اول السنة شهر رمضان
قال الصادق عليه السلام: إذا سلم شهر رمضان سلمت السنة، وقال: رأس السنة شهر رمضان.
قال أبو عبد الله عليه السلام: ان الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض، فغرة الشهور شهر الله عزوجل وهو شهر رمضان، وقلب شهر رمضان ليلة القدر، ونزل القران في اوله ليلة شهر رمضان، وقلب شهر رمضان ليلة القدر، ونزل القرآن في اول ليلة شهر رمضان، فاستقبل الشهر بالقرآن.
وقال عليه السلام: شهر رمضان رأس السنة.
وعنه عليه السلام ايضاً: إذا سلم شهر رمضان سلمت السنة. وذكر الطبري في تاريخه ان فرض صوم شهر رمضان نزل به القرآن في السنة الاولى من هجرة النبي صلى الله عليه وآله في شعبانها.
وقال السيد بن طاووس في "اقبال الاعمال": واعلم انني وجدت الروايات مختلفات في انه هل اول السنة المحرم أو شهر رمضان، لكنني رأيت من عمل من أدركته من علماء اصحابنا المعتبرين وكثيرا من تصانيف علمائهم الماضين، ان اول السنة شهر رمضان على التعيين، ولعل شهرالصيام اول العام في عبادات الاسلام، والمحرم اول السنة في غير ذلك من التواريخ ومهام الانام. لان الله جل جلاله عظم شهر رمضان، فقال جل جلاله: ( شهر رمضان الذي انزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان ).
فلسان حال هذا التعظيم كالشاهد لشهر رمضان بالتقديم. ولانه لم يجر لشهر من شهور السنة ذكر باسمه في القرآن وتعظيم امره الا لهذا الشهر، شهر الصيام، وهذا الاختصاص بذكره كأنه ينبه - والله اعلم - على تقديم امره. ولانه إذا كان اول السنة شهر الصيام، وفيه ما قد اختص به من العبادات التي ليست في غيره من الشهور والايام، فكأن الانسان قد استقبل اول السنة بذلك الاستعداد والاجتهاد، فيرجى ان يكون باقي السنة جاريا على السداد والمراد، ظاهر دلائل المعقول وكثير من المنقول ان ابتداءات الدخول في الاعمال، هي اوقات التأهب والاستظهار لأوساطها ولأواخرها على كل حال. ولان فيه ليلة القدر التي يكتب فيها مقدار الآجال واطلاق الآمال، وذلك منبه على ان شهر الصيام هو اول السنة، فكأنه فتح لعباده في اول دخولها أن يطلبوا اطول آجالهم وبلوغ آمالهم، ليدركوا آخرها ويحمدوا مواردها ومصادرها.
الاستعداد لدخول شهر رمضان
قال السيد بن طاووس: اعلم ان فضل اطعام الطعام معقول فضله بانوار العقول المصدقة للانبياء والمرسلين صلوات الله عليهم اجمعين، ذلك: ان القيام لأهل الصيام بالطعام كأنه تملك لطاعتهم وسلب منهم لعبادتهم، فان القوة الموجودة في الاجساد الذين تؤثرهم بالزاد، تصير كأنها قوة العبد المطعم لهم التي في جسد مهجته. فكما ان قوة جسده كلما حصل بها كان معدودا من عبادته، فكذا يكون كلما صدر عن القوة بتفطير الصائم تكون مكتوبة لمن يطعمه في ديوان طاعته، فكأنك قد اتخذتهم مماليك يتعبون في خدمتك، وانت ساكن، ويحملون ذخائرك الى دار اقامتك، وانت قاطن، ويخافون في مصلحتك، وانت آمن، وحسبك ان تبتاع كل مملوك منهم بمقدار طعامه وشرابه، وهذا فضل عظيم يعجز القلم عن شرح ابوابه وثوابه.
