الرياء
وهو : طلب الجاه والرِّفعة في نفوس الناس ، بمراءاة أعمال الخير .
وهو مِن أسوأ الخصال ، وأفظع الجرائم ، الموجبة لعناء المرائي وخسرانه ومقته ، وقد تعاضدت الآيات والأخبار على ذمّه والتحذير منه .
قال تعالى في وصف المنافقين : ( يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً )(1) .
وقال تعالى : ( فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً )(2) .
وقال سبحانه : ( كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ )(3) .
وقال الصادق ( عليه السلام ) : ( كلّ رياء شِرك ، أنّه مَن عمِل للناس كان ثوابه على الناس ، ومَن عمِل للّه كان ثوابه على اللّه )(4) .
وقال ( عليه السلام ) : ( ما مِن عبدٍ يُسِرُّ خيراً ، إلاّ لم تذهب الأيّام
_____________________
(1) النساء : 142 .
(2) الكهف : 110.
(3) البقرة : 264 .
(4) الوافي ج 3 ص 137 عن الكافي .
الصفحة 132
حتّى يُظهِر اللّه له خيراً ، وما مِن عبدٍ يُسِرُّ شرَّاً إلاّ لم تذهب الأيّام حتّى يُظهِر له شرَّاً )(1) .
وعنه ( عليه السلام ) قال : قال رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) : ( سيأتي على الناس زمانٌ تخبث فيه سرائرهم ، وتحسن فيه علانيتهم ، طمَعاً في الدنيا ، لا يُريدون به ما عند ربِّهم ، يكون دينهم رياءاً ، لا يُخالطهم خوف ، يعمّهم اللّه بعقاب فيدعونه دعاءَ الغريق فلا يستجيب لهم )(2) .
وعن موسى بن جعفر عن آبائه ( عليهم السلام ) قال : قال رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) : ( يؤمَر برجال إلى النار ، فيقول اللّه جلّ جلاله لمالك : قل للنار لا تحرق لهم أقداماً ، فقد كانوا يمشون إلى المساجد ، ولا تحرق لهم وجهاً ، فقد كانوا يسبغون الوضوء ، ولا تحرق لهم أيدِيَاً ، فقد كانوا يرفعونها بالدعاء ، ولا تحرق لهم ألسُناً ، فقد كانوا يُكثرون تلاوة القرآن . قال : فيقول لهم خازن النار : يا أشقياء ما كان حالكم ؟ قالوا : كنّا نعمل لغير اللّه عزّ وجل فقيل لنا خذوا ثوابكم ممّن عملتم له )(3) .
_____________________
(1) الوافي الجزء الثالث ص 147 عن الكافي .
(2) الوافي الجزء الثالث ص 147 عن الكافي ، ودعاء الغريق : أي كدعاء المشرف على الغرق ، فإنّ الاخلاص والانقطاع فيه إلى اللّه عزّ وجل أكثر من سائر الأدعية .
(3) البحار م 15 بحث الرياء ص 53 عن عِلل الشرائع وثواب الاعمال .
الصفحة 133
أقسام الرياء
ينقسم الرياء أقساماً تُلخّصها النقاط التالية :
1 - الرياء بالعقيدة : بإظهار الايمان وإسرار الكُفر ، وهذا هو النفاق وهو أشدّها نُكراً وخطَراً على المسلمين ؛ لخفاء كيده ، وتستّره بظلام النفاق .
2 - الرياء بالعبادة مع صحّة العقيدة :
وذلك بممارسة العبادات أمام ملأ الناس ، مراءاةً لهم ، ونبذها في الخَلوة والسرّ ، كالتظاهر بالصلاة ، والصيام ، وإطالة الركوع والسجود والتأنّي بالقراءة والأذكار وارتياد المساجد ، وشهود الجماعة ، ونحوه من صور الرياء ، في صميم العبادة أو مكمّلاتها ، وهنا يغدو المُرائي أشدُّ إثماً مِن تارك العبادة ، لاستخفافه باللّه عزّ وجل ، وتلبيسه على الناس .
3 - الرياء بالأفعال : كالتظاهر بالخشوع ، وتطويل اللحية ، ووسم الجبهة بأثر السجود ، وارتداء الملابس الخشنة ونحوه من مظاهر الزهد والتقشّف الزائفة .
