وأنتم عندما تتأملوا فعلا كيف ستنطلق أصوات من حناجر مسلمة ،بعضهم هو الذي يكبر للصلاة، أو هو الذي يصلي بالناس، أو هو الذي يظهر أمام الناس بمظهر أنه متدين قد يصدر من حنجرته كلاما يهيئ الناس إلى أن يكونوا كافرين، قد يكون هو من حيث لا يشعر كافرا ؛ولهذا جاءت الآية تحذر عن قضية بالغة الخطورة أنه أنت انتبه لنفسك قد يأتيك الموت وأنت غير مسلم. هذا هو مسار الآيات ، مسار الآيات حول قوله {يردوكم بعد إيمانكم كافرين} {لا تموتن إلا وأنتم مسلمون} هذه قضية مترابطة، انتبهوا. هم أناس يسعون بكل جد واجتهاد، ولديهم خبث شديد، ولديهم إمكانيات هائلة ليردوكم كافرين، انتبهوا لا تموتوا إلا وأنتم مسلمون، لا يأتيكم الموت إلا وأنتم مسلمون، متى ما حصل لديك هذا الشعور فأنت ستنطلق إلى ميدان المواجهة، ستنطلق إلى ميدان القتال فإما أن تقتل وأنت مؤمن، وإما أن تموت فيما بعد وأنت مؤمن، أنت تعرف عدوك وماذا يعمل، أنت تعرف عدوك وماذا يريد منك، يريد أن يلغي روح الجهاد من داخلك، يريد أن يمسح روح الجهاد من أوساط أمتك، وهذا الذي حصل بالنسبة لليهود، ألم تحصل من جانبهم أن ألغيت كلمة (الجهاد) في مواثيق (منظمة المؤتمر الإسلامي)؟. أي مجموعة الدول الإسلامية التي وصلت إلى قرار عدم التحدث عن الجهاد واستخدام كلمة (جهاد)، قالوا: نظهر مسالمين للغرب ،ونثبت أننا أمة يمكن أن نعيش مع الأمم الأخرى في سلم، واحترام متبادل. أُلْغِيت كلمة (الجهاد)، فحل محلها (مناضل، مقاوم، حركة مقاومة، مناضلين، انتفاضة)، ومن هذا النوع، ألم تغب كلمة (الجهاد) في أوساط المسلمين؟. على يد من غابت؟. على يد اليهود هم الذين يفهمون كيف تترك المصطلحات القرآنية أثرها في النفوس فيعملون على إلغائها، يعملون على نسفها من التداول في أوساط المسلمين.
ثم لتطور المسألة لديهم أن يصبح المجاهد إرهابي، أن يصبح إرهابي ثم يكون جهة تقلق حتى المسلمين أي ينظر إليه نظرة قلق، وأنه شاذ في هذه الأمة ، حالة شذوذ تحولت لديهم ،فهو إرهابي يجب أن يزال، يجب أن يُسلم لأمريكا، هكذا تلغى كلمة (جهاد)، ثم يريدون أن تنسف روح الجهاد، ثم ليغيب المجاهدون على المجتمع تحت عنوان أنه إرهابي فمتى ما قالوا: هذا إرهابي خذوه، هذا يعني نسف للجهاد والمجاهدين، للجهاد من داخل ثقافة الأمة وفكرها، وللمجاهدين من وسط الأمة وصفوفها.
حالة رهيبة جداً، حالة خطيرة جدا،ً فلنفهم بأن التقصير فيها ليس عاديا، التقصير في النظر إليها، التقصير في الاهتمام بها، ولا يتصور أحد بأنه ليس في استطاعته أن يكون فاعلا في ميدان مواجهة هذا الفريق من أهل الكتاب وأوليائهم، كل مسلم يستطيع أن يعمل، وكل مسلم يكون لعمله أثر.
الحالة التي تترسخ عند الناس أنه (ماذا سنفعل بهم؟. ما هو جهدنا أمام قوتهم؟.) ألسنا نقول هكذا؟. الله يعلم أن كتابه هذا سيسير في أمة وسيلاقي صفوف من هذا النوع، لكنه يعلم بأن باستطاعة عباده المؤمنين أن يعملوا الشيء الكثير الذي يؤهلهم إلى درجة أن يقهروا أعداءه، ألم يضرب شواهد في واقع الحياة؟. ألم تكن إيران كمثل الدول الإسلامية؟. ألم يكن حزب الله كمثل لكل الطوائف، ولكل مجتمعات؟. حزب ألم يقهر أمريكا وإسرائيل؟. أخرج أمريكا من لبنان، ضرب بارجاتها وجعلها تنسحب ذليلة ببارجاتهم التي كانت تضرب بقذائف كبيرة جدا،ً أخرجهم من لبنان، ثم أخرج إسرائيل من لبنان، ويضربهم بمختلف الأسلحة التي يمتلكها، فقهر أمريكا وإسرائيل، حزب واحد.
اليهود يعرفون بأنك أنت الذي تفكر بأنك لا تستطيع أن تعمل شيئا ضدهم أنه متى ما أفسدوا أسرتك، أولادك الصغار.. أليس أولادك الصغار من أضعف من تتصور بأنه سيعمل شيئا ضد إسرائيل؟. أليس هذا مما يتبادر إلى أذهاننا؟. لكن هم يعرفون بأن إفسادهم شيء مهم بالنسبة لهم، وبالنسبة للحفاظ على مصالحهم، وإلى الاستمرار في عملهم في تحويل الأمة إلى أمة كافرة، هم عندما يحرصون على إفساد أسرتك .. أليس ذلك يعني أنهم يعرفون أن إفساد أسرتك هو في صالحهم، أليس كذلك؟.
وهم عندما يعملون على أن تنزل (الدشات) هذه بأسعار رخيصة من أجل كل أسرة يمكن أن تأخذ لها (دُشا) فتفسد المرأة زوجتك، وبناتك، وأخواتك، وأولادك، وكل أقاربك. هم ساهموا معك في قيمة (الدش) حقك فعلا ساهموا. الدش قيمته حقيقة قد تكون مائة ألف مثلا تأخذونه بعشرين ألف من الذي دفع الباقي؟. الصهيونية هي التي دفعت الباقي نقدا فعلا إلى الشركات المصنعة . الدش الذي فوق سطح منزلي اشتريته أنا ومن؟. أنا وإسرائيل حقيقة بما تعنيه الكلمة، شراه لي الإسرائيليون، ودفعوا مبلغا أكثر مما دفعت؛ لأنهم يفهمون أن هذه الأسرة متى ما فسدت سيصبح فسادها في صالحهم.
المسألة وصلت إلى صراع صراع شامل وليس صراعا في جانب واحد، صراع إعلامي، فكري، ثقافي، سياسي.
أم أنهم يرتاحون جداً لنا، ويريدون أن نعيش حياة مرفهة، ونرتاح جداً فنتفرج على العالم من خلال ما تبثه القنوات الفضائية في مختلف بلدان الدنيا، يريدون أن يقدموا لنا خدمة؟. أليس عندنا مثل معروف يقول: (ما قد نصح يهودي مسلم)؟. هذا قد حصل لآبائنا وأجدادنا ،قد جربوا العيش مع اليهود، وعرفوا اليهود، وأنه (ما قد نصح يهودي مسلم)، فاليهودي هو الذي دفع ثلاثة أرباع قيمة الدش الذي فوق منزلك، لأنه عارف أن ابنك عندما يفسد، وابن هذا عندما يفسد، وابن هذا عندما يفسد أن مجتمع مكون من لبنات هي الأسر ومتى ما فسدت هذه الأسرة وهذه وهذه وهذه يعني فسد المجتمع، ومتى ما فسد المجتمع أصبح لا يشكل أي خطورة عليهم، وأصبح ميدانا يمشي عليه كل ما يريد أن يعمموه عليه.
هذا جانب في ما تعنيه آية {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته}. وهي من منظار آخر بعد أن قال الله سبحانه وتعالى: {ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم} يقدم هو الهداية فهكذا كونوا.
تلحظ في الموضوع جانب المبادرة من قبل الله سبحانه وتعالى أنه لا يتركك حتى تقول: ها نحن اعتصمنا بك، ثم يبحث للهدى إذا عاد معه باقي هدى في المخزان هذا أو ذك ثم يقول: خذ هذا. لا. يهديك يهديك من قبل أن تفكر في الاعتصام به، وقد قدم الهدى إلى بين يديك ليقول للناس، ليقول للأمة، ليقول لكل من يهمهم أمر الدين وإن كان مجتمعا صغيرا: {اتقوا الله حق تقاته} تحلوا بالتقوى، كونوا متقين لله فيما تعنيه كلمة التقوى من مشاعر الحذر من التقصير فيما أمرنا الله أن نهتم به، فيما أمرنا الله أن نعمل من أجله. التقوى فيما تعنيه الابتعاد عما يوقعنا في سخطه وعقابه.
ويأتي القرآن الكريم يتحدث عن المتقين، وما وعد الله به المتقين من النعيم العظيم، من الرضوان، من المكانة لديه، من القرب لديه، ومن النعيم العظيم الجنة {إن المتقين في ظلال وعيون} {إن للمتقين مَفَازاً حدائق وأعنابا وكواعب أترابا وكأسا دهاقا لا يسمعون فيها لغوا ولا كذابا جزاء من ربك عطاء حسابا}. {سارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين}. {إن المتقين في جنات ونَهَر في مقعد صدق عند مليك مقتدر} كم ورد من آيات في القرآن الكريم تبين ما وعد الله به المتقين.
وفي ميدان المواجهة مع أعدائه يأمر المؤمنين بالصبر والتقوى {بلى إن تصبروا وتتقوا} {يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا} التقوى لابد منها، التقوى كحالة نفسية تسيطر على مشاعرنا الحذر الشديد من أن نقصر، أو نهمل، أو نبتعد عن ما أرشدنا الله سبحانه وتعالى إليه، التقوى فيما تعنيه من انطلاقة في التحلي بالفضائل، من انطلاقة في كل العبادات التي شرعها الله سبحانه وتعالى لنا نؤديها كاملة بشكل واعٍ، نفهم مقاصد الله سبحانه وتعالى، ومقاصد كتابه في تشريعها. إذا فقد الناس التقوى في نفوسهم وفي أعمالهم فلن يكونوا أبدا جديرين بنصر الله سبحانه وتعالى، وسيكون أول من يواجههم هو الله، سيكون أول من يضربهم هو الله، متى ما قصروا، متى ما أهملوا، متى ما ضيعوا.
فهنا بدأ يرشد المسلمين، يرشد المؤمنين كيفما كانوا يرشد الأمة بكاملها، أو مجتمعا خاصا -وهو الذي يهمنا- إذ يهمنا نحن الآن نتحدث مع الزيدية بخصوصها. لماذا؟. لأن فيما أعتقد أن بقية طوائف الأمة ميئوس منها فيما هي عليه الآن ،وأن الطائفة التي لم تعمل حتى أبسط ما يمكن أن تعمله ولو أن تعمل مثل ما عملته طوائف أخرى ممن فشلت أيضا هي طائفة الزيدية الذي يجب أن يكونوا هم من يتقوا الله حق تقاته، ويجب هم أن يكونوا أول من يهتدي بكتابه، ألم يقل الله لأهل الكتاب {وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم ولا تكونوا أول كافر به}هذه العبارة تعني لا يليق بكم وأنتم أهل كتاب تعرفون الرسالات، تعرفون الكتب أن تكونوا أول من يكفر بهذا الكتاب القرآن الذي أنزلته، وبهذا النبي الذي تعرفون أنه نبي كما تعرفون أبناءكم، عبارة (لا تكونوا أول كافر) أي لا ينبغي لمثلكم أن يكون أول من يكفر وهو ما هو عليه من المعرفة، وبين يديه ما يؤكد أن هذا الذي جاء من جديد ليس بِدْعاً من الرسل، وليس بِدعاً من الكتب.
فالزيدية هم الطائفة الذي يجب أن يكونوا أول من يحمل الاهتمام بأمر الإسلام، الاهتمام بأمر المسلمين، الاهتمام بالعمل لإعلاء كلمة الله، ونحن في وضعيتنا التي نحن عليها ممن يجب أن يكون أكثر انتباها أن يأتينا الموت ونحن غير مسلمين، أو -كما قلت سابقا- نتصور بأنه ليس هناك شيء يصل إلينا، كل ما يعمل اليهود والنصارى، كل آثاره تصل إلينا.
ثم تواصل الآيات الكريمة في إرشاد الناس إلى ما يكونون مؤهلين به لمستوى مواجهة أعدائه، إلى ما يكونون مؤهلين به إلى أن يحافظوا على أنفسهم من أن يتحولوا إلى كافرين {واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون} تأتي الكلمة {واعتصموا}الاعتصام: معناه الالتجاء للامتناع بمن التجئ إليه من خطورة بالغة تهددني.
