إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

الدعاء والعمل

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الدعاء والعمل

    الدعاء والعمل:
    هذا الدعاء والإقبال لا يكمل إلا بالعمل، فلا العمل يغني عن الدعاء، ولا الدعاء يغني عن العمل، كما بيّن الإمام الصادق: «ثلاثة ترّد عليهم دعتهم: رجل جلس في بيته وقال: يارب ارزقني، فيقال له: ألم أجعل لك السبيل إلى طلب الرزق...»( ).
    إذن لابد أن نفهم أنّ الله سنّ لعباده سنناً في الكون في شؤونهم وحاجاتهم، وليس الدعاء بديلاً عن هذه السنن، ولا يغني سلوك هذه السنن الإنسان عن الدعاء، فلابد من العمل ولابد من الدعاء، كما عن المصطفى في وصيته لأبي ذر: «يا أباذر مثل الذي يدعو بغير عمل كمثل الذي يرمي بغير وتر»( ).
    كما لا يستجاب دعاء المريض إذا أهمل الطبيب والدواء؛ لأن هذا الإنسان أعرض عن سنن الله تعالى، إذن نفهم أن الدعاء مرتبط بالعمل وبالعكس فليس تمكين الله الإنسان من الأمور الطبيعية للرزق يغنيه عن الدعاء، ألم يعلم أنّ الله هو القابض والباسط والمعطي، ولو توفرت شروط السنن فله الرحمة على عباده والفضل.
    ومن هذا المنطلق نقول: إن على الإنسان أن يدعو الله تعالى في كل شيء، ويسأله كل شيء في صغائر اُموره وكبائره.

  • #2
    بسم الله الرحمن الرحيم
    اجركم الله اخونا الكريم
    وانار الله عليكم واثابكم بحسن العمل
    وتقبل دعائكم باذنه تبارك وتعالى
    موضوع جميل
    لكم منا كل الشكر
    لا تنسونا من الدعاء
    وبانتظار مزيدكم
    حنين

    تعليق


    • #3
      معنى الدعاء

      معنى الدعاء
      إن قوله تعالى : ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ) البقرة : 186 .

      أحسن بيان لما اشتمل عليه من المضمون ، وأرقُّ أسلوب وأجمله ، فقد وضع أساسه على التكلم وحده دون الغيبة ونحوها ، وفيه دلالة على كمال العناية بالأمر .

      وقال تعالى : ( عِبَادِي ) ، ولم يقل : الناس وما أشبهه ، ليزيد في هذه العناية ، ثم حذف الواسطة في الجواب ، حيث قال : ( قَرِيبٌ أُجِيبُ ) ولم يقل : فقل : إنه قريب ، ثم التأكيد بـ( إِنَّ ) .

      ثم الإتيان بالصفة دون الفعل الدال على القرب ليدل على ثبوت القرب ودوامه ، ثم الدلالة على تجدد الإجابة واستمرارها ، حيث أتى بالفعل المضارع الدال عليهما .

      ثم تقييده الجواب ، أي قوله : ( أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ ) بقوله : ( إِذَا دَعَانِ ) ، وهذا القيد لا يزيد على قوله : ( دَعْوَةَ الدَّاعِ ) المقيد به شيئاً بل هو عينه ، وفيه دلالة على أن دعوة الداع مُجابة من غير شرط وقيد ، كقوله تعالى : ( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) غافر : 60 .

      فهذه سبع نكات في الآية تنبئ بالاهتمام في أمر استجابة الدعاء والعناية بها ، مع كون الآية قد كرر فيها - على إيجازها - ضمير المتكلم سبع مرات ، وهي الآية الوحيدة في القرآن على هذا الوصف .

      والدعاء والدعوة توجيه نظر المدعو نحو الداعي ، والسؤال جلب فائدة أو در من المسؤول يرفع به حاجة السائل بعد توجيه نظره ، فالسؤال بمنزلة الغاية من الدعاء ، وهو المعنى الجامع لجميع موارد السؤال كالسؤال لرفع الجهل والسؤال بمعنى الحساب والسؤال بمعنى الاستدرار وغيره .

      ثم إن العبودية كما مر سابقاً هي المملوكية ، ولا كل مملوكية بل مملوكية الإنسان ، فالعبد هو من الإنسان أو كل ذي عقل وشعور ، كما في الملك المنسوب إليه تعالى .

      وملكه تعالى يغاير ملك غيره مغايرة الجد مع الدعوى ، والحقيقة مع المجاز ، فإنه تعالى يملك عباده ملكاً مطلقاً ، محيطاً بهم ، لا يستقلون دونه في أنفسهم ولا ما يتبع أنفسهم من الصفات والأفعال ، وساير ما ينسب إليهم من الأزواج والأولاد والمال والجاه وغيرها .

      فكل ما يملكونه من جهة إضافته إليهم بنحو من الأنحاء كما في قولنا : نفسه ، وبدنه ، وسمعه ، وبصره ، وفعله ، وأثره ، وهي أقسام الملك بالطبع والحقيقة .

      وقولنا : زوجه وماله وجاهه وحقه - وهي أقسام الملك بالوضع والاعتبار - إنما يملكونه بإذنه تعالى ، في استقرار النسبة بينهم وبين ما يملكون .

      فالله عزَّ اسمه هو الذي أضاف نفوسهم وأعيانهم إليهم ، ولو لم يشاء لم يضف ، فلم يكونوا من رأس ، وهو الذي جعل لهم السمع والأبصار والأفئدة ، وهو الذي خلق كل شيء وقدَّره تقديراً .

      فهو سبحانه الحائل بين الشيء ونفسه ، وهو الحائل بين الشيء وبين كل ما يقارنه من ولد ، أو زوج ، أو صديق ، أو مال ، أو جاه ، أو حق ، فهو أقرب إلى خلقه من كل شيء مفروض ، فهو سبحانه قريب على الإطلاق كما قال تعالى : ( وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لاَّ تُبْصِرُونَ ) الواقعة : 85 .

      وقال تعالى : ( وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ) ق : 16 .

