المرأة في الإسلام والاجتماع
نبال الأميوني
تحظى المرأة في الاسلام بحيّز كبير من التجاذبات التي وفرتها مناخات الاجتهادات خاصة في مسألة الزواج، لكننا نستطيع القول إن المرأة في القرآن الكريم حازت على امتيازات عديدة أعطتها أهلية العمل والاستقلالية ومباشرة عقد الزواج... كل ذلك بعد قرون طويلة من الظلم الجاهلي، بدءاً من عادة وأد البنات وصولاً الى سلبها حقها الانساني والبيولوجي والثقافي.
وعليه، رفض الإسلام الاعتقاد الذي كان سائداً حول إلحاق الخطيئة بحواء، والذي آمنت به معظم الديانات في الحضارات القديمة. وجاء الرفض واضحا من خلال ما ورد في القرآن الكريم: <<وقلنا يا آدم أسكن أنت وزوجك في الجنة، وكلا منها رغدا حيث شئتما، ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين فأزلهما الشيطان عنها، فأخرجهما مما كانا فيه>> (سورة البقرة، آية 35 36). كذلك، لم تخلق حواء في الاسلام من آدم، بل خلق الله الذكر والأنثى من نفس واحدة: <<يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى>> (سورة الحجرات، آية 13) وايضاً: <<اتّقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة، وخلق منها زوجها، وبثّ منهما رجالا كثيرا ونساء، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام، إن الله كان عليكم رقيباً>> (سورة النساء، آية1). فالخلق وفق الاسلام مردود الى نفس واحدة هي آدم، وحواء تنسب الى المصدر نفسه الروحي الانساني، فلا اعتبار لذكورة وأنوثة، <<هيولى وصورة>>، ولاتفرقة بين رجل وامرأة.
واجه الإسلام، بقوة، عادة وأد البنات، وأضاف على واجب الاهل ان يتّقوا الله في بناتهم، كذلك أعطى الانثى اهلية اجتماعية واقتصادية ودينية. فمنحها حق التملّك بالميراث بعد ان كانت محرومة منه عند العرب: <<للرجل نصيب مما ترك الوالدان والأقربون، وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون، مما قلّ منه او اكثر نصيباً مفروضاً (سورة النساء، آية 7). كما أعطاها الإسلام حقها في المهر: <<وآتوا النساء صدقاتهن، نِحلةً>> (سورة النساء، آية 42). كذلك منحتها الشريعة حق التصرف الكامل في شؤونها المالية والشخصية واختيار المسكن الذي تريد الإقامة فيه، وحق القبول او رفض الرجل الذي يطلب الزواج بها: <<البنت أحقّ بنفسها من وليّها، والبكر تستأذن في نفسها، وأذن صمتها>> (رواه الجماعة الا البخاري).
لقد حاول الاسلام تغيير النظرة العربية/ الجاهلية للمرأة، فحاولت الشريعة إبعاد الظلم الذي تعرّضت له في الحضارات المختلفة عبر التاريخ، ووفّر لها حقاً في التربية والثقافة والعمل وطالب بالعدل الإنساني لا بالتساوي مع الذكر، لأجل بناء مجتمع سليم وعادل. اذ يماثل الرجل النظام الحضاري لأجل التقدم والإنتاج... وتماثل المرأة النظام الطبيعي لأجل الاستمرار وخلود النوع، وفي كلتا الحالتين تكامل واتزان مجتمعي تبعا لتوزيع الادوار.
صحيح ان الاسلام حاول تحرير الانثى من قيود الماضي ومن مسؤولية الخطيئة الانسانية، غير أننا نلاحظ تغايراً في تطبيق المفاهيم على ارض الواقع المعاش من خلال سوء الفهم للشرائع. فكما ان القانون الموضوع لحماية الافراد وصيانة حقوقهم لا يعني بالضرورة إعطاء كل فرد حقه، كذلك فإن الفكر الديني لا يفرض بالضرورة تطبيقاً وممارسة لمفاهيمه على أرض الواقع. حيث تبقى العادات والتقاليد المجتمعية عنصراً مُسيطراً في تحريك سلوك الافراد على العنصر اللاهوتي. والدليل واضح في بروز مفاهيم مغايرة تطال المرأة، تقبعها في عالم الخضوع والاستسلام لذهنيات بدائية بعيدة تماماً عن الفكر الديني الحقيقي، غالباً ما تعكس مصالح سياسية تتخطى الاطار التوجيهي الصحيح، او نتيجة جهل تام لأمور الدين والشريعة التي اضحت متمحورة حول امور السلطة والنفوذ...
