إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

العودة الى الحياة بعد الموت

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #31
    19 - الشيخ منصور علي ناصف، في التاج الجامع للأُصول 5/341 -344، وقال في شرح غاية المأمول في ذيله: الباب السابع في الخليفة المهديّ رضي الله عنه: اشتهر بين العلماء - سلفا وخلفا - أنّه في آخر الزمان لا بُدّ من
    ظهور رجل من أهل البيت يُسمّى <المهديّ> وقد روى أحاديث المهديّ جماعة من خيار الصحابة، وخرّجها أكابر المحدّثين.
    ولقد أخطأ من ضعّف أحاديث المهديّ كلّها كابن خلدون وغيره.
    20 - الشريف أحمد بن محمّد بن الصدّيق أبو الفيض الغماري الحسيني المغربي (ت1380) في كتابه القيّم: إبراز الوهم المكنون في كلام ابن خلدون، الذي وضعه للردّ على شبهات ابن خلدون وترّهاته التي لفّقها حول أحاديث المهديّ المنتظر.
    طبع الكتاب في مطبعة الترقّي في دمشق الشام عام 1347 ه .
    قال الصدّيق في مقدّمته: ظهور الخليفة الأكبر ... محمّد ابن عبد الله المنتظر، قد تواترت بكونه من أعلام الساعة وأشراطها الأخبارُ، وصحّت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك الاَثار، وشاع ذكره وانتشر خبره بين الكافّة من أهل الإسلام على ممرّ الدهور والأعصار.
    فالإيمان بخروجه واجب، واعتقاد ظهوره - تصديقا لخبر الرسول - محتّم لازب.
    ثمّ نقل الصدّيقُ الأقوال بتواتر حديث المهديّ، عن علماء الأُمّة ومؤلّفاتهم، منهم: الاَبري صاحب مناقب الشافعي، والسخاوي صاحب فتح المغيث، والسيوطي في الفوائد المتكاثرة في الأحاديث المتواترة، وفي اختصاره:
    الأزهار المتناثرة وغيرهما من كتبه، وابن حجر الهيتمي في الصواعق المحرقة، وغيره من مصنّفاته، والزرقاني في المواهب اللدنيّة، وجمّ غفير من الحفّاظ النقّاد للحديث، والمحدّثين المتقنين لفنون الأثر.
    ثمّ نقل كلمات القنوجي في الإذاعة، والسفاريني في الدرّة المضيّة في عقيدة الفرقة المرضيّة، وشرحه المسمّى: لوامع الأنوار، حيث قال: وقد كثرت بخروجه الروايات حتى بلغت حدّ التواتر المعنوي، وشاع ذلك بين علماء
    السُنّة حتى عُدَ ذلك من معتقداتهم. وقد روى عمّن ذُكر من الصحابة وغير من ذُكر منهم، روايات متعدّدة، وعن التابعين من بعدهم، ممّا يُفيد مجموعهُ <العلم القطعيّ>. ثمّ عقد الصدّيق فصلا في البحث عن <التواتر> وتعريفه،
    واختلاف الناس فيه، وهو الفصل الأوّل.
    ثمّ ذكر رواة أحاديث المهديّ على كثرتهم، وقال في نهاية الفصل: المراد بالتواتر المعنويّ: أنّ القدر المشترك هو المتواتر.
    فقال: فكلّ قضيّة منها باعتبار إسناده لم يتواتر، ولكن <القدر المشترك> فيها، وهو <وجود الخليفة المهديّ آخر الزمان> تواتر باعتبار المجموع.
    ثمّ تصدّى لابن خلدون - الذي أصبح مرجعا للمنكرين - فنقل كلامه المذكور في فصل من مقدّمته بعنوان: <أمر الفاطميّ، وما يذهب إليه الناس من شأنه، وكشف الغطاء عن ذلك>[ مقدّمة ابن خلدون، ص311، طبع المكتبة التجارية - مصر ] .
    حيث قال: إعلم أنّ المشهور بين الكافّة من أهل الإسلام على ممرّ الأعصار: أنّه لا بُدّ في آخر الزمان من ظهور رجلٍ من أهل البيت، يؤيّد الدين، ويُظهر العدل، ويتّبعه المسلمون، ويستولي على الممالك الإسلامية، ويُسمّى بالمهديّ، ويحتجّون في الباب بأحاديث خرّجها الأئمّة ... إلى آخر كلامه .. حيث ذكر الأحاديث ونقدها حديثا حديثا، وضعّف أكثرها.
    فبدأ الصدّيق الغماري بنقض كلامه حرفا حرفا،
    وكشف الغطأ عن أهدافه كشفا، وأبرز أوهامه إبرازا، وناقش تضعيفاته للأحاديث، وأثبت خطأه في نقده. إلى أن نقل قول ابن خلدون: فهذه جملة الأحادي التي خرّجها الأئمّة في شأن المهديّ وخروجه آخر الزمان.
    فقال الصدّيق رادّا عليه: إنّ جميع ما ذكره من الأحاديث <ثمانية وعشرون> حديثا، لكنّ الوارد في الباب أضعاف أضعاف ذلك.
    وها أنا مورد من أخبار ما أُكمل به المائة من المرفوعات والموقوفات، دون المقطوعات، إذ لو تتّبعتها، خصوصا الوارد عن أهل البيت، لأتيتُ منها بعدد كبير، وقدر غير يسير.
    ثمّ أورد الحديث <التاسع والعشرين> إلى <المائة>، ثمّ قال في آخر الفصل: ولنقتصر على هذا القدر من الوارد في المهديّ، فإنّه لا محالةَ مُبطل لدعوى الطاعن .[ابن خلدون] وإلاّ، فالأخبار في الباب كثيرة جدّا، ولو جمع منها الوارد عن خصوص أئمّة أهل البيت لكان مجلّدا حافلا. انتهى كلام الصدّيق الغماري .
    يقول الجلالي: ومن هنا فإنّ الاعتماد على (28) حديثا فقط، ونقدها، يُعتبر عملا ناقصا، حتى لو توصّل إلى ضعفها جميعا، لفرض وجود أحاديث كثيرة أُخرى لم ينقدها ولم يفحص أسانيدها.
    فكيف يدّعي عدم صحّة الأحاديث كلّها، وكيف يطمئنّ إلى النتيجة المعتمدة على الاستقراء الناقص?
    مع أنّ ابن خلدون نفسه لم يدّع ضعف الأحاديث كلّها، بل اعترف بوجود الصحيح - ولو قليلا - فيها، حيث قال عن أحاديث المهديّ التي نقدها ما نصّه: وهي كما رأيت لم يخلص منها من النقد إلاّ القليل أو الأقلّ.
    ولَنِعم ما قال الصدّيق في ردّه:
    وقد عرفت استنقاذنا - بالحقّ - لها عن نقده - بالباطل - ، وأنّ نقده لم يبق
    موجّها إلاّ في القليل أو الأقلّ، عكس ما قال.
    وعلى فرض تسليم دعواه، وأنّه لم يسلم منها إلاّ القليل أو الأقلّ منه: فما
    الشبهة - عنده - في دفع ذلك القليل السالم من النقد?
    وما الاعتذار عن عدم قبول ذلك الأقلّ الذي اعترف بصحّته? وأقرّ بخلاصه من النقد وسلامته? إنّما هو عناد ظاهر، واختفأ عن الحقّ واضح، وتكبّر عن الإذعان لِما لم يوافق الهوى والمزاج. فكم رأيناه يحتجّ بأحاديث أفراد،
    ليس لها إلاّ مخرج واحد، وفي ذلك المخرج - أيضا - مقال نعم، تلك لا ضررَ فيها على الناصبة.
    وهذه الأحاديث المتواترة ، غير موافقة لأُصول مذهب النواصب والخوارج.
    فلذلك انتقد منها ما وجد له سبيلا ولو في غير محلّه ...
    يقول الجلالي: والحقّ أنّ الشريف أحمد الصدّيق الغماريّ قد أحفى القول في إثبات الحقّ في المسألة والردّ على باطل المنكرين للمهديّ، بما لا مزيد عليه، وأبدى بطولة في العلم والمعرفة بعلوم الحديث، مع أدب جمّ وباع
    طويل وصدر رحب، بما يجب أن يشكر عليه، جزاه الله عن الإسلام والمسلمين خيرا.
    ويا حسرةً على الذي يقول لمثل هذا العالم المخلص: إنّه <من أنصار القديم لِقدمه>
    21 - ناصر الدين الألباني الشامي (معاصر) نشر بعنوان <حول المهديّ> بحثا في حقل <من القرّأ وإليهم> من مجلّة <التمدّن الإسلامي> الدمشقيّة، في الجزأين 27و28، الصفحة 642، للسنة 22.
    قال فيه: فليعلم أنّ في خروج المهديّ أحاديث كثيرة صحيحة، قسم كبير منها له أسانيد صحيحة.
    ثمّ أورد قسما منها، ونقل كلام صدّيق حسن خان في <الإذاعة> وقال بعنوان: <شُبهات حول أحاديث المهديّ>: إنّ السيّد رشيد رضا وغيره لم يتتّبعوا ما ورد في المهديّ من الأحاديث حديثا حديثا، ولا توسّعوا في طلب ما لكلّ حديثٍ منها من الأسانيد.
    ولو فعلوا، لوجدوا فيها ما تقوم به <الحجّة> حتى في الأُمور الغيبيّة التي يزعم البعضُ أنّها لا تثبتُ إلاّ بحديث متواتر.
    وممّا يدلّك على ذلك: أنّ السيّد رشيد ادّعى أنّ أسانيدها لا تخلو من شيعيّ
    مع أنّ الأمر ليس كذلك على إطلاقه، فالأحاديث الأربعة التي أوردها ليس فيها رجل معروف بالتشيّع.
    إلى أن يقول الألبانيّ: وخلاصة القول: إنّ عقيدة خروج المهديّ عقيدة ثابتة متواترة عنه صلى الله عليه وآله وسلم ، يجب الإيمان بها، لأنّها من أُمور الغيب، والإيمان بها من صفات المتّقين، كما قال تعالى: (الَم ذلك الكتاب لا ريب فيه هُدىً للمتّقين الّذين يؤمنون بالغيب).
    وإنّ إنكاره لا يصدر إلاّ من جاهلٍ أو مُكابرٍ.
    22 - الشيخ عبد المحسن بن حمد العبّاد المدني، عضو هيئة التدريس في الجامعة الإسلاميّة، بالمدينة المنوّرة (المعاصر) في محاضرة <عقيدة أهل السُنّة والأثر في المهديّ المنتظر> ألقاها في الجامعة المذكورة، ونشرت في مجلّة الجامعة الإسلاميّة، العدد الثالث، من السنة الأُولى، لشهر ذي القعدة سنة 1388 ه . وقد احتوت على عناصر عشرة، هي:
    الأوّل: ذكر أسمأ الصحابة الّذين رووا أحاديث المهديّ، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وعددهم - عنده - ستّة وعشرون.
    الثاني: ذكر أسمأ الأئمّة الّذين خرّجوا الأحاديث في كتبهم، وعددهم ثمانية وثلاثون، منهم: أبو داود، والترمذي، وابن ماجة، والنسائي، وأحمد، وابن حبّان، والحاكم، وابن أبي شيبة، وأبو نعيم الأصفهاني، والطبراني، والدارقطني، وأبو يعلى الموصلي، والبزّار، والخطيب، وابن عساكر، والديلمي، والبيهقي، وغيرهم من الأئمّة والمحدّثين والعلماء.
    الثالث: ذكر الّذين أفردوا مسألة المهديّ بالتأليف، وهم: أبو خيثمة، وأبو نعيم، والسيوطي، وابن كثير، وابن حجر المكّي الهيتمي، والمتّقي الهندي، والملاّ علي القاري، والشوكاني، والأمير الصنعاني، وغيرهم.
    الرابع: ذكر الّذين حكوا تواتر أحاديث المهديّ.
    الخامس: ذكر بعض ما ورد في الصحيحين [ البخاري ومسلم ]من الأحاديثالتي تبشّربالمهديّ، ولهاتعلّق بشأنه.
    السادس: ذكر بعض الأحاديث بشأن المهديّ.
    السابع: ذكر بعض العلماء الّذين احتجّوا بأحاديث المهديّ.
    الثامن: ذكر من حكي عنه إنكار أحاديث المهديّ. مع مناقشة كلامه.
    التاسع: ذكر ما يُظنّ تعارضه مع الأحاديث الواردة في المهديّ.
    العاشر: كلمة ختاميّة.
    وقال في آخر الفصل السابع: وليعلم أنّ الأحاديث في المهديّ قد تلقّتها الأُمّة من أهل السُنّة والأشاعرة بالقبول.
    وردّ على كلام ابن خلدون مفصّلا.
    وقال في الكلمة الختاميّة: إنّ أحاديث المهديّ الكثيرة - التي ألّف فيها المؤلّفون وحكى تواترها جماعة، واعتقد موجبها أهل السُنّة والجماعة وغيرهم - تدلّ على حقيقة ثابتة بلا شكّ من حصول مقتضاها في آخر الزمان ... وقال: فلاعبرة بقول من قفا ماليس له به علم فقال: إنّ الأحاديث في المهديّ لا تصحّ نسبتُها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، لأنها
    من وضع الشيعة وإذن، فإنّ أحاديث المهديّ على كثرتها وتعدّد طرقها وإثباتها في دواوين أهل السُنّة، يصعب كثيرا القول بأنّه لا حقيقة لمقتضاها، إلاّ على جاهل، أو مكابر، أو مَنْ لم يُمعن النظرَ في طرقها وأسانيدها، ولم يقف على كلام أهل العلم المعتدَ بهم فيها.
    والتصديق بها داخل في الإيمان بأنّ محمّدا رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم ، لأنّ من الإيمان به صلى الله عليه وآله وسلم تصديقه فيما أخبر به، وداخل في الإيمان بالغيب الذي امتدح الله المؤمنين به، بقوله: (الَم ذلك
    الكتاب لا ريب فيه هُدىً للمتّقين الّذين يؤمنون بالغيب).
    23 - عبد العزيز بن باز السعوديّ الوهابيّ (معاصر) رئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة المنوّرة، في تعليق له على محاضرة الشيخ عبد المحسن العبّاد، التي ذكرناها آنفا، نشر في مجلّة الجامعة نفسها، العدد 3، السنة الأُولى 1388، في ذيل المحاضرة ذاتها.
    قال فيه: أمر المهديّ معلوم، والأحاديث فيه مستفيضة، بل <متواترة> وقد حكى غيرُ واحد من أهل العلم تواترها. وهي متواترة تواترا معنويا،
    لكثرة طرقها، واختلاف مخارجها، وصحابتها، ورواتها، وألفاظها، فهي
    - بحق - تدلّ على أنّ هذا الشخص الموعود به أمره ثابت، وخروجه حقّ.
    وقال: وقد رأينا أهل العلم أثبتوا أشيأ كثيرة بأقلّ من ذلك.
    والحقّ أنّ جمهور أهل العلم، بل هو الاتّفاق: على ثبوت أمر المهديّ، وأنّه
    حقّ، وأنّه سيخرج في آخر الزمان. وأمّا من شذّ من أهل العلم - في هذا الباب - فلا يُلتفتُ إلى كلامه في ذلك.
    24 - وللشيخ عبد المحسن بن حمد العبّاد - أيضا - مقال بعنوان <الردّ على من كذّب بالأحاديث الصحيحة الواردة في المهديّ> نشر في مجلّة الجامعة الإسلاميّة، العددين و 46، الأوّل والثاني من السنة 12.
    ردّ فيه بحزم وتفصيل على القاضي ابن محمود القطريّ رئيس المحاكم في دولة قطر، فيما كتبه في رسالة سمّاها <لا مهديّ يُنتظر بعد الرسول خير البشر>.

    تعليق


    • #32
      وهو ردّ قويّ، ومتين، ومستوعب لجميع ما عرضه ذلك الكاتب وغيره من البحوث، وأجاب عن اعتراضاته وسلبيّات ما نسبه إلى قضيّة المهديّ.
      والنتيجة: أنّنا - وإن أطلنا الموقف مع هذه القائمة لأسماء من صحّح أحاديث المهديّ - فإنّ الذي قصدناه من هذه الإطالة:
      1 - أن يطّلع القرّاء الكرام على وجهات نظر المصحّحين للحديث، من دون الاقتصار على ذكر المضعفين له.
      2 - أن ندلّ على عدم موضوعيّة من تعمّد إخفاء هذه التصحيحات، وعدم ذكر شي منها، مع أنّه يدعو إلى البحث العلميّ الرصين
      مع أنّ إكمال البحث غير ممكن إذا أغفلنا هذه المجموعة من الاَراء وخاصّة ما في كتب المتأخّرين من المعلومات القيّمة.
      <فإنْ كانَ> المتعمّد للإخفاء <لا يَدْري> عن هذه المعلومات شيئا <فتلك مصيبة> على علمية البحث الذي يُقدم عليه ورصانته.
      <وإنْ كان يَدْري> بها، ولكنّه تغافل ولم يذكرها في بحثه <فالمصيبةُ أعظمُ> على صدق نيّته وإخلاصه وأمانته.