      وقال تعالى : ( أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ ) الأنفال : 24 ، والقلب هو النفس المدركة .

      وبالجملة فملكه سبحانه لعباده ملكاً حقيقياً ، وكونهم عباداً له هو الموجب لكونه تعالى قريباً منهم على الإطلاق ، وأقرب إليهم من كل شيء عند القياس .

      وهذا الملك الموجب لجواز كل تصرف شاء كيفما شاء من غير دافع ولا مانع يقضي أن لله سبحانه أن يجيب أي دعاء دعى به أحد من خلقه ، ويرفع بالإعطاء والتصرف حاجته التي سأله فيها ، فإن الملك عام ، والسلطان والإحاطة واقعتان على جميع التقادير ، من غير تقيد بتقدير دون تقدير ، لا كما يقوله اليهود : إن الله لما خلق الأشياء وقدَّر التقادير تمَّ الأمر ، وخرج زمام التصرف الجديد من يده بما حتمه من القضاء .

      فلا نسخ ولا بداء ولا استجابة لدعاء لأن الأمر مفروغ عنه ، ولا كما يقوله جماعة من هذه الأمة : أن لا صنع لله في أفعال عباده وهم القدرية الذين سمَّاهم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) مجوس هذه الأمة ، فيما رواه الفريقان من قوله ( صلى الله عليه وآله ) : ( القدريَّة مَجُوسُ هَذِهِ الأمَّةِ ) .

      بل الملك لله سبحانه على الإطلاق ، ولا يملك شيء شيئاً إلا بتمليكٍ منه سبحانه وإذن ، فما شاء وملك وأذِن في وقوعه يقع ، وما لم يشأ ولم يملك ولم يأذن فيه لا يقع ، وإن بُذِل في طريق وقوعه كل جهد وعناية .

      فقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ ) فاطر - 15 .

      فقد تبين أن قوله تعالى : ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ) البقرة : 186 ، كما يشتمل على الحكم - أي إجابة الدعاء - كذلك يشتمل على عِلَلِهِ .

      فكون الداعين عباداً لله تعالى هو الموجب لقُربِه منهم ، وقربه منهم هو الموجب لإجابته المطلقة لدعائهم ، وإطلاق الإجابة يستلزم إطلاق الدعاء ، فكل دعاء دعي به فإنه مجيبه .

      إلا أن هاهنا أمرا وهو أنه تعالى قيد قوله : ( أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ) ، وهذا القيد غير الزائد على نفس المقيد بشيء يدل على اشتراط الحقيقة دون التجوز والشبه .

      فإن قولنا : اِصغِ إلى قول الناصح إذا نصحك ، أو أكرم العالم إذا كان عالماً ، يدل على لزوم اتِّصافه بما يقتضيه حقيقة ، فالناصح إذا قصد النصح بقوله فهو الذي يجب الإصغاء إلى قوله ، والعالم إذا تحقَّق بعلمه وعمل بما علم كان هو الذي يجب إكرامه .

      فقوله تعالى : ( إِذَا دَعَانِ ) ، يدل على أن وعد الإجابة المطلقة إنما هو إذا كان الداعي داعياً بحسب الحقيقة ، مريداً بحسب العلم الفطري والغريزي ، مواطئاً لسانه قلبه .

      فإن حقيقة الدعاء والسؤال هو الذي يحمله القلب ويدعو به لسان الفطرة ، دون ما يأتي به اللِّسان الذي يدور كيفما أدير ، صدقاً أو كذباً ، جِدّاً أو هزلاً ، حقيقةً أو مجازاً ، ولذلك ترى أنه تعالى عَدَّ ما لا عمل للسان فيه سؤالاً .

      قال تعالى : ( وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ) إبراهيم : 34 .

      فهم فيما لا يحصونها من النعم داعون سائلون ولم يسألوها بلسانهم الظاهر ، بل بلسان فقرهم واستحقاقهم لساناً فطريّاً وجودياً .

      وقال تعالى : ( يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ) الرحمن : 29 ، ودلالته على ما ذكرنا أظهر وأوضح .

      فالسؤال الفطري من الله سبحانه لا يتخطى الإجابة ، فما لا يستجاب من الدعاء ولا يصادف الإجابة فقدْ فقدَ أحد أمرين ، وهما اللذان ذكرهما بقوله : ( دَعْوَةَ الْدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ) .

      فإما أن يكون لم يتحقق هناك دعاء ، وإنما التبس الأمر على الداعي التباساً كان يدعو الإنسان فيسأل ما لا يكون وهو جاهل بذلك ، أو ما لا يريده لو انكشف عليه حقيقة الأمر .

      مثل أن يدعو ويسأل شفاء المريض لا إحياء الميت ، ولو كان استمكنه ودعا بحياته كما كان يسأله الأنبياء لأعيدت حياته ، ولكنه على يأس من ذلك ، أو يسأل ما لو علم بحقيقته لم يسأله فلا يُستجاب له فيه .

      وإما أن السؤال متحقق لكن لا من الله وحده كمن يسأل الله حاجة من حوائجه وقلبه متعلق بالأسباب العادية أو بأمور وهمية توهمها كافية في أمره أو مؤثرة في شأنه ، فلم يخلص الدعاء لله سبحانه ، فلم يسأل الله بالحقيقة ، فإن الله الذي يجيب الدعوات هو الذي لا شريك له في أمره ، لا من يعمل بشركة الأسباب والأوهام ، فهاتان الطائفتان من الدعاة السائلين لم يخلصوا الدعاء بالقلب وإن أخلصوه بلسانهم .

      فهذا ملخص القول في الدعاء على ما تفيده الآية ، وبه يظهر معاني سائر الآيات النازلة في هذا الباب كقوله تعالى : ( قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ ) الفرقان : 77 .

      وقوله تعالى : ( قُلْ أَرَأَيْتُكُم إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاء وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ ) الأنعام : 40 - 41 .

      وقوله تعالى : ( قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَـذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * قُلِ اللّهُ يُنَجِّيكُم مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ ) الأنعام : 63 - 64 .