4 - الرياء بالأقوال : كالتشدّق بالحكمة ، والمراءاة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والتذكير بالثواب والعقاب مداجاةً وخداعاً .
دواعي الرياء :
للرياء أسباب ودواع نُجملها فيما يلي :
1 - حُب الجاه : وهو مِن أهمّ أسباب المراءاة ودواعيه .
الصفحة 134
2 - خوف النقد : وهو دافع على المراءاة بالعبادة ، وأعمال الخير ، خشية من قوارص الذم والنقد .
3 - الطمع : وهو من محفّزات الرياء وأهدافه التي يستهدفها الطامعون ، إشباعاً لأطماعهم .
4 - التستّر : وهو باعث على تظاهر المجرمين بمظاهر الصلاح المزيفة ، إخفاءاً لجرائمهم ، وتستّراً عن الأعيُن .
ولا ريب أنّ تلك الدواعي هي من مكائد الشيطان ، وأشراكه الخطيرة التي يأسر بها الناس ، أعاذنا اللّه منها جميعاً .
حقائق :
ولا بدّ من استعراض بعض الحقائق والكشف عنها إتماماً للبحث :
1 - إختلفت أقوال المحقّقين ، في أفضليّة اخفاء الطاعة أو اعلانها .
ومجمل القول في ذلك ، إنّ الأعمال بالنيات ، وأنّ لكلّ امرئ ما نوى ، فما صفا مِن الرياء فسَواء إعلانه أو إخفاؤه ، وما شابه الرياء فسيّان إظهاره أو إسراره .
وقد يُرجّح الإسرار أحياناً للذين لا يُطيقون مدافعة الرياء لشدّة بواعثه في الإعلان . كما يُرجّح إعلان الطاعة ، إنْ خلُصت من شوائب الرياء ، وقُصِد به غرضٌ صحيح ، كالترغيب في الخير والحثّ على الاقتداء .
2 - ومَن استهدف الإخلاص في طاعته وعبادته ، ثُمّ اطلع الناس
الصفحة 135
عليها ، وُسرّ باطلاعهم واغتبط ، فلا يقدح ذلك في إخلاصه ، إنْ كان سروره نابعاً عن استشعاره بلطف اللّه تعالى ، وإظهار محاسنه والستر على مساوئه تكرماً منه عزّ وجل .
وقد سئل الامام الباقر ( عليه السلام ) عن الرجل يعمل الشيء مِن الخير فيراه إنسانٌ فيسرّه ذلك ، فقال : ( لا بأس ، ما مِن أحدٍ إلاّ وهو يحبُّ أنْ يظهر اللّه له في الناس الخير ، اذا لم يكن صنع ذلك لذلك )(1) .
3 - وحيث كان الشيطان مجدّاً في إغواء الناس ، وصدّهم عن مشاريع الخير والطاعة ، بصنوف الكيد والإغواء ، لزِم الحذر والتوقّي منه ، فهو يُسوّل للناس ترك الطاعة ونبذ العبادة ، فإنْ عجَز عن ذلك أغراهم بالرياء ، وحبّبه إليهم ، فإنْ أخفَق في هذا وذاك ، ألقى في خُلدِهم أنّهم مراؤون وأعمالهم مشوبةٌ بالرياء ، ليسوّل لهم نبذها وإهمالها .
فيجب والحالة هذه طرده ، وعدم الاكتراث بخِدَعه ووَساوِسه ، إذ المخلص لا تضرّه هذه الخواطر والأوهام .
فعن الصادق عن أبيه ( عليهما السلام ) : إنّ النبيّ قال : ( اذا أتى الشيطان أحدكم وهو في صلاته فقال : إنّك مرائي ، فليُطل صلاته ما بدا له، ما لم يفته وقت فريضة ، واذا كان على شيء من أمر الآخرة فليتمكث ما بدا له ، واذا كان علي شيء من أمر الدنيا فليسترح...)(2) .
_____________________
(1) الوافي ج 3 ص 148 عن الكافي .
(2) البحار م 15 ص 53 عن قرب الإسناد .
الصفحة 136
مساوئ الرياء :
الرياء من السجايا الذميمة ، والخِلال المقيتة ، الدالّة على ضِعة النفس ، وسُقم الضمير ، وغباء الوعي ، إذ هو الوسيلة الخادعة المُدجَلة التي يتّخذها المتلوّنون والمنحرفون ذريعةً لأهدافهم ومآربهم ، دونَما خجَلٍ واستحياءٍ مِن هوانِها ومناقضتها لصميم الدين والكرامة والإباء .