نعتصم بالله ومتى ما اعتصمنا به فهو سيهدينا، وهاهو يهدينا في آياته المباركة، يوجهنا إلى أن نعتصم بحبله ،بهذا التوجيه الذي يوحي بأن الأمة وهي في ميدان المواجهة إذا لم تكن يقظة ستصبح في مستنقع، ستصبح في هوّة من الضلال، هي فيها أحوج ما تكون إلى شيء تتشبث به فيقول لنا: هذا حبلي تمسكوا به، اعتصموا به لتنجوا من هذا الضلال، تنجوا من هذه الذلة، تنجوا من هذا الخزي، تنجوا من أن تتحولوا إلى كافرين. {واعتصموا بحبل الله جميعا} هو يمثل لنا دينه، يمثل لنا هداه أنه بمثابة الحبل المدلّى من عنده نستمسك به ليرفعنا من مستنقع الضلال، والضياع، والكفر، والذلة، والهزيمة، والجهالة، والحالة السيئة التي تعيشها هذه الأمة.. أليس هذا من أبلغ العبارات التي توحي بعظم رحمته لنا، التي تدل على أن الله سبحانه وتعالى لا يريد لنا أن نُظلم، لا يريد لنا أن نضل، لا يريد لنا أن نضيع لا في الدنيا ولا في الآخرة، اعتصموا بحبل الله، ولتكن اعتصامتكم بحبل الله اعتصامة جماعية، لابد من أن تتوحدوا، لابد من أن تجتمع كلمتكم، تجتمع كلمتكم على أساس من هدى الله، وفي مجال الاعتصام بحبله الواحد. لاحظوا أنه لم يأت ليقول: (واعتصموا بحبال الله) ويدلّي حبلاً إلى مصر، وحبلاً إلى اليمن، وحبلاً إلى تونس، وحبلاً إلى الجزيرة، مثل ما يأتي عندما تغرق سفينة في البحر تأتي طائرة الهيلوكبتر وكل طائرة تدلي حبلاً، أو تدلي عدة حبال، أو سلالم من الحبال لتنقذ من يتعرض للغرق في البحر. الله له طريق واحد ،هو الواحد والطريق إليه واحدة، السبيل إليه واحد، الحبل الذي إذا استمسكت به الأمة سيرفعها من هوّة الضلال، وهوة الذلة والمسكنة، يرفعها من حالة التعرض إلى أن تكون كافرة تستوجب غضبه وناره هو حبل واحد.
عندما يقول (بحبل الله) تصور كيف سيكون حبل الله، حبل لا يتسع لأيدينا، لأيدي الأمة أن تستمسك به؟ سيتسع، أو حبل دقيق عندما يتمسك فيه قليل من الناس سينقطع. لا. هو يوحي لنا بأنه حبل، وحبل متين، حبل هو يتسع للأيدي كلها أن تمسك به، ومتى استمسكت به فهو حبل لا يمكن أن ينقطع بها فتعود إلى الهوة من جديد ،سيرفعها نحو كمال الله، سيرفعها إلى الله ورفعتها إلى الله أن ترتفع فتحظى بنفحة من كماله، من عزته، من علمه، من جبروته، من قدرته، من حكمته.
هو حبل وحيد في واقع الأمة، لم يقل: (ابحثوا عن أي حبل تستمسكون به أو تعتصمون به) ،أنتم في حالة تستوجب عليكم أن تفكروا في أن تبحثوا عن أي شيء تتشبثون به لكن ليس هناك إلا شيء واحد هو حبل الله، هو حبل واحد وليس هناك ما يمكن أن ينقذكم إذا اعتصمتم به إلا حبل الله، كما قال ابن نوح: {سآوي إلى جبل يعصمني من الماء} في حالة الطوفان الذي اجتاح الأرض {سآوي إلى جبل يعصمني من الماء} يمنعني من الغرق {قال لا عاصم اليوم من أمر الله} ليس هناك ما يمكن أن يمنع من أمر الله، هو ظن بأن ذلك الجبل الشاهق سيعصمه من الغرق، لم يعصمه من الغرق. وأبوه يتحدث معه فحال بينهما الموج فكان من المغرقين.
خطاب للأمة بصيغة الجمع، هو خطاب للأمة سواء كان على مستوى الأمة الإسلامية يشملها هذا الخطاب، وخطاب لأي مجتمع أن المسألة أيضا لا يُنجي منها إلا اعتصام جماعي؛ لأنه سيأتي في مقام الهداية نحو الحيلولة من أن نغرق في الضلال الذي يصل من جانب أهل الكتاب في أن نصل إلى الكفر الذي يريدون أن يصلوا بنا إليه، سيأتي مهام جماعية فيما بعد ،في نفس الآية، فلم يأتِ الحديث ليقول: (وليعتصم كل واحد منكم بحبل الله)، أنتم في مواجهة، مواجهة مع أمة هي متوحدة، تتوحد ونحن نراها تتوحد عالميا، تتوحد كلها تحت قيادة أمريكا.. ألم تتوحد كلها تحت قيادة أمريكا؟. وتصادق على إعطاء أمريكا مقام القائد للتحالف الدولي العالمي ضد الإرهاب.. أليس هذا الذي حصل؟. هم يتوحدون كدول، ثم تتوحد الدول فيما بينها لمواجهتنا، فهل من المعقول، ومن الممكن أن تنطلق أنت فرديا لتواجه هذه الأمم من أهل الكتاب الأمم الكافرة التي تريد أن تكون كافرا؟. تنطلق لمواجهتها أنت لوحدك، وهذا لوحده، وآخر لوحده؟!. لا.. لا ينقذ من هذا الضلال، لا يخرج الأمة من هذا المأزق، لا تكون أي طائفة في مستوى أن تواجه إلا إذا اعتصم أفرادها بصورة جماعية بحبل الله، فحبل الله هو الذي سينقذهم، وحبل الله هو هدايته للناس، هدايته التي تأتي لعباده المتمثلة في كتابه، وفي رسوله ، فيما يرسخه القرآن من انشداد روحي، وشعوري نحو الله سبحانه وتعالى، وتعلق كبير وانشداد كبير نحو رسوله ، لن تنقذ حتى أنت إذا انطلقت بشكل فردي ،أنني سأعتصم بحبل الله وليس عليّ أي شيء، فتضل أنت رغما عنك، وستُساق إلى الضلال رغما عنك، وستنطلق من فمك عبارات الكفر رغما عنك؛ لأنك أمام واقع يفرض نفسه عليك، وأنت في حالة تقصير لا تمنحك مبررا أمام الله سبحانه وتعالى، فستغرق وستهلك، ولن تستطيع أن تعصم نفسك بمفردك.
{واعتصموا بحبل الله جميعا} يؤكد عبارة {واعتصموا} فيها (واو الجماعة) الذي يوحي باعتصام الجميع ،ثم{جميعا} تأكيد من جديد ،{ولا تفرقوا} تأكيد من جديد بالنهي عن التفرق، ثلاث عبارات توحي بأهمية وحدة المسلمين، وحدة أي أمة تتحرك في مواجهة أعداء الله، وحدة تقوم على أساس الاعتصام بحبله، اعتصام جماعي بحبله.
{اعتصموا} (واو الجماعة) يفيد اعتصام جماعي {بحبل الله جميعا ولا تفرقوا} أليست هذه ثلاث عبارات؟. هذا التأكيد من قبل الله سبحانه وتعالى يوحي بل يدل بما لا غبار عليه أن هذه القضية لا بد منها لأي أمة ليتحقق لها الاعتصام بحبل الله؛ فتكون في مستوى أن يسود فيها دين الله، في مستوى أن تواجه أعداء الله، لابد أن تكون متوحدة. ونحن نمس آثار التفرق في حياتنا، كيف تضيع كثير من قيم الدين في حياتنا ،ليس شيء من أسباب ضياعها إلا تفرقنا، تسود قيم فاسدة، يسود ضلال، يسود ظلم، تحدث ظواهر كثيرة من الفساد والظلم، وليس هناك سبب صريح في سيادتها في أوساط المجتمع إلا تفرقنا، أليس هذا واردا وحاصلا؟.
متى ما تفرقت قرية واحدة أمكن أن يظهر فيها فساد، وينتشر حتى يصل كل بيت فيها، توحد الكلمة لا بد منه في ميدان مواجهة أعداء الله، لابد منه في تطبيق دين الله في المجتمع، لابد منه في أن تبرز أنت كفرد ملتزما بدين الله، متى ما حصلت فرقة في الأمة ما الذي سيحصل؟. ستكون النتيجة أنه هذا فاسد، وهذا مقصر، الجميع عند الله ماذا؟. يستوجبون غضبه، الجميع عند الله عاصين. لا نتصور أن يكون مجتمعاً متفرقاً يمكن أن يكون متقي لله كامل التقوى، لا يحصل هذا. أنت أقل أحوالك إذا لم تكن أنت فاسد في حد ذاتك فأنت عنصر مساعد على الفساد. أن ينتشر في مجتمعك لماذا؟. لسكوتي، لتقصيري، لإهمالي، لإنزوائي بمفردي.
ولأهمية الموضوع كلنا نقول: (لو أن كلمتنا واحدة ما حصل كذا وكذا، لو كلمتنا واحدة ما انتشر الفساد في المنطقة الفلانية، لو كلمتنا واحدة لما كان مدرس أو مدير يلعب كيفما يشاء). الناس يعرفون هذا، الناس يقولون هذا: (لو أن الكلمة واحدة). لكن كلمة من؟! الناس يقرون بأنه تقصيرهم هم، وهم الذين لم ينطلق من جانبهم هذا العمل التخريبي، وهذا العمل الفاسد، يقرون بأن إهمالهم هو مما ساعد على انتشار الفساد، وظهور الفساد، وظهور الظلم، وغياب مبادئ الإسلام.
في الأخير لا أحد يستطيع أن يحكم لنفسه في مجتمع متفرق أنه ملتزم بدين الله؛ لأن أقل ما أنت عليه هو أنك مقصر، هو أنك لا تأمر بمعروف، لا تنهى عن منكر، لا تتعاون مع أخ على بر ولا تقوى، أنك منزوي على نفسك إذا فأنت عامل مساعد على ظهور الفساد، وانتشار الفساد.
الاعتصام الجماعي بحبل الله لابد منه حتى بالنسبة لكل فرد في أن يصح أن يقال: بأنه ملتزم بدين الله، أنه متقي لله، أنه مطيع لله.
ولا ينطلق الواحد من منطلق آخر. اذكر أيام زمان أحد الكبار قلنا له: الناس يحاولون أن يعملوا جميعا ،في أن تتوحد الكلمة –وهذا كان في بلد آخر غير بلادنا هذه قبل ربما عشرين سنة- قال: (أما أنا أنا متوحد ،الآخرين يتوحدوا معي، يأتوا الناس يتوحدوا معي).
هذه النظرة غير طبيعية، غير صحيحة أنت تنطلق تتوحد مع الآخرين، حاول أن تعزز في المجتمع كل ما يؤدي به إلى الوحدة في العلاقات، والروابط، والقيم. أنت اعمل في هذا الميدان، أنت تحرك في هذا الميدان، أن تحقق داخل الأمة الاعتصام بحبل الله جميعا.
البشر كلهم يعرفون أهمية التوحد، لكن تختلف النظرة إلى كيف تكون هذه الوحدة التي ستحقق هذه النتيجة المهمة، القوميون كانوا يهتفون بوحدة عربية، ومن منطلق أننا أمة عربية لغتها واحدة، أمة عربية على صعيد واحد، المنطق الجغرافية لها هي واحدة، بقي هذا الصوت فترة طويلة ولكنه غاب ولم يكن مجديا، وحدة قومية، ووحدة عربية، كقوم كعرب، ليس على أساس من الدين بل على أساس من العروبة أننا عرب، ولا أدري ماذا يعني أننا عرب؟.
تنطلق أيضا هتافات وحدة (أن ننطلق على نهج السلف الصالح). الذي سموهم السلف الصالح هم من لعب بالأمة هذه، هم من أسس ظلم الأمة، وفرق الأمة؛ لأن أبرز شخصية تلوح في ذهن من يقول السلف الصالح يعني أبو بكر وعمر وعثمان ومعاوية وعائشة وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة وهذه النوعية هم السلف الصالح هذه أيضا فاشلة.
نتوحد على أساس -وهي أرقى ما يطرح في الساحة- على أساس (أن يرجع الناس إلى كتاب الله وسنة رسوله ) لكن من المنظار المحدد لديهم، ووفق القواعد المحددة لديهم، ومن المنافذ التي عن طريقها ،وقد رسموها أن تمر من خلالها لتكون متمسك بالكتاب والسنة.
أو أن ندعوا إلى الوحدة وكل مسلم يدعو إلى الوحدة -حتى وحدة دينية- لكن ونحن في مناهجنا، في ثقافتنا نعزز حالة التفرق في أوساطنا، فيطلع هذا الشخص الذي يقرأ سنة بعد سنة مع شخص أخر وثالث ورابع يطلعون متفرقين ديناً ،من منطلق أن لهذا حق هو أن ينطلق وفق ما يقتضيه نظره، وعلى ما أداه إليه اجتهاده، ويتعبد بما غلب في ظنه، ثم في الأخير يرى –ديناً- بأنه لا يجوز له أن يقلد أحدا ،لا من الماضين ولا من الحاضرين، فلا يجوز أن يقلد هذا، ولا يقلد هذا، ولا يتبع هذا، ولا يستمسك بهذا. الثقافة التي نطرحها ثقافة في أوساط المسلمين ونحن نتعلم الدين تجعل كل شخص منا يطلع بمفرده ، ثقافة لا تعزز روحية الاعتصام بحبل الله جميعا.
حبل الله هو هداه، هداه هو دينه، دينه هو خط واحد وحبل واحد. أن يفرق دينه بشكل مواقف وأحكام تكون النتيجة حبال متعددة تأتي النتيجة في الأخير أنت تمسك من عندك بحبل وأنا أمسك من عندي بحبل.. نكون في الواقع غير متمسكين بحبل الله إلا طرف واحد ،فقط طرف واحد هو مستمسك بحبل الله، والآخرين يمسكون حبالاً وهمية ليست حبال الله ؛ولهذا يروها لم تنزعهم من هوة الضلال والكفر والذلة.
إما أن نهتف بها ونحن نعمل على طريق الواقع إلى ما يعارضها ويضادها في أهدافها وفي نتيجتها، أو أن نقدمها بشكل ناقص ونحن نتحدث عنها، الله هنا في هذه الآيات الكريمة حدد بوضوح بيِّن لا غبار عليه كيف هي الوحدة المجدية، كيف هي الوحدة التي تعطي ثمرتها، التي تنطلق فيها أمة، ينطلق فيها مجتمع على أساس من الاعتصام الجماعي بحبل واحد، أي منهج واحد، موقف واحد، خطة واحدة، عَلَم واحد، قيادة واحدة.