      تعليق


      • #33
        أحاديث المهديّ بين الأصل والتفاصيل

        أحاديث المهديّ بين الأصل والتفاصيل

        إنّ من الواضح لدى أهل العلم: أنّ أصلَ أمرٍ ما قد يكون ثابتا ومتيقّنا، لكن تكون خصوصيّاته مشكوكةً ومختلَفا فيها.
        ولا يختلف الأمر في ذلك بين أن يكون من المنقولات أو المعقولات.
        فقد يتّفق الناقلون على مجي زيد - مثلا - لكن يختلفون في مجيئه راكبا، أو ماشيا. فيتركّب كلّ خبر من عنصرين: <أصل الشيء> و <حالة الشيء>، والأوّل ربّما يكون متّفَقا عليه، والثاني يكون مشكوكا فيه.
        وإذا ترتّب حكم من تكليف أو اعتقاد، أو أثر، على الأصل، التزم به، لعدم الخلاف فيه، وأمّا الحالة فلا دليل على ثبوتها، ولا يترتّب عليها أحكام الأصل، كما أنّ اختلافها لا يؤثّر في ثبوت الأصل.
        ومثل هذا واقع في كثير من الملتزَمات الدينيّة، سواء العمليّة، أم الاعتقادية.
        فالحجّ مثلا، واجب شرعيّ، ولا خلاف في أصل وجوبه ومهمّات أعماله كالإحرام والطواف والسعي، بين الأُمّة الإسلاميّة، لكنّ الخلاف في جزئيات كلّ ذلك واقع لا محالة، من دون أن يؤثّر في أصل الوجوب.
        وفي مقام العمل يلتزم العامل بما يترجّح عنده من أوجه العمل، أو يتخيّر بين الأفعال والوجوه المتعدّدة.
        ومن المعلوم أنّ الخلاف الواسع بين الفقهأ في المذاهب المختلفة، وحتى فقهأ المذهب الواحد، غير مؤثّر في أحكام أُصول الواجبات والمحرّمات، المسلَمة، ولا يسري التشكيك من الجزئيّات والتفاصيل، إلى الكلّيّات والمسلَمات.
        وكذلك في المعتقدات: فإنّ من أُصول الدين الإسلاميّ وأُسسه الاعتقاد بالمعاد، وبما فيه من الحساب والميزان والصراط والجنّة والنار، لقيام الأدلّة على أنّ كلّ ذلك حقّ لا ريب فيه، جأت بذلك الاَيات والأحاديث المتواترة، حتى أصبح من ضروريات الدين الإسلاميّ.
        مع أنّ الخلاف واسع في تفاصيل كلّ ذلك، وليست الجزئيّات التي ورد بها بعض الروايات بتلك المثابة من الوضوح والمسلَميّة والثبوت.
        لكنّ الخلاف في الجزئيّات غير مؤثّر في اليقين بالكلّيّات، والاتّفاق عليها إلى حدّ عدّها من الضروريات.
        وكذلك مسألة المهديّ المنتظر، فإنّ أصل خبرها يقينيّ أجمع المسلمون على الالتزام به، لورود الأخبار المتضافرة به، أمّا تفاصيلها وخصوصيّات أحوال المهديّ وشؤون مجيئه، ومدّة بقائه، وكيفيّة حكمه، وحتى شؤونه الشخصيّة من اسمه، وحليته، وغير ذلك، فإنّ كلّ ذلك ليس بمنزلة
        الأصل، ولم ترد بها إلاّ أخبار آحاد، فيُبنى الاعتماد فيها على حجّيّة الأخبار المنقولة تلك، وهي قابلة للنقد حسب المناهج المختلفة، إن سندا، أو متنا، أو قياسا إلى الأدلّة الأُخرى، وبالمقارنة بسائر الأخبار، والترجيح بينها، أو
        عقلا للتأمّل في مدلولاتها ومضامينها.
        وإذا أدّى النقد إلى عدم اعتبار شي من التفاصيل، فإنّ ذلك لا يؤثّر في ثبوت أصل حديث المهديّ، وخبره المجمع عليه بين المسلمين، والذي جاءت به الأخبار الصحيحة، وتواترت به، وهو <مجي رجلٍ من أهل بيت الرسول
        يُسمّى المهديّ، في آخر الزمان ليجدّد الدين، ويملأ الدنيا عدلا> فهذا أمر لم يختلف فيه اثنان من المسلمين، وهذا الأصل هو المعنى المدّعى <تواتره> وثبوته، من مجموع الأخبار والأحاديث الواردة في باب <المهديّ>.
        فمهما كانت التفاصيل باطلةً أو فاسدةً وغير ثابتة، فإنّ ذلك لا يمسّ ثبوت <أصل حديث المهديّ> بشيء. ألم يكن من الأفضل أن يفرّق العاقل في سطر واحد بين الأصل والتفاصيل فيقول: إنّ وجود إمام باسم المهديّ وردت بخروجه في آخر الزمان أخبار وروايات كثيرة، وكتبت من أجله آلاف
        الصحائف، ورويت حوله عشراتُ الروايات بمئات الأسانيد هو حقيقة
        ثابتة، وعليها اتّفاق جمهور المسلمين على اختلاف طوائفهم.
        فلو كانت تفاصيلها غير قابلة للقبول، حسب عقل أحَدٍ أو ضعيفة السند، لم تقم الحجّةُ به، أو غير متّفق عليها حسب المعروف من مذاهب المسلمين فهذا هو الذي ينبغي أن يكون منشأً للبحث والجدل?
        أمّا عرض بعض التفاصيل، غير المقبولة، حسب عقل شخص واحد، وجعلها ملاكا للحكم على كلّ القضيّة وحتى أصلها الثابت، ووصفها بالوضع والبطلان، وجعل ذلك دليلا للتهجّم على أصل الحديث، فهذا خارج عن مناهج نقد الحديث، بل خارج عن أبسط قواعد المنطق، وهو قياس مع أكثر من فارق
        وقد صرّح المحدث الصدّيق الغماريّ بما قلناه، وجعل المراد بالتواتر المعنويّ: القدر المشترك من مجموع الأحاديث، وقال: كلّ قضيّة منها باعتبار إسنادها لم يتواتر، والقدر المشترك فيها وهو <وجود الخليفة المهديّ آخر الزمان> تواتر باعتبار المجموع[ إبراز الوهم المكنون، للصدّيق، الفصل الأوّل] .
        والأجنبيّ عن علوم الحديث لم يفهم هذا الاصطلاح، يقف ليتساءل مستنكرا:
        ما هو معنى التواتر? هذه الأحاديث لا تتّفق على شيء !
        أقول: كيف لاتتّفق على شي، وقد اتّفقت على القدر المشترك وهو <وجود شخص من آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يظهر في آخر الزمان>?
        أليس هذا المعنى، قد أجمعت عليه أحاديث المهديّ?
        لكن الجاهل يحاول تسفيه <التواتر> ويقول - بسخريّة الجُهّال - : إنّ المؤمنين بصحة السند فقط، لا تعنيهم هذه الأسئلة?
        إنّه خروج عن حدود الأدب اللاّزم توفّره في من يرتبط بالكتب، والقلم، وليس مقبولا في المحاضرات العلميّة.
        وهو أُسلوب استفزازيّ، يثير النفوس.
        فهل العلماء والجهابذة الّذين نقلنا أقوالهم واعترافاتهم بتواتر أحاديث المهديّ في <الأصل المشترك> منها بالخصوص، يُخاطَبُون بمثل هذا الكلام السخيف? مع أنّ الأحاديث المشتملة على الشؤون الخاصّة، لم تدخل في دعوى التواتر المعنويّ، حتى يُستدلّ ببطلانها على بُطلان أصل القضيّة

        ] .
        التعديل الأخير تم بواسطة Ahmad.c; الساعة 28-04-2002, 11:12 AM.

        تعليق


        • #34
          وقال العبّاد: إنّ وجود مُتَمَهْدِين من المجانين وأشباه المجانين، يخرجون في بعض الأزمان، ويحصل بسببهم على المسلمين أضرار كثيرة، لا يؤثّر في التصديق بمَنْ عناه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في الأحاديث الصحيحة، وهو <المهديّ الذي يصلّي عيسى بن مريم عليه السلام خلفه>.
          وما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يجب التصديق به، ويجب
          القضأ على كلّ مُتَمَهْدٍ، أو غير مُتَمَهْدٍ يُريد أن يشقّ عصا المسلمين ويفرّق جماعتهم.
          والواجب قبول الحقّ وردّ الباطل، لا أن يُردَ الحقّ ويُكذَبَ بالنصوص، من أجل أنّه ادّعى مقتضاها مدّعون مُبطلون دجّالون[ الردّ على من أنكر المهديّ، المنشور في مجلّة الجامعة الإسلاميّة - المدينة المنوّرة، العدد 45].
          وها هم المسلمون - كافّة - يتصدّون لكلّ ادّعأ مزيّف بالمهدويّة من قبل الدجّالين. وها هم الشيعة الإماميّة، وهم أكثر الطوائف دعوةً ودعاءاً للمهديّ المنتظر باعتباره إماما لهم، وينادون باسمه علنا، يقفون ضدّ كلّ دعاوي المهدوية بالباطل، مثل موقفهم المشرّف ضدّ البابية التي تزعّمها <علي محمّد
          الشيرازي> في القرن الماضي. وقد أفتى علماؤهم بوجوب قتله، فأُعدم.
          وكذلك هم بالمرصاد لكلّ من تُسوّل له نفسه مثل تلك الدعوى من المبطلين !
          وهم، مثل سائر المسلمين، ينتظرون المهديّ الموعود الذي <يملؤ الأرض عدلا بعدما مُلئت ظلما وجورا> ويميّزونه بما ثبت عندهم من علامات الظهور، ووضوح برهان ذلك النور.
          وأوّل كلّ أدلّته وعلاماته إجماع المسلمين على قبوله، واستقبال دعوته والدخول في رايته وحزبه.
          وأمّا دعوى عدم معقوليّة ما جاء في أحاديث المهديّ: فإنّما مثّل لذلك ببعض الأحاديث المشتملة على تفاصيل الحديث عن شؤون المهديّ.
          وسواء كان المعترض محقّا في دعواه عدم المعقولية، أم كان مبطلا? فإنّ تلك الأحاديث، إنّما هي آحاد جاءت من طريق الأفراد فهي - صحّت أو ضعفت - لا تشكّل حجّة شرعيّة، وليست هي معتمد العلماء، ولا تدخل في البحث
          عندهم، لأنّها لا تفيد علما، ولا عملا. وليست هي إلاّ كسائر الأحاديث الواردة في قصص الأنبياء الماضين، وأحاديث سيرة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم والصحابة، وأخبار التاريخ وحوادثه، وغير ذلك من الأُمور التي يعتمد اعتبارها والالتزام بها على عرضها ومقارنتها وغربلتها وتمييزها سندا، ومتنا، ثمّ الترجيح بينها، واختيار الأوفق للأدلّة منها.
          فليس ما عرض في هذا المجال خاصّا بأحاديث تتحدّث عن المستقبل فقط، بل أحاديث الماضي - وحتى الحال - تحتاج إلى مثل هذا النقد، المستلهَم أساسا من مزاولات العرف، وقرائن الحال والمقال.
          والملاك في الجميع - الماضي والحال والمستقبل - واحد، وهو كونها جميعا من <الغيب> الذي لا يُعلم إلاّ عن طريق المخبر الصادق، والعارف. وبما أنّه من المنقول ويعتمد على السماع، فالملجأ الوحيد هي الأخبار والأحاديث الراوية لذلك، لا غير. ولكنّ الأمر بالنسبة إلى المؤمنين بالنصوص الدينيّة
          مختلف، فلو جاء القرآن الكريم، الذي هو <الوحي المعجز> أو جاء به الحديث الشريف، الذي هو <وحي غير معجز> فإنّهم يؤمنون بذلك اعتمادا على الإيمان بالله والرسول.
          والسرّ في ذلك: أنّ الله تبارك وتعالى، وإن كلّفنا بالاستمداد من العقل وتحكيمه، إلاّ أنّ ذلك متصوّر فيما طريقه العقل فقط، وأمّا ما لا طريق للعقل في الحكم فيه فإنّه تعالى كلّفنا باتّباع الرسل، والأخذ منهم، والاعتماد
          على ما ينقلونه من أخبار الشرع وغيره، واتّباعهم فيما يفعلونه والتزام ما يقرّرونه. فالشرائع السماوية تعتمد على عنصر <التبليغ> ويتقرّر الواجب على المسلم عند <البلوغ>. ومهمّة الرسل هو إيصال الأحكام والحقائق والمعارف
          إلى البشر، وإتمام حجّة البلوغ عليهم.
          أمّا المؤمنون فهم مكلّفون بالتزام ما وصل إليهم وبلغهم من كلام الرسل.
          قال الله تعالى: (وما آتاكم الرسولُ فخذوه، وما نهاكم عنه فانتهوا)[سورة الحشر 59 : 7 ]
          ولمّا كانت الشريعة الإسلامية تعتمد عنصر النقل والبلوغ، فقد قرّر علماء الدراية والمصطلح، قواعد محكمة متينة لضبط أُمور الرواية والنقل، وهي قواعد لم تسبقهم الأُمم في كلّ الحضارات إلى ذلك، سواء في ذلك الإلهيّة أم غيرها.
          وقد أصبح النصّ الإسلامي على أثر ذلك من أحكم النصوص المعتمدة على أُسس من العرف والوجدان والعقل، في تحديد الطرق المأمونة في <توثيق النصوص>.
          وهذا من فضل الله على هذه الأُمّة المحمّدية، إذ وُفق علماؤهم لبذل الجهود الكريمة لحفظ هذا الدين وهذا التراث، وصيانة أُصوله وفروعه من التحريف والتصحيف، والحمد لله ربّ العالمين.
          ومن هنا، فإنّ الحديث الشريف إذا صدر من النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، وثبت نقله، وصحّ طريقه، وسلم متنه، وبلغ الإنسان نصّه، فهو مُلزم باعتقاد صدقه تصديقا للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، والتزاما بالقواعد المقرّرة، والأُصول المقبولة. وإذا كان مضمون الحديث ممّا لا يُعرف إلاّ من الغيب،
          كأُمور الماضي وحوادثه، والمستقبل وتوقّعاته، فإنّ طريق معرفته ليس إلاّ النقل والسماع والأخبار.
          فإن أمكن العقل إدراك ذلك، بأدلّته وأساليبه وأدواته، كان النقل مؤكّدا، والمنقول مرشدا إلى المعقول. ولو تخالف المنقول مع المعقول، لزم تأويل المنقول ليوافق ما يقوله العقل ويؤكّده، وإلاّ ضرب به عرض الجدار، إلاّ أنّ مثل هذا شاذّ في الأخبار، لا يعمل به.
          وأمّا ما لا يدخل في مجال درك العقل، وتقف أدواته وأدلّته دونه، فلا معنى للاستناد إلى عدم فهم العقل له للردّ عليه وإنكاره.
          وفي خصوص هذا المورد يجب على المؤمن أن يصدّق بما يصله بالطرق المأمونة، ويستفيد من متنه حسب الموازين المتعارفة بين أهل اللغة، وحسب المقدور من الأعمال، وبما لا يخالف دليلا آخر من أدلّة الشرع المسلّمة.
          وأحاديث المهديّ المنتظر، من هذا القبيل: فإنّها من أخبار المستقبل الغيبيّة، وليست ممّا للعقل إلى نفيه أو إثباته سبيل، إذ هو أمر خاصّ، والعقل إنّما يحكم في الكلّيّات ويدركها، وليس في الالتزام بما تدلّ عليه الأحاديث ما يؤدّي إلى المحالات العقلية، أو مخالفة للمسلَمات العقلية.
          بل العقل إنّما يذر هذا الأمر في بُقعة الإمكان، ما لم يقع على امتناعه برهان، وليس على الله بمستبعد أن يدّخر لهذه الأُمّة المؤمنة المجاهدة شخصا مهديّا يهديهم إلى الفلاح وهو يقول: (والّذين جاهدوا فينا لنهدينّهم سبلنا) [ سورة العنكبوت 29 : 69 ]
          وقد صحّت الأحاديث والروايات التي بلّغ فيها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هذا الوعد إلى الأُمّة، بأنّ الله سيبعث في آخر الزمان رجلا من أهل البيت اسمه <المهديّ>.
          فما المانع من تصديقها?
          وأيّ دليل عقليّ يمنعه?
          وأمّا الجزئيّات والتفاصيل، فقد أكّدنا مرارا على أنّها ليست بمثابة <الأصل المذكور> في التواتر والثبوت، وإنّما جاءت بها الأخبار الاَحاد المتفرّقة، ولم تتمّ بها الحجّة القاطعة.
          ولو صحّ طريقها وسندها: فلو عارضها دليل آخر، من نقل مقطوع، أو عقل جازم ولم يمكن تأويلها بما يوافق ذلك، لزم رفضها، وعدم الالتزام بها.
          لكن ذلك لا يعني - إطلاقا - إنكار أصل مسألة المهديّ المنتظر، الثابت بالأخبار الكثيرة، والمجمع عليه بين طوائف المسلمين.
          وقد ذكر العبّاد في ردّه على بعض منكري المهديّ ما نصّه: إنّ خروج المهديّ في آخر الزمان من الأُمور الغيبيّة التي يتوقّف التصديق بها على ثبوت النصّ فيها عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وقد ثبتت النصوصُ في خروج المهديّ عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في آخر الزمان، وأنّ عيسى بن مريم عليه السلام يصلّي خلفه.
          والّذين قالوا بثبوتها هم العلماء المحقّقون وجهابذة النقّاد من أهل الحديث.
          والواجب تصديق الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فيما يُخبر به من أخبار،
          سواء كانت عن أُمور ماضية، أو مستقبلة، أو موجودة غائبة عنّا [ الردّ على من أنكر أحاديث المهديّ، المنشور في مجلّة الجامعة الإسلاميّة - المدينة المنوّرة، العدد 45، سنة 1400 ]
          وأمّا إيجابيّات مسألة المهديّ:
          إنّ فكرة المهديّ الموعود، وبالصورة المشتركة بين الأحاديث، لها جوانب إيجابية، تتوافق عليها أدلّة العقل والعرف، والتدبير، حتى ولو أغفلها مثل عقل المنكر بل تصوّرها من السلبيّات.
          <فانتظار الفرج> الذي هو تعبير شائع عن رفض اليأس، وعن عدم القنوط من الرحمة الإلهيّة، هو أمر جدّ مهمٍ لمن تحوطه المشاكل ويصبح في مأزق منها، وتكاد تقضي عليه، لولا رجاء رحمة الله وقد عُدَ <انتظار الفرج عبادة> من الأحاديث الواردة بطرق عند الشيعة والسُنّة، في غير قضيّة المهديّ الموعود.
          <والمهديّ> هو تطبيق عملي وعينيّ لفكرة <الانتظار> للفرج عند الشدّة، وذلك عندما يعمّ الدنيا الظلمُ والجور، ويخيّم اليأس على الجميع، ويخمد صوت العدالة، فيكون <المهديّ> فَرَجا عامّا، يملؤ الدنيا عدلا، ورحمة، وخيرا.
          وقد اضطرّ المنكر إلى أن يعترف بهذه الحقيقة، فهو يقول:
          شيوع هذه الفكرة وانتشارها بين المظلومين شي طبيعيّ، فهي بؤرة الضوء في ظلام دامس، وواحة الأمل والأمان في دنيا الإنسان المقهور[ تراثنا وموازين النقد (ص185)].
          فإذا كان هذا شيئا طبيعيا، فهو سُنّة الله في الخلق.
          ولكنّ الكاتب ينسى هذه الحقيقة عندما ينحاز إلى التأكيد على السلبيّات، فيقول: إنّ الاستسلام للظلم، إلى أن يخرج مبعوث إلهيّ ليزيله يُعتبر عبثا،
          وتخديرا للناس، انتظارا لأمل لن يتحقّق، ودفعا للشعوب الإسلاميّة إلى أن ترجو الخلاص بطريق يُخالف سُنّة الله في الكون [ تراثنا وموازين النقد (ص212-213)].
          فالذي يظهر لنا في ردّه:
          أوّلا: إنّ الأمل في نفسه مدعاة لعدم الاستسلام، وإلاّ لم يُسَمّ أملا، وليس أمر تحقّقه وعدم تحقّقه بعد ذلك أمرا مؤثّرا في كونه أملا، وفي كونه مانعا عن اليأس وضدّ تأثيره.
          ولذلك قد يكون الأمل خائبا، وقد لا يخيب بل يتحقّق، وإذا كان الأمل بالله، وبوعده بالخلاص على يد المهديّ الموعود، فهل يحقّ لمؤمن أن يقول: إنّه لن يتحقّق?
          وإذا قطعنا النظر عن الإيمان بالمهديّ: فمن أين عرف هذا القائل أنّ هذا الأمل لن يتحقّق، حتى يجزم به?
          أليس هذا رجما بالغيب، الذي لا يعترف به? وهل هذا منطق البحث العلمي الرصين?
          وثانيا: إنّ أحاديث المهديّ ليس فيها ما يدلّ أو يشير أدنى إشارة إلى أنّ المسلمين لا نهضة لهم، ولا عزّ، قبل خروج المهديّ.
          وهذا ما ذكره ناصر الدين الألباني، وأضاف: فإذا وجد في بعض جهلة المسلمين مَنْ يفهم ذلك منها، فطريق معالجة جهله أن يُعلّم ويُفهّم، لا أن تردّ الأحاديث الصحيحة بسبب سوء فهمه [ مجلّة التمدّن الإسلامي - الدمشقيّة، العدد 22 ]
          أقول: وهذه النغمة مأخوذة من أحمد أمين [ ضحى الإسلام، لأحمد أمين المصري، 3 /244] ومن تبعه. وقد ردّ عليه العبّاد بقوله: خروج المهديّ في آخر الزمان متّفق مع سُنّة الله في خلقه، فإنّ سُنّة الله تعالى أنّ الحقّ في صراع دائم مع الباطل، والله تعالى يُهيى لهذا الدين في كلّ زمان مَنْ يقوم بنصرته، ولا تخلو الأرض - في أيّ وقت - من قائم لله بحجّته، والمهدي فرد من أُمّة محمّدصلى الله عليه وآله وسلم ، ينصر الله به دينه في الزمن الذي يخرج فيه الدجّال، وينزل
          فيه عيسى بن مريم عليه السلام من السماء، كما صحّت الأخبار بذلك عن النبي الذي (لا ينطق عن الهوى إنْ هُوَ إلاّ وحي يُوحى) [ الردّ على من أنكر أحاديث المهديّ، مجلّة الجامعة الإسلاميّة - المدينة المنوّرة، العدد 45، السنة 12]
          وثالثا: أين ومتى كان <انتظار المهديّ> سببا للاستسلام? وكيف يحقّ للقائل أن يدّعي هذه السلبيّة? وهؤلاء الشيعةُ، وهم من أشدّ الناس تمسّكا بعقيدة
          المهديّ المنتظر، ويتوقّعون ظهوره وخروجه، بفارغ الصبر وبكلّ إلحاح، تصديقا لإخبار النبيّ الصادق محمّد صلى الله عليه وآله وسلم .
          وهم مستهدَفُون من أجل عقيدتهم هذه بشتّى أنواع التهم والقذف والتسخيف، حتى من قِبَل بعض إخوانهم، الّذين يُشاركونهم في الإسلام.
          فبالرغم منالتزامهمالأكيد والقويّ بانتظارالمهديّ حتى أصبحت ميزةً لهم خاصّة، وكأنّهم وحدهم أُمّة محمّد صلى الله عليه وآله وسلم الذي أخبر بظهور المهديّ ووعد به وأمر بانتظاره والائتمام به .

