الخطبة الأولى
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد للّه رب العالمين أحمده وأستعينه وأستغفره وأتوكّل عليه وأصلّي وأسلّم على حبيبه ونجيبه وخيرته في خلقه سيّد رسله وخاتم أنبيائه، بشير رحمته ونذير نقمته، سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم محمّد (ص) وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين المعصومين المكرّمين، سيما بقية الله في الأرضين..
فوائد التقوى
قال الله في كتابه: { اتّقوا الله حقّ تقاته }.
وقال أميرالمؤمنين عليه الصلاة والسلام في كلام له: «انّ من فارق التقوى أغرّي باللذات والشهوات ووقع في تيه السيّئات ولزمه كثير التبعات».
ادعو جميع الأخوة والأخوات الأعزّاء الى التزام التقوى الإلهية، ومعرفة أهمّية شهر رمضان الذي هو شهر الوصول الى التقوي. وصيام هذا الشهر هو الوسيلة التي تُعِين الإنسان على سلوك طريق التقوى فلنقترب بأنفسنا الى هذه الدرجة من التديّن التي تسمّى بــ«التقوى»، وفائدة التقوى في حياة الإنسان تشمل كثيراً من الأمور.
إحدى هذه الأمور هي انّ الإنسان المتّقي يستطيع صيانة نفسه من منزلقات ومطبّات الحياة، بينما الإنسان غير المتّقي لا يمكنه ذلك، وباستطاعة الإنسان أن يمتلك روح التقوى التي هي عبارة عن مراجعة الإنسان الدائمة لنفسه وأعماله وحتّى أفكاره وما يفعله وما يتركه التي تُنسب إليه وعدم الغفلة عن ذلك. وإذا استطاع الإنسان أن يوجِد هذه الحالة في نفسه فإنّه سوف يفوز في الامتحانات الإلهية التي يمرّ بها في حياته.
أيّها الأخوة والأخوات انّ الجميع يمرّون بهذا الامتحان فالأمم تمتحن بما هي أمم والأفراد يمتحنون بما هم أفراد.
الاختبارات متباينة لكنّها قائمة على أيّة حال. فعندما تُعرض على النفس لذّة مخالفة للشرع تميل النفس إليها، فهذا من مواضع الامتحان والاختبار، وعندما يعرض على الانسان مال يستطيع الحصول عليه خلافاً للشرع والتشريع الإلهي فهذا موضع آخر للامتحان الإلهي، وعندما يتحدّث الإنسان بحديث يستبطن مصلحة شخصيّة لكنّه حديث باطل في الحقيقة، وحين يصبح الكلام واجباً شرعياً على الإنسان رغم ما يتبعه من مخاطر ومتاعب أخرى فهذا اختبار آخر للإنسان.
وحينما نقيس هذه القضية بمقياس الشعوب والأمم فالنتيجة مماثلة لذلك أيضاً، فعندما تحصل أمّة على الثروة والرفاه وتكسب القوة والنصر وتحقّق التقدّم العلمي فهذا امتحان واختبار لتلك الأمّة. وإذا استطاعت الأمم صيانة نفسها من الانحراف وهي في قمّة اقتدارها فإنها ستخرج من الاختبار مرفوعة الرأس.
وأمّا إذا أصيبت الشعوب والمجتمعات بالغرور والابتعاد عن الله سبحانه نتيجةً لحصولها على الراحة والرخاء فستخرج خاسرة من الامتحان الذي تتعرّض له؛ لذلك فانّ القرآن يخاطب النبي في سورة «النصر» القصيرة، بسم الله الرحمن الرحيم { إذا جاء نصر الله والفتح * ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً } هذه هي قمّة اقتدار نبي من الأنبياء عندما ينزل الله عليه النصر والفتح ويدخل الناس أفواجاً في دينه، هذا يجب على الانسان أن يراقب نفسه؛ لذلك فإنّ القرآن يقول: { فسبّح بحمد ربّك واستغفره انّه كان توّاباً }، يعني عليك أن تذكر الله في ساعة النصر وتحمده وتسبّحه لأنّ هذا النصر كان من الله وليس منك.
لا تنظر الى نفسك بل أنظر الى قدرة الله سبحانه، فقائد إلهي وحكيم كالنبي الأكرم (ص) يسعى في مثل هذه الظروف أن لا تخرج الأمّة عن الطريق القويم، وهنا يأتي دور التقوى التي تستطيع أن تنقذ الامة من الضلال والانحراف.
وإذا كانت الأمّة تقيّة فإنّها ستواصل مسيرتها في طريق التقدّم والإيمان وطريق العبودية للّه سبحانه. ولكن إذا ابتعدت الشعوب عن طريق التقوى فإنّها ستبتلى بما ابتليت به الأمم السابقة عندما أصيبوا بالاستكبار والغرور والظلم والطغيان والانحراف، فأضلّوا الناس وخرّبوا الدنيا وأفسدوها وأخيراً سقطوا هم أيضاً، كما نجد ذلك في أماكن عديدة من التاريخ، وكنموذج لذلك ما حدث لبعض الامبراطوريات العظيمة في السنوات الأخيرة كنتيجة طبيعية لانحرافها عن طريق التقوى.
