إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

الى كل اب وام

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الى كل اب وام

    أحسن الافعال في تربيةالاطفال
    المقدمة :
    تمتلك النفس الانسانية نوعين من الغرائز مادية ومعنوية، فالاولى تشمل: الغريزة التي تدفع الانسان نحو تناول الطعام وشرب الماء والهروب من الاخطار وممارسة الجنس وماشابهها، ويشترك كل من الانسان والحيوان في هذا النوع من الغرائز.

    اما النوع الثاني فيشمل الغرائز المعنوية التي تدفع بالانسان نحو طلب العلم، وحب الخير، والتضحية في سبيل الآخرين، والى كل النشاطات التي تميزه عن الحيوان، ومن خلال تنمية هذه الغرائز نحصل على سعادتنا في الدنيا والآخرة وهو ما عبّر عنه الرسول(ص) بالجهاد الاكبر الذي هو جهاد النفس.

    ومن الاسباب التي دعتنا الى اعداد هذه المقالات افتقار المكتبة العربية للكتب التي تتناول المواضيع التربوية من وجهة نظر اسلامية، وقد راعينا فيها اسلوباً مبسطاً ينسجم مع اذواق الامهات اللائي يرغبن في تنشئة اطفالهن النشاة الاسلامية الصحيحة ، ونساله تعالى ان يوفقنا لسد جزء من هذا الفراغ في المكتبة العربية ، ومنه نستمد العون والسداد .



    تربية الطفل في الاسلام
    ان تربية الطفل تعني في المنظور الاسلامي إنماء الغرائز المعنوية والإهتمام باعتدال الغرائز المادية ... فسعادة الطفل تتحقّق في التعامل الصحيح مع نفسه وليس مع جسده، بثوب جميل يرتديه أو حلي يتزيّن بها أو مظهر جذّاب يحصل عليه ... ويتخلص الطفل من الالم حين يمتلك الوقاية من الإصابة بالامراض النفسية كالغيرة والعناد والكذب... ويجدر بالوالدين إمتلاك الوعي اتّجاه هذه الحقيقة التي جعلها الاسلام من الواجبات عليهما (أم وأب) لما فيها من أثر كبير على المجتمع .

    أثر التربية على المجتمع :
    إنّ أكثر العظماء الذين قضو حياتهم في خدمة الناس، كانوا نتاج تربية صحيحة تلقوها في صغرهم فأثرت على صناعة أنفسهم فأصبحوا عظماء بها .. والقرآن الكريم حين يحدثنا في أطول قصة جاءت فيه تدور أحداثها عن الصراع القائم والدائم بين الحق والباطل ... ومن أبرز الشخصيات التي واجهت الظلم بكل أبعاده وعناوينه هو موسى (ع) الذي جعله القرآن رمزاً في التحدّي والمواجهة للظاهرة الفرعونية على الارض ... نجد أن طفولته (عليه السلام) كانت تحت رعاية أم وصلت من خلال تربيتها لنفسها الى درجة من الكمال الانساني اوصلها الى درجة أن يوحى إليها : ﴿ وأوحينا الى أمّ موسى ﴾ ( القصص : 7 ) .

    ثم تلقفته يد أخرى لها مكانة أيضاً في مدارج التكامل الإنساني وهي آسية زوجة فرعون التي تخلّت عن كلّ ما تحلم به المرأة من زينة ووجاهة اجتماعية مقابل المبدأ والحركة الرسالية وتعرضت لوحشية فرعون الذي نشر جسدها بعد أن وتده على لوحة خشبية وهي تدعو : ﴿رب ابن لي عندك بيتاً في الجنة ونجني من فرعون وعمله ﴾ (التحريم : 11 )

    واصبحت بذلك مثلاً ضربه الله للرجال والنساء المؤمنين : ﴿ ضرب الله مثلاً للذين آمنوا امرأة فرعون﴾ (التحريم : 11 ).