          تعليق


          • #35
            فمع كلّ ذلك، ها هم الشيعة اليوم، يقفون في الصفّ الأوّل في كلّ الحركات الثورية على الظلمة والمعتدين، وهم يمهّدون للمهديّ ودولته بكلّ ما أُوتوا من حَوْل وطَوْل، ويُعِدون ما استطاعوا من قوّة ومن رباط الخيل، يُرهبون به عدوّ الله، وأعدأهم الكافرين من اليهود والنصارى وأذنابهم من السلفية والعلمانية والبعثية، وأتباع الحكومات المستسلمة اسما، والمستعمرة فكرا وعملا. وهم يعتقدون أنّ ما يقومون به هو <تمهيد> لسلطان المهديّ، وزعزعة للثقة عن قلوب الطغاة والظلمة، وهم الرافضون لكلّ أشكال التعنّت في الحكم، ما مضى منه وما هو قائم باسم الإسلام، ويرفضون كلّ تعنّت وفساد واعوجاج في العقائد والعمل، ويلتزمون - ما أمكنهم - بتطبيق أحكام الإسلام وتحكيم قوانينه على الأرض. ولقد أصبح الشيعة رمزا لكلّ ثائر مؤمنٍ متطلّعٍ إلى الحقّ والعدل، في كلّ الأرض الإسلاميّة، وحتى غير الإسلاميّة.
            وأصبحت الحكومات الجائرة، إسلاميّة وغيرها، تتّهم كلّ مُطالب بالحريّة، ورافضٍ للظلم والجور، بأنّه شيعيّ، أو مرتبط بدولة الشيعة، أو مُتعاطف مع الشيعة، أو يستمدّ منهم مالا وسلاحا، وغير ذلك من التهم، التي لا واقع لها
            فإنّ في المتحرّكين مَنْ لا يعترف بالشيعة ولا بدولة الشيعة .
            إنّ هذا الواقع، أدلّ دليلٍ على بُطلان ما يدّعيه القائل بسلبيّة عقيدة المهديّ المنتظر، بأنّها تؤدّي إلى الاستسلام للظلم.
            وأمّا فلسفة الانتظار الذي تبتنى عليه فكرة <المهديّ المنتظر> فقد شرحها واحد من كبار علماء الشيعة الإماميّة في القرن الرابع الهجريّ، وهو عليّ بن الحسين بن موسى، ابن بابَوَيْه، أبو الحسن، القُميّ (ت329) في مقدّمة كتاب
            <الإمامة والتبصرة من الحَيْرة> الذي ألّفه لمعالجة هذا الأمر بالخصوص، فإنّه ذكر عِللا خمسا <للانتظار> هي من إيجابيّات <المهديّ المنتظر> فلنقرأها:
            قال:
            ولكنّ الله - جلّ اسمه - جعله أمرا <منتظَرا> في كلّ حين وحالا <مرجوّةً>
            عند كلّ أهل عصر:
            1 - لئلاّ تَقْسُوَ - بطول أجلٍ يضربه الله - قلوب.
            2 - ولا تُسْتَبْطَأَ - في استعمال سيّئة وفاحشةٍ - موعدةُ عقاب.
            3 - وليكون كل عاملٍ على أُهْبَةٍ.
            4 - ويكون من وراءعمال الخيرات أُمنيّة، ومن ورأ أهل الخطايا
            والسيّئات خشية وردعة.
            5 - وليدفع الله بعضا ببعض.
            [ الإمامة والتبصرة من الحيرة، لابن بابويه القمي (ت329) تحقيق السيّد محمّد رضا الحسينيّ الجلاليّ، ص143-144، نشر مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث - بيروت 1408 ه ].
            وقد وفّقني الله للعثور على ذلك الكتاب وتحقيقه منذ سنوات، وقد شرحت هذه القطعة من كلامه بما يُناسب إيراده هنا، فقلتُ:
            هذه خمس عللٍ ذكرها المؤلّف <للغَيْبة> وهي أسرار <الانتظار> يمكننا أن نقف لشرحها على صفحات كثيرة، لكنّنا نشير في هذا المجال إلى مختصر من القول:
            الأمر الأوّل: أشار به إلى <الأمل> الذي تبعثه الغَيْبة في نفوس المستضعفين، وأنّ <الانتظار> لا يزرع في قلوبهم: القسوةَ، والخمودَ، واليأسَ، بل: يخلق في نفوسهم: النشاطَ، والوثبةَ، والبأسَ.
            لأنّهم بالإيمان بالغَيْبة لا يجهلون المصير، كما يتخيّلُ المبطلون، بل هم على موعدٍ إلهيّ، واثقون من التحرّر بقيادة حكيمةٍ مدعومةٍ بالنصر الإلهي.
            والأمر الثاني: يُشير به إلى حساب الطواغيت المسيطرين على رقاب الناس، فإنّ الغيبة تبعثُ في أعماقهم رُعْبا لا يهدأ، لأنّهم لا يعلمون متى يأتي وعْدُ الله بعذابهم? <فإنّه آتيهم من حيث لا يشعرون>.
            إنّ جهلهم بالمصير، يُرْبكهم، ويجعلهم في ريبٍ ممّا يقومون به من الظلم والفحش، لأنّهم: (يحسبون كلّ صيحة عليهم).
            والأمر الثالث: - وهو أهمّ الأُمور - : أنّ الغيبة تجعل الإنسان المؤمن، العامل في سبيل الله، في حالة الإنذار القصوى، دائما، وعلى استعداد تام، لكي يقوم بدوره في كلّ حين. يَعُد الأيام، بل الساعات، ليحين الحين، لكي ينطلق نحو الهدف. إنّه لا بُدَ أن يهيّى حاله بكامل العُدَة من الصلاح،
            والسلاح. إنّ <الانتظار> على هذا يعني عملية استنفار مستمرّة لجُند حزب الله، العاملين.
            فما أعظم ذلك من حكمةٍ !!
            والأمر الرابع: أنّ الوعد والوعيد، والتبشير والإنذار، لَمِمّا اعتادت النفوس على الاهتمام بهما، والاعتماد عليهما في الحياة، بل إنّ مبنى الناس في إقدامهم أو إحجامهم، على الأمانيّ والاَمال بما يبشّرهم، أو على أساس الخوف والفزع ممّا يُنذرهم.
            لهذا، فإنّ <الانتظار> يكون لعامل الخير أُمنيّةً يرجوها ويأملها، فيستمرّ على عمل الخير. ويكون لعامل الشرّ خوفا كامنا يتبعه، ووحشة تلاحقُه، فتردعه عن شرّه، وتكفّه عن اتّباع سريرته الشِرّيرة السيّئة .
            والأمر الخامس: إشارة إلى سُنّة الحياة، في التنازع على البقاءوأن تبقى بعض الأُمور مجهولة، كي تستمرّ عجلة الحياة في السير، ولا تخمد جمرة الوجود عن الإثارة، ولكي يبقى للإنسان الخيارُ في أن يختار الأفضل.
            ولو كانت الحقائق - كلّها - واضحة مكشوفة، لَما كان في اختيار الحقّ ميزة للمحقّين، ولم يكن ابتعاد الإنسان عن الشرّ مدعاةً للفرح والسرور. كما إنّ في ذلك إتماما للحُجّة على المعاندين، ممّن اختاروا طريق الفساد، والظلم، ولشرّ، بينما الأخيار إلى جنبهم -أيضا - يعيشون في هذه الحياة ولكن (لولا دَفْعُ اللهِ الناسَ بعضَهم ببعضٍ لَهُدمتْ صوامعُ وبِيَع وصلوات ومساجدُ يُذكر فيها اسمُ الله).
            [ الإمامة والتبصرة من الحيرة، بتحقيقنا، المقدّمة، ص112-114]
            إنّ <إيجابيّات الانتظار> هذه التي ذكرها القُمّي في القرن الرابع الهجري، هي مستلهَمة من واقع الحياة، وسُنّة الله في خلقه، وهي منطبقة على كلّ حالات <الانتظار> التي كانت من قبل، ومن بعد، إلى عصرنا الحاضر.
            وها هم المظلومون في كلّ بُقعةٍ من الأرض، والمؤمنون في الأرض الإسلاميّة، تنطلق جموعهم المصدّقة بالنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم
            وأخباره بخروج المهديّ ودعوته للتمهيد له، وكلّهم في فوران وتوقّع لحكم كلمة الله، يثورون ضدّ الحكومات الجائرة، والحكّام الطغاة الفاسدين من الملوك، والرؤساء والأُمراء والوزراء، وكلّ دجّال لئيم، يتّكى على أريكة
            الحكم والسلطة، بالباطل والزور، مُتقنّعا باسم الإسلام !؟
            والمسلمون - أجمعون - ينتظرون خروج المهديّ الموعود ليحقّق النصر الإلهيّ بتمكين المستضعفين في الأرض، بمنّه وكرمه.