إنّ كلّ البعيدين عن طريق التقوى في العالم سواء كانوا أفراداً أو شعوباً يجب عليهم أن ينتظروا سقوطهم الحتمي الذي لابدّ له أن يتحقّق، فالسقوط هو النتيجة الحتمية للابتعاد عن طريق التقوي، ومن الطبيعي فإنّ السقوط يسبقه الانحراف والخراب والفساد.
تجربة قرآنية
والآن أتعرّض لجزء يسير من التجربة القرآنية الخاصة بأصحاب نوح النبي (ع) والمؤمنين به؛ لأنّ المؤمنين بنوح (ع) كانوا من الصفوة المختارة بالتأكيد. وقد أمعنت النظر في الآيات الواردة في سورة هود والتي تحدّثت طويلاً عن النبي نوح (ع) وعن أصحابه.
لقد دعى نوح قومه تسعمائة وخمسون سنة فكانت النتيجة لهذه السنوات الطويلة من الدعوة والتبليغ إيمان عدد قليل من أفراد ذلك المجتمع الجاهل والطاغي فقط { وما آمن معه إلاّ قليل}. إنّ ساعة البلاء «الطوفان» كانت قد اقتربت من ذلك المجتمع.
بدأ نوح (ع) بصنع السفينة في اليابسة فكان ذلك سبباً لسخريّة كلّ الذين كانوا يمرّون عليه؛ لأنّ المفروض أن تُصنع السفينة قريباً من ساحل البحر وليس في اليابسة التي كانت تفصلها مسافة بعيدة عن البحر. إذ كيف يُعقَل أن تُصنع سفينة كبيرة يُراد لها أن تحمل جماعة من الناس بعيداً عن ساحل البحر.
{ وكلّما مرّ عليه ملأ من قومه سخروا منه }، ولكن المؤمنين بنوح (ع) تحمَّلوا كلّ هذا الاستهزاء والسخرية من غير أن يعرفوا الغاية التي من أجلها تُصنع السفينة، ولم يكن أحد يعرف ما سيحدث من طوفانٍ وفوران الماء من الأرض والسماء.
فهؤلاء المؤمنون كان إيمانهم من القوة بحيث استطاعوا الصمود أمام كلّ ذلك الاستهزاء والسخرية وضغط الرأي العام الذي كان يوجّهه المتسلّطون في ذلك المجتمع، وكان أولئك المؤمنون من الطبقة السفلى في المجتمع { هم أراذلنا بادي الرأي } ولعلّهم كانوا يعتبرون من مواطني الدرجة الثالثة أو الرابعة لذلك المجتمع.
الآن أنتم تصوّروا فئة قليلة مستضعفة تقف مقابل فئة كبيرة تمتلك جميع وسائل القوّة والاقتدار من ثروةٍ وقوّة ووسائل إعلام.
كانت الإهانة والسخرية توجّه الى هذه المجموعة الصغيرة المحيطة بالنبي نوح (ع) ولكنّها كانت تصبر وتتحمل وكان هذا يتطلب إيماناً قويّاً من الإنسان، وعندما جاءت مسألة صنع السفينة تبيّنت قوّة إيمانهم أكثر من السابق فلم يأتوا الى نبيّهم ويعترضوا عليه لأنّه يصنع السفينة في اليابسة بعيداً عن البحر وأصبح بذلك سبباً للسخرية منهم بل تحمَّلوا ذلك وصبروا عليه.
تصوّروا شخصاً يريد أن يصنع سفينة في إحدى الساحات العامة لإحدى المدن الكبرى مثل طهران التي يفصلها مئات الفراسخ عن ساحل البحر فهل هناك تبرير لهذا التصرف الغريب.
لقد كان يبدو انّ الحقّ مع الذين كانوا يستهزئون من هذا التصرّف، لكن الذين آمنوا بنوح تحمّلوا هذا الاستهزاء الذي كان يبدو منطقياً، وهذا كان يتطلّب إيماناً قوياً وثابتاً.
وبعد كلّ ذلك بدأت الأمطار تهطل من السماء وتفجّرت الأرض عيوناً، أمر نوح أصحابه بركوب السفينة، فأركبوا الحيوانات أوّلاً وركبوا هم باسلوب يوحي بأنّ المياه سوف تُغرِق الدنيا بأجمعها {قلنا احمل فيها من كلّ زوجين اثنين وأهلك }، فقد كان من الواضح أنّ البلاء في هذه الحادثة سوف لا يرحم أيّ شيء في الدنيا. ركبوا في السفينة فجرت بهم وقد عمَّ الماء جميع أرجاء الكرة الأرضية، فأغرق الناس وجميع الحيوانات، ولم يبقى سوى هذه المجموعة الصغيرة التي آمنت بنوح(ع).
وبهذا فانّ امتحان الكفّار كان قد انتهي. بينما امتحان المؤمنين قائم ومستمر. كانت تلك الفترة فترة امتحان وتحمّل المتاعب والسخرية والاستهزاء والصبر على ما كانوا يتعرّضون له في عهد النبي نوح(ع).