وحسبُ المرائي ذمّاً أنّه اقترف جُرمين عظيمين :
تحدّى اللّه عزّ وجل ، واستخفّ بجلاله ، بإيثار عباده عليه في الزلفى والتقرّب ، ومخادعة الناس والتلبّس عليهم بالنفاق والرياء .
ومثَل المرائي في صفاقته وغبائه ، كمَن وقَف إزاء ملِكٍ عظيم مظهِراً له الولاء والإخلاص ، وهو رغم موقفه ذلك يخاتل الملِك بمغازلة جواريه أو استهواء غِلمانه .
أليس هذا حريّاً بعقاب الملك ونكاله الفادحين على تلصصه واستهتاره .
ولا ريب أنّ المرائي أشدّ جرماً وجنايةً من ذلك ، لاستخفافه باللّه عزّ وجل ، ومخادعة عبيده . والمرائي بعد هذا حليف الهم والعناء ، يستهوي قلوب الناس ، ويتملق رضاهم ، ورضاهم غاية لا تنال ، فيعود بعد طول المعاناة خائباً ، شقيّاً ، سليب الكرامة والدين .
ومن الثابت أنّ سوء السريرة سرعان ما ينعكس على المرء ، ويكشف واقعه ، ويبوء بالفضيحة والخُسران .
الصفحة 137
ومهما تكن عند امرئ من خليقة وإن خالها تخفى على الناس تُعلم
وقد أعرب النبيّ ( صلّى اللّه عليه وآله ) عن ذلك قائلاً : ( مَن أسرّ سريرةً ردّأه اللّه رِداءها ، إنْ خيراً فخير ، وإنْ شرَّاً فشر )(1) .
علاج الرياء :
وبعد أنْ عرفنا طرَفاً مِن مساوئ الرياء ، يجدر بنا أنْ نعرض أهمّ النصائح الأخلاقيّة في علاجه وملافاته ، وقد شرحت في بحث الإخلاص طرفاً من مساوئ الرياء ومحاسن الإخلاص فراجعه هناك .
علاج الرياء العمَلي :
وذلك برعاية النصائح المجملة التالية :
1 - محاكمة الشيطان ، وإحباط مكائده ونزعاته المرائيّة ، بأُسلوب منطقي يقنع النفس ، ويرضي الوجدان .
2 - زجر الشيطان وطرد هواجسه في المراءاة ، طرداً حاسماً ، والاعتماد على ما انطوى عليه المؤمن من حبّ الاخلاص ، ومقت الرياء .
3 - تجنب مجالات الرياء ومظاهره ، وذلك باخفاء الطاعات والعبادات وسترها عن ملأ الناس ، ريثما يثق الإنسان بنفسه ، ويحرز فيها الاخلاص .
_____________________
(1) الوافي ج 3 ص 147 من خبر عن الكافي .
الصفحة 138
ومِن طرائف الرياء والمرائين ماقيل :
إنّ أعرابيّاً دخل المسجد ، فرأى رجلاً يُصلّي بخشوعٍ وخضوع ، فأعجبه ذلك ، فقال له : نعم ما تُصلّي .
قال : وأنا صائم ، فإنّ صلاة الصائم ، تَضعُف صلاةَ المفطر .
فقال له الأعرابي : تفضّل واحفظ ناقتي هذه ، فإنّ لي حاجةً حتّى أقضيها . فخرج لحاجته ، فركب المصلّي ناقته وخرَج ، فلمّا قضى الأعرابي حاجته ، رجع ولم يجد الرجل ولا الناقة ، وطلبه فلم يقدر عليه ، فخرج وهو يقول :
صلّى فأعجبني وصام فرامني منح القَلُوص عن المصلّي الصائم
وصلّى أعرابيّ فخفّف صلاته ، فقام إليه عليّ ( عليه السلام ) بالدرّة وقال : ( أعِدْها ) ، فلمّا فرغ ، قال : ( أهذه خير أم الأولى ؟) قال : بل الأُولى ، قال : ( ولِمَ ) ، قال : لأنّ الأُولى للّه وهذه للّدرة .
