received by e mail
السيد عبدالله الموسوي : ينبغي ألا نجامل على حساب تراثنا الفكري والعقدي!
بمناسبة مرور ذكرى ميلاد الإمام الحجة المنتظر (عج ) السنوية ألقى سماحة حجة الإسلام والمسلمين السيد عبدالله الموسوي خطبة يوم الجمعة الموافق 17/8/1425هـ ، في جموع المؤمنين إبان صلاة الظهرين ، ركز خلالها على معطيات الانتظار ، محذراً سماحته من مغبة ضياع الهوية في زمن الانتظار , مركزاً على أهمية معرفة حقوق وواجبات الأمة تجاه الإمام الغائب ، فيما يلي نصها :
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة على رسول الله وعلى آله وصحبه الميامين وبعد ،،،
قال تعالى : ( ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ).
تهنئة وإشكال :
هنيئا ًلمن وفّق في إحياء هذه الليلة المباركة ليلة ميلاد من على يديه يظهر النصر وتشفى قلوب المؤمنين بظهوره، هذا الإمام الذي وُعِدنا نحن الشيعة بالخصوص شيعة أهل البيت (ع) بالنصر على يديه ، لأننا سنجد فيه ما يشفي قلوبنا ، هذا الإمام العظيم الذي يمكن للإنسان أن يجد صعوبة في التعامل معه حيث أنه هو إمام العصر،وباعتبار أنه هو إمامنا ويفترض أن المأموم يتعامل مباشرة مع إمامه بمعنى أنه يتشرف بمصافحته بتقبيل يده بأخذ الأوامر منه ؛ نحن حرمنا من هذه النعمة وقد يقول قائل : أن هذا الحرمان سببه هو الإمام صلوات الله وسلامه عليه لأننا نشترط في الإمام أن يكون أشجع الموجودين ، أعلم الموجودين ، فإذا كان أعلم الموجودين وأشجع الموجودين فلماذا يخاف ولماذا يخشى أعداءه ؟ فحينئذ لا نوفق للكون بين يديه والاستفادة منه ، هذا إشكال قد يطرحه أعداء هذه الطائفة المحقة ، وقد ينقدح في ذهن بعض المؤمنين لاعتبارات ذهنية معينه وبسبب انحراف البعض الآخر يحاول أن يوجد مبررات لهذا التساؤل ، ومن ثم قد يدعي وجود ثمة تطور فكري في مذهب أهل البيت ع ، الحقيقة مختلفة تماماً ، هناك حقوق للأمة على الإمام الغائب وهناك حقوق للإمام على الأمة ، هناك واجبات على الإمام ، وهناك واجبات على الأمة ، حق الإمام على الأمة كثير وسنتعرض له ، ولكن حق الأمة على الإمام كثير، منها :
ـ أن يرعى شؤونهم .
ـ أن يحسن توجيههم .
ـ ومن ثم يحميهم على المستوى الفكري والمستوى السلوكي .
هل الإمام قصّر في حقوق الأمة ؟
بطبيعة الحال لم يقصر ، لم يقصر في الاتصال و توجيه الأمة عبر مراجعها وعلمائها ، هناك قصص كثيرة تدل على ذلك ، أحدها ما ورد في رسالة الشيخ المفيد رضوان الله تعالى عليه ، سأقرأ مقطعاً منها يٌُنبئ عن هذه الحالة : ( إنّا غير مهملين لمراعاتكم، ولا ناسين لذكركم ولولا ذلك نزل بكم اللهواء واصطلمكم الأعداء ) إذن الإمام لم يكن غافلاً عنا وموقفه مع الشيخ المفيد في مسألة المرأة الحامل التي سمعتموها كثيراً واضحة، والأمر بالدغم حيث استدراك الإمام وأَمْرُهُ بشق الجانب الأيسر وإخراج الطفل أشهر من قفا نبكِ .
إذن رعى الإمام حقوق الأمة و شؤونها والأهم من هذا وذاك أنه لم ينسها من دعائه ، لذا تجد أنه كلما اشتدت الأمور بالأمة واصطلمنا الأعداء تجد أنه انتفتح للأعداء باب من الشر في طرف آخر من العالم فينشغلون به عنا ، أليس هذا ببركة دعاء الإمام وبركة توجيهه ؟!
