده له، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم برقبته، والتفت الى الحاضرين، وقال:
«إنّ هذا أخي ووصيّي وخليفتي فيكم»(1).
(1) تاريخ الطبري ج 2 ص 216، الكامل في التاريخ ج 2 ص 62 و63.
وقد عرف هذا الحديث عند المفسّرين والمحدّثين: ب «حديث يوم الدار» و«حديث بدء الدعوة».
على أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يكتف بالنص على خليفته في بدء رسالته، بل صرّح في مناسبات شتّى في السفر والحضر، بخلافة علي _ عليه السلام _ من بعده، ولكن لا يبلغ شيء من ذلك في الاهمية والظهور والصراحة والحسم ما بلغه حديث الغدير.
تعليق