وهو : طلب الجاه والرِّفعة في نفوس الناس ، بمراءاة أعمال الخير .
وهو مِن أسوأ الخصال ، وأفظع الجرائم ، الموجبة لعناء المرائي وخسرانه ومقته ، وقد تعاضدت الآيات والأخبار على ذمّه والتحذير منه .
قال تعالى في وصف المنافقين : ( يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً )(1) .
وقال تعالى : ( فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً )(2) .
وقال سبحانه : ( كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ )(3) .
وقال الصادق ( عليه السلام ) : ( كلّ رياء شِرك ، أنّه مَن عمِل للناس كان ثوابه على الناس ، ومَن عمِل للّه كان ثوابه على اللّه )(4) .
وقال ( عليه السلام ) : ( ما مِن عبدٍ يُسِرُّ خيراً ، إلاّ لم تذهب الأيّام
_____________________
(1) النساء : 142 .
(2) الكهف : 110.
(3) البقرة : 264 .
(4) الوافي ج 3 ص 137 عن الكافي .
الصفحة 132
حتّى يُظهِر اللّه له خيراً ، وما مِن عبدٍ يُسِرُّ شرَّاً إلاّ لم تذهب الأيّام حتّى يُظهِر له شرَّاً )(1) .
وعنه ( عليه السلام ) قال : قال رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) : ( سيأتي على الناس زمانٌ تخبث فيه سرائرهم ، وتحسن فيه علانيتهم ، طمَعاً في الدنيا ، لا يُريدون به ما عند ربِّهم ، يكون دينهم رياءاً ، لا يُخالطهم خوف ، يعمّهم اللّه بعقاب فيدعونه دعاءَ الغريق فلا يستجيب لهم )(2) .
وعن موسى بن جعفر عن آبائه ( عليهم السلام ) قال : قال رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) : ( يؤمَر برجال إلى النار ، فيقول اللّه جلّ جلاله لمالك : قل للنار لا تحرق لهم أقداماً ، فقد كانوا يمشون إلى المساجد ، ولا تحرق لهم وجهاً ، فقد كانوا يسبغون الوضوء ، ولا تحرق لهم أيدِيَاً ، فقد كانوا يرفعونها بالدعاء ، ولا تحرق لهم ألسُناً ، فقد كانوا يُكثرون تلاوة القرآن . قال : فيقول لهم خازن النار : يا أشقياء ما كان حالكم ؟ قالوا : كنّا نعمل لغير اللّه عزّ وجل فقيل لنا خذوا ثوابكم ممّن عملتم له )(3) .
_____________________
(1) الوافي الجزء الثالث ص 147 عن الكافي .
(2) الوافي الجزء الثالث ص 147 عن الكافي ، ودعاء الغريق : أي كدعاء المشرف على الغرق ، فإنّ الاخلاص والانقطاع فيه إلى اللّه عزّ وجل أكثر من سائر الأدعية .
(3) البحار م 15 بحث الرياء ص 53 عن عِلل الشرائع وثواب الاعمال .
الصفحة 133
أقسام الرياء
ينقسم الرياء أقساماً تُلخّصها النقاط التالية :
1 - الرياء بالعقيدة : بإظهار الايمان وإسرار الكُفر ، وهذا هو النفاق وهو أشدّها نُكراً وخطَراً على المسلمين ؛ لخفاء كيده ، وتستّره بظلام النفاق .
2 - الرياء بالعبادة مع صحّة العقيدة :
وذلك بممارسة العبادات أمام ملأ الناس ، مراءاةً لهم ، ونبذها في الخَلوة والسرّ ، كالتظاهر بالصلاة ، والصيام ، وإطالة الركوع والسجود والتأنّي بالقراءة والأذكار وارتياد المساجد ، وشهود الجماعة ، ونحوه من صور الرياء ، في صميم العبادة أو مكمّلاتها ، وهنا يغدو المُرائي أشدُّ إثماً مِن تارك العبادة ، لاستخفافه باللّه عزّ وجل ، وتلبيسه على الناس .
3 - الرياء بالأفعال : كالتظاهر بالخشوع ، وتطويل اللحية ، ووسم الجبهة بأثر السجود ، وارتداء الملابس الخشنة ونحوه من مظاهر الزهد والتقشّف الزائفة .
