العصبيّة
هي : مناصرة المَرء قومَه ، أو أُسرته ، أو وطنه ، فيما يُخالف الشرع ، ويُنافي الحقّ والعدل .
وهي : مِن أخطر النزَعات و أفتكها في تسيب المسلمين ، وتفريق شملهم ، وإضعاف طاقاتهم ، الروحيّة والمادّيّة ، وقد حاربها الإسلام ، وحذّر المسلمين من شرورها .
فعن أبي عبد اللّه ( عليه السلام ) قال : ( قال رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) : من كان في قلبِه حبّةً مِن خَردَلٍ من عصبيّة ، بعثَه اللّه تعالى يوم القيامة مع أعراب الجاهليّة )(1) .
وقال الصادق ( عليه السلام ) : ( من تعصّب عصّبه اللّه بعصابة من نار )(2) .
وقال النبيّ ( صلّى اللّه عليه وآله ) : ( إنّ اللّه تبارك وتعالى قد أذهب بالإسلام نخوة الجاهليّة ، وتفاخرها بآبائها ، ألاّ إنّ الناس من آدم ، وآدم من تراب ، وأكرمهم عند اللّه أتقاهم )(3) .
_____________________
(1) ، (2) الوافي ج 3 ص 149 عن الكافي .
(3) الوافي ج 14 ص 48 عن الفقيه .
الصفحة 105
وقال الباقر ( عليه السلام ) : ( جلس جماعةٌ مِن أصحابِ رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) ينتسبون ويفتخرون ، وفيهم سلمان . فقال عمر : ما نسبَك أنت يا سلمان وما أصلك ؟ فقال : أنا سلمان بن عبد اللّه ، كنت ضالاًّ فهداني اللّه بمحمّد . وكنت عائلاً فأغناني اللّه بمحمّد ، وكنت مملوكاً فأعتقني اللّه بمحمّدٍ ، فهذا حسَبي ونسَبي يا عُمَر .
ثُمّ خرج رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) ، فذكر له سلمان ما قال عُمَر وما أجابه ، فقال رسول اللّه : يا معشَر قريش إنّ حَسبَ المرء دينُه ، ومروءته خُلُقَه ، وأصلَه عقلُه ، قال اللّه تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ) .
ثُمّ أقبَل على سلمان فقال له : إنّه ليس لأحدٍ مِن هؤلاء عليكَ فضل إلاّ بتقوى اللّه عزَّ وجل ، فمَن كنت أتقى منه فأنت أفضل منه ) (1) .
وعن الصادق عن أبيه عن جدّه ( عليهم السلام ) قال : ( وقع بين سلمان الفارسي رضي اللّه عنه ، وبين رجل كلام وخصومة ، فقال له الرجل : من أنت يا سلمان ؟ فقال سلمان : أمّا أوّلي وأوّلك فنطفةٌ قذِرة . وأمّا آخري وآخرُك فجيفةٌ منتنة ، فإذا كان يوم القيامة ، ووضِعت الموازين ، فمَن ثقُل ميزانه فهو الكريم ، ومَن خفّ ميزانه فهو اللئيم )(2) .
وأصدق شاهد على واقعيّة الإسلام ، واستنكاره النعرات العصبيّة
_____________________
(1) البحار م 15 ج 2 ص 95 عن أمالي أبي عليّ الشيخ الطوسي .
(2) سفينة البحار ج 2 ص 348 عن أمالي الصدوق (ره) .
الصفحة 106
المفرّقة ، وجعله الإيمان والتُقى مِقياساً للتفاضل ، أنّ أبا لهب - وهو مِن صميم العرب ، وعمّ النبيّ - صرّح القرآن بثَلْبه وعذابه : ( تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ ) ، وذلك بكفره ومحاربته للّه ورسوله .
وكان سلمان فارسّياً ، بعيداً عن الأحساب العربيّة ، وقد منحه الرسول الأعظم ( صلّى اللّه عليه وآله ) وساماً خالداً في الشرَف والعزّة ، فقال : ( سلمان منّا أهل البيت ) . وما ذلك إلاّ لسموّ إيمانه ، وعِظَم إخلاصه ، وتفانيه في اللّه ورسوله .