            تعليق


            • #36
              العقل ونقد الحديث

              يمكن أن يعتبر العمود الفقري في مناقشات المنكرين لحقيقة المهديّ هو مسألة نقد ما جاء فيه من الحديث عقليا، وخلاصة ذلك: أنّ اعتماد العلماء إنّما هو على منهج نقد الأسانيد، دون المتون، وهذا لا يغني عن البحث عن المتن مطلقا، لأنّ المحدّثين أنفسهم وضعوا قاعدة مهمّة مفادها <صحّة السند
              لا تقتضي صحّة المتن>.
              ولهذا أكّد بعضهم على لزوم نقد المتن، وذكر مصادر لذلك، وذكر ضوابطه التي أنهاها إلى 18 ضابطة. وركّز في النهاية على لزوم اعتماد العقل في نقد المتن، مدّعيا إغفالهم له، فقال: إنّ إغفالَ الجانب العقليّ،
              والاعتماد على صحّة السند - فقط - قد يجرّد الإسلام من أعظم ما فيه، وهو عدم مناقضته للعقل السليم والنظر الصحيح.
              وقد نقل عن ابن الجوزي قوله: فكلّ حديثٍ رأيته يُخالف المعقول أو يُناقض الأُصول، فاعلم أنّه موضوع، فلا تتكلّف اعتباره.
              ونقل عن أحمد بن حنبل وابن الجوزيّ قولهما بعدم الاعتماد على أخبار الملاحم، وما أخبر عن أمر مستقبل.
              وطبّق هذا على <المهديّ المنتظر> باعتباره من أخبار الملاحم، ومن أُمور المستقبل، وبما وجده - حسب عقله الشاذ - من مخالفات في أخبار المهديّ
              ولا نريد أن ندخل في نقاش الجزئيّات، ولكن نذكّر بأُمور كلّيّة فقط:
              1 - إنّ مصبّ النقد العقليّ لأحاديث المهديّ إنّما هو ذكر التفاصيل، دون أصل الفكرة، كما تدلّ عليه جميع الأمثلة التي ناقشها المنكرون وقد عرفتَ في الفصل الرابع أنّ هناك فرقا واسعا بين الأصل، والتفاصيل، في أحاديث المهديّ.
              2 - وقد ذكّرنا أيضا بأنّ العقل إنّما يدرك أحكاما وقضايا عامّة وكلّيّة، ولا دخل له في الأُمور والحوادث الخاصّة. وقضيّة المهديّ، الموعود، ليست إلاّ أمرا شخصيّا وغيبيّا مستقبلا، فلا مجال لتدخّل العقل فيه، لا إثباتا ولا نفيا. فإقحام العقل وحكمه في أمره، من قلّة المعرفة بالشؤون العقلية ومدى فعّاليّتها.
              كما سبق أن ذكّرنا بأنّ ثبوت المهديّ وانتظاره وخروجه لا يخالف قضيةً من قضايا العقل وأحكامه الثابتة، ولا يخالف أصلا شرعيا، ولا فرعا محقّقا.
              بل هو من الأُمور الخارجية، المحكومة عقلا بالإمكان الخاصّ: فإن اقتضى شي ثبوته، والالتزام به، ثبت ولزم، وإلاّ فلم يقم دليل على امتناعه واستحالته، حتى يقال: إنّه مرفوض عقلا. هذا في أصل قضيّة المهديّ.
              وأمّا التفاصيل: فلو كان شي منها معارضا لأصل عقليّ أو شرعيّ أو حتى فرع شرعيّ مجمَع عليه، فهو مرفوض.
              وإلاّ، فإنْ لم يصحّ سنده لم يجز نسبته إلى الشارع المقدّس، وإن صحَ فهو خبر عاديّ، مثل سائر الأخبار غير الملزِمة علما ولا عملا، وإذا لم تضرّ، لم يمنع مانع من الالتزام بها، وإن ضرّت لزمها حكم الضرر.
              ثمّ إنّ الملاك في رفض العقل لشي، أن تتّفق العقول -للمجموعة البشرية - على رفضه، لا عقل شخص واحد فلو أقدم شخص على الحكم على الأحاديث بالبطلان، لمجرّد استبعاده الشخصيّ لها، واعتباره الخاصّ بأنّها لا
              تُعقل، فهو استبداد بالعقل وإن صدق في دعواه عدم إدراكه لأمر ما من هذا النوع من التفاصيل، فهو معذور، لقصوره.
              ولكون أمر التفاصيل ليس من أركان الدين ولا ضروراته، فلا يحكم عليه من أجل إنكاره لها بالكفر.
              وأمّا ابن خلدون: فإنّما تعرّض لأحاديث المهديّ بالنقد من جهتين:
              الأُولى: المناقشاتُ السَنَدية، بتضعيف أسانيد ما أورده منها، وقد عرفت أنّه أورد (28) حديثا فقط، وحكم بصحّة <القليل أو الأقلّ منها>. وعلى فرض تضعيفها كلّها، فإنّها لا تمثّل إلاّ بعض الأحاديث الواردة في المهديّ، ومن المعلوم أنّ نقد البعض لا يدلّ على ما حكم به من ضعف الكلّ وإبطال أصل
              القضيّة وقد عرفنا وجه الخلل في مواقف ابن خلدون من أحاديث المهديّ سابقا.
              ولا بُدّ من الإشارة إلى أهمّ نقطة في هذا المجال وهي: أنّ تبجّح أحدٍ بفعل ابن خلدون لا منشأ صحيح له، سوى الهوى.
              فإنّ ابن خلدون ليس من أهل هذا الميدان، والحقّ الرجوع في كلّ فن إلى أربابه - كما يقول السيّد الكتّاني -[ نظم المتناثر، للكتّاني، ص146، آخر الحديث 289 ] لأنّ فنّ ابن خلدون وتخصّصه هو علم التاريخ، دون الحديث الشريف رجاله، والحديث إنّما طريقه النقل، والخبرأ فيه إنّما هم المحدّثون الّذين يقصدون طلبه، ويتحمّلون المشاقّ في سبيل تحصيله، وهم العارفون بقواعده وأُصوله.
              وقال السيّد الصدّيق الغماريّ: إنّ ابن خلدون ليس له في هذه الرحاب الواسعة مكان، ولا ضُرِبَ له بنصيبٍ ولا سهم في هذا الشان، ولا استوفى منه بمكيال ولا ميزان. فكيف يُعتمد فيه عليه، ويرجع في تحقيق مسائله إليه?[ إبراز الوهم المكنون، لأحمد الصدّيق الغماري] .
              وقال الشيخ المحدّث النقّاد أحمد شاكر في بعض تخريجاته لأحاديث مسند أحمد: ابن خلدون قد قفا ما ليس له به علم، والله يقول: (ولا تقفُ ما ليس لك به علم) واقتحم قُحَما لم يكن من رجالها, إنّه تهافتَ في الفصل الذي عقده في مقدّمته [ لذكر أحاديث المهدي ] تهافتا عجيبا، وغلط أغلاطا واضحة.
              إنّ ابن خلدون لم يُحسِن فهم قول المحدّثين، ولو اطّلع على أقوالهم، وفقهها ما قالَ شيئا ممّا قال [ نقله العبّاد في مجلّة الجامعة الإسلاميّة - المدينة المنوّرة، العدد 45، من مقال <الردّ على مَنْ كذّب أحاديث المهديّ>] .
              وقال العبّاد في ردّه على ابن محمود المقلّد لابن خلدون في نقد أحاديث المهديّ: إنّ ابن خلدون مؤرّخ، وليس من رجال الحديث، فلا يُعتدَ به في التصحيح والتضعيف، وإنّما الاعتماد بذلك بمثل البيهقيّ، والعقيلي، والخطّابي، والذهبيّ، وابن تيميّة، وابن القيّم، وغيرهم من أهل الرواية والدراية الّذين قالوا بصحّة الكثير من أحاديث المهديّ [مجلّة الجامعة الإسلاميّة، المدينة المنوّرة، العدد 45 ]
              فكيف يُركن إلى ابن خلدون في مثل هذا العمل المهزوز علميّا، في تضعيف أحاديث المهديّ? والجهة الثانية التي اعتمدها ابن خلدون في نقده الأحاديث المهديّ، هي: قاعدته الاجتماعية المبنيّة على أنّ العصبيّة هي دعامة الانتصار في كلّ دعوة إلى الدين أو المُلك، ولا تتمّ بدونها دعوة، وهي لا توجد عند المهديّ.
              فهو يقول في نهاية الفصل الذي عقده لذكر المهديّ: الحقّ الذي ينبغي أن يتقرّر لديك: أنّه لا تتمّ دعوة من الدين والمُلك إلاّ بوجود شوكةٍ وعصبيّة تظهره وتدافع عنه مَنْ يدفعه، حتى يتمّ أمر الله فيه.
              وعصبيّة الفاطميّين، بل وقريش أجمع، قد تلاشت من جميع الاَفاق، ووُجد أُمم آخرون قد استعلت عصبيّتهم على عصبيّة قريش إلاّ ما بقي بالحجاز في مكّة وينبع بالمدينة من الطالبيّين من بني حسن وبني حسين وبني جعفر، وهم منتشرون في تلك البلاد، وغالبون عليها، وهم عصائب بدوية متفرّقون في مواطنهم وإماراتهم وآرائهم، يبلغون آلافا من الكثرة.
              فإن صحّ ظهور هذا المهديّ فلا وجه لظهور دعوته إلاّ بأن يكون منهم، ويؤلّف الله بين قلوبهم في اتّباعه، حتى تتمّ له شوكة وعصبيّة وافية بإظهار كلمته، وحمل الناس عليها.
              وأمّا على غير هذا الوجه، مثل أن يدعو فاطمي منهم إلى مثل هذا الأمر في أُفق من الاَفاق، من غير عصبيّة ولا شوكة، إلاّ مجرّد نسبةٍ في أهل البيت، فلا يتمّ ذلك، ولا يُمكن[ مقدّمة ابن خلدون، 327-328 ]
              وبهذا المنطق يريد ابن خلدون أن ينفي الأحاديث الصحيحة التي وردت ووعدت بالمهديّ المنتظر، ولكنّه منطق هزيل أمام النصّ والواقع:
              فأوّلا: حصره الأساس للانتصار في عصبيّة النسب، أمر لا يوافق المنطق الإسلامي الرافض لكلّ أشكال العصبيّات والعنصريات، والداعي إلى الأُخوّة الإسلاميّة.
              وثانيا: بطلان دعواه بالنسبة إلى الديانات والحركات الدينيّة التي قامت على الأرض ولا تزال، ممّا لا تعتمد على العصبيّة، بل تضادّها أحيانا كثيرة:
              فهذه ثورة الإسلام التي قام بها النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وليس معه من
              قومه إلاّ القلائل، وأمّا الأكثرية فكانوا ضدّه بل هم من أشدّ الناس عليه، ولكنّه غلبهم ودحرهم بإذن الله.
              وهذه الثورة الإسلاميّة في إيران، قادها رجل علويّ وهو الإمام الخميني، من دون أن ينتمي إلى عَصَبة وشوكة سوى العُلقة الربّانية التي كانت تربط مقلديه في الفتوى به وقد نصره الله على <الشاه> الأعجمي الحسب والنسب،
              والذي كان يدعو إلى القوميّة الفارسيّة بأقوى الأساليب وبشكل منهجي ومدروس، لكنّ الشعب المسلم المؤمن وقف مع الإمام العلويّ، إلى حدّ الانتصار.
              وثالثا: إنّ المهديّ المنتظر، له ممهّدون، يمهّدون له سلطانه، ويهيّؤن له أُموره، وإن لم يكونوا من عصبته، كما دلّت عليه أخبار متّفق عليها بين المسلمين، فلا ينحصر وجه ظهوره في أن يخرج في عصبته من الطالبيّين فقط.
              ورابعا: لو صحّت الأحاديث بخروج المهديّ، فالمتّبع هو ما ورد في متونها، وهي تدلّ على <ظهور رجل من أهل البيت يدعو إلى الرشد والهدى، ويحكّم كلمة الله على سطح الكرة الأرضية>.
              وأمّا أنّه <يخرج في الطالبيّين> خاصّة، كما يراه ابن خلدون، فليس بحجّة، ولم يتضمّنه حديث، ودليله عليه عليل، فلا يجب علينا الالتزام برأيه.
              بل هو إن كان مؤمنا بالله والرسول، فالواجب عليه رفع يده عن نظريّته الهزيلة، والتزام ما وردت به الأحاديث الصحيحة.

              يمكن أن يعتبر العمود الفقري في مناقشات المنكرين لحقيقة المهديّ هو مسألة نقد ما جاء فيه من الحديث عقليا، وخلاصة ذلك: أنّ اعتماد العلماء إنّما هو على منهج نقد الأسانيد، دون المتون، وهذا لا يغني عن البحث عن المتن مطلقا، لأنّ المحدّثين أنفسهم وضعوا قاعدة مهمّة مفادها <صحّة السند
              لا تقتضي صحّة المتن>.
              ولهذا أكّد بعضهم على لزوم نقد المتن، وذكر مصادر لذلك، وذكر ضوابطه التي أنهاها إلى 18 ضابطة. وركّز في النهاية على لزوم اعتماد العقل في نقد المتن، مدّعيا إغفالهم له، فقال: إنّ إغفالَ الجانب العقليّ،
              والاعتماد على صحّة السند - فقط - قد يجرّد الإسلام من أعظم ما فيه، وهو عدم مناقضته للعقل السليم والنظر الصحيح.
              وقد نقل عن ابن الجوزي قوله: فكلّ حديثٍ رأيته يُخالف المعقول أو يُناقض الأُصول، فاعلم أنّه موضوع، فلا تتكلّف اعتباره.
              ونقل عن أحمد بن حنبل وابن الجوزيّ قولهما بعدم الاعتماد على أخبار الملاحم، وما أخبر عن أمر مستقبل.
              وطبّق هذا على <المهديّ المنتظر> باعتباره من أخبار الملاحم، ومن أُمور المستقبل، وبما وجده - حسب عقله الشاذ - من مخالفات في أخبار المهديّ
              ولا نريد أن ندخل في نقاش الجزئيّات، ولكن نذكّر بأُمور كلّيّة فقط:
              1 - إنّ مصبّ النقد العقليّ لأحاديث المهديّ إنّما هو ذكر التفاصيل، دون أصل الفكرة، كما تدلّ عليه جميع الأمثلة التي ناقشها المنكرون وقد عرفتَ في الفصل الرابع أنّ هناك فرقا واسعا بين الأصل، والتفاصيل، في أحاديث المهديّ.
              2 - وقد ذكّرنا أيضا بأنّ العقل إنّما يدرك أحكاما وقضايا عامّة وكلّيّة، ولا دخل له في الأُمور والحوادث الخاصّة. وقضيّة المهديّ، الموعود، ليست إلاّ أمرا شخصيّا وغيبيّا مستقبلا، فلا مجال لتدخّل العقل فيه، لا إثباتا ولا نفيا. فإقحام العقل وحكمه في أمره، من قلّة المعرفة بالشؤون العقلية ومدى فعّاليّتها.

              تعليق


              • #37
                كما سبق أن ذكّرنا بأنّ ثبوت المهديّ وانتظاره وخروجه لا يخالف قضيةً من قضايا العقل وأحكامه الثابتة، ولا يخالف أصلا شرعيا، ولا فرعا محقّقا.
                بل هو من الأُمور الخارجية، المحكومة عقلا بالإمكان الخاصّ: فإن اقتضى شي ثبوته، والالتزام به، ثبت ولزم، وإلاّ فلم يقم دليل على امتناعه واستحالته، حتى يقال: إنّه مرفوض عقلا. هذا في أصل قضيّة المهديّ.
                وأمّا التفاصيل: فلو كان شي منها معارضا لأصل عقليّ أو شرعيّ أو حتى فرع شرعيّ مجمَع عليه، فهو مرفوض.
                وإلاّ، فإنْ لم يصحّ سنده لم يجز نسبته إلى الشارع المقدّس، وإن صحَ فهو خبر عاديّ، مثل سائر الأخبار غير الملزِمة علما ولا عملا، وإذا لم تضرّ، لم يمنع مانع من الالتزام بها، وإن ضرّت لزمها حكم الضرر.
                ثمّ إنّ الملاك في رفض العقل لشي، أن تتّفق العقول -للمجموعة البشرية - على رفضه، لا عقل شخص واحد فلو أقدم شخص على الحكم على الأحاديث بالبطلان، لمجرّد استبعاده الشخصيّ لها، واعتباره الخاصّ بأنّها لا
                تُعقل، فهو استبداد بالعقل وإن صدق في دعواه عدم إدراكه لأمر ما من هذا النوع من التفاصيل، فهو معذور، لقصوره.
                ولكون أمر التفاصيل ليس من أركان الدين ولا ضروراته، فلا يحكم عليه من أجل إنكاره لها بالكفر.
                وأمّا ابن خلدون: فإنّما تعرّض لأحاديث المهديّ بالنقد من جهتين:
                الأُولى: المناقشاتُ السَنَدية، بتضعيف أسانيد ما أورده منها، وقد عرفت أنّه أورد (28) حديثا فقط، وحكم بصحّة <القليل أو الأقلّ منها>. وعلى فرض تضعيفها كلّها، فإنّها لا تمثّل إلاّ بعض الأحاديث الواردة في المهديّ، ومن المعلوم أنّ نقد البعض لا يدلّ على ما حكم به من ضعف الكلّ وإبطال أصل
                القضيّة وقد عرفنا وجه الخلل في مواقف ابن خلدون من أحاديث المهديّ سابقا.
                ولا بُدّ من الإشارة إلى أهمّ نقطة في هذا المجال وهي: أنّ تبجّح أحدٍ بفعل ابن خلدون لا منشأ صحيح له، سوى الهوى.
                فإنّ ابن خلدون ليس من أهل هذا الميدان، والحقّ الرجوع في كلّ فن إلى أربابه - كما يقول السيّد الكتّاني -[ نظم المتناثر، للكتّاني، ص146، آخر الحديث 289 ] لأنّ فنّ ابن خلدون وتخصّصه هو علم التاريخ، دون الحديث الشريف رجاله، والحديث إنّما طريقه النقل، والخبرأ فيه إنّما هم المحدّثون الّذين يقصدون طلبه، ويتحمّلون المشاقّ في سبيل تحصيله، وهم العارفون بقواعده وأُصوله.
                وقال السيّد الصدّيق الغماريّ: إنّ ابن خلدون ليس له في هذه الرحاب الواسعة مكان، ولا ضُرِبَ له بنصيبٍ ولا سهم في هذا الشان، ولا استوفى منه بمكيال ولا ميزان. فكيف يُعتمد فيه عليه، ويرجع في تحقيق مسائله إليه?[ إبراز الوهم المكنون، لأحمد الصدّيق الغماري] .
                وقال الشيخ المحدّث النقّاد أحمد شاكر في بعض تخريجاته لأحاديث مسند أحمد: ابن خلدون قد قفا ما ليس له به علم، والله يقول: (ولا تقفُ ما ليس لك به علم) واقتحم قُحَما لم يكن من رجالها, إنّه تهافتَ في الفصل الذي عقده في مقدّمته [ لذكر أحاديث المهدي ] تهافتا عجيبا، وغلط أغلاطا واضحة.
                إنّ ابن خلدون لم يُحسِن فهم قول المحدّثين، ولو اطّلع على أقوالهم، وفقهها ما قالَ شيئا ممّا قال [ نقله العبّاد في مجلّة الجامعة الإسلاميّة - المدينة المنوّرة، العدد 45، من مقال <الردّ على مَنْ كذّب أحاديث المهديّ>] .
                وقال العبّاد في ردّه على ابن محمود المقلّد لابن خلدون في نقد أحاديث المهديّ: إنّ ابن خلدون مؤرّخ، وليس من رجال الحديث، فلا يُعتدَ به في التصحيح والتضعيف، وإنّما الاعتماد بذلك بمثل البيهقيّ، والعقيلي، والخطّابي، والذهبيّ، وابن تيميّة، وابن القيّم، وغيرهم من أهل الرواية والدراية الّذين قالوا بصحّة الكثير من أحاديث المهديّ [مجلّة الجامعة الإسلاميّة، المدينة المنوّرة، العدد 45 ]
                فكيف يُركن إلى ابن خلدون في مثل هذا العمل المهزوز علميّا، في تضعيف أحاديث المهديّ? والجهة الثانية التي اعتمدها ابن خلدون في نقده الأحاديث المهديّ، هي: قاعدته الاجتماعية المبنيّة على أنّ العصبيّة هي دعامة الانتصار في كلّ دعوة إلى الدين أو المُلك، ولا تتمّ بدونها دعوة، وهي لا توجد عند المهديّ.
                فهو يقول في نهاية الفصل الذي عقده لذكر المهديّ: الحقّ الذي ينبغي أن يتقرّر لديك: أنّه لا تتمّ دعوة من الدين والمُلك إلاّ بوجود شوكةٍ وعصبيّة تظهره وتدافع عنه مَنْ يدفعه، حتى يتمّ أمر الله فيه.
                وعصبيّة الفاطميّين، بل وقريش أجمع، قد تلاشت من جميع الاَفاق، ووُجد أُمم آخرون قد استعلت عصبيّتهم على عصبيّة قريش إلاّ ما بقي بالحجاز في مكّة وينبع بالمدينة من الطالبيّين من بني حسن وبني حسين وبني جعفر، وهم منتشرون في تلك البلاد، وغالبون عليها، وهم عصائب بدوية متفرّقون في مواطنهم وإماراتهم وآرائهم، يبلغون آلافا من الكثرة.
                فإن صحّ ظهور هذا المهديّ فلا وجه لظهور دعوته إلاّ بأن يكون منهم، ويؤلّف الله بين قلوبهم في اتّباعه، حتى تتمّ له شوكة وعصبيّة وافية بإظهار كلمته، وحمل الناس عليها.
                وأمّا على غير هذا الوجه، مثل أن يدعو فاطمي منهم إلى مثل هذا الأمر في أُفق من الاَفاق، من غير عصبيّة ولا شوكة، إلاّ مجرّد نسبةٍ في أهل البيت، فلا يتمّ ذلك، ولا يُمكن[ مقدّمة ابن خلدون، 327-328 ]
                وبهذا المنطق يريد ابن خلدون أن ينفي الأحاديث الصحيحة التي وردت ووعدت بالمهديّ المنتظر، ولكنّه منطق هزيل أمام النصّ والواقع:
                فأوّلا: حصره الأساس للانتصار في عصبيّة النسب، أمر لا يوافق المنطق الإسلامي الرافض لكلّ أشكال العصبيّات والعنصريات، والداعي إلى الأُخوّة الإسلاميّة.
                وثانيا: بطلان دعواه بالنسبة إلى الديانات والحركات الدينيّة التي قامت على الأرض ولا تزال، ممّا لا تعتمد على العصبيّة، بل تضادّها أحيانا كثيرة:
                فهذه ثورة الإسلام التي قام بها النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وليس معه من
                قومه إلاّ القلائل، وأمّا الأكثرية فكانوا ضدّه بل هم من أشدّ الناس عليه، ولكنّه غلبهم ودحرهم بإذن الله.
                وهذه الثورة الإسلاميّة في إيران، قادها رجل علويّ وهو الإمام الخميني، من دون أن ينتمي إلى عَصَبة وشوكة سوى العُلقة الربّانية التي كانت تربط مقلديه في الفتوى به وقد نصره الله على <الشاه> الأعجمي الحسب والنسب،
                والذي كان يدعو إلى القوميّة الفارسيّة بأقوى الأساليب وبشكل منهجي ومدروس، لكنّ الشعب المسلم المؤمن وقف مع الإمام العلويّ، إلى حدّ الانتصار.
                وثالثا: إنّ المهديّ المنتظر، له ممهّدون، يمهّدون له سلطانه، ويهيّؤن له أُموره، وإن لم يكونوا من عصبته، كما دلّت عليه أخبار متّفق عليها بين المسلمين، فلا ينحصر وجه ظهوره في أن يخرج في عصبته من الطالبيّين فقط.
                ورابعا: لو صحّت الأحاديث بخروج المهديّ، فالمتّبع هو ما ورد في متونها، وهي تدلّ على <ظهور رجل من أهل البيت يدعو إلى الرشد والهدى، ويحكّم كلمة الله على سطح الكرة الأرضية>.
                وأمّا أنّه <يخرج في الطالبيّين> خاصّة، كما يراه ابن خلدون، فليس بحجّة، ولم يتضمّنه حديث، ودليله عليه عليل، فلا يجب علينا الالتزام برأيه.
                بل هو إن كان مؤمنا بالله والرسول، فالواجب عليه رفع يده عن نظريّته الهزيلة، والتزام ما وردت به الأحاديث الصحيحة.

