الرسالة الأصلية كتبت بواسطة مولاي الكريم الأستاذ قاسم
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله، وصلى الله على محمدٍ وآله الطاهرين، واللعنة الدائمة على اعدائهم أجمعين
مدخل:
يثير الوهابيون هذه الأيام شبهة مفادها أن آية الولاية لا دلالة فيها على النص على أمير المؤمنين عليه السلام بالخلافة والإمامة، وآية الولاية هي قوله تعالى: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلوةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَوةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ)...
ويقولون: ان الشيعة الإمامية يعتقدون أن آية البلاغ التي نزلت قبيل يوم الغدير، تنفي صدور أي نص على ذلك الإمامة قبلها، وآية البلاغ هي قوله تعالى في سورة المائدة: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ)...
هنا يثيرون شبهتهم فيقولون: هذا يعني أن النبي صلى الله عليه وآله لم يبلّغ الولاية قبل تاريخ نزول هذه الآية المباركة، بدليل قوله تعالى: (وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ) إذ لو كانت آية الولاية نازلة في أمير المؤمنين عليه السلام، وكان معناها الخلافة والإمامة، لما صح أن يقول الله تعالى لنبيه الأعظم صلى الله عليه وآله: (وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ) لأن ذلك الأمر قد بُلِغَ فعلا !!!
إذا فكل النصوص التي يستدل بها الشيعة على الإمامة لا قيمة لها !!!
الجواب:
وقبل الإجابة عن هذه الشبهة لا بد من التنبيه إلى أنها حتى لو تمت (وهي فاسدة قطعاً كما سيأتي) فهي لا تضر مذهبنا بشيءٍ على الإطلاق، لأن أقصى ما يريده مثيرها إثبات عدم دلالة آية الولاية وغيرها من النصوص التي سبقت الغدير على النص، أما الغدير فلا، ولا شك أنه لو لم يكن لدينا دليلٌ على النص الإلهي على أمير المؤمنين عليه السلام، سوى حديث الغدير لكفى...
إلا أن البحث في هذه الشبهة مفيد جداً، وقد نشأت بسبب قلة التدبر والتأمل في النصوص من جهة، وبسبب الجهل بأهمية الإمامة والخلافة في الإسلام من جهة أخرى، وسوف أرد على هذه الشبهة بما تيسر ومن الله سبحانه وتعالى استمد التوفيق، وقبل الرد أتبرك بعرض طرف يسير من الحادثتين الشريفتين (أعني التصدق بالخاتم، والغدير) حتى نعطي البحث شيء من حقه، فأقول:
أولا: التصدق بالخاتم
وفيه نزلت آية الولاية وهي قوله تعالى: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلوةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَوةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ)
مكان المناسبة: المدينة المنورة.
زمان المناسبة: (في 24/12/9 هـ) قال الشيخ المفيد في مسار الشيعة ص 41 وفي اليوم الرابع والعشرين منه (أي من ذي الحجة) باهلَ رسولُ الله صلى الله عليه وآله بأميرِ المؤمنين، وفاطمة، والحسن، والحسين عليهم السلام، نصارى نجران، وجاءَ بذكرِ المباهلةِ به وبزوجته وولديه محكم التبيان. وفيه تصدق أمير المؤمنين صلوات الله عليه بخاتمِهِ، فنزلتْ بولايته في القرآن. انتهى
وقال السيد ابن طاووس في إقبال الأعمال ج 2 ص 371 روينا ذلك عن جماعة من الأعيان والإخوان، أحدهم جدي أبو جعفر الطوسي فيما يذكره في المصباح في اليوم الرابع والعشرين من ذي الحجة، فقال ما هذا لفظه: في هذا اليوم تصدق أمير المؤمنين صلوات الله عليه بخاتمه وهو راكع للصلاة فيه. انتهى
وقد أجمعت الإمامية على القول بنزول هذه الآية في أمير المؤمنين عليه السلام، وايضا على القول بدلالتها على الإمامة والخلافة، قال شيخ الطائفة الطوسي رحمه الله (توفي 460 هـ) في تفسير التبيان ج 3 ص 558 اختلفوا فيمن نزلت هذه الآية فيه، فروى أبو بكر الرازي في كتاب أحكام القرآن على ما حكاه المغربي عنه، والطبري، والرماني، ومجاهد، والسدي: انها نزلت في علي (ع) حين تصدق بخاتمه وهو راكع.