كان هذا امتحان فترة الشدة والعسرة وقد تجاوزوه بسهولة، فامتحان مرحلة الشدة يكون أهون من مرحلة الرخاء والرفاهية في بعض الأحيان، وقد تجاوز البعض بنجاح مرحلة المواجهة الصعبة مع إسرائيل الغاصبة وبعد مرور عدة سنوات على هذا الاختبار الصعب وبفضل بعض المواقف استطاع هذا البعض كسب احترام الأمة والحصول على الأموال الطائلة، ولكنّهم فشلوا في اختبار المرحلة الاخرى وهي مرحلة الراحة والاسترخاء وإلقاء السلاح وابتعاد خطر الموت، وتراجعوا تراجعاً خطيراً أفقدهم كلّ مصداقيتهم.
لقد شاهدتم فضيحة بيع فلسطين ــ ويوجد العديد من القضايا من هذا القبيل ــ ، وقد شاهدت بنفسي بعض المناضلين ممّن تجاوز مرحلة الشدّة بكلّ نزاهة لكنّه سقط وانحرف بعد ذلك في مرحلة الرفاه والاسترخاء.
انّ مستنقع الاختبار يصعب عبوره، فنفس الثلة القليلة التي آمنت بنوع (ع) وتحمّلت تلك الشدائد والمصــائب تــدخل الآن مرحلــة الرخاء { قيل يا نوح اهبط بسلام منّا وبركات عليك } انتهى الطوفان ورست السفينة وكان من المقرّر أن ينزلوا الى دنيا خالية من الشرك والطغيان وهذا عكس ما حدث للجمهورية الإسلامية تماماً.
بدأ أصحاب نوح حياتهم الإسلامية والإلهية في عالمٍ خالٍ من المستكبرين والمترفين. يقول القرآن الكريم: {قلنا يا نوح اهبط بسلام منّا وبركاتٍ عليك وعلى أمم ممن معك }. عجباً، فهذه التحية وهذا اللطف الإلهي لا يشمل كلّ المؤمنين الذين خرجوا بنجاح من امتحان هذه المرحلة، فهذا السلام الإلهي يشمل البعض منهم فقط: {وأمم سنمتّعهم ثمّ يمسّهم منّا عذاب إليم}، وأمّا بعض من كان معك فسوف نمتّعهم وبعد هذا التــمتّع وبعــد أن يــذوقوا طعــم الأمــن والرفاه { يمسّهم منّا عذاب أليم}، سوف نعذّبهم عذاباً أليماً وذلك يعني أنّهم سيفشلوا في الامتحان الإلهي ويتراجعوا في مرحلة الرخاء.
إذن من يستطيع أن يخرج مرفوع الرأس من هذا الاختبار الإلهي: انّهم الناس المتّقين كما قال أميرالمؤمنين في الرواية التي قرأتها في بداية البحث. يقول (ع): «من فارق التقوى أغرِي باللذات والشهوات ووقع في تيه السيّئات ولزمه كثير التبعات».
فحينما تُعدم التقوى وتُفقد مراقبة النفس وحينما نغضّ النظر عن أعمالنا وأقوالنا ونتهاون في المسؤوليات الإسلامية التي تحمّلناها في ميدان الثورة وفي مجال الخدمة في أجهزة الدولة فانّ الانزلاق في الهاوية سوف يكون بانتظارنا. ولا تتصوّروا أنّ الإنزلاق يخصّ صنفاً خاصّاً من الناس، وليست شهوة حب المال تخصّ البعض دون البعض الآخر، لا ليس كذلك فكلّ إنسان يبتلى بالشهوات لكن شهوة البعض غالية الثمن وشهوة البعض رخيصة الثمن، شهوة البعض فاخرة، وشهوة الآخرين حقيرة وصغيرة، فاللذة هي اللذة على كلّ حال. واللذة المحرمة؛ محرّمة، ليس هناك فرق بين لذةٍ صغيرة وكبيرة فكلاهما حرام. وتُحرم أيضاً على الإنسان الشريف والوضيع ولا تفاوت بينهم في ذلك أبداً.
الامتحان في الرخاء
والامتحان امتحان يشمل جميع طبقات المجتمع، لكنّه أشقّ على من يفترض بهم تقديم خدمات أكبر للمجتمع (لأجل زيهم أو منصبهم أو ظاهرهم أو حديثهم)، فيجب على هؤلاء مراقبة أنفسهم أكثر من الآخرين لأنّ انحرافهم أقبح وآلم للمجتمع، لكنّ هذا الامتحان يشمل الجميع على أيّة حال. وكما يُمتَحن الفرد تُمتحن الأمّة أيضاً كما أمتحِنت في عهد النبي نوح (ع) وقد رأيتُ رواية عن النبي (ص) يشرح فيها لأميرالمؤمنين (ع) معالم انحراف الأمّة الإسلامية وفي آخر الرواية يدور محور الكلام حول التقوي.
