اكد الرئيس السوري بشار الأسد في كلمة له خلال افتتاح مؤتمر المغتربين السوريين امس الاول، ان القرار 1559 <<لم يأتِ كما اعتقد البعض، نتيجة للتمديد للرئيس اميل لحود بل انه بمضمونه كان جاهزا قبل فترة ليست بقصيرة، وهو يهدف للوصول الى غايات اخرى، بعيدة كل البعد عما تم طرحه كأقنعة للتمويه على الغايات الحقيقية، وفي مقدمتها تدويل الوضع الداخلي اللبناني، وما يعنيه ذلك من عودة لبنان الى اجواء الثمانينات واستهداف طبيعة العلاقات القائمة بين سوريا ولبنان>>. وتساءل ما علاقة نزع سلاح المقاومة وبسط سيطرة الجيش اللبناني في الجنوب بموضوع الاستحقاق الرئاسي؟ وأكد ان مسؤولية سوريا تجاه لبنان ومسؤولية لبنان تجاه سوريا ستبقى برغم كل الظروف.
قال الرئيس الاسد في الشق المتعلق بلبنان من خطابه: إننا نعيش اليوم حال فوضى من المفاهيم الخاطئة والمصطلحات الكاذبة، والتي تزيد الانقسام بين الثقافات، وتهيئ للمزيد من الحروب وسفك الدماء... بينما، المؤسسات الدولية التي وجدت من اجل خير العالم، وإرساء العدل والسلام فيه، يجري تحويلها الى اذرع لقوى كبرى على حساب مصالح الدول الاصغر، ولتكون ادوات للتدخل في الشؤون الداخلية او الثنائية لتلك الدول، مخالفين بذلك اي مبدأ او منطق او قانون دولي. ومن خلال هذه الصورة كان صدور القرار 1559 عن مجلس الامن، والذي كان مجرد عرض مشروعه امام المجلس مفاجئا للكثيرين...
وإذا كانت سوريا معروفة بدعمها المستمر للامم المتحدة ومنظماتها، وبدعوتها لتطبيق قراراتها، فهذا لا يعني الا ننتقد الأخطاء عندما تقع، وخصوصا ازدواج المعايير في التعامل مع هذه القرارات، او اصدار قرارات خارج اختصاص الجهة التي اصدرتها او مخالفة لميثاق الامم المتحدة نفسه... ومنها القرار الاخير الذي صوّر وكأنه اتى لحماية استقلال لبنان على خلفية خرق للدستور اللبناني هكذا صُور، وفي الواقع فإن لا علاقة للقرار بكلا النقطتين بالمطلق، ولم يأتِ كما اعتقد البعض، نتيجة للتمديد للرئيس لحود... فالقرار بمضمونه كان جاهزا قبل فترة ليست بقصيرة، وهو يهدف للوصول الى غايات اخرى، بعيدة كل البعد عما تم طرحه كأقنعة للتمويه على الغايات الحقيقية، وفي مقدمتها تدويل الوضع الداخلي اللبناني، وما يعنيه ذلك من عودة لبنان الى اجواء الثمانينات واستهداف طبيعة العلاقات القائمة بين سوريا ولبنان والمبنية على تمازج المجتمعين وعلى روابط التاريخ والجغرافيا. هذه العلاقة التي استعصت على التحديات بفضل التلاحم بين الشعبين والتضحيات المشتركة التي قدماها في مراحل مختلفة.