      فالآيات دالة على أن للإنسان دعاء غريزياً وسؤالاً فطرياً يسأل به ربه ، غير أنه إذا كان في رخاء ورفاه تعلقت نفسه بالأسباب فأشركها لربه ، فالتبس عليه الأمر وزعم أنه لا يدعو ربه ولا يسأل عنه ، مع أنه لا يسأل غيره ، فإنه على الفطرة ، ولا تبديل لخلق الله تعالى .

      ولما وقع الشدة وطارت الأسباب عن تأثيرها ، وفقدت الشركاء والشفعاء ، تبين له أن لا منجح لحاجته ، ولا مجيب لمسألته إلا الله ، فعاد إلى توحيده الفطري ونسي كل سبب من الأسباب ، ووجه وجهه نحو الرب الكريم ، فكشف شدَّته ، وقضى حاجته ، وأظله بالرخاء ، ثم إذا تلبس به ثانياً عاد إلى ما كان عليه أولاً من الشرك والنسيان .

      وكقوله تعالى : ( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ) غافر : 60 .

      والآية تدعو إلى الدعاء وتعد بالإجابة وتزيد على ذلك حيث تسمي الدعاء عبادة بقولها : ( عَنْ عِبَادَتِي ) ، أي : عن دعائي .

      بل تجعل مطلق العبادة دعاء حيث أنها تشتمل الوعيد على ترك الدعاء بالنار والوعيد بالنار إنما هو على ترك العبادة رأساً لا على ترك بعض أقسامه دون بعض ، فأصل العبادة دعاء ، فافهم ذلك .

      وبذلك يظهر معنى آيات آخر من هذا الباب كقوله تعالى : ( فَادْعُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) غافر : 14 .

      وقوله تعالى : ( وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ ) الأعراف : 56 .

      وقوله تعالى : ( وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ) الأنبياء : 90 .

      وقوله تعالى : ( ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) الأعراف : 55 .

      وقوله تعالى : ( إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيًّا ) مريم : 3 ، إلى قوله : ( وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا ) مريم : 4 .

      وقوله تعالى : ( وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ ) الشورى : 26 .

      إلى غير ذلك من الآيات المناسبة ، وهي تشتمل على أركان الدعاء وآداب الداعي ، وعمدتها الإخلاص في دعائه تعالى وهو مواطات القلب اللسان والانقطاع عن كل سبب دون الله والتعلق به تعالى .

      ويلحق به الخوف ، والطمع ، والرغبة ، والرهبة ، والخشوع ، والتضرع ، والإصرار ، والذكر ، وصالح العمل ، والإيمان ، وأدب الحضور ، وغير ذلك مما تشتمل عليه الروايات .

      وقوله تعالى : ( فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي ) البقرة : 186 ، تفريع على ما يدل عليه الجملة السابقة عليه بالالتزام : أن الله تعالى قريب من عباده ، لا يحول بينه وبين دعائهم شيء ، وهو ذو عناية بهم وبما يسألونه منه .

      فهو يدعوهم إلى دعائه ، وصفته هذه الصفة ، فليستجيبوا له في هذه الدعوة ، وليقبلوا إليه ، وليؤمنوا به في هذا النعت ، وليوقنوا بأنه قريب مجيب لعلهم يرشدون في دعائه .

      بحث روائي :
      عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) وسلم فيما رواه الفريقان : ( الدُّعَاءُ سِلاحُ المُؤمِن ) .

      وفي عدة الداعي في الحديث القدسي : ( يَا مُوسَى سَلْنِي كُلّ مَا تَحْتَاج إِلَيه حَتَّى عَلَف شَاتِك ومِلْح عَجِينِكَ ) .

      وفي المكارم عنه ( عليه السلام ) : ( الدُّعَاءُ أفضَلُ من قِراءَةِ القُرآنِ ، لأنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ قال : ( قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ ) الفرقان : 77 .

      وروي ذلك عن الإمامين الباقر والصادق ( عليهما السلام ) .

      وفي عدة الداعي في رواية محمد بن عجلان عن محمد بن عبيد الله بن علي بن الحسين عن ابن عمه الصادق عن آبائه ( عليهم السلام ) عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال : ( أوْحَى اللهُ إلَى بِعْضِ أنْبِيَائِهِ فِي بَعضِ وَحْيِهِ : وَعِزَّتِي وَجَلالِي لأقْطَعَنَّ أمَلَ كُلِّ آمِلٍ أملَ غَيرِي بالأياس ، ولأكْسُوَنَّهُ ثَوبَ المَذلَّةِ فِي النَّاسِ ، ولأبْعِدنَّه من فَرَجِي وَفَضْلِي ، أيَأمَلُ عَبدِي فِي الشَّدَائِدِ غَيرِي والشَّدَائِدُ بِيَدِي ، ويَرجُو سِوايَ وَأنَا الغَنِي الجَوَاد ، بِيَدِي مَفَاتِيحَ الأبْوَابِ وَهي مُغلَقَة ، وبَابِي مَفتُوحٌ لِمَنْ دَعَانِي ) .

      وفي عدة الداعي أيضاً عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال : ( قَالَ اللهُ : مَا مِنْ مَخلُوقٍ يَعْتَصِمُ بِمَخلُوقٍ دُوني إلاَّ قَطَعْتُ أسْبَابَ السَّمَاوَاتِ وأسْبَابَ الأرْضِ مِنْ دُونِه ، فَإنْ سَألَنِي لَمْ أعْطِهِ ، وإنْ دَعَانِي لَمْ أجِبْهُ ، ومَا مِنْ مَخلوقٍ يَعْتَصِمُ بِي دُونَ خَلقِي إلاَّ ضمنَتْ السَّمَاوَاتُ والأرْضُ رِزقَهُ ، فَإنْ دَعَانِي أجَبتُه ، وإنْ سَألَني أعْطَيتُه ، وإنْ اسْتَغْفَرَنِي غَفرتُ لَه ) .