ليس هناك أدق تعبير في فردية الشيء من كلمة(حبل) حبل واحد. لو قال مثلا: (واعتصموا بشجرة الله) قد نتصور بأنه كل واحد يمسك بغصن هذا يمسك بغصن، وهذا بغصن، وهذا بعرق منها.. حبل واحد لا يوجد أدق من هذه العبارة في أن تعطينا فهم أن الطريق هي واحدة فقط، وقناة واحدة فقط، ومنهج واحد فقط، منهج واحد يُقدم في ساحة العمل، منهج واحد يستطيع أن تكون ثمرته واحدة يربي أشخاص على قلب رجل واحد.
انظر إلى مدارسنا نحن الزيدية ماذا تقرأ فيها؟. تقرأ فيها ما يجعلك من أول ما يتفتح ذهنك لفهم المسائل تنطلق لوحدك، ويصبح هذا هو واجبك، ويصبح هذا هو العلم، فتنطلق لوحدك، وزميلك ينطلق لوحده، أصبحت تدين بشيء، وهو يدين بشيء، أصبحت تتعصب لشيء، وهو يتعصب لشيء آخر ضده.
توحي الآية بأنه يجب على المسلمين، أو يجب على المجتمع خاصة من هو محمل مسئولية كبيرة أمام الله أن ينطلق في الاعتصام بحبل الله ،وفي نفس الوقت هي حالة تستدعي المحافظة عليها أثناء العمل للوصول إليها ،ثم بعد الوصول إليها سينهى عن التفرق، التفرق في الطريق، والتفرق بعد الوصول إلى تحقيق هذه الحالة، حالة الوحدة الاعتصام بحبل الله جميعا {ولا تفرقوا} و(جميعا) توحي لكل فرد بأنه مسئول هو ،ولا يقل (أولئك فيهم الكفاية لأني مشغول) ،ألم تحصل هذه؟. عندما يقول: {جميعا} توحي لكل فرد بأنه مسئول هو أن يتحرك من جانبه ليكون ضمن هذه الجماعة ،لا يقل : (فيهم الكفاية ،وهم قد أصبحوا كثيراً) ، يجب َأن تلغى مشاعر أن الآخرين يمكن أن يكونوا بديلاً عنك ،عندما يقول {جميعاً} أليس يخاطب كل فردٍ منا أن ينظم نحو هذا المجموع ،عندما تقول: (فيهم الكفاية) سيقول الآخر مثلك والثالث مثلك ، يصبح في الأخير أن الجميع هؤلاء لا يوجدوا
ما الذي يصنع هذه؟. يصنعها حسن تعامل، ويصنعها ثقافة واحدة، ويصنعها شعور واحد، ويصنعها اهتمام واحد.
غير صحيح أن بالإمكان أن يتوحد المسلمون توحداً على هذا النحو الذي الآية توحي بأنه لابد منه في ميدان المواجهة مع الآخرين، مع أهل الكتاب لابد منه، وأهل الكتاب -من يتأمل كتاب الله سبحانه وتعالى- يرى بل يصل تقريبا إلى درجة القطع بأن هنا في القرآن ما يوحي بأن الجهة التي ستكون هي من يمثل خطورة على الأمة، وهي الطرف الذي سيصارع الأمة على امتداد تاريخها هم طائفة أهل الكتاب اليهود والنصارى. في مواجهة هؤلاء لابد لمن ينطلق في ميدان مواجهتهم من عباد الله سواء الأمة بكلها، أو مجتمع من المجتمعات لابد أن يتحقق لديهم وحدة على هذا النوع من الاعتصام بحبل الله جميعا، وحدة يحافظون عليها، وحدة تقوم على أساس من الألفة فيما بين أنفسهم، والروابط التي تعزز حالة الإخاء والمودة فيما بينهم.
أنت تقول من هناك: (ممكن كل واحد ينطلق وكل واحد على مذهبه) غير صحيح أن بالإمكان أن تقف هذه المذاهب التي هي فيما بينها يكفر بعضها بعضاً، ويفسق بعضها بعضاً، والتي أفرادها فيما بينهم لا يحملون مشاعر الحب والإخاء والألفة مع الآخرين، ولا يصلون إليها بحكم تباينهم في معتقداتهم، في ثقافتهم ،تباينهم أعلامهم في قدواتهم، تباينهم في نظرتهم إلى الدنيا، في نظرتهم إلى الحياة. لا يمكن حتى أن يصل إلى هذه الدرجة فيما بينهم، إذاً فلا يمكن أن تتحقق الوحدة، فكل شعار أو كل نداء يهتف بوحدة الأمة على ما هي عليه هو نداء وشعار لا جدوى من ورائه، هو يدعو إلى حالة وهمية، إلى حالة لا ثمرة لها، لا تتحقق على صعيد الواقع، وإن تحققت شكليا فلن يكون لها أي جدوى.
لهذا ولأن الآخرين من اليهود والنصارى يعرفون أن تفرقنا كمذاهب هو مما يساعد على ضعفنا حتى ولو بدت أصوات تهتف بوحدتنا كمذاهب، هم يعرفون بأنها ستكون فاشلة، فهم يعززون التفرق المذهبي فيما بيننا، هم وراء دعم الوهابيين، هم وراء دعم طوائف متعددة، هم وراء إحياء التفرق المذهبي.
التفرق المذهبي حاصل في الأمة من قبل لكنهم عرفوا بأنه يخدمهم فليغذوه وليبقى هذا التفرق على ما هو عليه.
قد يقول البعض إذاً مادام أن أعداء الإسلام يخدمهم تفرقنا كمذاهب إذاً فيجب أن نسكت عن بعضنا بعض وأن ننطلق كأمة واحدة، ويرى البعض بأن هذا يمثل حلا لكن الواقع أنه لا يمثل حلا.
إذا كنا نعرف بأن التفرق المذهبي من أساسه هو يخدم أعداء الإسلام إذا فلنلغيها ولنرجع إلى حبل واحد. أليس هذا هو الصحيح؟. أو أن نأتي ونقول: نتقارب أنا وأنت، وأنا وأنت مختلفين في عقائدنا بدءً من الله إلى يوم القيامة، لك أعلام تقتدي بهم، ولي أعلام أقتدي بهم، لك أشياء تهتم بها، ولي أشياء اهتم بها، ليس بيننا ألفة، ليس بيننا تقارب فكيف يمكن أن يقال أن بالإمكان أن يجتمع هؤلاء شكلا ثم هم سيعملون ضد الآخرين. لا. الله تعالى يقول للناس وهم مؤمنون قبل أن يتحولوا إلى مذاهب بأن عليهم وهم أفراد قبل أن يتحولوا إلى مذاهب: أن يعتصموا جميعا جميعا بروح جماعية على هذا النحو الذي تسود داخل نفوسهم حالة المشاعر المتبادلة من الإخاء، والألفة، والحب، والود.
فغير صحيح أن يقول الإنسان: إذاً فلا ينبغي أن نثير القضايا لأن أصحاب المذهب الآخر هم حساسين، وهذا يعزز حالة التفرق. نحن قد تفرقنا من زمان، نحن قد اختلفنا من زمان، وأصبح تفرقنا واختلافنا مما يخدم أعداء الأمة، فما هي المعالجة الصحيحة؟. هي أن نرجع إلى حبل واحد، وإلا فنحن جميعا نُكَذّبُ بكتاب الله، ونتصور بأن الحبل الواحد هو الاجتماع الشكلي. الحبل الواحد هو هدى من الله، هو هدى من الله، لا مجرد أشخاص وتجمع شكلي، حبل الله هو هداه، إذا فهداه يرجع الناس جميعا إلى هدى هو هدى الله وهو هدى واحد. ولن يجدي إطلاقا –فيما اعتقد- أي صوت يقول (أصحاب المذاهب هؤلاء يسكتوا من بعضهم البعض وسيتوحدون جميعاً ضد مدري من).
تجمعت جيوش عربية انطلقت من عدة دول ولم تجد شيئا، وهم فيما بينهم سُنِّيّة، لكن حتى نفس التفرق باعتبارهم أوطان كل شعب وطن مستقل بنفسه عن الآخر كان لهذا التفرق الذي داخل أذهانهم أن هذا له رئيس ورئيسه فلان، وهذا قائده فلان، لدينا قوانين هي كذا وآخر قوانينه كذا، بلادنا حدودها كذا، شكلها كذا، والآخر حدوده كذا.. حالة تفرق من هذا النوع التي هي أقل من التفرق المذهبي أثرت سلباً في تلك الجيوش فلم تكن مجدية، اجتمعت من مصر وسوريا وعدة بلدان، اجتمع المصري مع السوري مع العراقي مع الأردني مع اللبناني لكن كل واحد هو يرى نفسه ليس منصهراً في مشاعره مع الآخر، أنا رئيسي فلان، وأنت رئيسك فلان، بلادي اسمها كذا، بلادك اسمها كذا، بلادي حدودها كذا بلادك حدودها كذا. أليست هذه فرقة؟. انظر كيف أثرت هي داخل من؟. داخل السنيّة أنفسهم.
ففرقة المذاهب هي أشد بَوْناً واتساعا من فرقة الأوطان، وفرقة أسماء الرؤساء والزعماء، وفرقة عناوين البلدان، أنا بلدي اسمه مملكة، وأنت جمهورية، وذلك اسمه سلطنة. أليست فرقة المذاهب أبعد وأشد؟. أين ساحة فرقة المذاهب؟. أين هي؟. أليست هي النفوس؟. ساحة فرقة المذاهب ميدانها هو نفوسنا نحن المسلمين، فما دامت النفوس هذه متفرقة أي هي متفرقة ليست مجتمعة على هدي واحد ،أليس كذلك؟. مذاهب متعددة وكل مذهب لوحده أي هو يسير على هدى لوحده، وهذا على هدى لوحده، وهذا على هدى لوحده. ألم يطلع الهدى متعددا؟. إذاً حبال متعددة داخل أنفسنا، وهذه هي نقطة الخطر، لو أنها حبال متعددة في ساحة خارجية خارج ساحة أنفسنا لكانت أقل ضررا، لكنها حبال متعددة داخل ساحات أنفسنا كمسلمين فهي أشد ضررا في أن تحول بيننا وبين أن نصل إلى حالة يكون اجتماعنا فيها مجديا في مواجهة أعداء الله.
لماذا؟. لأن المطلوب أن يصل أفراد المجتمع الذي يعتصم بحبل واحد ويتوحدوا على هذا الهدي الذي وجههم الله إليه أن تسود داخلهم مشاعر الألفة والمحبة. ولهذا قال: {واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم}. أليس هناك عداوة مذهبية قائمة؟. من الذي يستطيع أن يمسحها؟. من الذي يستطيع أن يجعل القلوب متآلفة؟. إلا متى ما اجتمعت هي على الاعتصام بحبل واحد؛ لهذا جاء في مقدمة التوجيه نحو الوحدة الاعتصام بحبل واحد، والحبل الواحد هو هدى، الهدى هو ثقافة وفكر، أليس كذلك؟. في داخل نفوسنا مشاعر، وثقافة، وفكر، وتوجهات. أليس الهدى هو داخل النفوس؟. الحبل هذا أليس في الواقع داخل النفوس؟. يمتد من يد الله إلى أعماق نفوسنا، فمن الذي يستطيع أن يصنع حالة تمسح العداء وتخلق حالة من الألفة بين أفراد المذاهب المتعددة المتعادية فيما بينهم دينا؟.
ماذا يعني دينا؟. أنا أدين الله بأنك خبيث رافضي لأنك لا تتولى أبا بكر وعمر ..أليس هكذا يحصل؟. أليسوا يقولون عنا نحن الشيعة بأننا مشركون، وأننا روافض، أننا من أهل النار؟. وما هي جريمتنا؟. أننا لا نتولى أبا بكر وعمر، وأننا نحب أهل البيت عليهم السلام. إذاً أليسوا هم يعيشون حالة العداء لنا إلى درجة أن من يُقتل منا في مواجهة إسرائيل لا تحدث عنه ، لا يستحق أن يتحدث عنه، ولا أن يلتفت إليه، فليقتل عباس الموسوي.. أليس شيعيا مجاهدا ،قائد حزب الله في لبنان؟. يقتل في عملية رهيبة، عملية مؤسفة، وتقتل معه زوجته، وابنه، ثم لا يتحدث الآخرون عنه؛ لأنه شيعي قتله يهودي، يهودي يقتل شيعي، شيعي يقتل يهودي كلها واحد.
من يستطيع أن يمسح حالة العداء في نفوس السنية؟. نحن شخصياً لا نحمل حالة من العداء نحوهم كما يحملون هم حالة العداء نحونا.
ٍ يقوم الإمام الخميني تصدر أصوات من جانبهم يكفرونه رأسا (وجاء دور المجوس) هكذا ،يأتي شخص من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يدعو الأمة إلى كيف تواجه أمريكا وإسرائيل، إلى التحرر من هيمنة دول الاستكبار من اليهود والنصارى، رجل مؤمن، تقي، رجل مجاهد، شجاع، يعرف كيف يضع الخطط الحكيمة، ينطلق انطلاقة قرآنية، ثم تأتي أصوات، وتطبع كتب من داخل بلاد السنية (وجاء دور المجوس). الخميني يعني أكبر مجوسي، وبدأت حركة المجوس.. ألم يقولوا هكذا ؟.