    وبالمقابل نجد ان أكثر من يعيث في الأرض فساداً أولئك الذين وجدوا في صغرهم أيادي جاهلة تحيط بهم.. وبمراجعة بسيطة في مزبلة التأريخ تلحظ طفولة المجرمين والطغاة نساءاً ورجالاً قاسية جافة بسبب سوء التعامل مع النفس البريئة.

    جاء في الحديث الشريف : ( قلب الحدث كالارض الخالية ، ما ألقي فيها من شيء قبلته)(الوسائل : باب 84 ) .

    (بادروا (أحداثكم) بالحديث قبل ان تسبقكم إليه المرجئة) ( الوسائل : باب 84 ) .

    ومن الحديث الاول يتضح أن نفسية الطفل كالأرض الخالية التي تنبت ما أُلقي فيها من خير أو شر يتلقاه الطفل من والديه من خلال التعليم والسلوك... ومن الحديث الثاني تتضح ضرورة الاسراع في إلقاء مفاهيم الخير في نفسه الخصبة قبل ان يسبقنا اليه المجتمع ليزرع في نفسه افكاراً او مفاهيم خاطئة.

    تقويم السلوك :
    وتبقى التربية في الصغر عاملاً مؤثراً على سلوك الفرد وليس حتمياً .. بمعنى إن الفرد حين يكبر بإمكانه أن يعدل سلوكه وفكره فيما لو تلقى تربية خاطئة في صغره ... فله أن يجتثّ في سن الرشد أصول الزرع الشائك الذي بذره الوالدان في نفسه صغيراً .. وبإمكانه أن يذهب العقد التي خلفتها التربية الخاطئة وليمحو رواسبها.

    جاء في الحديث الشريف عن الامام الصادق (ع) : ( إنّ نطفة المؤمن لتكون في صلب المشرك فلا يصيبها من الشر شيء، حتى إذا صار في رحم المشركة لم يصبها من الشر شيء، حتى يجري القلم ) (الكافي: 2).

    ويعني (حتى يجري القلم) هو بلوغ الفرد مرحلة الرشد والتكليف ، فيكون مسؤولاً عن نفسه وعمله ليحصل بذلك على سعادته وشقائه باختياره وإرادته.

    كيف يتم التعامل مع الابناء ؟
    إنّ المربي الاسلامي يلزم الوالدين بأنواع من أساليب التعامل موزعة على مراحل ثلاث من حياة الأبناء ... وينبغي للوالدين معرفة وتوفير حاجات الابناء في كل مرحلة . وهي باختصار كالآتي :

    المرحلة الاولى :
    وفي هذه المرحلة ينبغي على الوالدين التعامل مع الطفل على اساس حاجته التي تتميّز بـ:

    1 ـ اللعب .

    2 ـ السيادة .

    وكما جاء في النصوص الشريفة عن النبي (ص) : (الولد سيّد سبع سنين..) ( بحار الانوار :ج 101 باب فضل الأولاد ).

    وعن الإمام الصادق (ع) : (دع ابنك يلعب سبع سنين...) (المصدر السابق).

    وعن الإمام الصادق (ع) ايضاً : (اهمل صبيّك تأتي عليه ست سنين..)

    ولعب الطفل التي تتحدث عنه الرواية تعني عدم إلزامه بالعمل فيما يتعلم من والديه.. وسيادته تعني قبول أوامره دون الإئتمار بما يطلبه الوالدان .. أما اهماله فهو النهي عن عقوبته .. فهذه المرحلة تكون نفسية الطفل بيد والديه كالأرض الخصبة بيد الفلاح تتلقف كل ما يبذر فيها من خير أو شرّ. ( قلب الحدث كالارض الخالية، ما القي فيها من شيء قبلته).

    المرحلة الثانية :
    وفي هذه المرحلة يجدر بالوالدين التعامل مع الطفل على اساس :

    1 ـ عبودية الطفل .

