علاقة الحب بين الزوجين

ورد عن الإمام السجاد عليه السلام في مناجاة المحبين قوله : ( إلهي من ذا الذي ذاق حلاوة محبتك فرام منك بدلا ) .
من هذا المقطع من المناجاة نلاحظ أن الحب هو أحد أكبر عوامل الاستقرار والسعادة في الحياة فعندما يجد أو يسمع الإنسان كلمة حب سرعان ما تشده نحوها بقوة وتحرك اهتمامه ومشاعره، فعندما يسمع أو يقرا هذه الكلمات النورانية من المناجاة تجعل الفكر في حالة انشداد وشوق لمعرفة مزايا هذه العلاقة من الحب وكيف تنشأ وكيف تكبر وما هي صفة القلوب التي وصلت إلى هذه الدرجة من الحب حيث يستشعر في معنى الحب الحقيقي، الحب الصادق الذي ينم عن صدق وعمق العلاقة بين المحبوبين، وخصوصاً وان الكثير منا قد لا يتصور تكوين حالة حب مع الله عز وجل حيث أن الشائع لدى الكثير في أساس العلاقة مع الله عز وجل دائماً هوا جانب الرهبة والخوف منه … هذا الجانب من العلاقة مع الله عز وجل لا تقل أهمية وله الأثر الكبير في تهذيب سلوك الإنسان وسيره في الحياة بصورة حسنة بعيداً عن المعاصي والذنوب ولكن قد نجهل أن جانب الحب وعلاقة الحب هي أيضاً من الجوانب التي تبعد الإنسان عن المعصية وتوصله إلى طريق السعادة في الحياة.
ولكن هنا قد يتبادل إلى أذهاننا سؤال وهو : كيف يمكن الوصول إلى هذا الحب وهذه الدرجة منه ؟.
ونجيب قائلين أن الطريق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق أو كما هو وارد في الحديث انه: ( من تقرب إلى شبراَ تقربت إليه باعاَ ومن يقرب إلى باعاَ تقربت إليه ذراعاَ ومن جائني مشياَ جئته هرولة ) وفي الدعاء ( وأن الراحل إليك قريب السافة ) وفي الحديث القدسي ( عبدي أنا وحقي لك محب فبحقي عليك كن لي محباَ ) وفي المناجاة ( يا من هو على المقبلين عليه مقبل … ) لذلك ترى الرب العطوف قد عين أوقات للقاء به والتقرب إليه … كالصلاة وليلة الجمعة ولحج وشهر رمضان ، الشهر الذي يقول فيه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : ( شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله .. )، ولكن لو نظرنا إلى حالنا وما هي استجابتنا إلى لهذا الدعوة العظيمة، أترى ألا تجيب لو دعيت إلى مائدة عند أحدهم، ألا تقترب وتتأسف لو أعاقك عن الإجابة عائق مع معرفتك بالفوارق الكبيرة بين دعوة هذا الفقير والذي في الدعاء لسان حاله ( إلهي أنا الفقير في غناي فكيف لا أكون فقيراَ في فقري، إلهي أنا الجاهل في علمي فكيف لا أكون جهولاَ في جهلي … ) إلى تلك الدعوة التي صاحبها كما هوا في دعاء الافتتاح : ( الحمد لله الذي يخلق ولم يخلق ويرزق ويطعم ولا يطعم ويميت الأحياء ويحيي الموتى وهو حي لا يموت بيده الخير و هو على كل شيء قدير ).
أترى هل هناك وجه مقارنه بين الدعوتين ؟.
ولكننا من نجيب عندما ندعى هاتين الدعوتين !. لساننا يقول نجيب دعوة أغنى الأغنياء وأكرم الأكرمين، ولكن أعملنا تدل على أننا لم نجب هذه الدعوة ولم نعرها أي اهتمام وإذا بنا لا نتورع عن محارم الله التي هي من أهم الأمور في هذا الشهر، ومن الأدلة على أننا لم نجب هذه الدعوة ترانا نسمع صوت رسول الدعوة إليه ( الأذان ) ونحن جالسين مقابل التلفاز أو غرقى في سبات عميق أو في لهو لا يغني ولا يسمن جوع فضلاَ عن من هو في معصية الله عز وجل.