إذاً فنحن عندما نقول: يجب أن يكون منطقنا ليناً، ونحن جميعا مسلمين، والمذهب على ما هم عليه، وأنا على ما أنا عليه، وأنت على ما أنت عليه، ونتوحد ،ألسنا أول من يكذب الله؟. الذي أمرنا أن نعتصم بحبل واحد، وقال: إنه لا سبيل إلا هذا الشيء أن نعتصم بحبل واحد، نحن قدمنا فكرة أخرى وقلنا: بأنها هي المجدية أن بالإمكان أن تكون على ما أنت عليه، وأنا على ما أنا عليه، مذاهب متعددة، وممكن أن نتوحد، وأن نعمل الشيء الكثير في الآخرين.. أليس هكذا قُدم؟. أي نحن قلنا: لا يا الله ليس صحيحا أن من الضروري أن نعتصم بحبل واحد.
لو كان الحبل هذا هو حبل مادي نازل من السماء إلى الأرض، أو كان هذا الحبل شيء غير هدى الله لكان بالإمكان أن نقول: يمكن أن يتعدد، لكن هدى الله ما هو؟. هدى الله بما فيه الأحكام الشرعية أليس من هدى الله؟. العبادات بكلها إنما هي آلات لتصل بالإنسان إلى هدى الله. فهدى الله هو شيء واحد. فمن جاء وقال: ممكن كذا، وممكن كذا، ثم نتوحد، يتصور بأنها ستكون وحدة مجدية، ستكون وحدة شكلية فإنه أول من يكذب الله عندما يقول الله: لا.. لن يحصل شيئا مجديا إلا اعتصاما بحبل واحد هو حبلي، لأنه متى ظهرت أشياء أخرى فليست من قِبَل الله، من قِبَل الله شيء واحد فقط سماه حبله.
تحصل هذه الأصوات داخلنا نحن الزيدية أليس هذا الذي يحصل؟.نقول : ليكن منطقنا ليناً مع الآخرين، تتسع صدورنا للآخرين، وألفة فيما بين المسلمين، وانفتاح على الآخرين. أليس هذا الذي يحصل؟.
ضع لي حلا للمشكلة وأنا أول من يستجيب لك، قدم لي هذا الطرح كشيء مجدي فعلا وفكني عن هذه الآيات التي تقطع بأنه لا مجال إلا على هذا النحو وأنا سأمشي وراءك. لن يجد سبيلا إلى هذا، إلا مجرد البقاء في الإشكالية، وفي المستنقع الذي غرقت الأمة فيه.
{واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء} أي أن العداوة نفسها تجعل الأمة ساحة قابلة لماذا؟.ساحة قابلة لأن تضرب من قبل أعدائها، ساحة قابلة لأن يسود فيها الضلال والكفر المُصَدّر من قبل أعدائها. العداوة هي التي تهدم الأمة، فعندما يأمرنا أن نعتصم بحبل واحد هو أقرب ما يمكن أن نكون قادرين على مسح حالة العداوة فيما بيننا، ليس هناك أقوى من الاجتماع على منهج واحد في التأليف فيما بين نفوس الناس ،إذا ما كان لهذا المنهج أهميته الكبرى في نفوسهم، أي أن حالة العداء أن تُمسح، والأسباب التي تؤدي إلى العداء أن يقضى عليها، بما فيها المذاهب المتعددة التي تصنع عداوة دينية، فيأتي طرف مبطل على باطل، على ضلال، ويدين لله بعداوتك أنت، وأنت صاحب الحق، وأنت من أنت على الحق، وهو يحمل الاسم الذي تحمله (مسلم)، ويدعي أنه أرقى منك في الاسم الذي تحمله (مؤمن)، فأن يكون هناك حالة من العداوة، عداوة تخلقها مذاهب، عداوة تخلقها اختلافات شخصية فيما بين الناس يجب أن يعمل الناس على أن تنتهي هذه الحالة، لابد من ألفة القلوب {فألف بين قلوبكم} وعدها نعمة من نعمه الكبرى؛ لأن الألفة فيما بين النفوس أن يغيب من النفوس حالة العداوة والبغضاء، هي شرط أساسي في تحقيق وحدة معتصمة بحبل الله، يكون لها أثرها الكبير في الحفاظ على الدين، وفي ميدان المواجهة مع أعداء الله، وإلا ما قيمة أن يذكر هنا بأنها نعمة من نعمه أنهم كانوا أعداء فألف بين قلوبهم، أي أن الألفة بين القلوب لابد منها في تحقيق وحدة يكون لها أثرها.
متى تحصل ألفة بين قلوب منهم مذاهب متعددة؟. هل يحصل هذا؟. هل السني، هل الوهابي قلبه متآلف معي؟. لا، هو يدين الله ببغضي، وأنه متى قتلني يهودي ربما يفرح أن اليهودي قتلني، سواء قتلت يهودي أو اليهودي قتلني، المسألة عنده واحدة.
هل سموا شارعاً باسم (عباس الموسوي) أمين عام حزب الله وهو عالم، مجاهد، شجاع، إنسان حكيم، يملك قدرة هائلة من التدبير، والتخطيط في مواجهة إسرائيل، يهتدي بالقرآن، قُتل في حادث مأساوي تضربه الطائرة الإسرائيلية بصاروخ، تضرب سيارته وهو فيها هو وزوجته وطفل صغير، هل سموا شارعاً باسمه؟. أو سموا مصنع تحلية مياه باسمه، أو سموا مطعما، أو سموا قاعة محاضرات، أو سموا أي شيء باسمه؟. لا ، ليست مشكلة، لكن أن يقتل طفل آخر (محمد الدرة) هذا طفل قُتل، قُتل أطفال كثيرون، يجتمع مجلس الوزراء في اليمن، ويقرر أن يسمي الشارع من (مذبح) إلى ملتقى طريق عمران صعدة (شارع الشهيد محمد الدرة).
كنت أتوقع أن (محمد الدرة) هذا قبل أن أعرف من خلال المشهد التلفزيوني أنه كان بطلا، كان شجاعا، عمل أعمالا رهيبة بإسرائيل لهذا أصبح صوته، وأصبح اسمه هكذا، وسميت شوارع باسمه، وسميت مقاهي، وسميت حتى معامل تحلية مياه، ومطاعم، وبنشر، وأشياء من هذه، أشاهد المشهد في التلفزيون فإذا هو طفل قتل. لاحظوا كيف؟. هذا هو نفسه من التضليل اليهودي أن يقتل (يحي عياش)، يحي عياش هو مجاهد، وبطل، وعمل أعمالا رهيبة ضد إسرائيل، قتل، هل سمي في اليمن، أو في مصر، أو في السعودية، أو في أي بلد مسلم سمي شارع الشهيد يحي عياش؟. لا ، هل سُمي شارع الشهيد عباس الموسوي؟. قُتل ابن حسن نصر الله في الجهاد هل سمي شارع باسمه؟. هل سمي شارع باسم ابن عباس الموسوي؟. إذا كانت المسألة مسألة عاطفية مع أطفال، هل سميت شوارع أخرى بأسماء أبناء مجاهدين، أو مجاهدين ضد إسرائيل؟. لا. لماذا؟.
هذا من العمل الذي يخدم إسرائيل أن يُقتل شهيد بطل ثم لا يخلد ذكره؛ لأن تخليد ذكره في أوساط المسلمين يعني استلهام روح القتال لإسرائيل، والعداوة لإسرائيل، والمواجهة مع إسرائيل، لكن يُقتل طفل فلتعمم الدنيا باسمه ما الذي سيحصل؟. تفاعل عاطفي معه فقط ( الله يلعنهم) ،أليس هذا الذي سيحصل؟. اليهود يعرفون، وأولياؤهم أيضا يعرفون أنهم أن يعمموا اسم الشهيد عباس الموسوي، أو الشهيد يحي عياش فتسمى شوارع بأسمائهم أن هذا يزعج إسرائيل، لماذا يزعج إسرائيل وقد قتل هذا الرجل؟. لأن هذا يبعث في الأمة، في الشباب مشاعر البطولة، والتضحية في مواجهة إسرائيل، فهكذا يصنع تخليد الشهداء.
فلهذا يقولون: ذكرى استشهاد الإمام علي بدعة بدعة، يريدون أن تموت الأمة باسم الدين، وأن تذبح باسم الإسلام، لكن محمد الدرة وأطفال آخرين يؤلم قتلهم، لكن هذا له أثر آخر لا يضر إسرائيل، غاية ما يصدر مني أن أقول: (الله يلعنهم، الله ينتقم منهم يقتلون حتى الأطفال). لكن شهيد من خلال أن تعرف شارع سمي باسمه ستعرف ماذا كان يعمل، تعرف كيف كان يخطط، سيظهر من أوساط المسلمين من يحاول أن يقلده، ويتشبه بروحيته، أليسوا يخدمون إسرائيل بهذا؟.
أن يغيب أسماء الشهداء، أن يغيب أسماء المقاتلين الأبطال ضد إسرائيل من شيعة وسنة كيحيى عياش، وعباس الموسوي، ثم يشاد بأسماء أطفالا آخرين على أساس تكون المسألة غير حساسة بالنسبة للصديقة إسرائيل؛ من أجل أن لا نجرح مشاعر إسرائيل، من أجل أن لا نسيء باسم ذلك الرجل العظيم الذي قد يكون فيه إساءة إلى مشاعر إسرائيل.
هكذا يُصنع الرموز بشكل لا يضر بهم، يشدونا إلى طفل يجعلوا رمزنا طفلا محمد الدرة، ثم نحن ننشد ،نحن في أناشيدنا هنا في المدرسة، وفي مدارس أخرى محمد الدرة، محمد الدرة.
أول مرة اسمع أنشودة لم تعجبني إطلاقا، كان الذي يجب أن ننشده هو أن ننشد في الأبطال الذين سقطوا في ساحة المواجهة، هذه أعلام لا تترك أثراً في نفسك، لا تترك أثراً يجعلك تستلهم منهم روح الجهاد.
طفل قتل وهو مستلقي وشخص عنده آخر مستلقي عند فرن أو شيء آخر، مشهد عاطفي فقط، أنت بحاجة ماسة من أجل حتى أن يكون لهذا المشهد أثره أنت بحاجة أن تنشد إلى أعلام من المجاهدين، والمقاتلين، فتصبح المسألة إيجابية، عباس الموسوي، يحي عياش يكون أسماؤهم مترددة في أذهاننا، ثم أرى ماذا عملوا، هنا سيكون لي وأنا أرى طفلا مثل هذا، أو امرأة، أو أي شيء آخر يثيرني، يصبح لدي استلهام روح الجهاد، والاستبسال، والاستشهاد من ذلك البطل الذي ترسخ في ذهني، وتكرر اسمه أمام عيني، وأنا في الشارع الفلاني، أمام القهوة الفلانية، أمام القاعة الفلانية ، أمام البنشر الفلاني.
أليس هذا هو ما يجعل للأشياء قيمة؟. لكن مشاهد عاطفية بحت لا يوضع هناك إعلام يرافقها تخلق في نفوس الناس استلهام مشاعر البطولة، والتضحية تصبح هذه عاطفية بحتة، والجانب العاطفي لوحده يصبح في الأخير مظهراً مألوفاً، ثم في الأخير لا يثير شيئاً، ثم في الأخير لا يضر إسرائيل بشيء.
{وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها} وهؤلاء يريدون أن يعيدوكم فيها.. أليس هذا ما تعني الآية؟. نحن الآن مع آية تقول من البداية: {يردوكم بعد إيمانكم كافرين} الله يقول: هو استنقذكم من النار بكتابه، برسوله، بهدايته. ألا يعني هذا أن هذه نعمة عليكم كبرى أن استنقذكم من النار؛ فاذكروا نعمة الله عليكم، لتكون المسألة لها قيمتها في نفوسكم؛ لأن هناك من يعملون جادين على أن يعيدوكم في حفرة النار من جديد.
{وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها} وهؤلاء سيردونكم إلى هذه الحفرة، وهاهو من جديد الله ينقذنا منها، ويوجهنا إلى ما ينقذنا منها، أليس هذا يحصل؟. ومن جديد يوجهنا إلى ما ينقذنا منها، مظهر من مظاهر رحمته العظيمة، بعد أن يردونا بعد إيماننا كافرين يعني أن نكون من أهل النار، أليس كذلك؟. إذاً قد أنقذنا أول مرة فانتبهوا، أليس هكذا؟.
هؤلاء يعملون على أن يردوكم في الحفرة، ثم ها أنا الآن اعمل على إنقاذكم من النار، كأنه يقول لنا هكذا، وهو يوجهنا إلى أن نتقيه حق تقاته، ونعتصم بحبله، وأن نكون هكذا في مستوى مواجهة هؤلاء الذين يريدون أن يردونا إلى حفرة جهنم من جديد {وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها} إذاً استنقذوا أنفسكم من جديد بمواجهة هؤلاء بما أقدمه لكم من هدايتي، هكذا معني قول الله سبحانه وتعالى.
ثم يقول أن المسألة هي أشياء مؤكدة، القضية آيات ومعنى آيات أعلام على حقائق واضحة، حقائق لابد منها أن تقع في واقع الحياة، إذا سمحتم لها أن تقع، حقائق من قِبَله يتحدث عنها {كذلك يبين الله} بعبارات لا أوضح منها بيان {آياته} أي حقائقه، هذه الآيات التي هي ترشد إلى حقائق أنكم إذا لم تكونوا على هذا النحو ستكونون كافرين.. أليست هذه حقيقة؟. أنتم إذا لم تكونوا على هذا النحو ستوقعون أنفسكم من جديد في حفرة جهنم، هذه حقيقية.
{كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون} إلى ماذا؟. تهتدون إلى ما ينقذكم من جهنم أن تعودوا فيها من جديد {وكنتم على شفا حفرة} كدتم أن تقعوا فيها. إذاً هؤلاء هم يدفعونكم إلى أن تكونوا كافرين من أجل ماذا؟. يوقعونكم في جهنم.