وهو قول أبي جعفر وأبي عبد الله (ع) وجميع علماء أهل البيت.
إلى أن قال:
واعلم ان هذه الآية من الأدلة الواضحة على إمامة أمير المؤمنين (ع) بعد النبي بلا فصل.
ووجه الدلالة فيها: أنه قد ثبت أن الولي في الآية بمعنى الأولى والأحق، وثبت ايضا أن المعنيّ بقوله: (وَالَّذِينَ آمَنُواْ) أمير المؤمنين (ع).
فإذا ثبت هذان الأصلان، دل على إمامته، لأن كل من قال: ان معنى الولي في الآية ما ذكرناه قال إنها خاصة فيه، ومن قال باختصاصها به (ع) قال المراد بها الإمامة.... انتهى
وقال أمين الإسلام الشيخ الطبرسي (توفي 548 هـ) بعد أن روى بإسناده رواية عن أبي ذر رضي الله عنه في نزول الآية في أمير المؤمنين عليه السلام قال:
وروى هذا الخبر أبو إسحاق الثعلبي في تفسيره بهذا الإسناد بعينه، وروى أبو بكر الرازي في كتاب أحكام القرآن على ما حكاه المغربي عنه، والرماني، والطبري، أنها نزلت في علي حين تصدق بخاتمه، وهو راكع، وهو قول مجاهد، والسدي، والمروي عن أبي جعفر عليه السلام، وأبي عبد الله عليه السلام، وجميع علماء أهل البيت.
إلى أن قال:
وهذه الآية من أوضح الدلائل على صحة إمامة علي بعد النبي بلا فصل، والوجه فيه أنه إذا ثبت أن لفظة (وَلِيُّكُمُ) تفيد من هو أولى بتدبير أموركم، ويجب طاعته عليكم، وثبت أن المراد بـ (الَّذِينَ آمَنُواْ) علي، ثبت النص عليه بالإمامة ووضح، والذي يدل على الأول هو الرجوع إلى اللغة، فمن تأملها علم أن القوم نصوا على ذلك، وقد ذكرنا قول أهل اللغة فيه قبل، فلا وجه لإعادته.... انظر تفسير مجمع البيان ج 3 ص 362
ومن الروايات الواردة من طرق أهل البيت عليهم السلام، ما رواه العياشي في تفسيره ج 1 ص 327 عن خالد بن يزيد، عن المعمر بن المكي، عن اسحق بن عبد الله بن محمد بن على بن الحسين عليه السلام، عن الحسن بن زيد، عن أبيه زيد بن الحسن، عن جده (ع) قال: سمعت عمار بن ياسر يقول: وقف لعلى بن أبي طالب عليه السلام سائل وهو راكع في صلاة تطوع، فنزع خاتمه فأعطاه السائل، فأتى رسول الله صلى الله عليه وآله فاعلمه بذلك، فنزل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذه الآية: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلوةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَوةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) إلى آخر الآية، فقرأها رسول الله صلى الله عليه واله علينا، ثم قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه.
وستأتي رواية أخرى من الكافي الشريف إن شاء الله تعالى...
ثانيا: الغدير
وفيه نزلت آية البلاغ وهي قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ).
وايضا نزلت فيه آية إكمال الدين وهي قوله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا).