    2 ـ ادب الطفل.

    فقد جاء في النصوص الشريفة : عن النبي (ص) : (الولد سيد سبع سنين ، وعبد سبع سنين ).

    وعن الإمام الصادق (ع) : (دع ابنك يلعب سبع سنين ، ويؤدب سبعاً..)

    وعنه ايضاً : (اهمل صبيّك تأتي عليه ست سنين، ثم أدبّه في ست سنين) .

    وعبوديّة الطفل تعني طاعة والديه فيما تعلّم منهم في المرحلة الأولى، وأدّبه تعني إلتزامه بالنظام وتحمّله للمسؤولية، وهذه المرحلة بالنسبة للوالدين تشبه عند الفلاح وقت نمو الزرع الذي بذره وظهور الثمر.

    المرحلة الثالثة :
    تختلف هذه المرحلة عن الثانية في انّ الأبناء أصبحوا في المستوى الذي يؤهلهم لإتخاذ مناصبهم في الأسرة .. فالولد (ذكر أو أنثى) في هذه المرحلة :

    1 ـ وزير لوالديه .

    2 ـ مستشار لهم.

    فقد جاء في الحديث الشريف، عن النبي (ص) : ( الولد سيد سبع سنين، وعبد سبع سنين، ووزير سبع سنين).

    وعن الامام الصادق (ع) : (دع ابنك يلعب سبع سنين، ويؤدب سبعاً، والزمه نفسك سبع سنين فإن أفلح وإلاّ فإنّه لا خير فيه)

    وعنه ايضاً (ع) : (اهمل صبيّك تأتي عليه ست سنين ثمّ أدّبه في الكتاب ست سنين، ثم ضمه إليك سبع سنين، فأدّبه بأدبك فإن قبل وصلح وإلاّ فخل عنه).

    ففي هذه المرحلة يكون الولد (ذكراً أو أنثى) كالنبات الذي حان وقت قطف ثماره.. فهو وزير لوالديه كالثمر للفلاّح، ووزير الملك الذي يحمل ثقله ويعينه برأيه . ( مجمع البحرين مادة وزر).

    ولقد دعا موسى (ع) ربّه أن يكون له وزير في مهمته الصعبة : ﴿واجعل لي وزيراً من أهلي﴾ ( طه : 29).

    ثم إنّ الزام الوالدين للولد في هذه المرحلة وضمه اليهما كما جاء في النصوص الشريفة تعني كونه مستشاراً لهم الأمر الذي يفترض قربه ودنوه من والديه ... أمّا إن كان الولد (ذكراً أو أنثى) في هذه المرحلة غير مؤهل لهذا المنصب في الوزارة والاستشارة ... فهذا يرجع الى سوء التعامل معه في الصغر .. فعدم وجود الثمرة يرجع الى البذرة لا الى التربة الخصبة، كذلك نفسية الطفل التي تنبت مابذر فيها ... ولا علاج لهذه الثمرة الرديئة ولا ينفع الأدب معها، وهو ما تشير اليه الرواية (فخلّ سبيله) أو (فإنّه لا خير فيه) .

    العناد عند الاطفال
    إنّ العناد مشكلة تعاني منها أكثر الامهات .. وهو مصدر تعب ونكد لهن .. والأم تحرص دوماً على طاعة ولدها لها... ولذا تظل متحيرة حيال رفضه لما تريد منه ... ولا تدري كيف تتصرف ازاء عناده.