                تعليق


                • #38
                  هل مسألة المهديّ، من العقائد?

                  إنّ بعض شيوخ أهل السُنّة حشروا الاعتقاد بالمهديّ ضمن عقيدة المسلم، فقال من اعترض عليهم: كان ينبغي استبعاده. لأنّ الشيعة يعتبرونه من العقيدة، لأنّه إمام، والإمام منها. وإن كان من أشراط الساعة، فكان عليه أن يتذكّر أنّ أحاديثها من أخبار الاَحاد التي لا تثبت بها عقيدة[ تراثنا وموازين النقد (ص198)]
                  نقول: إنّ الدليل الأوّل المذكور لاستبعاد كون أمر المهديّ من العقائد حسب عقيدة أهل السُنّة، جيّد: فأهل السُنّة يرون الإمامة من فروع العمل الواجب على الأُمّة، لا من أُصول الاعتقاد الذي يُبتنى عليه الايمان،
                  والمهديّ على فرض ثبوته وصحّة خبره إنّما هو خليفة، لا أكثر.
                  ولكن إذا صحّت الأخبار بمعنى المهديّ وتكاثرت إلى حدّ التواتر المفيد للعلم، فهي خارجة عن الاَحاد. وقد عرفت دعوى التواتر من عدّة من أعلام الحديث، فلماذا لا تثبت به العقيدة العلميّة?
                  وإذا لم يتمّ التواتر، لكن صحّت الأخبار، وبرئت أسانيدها من الغلط والسهو، وفرضنا أنّه لا يدخل مضمونها في العقيدة، فهل يجوز للمسلم أن يرفضه، ويحكم بوضعه وبطلانه?
                  إنّ العلماء قرّروا في مثل هذا أنّه: إذا لم يكن حديث المهديّ من العقائد، فهو ملحق بما يجب الالتزام به لا كمعتقد، بل باعتبار صدور الخبر الصحيح به. كما قال الشيخ محمّد الخضر حسين: إذا ورد حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأنّه يقع في آخر الزمان كذا، حصل العلم به ووجب الوقوف عنده، من غير حاجة إلى أن يكثر رواة هذا الحديث حتى يبلغ مبلغ التواتر[ نظرة في أحاديث المهديّ، في مجلّة التمدّن الإسلامي - الدمشقيّة].
                  ولا أقلّ من عدّ هذه الأحاديث مثل أحاديث العمل التي يلتزم بها العلماء والفقهأ وجميع المسلمين باعتبارها صادرة من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حجّةً معتبرة، ودليلا شرعيا على مداليلها، فيجب الالتزام بها على مَنْ يعتقد بالإسلام دينا، وبمحمّد صلى الله عليه وآله وسلم نبيّا. أمّا ردّها ونبذها وتسفيه الملتزم بها، فهذا ما لم يلتزم به مسلم لا قديما ولا حديثا، إلاّ من قبل هذه الشرذمة ابن خلدون ومن لفّ لفّه، بأدلّة واهية.

                  تعليق


                  • #39
                    مسائل هامّة

                    1 - مسألة وضع الحديث:
                    حاول البعض جعل أحاديث المهديّ من موضوعات الشيعة ونقل عمّن سمّاهم <مؤرّخي الحركة الفكرية في العالم الإسلامي>
                    - ومن هم هؤلاء مجهولو الهوية? والحسب? والنسب? الّذين تعلّموا على أيدي ماسينيون اليهوديّ، وجولد زيهر، وفان فلوتن، وغيرهم من صنائع الصهيونية والصليبيّة الحاقدة على الإسلام والمسلمين، من أمثال أحمد أمين، وطه حسين، وقاسم أمين، وجرجي زيدان، ذيول الغرب وأبواقه !!!؟؟؟ -
                    نقل عنهم قولهم: إنّ الوضع في الحديث بدأ بشكلٍ متعمَد لخدمة أغراض سياسيّة أيّام الفتنة بين عليّ ومعاوية، كما استغلّ الوضع لخدمة أغراض واتّجاهات ومناهج اعتقادية. وإنّ بداية الوضع في الحديث كانت على أيدي الشيعة الّذين وضعوا أحاديث كثيرة تفضل عليّا وآل البيت على غيرهم من الصحابة.
                    والحماس لاَل البيت كلمة حقّ أُريد بها باطل، فقد تستّر بها أعداد كبيرة
                    من الزنادقة، وضعيفي الدين، والموتورين من الشعوب التي ذهبت دولها، تطلّعا إلى هدم الإسلام، وإضعاف السلطة العربية [تراثنا وموازين النقد (ص168-9)].
                    وهذه المسألة ليست من البساطة بحيث يُكتفى في تأصيلها، والبتّ فيها، بهذه الكلمات المنقولة عن مجهولين ولو بعنوان <مؤرّخي الحركة الفكرية ...> ولو أنّها دخلت في عقول من ليس من أهل هذا الشأن، فإنّ تناقلها لا يخرجها عن الدعوى المحتاجة إلى البيّنة والبرهان ويمكن مناقشتها توّا من خلال هذه الكلمات المنقولة نفسها، فإذا كانت الأغراض السياسيّة هي ورأ وضع
                    الحديث، واستغلّ الوضع لخدمة أغراض واتّجاهات ومناهج اعتقادية.
                    فلماذا لا يكون الاتّجاه المخالف للشيعة هو الذي بدأ بالوضع?
                    وإذا كان الحماس لاَل البيت كلمة حقّ أُريد بها باطل، فلماذا لايكون الحماس للصحابة كلمة حقّ أُريد بها باطل?
                    ولماذا لا تكون أعداد كبيرة من الزنادقة وضعيفي الدين والموتورين من الشعوب التي ذهبت دولها، وضعوا الأحاديث في فضائل الصحابة، تطلعا إلى هدم الإسلام، ليتقرّبوا بذلك إلى الخلفأ الولاة، ليتمكّنوا من القضأ على
                    هذا الدين بقتل الأتقيأ والوعّاظ الّذين كانوا يحاربون الانحراف عن الدين القويم، وخاصّة العلماء من أهل بيت النبيّ وصحابته الأبرار?
                    والدليل على ذلك، أنّ هؤلا الأتقيأ، وعلماء أهل البيت والصحابة كانوا هم الضحايا والمطارَدين طيلة حكم الخلفاء في القرن الأوّل.
                    حتى أُبعد من أُبعد، ونُفي من نُفي، وحُبس من حُبس، وقُتل من قُتل، حربا، أو صبرا ولماذا لا يُنسَبُ وضع الحديث إلى قريش، التي أسلمت رغما على أنفها، وخاصّة مسلمة الفتح، الّذين لم ينفكّوا عن حرب الإسلام حتى آخر لحظة من استسلامهم، ولمّا توفّي النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لم يألوا جهدا في زعزعة كيان الإسلام بإبعاد أهل البيت، والصحابة الكرام، وإيذائهم وحبسهم. فلماذا لا يُنسب إليهم وضع الحديث بهدف هدم كيان الإسلام، الّذي أفقدهم عزّهم وكرامتهم الجاهلية، فلمّا لم يجدوا بُدّا من الاستسلام أخذوا في التخريب السرّي، والتسلّل إلى مناطق النفوذ والسلطة من خلال التزلّف إلى الحكّام والسير في ركبهم?
                    ولماذا يخصّ الوضع بالأُمم الأُخرى الّذين دخلوا الإسلام فقط?
                    وإذا صحّ القول بأنّ الشعوب الأُخرى - وليس الشعب العربي - هم الّذين قاموا بالوضع للحديث، لأنّ الإسلام أفقدهم عزّهم ودولتهم، فلماذا يخصّ الوضع بإيران القديمة، دون الروم، واليهود، والنصارى الموجودين في
                    الشام وفلسطين وبلاد الروم المغلوبة كذلك?
                    ثمّ إنّ إيران القديمة التي يؤكّد على نسبة الوضع إليها، لم تكن - حين الوضع للأحاديث - في القرون الأُولى شيعيّةً، بل كانت كلّها من أهل السُنّة، فعلى ذلك الأساس، هل يُحكم بوضع ما نقلوه من أحاديث فضائل الصحابة?
                    بينما البلاد العربيّة كانت مليئة بالشيعة، وخاصة المدن الكبرى بل كانت إيران في زمن الفتنة وما بعدها إلى قرون سبعة <سُنيّة> المذهب، ولم يدخل التشيّع إلى إيران بشكل رسمي إلاّ بعد القرن السابع.
                    بينما كان التشيّع منتشرا بين العرب وفي البلاد العربية منذ القرون الأُولى .
                    فإلى متى يبقى كُتّاب أهل السنّة على هذا <التلّ> من المزاعم الكاذبة يتناقلونها من دون خجلٍ ولا يُحاولون النزوح عنها رغم <غروب شمس>الاتّهامات والعصبيّة والدَجَل?
                    وإلى متى يقصع كلّ كاتب بِجِرّة مَنْ سبقه، من دون تأمّل في المنقولات
                    وأبعادها?
                    وإلاّ، فمن الواضح الذي يعترف به كلّ حر: أنّ في روايات المهديّ، وبطرق أهل السُنّة، لا الشيعة، ما رواه كعب الأحبار <اليهوديّ الذي انبهر بعلمه الكثيرون .. فقد استغلّ ثقة الرواة فيه، وجعل من مسألة المهديّ معرضا
                    لمفاخر اليهود> [تراثنا وموازين النقد (ص195)] .
                    مع أنّ كعبا ليس محسوبا على الشيعة، إطلاقا، بل هو من الموثوق بهم عند أهل السُنّة، اعتمدوا عليه، وملأوا كتبهم من مرويّاته، وفيها الكثير من الإسرائيليّات المكذوبة على الله ورسوله.
                    فلماذا لا يُثير وجود هذا اليهوديّ المحترف، وأخباره في كتب أهل السُنّة، أن يكون لليهود، بواسطة كعب هذا، تأثير على الفكر السُنّي?
                    ولكنّهم يصرّون على أنّ الفكر الشيعي قد تأثّر باليهودية من خلال عبدالله بن سبأ اليهودي الاَخر المحسوب على الشيعة.
                    مع أنّ الشيعة يتبرّأون من ابن سبأ، وتروي كتب التاريخ والرجال أنّ الإمام عليّا عليه السلام قتله وأحرقه بالنار، وهو من المنبوذين الملعونين عندهم، ولا تعتمد له رواية في كتبهم.
                    أمّا كعب فيتمتّع بكلّ ثقة واحترام عند علماء أهل السُنّة يمجّدون به وبعلمه، ويتناقلون خرافاته الإسرائيليّة.
                    فهل هذا منطق العدالة?
                    أو هل هذا عدالة الكتاب والقلم?
                    وهل هو موضوع قابل للإلقأ في محاضرة علميّة رصينة?
                    ثمّ إنّ لنا حديثا آخر في موضوع <وضع الحديث> ونسبته إلى الشيعة، ذكرناه مفصّلا في كتابنا <تدوين السُنّة الشريفة>[ اُنظر: تدوين السُنّة الشريفة، ص497-504 ] فلا نعيده حذرا من الإطالة.
                    وأمّا رأي علماء السُنّة في اتّهام الشيعة بوضح أحاديث المهديّ، فقد قال الشيخ محمّد الخضر حسين: يقول بعض المنكرين لأحاديث المهديّ جملةً: إنّ هذه الأحاديث من وضع الشيعة، لا محالة.
                    ويُرَدّ هذا: بأنّ هذه الأحاديث مرويّة بأسانيدها ومنها ما تقصّينا رجال سنده فوجدناهم عُرفوا بالعدالة والضبط، ولم يتّهمه أحد من رجال التعديل والتجريح بتشيّع مع شهرة نقدهم للرجال [ نظرة في أحاديث المهديّ، مجلّة التمدّن الإسلامي - الدمشقية]
                    وقد ردّ العبّاد هذه المزعومة، فقال: ما قالوه من أنّ فكرة المهديّ نبعت من عقائد الشيعة وكانوا هم البادئين باختراعها، وأنّهم استغلّوا أفكار الجمهور... وضعوا الأحاديث يروونها عن رسول اللهصلى الله عليه وآله وسلم في ذلك وأحكموا أسانيدها، وأذاعوها من طرق مختلفة وصدّقها الجمهور الطيّب لبساطته فقال العبّاد: هذا القول يشتمل على تنقيص سلف هذه الأُمّة، أوعية السُنّة ونقلة الاَثار، والنيل منهم ووصف أفكارهم بالسذاجة، وأنّهم يصدّقون بالموضوعات لبساطتهم.
                    ولا شكّ أنّه كلام في غاية الخطورة [ مجلّة الجامعة الإسلاميّة - المدينة المنوّرة، العدد 45 ]

                    تعليق


                    • #40
                      2 - مسألة اتحاد المسلمين، ورواية الحديث:

                      مع أنّ الالتزام بالمهديّ على أساس من الأحاديث المتوفّرة، هو داعية قويّة لجمع كلمة المسلمين على هذه القضيّة، فإنّ بعض المفرّقين للكلمة يحاولون نفيه، مع أنّهم يتظاهرون بحبّ الوحدة والاتّحاد.
                      والشيعة، بما أنّهم يلتزمون بإمامة المهديّ المنتظر تبعا لتلك الأحاديث، فإنّهم يحرصون وبكلّ ما وسعهم للتأكيد على هذه الفكرة وتعميمها بين الاُمّة.
                      كما أنّهم يحاولون دائما تألّف فرق المسلمين بشتّى الطرق حتّى أنّ فقهأهم يستندون في مجال أحكام الفقه والشريعة إلى أخبار العامة وصحاح أهل السنّة، وهذا ديدنهم قديما وحديثا.
                      وبدلا من أن يكون مثل هذا محلا للإكبار والإعجاب، فقد أصبح مثارا لغضب بعض الكتّاب من هُواة التفرقة، فقال متهجّما على الشيعة: <إنّ في دراسات المعاصرين من الشيعة الإماميّة استدلالهم بأحاديث ثابتة في صحاح أهل
                      السُنّة ... ، ولكنّها يؤتى بها لإقناعنا نحن، أو لمجرّد الاستئناس، ويسمّونها <ممّا روته العامة> بينما استنباط الحكم يكون من أحاديثهم لأنّها منقولة عن الأئمّة
                      المعصومين. بينما نجد أهل السُنّة حريصين على وحدة الأُمّة وجمع
                      كلمتها، فلا يصمون أحدا بالفسق أو الكُفر ...>[ تراثنا وموازين النقد (ص169-170)].
                      ولكن: إذا كان الشيعة يذكرون أحاديث العامة، ولو للاستئناس والإقناع، فإنّهم يحاولون تألّف العامة بهذا القدر.
                      أمّا أهل السُنّة فهل يذكرون أحاديث الشيعة، ولو بنفس الغرض? أو إنّهم يتغافلون عن آرأ الشيعة في الفقه والأحكام، ويهملون أحاديث أهل البيت وفقههم مطلقا?
                      وإذا كان الشيعة يستدلّون على الأحكام برواياتهم عن
                      المعصومين، فذلك لأنّهم يرون حجّيّة هذه الروايات باعتبارها سُنّة مأخوذة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأصحّ الطرق وأسلمها.
                      أفي هذا عيب وإشكال، حتى يطرحَ بهذا الشكل، المريب?
                      أم إنّ الإشكال في مراجعة الشيعة لأحاديث العامة, والاستناد إليها، لاحتجاج بها على مخالفيهم، ليقنعوهم، أو يتأكّدوا بدلالاتها على ما وصلوا إليه?
                      وليس هذا عمل الشيعة المعاصرين فحسب، بل القدماء قاموا بهذا العمل أيضا، في كتب الفقه المقارن الذي سبقوا إلى إبداعه، والتأليف فيه?
                      فأيّ الفريقين يبدو أحرصَ على الوحدة وجمع الكلمة?
                      وأمّا أنّ أهل السُنّة يعتمدون على الرواة من الفرق الأُخرى، فإنّ الشيعة كذلك يعتمدون على الرواة من الفرق المخالفة، والشرط الأساسي في الراوي عندهم <الوثاقة والسداد>.
                      فإذا كان الراوي <ثقة> وكان <سديد الحديث> قُبلت روايته.
                      وكم من راوٍ من العامة، مذكور في رجال الحديث عند الشيعة ومصرّح بوثاقته والاعتماد عليه? وحتى من مشاهيرهم وقضاتهم: كحفص بن غياث.
                      وكذا تجد في كتب الشيعة الرواية عن كبار العامّة: كابن جريج والزهري، وسفيان، ومالك، وغيرهم من أعلام الحديث عند أهل السُنّة.
                      ثمّ قوله: إنّ أهل السُنّة لا يصمون أحدا بالفسق والكفر.
                      هل هذا صحيح على إطلاقه? ولو كان أحد يلتزم به عمليا، لكان أمرا جيّدا نُكْبِرهُ عليه، إلاّ أنّ الظاهر عدم اطّلاع القائل على ما يُصدره قضاة أهل السُنّة - بين الحين والاَخر - من الفتاوى الظالمة ضدّ الشيعة، بالتكفير وإهدار الدمأ والأعراض، وأحدثها: فتوى ابن جبرين الوهّابيّ السعوديّ، عضو مجلس الإفتأ بالمملكة السعودية في الرياض، التي لم يجفّ حِبْرُها، بعدُ.
                      فأين القائل - وهو من أهل المغرب - ممّا يجري في مشرق أرض العرب?
                      ومقالة الكاتب المغربي <تراثنا وموازين النقد> التي طبعها في مجلّة كلية الدعوة الإسلاميّة في ليبيا، العدد العاشر، سنة 1993 نوع آخر من التفسيق، والاعتداء على كرامة الشيعة، لما تحتويه من الاتّهامات بوضع الحديث، وتشويه السمعة بالتزام السخافات.
                      فهل هذا نموذج من الحرص على وحدة الأُمّة وجمع كلمتها?
                      وموضوع نقده: <المهديّ المنتظر>:
                      فبدلا من أن يُتّخذ أداةً للّقأ والأُلفة وجمع الكلمة، بعد أن أجمعت الفرق الإسلامية كلّها على روايته، وقبوله وتصحيح أخباره، ليكون نقطة تجتمع عندها الكلمة، وتتّفق عليها الاَرأ، وتتحطّم على صخرتها كلّ النزاعات
                      والخلافات بدلا من كلّ ذلك، يحاول الكاتب بكلّ الأساليب في ردّه،
                      وتشويه صورته، وتنفير الناس عنه.
                      وبدلا من أن يؤكّد على النقاط الإيجابية فيه، فهو يركّز على سلبيّاته، وجزئيّاته المختلف فيها. ويتغافل عن أصلها الثابت، المسلَم، المتّفق عليه.
                      وقبل ذلك، هل إثارة قضيّة المهديّ المنتظر، في هذا الوقت بالذات، وفي خضمّ الأزمات التي تحيط بالأُمّة الإسلاميّة - وأُمّة العرب بالأخصّ - فيها دلالة على حرصٍ على الوحدة وجمع الكلمة?

                      تعليق


                      • #41
                        3 - الغَيْبة عند الشيعة:

                        وممّا أثاروه ضدّ أمر المهديّ وتفرقة أمر المسلمين في الالتزام به وتخطئة أحاديثه: إنّ فكرة الغَيْبة والعودة عند الشيعة، فكرة مشتركة بين اليهود والنصارى وتأثّر التفكير الشيعي بهذين المصدرين غير مستبعد لانضواء كثيرين
                        من غير العرب وأصحاب الأديان والحضارات السابقة، تحت لوأ التشيّع ليثأروا لأنفسهم من سلطة الحاكم العربي تحت ستار الغيرة على حقوق آل البيت، وفي مقدّمة هؤلاء عبد الله بن سبأ [تراثنا وموازين النقد (ص184)].
                        إنّ وجود أُمور مشتركة - بين الأديان السماوية - أمر لا يمكن إنكاره الباحثين والعلماء. وأمّا نسبة تأثّر التفكير في مذهب من مذهب آخر،
                        فأمر يحتاج إلى دليل جازم، وليس مجرّد وجود الفكرة عند المذهبين كافيا للحكم بالتأثير والتأثّر. فهل يحقّ لأحد أن يقول: إنّ المذهب السُنّي الملتزم
                        التكتف في الصلاة، مأخوذ من فعل المجوس مثلا، لأنّ المجوس يفعلون ذلك في عبادتهم أو أمام كبرائهم?
                        أو قولهم: <آمين> بعد سورة الحمد في الصلاة مأخوذ من النصارى واليهود، لأنّهم يقولون ذلك بعد قرأتهم للأدعية?
                        أو يقول: إنّ التفكير السُنّي متأثّر بالدين اليهودي والمسيحي، لأنّ كثيرين من أصحاب هذه الديانتين من أهل الحضارات السابقة كالروم والأقباط قد انضووا تحت لوأ التسنن، ليثأروا لأنفسهم من سلطة الدين الإسلامي،
                        تحت ستار الغيرة للصحابة ولعثمان الخليفة المقتول?
                        وقد كان لكثير منهم نفوذ كبير وتسلّل عميق في البلاط الاموي وفي مقدّمة هؤلا كعب الأحبار اليهوديّ إنّ مثل هذه الأحكام الاعتباطيّة، لا تصدر ممّن يعرف طرق النقد، ويتحاكم إلى الإنصاف، ويريد أن يبني على أُسس العقل والمنطق، ويزن الأحاديث والنقول بموازين النقد العقلي
                        فكيف يتقبّل المسلم مثل هذه التّرهات، ويبني عليها في بحث يريد أن يكون <علميّا ورصينا>?
                        ولو راجع واحدا من كتب الشيعة التي أُلّفت في موضوع <الغَيْبة> و <الرجعة> لعرف أنّ الشيعة لم يعتمدوا في التزامهم بذلك، لا على اليهود، ولا النصارى، ولا كعب الأحبار، ولا عبد الله بن سبأ.
                        وإنّما استندوا فيها إلى أخبار وسنن وروايات، موصولة الأسانيد إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأهل البيت، ووافقهم على كثير منها أهل السُنّة أنفسهم. وبحثوا عنها سندا، ومتنا، وعقلا، فلم يجدوا ما يعارضها من كتاب كريم، أو سُنّة ثابتة، أو عقل، أو عرف. فلم يكن التزامهم بها إلاّ مثل التزام المسلمين بما ورد في أحاديثهم من أخبار المستقبل، لا أكثر ولا أقلّ
                        كما يلتزم أهل السُنّة بأخبار الدجّال، ونزول عيسى، وبالمهديّ المنتظر.
                        فلماذا لا يتّهم الفكر السُنّي بأنّه تأثّر في هذه الالتزامات باليهود الّذين ينتظرون مخلصا، أو بالنصارى الّذين ينتظرون عودة المسيح?
                        فهل يحقّ لأحد أن يعترض عليهم في ذلك، وينسبهم -بمجرّد عدم موافقته لهم - إلى اتّباع اليهودية والنصرانية?
                        وكذلك نسبة الاعتقاد بالمهدي إلى المجوسية، لوجود غائب عندهم، كما نقله بعض المؤرخين لملوكهم قبل الإسلام، واعتمده القاضي عبد الجبار المعتزلي. مع قطع النظر عن وجه اعتماد المسلم على إخبار المؤرخين من الاُمم السابقة، وبالخصوص ممّن يشكك في أخبار المؤرخين المسلمين، ورواة الحديث - لمجرّد كونهم من شيعة أهل البيت - لكنّه يحتجّ بأخبار مؤرخين من اليهود والنصارى والمجوس، ويرتّب على ذلك اتّهام طائفة
                        كبيرة من المسلمين، باليهودية والنصرانية والمجوسية?
                        إنّ في الالتزام بحجيّة أقوال المؤرّخين من الأديان السابقة هو عين التبعيّة لهم، والالتزام بمبادئهم?
                        لكنّ الشيعة إنّما تلتزم بما تلتزم من الاعتقاد بالمهدي استنادا إلى أحاديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والسنّة الصحيحة المتواترة المنقولة في كتب الحديث من الصحاح والجوامع والمسانيد والمصنفات والمعاجم التي ألّفها أئمة المسلمين من الشيعة وأهل السنّة.
                        فمن هو أولى بالنقد?
                        الشيعةالذينيعتقدونبدلالاتأحاديثالرسولصلى الله عليه وآله وسلم ?
                        أو السلفية والوهابية التي تعتمد على مؤرّخي اليهود والنصارى والمجوس، وتتّهم الشيعة على أساس منقولات أُولئك?
                        ولا بُدّ من أنْ يعرف المسلم المنصف: أنّ الذين يسعون في نسبة عقيدة المهدي المنتظر، إلى اليهود تارة، وإلى النصارى أُخرى، وإلى المجوس ثالثة، إنّما هم الذين يريدون أن يشكّكوا في صدق أخبار النبي محمّد صلى الله عليه وآله وسلم بمجي المهدي، في إطار تشكيكهم بأصل نبوّة النبي وعلمه بأخبار المستقبل، وإنّما هم يتّخذون من الهجوم على الشيعة وعقيدتهم بالمهدي وسيلة إلى ذلك التشكيك وطريقا للتعبير عنه.
                        وهذا ليس غريبا على هؤلاء، إذ كان أسلافهم من المشركين في أرض الحجاز، قد نَسبوا ما جاء به النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الوحي المبين، إلى الأديان الأُولى، فقالوا في القرآن: (أساطير الأوّلين اكتتبها، فهي تُملى عليه بكرةً وأصيلا)[ سورة الفرقان : 5 ]
                        وقالوا عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : (... إنّما يعلّمه بشر)[ سورة النحل : من 103]
                        ولقد ردّ الله تعالى عليهم تلك المفتريات، والنسب الباطلة بقوله لرسوله الكريم: (أُنظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا) في الموضع الأوّل.
                        وقال تعالى: (لسان الذي يلحدون إليه أعجمي، وهذا لسان عربيّ مُبين) في الموضع الثاني.
                        ونحن نقول لهؤلاء الذين هم كالأنعام بل هم أضلّ: إنّ ما تنسبون إليه أمر المهديّ المنتظر - من تاريخ اليهود والنصارى والمجوس - إنّما جاءت إلى المسلمين عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من طريق موثوقة، وبلسان عربيّ مبين، وما تلحدون إليها من اللغات إنّما هي أعجميّة مترجمة.
                        فكيف تدّعون الإسلام، والإيمان بسنّة النبي محمّد صلى الله عليه وآله وسلم
                        وأنتم تضعون أقدامكم مواضع أسلافكم المشركين، وتعملون عملهم في الإلحاد في كلام الرسول، وما جاء به? وكذلك تتّبعون مقالات المستشرقين من اليهود والنصارى والمجوس وأذنابهم، من أمثال جولد زيهر،
                        وفان فلوتن، وأحمد أمين المصري، تكرّرونها، وتتبَجّحون بها، وتعتبرونها علما، وحجّة ضدّ ما ثبت من طرق السنة الصحيحة الثابتة والمنقولة عن نبيّ الإسلام وأئمّته الكرام وعلمائه الأعلام.
                        فانظروا: أيّ الفريقين أحقّ بالأمن، والإيمان، في الدنيا والاَخرة?
                        وأمّا لماذا تلتزم الشيعة بغيبة الإمام المهديّ المنتظر:
                        فلو زاول الباحث روح الانصاف في نفسه وحكّم عقله ووجدانه، وأراد أن يتعرّف على حقائق عقيدة الشيعة في المهدي المنتظر وغيبته، من خلال أوثق المصادر والقناعات والأدلّة التي يعتمدها المسلمون عامّة والشيعة خاصّة، فلا بدّ أنْ يقرأهم ويسمع منهم وينظر إلى القضايا بعين غير السخط والكراهية، وبنَفَس وروح غير حبّ الفرقة والبغض، لا بالنفس الحاقدة، وروح الاتّهام، كما
                        يفعله السلفيّة المغرضون، في مواقفهم تجاه المسلمين -الذين لا يوافقونهم - حيث يتّهمونهم بالشرك والكفر وو... كلّ ذلك بدعوى <الاصلاح> والتوحيد، وبعنوان: الدعوة الإسلامية، والإرشاد والهداية.
                        مع أنّ الله تعالى يقول: (أُدع إلى سبيل ربّك بالحكمة والموعظة الحسنة).
                        فهم لا يسمحون لأحدٍ أن يتكلّم بحجّته ودليله وقوله، بدعوى انّه جدال، مع أنّ الله أمر بالجدال فقال: (جادلهم بالتي هي أحسن).
                        ولكنّهم يعلمون أنّ أبسط الناس من عامة المسلمين يغلبهم لو جادلهم، ويقوى عليهم بالحجّة القاطعة لو ناقشهم.
                        ولقد رأيت موقفا عظيما في روضة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عند
                        المقصورة الشريفة دلّ على قوّة ما عليه أهل الإسلام من المعرفة بالحديث والاحتجاج به، على السلفية الوهابية. حيث أنّ بدويا جِلْفا كان متّكئا بظهره على شبّاك القبر النبوي الشريف، يمنع المسلمين من التقرّب إليه، مع شوقهم
                        إلى النظر إلى داخل المقصورة، يمدّون القلوب مع الأعناق، والأرواح مع الأبصار، ليستشرفوا إلى داخل الشبّاك، ويتشرّفوا بنظرةٍ إلى قبر الحبيب المُصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ، وكلّهم طموح وآمال وأشواق، وقد طووا الأميال البعيدة، بكلّ الجهود المبذولة، لينالوا هذا الشرف العظيم، وليكملوا العدّة، بعد التوفيق للحجّ الكريم، بزيارة المرقد الشريف لكن البدويّ الأرعن كان يمنعهم، وينادي: <كفر، شرك> ويكرّرها، بلسانه البذيّ، ووجهه المشنوء، المحروق كأنّه حطب جهنّم
                        وفي هذه الأجوأ المليئة، بهيبة المقام، وحرارة الأشواق وانحباس الأنفاس في صدور الناس، والبدويّ يرطن بسبابه للمسلمين، مخالفا بذلك قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : <سباب المسلم فسوق>.
                        فإذا برجل طويل القامة، بهيّ الطلعة، جميل الهندام، وهو واقف في وسط الحجّاج والزائرين، زمجر بأعلى صوته بعبارة فصيحة وعربيّة طليقة - فيها لهجة تركيّة جميلة - فنادى: <الأعمال بالنيّات وإنّما لكلّ امرىٍ ما نوى>.
                        وكانَ هذا الكلام كأنّه صاعقة صبّت على ذلك البدويّ، فألقم حجرا، وانكفأ وتحجّم صِغَرا، وذلَ وانزوى صَعَرا.
                        فيا سبحان الله ! وبارك الله في المسلمين حبّ العلم، وحبّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وسنّته.
                        فإتماما للحجّة على المدّعين للكتابة الذين يُحاولون أن يقلبوا الحقائق، وهم يظهرون الأكاذيب بصورة أنّها هي <العقائد الشيعية> ويتّخذونها أُصولا ثابتة يبنون عليها نتائج كتاباتهم المزيّفة.
                        وكذلك تعريفا لعقائد الشيعة، للذين يحبّون الاطلاع عليها ومعرفتها نقول:
                        إنّ المسلمين الشيعة ملتزمون بأصل الإمامة كأمر واجب دينيّ، قام على وجوبه دليل العقل، وقد استوفوا الأدلّة عليه في كتب الإمامة، التي تبلغ عندهم العشرات. وقد أثبتوا: انّ من أهمّ الواجبات الإلهيّة هي نصب
                        الإمام وتعيينه من قبل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وبوحي من الله تعالى، وأنّ هذا الواجب لطف من الله تعالى على العباد ليمكّنهم من
                        أدأ الطاعات، ويبعّدهم من ارتكاب القبائح والمعاصي، بإرشاد الإمام وهو خليفة للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم الذي كان إرساله أيضا لطفا من الله تعالى على الأُمّة، وواجبا لا يمكن خلوّ الدنيا منه.
                        وقد قام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بإبلاغ هذه المهمّة العظيمة وأدائها وأكّدت النصوص الشريفة هذا المهمّ العظيم، في مواقف عديدة وتاريخية مهمّة، منذ أيام البعثة الأُولى، وحتى أيام الهجرة والوداع الأخير عند الوفاة. ولو جمعنا نصوص السنّة الشريفة المسندة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم والثابتة بالتواتر والاجماع والشهرة المعلومة، لتألف من مجموعها <برهان قاطع> على المطلوب.
                        فالأحاديث النبويّة الصحيحة المتّفق عليها بين علماء المسلمين كافّة، والمجمع عليها منهم، وردت بنصوص عديدة ودلّت على لزوم <إمام> يعرفه المسلم حتى يموت على الفطرة، وإن لم يعرفه، ولم يعتقد به إماما، فميتته
                        جاهلية.
                        منها قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : <من مات ولم يعرف إمام زمانه
                        فمات ميتة جاهلية>. رواه مسلم في صحيحه ( 8/107) ونقل عن الجمع بين
                        الصحيحين للحميدي وانظر شرح النووي لمسلم (13/ 240)والقاضي عبد الجبار في المغني(20/ق 1/ 116) وشرح المقاصد ( 2/ 275) والجواهر المضيئة للملاّ علي القاري الحنفي (2/ 509).