وفي نفس الآيات الواردة في قصّة النبي نوح (ع) بعد الآية التي قرأتها يقول الله تعالى: { تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك فاصبر انّ العاقبة للمتّقين }. فالعاقبة الحسنى ترتبط ارتباطاً وثيقاً بمسألة التقوي، وفي قصة نوح كانت الآية تشير الى انّ العلّة الأساسية لسقوط أولئك الذين سقطوا هي ابتعادهم عن طريق التقوي.
أيّها الأخوة والأخوات الأعزّاء نحن نعيش الآن في أمان تحت راية الإسلام وهذا هو اختبارنا اليوم، وفيما مضى لم يكن أحد يجرؤ على أن يتفوّه بكلمة حق واحدة، كان الباطل مسيطراً على كلّ شيء، واليوم بفضل الله وببركة الإسلام فإنّ كلمة الحقّ هي السائدة في البلاد. وحتى أهل الباطل لديهم الفرصة لإظهار باطلهم.
لاحظوا الجو السائد في المجتمع ووسائل الإعلام في البلاد، لاحظوا الناس الجالسين في بيوتهم ويتّصلون بأعداء الجمهورية الإسلامية لينشروا أباطيلهم في العالم من دون أن يتعرّض لهم أحد. فليتحدّثوا بباطلهم ما شاؤوا، فعندما تكون الأجواء التي تعيشها البلاد أجواء الحق؛ والحق هو الذي يحكم فانّ الامة ستكون الى جانب الحق وقلبها يميل إليه. فإذا أراد مبطل أن يتكلّم بباطله فليتكلّم فنحن لا نتحسّس من ذلك، فالأمن للجميع حتى لمن لا ينسجم مع طريق الحق ونظامه. فأين هذا من أجواء الظلم التي كانت سائدة في البلاد، وانعدام الأمن حتى للذين كانوا يسيرون في ركاب الباطل. هذه هي حكومة الإسلام وحكومة الحق وهذه هي أجواء الصلاة والأجواء القرآنية { الذين إن مكّناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة } هذه الأجواء هي امتحان مرحلة الرفاه بالنسبة الى شعبنا.
في يومٍ من الأيام وفي شهر رمضان كانت طهران تعيش تحت القصف الصاروخي ولم تكونوا آمنين في بيوتكم ــ من أيدي العدو لا في ليل ولا في نهار ــ واليوم فإنّ العدو وبفضل تضحيات شباب الأمّة والمقاتلين والشهداء والمعلولين والأسرى قد أدين ورُدّ على أعقابه مخذولاً وحلّ الأمن والأمان في البلاد، فهذه هي ساعة الامتحان. فانتبه أيّها المؤمن يا من ركبت سفينة نوح في أحلك الظروف، إسعى لأنْ تخرج مرفوع الرأس من هذا الاختبار. الطريق الوحيد للنجاة هو التزوّد بالتقوي، ومراقبة الإنسان لنفسه. قد تفلت أحياناً من يده فيرتكب بعض الذنوب، فالمهم أن تراقبوا أنفسكم وتقرّروا أن لا ترتكبوا معصيةً بعد الآن، هذه هي روح التقوى وروح الحذر، فأنت عندما تحذر من نفسك ستكون حذراً من عدوّك أيضاً، وحينما تكون مراقباً لشيطانك الداخلي فستكون مراقباً للشيطان الخارجي أيضاً. وحينما لا يستطيع شيطان النفس إلحاق الضرر بنا فسوف لا يستطيع شيطان الخارج أن يحكمنا أو يوجه ضرباته لنا بسهولة.
هذه هي رسالة شهر رمضان المبارك فقوله { كتب عليكم الصيام كما كُتِب على الذين من قبلكم لعلّكم تتّقون } هو مقدّمة للحصول على التقوي، والتقوى هي الغاية المنشودة.
اللهم بحقّ محمّد وآل محمّد نوِّر قلوبنا بالتقوي، اللهم اجعلنا من المتّقين ولا تحرمنا من بركات التقوى ولا من بركات شهر رمضان، اللهم اجعل النور في قلوبنا وفي أفكارنا وفي أعمالنا وفي أقوالنا، اللهم بحقّ محمّد وآل محمّد اجعل قوّتنا في طاعتك، اللهم اجعلنا من عبادك المخلصين، اللهم احفظ هذا الشعب المؤمن والمجاهد في الرخاء كما حفظته في الشدة والبلاء، اللهم احفظ هذه الأمّة من شرّ الشيطان وشرّ الأعداء، اللهم رُدّ كيد الأعداء الى نحورهم، اللهم ابعث برحمتك ومغفرتك ورضوانك الى روح إمامنا العظيم الذي فتح أمامنا هذه الطريق، اللهم احشر شهدائنا مع شهداء صدر الإسلام، اللهم اسبغ فضلك ولطفك وكرمك على المقاتلين والمجاهدين في سبيلك وعلى المعلولين والعلماء المتقين وعبادك الصالحين، اللهم اجعل ما قلنا وما سمعنا ذخراً لنا في الآخرة.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد للّه رب العالمين أحمده وأستعينه وأستغفره وأتوكّل عليه وأصلّي وأسلّم على حبيبه ونجيبه وخيرته في خلقه سيّد رسله وخاتم أنبيائه، بشير رحمته ونذير نقمته، سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم محمّد (ص) وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين المعصومين المكرّمين، سيما بقية الله في الأرضين..