ويمضي وقت الصلاة وكأنه شيئاَ لم يكن وهو الوقت الذي يدعونا فيه الحبيب العطوف الودود إلى مناجاته و التحدث معه والذي هو : ( … بالغافلين عن ذكره رحيم رؤوف ويجذبهم إلى بابه ودود عطوف … ).
الذي يقول كما في الحديث القدسي : ( عبدي أنا وحقي لك محب فبحقي عليك كن لي محباَ )، ولكن حق لنا أن نجيبه بما ناجاه مولانا الإمام السجاد عليه السلام بقوله : ( إلهي لولا الواجب من قبول أمرك لنزهتك عن ذكري إياك على ان ذكري بقدري لا بقدرك، وما عسى أن يبلغ مقداري حتى أجعل محلاَ لتقديسك … )، وكما هو على لسان صاحب الأمر ( عج ) : ( … فلم أر مولىَ كريماَ أصبر على عبد لئيم منك على يا رب إنك تدعوني فأولي عنك وتتحبب إلى فأ تبغض إليك وتتودد إلى فلا أقبل منك كأن لي التطول عليك فلم يمنعك ذلك من الرحمة لي والإحسان إلي والتفضل علي بجودك وكرمك فارحم عبدك الجاهل وجد عليه بفضل إحسانك إنك جواد كريم … ) .
أخي الحبيب .. العُجب و الغرور نتيجتان لغاية الجهل بحقارة النفس وعظمة الخالق ، إذا فكر الإنسان قليلاً في عظمة الخلقة بالمقدار الذي وصل البشر – رغم كل هذا التقدم العلمي – إلى شئ يسير منه ، يُدرك حقارة نفسه وكل المنظومات الشمسية و المجرات ، ويفهم قليلاً من عظمة خالقها ويخجل من عُجبه وأنانيته وغروره ويشعر بالجهل .
في قصة حضرة سليمان نبي الله عليه السلام نقرأ عندما يمر بوادي النمل : ( قالت نملةٌ يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون ) .
النملة تصف سليمان النبي مع مرافقيه بعنوان "لا يشعرون" والهدهد يقول له : " أحطتُ بما لم تحط به" وعُمي القلوب لا يستطيعون تحمل نُطق النملة والطير فضلاً عن نُطق ذرات الوجود وما في السماوات والأرض التي يقول خالقها : ( … إلا يُسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم …) .
الإنسان الذي يرى نفسه محور الوجود – رغم أن الإنسان الكامل كذلك – غير معلوم أنه كذلك في نظر سائر الموجدات ، والبشر الذين لم يبلغوا الرشد ليسوا كذلك ( مثل الذين حُملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار .. ) هذا مرتبط بالرشد العلمي باستثناء التهذيب وقد جاء في وصفه ( كالأنعام بل هي أضل ) .
كل يوم يمضي من العمر وتصبح شجرة حب الدنيا أقوى والتي هي الآن تقتلع من جذورها بقوة شخص تصبح بمرور الزمان عصيّة لا يمكن اقتلاعها … من مكائد الشيطان الكبرى والنفس الأخطر منه أنهما يَعِدَان الإنسان بالإصلاح في آخر مرة وزمان الشيخوخة ويؤخران التهذيب والتوبة إلى الله .. إلى الزمان الذي تصبح فيه شجرة الفساد شجرة الزقوم قويةً .. والإرادة والقدرة على التهذيب ضعيفتين بل ميتتين …
لا نبتعد عن القرآن الكريم ، في هذه المخاطبة بين الحبيب والمحبوب والمناجاة بين العاشق والمعشوق أسرار لا سبيل لأحدٍ إليها غيره هو وحبيبه …
القلم لا جرأة له على المضي ، والبيان لا طاقة له ليشرح … وماذا نقول للمحجوبين ، نحن المحجوبين .. وماذا نعلم نحن لنقول …ما هو موجود ليس مما يُحكى وهو أعلى من أُفق وجودنا .
ولكن لا بأس .. فإنّ ذكر الحبيب يؤثر في القلب والروح إذا لم يفهم من ذكره شئ كالعاشق الأمي الذي ينظر إلى كتابة رسالة المحبوب فيأنس لأن هذه رسالة المحبوب وكالفارسي المضطرب لعدم معرفته العربية ليقرأ القرآن الكريم ويأنس به لأنه منه تعالى وتعتريه حالةٌ هي أفضل آلاف المرات من حالة الأديب العالم الذي شغل نفسه بإعراب القرآن الكريم ومزاياه الأدبية وبلاغته وفصاحته والفيلسوف العارف الذي يفكر بمسائله العقلية والذوقية ويغفل عن المحبوب كمطالعة الكتب الفلسفية والعرفانية التي تنشغل بمستوى الكتاب ولا اهتمام لها بالقائل .