والله سبحانه وتعالى يريد أن نهتدي بهداه ولهذا قال: {لعلكم تهتدون} تهتدون إلى ما يريد أن تكونوا عليه كأمة تسير في طريق الجنة، في طريق رضوان الله، تسير على طريق رضوان الله، في طريق العزة، في طريق الرفعة والمكانة، طريق العلو، والسمو الذي أراد الله سبحانه وتعالى أن يكون لعباده المؤمنين.
{لعلكم} لأجل أن تهتدوا إذا كنتم تريدون أن تهتدوا. هل هناك أوضح من هذه الآيات تبين لنا كيف أن الله سبحانه وتعالى يرعانا، كيف أنه يرحمنا، كيف أنه يهمه أمرنا، كيف أنه حريص على هدايتنا، -إن صحت هذه العبارات لكن لا نملك إلا هي ،كلمة (حريص) ونحوها- أنه رحيم بنا أقصى ما يمكن أن يتصور الإنسان من معاني الرحمة.
صدق الله العظيم.
ثم لتطور المسألة لديهم أن يصبح المجاهد إرهابي، أن يصبح إرهابي ثم يكون جهة تقلق حتى المسلمين أي ينظر إليه نظرة قلق، وأنه شاذ في هذه الأمة ، حالة شذوذ تحولت لديهم ،فهو إرهابي يجب أن يزال، يجب أن يُسلم لأمريكا، هكذا تلغى كلمة (جهاد)، ثم يريدون أن تنسف روح الجهاد، ثم ليغيب المجاهدون على المجتمع تحت عنوان أنه إرهابي فمتى ما قالوا: هذا إرهابي خذوه، هذا يعني نسف للجهاد والمجاهدين، للجهاد من داخل ثقافة الأمة وفكرها، وللمجاهدين من وسط الأمة وصفوفها.
حالة رهيبة جداً، حالة خطيرة جدا،ً فلنفهم بأن التقصير فيها ليس عاديا، التقصير في النظر إليها، التقصير في الاهتمام بها، ولا يتصور أحد بأنه ليس في استطاعته أن يكون فاعلا في ميدان مواجهة هذا الفريق من أهل الكتاب وأوليائهم، كل مسلم يستطيع أن يعمل، وكل مسلم يكون لعمله أثر.
الحالة التي تترسخ عند الناس أنه (ماذا سنفعل بهم؟. ما هو جهدنا أمام قوتهم؟.) ألسنا نقول هكذا؟. الله يعلم أن كتابه هذا سيسير في أمة وسيلاقي صفوف من هذا النوع، لكنه يعلم بأن باستطاعة عباده المؤمنين أن يعملوا الشيء الكثير الذي يؤهلهم إلى درجة أن يقهروا أعداءه، ألم يضرب شواهد في واقع الحياة؟. ألم تكن إيران كمثل الدول الإسلامية؟. ألم يكن حزب الله كمثل لكل الطوائف، ولكل مجتمعات؟. حزب ألم يقهر أمريكا وإسرائيل؟. أخرج أمريكا من لبنان، ضرب بارجاتها وجعلها تنسحب ذليلة ببارجاتهم التي كانت تضرب بقذائف كبيرة جدا،ً أخرجهم من لبنان، ثم أخرج إسرائيل من لبنان، ويضربهم بمختلف الأسلحة التي يمتلكها، فقهر أمريكا وإسرائيل، حزب واحد.
اليهود يعرفون بأنك أنت الذي تفكر بأنك لا تستطيع أن تعمل شيئا ضدهم أنه متى ما أفسدوا أسرتك، أولادك الصغار.. أليس أولادك الصغار من أضعف من تتصور بأنه سيعمل شيئا ضد إسرائيل؟. أليس هذا مما يتبادر إلى أذهاننا؟. لكن هم يعرفون بأن إفسادهم شيء مهم بالنسبة لهم، وبالنسبة للحفاظ على مصالحهم، وإلى الاستمرار في عملهم في تحويل الأمة إلى أمة كافرة، هم عندما يحرصون على إفساد أسرتك .. أليس ذلك يعني أنهم يعرفون أن إفساد أسرتك هو في صالحهم، أليس كذلك؟.
وهم عندما يعملون على أن تنزل (الدشات) هذه بأسعار رخيصة من أجل كل أسرة يمكن أن تأخذ لها (دُشا) فتفسد المرأة زوجتك، وبناتك، وأخواتك، وأولادك، وكل أقاربك. هم ساهموا معك في قيمة (الدش) حقك فعلا ساهموا. الدش قيمته حقيقة قد تكون مائة ألف مثلا تأخذونه بعشرين ألف من الذي دفع الباقي؟. الصهيونية هي التي دفعت الباقي نقدا فعلا إلى الشركات المصنعة . الدش الذي فوق سطح منزلي اشتريته أنا ومن؟. أنا وإسرائيل حقيقة بما تعنيه الكلمة، شراه لي الإسرائيليون، ودفعوا مبلغا أكثر مما دفعت؛ لأنهم يفهمون أن هذه الأسرة متى ما فسدت سيصبح فسادها في صالحهم.
المسألة وصلت إلى صراع صراع شامل وليس صراعا في جانب واحد، صراع إعلامي، فكري، ثقافي، سياسي.
أم أنهم يرتاحون جداً لنا، ويريدون أن نعيش حياة مرفهة، ونرتاح جداً فنتفرج على العالم من خلال ما تبثه القنوات الفضائية في مختلف بلدان الدنيا، يريدون أن يقدموا لنا خدمة؟. أليس عندنا مثل معروف يقول: (ما قد نصح يهودي مسلم)؟. هذا قد حصل لآبائنا وأجدادنا ،قد جربوا العيش مع اليهود، وعرفوا اليهود، وأنه (ما قد نصح يهودي مسلم)، فاليهودي هو الذي دفع ثلاثة أرباع قيمة الدش الذي فوق منزلك، لأنه عارف أن ابنك عندما يفسد، وابن هذا عندما يفسد، وابن هذا عندما يفسد أن مجتمع مكون من لبنات هي الأسر ومتى ما فسدت هذه الأسرة وهذه وهذه وهذه يعني فسد المجتمع، ومتى ما فسد المجتمع أصبح لا يشكل أي خطورة عليهم، وأصبح ميدانا يمشي عليه كل ما يريد أن يعمموه عليه.
هذا جانب في ما تعنيه آية {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته}. وهي من منظار آخر بعد أن قال الله سبحانه وتعالى: {ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم} يقدم هو الهداية فهكذا كونوا.
تلحظ في الموضوع جانب المبادرة من قبل الله سبحانه وتعالى أنه لا يتركك حتى تقول: ها نحن اعتصمنا بك، ثم يبحث للهدى إذا عاد معه باقي هدى في المخزان هذا أو ذك ثم يقول: خذ هذا. لا. يهديك يهديك من قبل أن تفكر في الاعتصام به، وقد قدم الهدى إلى بين يديك ليقول للناس، ليقول للأمة، ليقول لكل من يهمهم أمر الدين وإن كان مجتمعا صغيرا: {اتقوا الله حق تقاته} تحلوا بالتقوى، كونوا متقين لله فيما تعنيه كلمة التقوى من مشاعر الحذر من التقصير فيما أمرنا الله أن نهتم به، فيما أمرنا الله أن نعمل من أجله. التقوى فيما تعنيه الابتعاد عما يوقعنا في سخطه وعقابه.
ويأتي القرآن الكريم يتحدث عن المتقين، وما وعد الله به المتقين من النعيم العظيم، من الرضوان، من المكانة لديه، من القرب لديه، ومن النعيم العظيم الجنة {إن المتقين في ظلال وعيون} {إن للمتقين مَفَازاً حدائق وأعنابا وكواعب أترابا وكأسا دهاقا لا يسمعون فيها لغوا ولا كذابا جزاء من ربك عطاء حسابا}. {سارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين}. {إن المتقين في جنات ونَهَر في مقعد صدق عند مليك مقتدر} كم ورد من آيات في القرآن الكريم تبين ما وعد الله به المتقين.
وفي ميدان المواجهة مع أعدائه يأمر المؤمنين بالصبر والتقوى {بلى إن تصبروا وتتقوا} {يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا} التقوى لابد منها، التقوى كحالة نفسية تسيطر على مشاعرنا الحذر الشديد من أن نقصر، أو نهمل، أو نبتعد عن ما أرشدنا الله سبحانه وتعالى إليه، التقوى فيما تعنيه من انطلاقة في التحلي بالفضائل، من انطلاقة في كل العبادات التي شرعها الله سبحانه وتعالى لنا نؤديها كاملة بشكل واعٍ، نفهم مقاصد الله سبحانه وتعالى، ومقاصد كتابه في تشريعها. إذا فقد الناس التقوى في نفوسهم وفي أعمالهم فلن يكونوا أبدا جديرين بنصر الله سبحانه وتعالى، وسيكون أول من يواجههم هو الله، سيكون أول من يضربهم هو الله، متى ما قصروا، متى ما أهملوا، متى ما ضيعوا.
فهنا بدأ يرشد المسلمين، يرشد المؤمنين كيفما كانوا يرشد الأمة بكاملها، أو مجتمعا خاصا -وهو الذي يهمنا- إذ يهمنا نحن الآن نتحدث مع الزيدية بخصوصها. لماذا؟. لأن فيما أعتقد أن بقية طوائف الأمة ميئوس منها فيما هي عليه الآن ،وأن الطائفة التي لم تعمل حتى أبسط ما يمكن أن تعمله ولو أن تعمل مثل ما عملته طوائف أخرى ممن فشلت أيضا هي طائفة الزيدية الذي يجب أن يكونوا هم من يتقوا الله حق تقاته، ويجب هم أن يكونوا أول من يهتدي بكتابه، ألم يقل الله لأهل الكتاب {وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم ولا تكونوا أول كافر به}هذه العبارة تعني لا يليق بكم وأنتم أهل كتاب تعرفون الرسالات، تعرفون الكتب أن تكونوا أول من يكفر بهذا الكتاب القرآن الذي أنزلته، وبهذا النبي الذي تعرفون أنه نبي كما تعرفون أبناءكم، عبارة (لا تكونوا أول كافر) أي لا ينبغي لمثلكم أن يكون أول من يكفر وهو ما هو عليه من المعرفة، وبين يديه ما يؤكد أن هذا الذي جاء من جديد ليس بِدْعاً من الرسل، وليس بِدعاً من الكتب.
فالزيدية هم الطائفة الذي يجب أن يكونوا أول من يحمل الاهتمام بأمر الإسلام، الاهتمام بأمر المسلمين، الاهتمام بالعمل لإعلاء كلمة الله، ونحن في وضعيتنا التي نحن عليها ممن يجب أن يكون أكثر انتباها أن يأتينا الموت ونحن غير مسلمين، أو -كما قلت سابقا- نتصور بأنه ليس هناك شيء يصل إلينا، كل ما يعمل اليهود والنصارى، كل آثاره تصل إلينا.
ثم تواصل الآيات الكريمة في إرشاد الناس إلى ما يكونون مؤهلين به لمستوى مواجهة أعدائه، إلى ما يكونون مؤهلين به إلى أن يحافظوا على أنفسهم من أن يتحولوا إلى كافرين {واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون} تأتي الكلمة {واعتصموا}الاعتصام: معناه الالتجاء للامتناع بمن التجئ إليه من خطورة بالغة تهددني.
نعتصم بالله ومتى ما اعتصمنا به فهو سيهدينا، وهاهو يهدينا في آياته المباركة، يوجهنا إلى أن نعتصم بحبله ،بهذا التوجيه الذي يوحي بأن الأمة وهي في ميدان المواجهة إذا لم تكن يقظة ستصبح في مستنقع، ستصبح في هوّة من الضلال، هي فيها أحوج ما تكون إلى شيء تتشبث به فيقول لنا: هذا حبلي تمسكوا به، اعتصموا به لتنجوا من هذا الضلال، تنجوا من هذه الذلة، تنجوا من هذا الخزي، تنجوا من أن تتحولوا إلى كافرين. {واعتصموا بحبل الله جميعا} هو يمثل لنا دينه، يمثل لنا هداه أنه بمثابة الحبل المدلّى من عنده نستمسك به ليرفعنا من مستنقع الضلال، والضياع، والكفر، والذلة، والهزيمة، والجهالة، والحالة السيئة التي تعيشها هذه الأمة.. أليس هذا من أبلغ العبارات التي توحي بعظم رحمته لنا، التي تدل على أن الله سبحانه وتعالى لا يريد لنا أن نُظلم، لا يريد لنا أن نضل، لا يريد لنا أن نضيع لا في الدنيا ولا في الآخرة، اعتصموا بحبل الله، ولتكن اعتصامتكم بحبل الله اعتصامة جماعية، لابد من أن تتوحدوا، لابد من أن تجتمع كلمتكم، تجتمع كلمتكم على أساس من هدى الله، وفي مجال الاعتصام بحبله الواحد. لاحظوا أنه لم يأت ليقول: (واعتصموا بحبال الله) ويدلّي حبلاً إلى مصر، وحبلاً إلى اليمن، وحبلاً إلى تونس، وحبلاً إلى الجزيرة، مثل ما يأتي عندما تغرق سفينة في البحر تأتي طائرة الهيلوكبتر وكل طائرة تدلي حبلاً، أو تدلي عدة حبال، أو سلالم من الحبال لتنقذ من يتعرض للغرق في البحر. الله له طريق واحد ،هو الواحد والطريق إليه واحدة، السبيل إليه واحد، الحبل الذي إذا استمسكت به الأمة سيرفعها من هوّة الضلال، وهوة الذلة والمسكنة، يرفعها من حالة التعرض إلى أن تكون كافرة تستوجب غضبه وناره هو حبل واحد.