                        تعليق


                        • #42
                          ومنها قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : <من مات بغير إمام مات ميتة
                          جاهلية>. رواه أبو داود الطيالسي في مسنده (نقله في كنز العمال) وأحمد في مسنده ( 4/96 ) والدارقطني في علله ( 7/ 63 ) وحلية الأولياء لأبي نعيم ( 3/224 ) وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة (9/ 155) ومجمع الزوائد لنور الدين الهيثمي (5/ 218) وعن الطبراني في كنز العمال (1/103) رقم 464.
                          ومنها قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : <من مات وليس له إمام مات ميتة جاهلية>. رواه ابن حبان في صحيحه كما في الاحسان (رقم 44)
                          لاحظ (7/49) وبلفظ <ليس عليه إمام> في زوائد البزار ( 1/ 144) و(2/143) وكشف الأستار (2/ 252 )ح1635 ومستدرك الحاكم (1/ 77 و117) ومجمع
                          الزوائد للهيثمي (5/ 223) والمعجم الكبير للطبراني ( 10/ 350)
                          ومنها قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : <من مات وليست عليه طاعة - أو لا طاعة عليه - مات ميتة جاهلية>. رواه علي بن الجعد الجوهري في مسنده ( 2/ 850)رقم 2375، ومصنّف ابن أبي شيبة (15/ 38) رقم 90471،
                          ومسند أحمد ( 2/ 446) والأموال لابن زنجويه ( 1/ 82)والمعجم الكبير للطبراني (19/ 388) والكامل لابن عدي (5/ 1869) ومجمع الزوائد للهيثمي ( 5/223) والمطالب العالية لابن حجر الحافظ (2/228) رقم 2088 وكنز العمال (6/65) رقم 14861 عن ابن أبي شيبة، وابن حنبل، والطبراني، وسعيد بن منصور.
                          وبألفاظ ونصوص أُخرى، قريبة من هذا المدلول.
                          فلا بُدَ لأُمّة محمّد صلى الله عليه وآله وسلم من حين وفاته إلى يوم القيامة من وجود إمام في كلّ عصر وزمان، يعتنقون إمامته، ويطيعونه وينقادون لحكمه وأمره ونهيه، وإلاّ، فقد صرّح النبي بأنّهم لا يموتون على ملّة الإسلام، فهذه النصوص تدلّ على لزوم الاعتقاد بوجود إمام لكلّ عصر.
                          وهناك روايات حدّدت الأئمّة من بعد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم من بعد
                          وفاته إلى يوم القيامة بإثني عشر خليفة.
                          ففي حديث جابر بن سمرة، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: <يكون اثنا عشر أميرا> فقال كلمة لم أسمعها، فقال أبي: انّه قال: <كلّهم من قريش>. رواه البخاري في الصحيح (4/168) طبع عام 1351
                          - كتاب الأحكام، باب الاستخلاف. ورواه مسلم في صحيحه (ح6 ص3 من المجلد 3) طبع 1334 و( 2/ 119) دار الفكر 1398 كتاب الإمارة، باب
                          الناس تبع لقريش، والخلافة في قريش عن جابر بن سمرة، قال: دخلت مع أبي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فسمعته يقول: <إنّ هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة> قال: ثمّ تكلّم بكلامٍ خفي عليَ، فقلت لأبي: ما قال? قال: <كلّهم من قريش>، وشرح النووي (12/ 201).
                          ومن ألفاظه التي رواها مسلم، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: <لا يزال الدين قائما حتى تقوم الساعة أو يكون عليهم اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش>. ورواه الترمذي في الجامع الصحيح (2/ 45) طبع دهلي 1342 باب ما جاء من الخلفاء، بلفظ البخاري. ثمّ قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. ورواه أبو داود السجستاني في صحيح سنن المصطفى
                          ( 2/ 207) طبع 1348 والحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين (3/618) بألفاظ قريبة.
                          وروى عن ابن مسعود بلفظ: <يكون لهذه الأُمّة اثنا عشر قيّما لا يضرّهم من خذلهم كلّهم من قريش>. أخرجه الطبراني في الكبير كما في منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد (5/ 312) و(5/ 9 و93 و97 و 100و106 و107).
                          فهذه النصوص، تتّفق على معنى واحد، وهي أنّ الخلفاء من بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومنذ وفاته وحتى يوم القيامة، لا يتجاوزون في أُمّته الاثني عشر إماما، وأنّهم لابدّ أن يكونوا من قريش.
                          إضافة إلى نصوص متواترة حصرت الخلافة عنه في أشخاص من عترته أهل بيته. حيث قال في حديث الثقلين - المتواتر بين جميع المسلمين بلا نقاش سندا، ومتنه قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : <إنّي مخلف فيكم الثقلين كتابالله، وعترتي أهل بيتي>. فمن مجموع هذه الأحاديث التزم الشيعة.
                          بأنّ الأئمة اثنا عشر، وبأنّ في كلّ عصر لا بُدّ من إمام خليفة لرسول اللهصلى الله عليه وآله وسلم ، ولا يخلو الزمان من إمام قائم لله بحجّة. وأنّ الأئمة الاثني عشر، لا يكونون من غير عترة الرسول وأهل بيته.
                          كلّ ذلك تطبيقا للنصوص المذكورة، وابتعادا عن الحكم بإجمالها، وعن تعطيلها عن التطبيق، والاكتفاء بالقول بأنّا لا نعرف لها معنى? إذ يؤدّي ذلك:
                          أوّلا: إلى اتّهام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بالتأكيد على أُمور لا معنى لها، ولم تستفد منها الأُمّة بحال.
                          وقبح هذا لا يخفى على أيّ منصف فضلا عن كلّ مسلم.
                          وثانيا: يؤدّي إلى تعطيل الأمر الوارد على أساس تلك النصوص والتهديد الذي تضمّنته، والحثّ الذي ورد فيها.
                          وثالثا: يؤدّي إلى إهمال أمر الإمامة العظيم والخطير، بالإعراض عن النصوص، وعدم محاولة فهمها وحلّها بكلّ سهولة ودقّة.
                          إنّ الشيعة تربأ بالرسول وكلامه العظيم من أن يواجه بشيء من الإجمال والتعطيل والإعراض، بل تحاول تطبيقه على الحقّ الواقع، الذي أرشد إليه الرسول نفسه بأساليب عديدة قوليّة وفعليّة، بتعيين علي عليه السلام من أهل البيت إماما، وجعله قرينا للقرآن، فقال: <عليّ مع القرآن والقرآن مع عليّ> ففسّر بذلك معنى العترة في حديث الثقلين اللذين خلّفهما في أُمّته من بعده، لا يفترقان حتى قيام يوم الدين.
                          ثمّ علي أوصى من بعده إلى ابنه الحسن، ثمّ أوصى الحسن إلى أخيه الحسين، ثمّ أوصى كلّ من الأئمّة إلى ولده حتى بلغ الأمر إلى المهديّ محمّد بن الحسن العسكريّ عليهم السلام.
                          ولقد تمّ عدد الاثني عشر، بالمهديّ، وبعد أن ثبتت بالأدلّة اليقينيّة ولادته، ولم يثبت لأحد موته، فلا بُدّ من الالتزام بغيبته، لأنّها أمر منتظر حسب إعلان النبي والأئمة من آبائه وتصريحهم على ذلك.
                          ولأنّ الالتزام بذلك هو الحلّ الوحيد للجمع بين تلك النصوص النبويّة الشريفة وتفسيرها وإبعادها عن الغموض والاجمال ومن التعطيل والإبطال.
                          مع أنّ أمر غيبته كان متوقّعا، لإخبار آبائه بذلك.
                          فالتزمت الإمامية بإمامة الأئمة الاثني عشر، استنادا إلى تلك النصوص النبويّة الشريفة، والتزمت بالإمام المهديّ الغائب، حتى لا تبقى بغير إمام، أو ليس لها إمام، أو لا تعرف إمام زمانها، حتى لا تموت ميتةَ جاهلية.
                          أبَعد هذا، يحقّ لأحدٍ أن ينسب اعتقاد الإماميّة إلى يهود أو نصارى أو مجوس?
                          إلاّ أن يريد اتّهام النبيّ وكلامه بمثل ذلك، نعوذ بالله من ذلك، ونبرؤ إلى الله من فاعله !
                          ولو أنصف المنتقدون للشيعة من أجل هذا الالتزام، لما وجدوا في هذا الالتزام مخالفة لأحد الأُصول الإسلامية، ولا وجدوا فيه منافاة لفرعٍ من فروع الشريعة، حتى تُهاجم بشكل مقرفٍ وسيّئ لكنّ الذين ملأوا أيّام التاريخ بدماء الأئمة وأصحابهم في عهد الظهور والحضور، ولاحقوا آثارهم بالإفناء والإحراق، وحبسوهم في المطامير، وكبسوا دورهم، وراقبوهم لأجل إطفأ نورهم، لمّا لم يجدوا في عصر الغيبة مَنْ يستمرّون في إيذائه وقتله وملاحقته، بدأوا إثارة الشبهات في وجه الاعتقاد بالإمام المهديّ، وغيبته، وطول عمره، وما إلى ذلك. فملأوا صفحات الكتب بالاستنكار المجرّد عن كلّ دليل،
                          والاستهزأ بالمؤمنين، والاستهجان لفكرة المهدي، وتقبيح الاعتقاد بالغيبة، وإمامة الغائب الإثارات المشبوهة:
                          فأوّل ما أثاروه: اختلاف الفرق الشيعيّة في أمر المهديّ: بدعوى أنّ الفرق الشيعيّة قد تعدّدت بعد الإمام الحادي عشر الحسن العسكري عليه السلام في شأن الإمام من بعده، فكيف يكون هو الإمام?
                          والجواب: لو جعل الاختلاف دليلا على البطلان، فهل اتّفق المسلمون على أصل الإمامة والخلافة، حتى تثبت لأحد، مع أنّ إجماع الأُمّة قائم على ضرورتها وثبوتها، وإن اختلفوا في أشخاص الخلفأ، وكيفية استحقاقهم لها.
                          ولو اعتبر الاختلاف دليلا على الانكار والإبطال، لما سلم دين على وجه الأرض، ولاسلم أصلعقيدي، أو فرع شرعيّ، - غير المتّفق عليه - لوجود المخالفين في كلّ ذلك.
                          ثمّ، أليس الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد أخبر بنفسه عن افتراق الأُمّة
                          إلى ثلاث وسبعين فرقة، ومع هذا فقد أثبت الحقّ في واحدة منها.
                          فالاستدلال بوجود الفرق المختلفة في أمر المهدي ليس فيه أدنى دلالة على بطلانه، وليس مجوزا لأحد في إنكاره ونفيه، بعد قيام أصحّ الأدلّة وأقواها، على وجوده.
                          فكيف يدلّ وجود فرق شيعيّة سابقة تقول بمهدوية الأئمة السابقين على بطلان <المهديّ المنتظر>? مع أنّ الفرق المزعومة تلك هي بائدة اليوم ولا وجود معروف لشيء منها، إلاّ ما يثيره بعض المغرضين، من متتبعة خوان كتب الفرق لاقتناص سقاطها. وانحصار المذهب القائل بولادة المهدي وغيبته بالاستمرار في الساحة، دون سائر الفرق المزعومة أو الموهومة، حيث انقرضت وبادت وليس لها وجود وذكر، لهو دليل بُطلانها، وكون هذا لمذهب هو الحقّ.
                          ثمّ إثارة أمر الولادة، والتشكيك فيها: بالتساؤل عنها: متى? وكيف? ومن رآها? ومن حضرها?
                          وكأنّ هذه الولادة بالخصوص - من بين الولادات كلّها- لا بُدّ أن تكون علنيّة وتعرض لجميع البشر، حتى يُصَدّق بها أهل القرن العشرين من بعد ألف ومائتي سنة , وإلاّ فإنّ حضراتهم لا يعترفون بها هكذا يتظاهر أعداء أهل البيت اليوم، ويتعاملون مع القضية، مع أنّ أمر أيّة ولادة لا تحتاج إلاّ إلى معرفة أهل المولود وذويه والقابلة، وأهل الخاصة به.
                          وهل لأحدِ هؤلاء البدويين من أهل القفار والبراري، إثبات على ولاداتهم، فضلا عن صحّتها، وكونها شرعية?
                          ومن الغريب: أن أحدا من هؤلا المشكّكين في ولادة المهدي بن الحسن العسكري عليهما السلام لا يعترف لأبيه، ولا لاَبائه، بالإمامة ولا بالكرامة
                          ومع هذا يريدون أن تثبت لهم - بالعيان - ولادة ابنه المهديّ?
                          لا، ولا كرامة. فإنّ أهل البيت أدرى بما في البيت، ولا حاجة لهم في
                          أمر ولاداتهم إلى أحكام أعدائهم، وعلى فرض الحاجة إلى شهود فلا يشهد مثل ذلك إلاّ من كان مؤمنا تقيّا، وإن كان بعيدا في النسب، ولا يشهده من كان فاسقا أو عدوّا ناصبيّا، حتى لو كان قريب النسب كعمّه جعفر الكذّاب
                          خصوصا إنّ أمر الإمام المهدي له من الأهميّة، باعتبار تصريحات الرسولصلى الله عليه وآله وسلم في حقّه، وتصريحات آبائه الأئمة فيه، وانعقاد آمال الأُمّة عليه - ما لا يسمح للإعلان عنه، أكثر من اللاّزم وكيف ينكر ولادته البعيد عنه سَبَبا وحسبا، واعتقادا ودينا، مع أنّه قد أثبتها كلّ من أهمّه أمره، وتخصّص في فنّه من الخبراء:
                          فها هم أهل الدار من أبيه وعمّته القابلة، ونسأ الدار.
                          وها هم شيعة أبيه الخلّص، بالعشرات.
                          وها هم النسّابون المهتمّون بالأنساب أثبتوا اسمه في مشجراتهم ومسطراتهم، كأبي نصر البخاري، وابن عِنَبة صاحب العمدة، وصاحب المجدي وروضة الألباب للصنعاني، وابن زهرة في زهرة المقول، والسويدي في سبائك الذهب.
                          ومن المؤرّخين: ابن خلكان في وفيات الأعيان، والذهبي في عبره وسير أعلام النبلا له، وقد ترجم للمهدي، واعترف باستحقاق آبائه للإمامة وأولويتهم
                          على خلفأ عصورهم، وبفضلهم.
                          ومن المحدّثين الكنجي الشافعي، وابن الصباغ المالكي، وسبط ابن الجوزي الحنبلي وابن حجر الهيثمي في صواعقه المحرقة.
                          وخلق كثير، من المتقدّمين والمتأخّرين، اعترفوا - بملىء أفواههم - بولادة المهدي محمّد من أبيه العسكري عليه السلام .
                          فمن أين للزعانف الأذناب للمستشرقين اليهود والنصارى، من السلفية، التشكيك في مثل هذا الأمر المقطوع به.
                          ومن مهازل تشبثاتهم التمسّك بمحاولات الحكومة، وعدم ثبوت ولادة المهدي لديها? مع أنّه: لم يحتو نصّ على عدم ثبوت الولادة لدى الحاكمين، بل المذكور عدم عثور الدولة على <المولود>?
                          وكم فرق بين الأمرين، لو كانوا يعقلون?
                          ومع أنّ هؤلا ء السلفية النواصب يعرفون أنّ الإمام الحسن العسكري عليه السلام إنّما سُحبَ من المدينة إلى سامراء، ليحبس ويكون تحت الرقابة العسكرية، فهل يتوقّعون أن يخرج لهم <المهدي> المولود الصغير، لكي يذبحوه أمام عينيه? كما ذبحوا رضيع الحسين الشهيد عليه السلام في كربلاء.