هل قامت الأمة بوظائفها تجاه الإمام ؟
إذن الإمام قائم بواجباته ووظائفه ، لذا يبقى وظائف الأمة وواجباتها حول إمامها ما هي ؟
وهي واجبات ملقاة على عواتقنا بالنسبة للإمام وتمكينه وحمايته ، التمكين والحماية بمعنى أنك تأتي به لسدة الحكم وتنفذ أوامره ، وينبغي القيام بها ، فهل نحن قمنا بذلك ؟ لذا تلاحظ أن الإمام علي عليه السلام وطئ الحسنان في زمانه ليؤتى به إلى الحكم ، ومن ثم يتم تنفيذ تلك الأوامر بعد الحماية ،و نحن لم نقم بتلك الأمور .
ربما يقول بعض الناس جيلنا ليس مبتلى ، نقول : لا هو مبتلى ،وكما في الروايات فهناك عندنا رواية جميلة جداً ، عن الإمام الحجة (عج) كما في توقيعه المبارك أو رسالة وردت عنه : " فما يحبسنا عنهم إلا ما يتصل بنا مما نكرهه ونؤثره منهم والله المستعان منهم وهو حسبنا ونعم الوكيل " ، يقول الذي يمنعنا من الاتصال بهم هو عدم الاستقامة ، وعندنا في الرواية أنه في يوم الاثنين تعرض أعمال الأمة عليه صلوات الله عليه , وهو في أوساطنا يشاهد ما يجري منا، فلو كان قد لمس منا جرأة وشجاعة في التصدي للدفاع عنه لما تخلف عن ذلك ؛ لأن وظيفته هي التواجد بيننا وتحسس أمورنا ، ومن ثم نصرتنا.
من أين التقصير إذن ؟
روايات كثيرة تتحدث عن تقصيرنا نحن ، وهناك مدح للقلة القليلة التي أعلنت الاستعداد لاستقبال الإمام صلوات الله عليه ، في الرواية أن هؤلاء أفضل من شهداء بدر لكنّ المنتظر للإمام ينبغي أن يكون منتظراً بشرطه وشروطه ، أي أن يكون شخصاً مستقيماً حينئذ ، وفي رواية عن الرسول الأعظم( ص) قال لعلي(ع) : ( يا علي واعلم أن أعجب الناس إيماناً وأعظمهم يقيناً قوم يكونون في آخر الزمان لم يلحقوا النبي وحجب عنهم فآمنوا بسواد على بياض ) يقول أن هؤلاء أفضل حتى من شهداء بدر وأحد وفي رواية تنص على أنهم أفضل من شهداء بدر وأحد بشرط أن يكونوا من المستقيمين ، لذا روي في البحارج54 : " من سَرَّه أن يكون من أصحاب القائم (عج) فلينتظر وليعمل بالورع ، ويعمل بمحاسن الأخلاق فإن مات وقام القائم بعد وفاته كان له من الأجر مثل أجر من أدركه " ، والانتظار هنا معناه الاستعداد ، فعندما تنتظر شخصاً يعني أنك تستعد لاستقباله، والانتظار ليس العمل السلبي ، بل بالعمل الإيجابي ، إذن نحن مطالبون باستقامة فكرية واستقامة سلوكية ، واستقامة أخلاقية ، فينبغي أن نطبق على أنفسنا مصداق قوله تعالى : ( ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ) ،فإلى هذا الحد نحن مطالبون ، ليس فقط الاستقامة السلوكية بمعنى عمل الواجب وترك المحرم بل حتى في القيام بمحاسن الأخلاق ، أي أفضلها وأحسنها، مما جاز لي أن أتركه .
معنى الوسطية الحقيقي :
وهناك رواية أخرى أدق تتحدث عن حالة صراع وراويات كثيرة (هنيئاً لمن كان فسطاطه قريباً من فسطاط الإمام ) أي يكون من رهطه وليس يقصد بالفسطاط أن يكون بيته قريب من بيت الإمام .