عندما يقول (بحبل الله) تصور كيف سيكون حبل الله، حبل لا يتسع لأيدينا، لأيدي الأمة أن تستمسك به؟ سيتسع، أو حبل دقيق عندما يتمسك فيه قليل من الناس سينقطع. لا. هو يوحي لنا بأنه حبل، وحبل متين، حبل هو يتسع للأيدي كلها أن تمسك به، ومتى استمسكت به فهو حبل لا يمكن أن ينقطع بها فتعود إلى الهوة من جديد ،سيرفعها نحو كمال الله، سيرفعها إلى الله ورفعتها إلى الله أن ترتفع فتحظى بنفحة من كماله، من عزته، من علمه، من جبروته، من قدرته، من حكمته.
هو حبل وحيد في واقع الأمة، لم يقل: (ابحثوا عن أي حبل تستمسكون به أو تعتصمون به) ،أنتم في حالة تستوجب عليكم أن تفكروا في أن تبحثوا عن أي شيء تتشبثون به لكن ليس هناك إلا شيء واحد هو حبل الله، هو حبل واحد وليس هناك ما يمكن أن ينقذكم إذا اعتصمتم به إلا حبل الله، كما قال ابن نوح: {سآوي إلى جبل يعصمني من الماء} في حالة الطوفان الذي اجتاح الأرض {سآوي إلى جبل يعصمني من الماء} يمنعني من الغرق {قال لا عاصم اليوم من أمر الله} ليس هناك ما يمكن أن يمنع من أمر الله، هو ظن بأن ذلك الجبل الشاهق سيعصمه من الغرق، لم يعصمه من الغرق. وأبوه يتحدث معه فحال بينهما الموج فكان من المغرقين.
خطاب للأمة بصيغة الجمع، هو خطاب للأمة سواء كان على مستوى الأمة الإسلامية يشملها هذا الخطاب، وخطاب لأي مجتمع أن المسألة أيضا لا يُنجي منها إلا اعتصام جماعي؛ لأنه سيأتي في مقام الهداية نحو الحيلولة من أن نغرق في الضلال الذي يصل من جانب أهل الكتاب في أن نصل إلى الكفر الذي يريدون أن يصلوا بنا إليه، سيأتي مهام جماعية فيما بعد ،في نفس الآية، فلم يأتِ الحديث ليقول: (وليعتصم كل واحد منكم بحبل الله)، أنتم في مواجهة، مواجهة مع أمة هي متوحدة، تتوحد ونحن نراها تتوحد عالميا، تتوحد كلها تحت قيادة أمريكا.. ألم تتوحد كلها تحت قيادة أمريكا؟. وتصادق على إعطاء أمريكا مقام القائد للتحالف الدولي العالمي ضد الإرهاب.. أليس هذا الذي حصل؟. هم يتوحدون كدول، ثم تتوحد الدول فيما بينها لمواجهتنا، فهل من المعقول، ومن الممكن أن تنطلق أنت فرديا لتواجه هذه الأمم من أهل الكتاب الأمم الكافرة التي تريد أن تكون كافرا؟. تنطلق لمواجهتها أنت لوحدك، وهذا لوحده، وآخر لوحده؟!. لا.. لا ينقذ من هذا الضلال، لا يخرج الأمة من هذا المأزق، لا تكون أي طائفة في مستوى أن تواجه إلا إذا اعتصم أفرادها بصورة جماعية بحبل الله، فحبل الله هو الذي سينقذهم، وحبل الله هو هدايته للناس، هدايته التي تأتي لعباده المتمثلة في كتابه، وفي رسوله ، فيما يرسخه القرآن من انشداد روحي، وشعوري نحو الله سبحانه وتعالى، وتعلق كبير وانشداد كبير نحو رسوله ، لن تنقذ حتى أنت إذا انطلقت بشكل فردي ،أنني سأعتصم بحبل الله وليس عليّ أي شيء، فتضل أنت رغما عنك، وستُساق إلى الضلال رغما عنك، وستنطلق من فمك عبارات الكفر رغما عنك؛ لأنك أمام واقع يفرض نفسه عليك، وأنت في حالة تقصير لا تمنحك مبررا أمام الله سبحانه وتعالى، فستغرق وستهلك، ولن تستطيع أن تعصم نفسك بمفردك.
{واعتصموا بحبل الله جميعا} يؤكد عبارة {واعتصموا} فيها (واو الجماعة) الذي يوحي باعتصام الجميع ،ثم{جميعا} تأكيد من جديد ،{ولا تفرقوا} تأكيد من جديد بالنهي عن التفرق، ثلاث عبارات توحي بأهمية وحدة المسلمين، وحدة أي أمة تتحرك في مواجهة أعداء الله، وحدة تقوم على أساس الاعتصام بحبله، اعتصام جماعي بحبله.
{اعتصموا} (واو الجماعة) يفيد اعتصام جماعي {بحبل الله جميعا ولا تفرقوا} أليست هذه ثلاث عبارات؟. هذا التأكيد من قبل الله سبحانه وتعالى يوحي بل يدل بما لا غبار عليه أن هذه القضية لا بد منها لأي أمة ليتحقق لها الاعتصام بحبل الله؛ فتكون في مستوى أن يسود فيها دين الله، في مستوى أن تواجه أعداء الله، لابد أن تكون متوحدة. ونحن نمس آثار التفرق في حياتنا، كيف تضيع كثير من قيم الدين في حياتنا ،ليس شيء من أسباب ضياعها إلا تفرقنا، تسود قيم فاسدة، يسود ضلال، يسود ظلم، تحدث ظواهر كثيرة من الفساد والظلم، وليس هناك سبب صريح في سيادتها في أوساط المجتمع إلا تفرقنا، أليس هذا واردا وحاصلا؟.
متى ما تفرقت قرية واحدة أمكن أن يظهر فيها فساد، وينتشر حتى يصل كل بيت فيها، توحد الكلمة لا بد منه في ميدان مواجهة أعداء الله، لابد منه في تطبيق دين الله في المجتمع، لابد منه في أن تبرز أنت كفرد ملتزما بدين الله، متى ما حصلت فرقة في الأمة ما الذي سيحصل؟. ستكون النتيجة أنه هذا فاسد، وهذا مقصر، الجميع عند الله ماذا؟. يستوجبون غضبه، الجميع عند الله عاصين. لا نتصور أن يكون مجتمعاً متفرقاً يمكن أن يكون متقي لله كامل التقوى، لا يحصل هذا. أنت أقل أحوالك إذا لم تكن أنت فاسد في حد ذاتك فأنت عنصر مساعد على الفساد. أن ينتشر في مجتمعك لماذا؟. لسكوتي، لتقصيري، لإهمالي، لإنزوائي بمفردي.
ولأهمية الموضوع كلنا نقول: (لو أن كلمتنا واحدة ما حصل كذا وكذا، لو كلمتنا واحدة ما انتشر الفساد في المنطقة الفلانية، لو كلمتنا واحدة لما كان مدرس أو مدير يلعب كيفما يشاء). الناس يعرفون هذا، الناس يقولون هذا: (لو أن الكلمة واحدة). لكن كلمة من؟! الناس يقرون بأنه تقصيرهم هم، وهم الذين لم ينطلق من جانبهم هذا العمل التخريبي، وهذا العمل الفاسد، يقرون بأن إهمالهم هو مما ساعد على انتشار الفساد، وظهور الفساد، وظهور الظلم، وغياب مبادئ الإسلام.
في الأخير لا أحد يستطيع أن يحكم لنفسه في مجتمع متفرق أنه ملتزم بدين الله؛ لأن أقل ما أنت عليه هو أنك مقصر، هو أنك لا تأمر بمعروف، لا تنهى عن منكر، لا تتعاون مع أخ على بر ولا تقوى، أنك منزوي على نفسك إذا فأنت عامل مساعد على ظهور الفساد، وانتشار الفساد.
الاعتصام الجماعي بحبل الله لابد منه حتى بالنسبة لكل فرد في أن يصح أن يقال: بأنه ملتزم بدين الله، أنه متقي لله، أنه مطيع لله.
ولا ينطلق الواحد من منطلق آخر. اذكر أيام زمان أحد الكبار قلنا له: الناس يحاولون أن يعملوا جميعا ،في أن تتوحد الكلمة –وهذا كان في بلد آخر غير بلادنا هذه قبل ربما عشرين سنة- قال: (أما أنا أنا متوحد ،الآخرين يتوحدوا معي، يأتوا الناس يتوحدوا معي).
هذه النظرة غير طبيعية، غير صحيحة أنت تنطلق تتوحد مع الآخرين، حاول أن تعزز في المجتمع كل ما يؤدي به إلى الوحدة في العلاقات، والروابط، والقيم. أنت اعمل في هذا الميدان، أنت تحرك في هذا الميدان، أن تحقق داخل الأمة الاعتصام بحبل الله جميعا.
البشر كلهم يعرفون أهمية التوحد، لكن تختلف النظرة إلى كيف تكون هذه الوحدة التي ستحقق هذه النتيجة المهمة، القوميون كانوا يهتفون بوحدة عربية، ومن منطلق أننا أمة عربية لغتها واحدة، أمة عربية على صعيد واحد، المنطق الجغرافية لها هي واحدة، بقي هذا الصوت فترة طويلة ولكنه غاب ولم يكن مجديا، وحدة قومية، ووحدة عربية، كقوم كعرب، ليس على أساس من الدين بل على أساس من العروبة أننا عرب، ولا أدري ماذا يعني أننا عرب؟.
تنطلق أيضا هتافات وحدة (أن ننطلق على نهج السلف الصالح). الذي سموهم السلف الصالح هم من لعب بالأمة هذه، هم من أسس ظلم الأمة، وفرق الأمة؛ لأن أبرز شخصية تلوح في ذهن من يقول السلف الصالح يعني أبو بكر وعمر وعثمان ومعاوية وعائشة وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة وهذه النوعية هم السلف الصالح هذه أيضا فاشلة.
نتوحد على أساس -وهي أرقى ما يطرح في الساحة- على أساس (أن يرجع الناس إلى كتاب الله وسنة رسوله ) لكن من المنظار المحدد لديهم، ووفق القواعد المحددة لديهم، ومن المنافذ التي عن طريقها ،وقد رسموها أن تمر من خلالها لتكون متمسك بالكتاب والسنة.
أو أن ندعوا إلى الوحدة وكل مسلم يدعو إلى الوحدة -حتى وحدة دينية- لكن ونحن في مناهجنا، في ثقافتنا نعزز حالة التفرق في أوساطنا، فيطلع هذا الشخص الذي يقرأ سنة بعد سنة مع شخص أخر وثالث ورابع يطلعون متفرقين ديناً ،من منطلق أن لهذا حق هو أن ينطلق وفق ما يقتضيه نظره، وعلى ما أداه إليه اجتهاده، ويتعبد بما غلب في ظنه، ثم في الأخير يرى –ديناً- بأنه لا يجوز له أن يقلد أحدا ،لا من الماضين ولا من الحاضرين، فلا يجوز أن يقلد هذا، ولا يقلد هذا، ولا يتبع هذا، ولا يستمسك بهذا. الثقافة التي نطرحها ثقافة في أوساط المسلمين ونحن نتعلم الدين تجعل كل شخص منا يطلع بمفرده ، ثقافة لا تعزز روحية الاعتصام بحبل الله جميعا.
حبل الله هو هداه، هداه هو دينه، دينه هو خط واحد وحبل واحد. أن يفرق دينه بشكل مواقف وأحكام تكون النتيجة حبال متعددة تأتي النتيجة في الأخير أنت تمسك من عندك بحبل وأنا أمسك من عندي بحبل.. نكون في الواقع غير متمسكين بحبل الله إلا طرف واحد ،فقط طرف واحد هو مستمسك بحبل الله، والآخرين يمسكون حبالاً وهمية ليست حبال الله ؛ولهذا يروها لم تنزعهم من هوة الضلال والكفر والذلة.
إما أن نهتف بها ونحن نعمل على طريق الواقع إلى ما يعارضها ويضادها في أهدافها وفي نتيجتها، أو أن نقدمها بشكل ناقص ونحن نتحدث عنها، الله هنا في هذه الآيات الكريمة حدد بوضوح بيِّن لا غبار عليه كيف هي الوحدة المجدية، كيف هي الوحدة التي تعطي ثمرتها، التي تنطلق فيها أمة، ينطلق فيها مجتمع على أساس من الاعتصام الجماعي بحبل واحد، أي منهج واحد، موقف واحد، خطة واحدة، عَلَم واحد، قيادة واحدة.
ليس هناك أدق تعبير في فردية الشيء من كلمة(حبل) حبل واحد. لو قال مثلا: (واعتصموا بشجرة الله) قد نتصور بأنه كل واحد يمسك بغصن هذا يمسك بغصن، وهذا بغصن، وهذا بعرق منها.. حبل واحد لا يوجد أدق من هذه العبارة في أن تعطينا فهم أن الطريق هي واحدة فقط، وقناة واحدة فقط، ومنهج واحد فقط، منهج واحد يُقدم في ساحة العمل، منهج واحد يستطيع أن تكون ثمرته واحدة يربي أشخاص على قلب رجل واحد.
انظر إلى مدارسنا نحن الزيدية ماذا تقرأ فيها؟. تقرأ فيها ما يجعلك من أول ما يتفتح ذهنك لفهم المسائل تنطلق لوحدك، ويصبح هذا هو واجبك، ويصبح هذا هو العلم، فتنطلق لوحدك، وزميلك ينطلق لوحده، أصبحت تدين بشيء، وهو يدين بشيء، أصبحت تتعصب لشيء، وهو يتعصب لشيء آخر ضده.