مكان وزمان المناسبة: في غدير خم، قال ياقوت الحموي في معجم البلدان ج 2 ص 389:
قال الزمخشري: خم اسم رجل صباغ أضيف إليه الغدير الذي هو بين مكة والمدينة بالجحفة، وقيل: هو على ثلاثة أميال من الجحفة، وذكر صاحب المشارق أن خما اسم غيضة هناك وبها غدير نسب إليها، قال: وخم موضع تصب فيه عين بين الغدير والعين، وبينهما مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال عرام: ودون الجحفة على ميل غدير خم، وواديه يصب في البحر، لا نبت فيه غير المرخ والثمام والاراك والعشر. انتهى
وكان ذلك في (18/12/10 هـ)
روى الشيخ الصدوق قدس سره (توفي 381 هـ) في الخصال ص 65 قال: حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، ويعقوب بن يزيد جميعا، عن محمد بن أبي عمير، عن عبد الله بن سنان، عن معروف بن خربوذ، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة، عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال:
لما رجع رسول الله صلى الله عليه وآله من حجة الوداع ونحن معه، أقبل حتى انتهى إلى الجحفة، فأمر أصحابه بالنزول فنزل القوم منازلهم، ثم نودي بالصلاة فصلى بأصحابه ركعتين، ثم أقبل بوجهه إليهم فقال لهم: إنه قد نبأني اللطيف الخبير أني ميت وأنكم ميتون، وكأني قد دعيت فأجبت وأني مسؤول عما أرسلت به إليكم، وعما خلفت فيكم من كتاب الله وحجته وأنكم مسؤولون، فما أنتم قائلون لربكم ؟
قالوا: نقول: قد بلّغت ونصحت وجاهدت، فجزاك الله عنا أفضل الجزاء.
ثم قال لهم: ألستمْ تشهدون أن لا إله إلا الله ؟
وأني رسول الله إليكم ؟
وأن الجنة حق ؟
وأن النار حق ؟
وأن البعث بعد الموت حق ؟
فقالوا: نشهد بذلك.
قال: اللهم اشهد على ما يقولون، ألا وإني اشهدكم أني أشهد أن الله مولاي، وأنا مولى كل مسلم، وأنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فهل تقرون لي بذلك ؟ وتشهدون لي به ؟
فقالوا: نعم، نشهد لك بذلك.
فقال: ألا من كنتُ مولاه فإن علياً مولاه، وهو هذا، ثم أخذَ بيد عليٍ عليه السلام فرفعها مع يده حتى بدت آباطهما، ثم قال: اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصر من نصره واخذل من خذله، ألا وإني فرطكم وأنتم واردون علي الحوض، حوضي غداً وهو حوض عرضه ما بين بصرى وصنعاء فيه أقداح من فضة عدد نجوم السماء، ألا وإني سائلكم غداً ماذا صنعتم فيما أشهدت الله به عليكم في يومكم هذا إذا وردتم عليّ حوضي، وماذا صنعتم بالثقلين من بعدي فانظروا كيف تكونون خلفتموني فيهما حين تلقوني ؟
قالوا: وما هذان الثقلان يا رسول الله ؟
قال: أما الثقل الأكبر، فكتاب الله عز وجل، سبب ممدود من الله ومني في أيديكم، طرفه بيد الله والطرف الآخر بأيديكم، فيه علم ما مضى وما بقي إلى أن تقوم الساعة، وأما الثقل الأصغر فهو حليف القرآن وهو علي بن أبي طالب و عترته عليهم السلام، وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض.
قال معروف بن خربوذ: فعرضت هذا الكلام على أبي جعفر عليه السلام فقال: صدق أبو الطفيل رحمه الله هذا الكلام وجدناه في كتاب علي عليه السلام وعرفناه.
قال الشيخ الصدوق: وحدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير.
وحدثنا جعفر بن محمد بن مسرور رضي الله عنه قال: حدثنا الحسين بن محمد ابن عامر، عن عمه عبد الله بن عامر، عن محمد بن أبي عمير.
وحدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه قال: حدثنا علي بن الحسين السعد آبادي، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير، عن عبد الله بن سنان، عن معروف بن خربوذ، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة، عن حذيفة بن أسيد الغفاري بمثل هذا الحديث سواء.
قال مصنف هذا الكتاب أدام الله عزه: الأخبار في هذا المعنى كثيرة وقد أخرجتها في كتاب المعرفة في الفضائل.
انتهى ما في الخصال.