روي عن الرسول (ص) قال : " يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً حتى يصير الناس إلى فسطاطين فسطاط إيمان لا نفاق فيه ، وفسطاط نفاق لا إيمان فيه " . هنا الفسطاط مقصود به المدرسة الفكرية وليس البيت . يعني أن الناس قسمان لا قسم ثالث ، فليس عندنا حالة وسطية ، أما قوله : ( وجعلناكم أمة وسطاً ) الوسط هنا أي الأفضل فخير الأمور أوسطها أي أفضلها ، لا يعني ذلك أن تكون وسطاً أي أن تكون بين بين ،تأخذ من الحق ومن الباطل وتعجنهما وتعمل مسخاً من الفكر ، الوسط في كل شيء هو أفضل الأمور ، فمن يأخذ من الوسط قد يعتبرونه متشدداً ،وهذا هو الحقيقة ، ففي رواية كما قيل لرسول الله ولأمير المؤمنين ، أن النوع من التشدد هو الوسطية ، لا بمعنى المسخ الفكري ، لا بمعنى أنك تنافق وتمالئ ومن ثم تعتبر هذه وسطية ، فالمسألة مختلفة تماماًَ .
فالرواية إذن تتحدث عن فسطاط إيمان لا نفاق فيه ، ثم إن الرواية لم تقل لا كفر فيه ، كما تحدث عن الفسطاط الآخر أنه فساط إيمان لا نفاق فيه ، فالقضية قضية أيمان ونفاق ، وإن الروايات التي تتحدث في هذا المعنى كثيرة جداً ، انظر إلى البحار الأجزاء الثلاثة الخاصة بالإمام الحجة (عج) وانظر إلى مجموعة كتب كتبها الشهيد الصدر (رض) الغيبة الصغرى والغيبة الكبرى وكتاب عن الغيبة ، وألف باء أو دار باء الإسلامية اللبنانية التابعة لحزب الله ، فيها رويات كثيرة ،انظر كل ما كتب في عصرنا الحاضر، عن هذه المسألة عن الإمام الحجة (عج) تجد أن هناك روايات تتحدث عن احترام منقطع النظير من قبل الأئمة لهذا الإمام من حالة وضع اليد على الرأس ووضع الرأس بين الركبتين إلى القيام عند ذكره ، وهذا لا شك أنه احترام يراد منا أن نعرفه .
لماذا هذا الاحترام للإمام الحجة بالخصوص؟
لما وقع على هذا الإمام من الظلم الذي قد يكون حل عليه من الأحباب قبل الأعداء ، فمن المؤلم أن يكون الشخص حبيس داره وحبيس منطقته، وأنصاره بين يديه ولا ينصرونه ، نعم إنه شيء مؤلم ، قد يكون العسكريون يشعرون بذلك أكثر من غيرهم ، فإذا قائد جيش أو فرقة ولا يعطى ما يسمى شارة الاحترام ويهمل ويهان ، لا شك أنها تؤلم ، فكيف بالإمام عليه السلام .
رواية أخرى تتحدث عن الجانب الفكري ، يقول الإمام الصادق ع : (حقيق على الله أن يدخل الضُّلال الجنة ، قال زُرارة : كيف ذلك جعلت فداك ؟ قال : يموت الناطق ولا ينطق الصامت ) ، كلمة (حقيق ) يعني حق على الله ،و(الضُّلال) : هم من يضيعون بين فئتين ، وهم مؤمنون موالون شيعة لكنهم ضائعون بين عمامتين ، فهم يرون عمامة من هنا وعمامة من هناك عمامة ترى شيئاً وأخرى ترى أمراً آخر ، وقوله : (يموت الناطق ) ، أي من يكون مع الحق إما أن يقتل أو يجبر على السكوت ، ( ولا ينطق الصامت) : أي صاحب الباطل ، أو الصامت العارف للحق تارك له ، فالضُّلال هم من لا يستطيعون تحليل الأمور وإدراكها ، فماذا يفعلون؟ لا شك أنهم سيأخذون بالاحتياط فيكونون من أهل الجنة .