الهي من أنا حتى أكون محلاً لمناجاتك والتحدث معك وأنت ما قطعت عني الإحسان وأنا ما قطعت المعصية والغفلة …
الهي …… فاجعلني ممن اصطفيته لقربك وولايتك وأخلصته لودك ومحبتك …اللهَّم ..اجعلنا ممن دأبهم الارتياح إليك والحنين ,,,
أترى عندما يدعوك حبيبك إلى اللقاء به كيف تنتظر تلك اللحظات ؟
وعندما تلتقيان ألا تريد التحدث معه ؟ لا ؟
ليس التحدث فقط بل تريد أن تضمه إلى صدرك وتعانقه وتشجعه …
حيث يلاحظ ذلك جلياً في حب الزوجين لبعضهما وما لهذا الحب من فوائد جمه .. في حفظ الأسرة من التفكك والانهيار ، وغمر للجو الأسري بالسعادة ، والبهجة والراحة ، وحق للزوج أن لا يحمل ذلك الحبل من الهموم إذا دخل البيت وجسمه متعب بالآم الكد على العيال وطلب الرزق – وهو جهاد – ونفسه مجهدة بمشاكل العمل وضغوطه النفسية و .. و .. إلى غير ذلك … ولكن ؟
إذا باستقبالة زوجة مؤمنة ملؤها العطف والحنان ، متصفة بصفات فاطمة الزهراء عليها السلام ..
وفخر لكل امرأة أن تتصف بصفات بضعة المصطفى في من يرضى الله لرضاها ويغضب لغضبها وهي بضعة أفضل الخلق وقرة عينه .
هذه الابتسامة التي تستقبل الزوجة بها زوجها تُذهب ذلك التعب وذلك الهم وكأنه شيئاً لم يكن … حيث تُهيئ له ما يُريحه ويجلو همه .
وهي نفسها تخاطبه عندما تراه مغتم بهموم الحياة .. بـ هل أنت مهموم برزقك ؟
إذا كان كذلك فقد تكفل الله به ، وإذا كان همك من الذنوب والتقصير في حق الله فزادك الله همّاً … هنيئاً لك بهذه الزوجة المباركة .
وهي التي تُهيئ النشأ المؤمن لحمل رسالته ومسؤليته وهي التي تُضفي على البيت جوّاً إيمانياً عميقاً يجعل الكل في حالة هدوء واطمئنان وسكينة بتلاوة القرآن الكريم وتدبره وعمل المستحبات . فكلما يذكر أحد علماء التربية والاجتماع أن أمه كانت سبباً رئيسياً في اختياره درب الهُدى لكثرة ما يجد فيها الالتزام الحرفي لكل الواجبات والمستحبات وعلى وجه الخصوص أثناء قيامها لصلاة الليل تقوم لإيقاظه وإيقاظ أخوته ليشاهدوها على سجادتها ساجدة مستغفرة .
أيضاً يُنقل أنه سُئلت أم أحد المراجع العظام – لا أذكر من هو ولكن لعلّه الشيخ الأنصاري - عن تربيتها لأبنها وكيف أنه وصل إلى هذه المرتبة ، فقالت إنها كانت لا ترضعه إلا وهي تتلو كتاب الله أو على طهارة ( عموماً كلا الأمرين نور ) والمهم هو الأثر الناتج من هذه المعادلة ولا يقتصر أثر هذه المعاملة بعد الولادة فلا تنسى أثره في فترة الحمل ، فيُنقل أن إحدى الأمهات العظيمات كانت في فترة الحمل تكثر من تلاوة القرآن الكريم والأدعية لأن ذلك له الأثر الكبير على شخصية ونفسية المولود ، كما أثبتَ العلم الحديث وعلم النفس في هذا الجانب ، حتى أصبح ذلك الولد مرجعاً كبيراً للطائفة المحقة ، ويذكر العلم أنه أراد شخص أن يصبح ابنه موسيقاراً فجعل أمه تكثر من سماع الموسيقى فإن الجنين يتأثر بذلك كثيراً بعد ولادته .