فوائد التقوى
قال الله في كتابه: { اتّقوا الله حقّ تقاته }.
وقال أميرالمؤمنين عليه الصلاة والسلام في كلام له: «انّ من فارق التقوى أغرّي باللذات والشهوات ووقع في تيه السيّئات ولزمه كثير التبعات».
ادعو جميع الأخوة والأخوات الأعزّاء الى التزام التقوى الإلهية، ومعرفة أهمّية شهر رمضان الذي هو شهر الوصول الى التقوي. وصيام هذا الشهر هو الوسيلة التي تُعِين الإنسان على سلوك طريق التقوى فلنقترب بأنفسنا الى هذه الدرجة من التديّن التي تسمّى بــ«التقوى»، وفائدة التقوى في حياة الإنسان تشمل كثيراً من الأمور.
إحدى هذه الأمور هي انّ الإنسان المتّقي يستطيع صيانة نفسه من منزلقات ومطبّات الحياة، بينما الإنسان غير المتّقي لا يمكنه ذلك، وباستطاعة الإنسان أن يمتلك روح التقوى التي هي عبارة عن مراجعة الإنسان الدائمة لنفسه وأعماله وحتّى أفكاره وما يفعله وما يتركه التي تُنسب إليه وعدم الغفلة عن ذلك. وإذا استطاع الإنسان أن يوجِد هذه الحالة في نفسه فإنّه سوف يفوز في الامتحانات الإلهية التي يمرّ بها في حياته.
أيّها الأخوة والأخوات انّ الجميع يمرّون بهذا الامتحان فالأمم تمتحن بما هي أمم والأفراد يمتحنون بما هم أفراد.
الاختبارات متباينة لكنّها قائمة على أيّة حال. فعندما تُعرض على النفس لذّة مخالفة للشرع تميل النفس إليها، فهذا من مواضع الامتحان والاختبار، وعندما يعرض على الانسان مال يستطيع الحصول عليه خلافاً للشرع والتشريع الإلهي فهذا موضع آخر للامتحان الإلهي، وعندما يتحدّث الإنسان بحديث يستبطن مصلحة شخصيّة لكنّه حديث باطل في الحقيقة، وحين يصبح الكلام واجباً شرعياً على الإنسان رغم ما يتبعه من مخاطر ومتاعب أخرى فهذا اختبار آخر للإنسان.
وحينما نقيس هذه القضية بمقياس الشعوب والأمم فالنتيجة مماثلة لذلك أيضاً، فعندما تحصل أمّة على الثروة والرفاه وتكسب القوة والنصر وتحقّق التقدّم العلمي فهذا امتحان واختبار لتلك الأمّة. وإذا استطاعت الأمم صيانة نفسها من الانحراف وهي في قمّة اقتدارها فإنها ستخرج من الاختبار مرفوعة الرأس.
وأمّا إذا أصيبت الشعوب والمجتمعات بالغرور والابتعاد عن الله سبحانه نتيجةً لحصولها على الراحة والرخاء فستخرج خاسرة من الامتحان الذي تتعرّض له؛ لذلك فانّ القرآن يخاطب النبي في سورة «النصر» القصيرة، بسم الله الرحمن الرحيم { إذا جاء نصر الله والفتح * ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً } هذه هي قمّة اقتدار نبي من الأنبياء عندما ينزل الله عليه النصر والفتح ويدخل الناس أفواجاً في دينه، هذا يجب على الانسان أن يراقب نفسه؛ لذلك فإنّ القرآن يقول: { فسبّح بحمد ربّك واستغفره انّه كان توّاباً }، يعني عليك أن تذكر الله في ساعة النصر وتحمده وتسبّحه لأنّ هذا النصر كان من الله وليس منك.
لا تنظر الى نفسك بل أنظر الى قدرة الله سبحانه، فقائد إلهي وحكيم كالنبي الأكرم (ص) يسعى في مثل هذه الظروف أن لا تخرج الأمّة عن الطريق القويم، وهنا يأتي دور التقوى التي تستطيع أن تنقذ الامة من الضلال والانحراف.
وإذا كانت الأمّة تقيّة فإنّها ستواصل مسيرتها في طريق التقدّم والإيمان وطريق العبودية للّه سبحانه. ولكن إذا ابتعدت الشعوب عن طريق التقوى فإنّها ستبتلى بما ابتليت به الأمم السابقة عندما أصيبوا بالاستكبار والغرور والظلم والطغيان والانحراف، فأضلّوا الناس وخرّبوا الدنيا وأفسدوها وأخيراً سقطوا هم أيضاً، كما نجد ذلك في أماكن عديدة من التاريخ، وكنموذج لذلك ما حدث لبعض الامبراطوريات العظيمة في السنوات الأخيرة كنتيجة طبيعية لانحرافها عن طريق التقوى.
إنّ كلّ البعيدين عن طريق التقوى في العالم سواء كانوا أفراداً أو شعوباً يجب عليهم أن ينتظروا سقوطهم الحتمي الذي لابدّ له أن يتحقّق، فالسقوط هو النتيجة الحتمية للابتعاد عن طريق التقوي، ومن الطبيعي فإنّ السقوط يسبقه الانحراف والخراب والفساد.
تجربة قرآنية
والآن أتعرّض لجزء يسير من التجربة القرآنية الخاصة بأصحاب نوح النبي (ع) والمؤمنين به؛ لأنّ المؤمنين بنوح (ع) كانوا من الصفوة المختارة بالتأكيد. وقد أمعنت النظر في الآيات الواردة في سورة هود والتي تحدّثت طويلاً عن النبي نوح (ع) وعن أصحابه.
لقد دعى نوح قومه تسعمائة وخمسون سنة فكانت النتيجة لهذه السنوات الطويلة من الدعوة والتبليغ إيمان عدد قليل من أفراد ذلك المجتمع الجاهل والطاغي فقط { وما آمن معه إلاّ قليل}. إنّ ساعة البلاء «الطوفان» كانت قد اقتربت من ذلك المجتمع.
بدأ نوح (ع) بصنع السفينة في اليابسة فكان ذلك سبباً لسخريّة كلّ الذين كانوا يمرّون عليه؛ لأنّ المفروض أن تُصنع السفينة قريباً من ساحل البحر وليس في اليابسة التي كانت تفصلها مسافة بعيدة عن البحر. إذ كيف يُعقَل أن تُصنع سفينة كبيرة يُراد لها أن تحمل جماعة من الناس بعيداً عن ساحل البحر.
{ وكلّما مرّ عليه ملأ من قومه سخروا منه }، ولكن المؤمنين بنوح (ع) تحمَّلوا كلّ هذا الاستهزاء والسخرية من غير أن يعرفوا الغاية التي من أجلها تُصنع السفينة، ولم يكن أحد يعرف ما سيحدث من طوفانٍ وفوران الماء من الأرض والسماء.
فهؤلاء المؤمنون كان إيمانهم من القوة بحيث استطاعوا الصمود أمام كلّ ذلك الاستهزاء والسخرية وضغط الرأي العام الذي كان يوجّهه المتسلّطون في ذلك المجتمع، وكان أولئك المؤمنون من الطبقة السفلى في المجتمع { هم أراذلنا بادي الرأي } ولعلّهم كانوا يعتبرون من مواطني الدرجة الثالثة أو الرابعة لذلك المجتمع.
الآن أنتم تصوّروا فئة قليلة مستضعفة تقف مقابل فئة كبيرة تمتلك جميع وسائل القوّة والاقتدار من ثروةٍ وقوّة ووسائل إعلام.
كانت الإهانة والسخرية توجّه الى هذه المجموعة الصغيرة المحيطة بالنبي نوح (ع) ولكنّها كانت تصبر وتتحمل وكان هذا يتطلب إيماناً قويّاً من الإنسان، وعندما جاءت مسألة صنع السفينة تبيّنت قوّة إيمانهم أكثر من السابق فلم يأتوا الى نبيّهم ويعترضوا عليه لأنّه يصنع السفينة في اليابسة بعيداً عن البحر وأصبح بذلك سبباً للسخرية منهم بل تحمَّلوا ذلك وصبروا عليه.
تصوّروا شخصاً يريد أن يصنع سفينة في إحدى الساحات العامة لإحدى المدن الكبرى مثل طهران التي يفصلها مئات الفراسخ عن ساحل البحر فهل هناك تبرير لهذا التصرف الغريب.
لقد كان يبدو انّ الحقّ مع الذين كانوا يستهزئون من هذا التصرّف، لكن الذين آمنوا بنوح تحمّلوا هذا الاستهزاء الذي كان يبدو منطقياً، وهذا كان يتطلّب إيماناً قوياً وثابتاً.
وبعد كلّ ذلك بدأت الأمطار تهطل من السماء وتفجّرت الأرض عيوناً، أمر نوح أصحابه بركوب السفينة، فأركبوا الحيوانات أوّلاً وركبوا هم باسلوب يوحي بأنّ المياه سوف تُغرِق الدنيا بأجمعها {قلنا احمل فيها من كلّ زوجين اثنين وأهلك }، فقد كان من الواضح أنّ البلاء في هذه الحادثة سوف لا يرحم أيّ شيء في الدنيا. ركبوا في السفينة فجرت بهم وقد عمَّ الماء جميع أرجاء الكرة الأرضية، فأغرق الناس وجميع الحيوانات، ولم يبقى سوى هذه المجموعة الصغيرة التي آمنت بنوح(ع).
وبهذا فانّ امتحان الكفّار كان قد انتهي. بينما امتحان المؤمنين قائم ومستمر. كانت تلك الفترة فترة امتحان وتحمّل المتاعب والسخرية والاستهزاء والصبر على ما كانوا يتعرّضون له في عهد النبي نوح(ع).
كان هذا امتحان فترة الشدة والعسرة وقد تجاوزوه بسهولة، فامتحان مرحلة الشدة يكون أهون من مرحلة الرخاء والرفاهية في بعض الأحيان، وقد تجاوز البعض بنجاح مرحلة المواجهة الصعبة مع إسرائيل الغاصبة وبعد مرور عدة سنوات على هذا الاختبار الصعب وبفضل بعض المواقف استطاع هذا البعض كسب احترام الأمة والحصول على الأموال الطائلة، ولكنّهم فشلوا في اختبار المرحلة الاخرى وهي مرحلة الراحة والاسترخاء وإلقاء السلاح وابتعاد خطر الموت، وتراجعوا تراجعاً خطيراً أفقدهم كلّ مصداقيتهم.
لقد شاهدتم فضيحة بيع فلسطين ــ ويوجد العديد من القضايا من هذا القبيل ــ ، وقد شاهدت بنفسي بعض المناضلين ممّن تجاوز مرحلة الشدّة بكلّ نزاهة لكنّه سقط وانحرف بعد ذلك في مرحلة الرفاه والاسترخاء.
انّ مستنقع الاختبار يصعب عبوره، فنفس الثلة القليلة التي آمنت بنوع (ع) وتحمّلت تلك الشدائد والمصــائب تــدخل الآن مرحلــة الرخاء { قيل يا نوح اهبط بسلام منّا وبركات عليك } انتهى الطوفان ورست السفينة وكان من المقرّر أن ينزلوا الى دنيا خالية من الشرك والطغيان وهذا عكس ما حدث للجمهورية الإسلامية تماماً.
بدأ أصحاب نوح حياتهم الإسلامية والإلهية في عالمٍ خالٍ من المستكبرين والمترفين. يقول القرآن الكريم: {قلنا يا نوح اهبط بسلام منّا وبركاتٍ عليك وعلى أمم ممن معك }. عجباً، فهذه التحية وهذا اللطف الإلهي لا يشمل كلّ المؤمنين الذين خرجوا بنجاح من امتحان هذه المرحلة، فهذا السلام الإلهي يشمل البعض منهم فقط: {وأمم سنمتّعهم ثمّ يمسّهم منّا عذاب إليم}، وأمّا بعض من كان معك فسوف نمتّعهم وبعد هذا التــمتّع وبعــد أن يــذوقوا طعــم الأمــن والرفاه { يمسّهم منّا عذاب أليم}، سوف نعذّبهم عذاباً أليماً وذلك يعني أنّهم سيفشلوا في الامتحان الإلهي ويتراجعوا في مرحلة الرخاء.
إذن من يستطيع أن يخرج مرفوع الرأس من هذا الاختبار الإلهي: انّهم الناس المتّقين كما قال أميرالمؤمنين في الرواية التي قرأتها في بداية البحث. يقول (ع): «من فارق التقوى أغرِي باللذات والشهوات ووقع في تيه السيّئات ولزمه كثير التبعات».
فحينما تُعدم التقوى وتُفقد مراقبة النفس وحينما نغضّ النظر عن أعمالنا وأقوالنا ونتهاون في المسؤوليات الإسلامية التي تحمّلناها في ميدان الثورة وفي مجال الخدمة في أجهزة الدولة فانّ الانزلاق في الهاوية سوف يكون بانتظارنا. ولا تتصوّروا أنّ الإنزلاق يخصّ صنفاً خاصّاً من الناس، وليست شهوة حب المال تخصّ البعض دون البعض الآخر، لا ليس كذلك فكلّ إنسان يبتلى بالشهوات لكن شهوة البعض غالية الثمن وشهوة البعض رخيصة الثمن، شهوة البعض فاخرة، وشهوة الآخرين حقيرة وصغيرة، فاللذة هي اللذة على كلّ حال. واللذة المحرمة؛ محرّمة، ليس هناك فرق بين لذةٍ صغيرة وكبيرة فكلاهما حرام. وتُحرم أيضاً على الإنسان الشريف والوضيع ولا تفاوت بينهم في ذلك أبداً.
الامتحان في الرخاء
والامتحان امتحان يشمل جميع طبقات المجتمع، لكنّه أشقّ على من يفترض بهم تقديم خدمات أكبر للمجتمع (لأجل زيهم أو منصبهم أو ظاهرهم أو حديثهم)، فيجب على هؤلاء مراقبة أنفسهم أكثر من الآخرين لأنّ انحرافهم أقبح وآلم للمجتمع، لكنّ هذا الامتحان يشمل الجميع على أيّة حال. وكما يُمتَحن الفرد تُمتحن الأمّة أيضاً كما أمتحِنت في عهد النبي نوح (ع) وقد رأيتُ رواية عن النبي (ص) يشرح فيها لأميرالمؤمنين (ع) معالم انحراف الأمّة الإسلامية وفي آخر الرواية يدور محور الكلام حول التقوي.
وفي نفس الآيات الواردة في قصّة النبي نوح (ع) بعد الآية التي قرأتها يقول الله تعالى: { تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك فاصبر انّ العاقبة للمتّقين }. فالعاقبة الحسنى ترتبط ارتباطاً وثيقاً بمسألة التقوي، وفي قصة نوح كانت الآية تشير الى انّ العلّة الأساسية لسقوط أولئك الذين سقطوا هي ابتعادهم عن طريق التقوي.
أيّها الأخوة والأخوات الأعزّاء نحن نعيش الآن في أمان تحت راية الإسلام وهذا هو اختبارنا اليوم، وفيما مضى لم يكن أحد يجرؤ على أن يتفوّه بكلمة حق واحدة، كان الباطل مسيطراً على كلّ شيء، واليوم بفضل الله وببركة الإسلام فإنّ كلمة الحقّ هي السائدة في البلاد. وحتى أهل الباطل لديهم الفرصة لإظهار باطلهم.
لاحظوا الجو السائد في المجتمع ووسائل الإعلام في البلاد، لاحظوا الناس الجالسين في بيوتهم ويتّصلون بأعداء الجمهورية الإسلامية لينشروا أباطيلهم في العالم من دون أن يتعرّض لهم أحد. فليتحدّثوا بباطلهم ما شاؤوا، فعندما تكون الأجواء التي تعيشها البلاد أجواء الحق؛ والحق هو الذي يحكم فانّ الامة ستكون الى جانب الحق وقلبها يميل إليه. فإذا أراد مبطل أن يتكلّم بباطله فليتكلّم فنحن لا نتحسّس من ذلك، فالأمن للجميع حتى لمن لا ينسجم مع طريق الحق ونظامه. فأين هذا من أجواء الظلم التي كانت سائدة في البلاد، وانعدام الأمن حتى للذين كانوا يسيرون في ركاب الباطل. هذه هي حكومة الإسلام وحكومة الحق وهذه هي أجواء الصلاة والأجواء القرآنية { الذين إن مكّناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة } هذه الأجواء هي امتحان مرحلة الرفاه بالنسبة الى شعبنا.
في يومٍ من الأيام وفي شهر رمضان كانت طهران تعيش تحت القصف الصاروخي ولم تكونوا آمنين في بيوتكم ــ من أيدي العدو لا في ليل ولا في نهار ــ واليوم فإنّ العدو وبفضل تضحيات شباب الأمّة والمقاتلين والشهداء والمعلولين والأسرى قد أدين ورُدّ على أعقابه مخذولاً وحلّ الأمن والأمان في البلاد، فهذه هي ساعة الامتحان. فانتبه أيّها المؤمن يا من ركبت سفينة نوح في أحلك الظروف، إسعى لأنْ تخرج مرفوع الرأس من هذا الاختبار. الطريق الوحيد للنجاة هو التزوّد بالتقوي، ومراقبة الإنسان لنفسه. قد تفلت أحياناً من يده فيرتكب بعض الذنوب، فالمهم أن تراقبوا أنفسكم وتقرّروا أن لا ترتكبوا معصيةً بعد الآن، هذه هي روح التقوى وروح الحذر، فأنت عندما تحذر من نفسك ستكون حذراً من عدوّك أيضاً، وحينما تكون مراقباً لشيطانك الداخلي فستكون مراقباً للشيطان الخارجي أيضاً. وحينما لا يستطيع شيطان النفس إلحاق الضرر بنا فسوف لا يستطيع شيطان الخارج أن يحكمنا أو يوجه ضرباته لنا بسهولة.
هذه هي رسالة شهر رمضان المبارك فقوله { كتب عليكم الصيام كما كُتِب على الذين من قبلكم لعلّكم تتّقون } هو مقدّمة للحصول على التقوي، والتقوى هي الغاية المنشودة.
اللهم بحقّ محمّد وآل محمّد نوِّر قلوبنا بالتقوي، اللهم اجعلنا من المتّقين ولا تحرمنا من بركات التقوى ولا من بركات شهر رمضان، اللهم اجعل النور في قلوبنا وفي أفكارنا وفي أعمالنا وفي أقوالنا، اللهم بحقّ محمّد وآل محمّد اجعل قوّتنا في طاعتك، اللهم اجعلنا من عبادك المخلصين، اللهم احفظ هذا الشعب المؤمن والمجاهد في الرخاء كما حفظته في الشدة والبلاء، اللهم احفظ هذه الأمّة من شرّ الشيطان وشرّ الأعداء، اللهم رُدّ كيد الأعداء الى نحورهم، اللهم ابعث برحمتك ومغفرتك ورضوانك الى روح إمامنا العظيم الذي فتح أمامنا هذه الطريق، اللهم احشر شهدائنا مع شهداء صدر الإسلام، اللهم اسبغ فضلك ولطفك وكرمك على المقاتلين والمجاهدين في سبيلك وعلى المعلولين والعلماء المتقين وعبادك الصالحين، اللهم اجعل ما قلنا وما سمعنا ذخراً لنا في الآخرة.