4 - الرياء بالأقوال : كالتشدّق بالحكمة ، والمراءاة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والتذكير بالثواب والعقاب مداجاةً وخداعاً .
دواعي الرياء :
للرياء أسباب ودواع نُجملها فيما يلي :
1 - حُب الجاه : وهو مِن أهمّ أسباب المراءاة ودواعيه .
الصفحة 134
2 - خوف النقد : وهو دافع على المراءاة بالعبادة ، وأعمال الخير ، خشية من قوارص الذم والنقد .
3 - الطمع : وهو من محفّزات الرياء وأهدافه التي يستهدفها الطامعون ، إشباعاً لأطماعهم .
4 - التستّر : وهو باعث على تظاهر المجرمين بمظاهر الصلاح المزيفة ، إخفاءاً لجرائمهم ، وتستّراً عن الأعيُن .
ولا ريب أنّ تلك الدواعي هي من مكائد الشيطان ، وأشراكه الخطيرة التي يأسر بها الناس ، أعاذنا اللّه منها جميعاً .
حقائق :
ولا بدّ من استعراض بعض الحقائق والكشف عنها إتماماً للبحث :
1 - إختلفت أقوال المحقّقين ، في أفضليّة اخفاء الطاعة أو اعلانها .
ومجمل القول في ذلك ، إنّ الأعمال بالنيات ، وأنّ لكلّ امرئ ما نوى ، فما صفا مِن الرياء فسَواء إعلانه أو إخفاؤه ، وما شابه الرياء فسيّان إظهاره أو إسراره .
وقد يُرجّح الإسرار أحياناً للذين لا يُطيقون مدافعة الرياء لشدّة بواعثه في الإعلان . كما يُرجّح إعلان الطاعة ، إنْ خلُصت من شوائب الرياء ، وقُصِد به غرضٌ صحيح ، كالترغيب في الخير والحثّ على الاقتداء .
2 - ومَن استهدف الإخلاص في طاعته وعبادته ، ثُمّ اطلع الناس
الصفحة 135
عليها ، وُسرّ باطلاعهم واغتبط ، فلا يقدح ذلك في إخلاصه ، إنْ كان سروره نابعاً عن استشعاره بلطف اللّه تعالى ، وإظهار محاسنه والستر على مساوئه تكرماً منه عزّ وجل .
وقد سئل الامام الباقر ( عليه السلام ) عن الرجل يعمل الشيء مِن الخير فيراه إنسانٌ فيسرّه ذلك ، فقال : ( لا بأس ، ما مِن أحدٍ إلاّ وهو يحبُّ أنْ يظهر اللّه له في الناس الخير ، اذا لم يكن صنع ذلك لذلك )(1) .
3 - وحيث كان الشيطان مجدّاً في إغواء الناس ، وصدّهم عن مشاريع الخير والطاعة ، بصنوف الكيد والإغواء ، لزِم الحذر والتوقّي منه ، فهو يُسوّل للناس ترك الطاعة ونبذ العبادة ، فإنْ عجَز عن ذلك أغراهم بالرياء ، وحبّبه إليهم ، فإنْ أخفَق في هذا وذاك ، ألقى في خُلدِهم أنّهم مراؤون وأعمالهم مشوبةٌ بالرياء ، ليسوّل لهم نبذها وإهمالها .
فيجب والحالة هذه طرده ، وعدم الاكتراث بخِدَعه ووَساوِسه ، إذ المخلص لا تضرّه هذه الخواطر والأوهام .
فعن الصادق عن أبيه ( عليهما السلام ) : إنّ النبيّ قال : ( اذا أتى الشيطان أحدكم وهو في صلاته فقال : إنّك مرائي ، فليُطل صلاته ما بدا له، ما لم يفته وقت فريضة ، واذا كان على شيء من أمر الآخرة فليتمكث ما بدا له ، واذا كان علي شيء من أمر الدنيا فليسترح...)(2) .
_____________________
(1) الوافي ج 3 ص 148 عن الكافي .
(2) البحار م 15 ص 53 عن قرب الإسناد .
الصفحة 136
مساوئ الرياء :
الرياء من السجايا الذميمة ، والخِلال المقيتة ، الدالّة على ضِعة النفس ، وسُقم الضمير ، وغباء الوعي ، إذ هو الوسيلة الخادعة المُدجَلة التي يتّخذها المتلوّنون والمنحرفون ذريعةً لأهدافهم ومآربهم ، دونَما خجَلٍ واستحياءٍ مِن هوانِها ومناقضتها لصميم الدين والكرامة والإباء .