إذن المسألة في الحقيقة مرتبطة بهذا الأمر بأنه لدينا طريقان لا ثالث لهما ،تماماً كما يقول القرآن الكريم : ( إنا هديناه النجدين ) .
فمسألة التوافقية ومسألة أن تجعل لديك كوكتيل فكري هذا أمر غير مقبول، وأن تلفّق مدرسة فكرية جديدة ، كما خرجت في أوربا مدرسة وهي موجودة بالفعل تلك المدرسة التي تأخذ من اليهودية والمسيحية ومن الإسلام ، باعتبار أن عند هؤلاء نسبة حق وعند هؤلاء نسبة حق ، فحينئذ نجمع الجميع ونضمن الحق هذا غير صحيح، ومسألة التلفيق ومسألة محاولة المداراة والممالأة مرفوضة.
ما هو المطلوب إذن ؟
المطلوب أن يعلن الإنسان الولاء التام وأن يعلن البراءة التامة ولكن بشرط أن يراعي وظائفه الشرعية تجاه إمام عصره وتجاه الاحتفاظ بمصالح هذه الطائفة المحقة والاحتفاظ بأمور كثيرة يستطيع أن يوجد لها أساساً شرعياً ،ولا أريد أن أعطي عناوين ، المهم أنني لا أبيع ديني للشيطان ، ولا أبرر للشيطان شيطنته ، ولكن على الأقل فيما لو اصطلمت علينا الأمور انكفأنا في الدائرة الأضيق، ولا نعطي أيدينا كأيد ذليلة ، ولا أرمي بنفسي في التهلكة ، وقد تحدثت في فترات سابقة عن الدائرة الأضيق والدائرة الأوسع ، بحيث يعيش الإنسان حالة توازن حيث استطاع أئمة أهل البيت ومراجعنا العظام من خلالها أن يحفظوا هذا الكيان وهذا الوجود طاهراً نقياً لم يدنس ، لذا ينبغي أن يحتفظ به إلى أن يُسلَّم للإمام صلوات الله عليه ، لأننا في الحقيقة إذا حاولنا أن نلوث هذا الفكر فإننا ولا شك سنموت على غير الجادة ، انظر للدقة في المواقف ، جميل جداً موقف الإمام الراحل رضوان الله عليه راعي الوحدة الإسلامية منذ كان في قم المقدسة كتب عن الوحدة ودعا للوحدة ، وحتى عندما ذهب إلى النجف كان كذلك، وبعد أن رجع منتصراً كان كذلك ولكن عندما طبعت بعض دور النشر بحار الأنوار ناقصاً حيث طبعته إلا المثالب لم يطبع ، الإمام غضب ولم يرض بهذا لأن هذا تراث وحقائق واترك الناس تقرأ ، نحن ضد حالة التجني وضد حالة العصبية التي تؤدي إلى الفتنة أما التراث الفكري لا ربط له بذلك ، فلا نجامل على حساب التراث الفكري ، مع أن الإمام كان أحوج الناس للمجاملة آنذاك فالمحيطون به كلهم دول اتجاهتهم الفكرية معروفة ، فكان يحتاج لعلاقات من هذا الباب ، لكنه لم يفعل ، وهو أحوج للمحاباة لأنه باعتباره راع لدولة إذا سقطت معناه ذهب الكيان، بينما نحن لسنا بحاجة لذلك لأننا لا نرعى دولاً بل نرعى بيوتات وأشخاص فالذي يسقط يسقط في بيته ، ولا يضر الأخرين ،هذا الفرق ، لذا ابحثْ عن بحار الأنوار تجد كل المجلدات طبعت في المكتبة الإسلامية وأهل البيت إلا المثالب فإنه طبع في مطابع وزارة الثقافة الإسلامية .
إذن المسألة ينبغي أن لا تكون هناك ثمة محاباة في المسائل الدينية والعقدية والمسائل المتصلة باتجاهنا الفكري .
نسأل من الله أن يعجل في خروج ولي أمرنا وإمام زماننا لنكون من أنصاره وأعوانه والمستشهدين بين يديه وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه الكرام والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
السيد عبدالله الموسوي : ينبغي ألا نجامل على حساب تراثنا الفكري والعقدي!