كذلك هي الأم التي تنشر الجو العلمي والنقاش الهادف الذي يرجع بالفائدة على أفراد الأسرة ، وما يدور في العالم من أحداث .
وهي الموقرة التي تطبق وصية جدها الأعظم محمداً صلى الله عليه وآله ، لأبي ذر رضوان الله تعالى عليه في قوله : ( اغتنم خمساً قبل خمس : شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك وغناك قبل فقرك وفراغك قبل شغلك وحياتك قبل موتك ) فهي تحافظ على أن لا تكون جلساتها مع الصديقات جُلّها عن السوق والموديلات والمجلات و .. و .. نعم إنها المحافظة على ما يسمع جنينها وطفلها وابنتها ، بل هي التي تغير مجاري الحديث و تسحب البساط عن التَفَاهَات وهي المُبادِرة إلى كلِّ خير وصلاح حتى أن الذي يجلس معها يأنس بالحديث معها وفي نفس الوقت فهي التي تستفيد من النقاشات الهادفة في إضافة معلومات وخبرات الأخريات إلى ثقافتها ، فكما جاء في الحديث ( أعقل الناس من جمع عقول الناس إلى عقله ) .
أجل إن الأم التي تكون بهذا الوعي وهذا الإيمان ، هي الأم التي تستطيع أن تنقل أبناءها إلى ذُرى العلم والإيمان .
إن الأم التي تكثر من التحدث مع أبناءها عن عظماء الإسلام كالنبي محمد صلى الله عليه وآله ووصيه بالحق علي بن أبي طالب عليه السلام وأهل بيته الأطهار تستطيع أن تغرس في نفوس أبنائها ما أرادت أن تغرسه الأمهات بالقصص البطولية المزيفة الحديثه من الشجاعة والخبرة بالحياة وتتفوق عليهن في أنها تغرس في نفوسهم الشجاعة الكبيرة والإيمان الأصيل الذي لا شائبة فيه لأنها تستقي دروسها وتربيتها من علي وأهل بيته ، فعلي .. وماذا أتحدث عن علي ، فلو بقيتُ أتحدث الدهر كله عن علي وأهل بيته سُفن النجاة ومغيثي الهلكى من الردى ، لعجزت ولما استطعت لأنه القرآن الناطق ، وكلام الله "عزَّ اسمه" لا ينفُق ( ولو أنما في الأرض من شجر أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفذت كلمات الله إن الله عزيز حكيم ) .
فكيف بع وهو نفس النبي وزوج البتول وأبو السبطين .
( لا يحبك إلا مؤمن ، ولا يبغضك إلا منافق ) .
( ولو لا أنت يا علي لم يُعرف المؤمنون بعدي … )
آه .. يا صوت العدالة الإنسانية .. آه .. يا من أخفى أحباءه فضائله خوفاً على أنفسهم و أخفى أعداءه فضائله حسداً منهم إليه فظهر من بين هذا وهذا ما ملئ الخافقين ..
آه .. يا من سُبَّ على المنابر سبعين عاماً … آه .. يا من فقد في الشهر العظيم وترك الدنيا مظلمة بعده ، فمن للأيتام ، ومن للمساكين والمظلومين بعدك يا أبا الحسن .. يا شهيد المحراب .. نعم فزتَ ورب الكعبة ، فقد بدأت حياتك ساجداً لله في بيته ، وختمتها ختام المسك والأريج في بيته ساجداً ، فحق لنا أن نبكيك ويبكيك جميع المحرومين في الدنيا ، ويبكيك المحراب الذي تشرف بحضرتك وجليل مناجاتك، وحق له أن يبكيك وهو يسمعك وأنت تناجي معشوقك و ربك وتقل … آه من قلة الزاد ووحشة الطريق.
نعم يا أبا الضعفاء،حق لضرار أن يجيب عندما يسأله معاوية ( لعنه الله ) بما حزنك يا ضرار على علي، فيجيب ( حزن من قتل وحيدها في حجرها ) وكيف لا يبكيك وهو يرى عبادتك وزهدك وتقواك وخوفك من الله، وكيف لا يبكيك وهو يراك في شدتك مع أعداء الله ورأفتك مع المؤمنين …
إن الأسرة وجميع أفرادها لو نظرت إلى علي عليه السلام وتعامله داخل الأسرة لأعنت الكون كله عما يهمهم في حياتهم الأسرية.
... تتمة الموضوع
منقول من موقع الطاهرة http://www.altahera.net/
تعليق