حقيقة العصبيّة :
لا ريب أنّ العصبيّة الذميمة التي نهى الإسلام عنها هي : التناصر على الباطل ، والتعاون على الظلم ، والتفاخر بالقيم الجاهليّة .
أمّا التعصّب للحقّ ، والدفاع عنه…، و التناصر على تحقيق المصالح الإسلامية العامّة ، كالدفاع عن الدين ، وحماية الوطن الإسلامي الكبير، وصيانة كرامات المسلمين وأنفسهم وأموالهم ، فهو التعصّب المحمود الباعث على توحيد الأهداف والجهود ، وتحقيق العِزة والمنعة للمسلمين، وقد قال الإمام زين العابدين عليّ بن الحسين ( عليهما السلام ) : ( إنّ العصبيّة التي يأثم عليها صاحبها ، أنْ يرى الرجل شِرار قومِه خيراً مِن خيار قومٍ آخرين ، وليس مِن العصبيّة أنْ يحبّ الرجل قومه ، ولكِن من العصبيّة أنْ يعين
الصفحة 107
قومه على الظلم ) (1) .
غوائل العصبية :
من استقرأ التاريخ الإسلامي ، وتتّبع العلل والأسباب ، في هبوط المسلمين ، عَلِم أنّ النزعات العصبيّة ، هي المعول الهدّام ، والسبب الأوّل في تناكر المسلمين ، وتمزيق شملهم ، وتفتيت طاقاتهم ، ممّا أدّى بهم إلى هذا المصير القاتم .
فقد ذلّ المسلمون وهانوا ، حينما تفشّت فيهم النعرات المفرّقة ، فانفصمت بينهم عُرى التحابُب ، ووهت فيهم أواصر الإخاء ، فأصبحوا مثالاً للتخلّف والتبَعثُر والهَوان ، بعد أنْ كانوا رمزاً للتفوّق والتماسك والفِخار ، كأنّهم لم يسمعوا كلام اللّه تعالى حيثُ قال :
( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا )(2) .
_____________________
(1) الوافي ج 3 ص 149 عن الكافي .
(2) آل عمران : 103 .
هي : مناصرة المَرء قومَه ، أو أُسرته ، أو وطنه ، فيما يُخالف الشرع ، ويُنافي الحقّ والعدل .
وهي : مِن أخطر النزَعات و أفتكها في تسيب المسلمين ، وتفريق شملهم ، وإضعاف طاقاتهم ، الروحيّة والمادّيّة ، وقد حاربها الإسلام ، وحذّر المسلمين من شرورها .
فعن أبي عبد اللّه ( عليه السلام ) قال : ( قال رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) : من كان في قلبِه حبّةً مِن خَردَلٍ من عصبيّة ، بعثَه اللّه تعالى يوم القيامة مع أعراب الجاهليّة )(1) .
وقال الصادق ( عليه السلام ) : ( من تعصّب عصّبه اللّه بعصابة من نار )(2) .
وقال النبيّ ( صلّى اللّه عليه وآله ) : ( إنّ اللّه تبارك وتعالى قد أذهب بالإسلام نخوة الجاهليّة ، وتفاخرها بآبائها ، ألاّ إنّ الناس من آدم ، وآدم من تراب ، وأكرمهم عند اللّه أتقاهم )(3) .
_____________________
(1) ، (2) الوافي ج 3 ص 149 عن الكافي .
(3) الوافي ج 14 ص 48 عن الفقيه .
الصفحة 105
وقال الباقر ( عليه السلام ) : ( جلس جماعةٌ مِن أصحابِ رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) ينتسبون ويفتخرون ، وفيهم سلمان . فقال عمر : ما نسبَك أنت يا سلمان وما أصلك ؟ فقال : أنا سلمان بن عبد اللّه ، كنت ضالاًّ فهداني اللّه بمحمّد . وكنت عائلاً فأغناني اللّه بمحمّد ، وكنت مملوكاً فأعتقني اللّه بمحمّدٍ ، فهذا حسَبي ونسَبي يا عُمَر .
ثُمّ خرج رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) ، فذكر له سلمان ما قال عُمَر وما أجابه ، فقال رسول اللّه : يا معشَر قريش إنّ حَسبَ المرء دينُه ، ومروءته خُلُقَه ، وأصلَه عقلُه ، قال اللّه تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ) .