بمناسبة مرور ذكرى ميلاد الإمام الحجة المنتظر (عج ) السنوية ألقى سماحة حجة الإسلام والمسلمين السيد عبدالله الموسوي خطبة يوم الجمعة الموافق 17/8/1425هـ ، في جموع المؤمنين إبان صلاة الظهرين ، ركز خلالها على معطيات الانتظار ، محذراً سماحته من مغبة ضياع الهوية في زمن الانتظار , مركزاً على أهمية معرفة حقوق وواجبات الأمة تجاه الإمام الغائب ، فيما يلي نصها :
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة على رسول الله وعلى آله وصحبه الميامين وبعد ،،،
قال تعالى : ( ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ).
تهنئة وإشكال :
هنيئا ًلمن وفّق في إحياء هذه الليلة المباركة ليلة ميلاد من على يديه يظهر النصر وتشفى قلوب المؤمنين بظهوره، هذا الإمام الذي وُعِدنا نحن الشيعة بالخصوص شيعة أهل البيت (ع) بالنصر على يديه ، لأننا سنجد فيه ما يشفي قلوبنا ، هذا الإمام العظيم الذي يمكن للإنسان أن يجد صعوبة في التعامل معه حيث أنه هو إمام العصر،وباعتبار أنه هو إمامنا ويفترض أن المأموم يتعامل مباشرة مع إمامه بمعنى أنه يتشرف بمصافحته بتقبيل يده بأخذ الأوامر منه ؛ نحن حرمنا من هذه النعمة وقد يقول قائل : أن هذا الحرمان سببه هو الإمام صلوات الله وسلامه عليه لأننا نشترط في الإمام أن يكون أشجع الموجودين ، أعلم الموجودين ، فإذا كان أعلم الموجودين وأشجع الموجودين فلماذا يخاف ولماذا يخشى أعداءه ؟ فحينئذ لا نوفق للكون بين يديه والاستفادة منه ، هذا إشكال قد يطرحه أعداء هذه الطائفة المحقة ، وقد ينقدح في ذهن بعض المؤمنين لاعتبارات ذهنية معينه وبسبب انحراف البعض الآخر يحاول أن يوجد مبررات لهذا التساؤل ، ومن ثم قد يدعي وجود ثمة تطور فكري في مذهب أهل البيت ع ، الحقيقة مختلفة تماماً ، هناك حقوق للأمة على الإمام الغائب وهناك حقوق للإمام على الأمة ، هناك واجبات على الإمام ، وهناك واجبات على الأمة ، حق الإمام على الأمة كثير وسنتعرض له ، ولكن حق الأمة على الإمام كثير، منها :
ـ أن يرعى شؤونهم .
ـ أن يحسن توجيههم .
ـ ومن ثم يحميهم على المستوى الفكري والمستوى السلوكي .
هل الإمام قصّر في حقوق الأمة ؟
بطبيعة الحال لم يقصر ، لم يقصر في الاتصال و توجيه الأمة عبر مراجعها وعلمائها ، هناك قصص كثيرة تدل على ذلك ، أحدها ما ورد في رسالة الشيخ المفيد رضوان الله تعالى عليه ، سأقرأ مقطعاً منها يٌُنبئ عن هذه الحالة : ( إنّا غير مهملين لمراعاتكم، ولا ناسين لذكركم ولولا ذلك نزل بكم اللهواء واصطلمكم الأعداء ) إذن الإمام لم يكن غافلاً عنا وموقفه مع الشيخ المفيد في مسألة المرأة الحامل التي سمعتموها كثيراً واضحة، والأمر بالدغم حيث استدراك الإمام وأَمْرُهُ بشق الجانب الأيسر وإخراج الطفل أشهر من قفا نبكِ .
إذن رعى الإمام حقوق الأمة و شؤونها والأهم من هذا وذاك أنه لم ينسها من دعائه ، لذا تجد أنه كلما اشتدت الأمور بالأمة واصطلمنا الأعداء تجد أنه انتفتح للأعداء باب من الشر في طرف آخر من العالم فينشغلون به عنا ، أليس هذا ببركة دعاء الإمام وبركة توجيهه ؟!