      أقول : وما اشتمل عليه الحديثان هو الإخلاص في الدعاء وليس إبطالاً لسببية الأسباب الوجودية التي جعلها الله تعالى وسائل متوسطة بين الأشياء وبين حوائجها الوجودية ، لا عِللاً فيَّاضة مستقلة دون الله سبحانه .

      وللإنسان شعور باطني بذلك ، فإنه يشعر بفطرته أن لِحَاجته سبباً معطياً لا يتخلَّف عنه فعله ، ويشعر أيضاً أنَّ كل ما يتوجه إليه من الأسباب الظاهرية يمكن أن يتخلف عنه أثره .

      فهو يشعر بأن المبدأ الذي يبتدئ عنه كل أمر ، والركن الذي يعتمد عليه ويركن إليه كل حاجة في تحققها ووجودها غير هذه الأسباب .

      ولازم ذلك أن لا يركن الركون التام إلى شيء من هذه الأسباب ، بحيث ينقطع عن السبب الحقيقي ويعتصم بذلك السبب الظاهري .

      والإنسان ينتقل إلى هذه الحقيقة بأدنى توجه والتفات ، فإذا سئل أو طلب شيئاً من حوائجه فوقع ما طلبه كَشَف ذلك أنه سئل ربه واتَّصَل حاجته التي شعر بها بشعوره الباطني من طريق الأسباب إلى ربه فاستفاض منه .

      وإذا طلب ذلك من سبب من الأسباب فليس ذلك من شعور فطري باطني ، وإنما هو أمر صوَّره له تخيله لِعِلَل أوجَبَتْ هذا التخيل من غير شعور باطني بالحاجة ، وهذا من الموارد التي يخالف فيها الباطن الظاهر .

      ونظير ذلك : أن الإنسان كثيراً ما يُحب شيئاً ويهتمّ به حتى إذا وقع وجده ضاراً بما هو أنفع منه ، وأهم وأحب ، فترك الأول وأخذ بالثاني .

      وربَّما هرب من شيء حتى إذا صادفه وجده أنفع وخيراً مما كان يتحفظ به ، فأخذ الأول وترك الثاني .

      فالصبي المريض إذا عرض عليه الدواء المر امتنع من شربه وأخذ بالبكاء وهو يريد الصحة ، فهو بشعوره الباطني الفطري يسأل الصحة ، فيسأل الدواء وإن كان بلسان قوله أو فعله يسأل خلافه .

      فللإنسان في حياته نظام بحسب الفهم الفطري والشعور الباطني ، وله نظام آخر بحسب تخيله والنظام الفطري لا يقع فيه خطاء ولا في سيره خَبْط ، وأما النظام التخيّلي فكثيراً ما يقع فيه الخطاء والسهو .

      فربما سأل الإنسان أو طلب بحسب الصورة الخيالية شيئاً ، وهو بهذا السؤال بعينه يسأل شيئاً آخر أو خلافه ، فعلى هذا ينبغي أن يقرر معنى الأحاديث ، وهو اللائح من قول الإمام علي ( عليه السلام ) فيما سيأتي : ( إِنَّ العَطيَّةَ عَلَى قَدَرِ النِّيَّة ) .

      وفي عدة الداعي عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) : ( ادْعُوا اللهَ وَأنْتُم مُوقِنُونَ بِالإجَابَةِ ) .

      وفي الحديث القدسي : ( أنَا عِنْد ظَنّ عَبْدِي بِي ، فَلا يَظُن بِي إلاَّ خَيراً ) .

      أقول : وذلك أن الدعاء مع اليأس أو التردد يكشف عن عدم السؤال في الحقيقة كما مر ، وقد ورد المنع عن الدعاء بما لا يكون .

      وفي العدة أيضاً عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) : ( افْزَعُوا إلَى اللهِ فِي حَوائِجِكُم ، والْجَئوا إليهِ فِي مُلِمَّاتِكُم ، وتَضرَّعُوا إِلَيهِ وادْعُوه ، فَإنَّ الدُّعَاءَ مُخّ العِبَادَة ، ومَا مِنْ مُؤمِنٍ يَدعُو اللهَ إلاَّ استُجَابَ ، فَإمَّا أنْ يُعجِّلُهُ لَهُ فِي الدّنيَا أوْ يُؤجِّل لَهُ فِي الآخِرَة ، وإمَّا أنْ يُكَفِّر لَهُ مِن ذُنُوبِه بِقَدر مَا دَعَا مَا لَمْ يَدْعُ بِمَأثم ) .

      وفي نهج البلاغة في وصية للإمام ( عليه السلام ) لابنه الحسين ( عليه السلام ) : ( ثُمَّ جَعَلَ في يَدَيكَ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِه بِمَا أذِنَ لَكَ فِيهِ مِنْ مَسْألَتِه ، فَمَتَى شِئْتَ اسْتَفتَحْتَ بالدُّعَاءِ أبْوَابَ نِعَمِهِ ، وَاسْتَمْطَرْتَ شَئَابِيبَ رَحْمَتِهِ ، فَلا يُقْنِطَنَّكَ إِبْطَاءُ إجَابَتِه ، فَإنَّ العَطِيَّة عَلَى قَدر النيَّة .

      وَرُبَّمَا أخِّرَتْ عَنكَ الإجَابَة لِيَكُونَ ذَلِكَ أعْظَمُ لأجْرِ السَّائِلِ ، وأجْزَلُ لِعَطَاءِ الآمل ، وَربَّمَا سَألْتَ الشَّيء فَلا تُؤتَاهُ وأوتِيتَ خَيراً مِنهُ عَاجِلاً أو آجِلاً ، أو صُرِفَ عَنْكَ لِمَا هُوَ خَيرٌ لَكَ .

      فَلَرُبَّ أمْرٍ قَدْ طَلبتَهُ فِيهِ هَلاكُ دِينِكَ لَو أوتِيْتَه ، فَلْتَكُنْ مَسْألَتُكَ فِيمَا يَبقَى لَكَ جَمَالُه ، ويَنْفي عَنكَ وَبَالُه ، وَالمَالُ لا يَبقَى لَكَ وَلا تَبقَ لَهُ ) .

