النساء الكاملات
بقلم : أم مهدي آل شهاب

روى ابن الصباغ المالكي عن كل من البخاري ومسلم والترمذي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال : " كمل من الرجال الكثير ، ولم يكمل من النساء إلا أربع ، مريم بنت عمران ، آسية بنت مزاحم امرأة فرعون ، وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله " .
نال هؤلاء النساء الأربع السيادة الكاملة ، ليكنَّ الأسوة الحسنة لجميع نساء العالم ، وكل واحدة منهن في حياتها عضة وعبرة لنا
1-آسية بنت مزاحم : قال تعالى ( وضرب الله مثلاً للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتاً في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين ) التحريم /11 .
هذه الانسانة عاشت في قلب مجتمع الكفر ، عاشت مع زوجها الذي ادعى الربوبية ، وبالرغم من أن أبواب الحياة الرحبة كانت مفتوحة أمامها ، وكل الامتيازات التي كانت من حولها فقد عاشت في أفخم القصور وأرغد عيش ، إلا أنها رفضت كل ذلك واتجهت نحو عبادة الله عز وجل ، فكانت الانسانة القوية في إيمانها القوية في موقفها ، فهي تعلم الناس أنها لم تخضع لمتاع الدنيا بل طلبت من الله عز وجل أن يبني لها عنده بيتاً في الجنة وينجيها من فرعون وعمله وينجيها من القوم الظالمين ، لم تقبل ببيت فرعون الذي فيه الناس ؛ لذا أثبتت هذه الانسانة أن المرأة المتحركة عندما تعيش الإيمان العميق الذي يتحرك في عقلها وينبض في قلبها ويعيش في حركتها لن تكن المرأة المتحركة نحو غرائزها وشهواتها ، فعندما كان الناس ينظرون على زوجها وعظمته كانت تنظر إلى الله عز وجل وعظمته من خلال عبادتها الواعية وإيمانها القوي .
2 - مريم بنت عمران : قال تعالى : ( فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتاً حسناً وكفلها زكريا كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقاً قال يا مريم أنّى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب ) آل عمران /37 .
امتلأت روح هذه الانسانة بكلمة الله عز وجل ، امتلأ عقلها بحب الله ؛ لذلك رعاها الله وأنبتها نباتاً حسناً وكفلها زكريا ، كانت تعيش مع الله في المحراب ؛ لذا جعلها مظهراً لقدرته ، فحملت بدون زوج وولدت النبي عيس عليه السلام ، ومن هنا بدأت مشكلة السيدة مريم عليها السلام مع الناس ، فقد اتهموها في شرفها وكذبوها ، ومع هذا لم تضعف ولم تيأس في لحظة من اللحظات من رحمة الله عز وجل ، بل اطمأنت وصبرت ووجهت ثقتها بالله عز وجل ، فبرأها الله مما قالوا ، وجعلها وابنها آية للعالمين ، فالسيدة مريم عليها السلام هي المثل الحي لكل إنسان يملك البراءة ، فيقف بكل قوته ليواجه من حوله بكل ثقة واطمئنان .
3- خديجة بنت خويلد : قال تعالى : ( والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما ) الفرقان /74 .
سأل الرسول صلى الله عليه وآله جبرائيل عليه السلام " من أزواجنا ؟ قال : خديجة " .
كانت خديجة عليها السلام أثرى أهل مكة وأكثر نسائها جمالاً ، وهي السيدة من بينهن ، ومع كل كا تملك إلا أنها اختارت الرسول صلى الله عليه وآله من بين الرجال ؛ لعلمها بما سيقع على كاهلها من عبء تبليغ الرسالة الإسلامية فأعطته كل ما في يديها ، ووهبت حياتها له ، وأعانته على تبليغ الدعوة وأول من صدقته إذ كذبه الناس ، وآمنت به إذ كفر الناس ، وواسته في مالها إذ حرمه الناس ، وكل ذلك جعلته في سبيل الله ؛ لذا بلغت عند رسول الله صلى الله عليه وآله المكانة العالية التي لم يبلغ مثلها أحد من نسائه ، حتى عندما رحلت عنه بقيت روحها معه ، وذكرها على لسانه حتى بين نسائه ، فكان يقول : "إني قد رزقت حبها " كذلك لقيت المنزلة العالية عند الله عز وجل فباهى بها الملائكة في كل يوم مراراً ، وبشرها ببيت في الجنة .
4-فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله : قال تعالى : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) الأحزاب /33 .
عاشت الزهراء عليها السلام حياة قصيرة ، فعندما ارتحلت إلى بارئها كان عمرها دون العشرين ، ومع ذلك ملأت هذا العمر بالعم والعبادة والثقافة ما لو عاشت امرأة غيرها ألف عام ما قدّمته ، فلم تجعل طفولتها من أجل اللعب واللهو والعبث ، بل كانت ترعى أباها في ذلك الوقت عندما كان يحمل مهام الرسالة فأصبحت " أم أبيها " كما شهد لها الرسول صلى الله عليه وآله ، وعاشت حياتها الزوجية مع كفئها الوحيد الذي لو لم يخلقه الله لما كان لها زوج ، بعقلها وروحها وفكرها وطهرها وجهادها ، أخلصت بدورها كزوجة هيأت له الجو المناسب الذي يحتاجه ، وربت أطفالها التربية الإسلامية الصحيحة ، فغرست في نفوسهم كل معاني الحب والسير والجهاد في سبيل الله ، وفي كل ذلك لم تغفل الزهراء عن مسؤليتها كامرأة مسلمة عن تعليم النساء وتثقيفهن وحل مسائلهن ، فاهتمت بالعلم ونشره بين الناس ، فكان كلامها كلام رسول الله صلى الله عليه وآله وكلام رسول الله كلام الله عز وجل ؛ ولهذا كانت تعيش دورها كأعظم ما يكون الدور ، كانت تعطي كل شيء حقه وتعيش عمق الإخلاص لله عز وجل في كل ما تفعله في حياتها ، ولم تترك لحظة من اللحظات عبادة الله والبكاء بين يديه والتضرع من خشيته ، وكانت الساعات التي تقضيها الزهراء مع الله سبحانه وتعالى تستمد فيها الطاقة على كل المعاناة التي تعيشها ، فهي المؤمنة العابدة الزاهدة الصديقة الطاهرة الصابرة المجاهدة الكاملة وهي المثل الأعلى للرجال والنساء على السواء .
كل هذه الصفات التي اجتمعت في النساء الأربع جعلتهن يستحقن لقب " النساء الكاملات " ونحن بحاجة ماسة لمعرفة المزيد عن حياتهن ؛ لأنهن المثل الأعلى الذي نقتدي به ، ونسترشد بخطاه ، ونستنير بأنواره ؛ لنطّهر أنفسنا ، وننور عقولنا ، زنسير في سبيل الله عز وجل .
منقوول من موقع الطاهرة وبارك الله في كاتبته
تعليق