    ومع ان العناد ليس غريزة تولد مع الطفل كما تتصور بعض من الامهات.. بل هو مؤشر على خلل في نفسية الطفل نتيجة سوء التعامل مع غرائزه الفطرية النامية في المرحلة الاولى من عمره ... فالطفل حين بلوغه السنتين تبرز استعداداته الفطرية التي تحتاج الى رعاية واهتمام لبناء شخصيته المتزنة .. وأيّ خطأ أو انحراف عن الطريق الصحيح والسليم يجعله معانداً .. فالعناد اشارة خطر تدل الوالدين على ضرورة تقويم وتعديل سلوكهم .. ولذا جاء في الحديث الشريف : (رحم الله من أعان ولده على بره) (عدة الداعي : ص 61 )

    ولكي يتجنب الوالدان حالة العناد عند أبنائهم .. لابّد من الاشارة الى كيفية التعامل الصحيح مع الطفل في المرحلة الاولى من حياته ... وهي كما يلي :

    1 ـ اشباع حاجات الطفل :
    إن الطفل في المرحلة الاولى من عمره (من عمر 1 الى 7 سنين) يحتاج الى الحب والحنان لتنمية قدراته النفسية، كما يحتاج الى الطعام والماء لتنمية قدراته الجسدية .. وكل فرد يحتاج الى قوة النفس لممارسة نشاطاته الحياتية، وتعتبر حجر الاساس في النجاح في الممارسات اليومية .. فالطالب في المدرسة يحتاج الى قوة النفس مع المذاكرة لتحقيق النجاح، لأن المذاكرة مع ضعف النفس لاتنفع شيئاً ... والمعلم يحتاجها أيضاً، كذلك الطبيب وكذلك الزوجة والأم.

    وتاريخنا الاسلامي يسجل للإمة الاسلامية قوتها وصلابتها في مواجهة قريش وعدّتها وعددها بما أوتيت من ثقة بالنفس يحمله أفرادها ..إضافة الى أن باب خيبر الذي يعجز الرجال الاشداء عن حمله استطاع الامام علي (ع) بقوة نفسه أن يحمله وليس بقوته العضلية.

    إنّ إشباع حاجة الطفل من الحبّ والحنان ضروري ، لذا أكدتها التربية الاسلامية في النصوص التالية :

    عن النبي (ص) : (احبوا الصبيان وارحموهم) ) بحار الانوار : ج 101 باب فضل الاولاد).

    وقال الامام الصادق (ع) : ( إنّ الله ليرحم الرجل لشدة حبّه لولده ).

    وعنه ايضاً (ع) : (بر الرجل بولده برّه بوالديه) (من لايحضره الفقيه : ج3 باب فضل الأولاد ).

    ولايكفي أن نحمل الحبّ لأولادنا في قلوبنا، بل ينبغي من الوالدين إظهار لهم من خلال السلوك مثل تقبيلهم.

    جاء في الحديث الشريف عن الامام علي (ع) : ( من قبّـل ولده كان له حسنه، ومن فرَّحه فرَّحه الله يوم القيامة) ( بحار الانوار : ج 101 باب فضل الاولاد ).

    وجاء رجل الى النبي (ص) فقال : ما قبّـلت صبياً قط، فلما ولى قال النبي (ص): (هذا رجل عندنا إنه من أهل النار) (المصدر السابق).

    وكذلك بادخال الفرح الى قلوبهم من خلال حمل الهدايا لهم والتوسعة عليهم.

    قال النبي (ص) : من دخل السوق فاشترى تحفة فحملها الى عياله كان كحامل صدقة الى قوم محاويج، وليبدأ بالإناث قبل الذكور، فإنه من فرح ابنه فكانما اعتق رقبة من ولد اسماعيل.