وذكر الشيخ المفيد رحمه الله (توفي 413 هـ) في الإرشاد ج 1 ص 174 حادثة الغدير الخالدة بما يقتضيه الجمع بين الروايات فقال:
ولما قضى رسول الله صلى الله عليه وآله نسكه، أشرك عليا عليه السلام في هديه، وقفل إلى المدينة وهو معه والمسلمون، حتى انتهى إلى الموضع المعروف بغدير خم، وليس بموضع إذ ذاك للنزول لعدم الماء فيه والمرعى، فنزل صلى الله عليه وآله في الموضع ونزل المسلمون معه.
وكان سبب نزوله في هذا المكان نزول القرآن عليه بنصبه أمير المؤمنين عليه السلام خليفة في الأمة من بعده، وقد كان تقدم الوحي إليه في ذلك من غير توقيت له فأخره لحضور وقت يأمن فيه الإختلاف منهم عليه، وعلم الله سبحانه أنه إن تجاوز غدير خم انفصل عنه كثير من الناس إلى بلادهم وأماكنهم وبواديهم، فأراد الله تعالى أن يجمعهم لسماع النص على أمير المؤمنين عليه السلام تأكيدا للحجة عليهم فيه.
فأنزل جلت عظمته عليه: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ) يعني في استخلاف علي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليه السلام والنص بالإمامة عليه (وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) فأكد به الفرض عليه بذلك، وخوفه من تأخير الأمر فيه، وضمن له العصمة ومنع الناس منه.
فنزل رسول الله صلى عليه وآله المكان الذي ذكرناه، لما وصفناه من الأمر له بذلك وشرحناه، ونزل المسلمون حوله، وكان يوما قائظا شديد الحر، فأمر عليه السلام بدوحات هناك فقم ما تحتها، وأمر بجمع الرحال في ذلك المكان، ووضع بعضها على بعض، ثم أمر مناديه فنادى في الناس بالصلاة، فاجتمعوا من رحالهم إليه، وإن أكثرهم ليلف رداءه على قدميه من شدة الرمضاء.
فلما اجتمعوا صعد (عليه وآله السلام) على تلك الرحال حتى صار في ذروتها، ودعا أمير المؤمنين عليه السلام فرقى معه حتى قام عن يمينه، ثم خطب للناس فحمد الله وأثنى عليه، ووعظ فابلغ في الموعظة، ونعى إلى الأمة نفسه، فقال عليه وآله السلام: (إني قد دعيت ويوشك أن أجيب، وقد حان مني خفوف من بين أظهركم، وإني مخلف فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا أبدا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض).
ثم نادى بأعلى صوته: ألستُ أولى بكم منكم بأنفسكم ؟
فقالوا: اللهم بلى.
فقال لهم على النسق، وقد أخذ بضبعي أمير المؤمنين عليه السلام فرفعهما حتى رئي بياض إبطيهما وقال: فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله.
ثم نزل صلى الله عليه وآله، وكان وقت الظهيرة، فصلى ركعتين، ثم زالت الشمس فأذن مؤذنه لصلاة الفرض فصلى بهم الظهر، وجلس صلى الله عليه وآله في خيمته، وأمر عليا أن يجلس في خيمة له بإزائه، ثم أمر المسلمين أن يدخلوا عليه فوجاً فوجاً فيهنؤوه بالمقام، ويسلموا عليه بإمرة المؤمنين، ففعل الناس ذلك كلهم، ثم أمر أزواجه وجميع نساء المؤمنين معه أن يدخلن عليه، ويسلمن عليه بإمرة المؤمنين ففعلن.
وكان ممن أطنب في تهنئته بالمقام عمر بن الخطاب فأظهر له المسرة به وقال فيما قال: بخٍ بخٍ يا علي، أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة.
وجاء حسان إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال له: يا رسول الله، إئذن لي أن أقول في هذا المقام ما يرضاه الله ؟
فقال له: قل يا حسان على اسم الله.
