X
-
آية المباهلة
من آيات الله البينات التي أعلنت فضل أهل البيت عليهم السلام آية المباهلة قال تعالى: (فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين)(1).
واتفق المفسرون ورواة الحديث أنها نزلت في أهل البيت(2).
وأن أبناءنا إشارة إلى (الحسنين) ونساءنا إشارة إلى (فاطمة)، وأنفسنا إلى علي.. نزلت الآية الكريمة في واقعة تاريخية بالغة الخطورة جرت بين قوى الإسلام وبين القوى الممثلة للنصارى، وموجز هذه الحادثة أن وفداً من نصارى نجران قدموا على رسول الله (صلى الله عليه وآله) ليناظروه في الإسلام، وبعد حديث دار بينهم وبين النبي (صلى الله عليه وآله) اتفقوا على الابتهال أمام الله ليجعل لعنته، وعذابه على الكاذبين والحائدين عن الحق، وعينوا وقتاً خاصاً لذلك، وانصرف وفد النصارى على موعد للعودة للمباهلة حتى يستبين أمر الله ويظهر الحق ويزهق الباطل، وقد هامت نفوسهم بتيارات من الهواجس والأحاسيس، لا يعلمون أن النبي (صلى الله عليه وآله) وقد اختار للمباهلة أفضل الناس وأكرمهم عند الله، وهم باب مدينة علمه وأبو سبطيه الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) وبضعته فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين، والحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة.
وأقبل (صلى الله عليه وآله) وقد احتضن الحسين، وأمسك بيده الأخرى الحسن وسارت خلفه الزهراء مغشاة بملأة من نور الله، يسير خلفها الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو باد الجلال..
وخرج السيد والعاقب بولديهما وعليهما الحلي والحلل، ومعهم نصارى نجران وفرسان بني الحرث على خيولهم وهم على أحسن هيأة واستعداد، واحتشدت الجماهير وقد اشرأبت الأعناق تراقب الحادث الخطير، وساد الوجوم وصار الكلام همساً، ولما رأت النصارى هيأة الرسول مع أهل بيته وهي تملأ العيون، وتعنو لها الجباه امتلأت نفوسهم رعباً وهلعاً من هيبة الرسول وروعة طلعته، وجثا النبي (صلى الله عليه وآله) للمباهلة بخضوع فتقدم اليه السيد والعاقب وقد سرت الرعدة في نفوسهم قائلين:
(يا أبا القاسم بمن تباهلنا؟).
فاجابهم (صلى الله عليه وآله) بكلمات تمثلت فيها روعة الإيمان والخشية من الله قائلاً:
(أباهلكم بخير أهل الأرض، وأكرمهم إلى الله، وأشار إلى علي وفاطمة والحسنين).
وانبريا يسألان بتعجب قائلين: (لم لا تباهلنا بأهل الكرامة، والكبر وأهل الشارة ممن آمن بك واتبعك؟!!).
فانطلق الرسول (صلى الله عليه وآله) يؤكد لهم أن أهل بيته أفضل الخلق عند الله قائلاً: (أجل أباهلكم بهؤلاء خير أهل الأرض وأفضل الخلق).
فذهلوا، وعرفوا أن الرسول (صلى الله عليه وآله) على حق، وقفلوا راجعين إلى الأسقف زعيمهم يستشيرونه في الأمر قائلين له:
(يا أبا حارثة ماذا ترى في الأمر؟).
(أرى وجوهاً لو سأل الله بها أحد أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله)
ولا يكتفي بذلك، وانما دعم قوله بالبرهان، واليمين قائلاً:
(أفلا تنظرون محمداً رافعاً يديه، ينظر ما تجيئان به، وحق المسيح - إن نطق فوه بكلمة - لا نرجع إلى أهل، ولا إلى مال !!!).
وجعل ينهاهم عن المباهلة ويهتف فيهم قائلاً:
(ألا ترون الشمس قد تغير لونها، والأفق تنجع فيه السحب الداكنة، والريح تهب هائجة سوداء، حمراء، وهذه الجبال يتصاعد منها الدخان، لقد أطل علينا العذاب أنظروا إلى الطير وهي تقي حواصلها وإلى الشجر كيف تتساقط أوراقها، وإلى هذه الأرض كيف ترجف تحت أقدامنا!!!).
لقد غمرتهم تلك الوجوه العظيمة، رأوا بالعيان ما لها من مزيد الفضل والكرامة عند الله، ويتدارك النصارى الأمر فأسرعوا إلى النبي (صلى الله عليه وآله) قائلين:
(يا أبا القاسم. إقلنا أقال الله عثرتك).
ويخضعون لما شرطه النبي (صلى الله عليه وآله) عليهم، وأعلن بعد ذلك أنهم لو استجابوا للمباهلة لهلكت النصارى قائلاً: (والذي نفسي بيده أن العذاب تدلى على أهل نجران، ولو لاعنوا لمُسخوا قردة وخنازير، ولا ضطرم عليهم الوادي ناراً، ولا ستأصل الله نجران وأهله، حتى الطير على الشجر، وما حال الحول على النصارى كلهم...)(3).