توحي الآية بأنه يجب على المسلمين، أو يجب على المجتمع خاصة من هو محمل مسئولية كبيرة أمام الله أن ينطلق في الاعتصام بحبل الله ،وفي نفس الوقت هي حالة تستدعي المحافظة عليها أثناء العمل للوصول إليها ،ثم بعد الوصول إليها سينهى عن التفرق، التفرق في الطريق، والتفرق بعد الوصول إلى تحقيق هذه الحالة، حالة الوحدة الاعتصام بحبل الله جميعا {ولا تفرقوا} و(جميعا) توحي لكل فرد بأنه مسئول هو ،ولا يقل (أولئك فيهم الكفاية لأني مشغول) ،ألم تحصل هذه؟. عندما يقول: {جميعا} توحي لكل فرد بأنه مسئول هو أن يتحرك من جانبه ليكون ضمن هذه الجماعة ،لا يقل : (فيهم الكفاية ،وهم قد أصبحوا كثيراً) ، يجب َأن تلغى مشاعر أن الآخرين يمكن أن يكونوا بديلاً عنك ،عندما يقول {جميعاً} أليس يخاطب كل فردٍ منا أن ينظم نحو هذا المجموع ،عندما تقول: (فيهم الكفاية) سيقول الآخر مثلك والثالث مثلك ، يصبح في الأخير أن الجميع هؤلاء لا يوجدوا
ما الذي يصنع هذه؟. يصنعها حسن تعامل، ويصنعها ثقافة واحدة، ويصنعها شعور واحد، ويصنعها اهتمام واحد.
غير صحيح أن بالإمكان أن يتوحد المسلمون توحداً على هذا النحو الذي الآية توحي بأنه لابد منه في ميدان المواجهة مع الآخرين، مع أهل الكتاب لابد منه، وأهل الكتاب -من يتأمل كتاب الله سبحانه وتعالى- يرى بل يصل تقريبا إلى درجة القطع بأن هنا في القرآن ما يوحي بأن الجهة التي ستكون هي من يمثل خطورة على الأمة، وهي الطرف الذي سيصارع الأمة على امتداد تاريخها هم طائفة أهل الكتاب اليهود والنصارى. في مواجهة هؤلاء لابد لمن ينطلق في ميدان مواجهتهم من عباد الله سواء الأمة بكلها، أو مجتمع من المجتمعات لابد أن يتحقق لديهم وحدة على هذا النوع من الاعتصام بحبل الله جميعا، وحدة يحافظون عليها، وحدة تقوم على أساس من الألفة فيما بين أنفسهم، والروابط التي تعزز حالة الإخاء والمودة فيما بينهم.
أنت تقول من هناك: (ممكن كل واحد ينطلق وكل واحد على مذهبه) غير صحيح أن بالإمكان أن تقف هذه المذاهب التي هي فيما بينها يكفر بعضها بعضاً، ويفسق بعضها بعضاً، والتي أفرادها فيما بينهم لا يحملون مشاعر الحب والإخاء والألفة مع الآخرين، ولا يصلون إليها بحكم تباينهم في معتقداتهم، في ثقافتهم ،تباينهم أعلامهم في قدواتهم، تباينهم في نظرتهم إلى الدنيا، في نظرتهم إلى الحياة. لا يمكن حتى أن يصل إلى هذه الدرجة فيما بينهم، إذاً فلا يمكن أن تتحقق الوحدة، فكل شعار أو كل نداء يهتف بوحدة الأمة على ما هي عليه هو نداء وشعار لا جدوى من ورائه، هو يدعو إلى حالة وهمية، إلى حالة لا ثمرة لها، لا تتحقق على صعيد الواقع، وإن تحققت شكليا فلن يكون لها أي جدوى.
لهذا ولأن الآخرين من اليهود والنصارى يعرفون أن تفرقنا كمذاهب هو مما يساعد على ضعفنا حتى ولو بدت أصوات تهتف بوحدتنا كمذاهب، هم يعرفون بأنها ستكون فاشلة، فهم يعززون التفرق المذهبي فيما بيننا، هم وراء دعم الوهابيين، هم وراء دعم طوائف متعددة، هم وراء إحياء التفرق المذهبي.
التفرق المذهبي حاصل في الأمة من قبل لكنهم عرفوا بأنه يخدمهم فليغذوه وليبقى هذا التفرق على ما هو عليه.
قد يقول البعض إذاً مادام أن أعداء الإسلام يخدمهم تفرقنا كمذاهب إذاً فيجب أن نسكت عن بعضنا بعض وأن ننطلق كأمة واحدة، ويرى البعض بأن هذا يمثل حلا لكن الواقع أنه لا يمثل حلا.
إذا كنا نعرف بأن التفرق المذهبي من أساسه هو يخدم أعداء الإسلام إذا فلنلغيها ولنرجع إلى حبل واحد. أليس هذا هو الصحيح؟. أو أن نأتي ونقول: نتقارب أنا وأنت، وأنا وأنت مختلفين في عقائدنا بدءً من الله إلى يوم القيامة، لك أعلام تقتدي بهم، ولي أعلام أقتدي بهم، لك أشياء تهتم بها، ولي أشياء اهتم بها، ليس بيننا ألفة، ليس بيننا تقارب فكيف يمكن أن يقال أن بالإمكان أن يجتمع هؤلاء شكلا ثم هم سيعملون ضد الآخرين. لا. الله تعالى يقول للناس وهم مؤمنون قبل أن يتحولوا إلى مذاهب بأن عليهم وهم أفراد قبل أن يتحولوا إلى مذاهب: أن يعتصموا جميعا جميعا بروح جماعية على هذا النحو الذي تسود داخل نفوسهم حالة المشاعر المتبادلة من الإخاء، والألفة، والحب، والود.
فغير صحيح أن يقول الإنسان: إذاً فلا ينبغي أن نثير القضايا لأن أصحاب المذهب الآخر هم حساسين، وهذا يعزز حالة التفرق. نحن قد تفرقنا من زمان، نحن قد اختلفنا من زمان، وأصبح تفرقنا واختلافنا مما يخدم أعداء الأمة، فما هي المعالجة الصحيحة؟. هي أن نرجع إلى حبل واحد، وإلا فنحن جميعا نُكَذّبُ بكتاب الله، ونتصور بأن الحبل الواحد هو الاجتماع الشكلي. الحبل الواحد هو هدى من الله، هو هدى من الله، لا مجرد أشخاص وتجمع شكلي، حبل الله هو هداه، إذا فهداه يرجع الناس جميعا إلى هدى هو هدى الله وهو هدى واحد. ولن يجدي إطلاقا –فيما اعتقد- أي صوت يقول (أصحاب المذاهب هؤلاء يسكتوا من بعضهم البعض وسيتوحدون جميعاً ضد مدري من).
تجمعت جيوش عربية انطلقت من عدة دول ولم تجد شيئا، وهم فيما بينهم سُنِّيّة، لكن حتى نفس التفرق باعتبارهم أوطان كل شعب وطن مستقل بنفسه عن الآخر كان لهذا التفرق الذي داخل أذهانهم أن هذا له رئيس ورئيسه فلان، وهذا قائده فلان، لدينا قوانين هي كذا وآخر قوانينه كذا، بلادنا حدودها كذا، شكلها كذا، والآخر حدوده كذا.. حالة تفرق من هذا النوع التي هي أقل من التفرق المذهبي أثرت سلباً في تلك الجيوش فلم تكن مجدية، اجتمعت من مصر وسوريا وعدة بلدان، اجتمع المصري مع السوري مع العراقي مع الأردني مع اللبناني لكن كل واحد هو يرى نفسه ليس منصهراً في مشاعره مع الآخر، أنا رئيسي فلان، وأنت رئيسك فلان، بلادي اسمها كذا، بلادك اسمها كذا، بلادي حدودها كذا بلادك حدودها كذا. أليست هذه فرقة؟. انظر كيف أثرت هي داخل من؟. داخل السنيّة أنفسهم.
ففرقة المذاهب هي أشد بَوْناً واتساعا من فرقة الأوطان، وفرقة أسماء الرؤساء والزعماء، وفرقة عناوين البلدان، أنا بلدي اسمه مملكة، وأنت جمهورية، وذلك اسمه سلطنة. أليست فرقة المذاهب أبعد وأشد؟. أين ساحة فرقة المذاهب؟. أين هي؟. أليست هي النفوس؟. ساحة فرقة المذاهب ميدانها هو نفوسنا نحن المسلمين، فما دامت النفوس هذه متفرقة أي هي متفرقة ليست مجتمعة على هدي واحد ،أليس كذلك؟. مذاهب متعددة وكل مذهب لوحده أي هو يسير على هدى لوحده، وهذا على هدى لوحده، وهذا على هدى لوحده. ألم يطلع الهدى متعددا؟. إذاً حبال متعددة داخل أنفسنا، وهذه هي نقطة الخطر، لو أنها حبال متعددة في ساحة خارجية خارج ساحة أنفسنا لكانت أقل ضررا، لكنها حبال متعددة داخل ساحات أنفسنا كمسلمين فهي أشد ضررا في أن تحول بيننا وبين أن نصل إلى حالة يكون اجتماعنا فيها مجديا في مواجهة أعداء الله.
لماذا؟. لأن المطلوب أن يصل أفراد المجتمع الذي يعتصم بحبل واحد ويتوحدوا على هذا الهدي الذي وجههم الله إليه أن تسود داخلهم مشاعر الألفة والمحبة. ولهذا قال: {واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم}. أليس هناك عداوة مذهبية قائمة؟. من الذي يستطيع أن يمسحها؟. من الذي يستطيع أن يجعل القلوب متآلفة؟. إلا متى ما اجتمعت هي على الاعتصام بحبل واحد؛ لهذا جاء في مقدمة التوجيه نحو الوحدة الاعتصام بحبل واحد، والحبل الواحد هو هدى، الهدى هو ثقافة وفكر، أليس كذلك؟. في داخل نفوسنا مشاعر، وثقافة، وفكر، وتوجهات. أليس الهدى هو داخل النفوس؟. الحبل هذا أليس في الواقع داخل النفوس؟. يمتد من يد الله إلى أعماق نفوسنا، فمن الذي يستطيع أن يصنع حالة تمسح العداء وتخلق حالة من الألفة بين أفراد المذاهب المتعددة المتعادية فيما بينهم دينا؟.
ماذا يعني دينا؟. أنا أدين الله بأنك خبيث رافضي لأنك لا تتولى أبا بكر وعمر ..أليس هكذا يحصل؟. أليسوا يقولون عنا نحن الشيعة بأننا مشركون، وأننا روافض، أننا من أهل النار؟. وما هي جريمتنا؟. أننا لا نتولى أبا بكر وعمر، وأننا نحب أهل البيت عليهم السلام. إذاً أليسوا هم يعيشون حالة العداء لنا إلى درجة أن من يُقتل منا في مواجهة إسرائيل لا تحدث عنه ، لا يستحق أن يتحدث عنه، ولا أن يلتفت إليه، فليقتل عباس الموسوي.. أليس شيعيا مجاهدا ،قائد حزب الله في لبنان؟. يقتل في عملية رهيبة، عملية مؤسفة، وتقتل معه زوجته، وابنه، ثم لا يتحدث الآخرون عنه؛ لأنه شيعي قتله يهودي، يهودي يقتل شيعي، شيعي يقتل يهودي كلها واحد.
من يستطيع أن يمسح حالة العداء في نفوس السنية؟. نحن شخصياً لا نحمل حالة من العداء نحوهم كما يحملون هم حالة العداء نحونا.
ٍ يقوم الإمام الخميني تصدر أصوات من جانبهم يكفرونه رأسا (وجاء دور المجوس) هكذا ،يأتي شخص من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يدعو الأمة إلى كيف تواجه أمريكا وإسرائيل، إلى التحرر من هيمنة دول الاستكبار من اليهود والنصارى، رجل مؤمن، تقي، رجل مجاهد، شجاع، يعرف كيف يضع الخطط الحكيمة، ينطلق انطلاقة قرآنية، ثم تأتي أصوات، وتطبع كتب من داخل بلاد السنية (وجاء دور المجوس). الخميني يعني أكبر مجوسي، وبدأت حركة المجوس.. ألم يقولوا هكذا ؟.
إذاً فنحن عندما نقول: يجب أن يكون منطقنا ليناً، ونحن جميعا مسلمين، والمذهب على ما هم عليه، وأنا على ما أنا عليه، وأنت على ما أنت عليه، ونتوحد ،ألسنا أول من يكذب الله؟. الذي أمرنا أن نعتصم بحبل واحد، وقال: إنه لا سبيل إلا هذا الشيء أن نعتصم بحبل واحد، نحن قدمنا فكرة أخرى وقلنا: بأنها هي المجدية أن بالإمكان أن تكون على ما أنت عليه، وأنا على ما أنا عليه، مذاهب متعددة، وممكن أن نتوحد، وأن نعمل الشيء الكثير في الآخرين.. أليس هكذا قُدم؟. أي نحن قلنا: لا يا الله ليس صحيحا أن من الضروري أن نعتصم بحبل واحد.
لو كان الحبل هذا هو حبل مادي نازل من السماء إلى الأرض، أو كان هذا الحبل شيء غير هدى الله لكان بالإمكان أن نقول: يمكن أن يتعدد، لكن هدى الله ما هو؟. هدى الله بما فيه الأحكام الشرعية أليس من هدى الله؟. العبادات بكلها إنما هي آلات لتصل بالإنسان إلى هدى الله. فهدى الله هو شيء واحد. فمن جاء وقال: ممكن كذا، وممكن كذا، ثم نتوحد، يتصور بأنها ستكون وحدة مجدية، ستكون وحدة شكلية فإنه أول من يكذب الله عندما يقول الله: لا.. لن يحصل شيئا مجديا إلا اعتصاما بحبل واحد هو حبلي، لأنه متى ظهرت أشياء أخرى فليست من قِبَل الله، من قِبَل الله شيء واحد فقط سماه حبله.