فوقف على نشز من الأرض، وتطاول المسلمون لسماع كلامه، فأنشا يقول:
يناديهم يوم الغدير نبيهم بخم وأسمع بالرسول مناديا
وقال: فمن مولاكم ووليكم ؟ فقالوا ولم يبدوا هناك التعاديا
إلهك مولانا وأنت ولينا ولن تجدن منا لك اليوم عاصيا
فقال له: قم يا علي فإنني رضيتك من بعدي إماما وهاديا
فمن كنت مولاه فهذا وليه فكونوا له أنصار صدق مواليا
هناك دعا: اللهم وال وليه وكن للذي عادى عليا معاديا
فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: لا تزال يا حسان مؤيدا بروح القدس ما نصرتنا بلسانك.
انتهى ما في الإرشاد
والروايات من طرق الشيعة ومن طرق السنة كثيرة جداً، والغرض في هذا الموضوع استعراض ما جرى، وليس استقصاء الروايات، فاكتفي بهذا المقدار...
رد الشبهة الوهابية:
بأدنى تأمل ستدرك أن الشبهة غير موجودة من الأساس، فآية الولاية تنص على أن أمير المؤمنين عليه السلام هو ولي المؤمنين (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلوةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَوةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ)...
أما آية البلاغ فهي لا تنص على الولاية، وإنما تأمر رسول الله صلى الله عليه وآله بتبليغها للناس (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ)...
فإن قال قائل: قد نصت آية الولاية على ذلك... قلنا له: نعم، لكنها تحتاج إلى تبيين، فهي لم تصرح باسم من نزلت فيه، فلو قرأها المسلم ألف مرة فلن يستطيع أن يعرف سبب نزولها إلا بعد أن يتعلم ذلك من الروايات، وقد قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ * بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)...
هذا من جهة، ومن جهة أخرى نقول: ان الإمامة والولاية أصل من أصول الدين، وتبليغ الأصول ليس كتبليغ الفروع... فلا يعقل أن يكون تبليغ مسئلة فقهية كحكم السهو في الصلاة مثلا، بنفس طريقة تبليغ أصول العقائد...
وهذا واضح حتى من واقع سيرة العقلاء في الأمور الدنيوية، فلو أردا مدير مؤسسة أن يبلغ الموظفين بقرار جديد، فتارة يبلغ مدراء الإدارات المختلفة ليقوموا هم بدورهم بتبليغ موظفيهم، وتارة يصدر خطاباً ليعلق على لوحة الإعلانات، وتارة لا يكتفي بكل ذلك، بل يأمر بتبليغ ذلك القرار للموظفين واحداً واحداً، ويأخذ إقراراً من كل واحد منهم على أن القرار قد بلغه، وفهم محتواه...
والإختلاف في هذه الطرق تابع لأهمية ذلك القرار، وبمثل ذلك انظر إلى القرارات التي تتخذها الدول والحكومات، فهل ترى أنها تُبلَغ بأسلوبٍ واحد ؟؟؟
ولما كانت الإمامة والولاية من أصول الدين التي يجب على كل مسلم الاعتقاد بها، وجب حينئذ تبليغها للناس بالكيفية التي تتناسب وأهميتها...
فأمرٌ خطير وكبير كهذا، لا يكفي أن يُبَلَغ لواحد أو اثنين أو عشرة، وقد روى الكليني (توفي 328 هـ) في الكافي ج 2 ص 18 عن علي بن ابراهيم، عن أبيه وعبد الله بن الصلت جميعا، عن حماد بن عيسى، عن حريز بن عبد الله، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: بني الإسلام على خمسة أشياء: على الصلاة، والزكاة، والحج، والصوم، والولاية.