    (ليس منّا من وسّع عليه ثمّ قتر على عياله).(المصدر السابق)

    2 ـ الإهتمام بوجود الطفل
    إنّ الطفل بحاجة ايضاً في السبع السنوات الاولى من حياته الى شعوره بأنه يحتل في قلوب والديه مكاناً مهماً سواءً أكان ذكراً أو أنثى ، ذكياً أو بليداً ، جميلاً أو قبيحاً .. وينبغي للوالدين الانتباه الى هذه الناحية، مثل الاصغاء اليه حين يتحدث ... وأخذ مشورته في القضايا العائدة اليه ... واحترام رأيه حين يختار .. ونحن نلحظ ان المربي الاسلامي يوجهنا الى هذه المعاني .. ففي قصة إبراهيم الذي جاءه الامر الالهي في الذبح ، ومع ان الامر الالهي لا يتغير ولا يتبدل ، لكن إبراهيم (ع) لا ينفذه الا بعد المشورة : ﴿ يابنيّ إنّي أرى في المنام أنّي أذبحك، فانظر ماذا ترى﴾ ( الصافات : 102 ) .

    كذلك سيدة النساء الزهراء (ع) تحرص على إسماع أبنائها دعاءها لهم في صلاة الليل مع استحباب اخفائه، والسبب واضح لتأكيد اهتمامها بهم وبأنّهم يحتلّون في قلبها مكاناً، الأمر الذي دعاهم الى الاستغراب والتساؤل عن السبب في أن يكونوا في المرتبة الاخيرة في تعدادها للمؤمنين في ركعة الوتر ، فتقول لهم (ع) : ( الجار ثم الدار).

    إنّ من المؤسف أن نجد بعض الآباء لا يهتمون بوجود الأبناء فيتجاهلونهم في وجود الضيوف، فلا يقدمون لهم الطعام ولا تعطى لهم فرصة في الحديث...إلخ.

    3 ـ تمتّع الطفل بالحركة الكافية :
    لابدّ أن يحصل الطفل على الحرية في المرحلة الاولى من حياته، فلا بدّ أن يجد المكان المناسب له في لعبه وحركته وترتيب لوازمه دون تدخّل الكبار.. ولا بدّ أن يجد الحرية في الحركة دون تحذير .. وأن لا يجد من يعيد ترتيب ممتلكاته بعد أن رتبها بنفسه.. وأن يجد الحرية في ارتداء ما يعجبه من الملابس واختيار ألوانها... فما دام هو السيد في هذه المرحلة وهو الأمير فلا بدّ أن يكون ترتيب البيت بشكل يتناسب مع حركته ووضعه كذلك يجدر بالوالدين التحلي بالصبر للحصول على النتائج الحسنة.

    مظاهر الغيرة عند الطفل وكيفية معالجتها
    إنّ كثرة الأولاد ليست سبباً في شجار الإخوة فيما بينهم كما تتصور بعض الامهات الكريمات .. بل الغيرة أحد اهم اسباب العراك بين أفراد الاسرة ... والغيرة من الامراض التي تدخل بيوتنا بدون إذن وتسلب راحتنا .. ولذا ينبغي الحرص على سلامة صحة الطفل النفسية في السبع سنوات الاولى من عمره أكثر من الاهتمام بصحته الجسدية .. وكثير من الامراض الجسدية التي تصيب الطفل في هذه المرحلة تكون نتيجة لسوء صحته النفسية .. والغيرة من الأمراض النفسية الخطيرة التي تصيب الطفل في المرحلة الاولى من حياته نسبة الى غيرها من الامراض ، كالكذب والسرقة وعدم الثقة بالنفس .. فالغيرة تسلب قدرة الطفل وفعاليته وحيويته كالسرطان للجسد.

    ويمكن للوالدين تشخيص المرض عند أطفالهم من معرفة مظاهره ودلائله ... فكما إن الحمى دليل التهاب في الجسم ... كذلك للغيرة علائم بوجودها نستدل عليها وفي السطور القادمة سنتحدث عن مظاهر الغيرة عند الطفل.