تحصل هذه الأصوات داخلنا نحن الزيدية أليس هذا الذي يحصل؟.نقول : ليكن منطقنا ليناً مع الآخرين، تتسع صدورنا للآخرين، وألفة فيما بين المسلمين، وانفتاح على الآخرين. أليس هذا الذي يحصل؟.
ضع لي حلا للمشكلة وأنا أول من يستجيب لك، قدم لي هذا الطرح كشيء مجدي فعلا وفكني عن هذه الآيات التي تقطع بأنه لا مجال إلا على هذا النحو وأنا سأمشي وراءك. لن يجد سبيلا إلى هذا، إلا مجرد البقاء في الإشكالية، وفي المستنقع الذي غرقت الأمة فيه.
{واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء} أي أن العداوة نفسها تجعل الأمة ساحة قابلة لماذا؟.ساحة قابلة لأن تضرب من قبل أعدائها، ساحة قابلة لأن يسود فيها الضلال والكفر المُصَدّر من قبل أعدائها. العداوة هي التي تهدم الأمة، فعندما يأمرنا أن نعتصم بحبل واحد هو أقرب ما يمكن أن نكون قادرين على مسح حالة العداوة فيما بيننا، ليس هناك أقوى من الاجتماع على منهج واحد في التأليف فيما بين نفوس الناس ،إذا ما كان لهذا المنهج أهميته الكبرى في نفوسهم، أي أن حالة العداء أن تُمسح، والأسباب التي تؤدي إلى العداء أن يقضى عليها، بما فيها المذاهب المتعددة التي تصنع عداوة دينية، فيأتي طرف مبطل على باطل، على ضلال، ويدين لله بعداوتك أنت، وأنت صاحب الحق، وأنت من أنت على الحق، وهو يحمل الاسم الذي تحمله (مسلم)، ويدعي أنه أرقى منك في الاسم الذي تحمله (مؤمن)، فأن يكون هناك حالة من العداوة، عداوة تخلقها مذاهب، عداوة تخلقها اختلافات شخصية فيما بين الناس يجب أن يعمل الناس على أن تنتهي هذه الحالة، لابد من ألفة القلوب {فألف بين قلوبكم} وعدها نعمة من نعمه الكبرى؛ لأن الألفة فيما بين النفوس أن يغيب من النفوس حالة العداوة والبغضاء، هي شرط أساسي في تحقيق وحدة معتصمة بحبل الله، يكون لها أثرها الكبير في الحفاظ على الدين، وفي ميدان المواجهة مع أعداء الله، وإلا ما قيمة أن يذكر هنا بأنها نعمة من نعمه أنهم كانوا أعداء فألف بين قلوبهم، أي أن الألفة بين القلوب لابد منها في تحقيق وحدة يكون لها أثرها.
متى تحصل ألفة بين قلوب منهم مذاهب متعددة؟. هل يحصل هذا؟. هل السني، هل الوهابي قلبه متآلف معي؟. لا، هو يدين الله ببغضي، وأنه متى قتلني يهودي ربما يفرح أن اليهودي قتلني، سواء قتلت يهودي أو اليهودي قتلني، المسألة عنده واحدة.
هل سموا شارعاً باسم (عباس الموسوي) أمين عام حزب الله وهو عالم، مجاهد، شجاع، إنسان حكيم، يملك قدرة هائلة من التدبير، والتخطيط في مواجهة إسرائيل، يهتدي بالقرآن، قُتل في حادث مأساوي تضربه الطائرة الإسرائيلية بصاروخ، تضرب سيارته وهو فيها هو وزوجته وطفل صغير، هل سموا شارعاً باسمه؟. أو سموا مصنع تحلية مياه باسمه، أو سموا مطعما، أو سموا قاعة محاضرات، أو سموا أي شيء باسمه؟. لا ، ليست مشكلة، لكن أن يقتل طفل آخر (محمد الدرة) هذا طفل قُتل، قُتل أطفال كثيرون، يجتمع مجلس الوزراء في اليمن، ويقرر أن يسمي الشارع من (مذبح) إلى ملتقى طريق عمران صعدة (شارع الشهيد محمد الدرة).
كنت أتوقع أن (محمد الدرة) هذا قبل أن أعرف من خلال المشهد التلفزيوني أنه كان بطلا، كان شجاعا، عمل أعمالا رهيبة بإسرائيل لهذا أصبح صوته، وأصبح اسمه هكذا، وسميت شوارع باسمه، وسميت مقاهي، وسميت حتى معامل تحلية مياه، ومطاعم، وبنشر، وأشياء من هذه، أشاهد المشهد في التلفزيون فإذا هو طفل قتل. لاحظوا كيف؟. هذا هو نفسه من التضليل اليهودي أن يقتل (يحي عياش)، يحي عياش هو مجاهد، وبطل، وعمل أعمالا رهيبة ضد إسرائيل، قتل، هل سمي في اليمن، أو في مصر، أو في السعودية، أو في أي بلد مسلم سمي شارع الشهيد يحي عياش؟. لا ، هل سُمي شارع الشهيد عباس الموسوي؟. قُتل ابن حسن نصر الله في الجهاد هل سمي شارع باسمه؟. هل سمي شارع باسم ابن عباس الموسوي؟. إذا كانت المسألة مسألة عاطفية مع أطفال، هل سميت شوارع أخرى بأسماء أبناء مجاهدين، أو مجاهدين ضد إسرائيل؟. لا. لماذا؟.
هذا من العمل الذي يخدم إسرائيل أن يُقتل شهيد بطل ثم لا يخلد ذكره؛ لأن تخليد ذكره في أوساط المسلمين يعني استلهام روح القتال لإسرائيل، والعداوة لإسرائيل، والمواجهة مع إسرائيل، لكن يُقتل طفل فلتعمم الدنيا باسمه ما الذي سيحصل؟. تفاعل عاطفي معه فقط ( الله يلعنهم) ،أليس هذا الذي سيحصل؟. اليهود يعرفون، وأولياؤهم أيضا يعرفون أنهم أن يعمموا اسم الشهيد عباس الموسوي، أو الشهيد يحي عياش فتسمى شوارع بأسمائهم أن هذا يزعج إسرائيل، لماذا يزعج إسرائيل وقد قتل هذا الرجل؟. لأن هذا يبعث في الأمة، في الشباب مشاعر البطولة، والتضحية في مواجهة إسرائيل، فهكذا يصنع تخليد الشهداء.
فلهذا يقولون: ذكرى استشهاد الإمام علي بدعة بدعة، يريدون أن تموت الأمة باسم الدين، وأن تذبح باسم الإسلام، لكن محمد الدرة وأطفال آخرين يؤلم قتلهم، لكن هذا له أثر آخر لا يضر إسرائيل، غاية ما يصدر مني أن أقول: (الله يلعنهم، الله ينتقم منهم يقتلون حتى الأطفال). لكن شهيد من خلال أن تعرف شارع سمي باسمه ستعرف ماذا كان يعمل، تعرف كيف كان يخطط، سيظهر من أوساط المسلمين من يحاول أن يقلده، ويتشبه بروحيته، أليسوا يخدمون إسرائيل بهذا؟.
أن يغيب أسماء الشهداء، أن يغيب أسماء المقاتلين الأبطال ضد إسرائيل من شيعة وسنة كيحيى عياش، وعباس الموسوي، ثم يشاد بأسماء أطفالا آخرين على أساس تكون المسألة غير حساسة بالنسبة للصديقة إسرائيل؛ من أجل أن لا نجرح مشاعر إسرائيل، من أجل أن لا نسيء باسم ذلك الرجل العظيم الذي قد يكون فيه إساءة إلى مشاعر إسرائيل.
هكذا يُصنع الرموز بشكل لا يضر بهم، يشدونا إلى طفل يجعلوا رمزنا طفلا محمد الدرة، ثم نحن ننشد ،نحن في أناشيدنا هنا في المدرسة، وفي مدارس أخرى محمد الدرة، محمد الدرة.
أول مرة اسمع أنشودة لم تعجبني إطلاقا، كان الذي يجب أن ننشده هو أن ننشد في الأبطال الذين سقطوا في ساحة المواجهة، هذه أعلام لا تترك أثراً في نفسك، لا تترك أثراً يجعلك تستلهم منهم روح الجهاد.
طفل قتل وهو مستلقي وشخص عنده آخر مستلقي عند فرن أو شيء آخر، مشهد عاطفي فقط، أنت بحاجة ماسة من أجل حتى أن يكون لهذا المشهد أثره أنت بحاجة أن تنشد إلى أعلام من المجاهدين، والمقاتلين، فتصبح المسألة إيجابية، عباس الموسوي، يحي عياش يكون أسماؤهم مترددة في أذهاننا، ثم أرى ماذا عملوا، هنا سيكون لي وأنا أرى طفلا مثل هذا، أو امرأة، أو أي شيء آخر يثيرني، يصبح لدي استلهام روح الجهاد، والاستبسال، والاستشهاد من ذلك البطل الذي ترسخ في ذهني، وتكرر اسمه أمام عيني، وأنا في الشارع الفلاني، أمام القهوة الفلانية، أمام القاعة الفلانية ، أمام البنشر الفلاني.
أليس هذا هو ما يجعل للأشياء قيمة؟. لكن مشاهد عاطفية بحت لا يوضع هناك إعلام يرافقها تخلق في نفوس الناس استلهام مشاعر البطولة، والتضحية تصبح هذه عاطفية بحتة، والجانب العاطفي لوحده يصبح في الأخير مظهراً مألوفاً، ثم في الأخير لا يثير شيئاً، ثم في الأخير لا يضر إسرائيل بشيء.
{وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها} وهؤلاء يريدون أن يعيدوكم فيها.. أليس هذا ما تعني الآية؟. نحن الآن مع آية تقول من البداية: {يردوكم بعد إيمانكم كافرين} الله يقول: هو استنقذكم من النار بكتابه، برسوله، بهدايته. ألا يعني هذا أن هذه نعمة عليكم كبرى أن استنقذكم من النار؛ فاذكروا نعمة الله عليكم، لتكون المسألة لها قيمتها في نفوسكم؛ لأن هناك من يعملون جادين على أن يعيدوكم في حفرة النار من جديد.
{وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها} وهؤلاء سيردونكم إلى هذه الحفرة، وهاهو من جديد الله ينقذنا منها، ويوجهنا إلى ما ينقذنا منها، أليس هذا يحصل؟. ومن جديد يوجهنا إلى ما ينقذنا منها، مظهر من مظاهر رحمته العظيمة، بعد أن يردونا بعد إيماننا كافرين يعني أن نكون من أهل النار، أليس كذلك؟. إذاً قد أنقذنا أول مرة فانتبهوا، أليس هكذا؟.
هؤلاء يعملون على أن يردوكم في الحفرة، ثم ها أنا الآن اعمل على إنقاذكم من النار، كأنه يقول لنا هكذا، وهو يوجهنا إلى أن نتقيه حق تقاته، ونعتصم بحبله، وأن نكون هكذا في مستوى مواجهة هؤلاء الذين يريدون أن يردونا إلى حفرة جهنم من جديد {وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها} إذاً استنقذوا أنفسكم من جديد بمواجهة هؤلاء بما أقدمه لكم من هدايتي، هكذا معني قول الله سبحانه وتعالى.
ثم يقول أن المسألة هي أشياء مؤكدة، القضية آيات ومعنى آيات أعلام على حقائق واضحة، حقائق لابد منها أن تقع في واقع الحياة، إذا سمحتم لها أن تقع، حقائق من قِبَله يتحدث عنها {كذلك يبين الله} بعبارات لا أوضح منها بيان {آياته} أي حقائقه، هذه الآيات التي هي ترشد إلى حقائق أنكم إذا لم تكونوا على هذا النحو ستكونون كافرين.. أليست هذه حقيقة؟. أنتم إذا لم تكونوا على هذا النحو ستوقعون أنفسكم من جديد في حفرة جهنم، هذه حقيقية.
{كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون} إلى ماذا؟. تهتدون إلى ما ينقذكم من جهنم أن تعودوا فيها من جديد {وكنتم على شفا حفرة} كدتم أن تقعوا فيها. إذاً هؤلاء هم يدفعونكم إلى أن تكونوا كافرين من أجل ماذا؟. يوقعونكم في جهنم.
والله سبحانه وتعالى يريد أن نهتدي بهداه ولهذا قال: {لعلكم تهتدون} تهتدون إلى ما يريد أن تكونوا عليه كأمة تسير في طريق الجنة، في طريق رضوان الله، تسير على طريق رضوان الله، في طريق العزة، في طريق الرفعة والمكانة، طريق العلو، والسمو الذي أراد الله سبحانه وتعالى أن يكون لعباده المؤمنين.
{لعلكم} لأجل أن تهتدوا إذا كنتم تريدون أن تهتدوا. هل هناك أوضح من هذه الآيات تبين لنا كيف أن الله سبحانه وتعالى يرعانا، كيف أنه يرحمنا، كيف أنه يهمه أمرنا، كيف أنه حريص على هدايتنا، -إن صحت هذه العبارات لكن لا نملك إلا هي ،كلمة (حريص) ونحوها- أنه رحيم بنا أقصى ما يمكن أن يتصور الإنسان من معاني الرحمة.
صدق الله العظيم.
الله يوفقنا جميعا لما فيه رضاه، وأن يهدينا بهديه، ويجمع كلمتنا على الاعتصام بحبله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تم الصف ولإخراج
بمركز الشهيد للكمبيوتر
تم الصف ولإخراج
بمركز الشهيد للكمبيوتر
تعليق