قال زرارة: فقلت: وأي شئ من ذلك أفضل ؟
فقال: الولاية أفضل، لأنها مفتاحهن والوالي هو الدليل عليهن... إلى أن قال عليه السلام: ذروة الأمر وسنامه ومفتاحه وباب الأشياء ورضا الرحمن: الطاعة للإمام بعد معرفته، إن الله عز وجل يقول: (مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا) أما لو أن رجلا قام ليله وصام نهاره وتصدق بجميع ماله وحج جميع دهره ولم يعرف ولاية ولي الله فيواليه ويكون جميع أعماله بدلالته إليه، ما كان له على الله عز وجل حق في ثوابه، ولا كان من أهل الإيمان... انتهى
فأمرٌ بهذه الأهمية، يجب أن يبلغ للناس بالكيفية التي تتناسب ومكانته، وهذا ما يقول به حتى ابن تيمية، فقد قال في منهاج سنته ج 4 ص 94 وقوله روى ابن الجوزي بإسناده إلى ابن عمر قال، قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج في آخر الزمان رجل من ولدي إسمه كاسمي وكنيته كنيتي، يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا فذلك هو المهدي.
فيقال: الجواب من وجوه:
أحدها: أنكم لا تحتجون بأحاديث أهل السنة، فمثل هذا الحديث لا يفيدكم فائدة، وإن قلتم هو حجة على أهل السنة، فنذكر كلامهم فيه.
الثاني: إن هذا من أخبار الآحاد، فكيف يثبت به أصل الدين الذي لا يصح الإيمان إلا به ؟؟؟
الثالث: .... الخ كلامه
إذا فآية الولاية هي نص على أمير المؤمنين عليه السلام بالخلافة والإمامة، بلا ريبٍ، لكنها تحتاج إلى تبيين، وعليه فلو ان مسلما قرأها ولكن لم يبلغه سبب نزولها، أو بلغه لكن لم يثبت لديه صحة النقل، فحينئذ له أن يحتج على الله تعالى، وهذا خلاف سنة الله: (قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ)...
ولا شك أن النصوص الأخرى كحديث الدار، وحديث المنزلة، وحديث الطير، وحديث مدينة العلم، وحديث الثقلين، وآية التطهير، وكل النصوص التي يستند عليها الإمامية في إثبات النص تجري مجرى آية الولاية، فكلها نصوص صريحة على المقصود...
لكل ما تقدم كان من الضروري تبليغ الولاية بالشكل والحجم الذي يليق بقيمتها في الإسلام، وقد اختار الله تعالى أن يكون ذلك في حجة الوداع حيث الإجتماع الكبير للمسلمين، وقد روي أن عدد المسلمين آنذاك 90.000 على أقل الروايات، وربما قيل 124.000 مسلم...
وقد روى الكليني رضوان الله عليه ما يستفاد منه بعض ما تقدم في الكافي ج 1 ص 289 عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن زرارة، والفضيل بن يسار، وبكير بن أعين، ومحمد بن مسلم، وبريد بن معاوية، وأبي الجارود، جميعا عن أبي جعفر عليه السلام قال:
أمر الله عز وجل رسوله بولاية علي وأنزل عليه (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلوةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَوةَ).
وفرض ولاية أولي الأمر، فلم يدروا ما هي، فأمر الله محمدا صلى الله عليه وآله أن يفسر لهم الولاية، كما فسر لهم الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، فلما أتاه ذلك من الله، ضاق بذلك صدر رسول الله صلى الله عليه وآله، وتخوف أن يرتدوا عن دينهم، وأن يكذبوه، فضاق صدره، وراجع ربه عز وجل، فأوحى الله عز وجل إليه: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ).
فصدع بأمر الله تعالى ذكره، فقام بولاية علي عليه السلام يوم غدير خم، فنادى الصلاة جامعة وأمر الناس أن يبلغ الشاهد الغائب.
قال عمر بن أذينة: قالوا جميعا غير أبي الجارود: وقال أبو جعفر عليه السلام: وكانت الفريضة تنزل بعد الفريضة الأخرى، وكانت الولاية آخر الفرائض، فأنزل الله عز وجل: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي).
قال أبو جعفر عليه السلام: يقول الله عز وجل: لا أنزل عليكم بعد هذه فريضة، قد أكملت لكم الفرائض. انتهى
وخلاصة الكلام ان نقول:
آية الولاية تحتاج إلى تبيين لتتم حجة الله على الناس كافة، ولما كانت الولاية أصل من أصول الدين ناسب أن يكون تبليغها بالمستوى اللائق بها، فأمر النبي صلى الله عليه وآله بتبليغ الولاية في ذلك المجتمع الحافل...