وتابع: في هذه المرحلة، في الاسابيع القليلة الماضية التي ترافقت مع صدور القرار وبعده، كان هناك الكثير من الاسئلة والتساؤلات ولا تزال موجودة حول ظروف صدور القرار والاهداف وكيف تعاملنا، وما هي خطط الدول التي كانت خلف هذا القرار. الكثير من الناس بسّط هذا الموضوع وكأن القضية هي اما الا يُمدد (للرئيس لحود)، او ان يصدر القرار. هذه الصورة غير واقعية على الاطلاق والوضع ليس بهذه الصورة، ولو نظرنا بمضمون القرار، انا لا اتحدث عن المشروع الاصلي، فحتى القرار الحالي لا علاقة لبنوده بموضوع التمديد او بالاستحقاق الرئاسي. اعطي مثلا بسيطا هو البند المتعلق بالميليشيات والذي كان في المشروع الاصلي يتحدث عن <<حزب الله>> او المقاومة، ما علاقة هذا البند بالتمديد؟ بسط سلطة الجيش اللبناني او في ما يتعلق ببسط سيطرة الدولة اللبنانية، ما علاقة هذا البند بموضوع التمديد؟ في الواقع كنا قد بدأنا نسمع وتردنا معلومات قبل هذا القرار بعدة اشهر، بأن هناك شيئا ما يُحضّر في مجلس الامن ضد سوريا ولبنان. اعتقدنا في البداية انه مجرد شائعات وحاولنا ان نستقصي الحقائق ولم نصل الى معلومات واضحة، واعتقدنا بأنها شائعات. لاحقا اتى موضوع الاستحقاق الرئاسي وأعلنت سوريا بأنها لن تتدخل في هذا الاستحقاق وأعلنت انا هذا الشيء في احدى المقابلات الصحافية. وقمنا لاحقا بإبلاغ العديد من المسؤولين اللبنانيين بهذا الموقف وطبعا في مقدمتهم الرئيس اللبناني اميل لحود، كونه المعني مباشرة بهذا الطرح. وفوجئنا لاحقا بأن الهجوم استمر على التمديد وعلى الرئيس لحود ومن ثم على سوريا، واستمر العمل في مجلس الامن لإصدار قرار ما ضد سوريا. مع الوقت توضحت التفاصيل والنقاط وهي كثيرة وتوضح اهم شيء بأن الاستحقاق الرئاسي هو مجرد عنوان لهذا القرار، ولا علاقة ابدا لمضمون القرار وأهدافه بالموضوع الرئاسي، وأقول الآن الاستحقاق الرئاسي ولا أقول التمديد، لأن الاستحقاق الرئاسي اما ان يكون تمديدا او تبديلا في شهر تشرين الثاني، وبالتالي كان هناك مخطط او سيناريو لمرحلتين: الاولى مرحلة التمديد ان حصل وهو الاحتمال الاضعف بالنسبة اليهم في ذلك الوقت، او في حال وصل لبنان الى الاستحقاق الرئاسي في الشهر المقبل فأيضا كان هناك ضمن الاطار ذاته، اما قرار او تفاصيل اخرى سيتم العمل بها للهدف ذاته.
وقال: التفاصيل كثيرة والتساؤلات لديكم كثيرة. اليوم انا سأتحدث بالعناوين فقط وأفند بعض النقاط. اما التفاصيل فعندما يحين الوقت المناسب سنشرحها للمواطنين وللجميع، وبالطريقة المناسبة. ولكن لو عدنا الى الطروحات التي طرحت تحدثوا عن خرق الدستور، كيف يكون هناك خرق للدستور ان كان الدستور في كل العالم يُعدل وربما في معظم الدساتير في العالم هناك بنود تحدد آلية تعديل الدستور. فكيف يكون هناك خرق للدستور. لا يمكن ان نقتنع بأنهم لا يعرفون ابسط مبادئ القانون في العالم. تحدثوا في خطابات علنية احيانا بأنهم ضد التمديد، فاذا كانوا ضد التمديد كمبدأ فلماذا وافقت نفس الدول ونفس الاشخاص على التمديد عام 1995 بينما هم الآن يعارضونه في عام 2004، بالرغم من ان البند هو نفس البند تماما حرفيا؟ فاذا القضية ليست مبدأ. لو كانت مبدأ لما تغير الموقف خلال تسعة اعوام اما اذا كانت القضية قضية شخص، اي شخص الرئيس فهذا يعني تدخلا سافرا في الشؤون الداخلية اللبنانية، وهم يتحدثون عن هدفهم او احد اهدافهم وهو حماية لبنان من التدخل الخارجي كما يدعون، واذا كانوا ضد شخص او ضد مبدأ فكلاهما تدخل سافر في الشؤون اللبنانية.