هل قامت الأمة بوظائفها تجاه الإمام ؟
إذن الإمام قائم بواجباته ووظائفه ، لذا يبقى وظائف الأمة وواجباتها حول إمامها ما هي ؟
وهي واجبات ملقاة على عواتقنا بالنسبة للإمام وتمكينه وحمايته ، التمكين والحماية بمعنى أنك تأتي به لسدة الحكم وتنفذ أوامره ، وينبغي القيام بها ، فهل نحن قمنا بذلك ؟ لذا تلاحظ أن الإمام علي عليه السلام وطئ الحسنان في زمانه ليؤتى به إلى الحكم ، ومن ثم يتم تنفيذ تلك الأوامر بعد الحماية ،و نحن لم نقم بتلك الأمور .
ربما يقول بعض الناس جيلنا ليس مبتلى ، نقول : لا هو مبتلى ،وكما في الروايات فهناك عندنا رواية جميلة جداً ، عن الإمام الحجة (عج) كما في توقيعه المبارك أو رسالة وردت عنه : " فما يحبسنا عنهم إلا ما يتصل بنا مما نكرهه ونؤثره منهم والله المستعان منهم وهو حسبنا ونعم الوكيل " ، يقول الذي يمنعنا من الاتصال بهم هو عدم الاستقامة ، وعندنا في الرواية أنه في يوم الاثنين تعرض أعمال الأمة عليه صلوات الله عليه , وهو في أوساطنا يشاهد ما يجري منا، فلو كان قد لمس منا جرأة وشجاعة في التصدي للدفاع عنه لما تخلف عن ذلك ؛ لأن وظيفته هي التواجد بيننا وتحسس أمورنا ، ومن ثم نصرتنا.
من أين التقصير إذن ؟
روايات كثيرة تتحدث عن تقصيرنا نحن ، وهناك مدح للقلة القليلة التي أعلنت الاستعداد لاستقبال الإمام صلوات الله عليه ، في الرواية أن هؤلاء أفضل من شهداء بدر لكنّ المنتظر للإمام ينبغي أن يكون منتظراً بشرطه وشروطه ، أي أن يكون شخصاً مستقيماً حينئذ ، وفي رواية عن الرسول الأعظم( ص) قال لعلي(ع) : ( يا علي واعلم أن أعجب الناس إيماناً وأعظمهم يقيناً قوم يكونون في آخر الزمان لم يلحقوا النبي وحجب عنهم فآمنوا بسواد على بياض ) يقول أن هؤلاء أفضل حتى من شهداء بدر وأحد وفي رواية تنص على أنهم أفضل من شهداء بدر وأحد بشرط أن يكونوا من المستقيمين ، لذا روي في البحارج54 : " من سَرَّه أن يكون من أصحاب القائم (عج) فلينتظر وليعمل بالورع ، ويعمل بمحاسن الأخلاق فإن مات وقام القائم بعد وفاته كان له من الأجر مثل أجر من أدركه " ، والانتظار هنا معناه الاستعداد ، فعندما تنتظر شخصاً يعني أنك تستعد لاستقباله، والانتظار ليس العمل السلبي ، بل بالعمل الإيجابي ، إذن نحن مطالبون باستقامة فكرية واستقامة سلوكية ، واستقامة أخلاقية ، فينبغي أن نطبق على أنفسنا مصداق قوله تعالى : ( ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ) ،فإلى هذا الحد نحن مطالبون ، ليس فقط الاستقامة السلوكية بمعنى عمل الواجب وترك المحرم بل حتى في القيام بمحاسن الأخلاق ، أي أفضلها وأحسنها، مما جاز لي أن أتركه .
معنى الوسطية الحقيقي :
وهناك رواية أخرى أدق تتحدث عن حالة صراع وراويات كثيرة (هنيئاً لمن كان فسطاطه قريباً من فسطاط الإمام ) أي يكون من رهطه وليس يقصد بالفسطاط أن يكون بيته قريب من بيت الإمام .