وعلى سبيل المثال. نجد أن الأخلاقيات القبلية/ العربية (يهودية ومسيحية وإسلامية) والآشورية والسومرية والبابلية والهندية واليونانية والرومانية، كلها ما زالت مستمرة حتى الزمن الحاضر متمثلة في النظام الأبوي/ البطركي، كنظام يستمد أفكاره وقواعده وأسسه من الذاكرة الشعبية التي لا تزال تحمل قسطا وفيرا من المفاهيم التقليدية وتتأثر بها، خاصة في المناطق الريفية منها، حيث يخف التقليد (كما التأثير الديني) في المدينة، ويتأثر الريف بتنوّع الحضارات التاريخية عندما لا يكون ثمة اتصال بين ثقافات مغايرة، خاصة في تلك القرى النائية البعيدة جغرافياً عن المدن. اذ لا زالت مثل هذه المناطق، في ما يطال واقع المرأة فيها، <<تحاكي>> او تخضع لعادة القدماء وتقبل باعتقاداتهم كدليل كافٍ عن الإيمان في المسلك الاجتماعي. فالسلوك الذي تتبنّاه المرأة المسلمة، هو سلوك مألوف ومعروف من قبل. والنظرة التي يرعاها المجتمع/ الذَّكَر تجاهها، هي نظرة تناقضية مستمرة في الزمن الحاضر. نعطي مثالاً على ذلك ان مفاهيم الشرف (عند العرب) ومفهوم السلطة الابوية والزنى المُباح للرجل (لدى الآشوريين والسامريين والبابليين) والحجاب وشر المرأة وخطيئتها الأصلية (آدم وحواء في الهند وفي اليهودية والمسيحية) والقيود الخلقية للمرأة وعفتها الملزمة (عند اليونان) وعدم أهلية المرأة (عند الرومان)، كلها أضحت بمثابة قوانين اجتماعية في الزمن الإسلامي المعاصر، وكنظام أساسي/أولي يُرجى تطبيقه لتحقيق <<مثالية الأنثى>> كي لا تتعرّض الى العنف والقسر الاجتماعي داخل محيطها وأسرتها. بل يمثل هذا النظام الأبوي قوة التقاليد المحافظة تجاه المرأة، المستمدة من التاريخ لتصبح النظام القائم والعنصر الثابت في السلوكيات الانسانية.
كذلك، فإن النظرة التناقضية والمكانة الشديدة التفاوت التي عرفتها المرأة عبر التاريخ، لا زالت حاضرة في الثقافة الاسلامية المجتمعية اليوم. فهي تارة قديرة وحكيمة في التعاطي، وتارة اخرى رمز الشر والإغراء. وقد نلمس هذا التفاوت من خلال الأمثلة الشعبية المتداولة والتي تطال أساساً الأنثى بعيداً عن المتغير الديني. ففي حين كانت الحضارات القديمة تحبّذ العفة والطهارة والقصور والتبعية للمرأة، أعطت من جهة اخرى، مكانة اجتماعية للعاهرات اللواتي عملن في المعابد لإرضاء رغبات <<الذَّكَر>>، او اعطتها مكانة اجتماعية وحصرت الميراث بجنسها اذا ما انتمت الى الأسر المالكة، وجرّدتها من الامتيازات اذا ما انتمت الى العائلات الفقيرة. وهنا تجدر الاشارة الى اهمية المتغير الاقتصادي/المهني في التمييز بين نساء المجتمع الواحد او في تحررها وبُعدها عن مفهوم التبعية.