وتابع الاسد: تحدثوا عن الحرص على لبنان، وأن كل ما يحصل هو حرص على لبنان، والسؤال الذي يطرح نفسه، ماذا قدمت كل هذه القوى للبنان في خلال العقود الماضية، عندما كان يمر بأزمة وأزمات؟ اذكر هناك شيئين قدمتهما الدول الغربية: في عام 1975 احدى الدول قدمت باخرة للمسيحيين لكي يهاجروا من لبنان، وفي عام 1990 احدى الدول قدمت حاملة طائرات لكي تدعم مجموعة متمردة على الشرعية اللبنانية. هذا ما قدموه، وبالتالي يحق لنا ان نتساءل اين كان كل هذا الحرص في بدايات الحرب الاهلية عندما دخلت سوريا في عام 1976 لإنقاذ المسيحيين اللبنانيين في ذلك الوقت، الذين كانوا يذبحون، وكانت المذبحة او المجزرة على وشك ان تنتهي في خلال اسبوعين باسم إصلاح النظام السياسي والعدالة والاشتراكية والتقدمية، اين كانوا في ذلك الوقت؟ تخيلوا كيف كان إصلاح النظام السياسي يتطلب ذبح نصف المجتمع، فلو ارادوا ان يصلحوا كل المجتمع مَن يبقى في المجتمع، لن يبقى احد، سيكون اصلاحا من دون شعب في ذلك الوقت، وفي ذلك الوقت طُلب من الرئيس حافظ الاسد ان يؤجل دخول، او ان يؤخر استكمال دخول القوات السورية الى لبنان لمدة اسبوعين فقط كي تتم المهمة وطبعا رفض، (اقول طُلب منه، باللغة العربية اقول طُلب فعل مبني للمجهول لفاعل مجهول، اما في اللغة الديبلوماسية فهي لفاعل معلوم).
وأضاف: ايضا نمر على ازمات اخرى اين كانوا في العام 1982 خلال الاجتياح الاسرائيلي للبنان عندما كان الآلاف من اللبنانيين يُقتلون والفلسطينيون كذلك. خسرت سوريا في ذلك في خلال اسابيع قليلة الآلاف من الشهداء، في اسابيع وليس في اشهر. كانوا ربما يستنكرون من البعيد والبعض من الاخوة اللبنانيين من نمور اليوم كان يرش الرز على الاسرائيليين، اين كانوا فترة الاحتلال الاسرائيلي من عام 1987 حتى انسحاب اسرائيل من معظم الاراضي اللبنانية في عام 2000، لم يكونوا موجودين، فجأة ظهر الحرص على لبنان، وعلى استقلاليته وعلى الديموقراطية وعلى كل شيء آخر.
وقال: تحدثوا عن الهيمنة السورية، عندما تريد دولة ان تهيمن فلا بد ان يكون لديها اهداف، معلنة او غير معلنة، لماذا تهيمن سوريا على لبنان، هل طلبنا مالا، هل هناك ثروات باطنية، هل هناك نفط نريده، هل اخذنا كهرباء، هل اخذنا ماء؟ لم نأخذ شيئا من لبنان نحن قدمنا دما، اذا كنا نريد ان نهيمن، لماذا نسحب قواتنا على مراحل منذ حوالى خمس سنوات وحتى الانسحاب الاخير؟ لماذا نهيمن على لبنان اذا كانت الهيمنة هي إضعاف لبنان، ولبنان الضعيف هو ضرر لسوريا، وسوريا ضعيفة طبعا هي ضرر للبنان، فبأي منطق نهيمن على لبنان، ليس لنا مصلحة بهذا الشيء.
وختم قائلا: نتساءل تساؤلا بسيطا ما هو الهدف من هذا القرار؟ الى اين يذهبون بالمنطقة بمثل هذه القرارات بمعزل عن الاهداف الحقيقية او الوهمية. المنطقة كانت على حافة البركان، ولكننا الآن اصبحنا في الشرق الاوسط في قلب البركان، ونسبيا، اقول نسبيا، سوريا ولبنان هما من الدول الاكثر استقرارا في منطقة الشرق الاوسط بالرغم من كل هذه الظروف، هل يريدون ان يلقوا بكل المنطقة من دون استثناء في قلب الحمم داخل البركان؟ ألم نتعلم من 11 ايلول، ألم نتعلم من حرب العراق، ألم يتعلم العالم، نحن تعلمنا منذ عقود الكثير من الدروس، لكن الآخرين لم يتعلموا بأن الحمم، بأن البركان عندما ينفجر فان هذه الحمم ستصيب الدول القريبة والبعيدة، الكبيرة والصغيرة، القوية والضعيفة؟ اعتقد ان الوقت قد حان لأن نتعلم هذه الدروس. لذلك، فإننا على قناعة بأن مسؤولية سوريا تجاه لبنان ومسؤولية لبنان تجاه سوريا، ستبقى بالرغم من كل الظروف، وبقوة التاريخ والجغرافيا وبإرادة الله وبمباركة الشعبين>>.