روي عن الرسول (ص) قال : " يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً حتى يصير الناس إلى فسطاطين فسطاط إيمان لا نفاق فيه ، وفسطاط نفاق لا إيمان فيه " . هنا الفسطاط مقصود به المدرسة الفكرية وليس البيت . يعني أن الناس قسمان لا قسم ثالث ، فليس عندنا حالة وسطية ، أما قوله : ( وجعلناكم أمة وسطاً ) الوسط هنا أي الأفضل فخير الأمور أوسطها أي أفضلها ، لا يعني ذلك أن تكون وسطاً أي أن تكون بين بين ،تأخذ من الحق ومن الباطل وتعجنهما وتعمل مسخاً من الفكر ، الوسط في كل شيء هو أفضل الأمور ، فمن يأخذ من الوسط قد يعتبرونه متشدداً ،وهذا هو الحقيقة ، ففي رواية كما قيل لرسول الله ولأمير المؤمنين ، أن النوع من التشدد هو الوسطية ، لا بمعنى المسخ الفكري ، لا بمعنى أنك تنافق وتمالئ ومن ثم تعتبر هذه وسطية ، فالمسألة مختلفة تماماًَ .
فالرواية إذن تتحدث عن فسطاط إيمان لا نفاق فيه ، ثم إن الرواية لم تقل لا كفر فيه ، كما تحدث عن الفسطاط الآخر أنه فساط إيمان لا نفاق فيه ، فالقضية قضية أيمان ونفاق ، وإن الروايات التي تتحدث في هذا المعنى كثيرة جداً ، انظر إلى البحار الأجزاء الثلاثة الخاصة بالإمام الحجة (عج) وانظر إلى مجموعة كتب كتبها الشهيد الصدر (رض) الغيبة الصغرى والغيبة الكبرى وكتاب عن الغيبة ، وألف باء أو دار باء الإسلامية اللبنانية التابعة لحزب الله ، فيها رويات كثيرة ،انظر كل ما كتب في عصرنا الحاضر، عن هذه المسألة عن الإمام الحجة (عج) تجد أن هناك روايات تتحدث عن احترام منقطع النظير من قبل الأئمة لهذا الإمام من حالة وضع اليد على الرأس ووضع الرأس بين الركبتين إلى القيام عند ذكره ، وهذا لا شك أنه احترام يراد منا أن نعرفه .
لماذا هذا الاحترام للإمام الحجة بالخصوص؟
لما وقع على هذا الإمام من الظلم الذي قد يكون حل عليه من الأحباب قبل الأعداء ، فمن المؤلم أن يكون الشخص حبيس داره وحبيس منطقته، وأنصاره بين يديه ولا ينصرونه ، نعم إنه شيء مؤلم ، قد يكون العسكريون يشعرون بذلك أكثر من غيرهم ، فإذا قائد جيش أو فرقة ولا يعطى ما يسمى شارة الاحترام ويهمل ويهان ، لا شك أنها تؤلم ، فكيف بالإمام عليه السلام .
رواية أخرى تتحدث عن الجانب الفكري ، يقول الإمام الصادق ع : (حقيق على الله أن يدخل الضُّلال الجنة ، قال زُرارة : كيف ذلك جعلت فداك ؟ قال : يموت الناطق ولا ينطق الصامت ) ، كلمة (حقيق ) يعني حق على الله ،و(الضُّلال) : هم من يضيعون بين فئتين ، وهم مؤمنون موالون شيعة لكنهم ضائعون بين عمامتين ، فهم يرون عمامة من هنا وعمامة من هناك عمامة ترى شيئاً وأخرى ترى أمراً آخر ، وقوله : (يموت الناطق ) ، أي من يكون مع الحق إما أن يقتل أو يجبر على السكوت ، ( ولا ينطق الصامت) : أي صاحب الباطل ، أو الصامت العارف للحق تارك له ، فالضُّلال هم من لا يستطيعون تحليل الأمور وإدراكها ، فماذا يفعلون؟ لا شك أنهم سيأخذون بالاحتياط فيكونون من أهل الجنة .