وحسبُ المرائي ذمّاً أنّه اقترف جُرمين عظيمين :
تحدّى اللّه عزّ وجل ، واستخفّ بجلاله ، بإيثار عباده عليه في الزلفى والتقرّب ، ومخادعة الناس والتلبّس عليهم بالنفاق والرياء .
ومثَل المرائي في صفاقته وغبائه ، كمَن وقَف إزاء ملِكٍ عظيم مظهِراً له الولاء والإخلاص ، وهو رغم موقفه ذلك يخاتل الملِك بمغازلة جواريه أو استهواء غِلمانه .
أليس هذا حريّاً بعقاب الملك ونكاله الفادحين على تلصصه واستهتاره .
ولا ريب أنّ المرائي أشدّ جرماً وجنايةً من ذلك ، لاستخفافه باللّه عزّ وجل ، ومخادعة عبيده . والمرائي بعد هذا حليف الهم والعناء ، يستهوي قلوب الناس ، ويتملق رضاهم ، ورضاهم غاية لا تنال ، فيعود بعد طول المعاناة خائباً ، شقيّاً ، سليب الكرامة والدين .
ومن الثابت أنّ سوء السريرة سرعان ما ينعكس على المرء ، ويكشف واقعه ، ويبوء بالفضيحة والخُسران .
الصفحة 137
ومهما تكن عند امرئ من خليقة وإن خالها تخفى على الناس تُعلم
وقد أعرب النبيّ ( صلّى اللّه عليه وآله ) عن ذلك قائلاً : ( مَن أسرّ سريرةً ردّأه اللّه رِداءها ، إنْ خيراً فخير ، وإنْ شرَّاً فشر )(1) .
علاج الرياء :
وبعد أنْ عرفنا طرَفاً مِن مساوئ الرياء ، يجدر بنا أنْ نعرض أهمّ النصائح الأخلاقيّة في علاجه وملافاته ، وقد شرحت في بحث الإخلاص طرفاً من مساوئ الرياء ومحاسن الإخلاص فراجعه هناك .
علاج الرياء العمَلي :
وذلك برعاية النصائح المجملة التالية :
1 - محاكمة الشيطان ، وإحباط مكائده ونزعاته المرائيّة ، بأُسلوب منطقي يقنع النفس ، ويرضي الوجدان .
2 - زجر الشيطان وطرد هواجسه في المراءاة ، طرداً حاسماً ، والاعتماد على ما انطوى عليه المؤمن من حبّ الاخلاص ، ومقت الرياء .
3 - تجنب مجالات الرياء ومظاهره ، وذلك باخفاء الطاعات والعبادات وسترها عن ملأ الناس ، ريثما يثق الإنسان بنفسه ، ويحرز فيها الاخلاص .
_____________________
(1) الوافي ج 3 ص 147 من خبر عن الكافي .
الصفحة 138
ومِن طرائف الرياء والمرائين ماقيل :
إنّ أعرابيّاً دخل المسجد ، فرأى رجلاً يُصلّي بخشوعٍ وخضوع ، فأعجبه ذلك ، فقال له : نعم ما تُصلّي .
قال : وأنا صائم ، فإنّ صلاة الصائم ، تَضعُف صلاةَ المفطر .
فقال له الأعرابي : تفضّل واحفظ ناقتي هذه ، فإنّ لي حاجةً حتّى أقضيها . فخرج لحاجته ، فركب المصلّي ناقته وخرَج ، فلمّا قضى الأعرابي حاجته ، رجع ولم يجد الرجل ولا الناقة ، وطلبه فلم يقدر عليه ، فخرج وهو يقول :
صلّى فأعجبني وصام فرامني منح القَلُوص عن المصلّي الصائم
وصلّى أعرابيّ فخفّف صلاته ، فقام إليه عليّ ( عليه السلام ) بالدرّة وقال : ( أعِدْها ) ، فلمّا فرغ ، قال : ( أهذه خير أم الأولى ؟) قال : بل الأُولى ، قال : ( ولِمَ ) ، قال : لأنّ الأُولى للّه وهذه للّدرة .