                          تعليق


                          • #43
                            وثمّ بعد كلّ هذا، فإذا صحّ التشكيك في ولادة أحد لمجرّد عدم رؤيته لبعض الناس، فإنّ ذلك يؤدّي إلى التشكيك في صحّة كلّ ولادة وفي انتساب كلّ ولد إلى أبيه، خصوصا إذا تمّت الولادة في القفار والبراري، حيث أهل الغارة والسطو والاعتداء على المحارم ؟ فمن يؤمن أعراب البادية من التشكيك في ولاداتهم?
                            مع أنّ من أبسط قواعد القضاء الشرعي، تقديم المثبت على النافي في مثل هذه القضيّة، خصوصا إذا كان النافي لا يمتّ إلى أهل الولد لا بنسب ولا حسب ولا شرف ولا دين ولا معتقد ولا مكان، ولا عصر، ولا ... ولا ... .
                            فكيف لو كان مغرضا، حاقدا، سلفيّا ناصبيّا يريد النكال والكيد بأهل البيت وشيعتهم، فكيف يقبل قول مثله في حقّ أُولئك الأشراف الأطهار?
                            وما قدر قيمة تشكيكات هؤلا البعدأ عن العلم والدين، في جنب دعوى أكبر علماء النسب وهو صاحب كتاب <المجدي في النسب> <بتواتر ولادة المهدي من الحسن العسكري عليه السلام > هذا الذي يفنّد مزاعم الزور والبهتان
                            المنكرة.
                            مع أنّ التواتر متحقّق عند كلّ متتبّع للشهادات بولادة المهدي عليه السلام ، والتي هي - رغم الظروف الصعبة - أكثر بكثير ممّا نحتاجه في العادة، حيث لا يمكن اتّهام جميع أُولئك الشهود بالتواطؤ على الكذب.
                            وإن احتمل الكذب والتواطؤ عليه في مثل هذا الخبر، فلا يبقى خبر على وجه الأرض يصحّ الاعتماد عليه، والقول بتواتره، حتى أوضح الواضحات، لدخول احتمال السلفيةالكذبفيه، وحتى أوضح مدّعياتهم، ومنقولاتهم?
                            وهل يلتزم عاقل بهذا الذي يؤدّي إلى فساد كلّ شيء?
                            أهكذا يريد أعدأ المهدي، وأعدأ الشيعة، أنْ يشكّكوا في كلّ ما يدّعي المسلمون التواتر عليه، من الحقائق المثبتة في التاريخ والسيرة. وإذا شكّك السلفية في ذلك بهذه السهولة، فمن يصدّق بأنّهم لا شك في ولاداتهم?
                            ولو سهل تشكيك السلفية في الواضحات، فلم لا يجوز للأشراف وكلّ المسلمين أن يشكّكوا فيما تدّعيه السلفية من الإسلام والعروبة والدين? وهي أُمور لا تعرف بمجرّد الدعوى?
                            إنّ سقوط السلفية إلى هذه الوهاد الدنيئة في المعاملة مع العقائد والأفكار عند الأُمم، لمن أسخف ما يلتزمون به عقيدة، ويعتبرونه أمرا بالمعروف، وجهادا، ودعوة إسلاميّة.
                            وأمّا إثارة مسألة طول العمر:
                            فإنّ الشيعة يعتقدون بأنّ الله تعالى على كلّ شي قدير، وليس من المستحيلات الخارجية طول عمر الإنسان، بدليل ثبوت أمثال ذلك في التاريخ البشري عيانا، قديما وفي العصور القريبة، فقد وُجِدَ وشوهد من الناس ذوي الأعمار الطويلة بالمئات، ممّا يدلّ على إمكان البقأ عمرا أطول ممّا هو المتعارف، والممكن غير المستحيل مقدور. بل ثبت علميّا أنّ الإنسان الطبيعي - إذا لم تعترض طريق حياته الموانع التي تحدّدها وتقصرها - فهو قابل لطول العمر.
                            والعقيدة بقدرة الله تعالى على أمثال ذلك، هي مشتركة بين جميع المسلمين، وليست خاصّة بفرقةٍ، بل الاستغراب منها مناف لعقيدة الإسلام ونصّ القرآن على (انّ الله على كلّ شي قدير).
                            وقد ثبت طول عمر أعداد من الأنبيأ - وهم بشر طبيعيّون - وغير الأنبيأ من المعمّرين، الذين تأخّرت آجالهم التي هي بيد الله تعالى.
                            فمن الغريب أن يستهجن أحد يدّعي الإسلام هذه القدرة، ويستهزى بها.
                            وإذا قامت الأدلّة عند أحد على أنّ المهديّ قد ولد سنة (255) ولم يثبت بأيّ وجهٍ أنّه مات في يوم من الأيّام، ووردت عشرات الأحاديث بأنّه سيطول عمره، ويبقى رغم السنين.
                            فهل الاعتقاد بذلك فيه مخالفة للقرآن أو السنّة، أو لحكم العقل، مادام طول العمر ممكنا وواقعا?
                            وإذا كان في الاعتقاد بالمهديّ مع طول عمره تطبيقا لروايات الإمامة، وبيانا لها، وإبعادا لها عن التعطيل، ونجاةً من أن يموت الانسان بغير إمام، ولا ميتة جاهلية.
                            أليس مثل هذا الاعتقاد مدعاة للاستحسان? بل القبول من أصحاب العقول?
                            لكن السلفية جعلوا من ذلك مدعاة للتهكّم والاستهجان والسبّ والقذف للشيعة المؤمنين بالله وقدرته وبالرسول وما جاء به من أخبار المهديّ المنتظر.
                            ثمّ لو أعرضنا عن كلّ شي: فماذا يضرّ المنكرين لو كانت هناك فرقة تعتقد بوجود المهديّ طويل العمر، وتعتقد بإمامته?
                            فهل في ذلك مخالفة لكتاب أو سنّة أو أمر قام عليه إجماع أو مقتضى العقل?
                            إلاّ أنّ السلفية تخاف أن يكون للشيعة إمام فتنجو من ما يترتّب على عدم إمام يعتقدون به هم، ممّا يؤدّي أن تكون ميتة السلفية ميتة الجاهلية، ضلال وكفر.
                            فلو سُئلَتْ السلفية: مَن إمامُهم? فما هو الجواب عندهم?
                            ولكنّهم بدلا من أن يُحاسبوا أنفسهم، ويُحاولوا الإجابة عن ما يوجّه إليهم من الأسئلة? بدأوا بإثارة التساؤلات المتتالية، على معتقدات الشيعة.
                            ومن الإثارات: ما فائدة وجود الإمام الغائب?
                            وهذا ما وجّهه المتسائلون منذ القديم، وتصدّى الشيعة للإجابة عنه مرّات عديدة وبأشكال مختلفة، نذكر منها:
                            أوّلا: إنّ من ثبتت إمامته، بالطرق المقرّرة وبالأدلّة المثبتة لذلك - فلا مجال للاعتراض على تصرّفاته وأفعاله وليس الجهل بوجهِ تصرّفاته سببا للإنكار عليه، فضلا عن إنكار إمامته.
                            وإن كانَ كلّ عمل يقوم به الإمام فلا بدّ أن يوافق التدبير والحكمة، لما دلّ على لزوم اتّصافه بالكمال والعصمة لكن، مع ثبوت الإمامة بالأدلة القاطعة لا يشك المؤمن بمجرّد عدم وضوح أمر له فيها.
                            وأمّا من لم تثبت عنده إمامة الإمام، فلا يفيده السؤال عن الغيبة ووجهها وطولها وقصرها، فإنّ السالبة عنده بانتفأ الموضوع.
                            وبعبارة أُخرى: فإنّ مثل هذه الأسئلة مبتنية على الاعتقاد بأصل الإمامة ومن شؤونها. وأمّا غير المعتقد فلا يبحث معه إلاّ في أصل إمامة الإمام.
                            وتدخّل من لم يعتقد بالإمامة، في هذه الشؤون واستهزاؤه بها، ومطالبته بوجهها، إنّما هو مثل تدخّل الكفّار ومن لم يعتقد بالإسلام في وجه قيام المسلمين بالعبادات الخاصّة من الصلاة والصيام والحجّ،
                            واستهزاؤهم بها، حيث لا يعتقدون بها، ولا بمن جاء بها، فليس عندهم معنى معقول لها، ولا تصوّر مقبول عنها، فهل يحقّ لهم مثل ذلك? وهل يُمكن إقناعهم ما لم يُفسّر لهم أصل عقيدة الايمان بالله وبالاسلام والتعبّد بوظائفه
                            وواجباته.
                            وثانيا: إنّ السنوات التي عاشها الأئمة الأحد عشر، قبل عصر المهدي، وطولها (250) سنة، كَفَتْ للدلالة على مدى قابليّة الأُمّة للاستفادة من حضور هؤلا الذين نصبهم الله تعالى خلفأ عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وكيف استفادوا منهم? ومقدار ما أدّوه من الواجبات تجاههم. فقد وجدنا بالعيان: انّهم لم يكتفوا بالإعراض عنهم، وتركهم وإهمالهم، بل إنّما عمدوا إلى نصب العدأ لهم، وإبادتهم بالقتل الذريع، والتبعيد والمطاردة، والسجن في المطامير المظلمة. ألا تكفي مدّة (250) سنة من حضور الأئمة عليهم السلام بين الأُمّة، للدلالة على أنّ الأُمّة سوف لن تستقبل آخر الأئمة (المهديّ) بأحسن ممّا استقبلوا السابقين، بينما هو معدّ للخلاص، وقد أصبح أمره واضحا عند الأُمّة، من خلال الأخبار المتواترة عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة الأطهار من آبائه، بأنّ على يده تتحقّق إبادة الظالمين والانتقام لمظلومي التاريخ كلّه.
                            فهل يأمَنُ أن يظهر للأُمّة وحكّامها التي لا تأبى قتله كما قتلت من قبله من الصغار والكبار? وأن لا يصيبه ما أصابهم، إن لم يتصدّ الظالمون للأشدّ من ذلك عليه? وفي تنقيب الدولة وحكّامها عن ولادته ومحاولة القضاء عليه وهو في المهد، الدلالة الواضحة على مثل هذا التربّص والتصدّي? وطلبهم الحثيث له بعد وفاة أبيه على الفور، دليل واضح على مثل هذا الأمر?
                            وحتى بحثهم عن الحمل? واستبرأ الإمأ? وأمثال هذه الأعمال التي لم يسبق لها مثيل في تاريخ الأئمة الأحد عشر من آبائه.
                            فهل مثل هذا الإمام تكون الفائدة في حضوره وظهوره، أو الحكمة تقتضي غيبته، وعمله في الخفاء?

                            تعليق


                            • #44
                              وثالثا: إنّ مَنْ ينعى على الشيعة أنّهم في ظلّ غيبة الإمام قد فقدوا مَنْ يرشدهم إلى أحكام الدين، وأبطلوا العمل بجملة من أحكام الدين الحدود، واستحدثوا عقائد وأحكاما من رأيهم - وهذا الذي اعتبره بعضهم إثارة مستقلّة مهمّة في نظره - .
                              فنقول: إنّ من ينعى على الشيعة، ويسائلهم عن عملهم في حال غيبة الإمام، هل فكّر في أنّ الشيعة - مهما كان شأن عملهم واعتقادهم - فإنّهم يعتقدون بإمام - ولو غائب - ولم يبقوا بلا إمام وبغير إمام
                              أمّا الاَخرون، الذين لا يعتقدون بإمام لا حاضر ولا غائب، ويفتقدون مَنْ يعتقدون بإمامته، فقد بقوا بغير إمام، فهؤلاء هل عملوا بكلّ الأحكام الشرعية وطبّقوها في مجتمعاتهم? أو أنّ قوانين البلدان الإسلامية كلّها مأخوذة من القوانين الوضعية المدنيّة الانكليزية والفرنسية وإذا كان الشيعة - المعتقدون بالإمام الغائب - يلتزمون حسب قناعاتهم بما دلّ عليه الكتاب والسنّة والعقل من العقائد، فهل إنّ الاَخرين - ممّن لم يعتقد بإمام غائب ولا حاضر، في العالم الإسلامي - وقد التزموا بالقوميّة والبعثيّة، والسلفية والاشتراكيّة، والوهابيّة، والعلمانيّة، هم ملتزمون بعقائد أذن الله فيها وأحبّها?
                              وإذا كان المسلمون الشيعة، لا يقيمون الجمعة في بعض البلاد، لعدم اجتماع الشرائط المعتبرة فقهيا عندهم، فهل المسلمون - جميعا - يقيمون الجمعة في شرق الأرض وغربها بلا استثناء?
                              إنّ تصوير الشيعة - على أثر اعتقادهم بالغيبة - أُمّةً عطّلت أحكام الدين والإسلام، وحسبان أنّ السنّة في العالم يقيمون أعمدة الدين والإسلام لأنّهم لا يعتقدون بأيّ إمام لا غائب ولا حاضر، لمن أسخف ما يكذبه الوجدان، والعيان. أهكذا يريد أنْ يوحي أعداء الشيعة بسخافة الاعتقاد بالإمام?
                              إنّ الجواب متروك للقارى الكريم، حتى يزن الأُمور بموازين المنطق السليم، والوجدان الحرّ?
                              ورابعا: إنّ مهمّة الإمام، التي تعدّ أساسيّة في الإسلام، ليست خاصّةً بشعب أو أرضٍ أو زمن أو حدود، وإنّما المهدي - كما تصرّح النصوص - يستهدف الأرض كلّها ليملأها عدلا كما ملئت ظلما وجورا، فليست قضيّة المهديّ
                              قضيّة خاصّة بالشيعة، ولا بالمسلمين، بل بكلّ شعوب الأرض.
                              ومثل هذه المهمّة العظيمة ادّخر الله لها خاتم الأئمة المهديّ، فهي لا تتأدّى بوجود فريق صغير يعتقدون به، حتى لو شُكّلت دولة هنا أو هناك، وإنْ كان لوجود الدولة الموالية للمهديّ أثرها الواضح في إبلاغ صوته والتمهيد له،
                              ونشر اسمه وأهدافه، والدعوة إليه، وتعريف العالم به، كما يفعل الشيعة في العالم اليوم، وغيرهم من علماء المسلمين والمؤمنين بسنّة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الذي بشّر بالمهديّ، ووعد به، وأعلن عن اسمه ووصفه، وكلّ الذين خلّدوا حديث المهدي في الكتب، وجمعوا أحاديث المهدي في المؤلّفات، حتى تستمرّ جذوته في قلوب المسلمين بالرسالة المحمديّة،
                              إلى حين ظهوره وخروجه وأدأ دوره العظيم في تحقيق الحقّ وإبطال الباطل. والمهديّ وخروجه، هو من أشراط الساعة التي نبّاء بها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وهي لا تتوقّف على إيمان قوم، أو كفر آخرين،
                              ولا باستعجال قوم، أو استنكار آخرين، وإنّما علمها عند الله، ولا يجلّيها لوقتها إلاّ هو، ويحقّقها حيث يريد ويشاء. فليس في كلّ الإثارات، وكلّ ما
                              يعمله أعدأ المهدي من نقد لحديثه وتضعيف لرواياته، واستنكار لأوصافه، واتّهام لشيعته ومنتظريه، أدنى تأثير في قلب الحقائق، فالمهديّ حقّ لا ينكر في وجدان المسلمين، وفكرهم. وظهوره ودولته، أمر لا بُدّ منه، يعتقده مَنْ يؤمن بالله ورسوله، ويلتزم بمدلول حديثه وسنّته. فمهما استهزأ به الكفّار الأجانب، من اليهود والنصارى، وأذنابهم من السلفية والوهابية، والعلمانية الملحدة، وكلّ الحاقدين على الإسلام المحمديّ، ممّن يريدون ليطفئوا نور
                              أمل المهديّ في أعين المسلمين، ويقتلوا كلّ أمل ورجاء في قلوب الذين آمنوا بهذا الوعد الإلهيّ، والذين يرجون هذا اليوم الموعود، من خلال الالتزام بضرورات فرضتها النصوص الواردة عن الرسولصلى الله عليه وآله وسلم والأئمةالأطهار من آله. فإنّ ذلك لا يؤثّر في التزام الشيعة بهذه العقيدة، واللهُ تعالى يكفيها أمر المستهزئين لقيام الأدلّة القاطعة باليقين بلزوم وجود إمام لكلّ زمان وكلّ عصر، وعدم خلوّه عن حجّة لله على خلقه، يتمّ
                              تعيينه بواسطة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، وهو مفروض الطاعة على
                              الأُمّة، فلا بُدّ أنْ يكون أمينا، معصوما، حتى يجوز الانقياد التامّ له، وإطاعته هي إطاعة الرسول وهي من إطاعة الله تعالى.
                              ووجدت الأدلّة الصحيحة قائمة على إمامة الأئمة الاثني عشر من أهل بيت الرسول، وآخرهم المهديّ، بالروايات المشهورة عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وتصريح أهل البيت أنفسهم.
                              ووجدت في الاعتقاد بالإمام المهديّ نجاة من موت الجاهلية، لمن مات بغير إمام، يعرفه في زمانه وعصره، كما توعّدت به النصوص الموثوقة الصحيحة.
                              ووجدت في الاعتقاد بالإمام - ولو كان غائبا - الأمل الذي يحدوهم إلى الطاعة والخير، ويمنعهم من القبيح والمعصية، وذلك هو <اللّطف> الذي تبتني عليه حكمة الإمامة كالرسالة.
                              ولقد أصبحت الشيعة من أجل هذا الاعتقاد، تعمل جاهدة في سبيل تحكيم الإسلام، والتمهيد لظهور الإمام، وتنتظر أيّام دولته الكريمة بفارغ الصبر، وبكامل السعي والجدّ، وترفض من أجل الأمل الحيّ في قلوبها كلّ أشكال
                              الظلم والسيطرة من دول الفساد.
                              وليس في شيء من هذه الملتزمات نقص وشين، بل كلّ ذلك طاعة لله
                              وقرب منه وسعي في سبيله وجهاد لتحكيم حكمه وإعلا كلمته، حتى يتحقّق وعد الله الذي ذكره في قوله تعالى (ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمّة ونجعلهم الوارثين).
                              في دولةٍ كريمة يعزّ الله بها الإسلام وأهله ويذلّ النفاق وأهله، لنكون فيها
                              من الدعاة إلى طاعته والقادة إلى سبيله، ويرزقنا بها كرامة الدنيا والاَخرة، ممّن (دعواهم فيها سبحانك اللّهمّ وتحيّتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله ربّ العالمين

                              تعليق


                              • #45
                                خاتمة

                                إنّ على مَنْ يريد الخير لهذه الأُمّة الإسلاميّة المستضعفة - في عالم اليوم -
                                والمستهدفة من قبل الكفر العالمي، وكلّ الكفار من يهود ونصارى وملحدين:
                                أنْ يحاول جمع كلمتهم لا التفريق بينهم.
                                وأنْ يركّز على ما يقبله كلّهم من الملتزمات وإن اختلفوا في جزئيّاتها،
                                كالحجّ والصلاة والصوم ومن أهمّها اليوم مسألة انتظار الإمام المهديّ من
                                آل بيت الرسول، الذي لم يختلف فيه اثنان، وقد تضافرت عليه الروايات
                                والأحاديث الشريفة.
                                وعلى كتّابنا الأفاضل الّذين يريدون خدمة الأُمّة الإسلاميّة:
                                أن يبذلوا جهودهم لمل الفراغات - التي لا تقلّ - في حضارتنا وحياتنا،
                                كل في اختصاصه.
                                وأن يركّزوا على الإبداع والابتكار في ما يقدّمونه إلى الأُمّة.
                                وأنْ لا يملأوا صفحات المجلات وساحات الانترنيت , بذكر ما لا أثر حسن له، فضلا عن أن يذكروا ما له أثر سيّىء.
                                وأيّ شي أسوأ ممّا يُثير غضب طائفة، أو يؤلم قلب أُخرى، ما دامت المسألة أمرا لكلّ جانب عليه دليله وقناعته?
                                بل عليهم أن يسعوا للتعرّف على ما يقرّب بين المسلمين، ويؤلّف بين
                                قلوبهم، حتّى تتوحّد صفوفهم. مثل مسألة <المهديّ المنتظر> التي
                                أثبتها المسلمون قديما وحديثا في كتب ورسائل كثيرة جدّا.
                                جمع الله كلمة المسلمين على التقوى.
                                وجعلنا من الناجين تحت لواء رسوله الكريم يوم لقائه، مع الّذين
                                آمنوا وعملوا الصالحات.
                                والحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمّد وآله الأطهار وصحبه الأخيار.

                                تعليق

                                المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                                حفظ-تلقائي
                                x

                                رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

                                صورة التسجيل تحديث الصورة

                                اقرأ في منتديات يا حسين

                                تقليص

                                لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

                                يعمل...
                                X