    إنّ الشجار بين الاخوة من أبرز معالم مرض الغيرة... وكذلك بكاء الصغير لأتفه الأسباب، فقد نجده في بعض الاحيان يبكي ويعلو صراخه لمجرد استيقاضه من النوم، أو لعدم تلبية طلبه بالسرعة الممكنة، أو لسقوطه على الارض ... أما العبث في حاجات المنزل فهو مظهر آخر للغيرة التي تحرق قلبه وبالخصوص حين ولادة طفل جديد في الاسرة ... أما الانزواء وترك مخالطة الاخرين فهو أخطر مرحلة يصل اليها المريض في وقت يتصور فيه الوالدان أنه يلعب ويلهو ولا يودّ الاختلاط مع اقرانه، وإن له هواية معينة تدفعه الى عدم اللعب معهم، أو إنه هادئ ووديع يجلس طوال الوقت جنب والديه في زيارتهم للآخرين .. ولا يعلم الوالدان ان الغيرة حين تصل الى الحد الاعلى تقضي على مرحه وحيويته تاركاً الاختلاط مع الآخرين ومنطوياً على نفسه.

    إن الغيرة وأي مرض نفسي أو جسدي لا بدّ أن يأتي عارضاً على سلامتنا، ولا يمكن أن يكون فطرياً... فالسلامة هي أصل للخلقة وهي من الرحمن التي الزم الله بها نفسه عزّ وعلا ﴿ كتب ربّكم على نفسه الرحمة﴾ (الانعام : 54 ) .

    والغيرة تبدو واضحة للوالدين في الطفل في مرحلته الاولى ... وتختفي مظاهرها (فقط ) بعد السابعة ، حيث يتصور الوالدان ان طفلهما اصبح كبيراً لا يغار ، وهو خطأ .. فالطفل في المرحلة الثانية من حياته يقل اهتمامه واعتماده على والديه ويجد له وسطاً غير الاسرة بين أصدقائه ورفاقه في المدرسة أو الجيران... ولا تنعكس مظاهرها الا في شجاره مع إخوانه في الاسرة ... أما في المجتمع فله القسط الأوفر من آثار الغيرة التي يصاب بها الابناء.

    أمّا أسباب الغيرة عند الطفل في المرحلة الاولى من عمره ، فهي كالتالي :

    إنّ الكائن البشري صغيراً أم كبيراً، إمرأة أو رجلاً أسود أو أبيض .. يمتلك قيمة وجودية من خلال سجود الملائكة له ﴿وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم﴾ (البقرة : 34) .

    إضافة الى انّ كل المخلوقات جاءت لتأمين احتياجاته ومسخرة لخدمته ﴿ وسخر لكم ما في السموات وما في الارض جميعاً منه﴾ ( الجاثية : 12 ).

    وفي الحديث القدسي : ﴿يا ابن آدم خلقت الأشياء لأجلك وخلقتك لأجلي﴾.

    وقيمة أخرى إنّه يحمل نفحة من روح الله بخلاف الكائنات الأخرى ﴿ فاذا سويته ونفخت فيه من روحي﴾ (ص : 72 ) .

    ولأهمية وجود الكائن الإنساني اختصت به أحكام الاهية منذ ولادته، مثل حرمة قتله ووجوب دفع الدية حين تعرضه لأيّ أذى مثل خدشه أو جرحه او جنونه ، وحتى الطريق الذي يسير فيه لا يجوز تعريضه للاذى فيه بأن ترمي الاوساخ فيه أو تقطع الطريق عنه بسيارة أو حاجة ، حتى وقوفك للصلاة فيه... الى غير ذلك من الاحكام الشرعية التي تعكس لنا مدى اهتمام الخالق بوجود الانسان ووجوب احترامنا له.

    وحين يتعرض الطفل الى تجاهل الآخرين يبرز العناد كوسيلة دفاعية لما يتعرض له من أذى في عدم الاهتمام به ... كذلك حين يهتم الوالدان بواحد ويتجاهلان الآخر .. ولقد رفض المربي الاسلامي هذا التعامل مع الابناء لأنه يزرع الحقد في قلبه لأفراد أسرته وحتى لأبويه وللناس ... فلقد أبصر رسول الله (ص) رجلاً له ولدان فقبّـل أحدهما وترك الآخر ... فقال رسول الله (ص) : (فهلا واسيت بينهما ) (من لا يحضره الفقيه : ج 3 باب فضل الأولاد).