آية البلاغ في تفاسير أهل السنة:
وإتماماً للفائدة، ولتتضح مكانة الإمامة وأهميتها في القرآن الكريم، أرى من المناسب نقل ونقد رأي أهل السنة في تفسير آية البلاغ، فبعد أن تعرفنا على رأي الشيعة في تفسيرها، فلنتعرف على رأي أهل السنة، وسأقوم بنقل كلام القرطبي في تفسير الآية ثم أورد عليه إشكالاً، وقبل ذلك أمهد بعدة أمور، لا بد من معرفتها حتى ندرك مدى ابتعاد القرطبي عن الصواب:
الأمر الأول:
آية البلاغ مدنية، نزلت في أواخر حياة النبي صلى الله عليه وآله، بل قيل انها آخر ما نزل على الإطلاق:
يبدو أن الإجماع قد انعقد بين الفريقين على أن آية البلاغ نزلت في أواخر حياة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله، ولهذا الإجماع أهمية بالغة ستتضح فيما بعد، وقد تقدم نقل نصوص الشيعة فيما سبق، وهذه بعض النصوص من تفاسير أهل السنة:
قال ابن الجوزي في زاد المسير ج 2 ص 302 والثاني: أن هذه الآية نزلت بعدما جرى عليه ذلك، لأن المائدة من أواخر ما نزل...
وقال ابن كثير في تفسيره ج 2 ص 81 والصحيح: أن هذه الآية مدنية، بل هي من أواخر ما نزل بها، والله أعلم.
وقال الحاكم في المستدرك ج 2 ص 311 حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا بحر بن نصر الخولاني، قال قرئ على عبد الله بن وهب اخبرك معاية ابن صالح عن ابى الزاهرية عن جبير بن نفير قال: حججت فدخلت على عائشة رضي الله عنها فقالت لي يا جبير تقرأ المائدة ؟ فقلت: نعم، قالت: أما إنها آخر سورة نزلت، فما وجدتم فيها من حلال فاستحلوه، وما وجدتم من حرام فحرموه.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه .
قال وحدثنا أبو العباس، ثنا بحر بن نصر قال قرئ على ابن وهب اخبرك حيى بن عبد الله المعافرى قال سمعت ابا عبد الرحمن الحبلى حدث عن عبد الله بن عمرو:
ان آخر سورة نزلت سورة المائدة.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
قلتُ: وشهد الألباني بصحة الإسنادين، قال في إرواء الغليل ج 1 ص 139 ومثله بل وأجود منه حديث جربر المتقدم، فإن في رواياته الصحيحة أنه رأى النبي (صلى الله عليه وسلم) يمسح على الخفين بعد نزول سورة المائدة، وهي آخر سورة نزلت "كما قالت عائشة وعبد الله بن عمر، فيما رواه الحاكم (2/311) بإسنادين صحيحين عنهما". انتهى
الأمر الثاني:
آية البلاغ نزلت قبل آية الإكمال:
بعد أن عرفنا أن الآيتين نزلتا في المدينة، بل من أواخر ما نزل من القرآن، حيث ان كلتاهما في سورة المائدة، ولا أراني بحاجة للرجوع إلى الكتب والمصادر للتعرف على الدليل، فالرجوع إلى الآيتين يغني عند كل دليل، فآية البلاغ تدل على أن الدين بعدُ لما يكتمل، وآية الإكمال تدل على أنه قد اكتمل، وكفى بهذا برهاناً وحجة...