وأوضحت هذه الحادثة الخطيرة مدى أهمية أهل البيت (عليهم السلام) وأنهم لا مثيل لهم في المجتمع الإسلامي الحافل آنذاك بالمجاهدين والمكافحين في سبيل الإسلام ولو أن النبي (صلى الله عليه وآله) وجد من هو خير منهم ورعا وتقوى لاختارهم للمباهلة، بل لو كان هناك من يساويهم في الفضل لامتنع أن يقدم أهل بيته عليهم لقبح الترجيح بلا مرجح - كما يقول علماء الأصول - كما أنه (صلى الله عليه وآله) لم ينتدب للمباهلة أحداً من عشيرته الأقربين فلم يدع صنو أبيه وعمه العباس بن عبد المطلب، ولم يدع أحداً من أبناء الهاشميين ليضمه إلى سبطية وكذلك لم يدع واحدة من امهات المؤمنين وهن كن في حجراته بل لم يدع شقيقة أبيه صفية ولا غيرها ليضمها إلى بضعته سيدة نساء العالمين ولم يدع غيرها من عقائل الشرف وخفرات عمرو العلى وشيبة الحمد ولا واحدة من نساء الخلفاء الثلاثة وغيرهم من المهاجرين والأنصار، وجميع أسرته كانوا بمرأى منه ومسمع، والغرض من ذلك التدليل على فضل أهل بيته وعظيم شأنهم عند الله (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم).
يقول الإمام شرف الدين رحمه الله: (وأنت تعلم أن مباهلته (صلى الله عليه وآله) بهم والتماسه منهم التأمين على دعائه بمجرده لفضل عظيم، وانتخابه إياهم لهذه المهمة العظيمة، واختصاصهم بهذا الشأن الكبير، وإيثارهم فيه على من سواهم من أهل السوابق، فضل على فضل لم يسبقهم إليه سابق ولن يلحقهم فيه لاحق، ونزول القرآن العزيز آمراً بالمباهلة بهم بالخصوص فضل ثالث، يزيد فضل المباهلة ظهوراً، ويضيف إلى شرف اختصاصهم بها شرفاً، وإلى نوره نوراً(4).
كما دلت الآية - بوضوح - على أن الإمام أمير المؤمنين هو نفس رسول الله (صلى الله عليه وآله) ورسول الله أفضل من جميع خلق الله فعلي كذلك بمقتضى المساواة بينهما، وقد أدلى بهذا الفخر الرازي في تفسيره الكبير قال: (كان في الري رجل يقال له محمود بن الحسن الحمصي، وكان معلم الاثنى عشرية وكان يزعم أن علياً أفضل من جميع الأنبياء سوى محمد (صلى الله عليه وآله) واستدل على ذلك بقوله تعالى: (وأنفسنا وأنفسكم) إذ ليس المراد بقوله: (وأنفسنا) نفس محمد (صلى الله عليه وآله)، لأن الإنسان لا يدعو نفسه بل المراد غيرها، وأجمعوا على أن ذلك الغير كان علي بن أبي طالب، فدلت الآية على أن نفس علي هي نفس محمد، ولا يمكن أن يكون المراد أن هذه النفس هي عين تلك، فالمراد أن هذه النفس مثل تلك النفس، وذلك يقتضي المساواة بينهما في جميع الوجوه، تركنا العمل بهذا العموم في حق النبوة، وفي حق الفضل بقيام الدلائل على أن محمداً (صلى الله عليه وآله) كان نبياً، وما كان علي كذلك، ولا نعقاد الاجماع على أن محمداً (صلى الله عليه وآله) كان أفضل كان أفضل من سائر الأنبياء (عليه السلام) فيلزم أن يكون على أفضل من سائر الأنبياء...)(5).□
--------------------------------------------------------------------------------
(1) سورة آل عمران: آية 60.
(2) تفسير الرازي ج 2 ص 699، تفسير البيضاوي ص 76 تفسير الكشاف ج 1 ص 49، تفسير روح البيان ج 1 ص 457، تفسير الجلالين ج 1 ص 35، صحيح الترمذي ج 2 ص 166، سنن البيهقي ج 7 ص 63، صحيح مسلم كتاب فضائل الصحابة، مسند أحمد بن حنبل ج 1 ص 185، مصابيح السنة للبغوي ج 2 ص 201، سير أعلام النبلاء ج 3 ص 193.
(3) نور الأبصار ص 100.
(4) الكلمة الغراء ص 184.
(5) تفسير الرازي ج 2 ص 488.
********
منقول للفائدة
لا تنسونا بدعائكم
- اقتباس
- تعليق
تعليق
اقرأ في منتديات يا حسين
تقليص
لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.
تعليق