      أقول : قوله ( عليه السلام ) : ( فَإنَّ العَطِيَّة عَلَى قَدر النيَّة ) ، يريد به : أنَّ الاستجابة تطابق الدعوة ، فما سأله السائل منه تعالى على حسب ما عقد عليه حقيقة ضميره ، وحمله ظهر قلبه ، هو الذي يؤتاه ، لا ما كشف عنه قوله وأظهره لفظه .

      فإن اللفظ ربما لا يطابق المعنى المطلوب كل المطابقة كما مرَّ بيانه ، فهي أحسن جملة وأجمع كلمة لبيان الارتباط بين المسألة والإجابة .

      وقد بيَّن ( عليه السلام ) بها عدَّة من الموارد التي يتراءى فيها تخلف الاستجابة عن الدعوة ظاهراً ، كالإبطاء في الإجابة ، وتبديل المسؤول عنه في الدنيا بما هو خير منه في الدنيا ، أو بما هو خير منه في الآخرة ، أو صرفه إلى شيء آخر أصلح منه بحال السائل .

      فإن السائل ربما يسأل النعمة الهنيئة ، ولو أوتيها على الفور لم تكن هنيئة وعلى الرغبة ، فتبطئ إجابتها لأن السائل سأل النعمة الهنيئة .

      فقد سأل الإجابة على بطؤ ، وكذلك المؤمن المهتم بأمر دينه لو سأل ما فيه هلاك دينه وهو لا يعلم بذلك ، ويزعم أن فيه سعادته وإنما سعادته في آخرته ، فقد سأل في الحقيقة لآخرته لا دنياه ، فيُستَجاب لذلك فيها لا في الدنيا .

      وفي عدة الداعي عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) : ( مَا بَسَطَ عَبدٌ يَدُه إلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ إلاَّ اسْتَحْيَى اللهُ أنْ يَرُدَّهَا صِفراً حتى يَجْعَلَ فِيهَا مِنْ فَضْلِهِ وَرَحْمَتِه مَا يَشَاءُ ، فَإذَا دَعَا أحَدُكُم فَلا يَرُدّ يَدَه حَتَّى يَمْسَحُ بِهَا عَلَى رَأسِه وَوَجْهِه ) .

      وفي خبر آخر : ( عَلَى وَجْهِهِ وَصَدْرِهِ ) .

      أقول : وقد روي في الدر المنثور ما يقرب من هذا المعنى عن عدة من الصحابة كسلمان ، وجابر ، وعبد الله بن عمر ، وأنس بن مالك ، وابن أبي مغيث ، عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) في ثماني روايات ، وفي جميعها رفع اليدين في الدعاء ، فلا معنى لإنكار بعضهم رفع اليدين بالدعاء معلِّلاً بأنه من التجسيم .

      إذ رفع اليدين إلى السماء إيماء إلى أنه تعالى فيها ، تعالى عن ذلك وتقدَّس ، وهو قول فاسد .

      فإن حقيقة جميع العبادات البدنية هي تنزيل المعنى القلبي والتوجه الباطني إلى موطن الصورة ، وإظهار الحقائق المتعالية عن المادة في قالب التجسم ، كما هو ظاهر في الصلاة والصوم والحج وغير ذلك ، وأجزائها وشرائطها ، ولو لا ذلك لم يستقم أمر العبادة البدنية .

      ومنها الدعاء ، وهو تمثيل التوجه القلبي والمسألة الباطنية بمثل السؤال الذي نعهده فيما بيننا من سؤال الفقير المسكين الداني من الغني المتعزز العالي حيث يرفع يديه بالبسط ، ويسأل حاجته بالذلة والضراعة .

      وقد روى الشيخ في المجالس والأخبار مسنداً عن محمد وزيد ابني علي بن الحسين عن أبيهما عن جدِّهما الحسين ( عليه السلام ) عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) .

      وفي عدَّة الداعي مرسلاً أنَّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كان يرفع يديه إذا ابتهل ودعا كما يستطعم المسكين .

      وفي البحار عن الإمام علي ( عليه السلام ) أنه سمع رجلاً يقول : اللهم إني أعوذ بك من الفتنة .

      فقال ( عليه السلام ) : ( أرَاكَ تَتَعوَّذُ مِن مَالِكَ وَولدِكَ ) .

      يقول الله تعالى : ( إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ ) التغابن : 15 .

      ولكن قل : ( اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ مِنْ مُضِلاَّتِ الفِتَنِ ) .

      أقول : وهذا باب آخر في تشخيص معنى اللَّفظِ ، وله نظائر في الروايات ، وفيها : أن الحق في معنى كل لفظ هو الذي ورد منه في كلامه ، ومن هذا الباب ما ورد في الروايات في تفسير معنى الجزء والكثير وغير ذلك .

      وفي عدة الداعي عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( إِنَّ اللهَ لا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً بِظَهْر قَلْبٍ سَاهٍ ) .

      أقول : وفي العدة أيضاً عن الإمام علي ( عليه السلام ) : ( لا يَقْبَلُ اللهُ دُعَاءَ قَلْبٍ لاهٍ ) .

      أقول : وفي هذا المعنى روايات أخر ، والسر فيه عدم تحقق حقيقة الدعاء والمسألة في السهو واللهو .

      وفي دعوات الراوندي : في التوراة يقول الله عزَّ وجلَّ للعبد : ( إنَّكَ مَتَى ظلَلْتَ تَدْعُونِي عَلَى عَبْدٍ مِنْ عَبِيدِي مِنْ أجْلِ أنَّهُ ظَلَمَكَ فَلَكَ مِنْ عَبِيدِي مَنْ يَدعُو عَلَيكَ مِنْ أجْلِ أنَّكَ ظَلَمْتَه ، فإنْ شِئْتُ أجَبْتُكَ وأجَبْتُهُ فِيكَ ، وإنْ شِئْتُ أخَّرتُكُمَا إلى يَومِ القِيَامَةِ ) .