الأمر الثالث:
المكي والمدني من القرآن الكريم:
إذا قال المفسرون أن الآية أو السورة الفلانية مدنية، فيقصدون أنها نزلت بعد الهجرة، وإن كان نزولها خارج المدينة، بل وإن كان نزولها في مكة، والدليل على ذلك سورة النصر، قال القرطبي في تفسيره ج 20 ص 229 تفسير سورة (النصر) وهي مدنية بإجماع، وتسمى سورة (التوديع) وهي ثلاث آيات، وهي آخر سورة نزلت جميعا قاله ابن عباس في صحيح مسلم ... إلى أن قال القرطبي ص 233 وقال ابن عمر: نزلت هذه السورة بمنى، في حجة الوداع. انتهى
إذاً فعلى الرغم من نزول سورة النصر في مكة، إلا أنها في اصطلاح المفسرين مدنية بإجماعأ أضف إلى ذلك نفس آية إكمال الدين التي قالوا انها نزلت في مكة بيوم عرفة، ومع ذلك فإن سورة المائدة كلها مدنية...
الأمر الرابع:
هل نزلت آيات، وشرّعت أحكام، بعد نزول آية إكمال الدين ؟
يذهب أهل السنة إلى أن آية إكمال الدين قد نزلت في أواخر حياة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله، وتحديدا في يوم عرفة، وروى البخاري في ذلك رواية عن عمر.
وبالرغم من ذلك فإنهم يذهبون ايضاً إلى أن هناك آيات قد أنزلت، وأحكام قد شرعت، بعد نزول آية إكمال الدين، قال القرطبي في تفسيره ج 6 ص 61 والدين عبارة عن الشرائع التي شرع وفتح لنا، فإنها نزلت نجوماً وآخر ما نزل منها هذه الآية، ولم ينزل بعدها حكم، قاله ابن عباس والسدي.
قال: وقال الجمهور: المراد معظم الفرائض والتحليل والتحريم، قالوا: وقد نزل بعد ذلك قرآن كثير، ونزلت آية الربا، ونزلت آية الكلالة إلى غير ذلك، وإنما كمل معظم الدين وأمر الحج، إذ لم يطف معهم في هذه السنة مشرك، ولا طاف بالبيت عريان، ووقف الناس كلهم بعرفة. انتهى
وقال ابن الجوزي في زاد المسير ج 1 ص 3 واختلفوا في آخر ما نزل، فروى البخاري في أفراده من حديث ابن عباس قال: آخر آية أنزلت على النبي صلى الله عليه وسلم آية الربا، وفي أفراد مسلم عنه آخر سورة نزلت جميعا إذا جاء نصر الله والفتح النصر، وروى الضحاك عن ابن عباس قال: آخر آية أنزلت: (واتقوا يوما ترجعون فيه الى الله) البقرة وهذا مذهب سعيد بن جبير وأبي صالح.
وروى أبو إسحاق عن البراء قال: آخر آية نزلت: (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة) النساء وآخر سورة نزلت براءة .
وروي عن أبي بن كعب أن آخر آية نزلت (لقد جاءكم رسول من أنفسكم) التوبة الى آخر السورة.
انتهى
وفي صحيح البخارى ج 5 ص 164قال: حدثنا قبيصة بن عقبة، حدثنا سفيان، عن عاصم، عن الشعبي، عن ابن عباس رضى الله عنهما قال: آخر آية نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم آية الربا.
وفي ج 5 ص 202 قال البخاري: حدثنا أبو الوليد، حدثنا شعبة، عن أبى اسحق قال: سمعت البراء رضى الله عنه يقول: آخر آية نزلت: (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة) وآخر سورة نزلت براءة.
وقد جمع بينهما ابن حجر في فتح الباري ج 8 ص 153 فقال: فيجمع بينه وبين قول ابن عباس بأن الآيتين نزلتا جميعا، فيصدق أن كلاً منهما آخر بالنسبة لما عداهما، ويحتمل أن تكون الآخرية في آية النساء مقيدة بما يتعلق بالمواريث مثلا، بخلاف آية البقرة، ويحتمل عكسه والأول أرجح لما في آية البقرة من الإشارة إلى معنى الوفاة المستلزمة لخاتمة النزول، وحكى ابن عبد السلام أن النبي صلى الله عليه وسلم عاش بعد نزول الآية المذكورة أحدا وعشرين يوما، وقيل سبعا. انتهى
تعليق