أقول: واما من طريق المنقول: فقد روينا باسنادنا الى محمد بن يعقوب الكليني، وابي جعفر محمد بن بابويه، وجدي ابي جعفر الطوسي رضي الله عنهم، باسنادهم الى الصادق عليه السلام انه قال: من فطر صائما فله اجر مثله.
وبالاسناد عن ابي الحسن عليه السلام انه قال: تفطيرك اخاك الصائم افضل من صيامك.
وبالاسناد المقدم ايضا عن الصادق عليه السلام انه قال لسدير: هل تدري أي ليال هذه ؟ قال: نعم جعلت فداك هذه ليالي شهر رمضان، فما ذاك ؟ فقال له: أتقدر على ان تعتق في كل ليلة من هذه الليالي عشر رقاب من ولد اسماعيل ؟ فقال له: بأبي أنت وامي لا يبلغ مالي ذلك، فما يزال ينقص حتى بلغ به رقبة واحدة، في كل ذلك يقول: لا أقدر عليه، فقال له: أفما تقدر ان تفطر في كل ليلة رجلا مسلما ؟ فقال له: بلى وعشرة، فقال عليه السلام له: فذلك الذي اردت يا سدير، افطارك اخاك المسلم يعدل رقبة من ولد اسماعيل.
والاسناد ايضا عن النبي صلى الله عليه وآله قال: من فطر في هذا الشهر مؤمنا صائما كان له بذلك عند الله عزوجل عتق رقبة مؤمنة، ومغفرة لما مضى من ذنوبه، فقيل له: يا رسول الله ليس كلنا نقدر ان نفطر صائما ؟ فقال: ان الله تبارك وتعالى كريم يعطي هذا الثواب منكم من لم يقدر الا على مذقة من لبن يفطر بها صائما، أو شربة من ماء عذب، أو تميرات لا يقدر على اكثر من ذلك. أقول: واقتد في هذا الشهر بملك اهل الفضائل، فقد رويت عن جماعة منهم ابن بابويه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا دخل شهر رمضان اطلق كل اسير واعطى كل سائل.
واما الاستظهار للصيام باصلاح الطعام: فاعلم انني انما ذكرت ان ذلك من المهام، لانني وجدت الداخلين في الصيام شهر رمضان، باعتبار ما تقووا به من الطعام والشراب عدة اصناف:
صنف منهم: كانت قوته على الصوم من طعام حرام، فدخوله في الصيام كنحو من وجب عليه الحج وفرط فيه، فاخذ جملا حراما حج عليه.
وصنف منهم: كانت قوته على الصوم من طعام حرام مختلطا، فان دخوله في الصيام كمن وجب عليه الحج وفرط فيه، فاخذ جملا له بعضه بقدر الحلال من الطعام ولغيره بعضه بقدر الحرام وحج عليه.
وصنف منهم: كانت قوته على الصيام بطعام حرام لا يعلم كونه حراما أو مختلطا من حلال وحرام، لا يعلم ذلك ويعتقد حلالا، فهو كنحو من وجب عليه الحج ففرط فيه واستأجر جملا لا يعلم ان الجمال غصبه، أو كان ثمنه من حلال أو حرام، واشتراه بعين الذهب، فإذا ظفر صاحب الجمل أو الشريك بالجمل استعاده ومنعه من العمل أو شركه فيما حصل من الامل. وصنف: كانت قوته على الصيام بطعام حلال، لكنه كان يأكله اكل الدواب بمجرد الشهوات، فحاله كحال من دخل حضرة الملوك، حين استدعوه للحضور لمجالستهم وضيافتهم وكرامتهم، وما تأدب في المجئ إليهم في دوابه وثيابه واسبابه، وكان في طريقه غافلا عنهم ومهونا بآداب السلوك إليهم، وقد كان قادرا ان يركب من الدواب ويلبس من الثياب، ويستعمل من الاسباب ما يقربه إليهم فلم يفعل، واتلف ما اكله بالشهوات واتلف ساعات من عمره كانت من بضائع السعادات، وخاصة إذا كان السلطان مطلعا عليه في طريقه، ناظرا الى سوء توفيقه، فان عاتبوه فبعدلهم، وان اكرموه فبفضلهم، وحسبه انه نزل عن ان يكون ملكا يقر بعين رب الارباب، ورضي ان يكون كالدواب.