      أقول : وذلك أنَّ من سأل شيئاً لنفسه فقد رضي به ، ورضي بعين هذا الرضا بكل ما يماثله من جميع الجهات ، فإذا دعا على من ظلمه بالانتقام فقد دعا عليه لأجل ظلمه ، فهو راض بالانتقام من الظالم .

      وإذا كان هو نفسه ظالماً لغيره فقد دعا على نفسه بعين ما دعا لنفسه ، فإن رضي بالانتقام عن نفسه ولن يرضى أبداً عوقب بما يريده على غيره ، وإن لم يرض بذلك لم يتحقق منه الدعاء حقيقة .

      فقال تعالى : ( وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً ) الإسراء : 11 .

      وفي عدة الداعي : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لأبي ذر : ( يَا أبَا ذَر ، ألا أعَلِّمُكَ كَلِمَات يَنْفَعُكَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِنَّ ) .

      قلتُ : بلى يا رسول الله .

      فقال ( صلى الله عليه وآله ) : ( احفظ اللهَ يَحفظكَ اللهُ ، احفظ اللهَ تَجِدْه أمَامَكَ ، تَعَرَّفْ إلى اللهِ في الرَّخَاء يَعْرِفُكَ فِي الشِّدَّة .

      وإذَا سَألْتَ فَاسْألِ الله ، وإذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللهِ ، فَقَدْ جَرَى القَلَمُ بِمَا هُو كَائِنٌ إلَى يَومِ القِيَامَة ، وَلَو أنَّ الخَلْقَ كُلَّهُم جَهَدوا عَلَى أنْ يَنْفَعُوكَ بِمَا لَم يَكتُبْه اللهُ لَكَ مَا قَدَرُوا عَلَيهِ ) .

      أقول : قوله ( صلى الله عليه وآله ) : ( تَعَرَّفْ إلى اللهِ في الرَّخَاء يَعْرِفُكَ فِي الشِّدَّة ) يعني : ادعُ الله في الرخاء ولا تنسه حتى يستجيب دعائك في الشدة ولا ينساك ، وذلك أن من نسي ربه في الرخاء فقد أذعن باستقلال الأسباب في الرخاء ، ثم إذا دعا ربه في الشدة كان معنى عمله أنه يذعن بالربوبية في حال الشدة وعلى تقديرها .

      وليس تعالى على هذه الصفة ، بل هو رب في كل حال ، وعلى جميع التقادير ، فهو لم يدع ربه .

      وقد ورد هذا المعنى في بعض الروايات بلسان آخر ، ففي مكارم الأخلاق عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : ( مَنْ تَقَدَّمَ في الدُّعَاءِ أسْتُجِيبَ لَه إذَا نَزَلَ البَلاءُ ، وَقِيلَ : صَوتٌ مَعْرُوفٌ ، وَلمْ يُحْجَبْ عَنِ السَّمَاءِ ، ومَنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ فِي الدُّعَاء لَمْ يُسْتَجَبْ لَهُ إذَا نَزَلَ البَلاءُ ، وقَالَتِ المَلائِكُة : إنَّ ذَا الصَّوتِ لا نَعْرِفُه ) .

      وهو المستفاد من إطلاق قوله تعالى : ( نَسُواْ اللهَ فَنَسِيَهُمْ ) التوبة : 67 .

      ولا ينافي هذا ما ورد أن الدعاء لا يرد مع الانقطاع ، فإن مطلق الشدة غير الانقطاع التام .

      وقوله ( صلى الله عليه وآله ) : ( وَإذَا سَألْتَ فأسْألِ اللهَ ، وَإذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللهِ ) ، إرشاد إلى التعلق بالله في السؤال والاستعانة بحسب الحقيقة .

      فإن هذه الأسباب العادية التي بين أيدينا إنما سببيّتها محدودة على ما قدَّر الله لها من الحد ، لا على ما يتراءى من استقلالها في التأثير ، بل ليس لها إلا الطريقية والوساطة في الإيصال ، والأمر بيد الله تعالى .

      فإذن الواجب على العبد أن يتوجه في حوائجه إلى جناب العزة وباب الكبرياء ، ولا يركن إلى سبب بعد سبب .

      وإن كان أبى الله أن يُجري الأمور إلا بأسبابها ، وهذه دعوة إلى عدم الاعتماد على الأسباب إلا بالله ، الذي أفاض عليها السببية ، لا أنها هداية إلى إلغاء الأسباب والطلب من غير السبب ، فهو طمع فيما لا مطمع فيه .

      كيف والداعي يريد ما يسأله بالقلب ، ويسأل ما يريده باللسان ، ويستعين على ذلك بأركان وجوده ، وكل ذلك أسباب .

      واعتبر ذلك بالإنسان حيث يفعل ما يفعل بأدواته البدنية ، فيعطي ما يعطي بيده ، ويرى ما يرى ببصره ، ويسمع ما يسمع بإذنه ، فمن يسأل ربه بإلغاء الأسباب كان كمن سأل الإنسان أن يناوله شيئاً من غير يد ، أو ينظر إليه من غير عين ، أو يستمع من غير أذن .

      ومن ركن إلى سبب من دون الله سبحانه وتعالى كان كمن تعلق قلبه بيد الإنسان في إعطائه ، أو بعينه في نظرها ، أو بأذنه في سمعها ، وهو غافل معرض عن الإنسان الفاعل بذلك في الحقيقة ، فهو غافل مغفل .

      وليس ذلك تقييداً للقدرة الإلهية غير المتناهية ، ولا سلباً للاختيار الواجبي ، كما أن الانحصار الذي ذكرناه في الإنسان لا يوجب سلب القدرة والاختيار عنه ، لكون التحديد راجعا بالحقيقة إلى الفعل لا إلى الفاعل .