    هل تجب المساواة بين الابناء ؟
    إنّ التربية الاسلامية ترفض من الابوين الاهتمام بطفل مقابل تجاهلهم الآخر .. ولكن لا بأس بالاهتمام بواحد او اكثر من الابناء الآخرين مع عدم تجاهل أحد منهم .. والقرآن الكريم حين يتعرض الى قصة يوسف وإخوته الذين حقدوا عليه وألقوه في البئر ، يقرّ انّ نبي الله يعقوب كان يهتم ويحب جميع أبنائه ولكنه يخص يوسف بنصيب أكبر لما يجد فيه من خير يفوق إخوته ... تقول الآية الكريمة عن لسان إخوة يوسف : ﴿إذ قالوا ليوسف أحبّ إلى ابينا منّا﴾ (يوسف : 8).

    ولم يقل إخوة يوسف إن أباهم ينفرد بحبّ يوسف دونهم ، لأن تفضيل الوالدين لطفل على آخر ـ مع عدم تجاهل أي أحد من الابناء ـ يدفع بالجميع الى منافسة الطفل الذي اختص بالعناية في الميزة التي لأجلها اكتسب الأفضلية في قلب والديه .. وتجعل الأبناء في حلبة السباق الى فعل الخير.

    ويجدر بالآباء أن يمتلكوا الحكمة في الميزة التي بها يتّم التفضيل بين الابناء .. حين تكون للمعاني الحقيقية مثل الاستجابة لفعل الخير والبرّ بالآخرين وامتلاك صفة الكرم والصبر على الأذى .. فمن الصحيح أن يغدق الوالدان الحبّ لطفل أهدى لعبته المحبّبة لآخر مستضعف قبال إخوته الذين يحرصون على أشيائهم... إنّ هذا التفضيل يدفعهم الى منافسته في هذا الفعل .. طبعاً التربية الاسلامية لا تشترط التفضيل ، بل تراه صحيحاً .. فعن أحد الرواة قال :

    سألت أبا الحسن (ع) عن الرجل يكون له بنون ، أيفضّل أحدهم على الآخر ؟ قال (ع): (نعم لا بأس به قد كان أبي عليه السلام يفضلني على عبد الله). (من لا يحضره الفـقيه : ج3باب فضل الأولاد).

    إنّ بعض الأمهات حين يفضلن طفلاً على آخر لإمتلاكه صفة الجمال أو لأنه ذكر، فإن هذا النوع من التفضيل خطأ في المنظور الاسلامي، ذلك لأنّ الجمال او الذكورة او غيرها من المعاني لايمكن التسابق فيها..

    فلا يملك الطفل القدرة على أن يكون أجمل من أخيه الذي اكتسب الحظوة عند أبيه...وعندها لا يكون أمام الطفل إلاّ منفذ واحد للخروج من أزمته النفسية وهو الغيرة والحقد على من حوله في الأسرة والمجتمع .. فعن مولى المتقين علي (ع) إنّه قال : (ما سألت ربّي أولاداً نضر الوجه، ولا سألته ولداً حسن القامة، ولكن سألت ربي أولاداً مطيعين لله وجلين منه، حتى إذا نظرت إليه وهو مطيع لله قرّت عيني). (البحار : 101 باب فضل الأولاد) .

  • #2
    أحسنت مولاتي الكريمة وبارك الله فيكِ عزيزتي ..

    نترقب منكِ المزيد

    والله الموفق...

    تعليق

    المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
    حفظ-تلقائي
    x

    رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

    صورة التسجيل تحديث الصورة

    اقرأ في منتديات يا حسين

    تقليص

    لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

    يعمل...
    X