وصنف : دخل في شهر رمضان بقوة طعام كان اكتسبه بالمعاملة لمولاه جل جلاله، وعمل فيه برضاه، واكل منه بحسب ما يقويه على خدمة مالكه، فهذا دخل دار ضيافتهم وكرامتهم من الباب الذي ارادوه، واقتضى عدلهم وفضلهم ان يكرموه.
وصنف : دخل في الصيام من طعام كان تارة يكون فيه معاملة لله جل جلاله، وتارة معاملا للشهوات، فله معاملة المراقبة فيما عامل مولاه به، وعليه خطرات المعاتبة فيما ترك فيه معاملة مولاه بسوء ادبه. واعلم ان هذه الاصناف المذكورين على اصناف آخر: صنف: لما كان دخوله بطعام حرام وكان فطوره على حرام أو مختلط من حلال وحرام، فله حكم الاصرار.
وصنف: لما كان طعامه على ما لا يعلمه حراما أو مختلطا وفطوره على مثل الذي ذكرنا، فله وسيلة العذر بانه ما تعمد سخط مولاه.
وصنف: لما كان طعامه على مقتضى الشهوات وكان فطوره كذلك، فهو قريب من الدواب في تلك الحركات والسكنات.
والصنف: الذي عامل الله جل جلاله في الطعام والفطور وجميع الامور، فهو الذي ظفر برضا مولاه وتلقاه بالسرور.
وصنف: لما كان طعامه على طرق مختلفة: تارة معاملة لله جل جلاله، وتارة للشهوة وفطوره كذلك، فحاله كما قلناه في طعامه في نقصه وتمامه.
وصنف: لما كان طعامه اما حراما أو مختلطا أو للشهوة، لكنه هذب فطوره، فكان في فطوره على حال معاملة لله جل جلاله، فحاله حال المراقبين أو التائبين، وهو قريب من المسعودين.
وصنف: لما كان طعامه معاملة لله وكان فطوره للشهوة، فحاله كحال من كان مجالسا للملوك أو قريبا منهم، ثم فارقهم وقنع ان يكون بهيمة من الانعام أو مفارقا للانام وبعيدا عنهم.
أقول: وإذا كان الامر هكذا في خطر الطعام، وكان قد تغلب بنو امية وولاة كثيرون على فساد اموال اهل الاسلام، ونقلها عن وجوهها الشرعية. حتى لقد روينا من كتاب مسائل الرجال لمولانا أبي الحسن علي بن محمد الهادي عليهما السلام، قال محمد بن الحسن: قال محمد بن هارون الجلاب: قلت له: روينا عن آبائك انه يأتي على الناس زمان لا يكون شئ اعز من أخ أنيس أو كسب درهم من حلال ؟ فقال لي: يا ابا محمد ان العزيز موجود، ولكنك في زمان ليس فيه شئ اعسر من درهم حلال أو أخ في الله عزوجل. أقول: فقد روي عن خواص العترة النبوية ان اخراج الخمس من الاموال المشتبهات، سبب لتطهيرها من الشبهات، وهذا الوجه ظاهر في التأويل، لان جميع الاموال ومن هي في يده مماليك لله جل جلاله، فله سبحانه ان يجعل تطهيرها باخراج هذا القدر القليل، ويوصل الى كل ذي حق حقه، لاجل الايثار بالخمس لرسوله صلوات الله عليه وآله ولعترته، ولاجل معونتهم على مقامهم الجليل.
تعليق