      إذ من الضروري أن الإنسان قادر على المناولة والرؤية والسمع ، لكن المناولة لا تكون إلا باليد ، والرؤية والسمع هما اللذان يكونان بالعين والأذن لا مطلقاً ، كذلك الواجب تعالى قادر على الإطلاق ، غير أن خصوصية الفعل يتوقف على توسط الأسباب .

      فزيد مثلاً وهو فعل لله هو الإنسان الذي ولده فلان وفلانة ، في زمان كذا ، ومكان كذا ، وعند وجود شرائط كذا ، وارتفاع موانع كذا ، لو تخلف واحد من هذه العلل والشرائط لم يكن هو هو .

      فهو في إيجاده يتوقف على تحقق جميعها ، والمتوقف هو الفعل دون الفاعل ، فافهم ذلك .

      وقوله ( صلى الله عليه وآله ) : ( فَقَدْ جَرَى القَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ إلَى يَومِ القِيَامَةِ ) ، تفريع على قوله ( صلى الله عليه وآله ) : ( وَإِذَا سَألْتَ فَاسْألِ اللهَ ) ، من قبيل تعقيب المعلول بالعلة ، فهو بيان علة قوله ( صلى الله عليه وآله ) : ( وَإِذَا سَألْتَ ) وسببه .

      والمعنى أن الحوادث مكتوبة مقدرة من عند الله تعالى لا تأثير لسبب من الأسباب فيها حقيقة ، فلا تسأل غيره تعالى ولا تستعن بغيره تعالى ، وأما هو تعالى : فسلطانه دائم ، وملكه ثابت ، ومشيته نافذة ، وكل يوم هو في شأن .

      ولذلك عقَّب الجملة بقوله ( صلى الله عليه وآله ) : ( وَلَو أنَّ الخَلْقَ كُلَّهُم جَهَدوا ) إلخ .

      ومن أخبار الدعاء ما ورد عنهم ( عليهم السلام ) مستفيضاً : ( إِنَّ الدُّعَاءَ مِنَ القَدَرِ ) .

      أقول : وفيه جواب ما استشكله اليهود وغيرهم على الدعاء : إن الحاجة المدعوّ لها إما أن تكون مقضية مقدرة أو لا ، وهي على الأول واجبة وعلى الثاني ممتنعة ، وعلى أي حال لا معني لتأثير الدعاء .

      والجواب : أن فرض تقدير وجود الشيء لا يوجب استغنائه عن أسباب وجوده ، والدعاء من أسباب وجود الشيء ، فمع الدعاء يتحقق سبب من أسباب الوجود ، فيتحقق المسبب عن سببه ، وهذا هو المراد بقولهم : ( إِنَّ الدُّعَاءَ مِنَ القَدَرِ ) .

      وفي هذا المعنى روايات أخر ، ففي البحار عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) : ( لا يَرُدُّ القَضَاءَ إِلاَّ الدُّعَاءُ ) .

      وعن الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( الدُّعَاءُ يَرُدُّ القَضَاءَ بَعْدَ مَا أبْرِمَ إبْرَاماً ) .

      وعن الإمام أبي الحسن موسى الكاظم ( عليه السلام ) : ( عَلَيكُم بِالدُّعَاءِ فَإِنَّ الدُّعَاءَ وَالطَّلَبَ إلى اللهِ عَزَّ وَجلَّ يَرُدُّ البَلاءُ ، وَقَدْ قَدَّرَ وقَضَى ، فَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ إِمْضَائِهِ ، فَإذا دُعِي اللهُ وَسُئِلَ صَرْفَ البَلاءِ صُرِفَا ) .

      وعن الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( إِنَّ الدُّعَاءَ يَرُدُّ القَضَاءَ المُبْرَمَ وَقَدْ أُبْرِمَ إِبْرَاماً ، فَأكْثِرْ مِنَ الدُّعَاءِ ، فَإِنَّهُ مِفْتَاحُ كُلِّ رَحْمَةٍ ، وَنَجَاحُ كُلِّ حَاجَةٍ ، وَلا يُنَالُ مَا عِنْدَ اللهِ إِلاَّ بِالدُّعَاءِ ، فَإِنَّهُ لَيسَ مِنْ بَابٍ يَكثُرُ قَرْعُهُ إلاَّ أوْشَكَ أنْ يُفْتَحَ لِصَاحِبِهِ ) .

      أقول : وفيها إشارة إلى الإصرار ، وهو من محقِّقات الدعاء ، فإن كثرة الإتيان بالقصد يوجب صفائه ، وعن إسماعيل بن همام عن أبي الحسن ( عليه السلام ) : ( دَعْوَةُ العَبْدِ سِرّاً دَعْوَةٌ وَاحِدَة تَعْدِلُ سَبْعِينَ دَعْوةٍ عَلانِيَةٍ ) ، أقول : وفيها إشارة إلى إخفاء الدعاء وإسراره ، فإنه أحفظ لإخلاص الطلب .

      وفي المكارم عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( لا يَزالُ الدُّعَاءُ مَحْجوباً حَتَّى يُصَلِّي عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ) .

      وعنه ( عليه السلام ) أيضاً : ( مَنْ قَدَّمَ أرْبَعِينَ مِنَ المُؤمِنِينَ ثُمَّ دَعَا أستُجِيبَ لَهُ ) .

      وعنه ( عليه السلام ) أيضاً - وقد قال له رجل من أصحابه : أني لأجد آيتين في كتاب الله أطلبهما فلا أجدهما .

      فقال ( عليه السلام ) : ( وَمَا هُمَا ) ؟

      قال الرجل : ( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) غافر : 60 ، فندعوه فلا نرى إجابة .

      فقال ( عليه السلام ) : ( أفَتَرَى اللهُ أخْلَفَ وَعْدَهُ ) ؟ ، قال : لا ، فقال ( عليه السلام ) : ( فَمَهْ ) ؟ ، قال : لا أدري .

      فقال ( عليه السلام ) : ( لَكِنِّي أخْبِرُكَ مَنْ أطَاعَ اللهَ فِيمَا أمَرَ بِهِ ثُمَّ دَعَاهُ مِنْ جِهَةِ الدُّعَاءِ أجَابَهُ ) .