إذن المسألة في الحقيقة مرتبطة بهذا الأمر بأنه لدينا طريقان لا ثالث لهما ،تماماً كما يقول القرآن الكريم : ( إنا هديناه النجدين ) .
فمسألة التوافقية ومسألة أن تجعل لديك كوكتيل فكري هذا أمر غير مقبول، وأن تلفّق مدرسة فكرية جديدة ، كما خرجت في أوربا مدرسة وهي موجودة بالفعل تلك المدرسة التي تأخذ من اليهودية والمسيحية ومن الإسلام ، باعتبار أن عند هؤلاء نسبة حق وعند هؤلاء نسبة حق ، فحينئذ نجمع الجميع ونضمن الحق هذا غير صحيح، ومسألة التلفيق ومسألة محاولة المداراة والممالأة مرفوضة.
ما هو المطلوب إذن ؟
المطلوب أن يعلن الإنسان الولاء التام وأن يعلن البراءة التامة ولكن بشرط أن يراعي وظائفه الشرعية تجاه إمام عصره وتجاه الاحتفاظ بمصالح هذه الطائفة المحقة والاحتفاظ بأمور كثيرة يستطيع أن يوجد لها أساساً شرعياً ،ولا أريد أن أعطي عناوين ، المهم أنني لا أبيع ديني للشيطان ، ولا أبرر للشيطان شيطنته ، ولكن على الأقل فيما لو اصطلمت علينا الأمور انكفأنا في الدائرة الأضيق، ولا نعطي أيدينا كأيد ذليلة ، ولا أرمي بنفسي في التهلكة ، وقد تحدثت في فترات سابقة عن الدائرة الأضيق والدائرة الأوسع ، بحيث يعيش الإنسان حالة توازن حيث استطاع أئمة أهل البيت ومراجعنا العظام من خلالها أن يحفظوا هذا الكيان وهذا الوجود طاهراً نقياً لم يدنس ، لذا ينبغي أن يحتفظ به إلى أن يُسلَّم للإمام صلوات الله عليه ، لأننا في الحقيقة إذا حاولنا أن نلوث هذا الفكر فإننا ولا شك سنموت على غير الجادة ، انظر للدقة في المواقف ، جميل جداً موقف الإمام الراحل رضوان الله عليه راعي الوحدة الإسلامية منذ كان في قم المقدسة كتب عن الوحدة ودعا للوحدة ، وحتى عندما ذهب إلى النجف كان كذلك، وبعد أن رجع منتصراً كان كذلك ولكن عندما طبعت بعض دور النشر بحار الأنوار ناقصاً حيث طبعته إلا المثالب لم يطبع ، الإمام غضب ولم يرض بهذا لأن هذا تراث وحقائق واترك الناس تقرأ ، نحن ضد حالة التجني وضد حالة العصبية التي تؤدي إلى الفتنة أما التراث الفكري لا ربط له بذلك ، فلا نجامل على حساب التراث الفكري ، مع أن الإمام كان أحوج الناس للمجاملة آنذاك فالمحيطون به كلهم دول اتجاهتهم الفكرية معروفة ، فكان يحتاج لعلاقات من هذا الباب ، لكنه لم يفعل ، وهو أحوج للمحاباة لأنه باعتباره راع لدولة إذا سقطت معناه ذهب الكيان، بينما نحن لسنا بحاجة لذلك لأننا لا نرعى دولاً بل نرعى بيوتات وأشخاص فالذي يسقط يسقط في بيته ، ولا يضر الأخرين ،هذا الفرق ، لذا ابحثْ عن بحار الأنوار تجد كل المجلدات طبعت في المكتبة الإسلامية وأهل البيت إلا المثالب فإنه طبع في مطابع وزارة الثقافة الإسلامية .
إذن المسألة ينبغي أن لا تكون هناك ثمة محاباة في المسائل الدينية والعقدية والمسائل المتصلة باتجاهنا الفكري .
نسأل من الله أن يعجل في خروج ولي أمرنا وإمام زماننا لنكون من أنصاره وأعوانه والمستشهدين بين يديه وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه الكرام والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .