هل هو اليأس؟
ياسين سويد
تصعب الكتابة في زمن أصبح الدم العربي الذي يراق، في فلسطين والعراق، كالخمرة التي تهرق، في حانات السكر والعربدة، على أيدي أمم متوحشة (اميركا واسرائيل) تمارس الارهاب كما تمارس الداعرة الجنس، تسكرها رائحة الدم العربي المراق، تتلذذ بامتصاصه من عروقنا كما يتلذذ الوحش الكاسر بالتهام لحم فريسته، كل هذا، بينما تقف الغانية (التي اسمها العروبة) عارية حتى من ورقة التوت، تتفرج على مناظر الدمار والخراب والقتل، قتل رجالنا ونسائنا وأطفالنا، وهي تكاد تعرض جسدها للغزاة المتوحشين.
تحضرني هذه الصورة وأنا أتطلع، كل يوم، ومن خلال التلفاز، الى مشاهد المجازر والمذابح التي تتكرر، يوميا، في فلسطين والعراق، والتي ترتكبها قوات الاحتلال الصهيوني والاميركي بحق اهلنا هناك، بينما تقف الأمة، بأسرها، من المحيط الى الخليج، موقف المشارك والمتواطئ.
مشاركون بالجرائم اولئك الحكام العرب الذين لا يحرك مشاعرهم، ولا يثير نخوتهم، ما يجري لإخوتهم في فلسطين والعراق.
ومتواطئون اولئك العرب (شعوبا وجماهير) المخدرون الذين يسكتون عن حكامهم فلا يحاسبونهم على قصورهم وتواطئهم الى حد الاشتراك في العدوان، فعلا أم مجازا، كأنما ما يتكدس، ما بين المحيط والخليج، من بشر ينطقون باللسان العربي، ليسوا سوى جثث متحركة فحسب.
لم يعد الدم العربي واحدا، من المحيط الى الخليج، بل اضحت الدماء، في كل قطر، تتلون بلون ذلك القطر، وتتزيا بزيه، وتفوح منها رائحته: هذا دم لبناني وذاك سوري او اردني او فلسطيني او مصري او عراقي او تونسي او ليبي او مغربي او جزائري.. الى آخر القافلة من الكيانات الهشة التي رسم لنا الاستعمار حدودها، فباركناها وتشبثنا بها، رغم ضعفها وهزالها، ورغم الهجمة الشرسة التي نتعرض لها، كيانا بعد آخر، ورغم اقتناعنا بأن <<الثور الاسود>> سوف يؤكل بعد ان يؤكل <<الثور الابيض>>، ورغم ايماننا العميق ان خلاصنا وانتصارنا لا يتحققان الا باستعادة وحدتنا.
لقد نجح الاستعمار، ايما نجاح، في تجزئة ما كان يسمى <<الامة العربية>>، إذ لم يعد هناك، في الواقع <<أمة عربية واحدة>>، بل اصبحنا أمما متفرقة متمايزة لا يجمع بينها اي لون من ألوان <<العروبة>> الموروثة.
تتناوب الأمتان المتوحشتان (اميركا واسرائيل)، قيادة <<الارهاب الحضاري>> في مطلع القرن الواحد والعشرين، فبينما يقتل <<بن لادن>> وأنصاره الناس بالطائرات المختطفة والسيارات المفخخة، وسائل بدائية، يقتل بوش وشارون الابرياء بقنابل الطائرات والدبابات وبالقنابل الذكية والقنابل العنقودية والمسمارية، لا لذنب ارتكبوه، بل لانهم يطالبون بحقهم في حياة حرة كريمة على أرضهم، وفي ديارهم.
ورغم ذلك، ينساق العالم خلف الاكذوبة الاميركية والاسرائيلية بانهما تحاربان إرهابا دوليا، في كل من فلسطين والعراق.
مسكين جورج واشنطن، لقد صنفه خليفته الأبعد <<جورج دبليو بوش>> ارهابيا بامتياز، لأنه قاوم الاحتلال الانكليزي لأميركا.
ومسكين <<شارل ديغول>> لقد صنفته واشنطن وتل ابيب <<ارهابيا بامتياز>> لأنه قاوم الاحتلال النازي لفرنسا. وهكذا يقال عن <<بن بللا>> في الجزائر، و<<هوشي منه>> في فيتنام، وغيرهما من ابطال التحرير في التاريخ.
أوليس هذا ما تتهم به اميركا واسرائيل المقاومة في كل من فلسطين والعراق؟
وتتناوب الامتان المتوحشتان (اميركا واسرائيل) القتل والتدمير في البلدين العربيين المحتلين، لا تميزان بين شيخ مسن او امرأة مستضعفة او طفل رضيع، وتمارسان <<إرهاب الدولة>> بالاسلوب نفسه، وبالمقادير نفسها، ولا يتحرك في عروق الشعوب التي اتفق على تسميتها <<شعوبا عربية>> عرق ينبض بالغضب، او بالرفض لما يجري في البلدين العربيين.
عجبا،
كيف يرى الحكام العرب عمليات الإبادة الجماعية في هذين البلدين ولا تتحرك ضمائرهم ويلتهب الدم (العربي؟) في عروقهم؟
وكيف تشهد الشعوب العربية صمت حكامها تجاه عمليات الإبادة هذه ولا تثور؟
يبدو أننا لم نعد <<أمة عربية واحدة>> تشكل <<جسما واحدا، اذا مرض عضو تداعت له باقي الاعضاء بالسهر والحمى>>. لقد جزأ الاستعمار وطننا العربي الى كيانات ضعيفة وعاجزة، فأضحى الكيان، في نظر مواطنيه، جيلا بعد جيل، هو الدنيا... هو الوطن الأبدي السرمدي النهائي، بل هو الأمة، وكل ما عداه غريب أجنبي، ولو كان عربيا. لقد انمحت <<الامة العربية>> من معاجم الاجيال الى درجة ان اصبح السوري في لبنان محتلا واللبناني في سوريا غريبا، والفلسطيني المشرد في كل أصقاع الارض العربية منبوذا. لم يعد الرابط القومي هو <<حبل السرة>> الذي يصل ابناء هذه الكيانات بعضهم ببعض، بل اكثر من ذلك واشد فظاعة وهولا:
يعلن الكيان الصهيوني حرب إبادة موصوفة على الشعب العربي في فلسطين وتظل اعلامه مرفوعة في عواصم العديد من الدول العربية.
وتعلن اميركا حرب ابادة موصوفة على الشعب العربي في العراق ويظل سفراؤها يأمرون وينهون في معظم العواصم العربية ان لم يكن كلها (أوليس مستهجنا ان يستقبل السفير الاميركي، في عيد بلاده ببيروت، اكثر من الف مدعو؟).
بل اكثر من ذلك وأشد فظاعة وهولا:
تستكين الشعوب، في هذه الدول، فلا يستثيرها منظر العلم الاسرائيلي مرفرفا في عواصمها، كما لا يستثيرها رضوخ حكامها وخضوعهم لممثلي الراعي الاميركي.
واكثر من ذلك بكثير، واشد فظاعة وهولا:
يقف وزير داخلية لدولة عربية كبرى مشتركة الحدود مع فلسطين، امام التلفاز، لكي يصرح، بكل صفاقة، بل بوقاحة، انه لن يسمح بتمرير اية قطعة سلاح للفلسطينيين، بينما تعلن اميركا، في اليوم نفسه، انها أمدت الصهاينة بخمسة آلاف قنبلة ذكية لكي يستعملوها في حربهم لإبادة الشعب الفلسطيني، هذا عدا الترسانة العسكرية الاسرائيلية الكاملة التي هي من صنع اميركي، وعطاء اميركي.
ثم نسمي الفلسطيني الذي يفجر نفسه في وجه اعدائه <<ارهابيا>>، وهو الذي لم يكن ليفعل ذلك لو أمنا له أبسط وسائل الدفاع عن النفس ووسائل مقاومة المحتلين المعتدين.
ولا يتورع جندي من جيش دولة عربية مشتركة الحدود مع فلسطين عن ان يقتل فلسطينيا يحمل السلاح ويجتاز الحدود لكي يدافع عن اهله في فلسطين. ويتم ذلك على مرأى ومسمع من جنود العدو المتمركزين على الجانب الآخر من تلك الحدود، يستقبلون الحدث بغبطة ورضى كبيرين: لقد أضحت الجيوش العربية المحيطة بالكيان المغتصب حراسا لهذا الكيان، والمسؤولة عن أمنه وحمايته وسلامة مواطنيه.
أوليس هذا ما يريده الراعي الأكبر، وحامي هذا الكيان، وحليفه الاستراتيجي الدائم، الولايات المتحدة الاميركية؟
ثم:
أولم يكن تدميره قوة العراق العسكرية والعلمية والاقتصادية هدفا اسرائيليا بامتياز، قبل ان يكون هدفا اميركيا؟ (حل الجيش العراقي الذي كان مؤلفا من اكثر من 400 الف مقاتل جيدي التدريب والتسليح، والقضاء، الجسدي غالبا، على العلماء العراقيين في المجال النووي، وتدمير معظم المنشآت التي تشكل الموارد الاقتصادية للعراق، باستثناء النفط الذي اجتهدت اميركا للحفاظ عليه لكي تسرقه).
أوليس تهديد سوريا (مؤخرا) وخلق ذرائع لإرباكها (في لبنان خصوصا) يهدف، اساسا، الى إضعافها في وجه العدو الصهيوني؟ وبالتالي، فرض السلام عليها بالشروط التي يفرضها العدو نفسه؟
ولتفصيل ذلك نقول:
1 إن خروج الجيش السوري من لبنان (من كل لبنان) كما يطالب القرار 1559 يؤدي الى كشف <<الخاصرة الشمالية>> لسوريا، بحيث تصبح الطريق مفتوحة امام الجيش الاسرائيلي الزاحف من شمال فلسطين المحتلة الى ظهر البيدر (يصل خلال 4 ساعات لا اكثر)، ثم يلتف شرقا نحو البقاع، فالحدود السورية، بوابة دمشق.
2 إن نزع سلاح المقاومة (حزب الله) التي حققت <<توازن الردع>> مع العدو الصهيوني (بشهادة صحيفة <<هآرتس>> الاسرائيلية)، يريح اسرائيل ويجعل جبهتها الشمالية آمنة، وهي الجبهة التي لا تنفك اسرائيل تستخدمها للاعتداءات البرية والجوية على لبنان، كما انه يضعف جبهة الممانعة اللبنانية امام اي اعتداء اسرائيلي محتمل (اذ تعتبر المقاومة رديفا للجيش اللبناني ونصيرا له).
3 ان ارسال الجيش اللبناني الى الجنوب، بمعداته وسلاحه التقليدي الذي لا يمكن ان يقارن بالسلاح الاميركي المتطور الذي تزودت به اسرائيل، سوف يجعل من هذا الجيش، ولأول مرة في تاريخه (وهو الذي له مواقف مشهودة في قتاله ضد العدو الاسرائيلي) سياجا للكيان الصهيوني ومسؤولا عن حماية أمته وسلامة مواطنيه، خصوصا بعد حرمان هذا الجيش من قوة رديفة ونصيرة ومساندة له هي المقاومة.
اوليست هذه، كلها، اهداف اسرائيلية بالغة الاهمية، امنتها الولايات المتحدة الاميركية (ومعها فرنسا، صديقة لبنان، بكل اسف) وبتحريض مكشوف من بعض الفئات اللبنانية، للكيان الصهيوني، من خلال القرار 1559؟
وبعد،
أين اصبحت العروبة من كل هذا الذي يجري؟
واين اصبحت الامة والقومية والمصير المشترك بين الاقطار العربية؟
إن الأمم كالافراد، تنشأ وتكبر ثم تهرم وتشيخ وتموت، فهل ان هذا هو حال الامة العربية اليوم؟
هل شاخت أمتنا، وباتت تنحدر مسرعة نحو الموت والاندثار؟
تلك كلها تساؤلات تقبل الصح والغلط، الا ان ما لا يمكن إنكاره هو ان الامة العربية قد خرجت من التاريخ، ولن يعيدها اليه بشر ضعفاء منهزمون انصرفوا عنها، فأضحت، حكاما وشعوبا، تستجدي الطعام على مآدب اللئام.
ثلاثمئة مليون جثة متحركة، من المحيط الى الخليج، هي نتاج هذه الامة في مطالع القرن الواحد والعشرين.
أمل وحيد فقط لا يزال مضيئا، هو الشعب البطل المقاوم في كل من فلسطين والعراق، يظل الأمل في انتصاره معقودا لهذه الأمة كي يعيدها الى الحياة، والى التاريخ.
هل هو اليأس؟
ربما، ولكن: لا بأس.
نرجو ان يكون يأسنا هذا خطأ، او ان يكون ما نحن فيه داء قابلا للشفاء، وكذلك خروج أمتنا من التاريخ.
() لواء ركن متقاعد
ياسين سويد
تصعب الكتابة في زمن أصبح الدم العربي الذي يراق، في فلسطين والعراق، كالخمرة التي تهرق، في حانات السكر والعربدة، على أيدي أمم متوحشة (اميركا واسرائيل) تمارس الارهاب كما تمارس الداعرة الجنس، تسكرها رائحة الدم العربي المراق، تتلذذ بامتصاصه من عروقنا كما يتلذذ الوحش الكاسر بالتهام لحم فريسته، كل هذا، بينما تقف الغانية (التي اسمها العروبة) عارية حتى من ورقة التوت، تتفرج على مناظر الدمار والخراب والقتل، قتل رجالنا ونسائنا وأطفالنا، وهي تكاد تعرض جسدها للغزاة المتوحشين.
تحضرني هذه الصورة وأنا أتطلع، كل يوم، ومن خلال التلفاز، الى مشاهد المجازر والمذابح التي تتكرر، يوميا، في فلسطين والعراق، والتي ترتكبها قوات الاحتلال الصهيوني والاميركي بحق اهلنا هناك، بينما تقف الأمة، بأسرها، من المحيط الى الخليج، موقف المشارك والمتواطئ.
مشاركون بالجرائم اولئك الحكام العرب الذين لا يحرك مشاعرهم، ولا يثير نخوتهم، ما يجري لإخوتهم في فلسطين والعراق.
ومتواطئون اولئك العرب (شعوبا وجماهير) المخدرون الذين يسكتون عن حكامهم فلا يحاسبونهم على قصورهم وتواطئهم الى حد الاشتراك في العدوان، فعلا أم مجازا، كأنما ما يتكدس، ما بين المحيط والخليج، من بشر ينطقون باللسان العربي، ليسوا سوى جثث متحركة فحسب.
لم يعد الدم العربي واحدا، من المحيط الى الخليج، بل اضحت الدماء، في كل قطر، تتلون بلون ذلك القطر، وتتزيا بزيه، وتفوح منها رائحته: هذا دم لبناني وذاك سوري او اردني او فلسطيني او مصري او عراقي او تونسي او ليبي او مغربي او جزائري.. الى آخر القافلة من الكيانات الهشة التي رسم لنا الاستعمار حدودها، فباركناها وتشبثنا بها، رغم ضعفها وهزالها، ورغم الهجمة الشرسة التي نتعرض لها، كيانا بعد آخر، ورغم اقتناعنا بأن <<الثور الاسود>> سوف يؤكل بعد ان يؤكل <<الثور الابيض>>، ورغم ايماننا العميق ان خلاصنا وانتصارنا لا يتحققان الا باستعادة وحدتنا.
لقد نجح الاستعمار، ايما نجاح، في تجزئة ما كان يسمى <<الامة العربية>>، إذ لم يعد هناك، في الواقع <<أمة عربية واحدة>>، بل اصبحنا أمما متفرقة متمايزة لا يجمع بينها اي لون من ألوان <<العروبة>> الموروثة.
تتناوب الأمتان المتوحشتان (اميركا واسرائيل)، قيادة <<الارهاب الحضاري>> في مطلع القرن الواحد والعشرين، فبينما يقتل <<بن لادن>> وأنصاره الناس بالطائرات المختطفة والسيارات المفخخة، وسائل بدائية، يقتل بوش وشارون الابرياء بقنابل الطائرات والدبابات وبالقنابل الذكية والقنابل العنقودية والمسمارية، لا لذنب ارتكبوه، بل لانهم يطالبون بحقهم في حياة حرة كريمة على أرضهم، وفي ديارهم.
ورغم ذلك، ينساق العالم خلف الاكذوبة الاميركية والاسرائيلية بانهما تحاربان إرهابا دوليا، في كل من فلسطين والعراق.
مسكين جورج واشنطن، لقد صنفه خليفته الأبعد <<جورج دبليو بوش>> ارهابيا بامتياز، لأنه قاوم الاحتلال الانكليزي لأميركا.
ومسكين <<شارل ديغول>> لقد صنفته واشنطن وتل ابيب <<ارهابيا بامتياز>> لأنه قاوم الاحتلال النازي لفرنسا. وهكذا يقال عن <<بن بللا>> في الجزائر، و<<هوشي منه>> في فيتنام، وغيرهما من ابطال التحرير في التاريخ.
أوليس هذا ما تتهم به اميركا واسرائيل المقاومة في كل من فلسطين والعراق؟
وتتناوب الامتان المتوحشتان (اميركا واسرائيل) القتل والتدمير في البلدين العربيين المحتلين، لا تميزان بين شيخ مسن او امرأة مستضعفة او طفل رضيع، وتمارسان <<إرهاب الدولة>> بالاسلوب نفسه، وبالمقادير نفسها، ولا يتحرك في عروق الشعوب التي اتفق على تسميتها <<شعوبا عربية>> عرق ينبض بالغضب، او بالرفض لما يجري في البلدين العربيين.
عجبا،
كيف يرى الحكام العرب عمليات الإبادة الجماعية في هذين البلدين ولا تتحرك ضمائرهم ويلتهب الدم (العربي؟) في عروقهم؟
وكيف تشهد الشعوب العربية صمت حكامها تجاه عمليات الإبادة هذه ولا تثور؟
يبدو أننا لم نعد <<أمة عربية واحدة>> تشكل <<جسما واحدا، اذا مرض عضو تداعت له باقي الاعضاء بالسهر والحمى>>. لقد جزأ الاستعمار وطننا العربي الى كيانات ضعيفة وعاجزة، فأضحى الكيان، في نظر مواطنيه، جيلا بعد جيل، هو الدنيا... هو الوطن الأبدي السرمدي النهائي، بل هو الأمة، وكل ما عداه غريب أجنبي، ولو كان عربيا. لقد انمحت <<الامة العربية>> من معاجم الاجيال الى درجة ان اصبح السوري في لبنان محتلا واللبناني في سوريا غريبا، والفلسطيني المشرد في كل أصقاع الارض العربية منبوذا. لم يعد الرابط القومي هو <<حبل السرة>> الذي يصل ابناء هذه الكيانات بعضهم ببعض، بل اكثر من ذلك واشد فظاعة وهولا:
يعلن الكيان الصهيوني حرب إبادة موصوفة على الشعب العربي في فلسطين وتظل اعلامه مرفوعة في عواصم العديد من الدول العربية.
وتعلن اميركا حرب ابادة موصوفة على الشعب العربي في العراق ويظل سفراؤها يأمرون وينهون في معظم العواصم العربية ان لم يكن كلها (أوليس مستهجنا ان يستقبل السفير الاميركي، في عيد بلاده ببيروت، اكثر من الف مدعو؟).
بل اكثر من ذلك وأشد فظاعة وهولا:
تستكين الشعوب، في هذه الدول، فلا يستثيرها منظر العلم الاسرائيلي مرفرفا في عواصمها، كما لا يستثيرها رضوخ حكامها وخضوعهم لممثلي الراعي الاميركي.
واكثر من ذلك بكثير، واشد فظاعة وهولا:
يقف وزير داخلية لدولة عربية كبرى مشتركة الحدود مع فلسطين، امام التلفاز، لكي يصرح، بكل صفاقة، بل بوقاحة، انه لن يسمح بتمرير اية قطعة سلاح للفلسطينيين، بينما تعلن اميركا، في اليوم نفسه، انها أمدت الصهاينة بخمسة آلاف قنبلة ذكية لكي يستعملوها في حربهم لإبادة الشعب الفلسطيني، هذا عدا الترسانة العسكرية الاسرائيلية الكاملة التي هي من صنع اميركي، وعطاء اميركي.
ثم نسمي الفلسطيني الذي يفجر نفسه في وجه اعدائه <<ارهابيا>>، وهو الذي لم يكن ليفعل ذلك لو أمنا له أبسط وسائل الدفاع عن النفس ووسائل مقاومة المحتلين المعتدين.
ولا يتورع جندي من جيش دولة عربية مشتركة الحدود مع فلسطين عن ان يقتل فلسطينيا يحمل السلاح ويجتاز الحدود لكي يدافع عن اهله في فلسطين. ويتم ذلك على مرأى ومسمع من جنود العدو المتمركزين على الجانب الآخر من تلك الحدود، يستقبلون الحدث بغبطة ورضى كبيرين: لقد أضحت الجيوش العربية المحيطة بالكيان المغتصب حراسا لهذا الكيان، والمسؤولة عن أمنه وحمايته وسلامة مواطنيه.
أوليس هذا ما يريده الراعي الأكبر، وحامي هذا الكيان، وحليفه الاستراتيجي الدائم، الولايات المتحدة الاميركية؟
ثم:
أولم يكن تدميره قوة العراق العسكرية والعلمية والاقتصادية هدفا اسرائيليا بامتياز، قبل ان يكون هدفا اميركيا؟ (حل الجيش العراقي الذي كان مؤلفا من اكثر من 400 الف مقاتل جيدي التدريب والتسليح، والقضاء، الجسدي غالبا، على العلماء العراقيين في المجال النووي، وتدمير معظم المنشآت التي تشكل الموارد الاقتصادية للعراق، باستثناء النفط الذي اجتهدت اميركا للحفاظ عليه لكي تسرقه).
أوليس تهديد سوريا (مؤخرا) وخلق ذرائع لإرباكها (في لبنان خصوصا) يهدف، اساسا، الى إضعافها في وجه العدو الصهيوني؟ وبالتالي، فرض السلام عليها بالشروط التي يفرضها العدو نفسه؟
ولتفصيل ذلك نقول:
1 إن خروج الجيش السوري من لبنان (من كل لبنان) كما يطالب القرار 1559 يؤدي الى كشف <<الخاصرة الشمالية>> لسوريا، بحيث تصبح الطريق مفتوحة امام الجيش الاسرائيلي الزاحف من شمال فلسطين المحتلة الى ظهر البيدر (يصل خلال 4 ساعات لا اكثر)، ثم يلتف شرقا نحو البقاع، فالحدود السورية، بوابة دمشق.
2 إن نزع سلاح المقاومة (حزب الله) التي حققت <<توازن الردع>> مع العدو الصهيوني (بشهادة صحيفة <<هآرتس>> الاسرائيلية)، يريح اسرائيل ويجعل جبهتها الشمالية آمنة، وهي الجبهة التي لا تنفك اسرائيل تستخدمها للاعتداءات البرية والجوية على لبنان، كما انه يضعف جبهة الممانعة اللبنانية امام اي اعتداء اسرائيلي محتمل (اذ تعتبر المقاومة رديفا للجيش اللبناني ونصيرا له).
3 ان ارسال الجيش اللبناني الى الجنوب، بمعداته وسلاحه التقليدي الذي لا يمكن ان يقارن بالسلاح الاميركي المتطور الذي تزودت به اسرائيل، سوف يجعل من هذا الجيش، ولأول مرة في تاريخه (وهو الذي له مواقف مشهودة في قتاله ضد العدو الاسرائيلي) سياجا للكيان الصهيوني ومسؤولا عن حماية أمته وسلامة مواطنيه، خصوصا بعد حرمان هذا الجيش من قوة رديفة ونصيرة ومساندة له هي المقاومة.
اوليست هذه، كلها، اهداف اسرائيلية بالغة الاهمية، امنتها الولايات المتحدة الاميركية (ومعها فرنسا، صديقة لبنان، بكل اسف) وبتحريض مكشوف من بعض الفئات اللبنانية، للكيان الصهيوني، من خلال القرار 1559؟
وبعد،
أين اصبحت العروبة من كل هذا الذي يجري؟
واين اصبحت الامة والقومية والمصير المشترك بين الاقطار العربية؟
إن الأمم كالافراد، تنشأ وتكبر ثم تهرم وتشيخ وتموت، فهل ان هذا هو حال الامة العربية اليوم؟
هل شاخت أمتنا، وباتت تنحدر مسرعة نحو الموت والاندثار؟
تلك كلها تساؤلات تقبل الصح والغلط، الا ان ما لا يمكن إنكاره هو ان الامة العربية قد خرجت من التاريخ، ولن يعيدها اليه بشر ضعفاء منهزمون انصرفوا عنها، فأضحت، حكاما وشعوبا، تستجدي الطعام على مآدب اللئام.
ثلاثمئة مليون جثة متحركة، من المحيط الى الخليج، هي نتاج هذه الامة في مطالع القرن الواحد والعشرين.
أمل وحيد فقط لا يزال مضيئا، هو الشعب البطل المقاوم في كل من فلسطين والعراق، يظل الأمل في انتصاره معقودا لهذه الأمة كي يعيدها الى الحياة، والى التاريخ.
هل هو اليأس؟
ربما، ولكن: لا بأس.
نرجو ان يكون يأسنا هذا خطأ، او ان يكون ما نحن فيه داء قابلا للشفاء، وكذلك خروج أمتنا من التاريخ.
() لواء ركن متقاعد