      قال : وما جهة الدعاء ؟ ، فقال ( عليه السلام ) : ( تَبْدَأ فَتَحْمُدَ اللهَ وَتُمَجِّدَهُ ، وَتَذْكُرَ نِعَمِهِ عَلَيكَ فَتَشكُرَه ، ثُمَّ تُصَلِّي عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ ، ثُمَّ تَذْكُر ذُنُوبَكَ فَتقُرُّ بِهَا ، ثُمَّ تَسْتَغْفِر مِنْهَا فَهَذِهِ جِهَة الدُّعَاء ) .

      ثم قال ( عليه السلام ) : ( وَمَا الآيَةُ الأخْرَى ) ؟ ، قال : ( وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ ) سبأ : 39 ، وأراني أنفق ولا أرى خلفاً .

      فقال ( عليه السلام ) : ( أفَتَرَى اللهُ أخْلَفَ وَعْدَهُ ) ؟ ، قال : لا ، فقال ( عليه السلام ) : ( فَمَهْ ) ؟ ، قال : لا أدري .

      فقال ( عليهم السلام ) : ( لَو أنَّ أحَدَكُم اكتَسَبَ المَالَ مِنْ حِلِّه ، وأنْفَقَ فِي حَقِّه ، لَمْ يَنْفِقْ دِرْهَماً إلاَّ أخْلَفَ اللهُ عَلَيهِ ) .

      أقول : والوجه في هذه الأحاديث الواردة في آداب الدعاء ظاهرة ، فإنَّها تقرِّب العبد من حقيقة الدعاء والمسألة .

      وفي الدر المنثور عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( إِنَّ اللهَ إذَا أرَادَ أنْ يَسْتَجِيبَ لِعَبدٍ أذِنَ لَهُ فِي الدُّعَاءِ ) .

      وعن ابن عمر أيضاً عنه ( صلى عليه وآله ) : ( مَنْ فَتَحَ لَهُ مِنْكُم بَابَ الدُّعَاءِ فُتِحَتْ لَهُ أبْوَابَ الرَّحْمَةِ ) .

      وفي رواية من فتح له في الدعاء منكم فتحت له أبواب الجنة .

      أقول : وهذه المعنى مروي من طرق أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) أيضاً : ( مَنْ أعْطَى الدُّعَاء أعْطِيَ الإِجَابَة ) .

      ومعناه واضح مما مَرَّ .

      وفي الدر المنثور أيضاً عن معاذ بن جبل ، عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( لَو عَرَفْتُم اللهَ حَقَّ مَعْرِفَتِهِ لِزَالَت لِدُعَائِكُم الجِبَالُ ) .

      أقول : وذلك أن الجهل بمقام الحق ، وسلطان الربوبية والركون إلى الأسباب يوجب الإذعان بحقيقة التأثير للأسباب ، وقصر المعلولات على عِلَلها المعهودة ، وأسبابها العادية .

      حتى أن الإنسان ربما زال عن الإذعان بحقيقة التأثير للأسْبَاب ، لكن يبقى الإذعان بتعين الطرق ووساطة الأسباب المتوسطة ، فإنا نرى أن الحركة والسير يوجب الاقتراب من المقصد .

      ثم إذا زال منا الاعتقاد بحقيقة تأثير السير في الاقتراب اعتقدنا بأن السير واسطة ، والله سبحانه وتعالى هو المؤثر هناك ، لكن يبقى الاعتقاد بتعين الوساطة ، وأنه لو لا السير لم يكن قرب ولا اقتراب .

      وبالجملة أن المسببات لا تتخلف عن أسبابها وإن لم يكن للأسباب إلا الوساطة دون التأثير ، وهذا هو الذي لا يصدقه العلم بمقام الله سبحانه ، فإنه لا يلائم السلطنة التامة الإلهية .

      وهذا التوهم هو الذي أوجب أن نعتقد استحالة تخلف المسببات عن أسبابها العادية ، كالثقل والانجذاب عن الجسم ، والقرب عن الحركة ، والشبع عن الأكل ، والري عن الشرب ، وهكذا .

      وقد مرَّ في البحث عن الإعجاز أن ناموس العلية والمعلولية ، وبعبارة أخرى توسط الأسباب بين الله سبحانه وبين مسبباتها حقّ لا مَنَاص عنه ، لكنه لا يوجب قصر الحوادث على أسبابها العادية ، بل البحث العقلي النظري ، والكتاب والسنة تثبت أصل التوسط وتبطل الانحصار ، نعم المحالات العقلية لا مطمع فيها .

      إذا عرفت هذا علمت : إن العلم بالله يوجب الإذعان بأن ما ليس بمحال ذاتي من كل ما تحيله العادة ، فإن الدعاء مستجاب فيه ، كما أن العمدة من معجزات الأنبياء راجعة إلى استجابة الدعوة .

      وفي تفسير العياشي عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) في قوله تعالى : ( فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي ) البقرة : 186 : ( يَعْلَمُونَ أنِّي أقْدرُ أنْ أُعْطِيَهُم مَا يَسْألُونِي ) .


      منقول
      مع الرجاء ان لا تبخلو علينا بالدعاء

      تعليق


      • #4
        جزاك الله خيرا على المشاركه القيمه
        وقضى الله حوائجنا وحوائجكم.

        مبروك عليكم الشهر

        تعليق

        المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
        حفظ-تلقائي
        x

        رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

        صورة التسجيل تحديث الصورة

        اقرأ في منتديات يا حسين

        تقليص

        المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
        أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, يوم أمس, 09:44 PM
        استجابة 1
        10 مشاهدات
        0 معجبون
        آخر مشاركة ibrahim aly awaly
        بواسطة ibrahim aly awaly
         
        أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, يوم أمس, 07:21 AM
        ردود 2
        12 مشاهدات
        0 معجبون
        آخر مشاركة ibrahim aly awaly
        بواسطة ibrahim aly awaly
         
        يعمل...
        X