ثُمّ أقبَل على سلمان فقال له : إنّه ليس لأحدٍ مِن هؤلاء عليكَ فضل إلاّ بتقوى اللّه عزَّ وجل ، فمَن كنت أتقى منه فأنت أفضل منه ) (1) .
وعن الصادق عن أبيه عن جدّه ( عليهم السلام ) قال : ( وقع بين سلمان الفارسي رضي اللّه عنه ، وبين رجل كلام وخصومة ، فقال له الرجل : من أنت يا سلمان ؟ فقال سلمان : أمّا أوّلي وأوّلك فنطفةٌ قذِرة . وأمّا آخري وآخرُك فجيفةٌ منتنة ، فإذا كان يوم القيامة ، ووضِعت الموازين ، فمَن ثقُل ميزانه فهو الكريم ، ومَن خفّ ميزانه فهو اللئيم )(2) .
وأصدق شاهد على واقعيّة الإسلام ، واستنكاره النعرات العصبيّة
_____________________
(1) البحار م 15 ج 2 ص 95 عن أمالي أبي عليّ الشيخ الطوسي .
(2) سفينة البحار ج 2 ص 348 عن أمالي الصدوق (ره) .
الصفحة 106
المفرّقة ، وجعله الإيمان والتُقى مِقياساً للتفاضل ، أنّ أبا لهب - وهو مِن صميم العرب ، وعمّ النبيّ - صرّح القرآن بثَلْبه وعذابه : ( تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ ) ، وذلك بكفره ومحاربته للّه ورسوله .
وكان سلمان فارسّياً ، بعيداً عن الأحساب العربيّة ، وقد منحه الرسول الأعظم ( صلّى اللّه عليه وآله ) وساماً خالداً في الشرَف والعزّة ، فقال : ( سلمان منّا أهل البيت ) . وما ذلك إلاّ لسموّ إيمانه ، وعِظَم إخلاصه ، وتفانيه في اللّه ورسوله .
حقيقة العصبيّة :
لا ريب أنّ العصبيّة الذميمة التي نهى الإسلام عنها هي : التناصر على الباطل ، والتعاون على الظلم ، والتفاخر بالقيم الجاهليّة .
أمّا التعصّب للحقّ ، والدفاع عنه…، و التناصر على تحقيق المصالح الإسلامية العامّة ، كالدفاع عن الدين ، وحماية الوطن الإسلامي الكبير، وصيانة كرامات المسلمين وأنفسهم وأموالهم ، فهو التعصّب المحمود الباعث على توحيد الأهداف والجهود ، وتحقيق العِزة والمنعة للمسلمين، وقد قال الإمام زين العابدين عليّ بن الحسين ( عليهما السلام ) : ( إنّ العصبيّة التي يأثم عليها صاحبها ، أنْ يرى الرجل شِرار قومِه خيراً مِن خيار قومٍ آخرين ، وليس مِن العصبيّة أنْ يحبّ الرجل قومه ، ولكِن من العصبيّة أنْ يعين
الصفحة 107
قومه على الظلم ) (1) .
غوائل العصبية :
من استقرأ التاريخ الإسلامي ، وتتّبع العلل والأسباب ، في هبوط المسلمين ، عَلِم أنّ النزعات العصبيّة ، هي المعول الهدّام ، والسبب الأوّل في تناكر المسلمين ، وتمزيق شملهم ، وتفتيت طاقاتهم ، ممّا أدّى بهم إلى هذا المصير القاتم .
فقد ذلّ المسلمون وهانوا ، حينما تفشّت فيهم النعرات المفرّقة ، فانفصمت بينهم عُرى التحابُب ، ووهت فيهم أواصر الإخاء ، فأصبحوا مثالاً للتخلّف والتبَعثُر والهَوان ، بعد أنْ كانوا رمزاً للتفوّق والتماسك والفِخار ، كأنّهم لم يسمعوا كلام اللّه تعالى حيثُ قال :
( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا )(2) .
_____________________
(1) الوافي ج 3 ص 149 عن الكافي .
(2) آل عمران : 103 .