لكل هذه الاعتبارات، نجد ان المرأة المسلمة لا زالت تخضع للمفاهيم والمعارف التقليدية في السلوكات الحياتية، المستمرة عبر الذاكرة الشعبية التي لا زالت تُسقط الفعل الماضوي في الحاضر المعاصر، بعيداً عن تطبيق النظرة الصحيحة للاسلام تجاهها. علماً بان هذا الخضوع اضحى متأثرا، ولو بشكل ضئيل، بمفهوم التطور الاجتماعي الحتمي (الذي أطلقه سبنسر). فالمرأة المسلمة كمؤسسة بشرية، خضعت لمتغيرات دائمة عبر التاريخ، منها السياسية والاقتصادية والمهنية والتعليمية والاجتماعية التي أثرت في واقعها داخل إطار الثقافة الاجتماعية، لكنها لم تستطع التحول تماما عن مفاهيم الحضارات الماضية في إطار العلاقات ومضامينها المعرفية.
() دكتوراه في العلوم الاجتماعية
نبال الأميوني
تحظى المرأة في الاسلام بحيّز كبير من التجاذبات التي وفرتها مناخات الاجتهادات خاصة في مسألة الزواج، لكننا نستطيع القول إن المرأة في القرآن الكريم حازت على امتيازات عديدة أعطتها أهلية العمل والاستقلالية ومباشرة عقد الزواج... كل ذلك بعد قرون طويلة من الظلم الجاهلي، بدءاً من عادة وأد البنات وصولاً الى سلبها حقها الانساني والبيولوجي والثقافي.
وعليه، رفض الإسلام الاعتقاد الذي كان سائداً حول إلحاق الخطيئة بحواء، والذي آمنت به معظم الديانات في الحضارات القديمة. وجاء الرفض واضحا من خلال ما ورد في القرآن الكريم: <<وقلنا يا آدم أسكن أنت وزوجك في الجنة، وكلا منها رغدا حيث شئتما، ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين فأزلهما الشيطان عنها، فأخرجهما مما كانا فيه>> (سورة البقرة، آية 35 36). كذلك، لم تخلق حواء في الاسلام من آدم، بل خلق الله الذكر والأنثى من نفس واحدة: <<يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى>> (سورة الحجرات، آية 13) وايضاً: <<اتّقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة، وخلق منها زوجها، وبثّ منهما رجالا كثيرا ونساء، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام، إن الله كان عليكم رقيباً>> (سورة النساء، آية1). فالخلق وفق الاسلام مردود الى نفس واحدة هي آدم، وحواء تنسب الى المصدر نفسه الروحي الانساني، فلا اعتبار لذكورة وأنوثة، <<هيولى وصورة>>، ولاتفرقة بين رجل وامرأة.
واجه الإسلام، بقوة، عادة وأد البنات، وأضاف على واجب الاهل ان يتّقوا الله في بناتهم، كذلك أعطى الانثى اهلية اجتماعية واقتصادية ودينية. فمنحها حق التملّك بالميراث بعد ان كانت محرومة منه عند العرب: <<للرجل نصيب مما ترك الوالدان والأقربون، وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون، مما قلّ منه او اكثر نصيباً مفروضاً (سورة النساء، آية 7). كما أعطاها الإسلام حقها في المهر: <<وآتوا النساء صدقاتهن، نِحلةً>> (سورة النساء، آية 42). كذلك منحتها الشريعة حق التصرف الكامل في شؤونها المالية والشخصية واختيار المسكن الذي تريد الإقامة فيه، وحق القبول او رفض الرجل الذي يطلب الزواج بها: <<البنت أحقّ بنفسها من وليّها، والبكر تستأذن في نفسها، وأذن صمتها>> (رواه الجماعة الا البخاري).
لقد حاول الاسلام تغيير النظرة العربية/ الجاهلية للمرأة، فحاولت الشريعة إبعاد الظلم الذي تعرّضت له في الحضارات المختلفة عبر التاريخ، ووفّر لها حقاً في التربية والثقافة والعمل وطالب بالعدل الإنساني لا بالتساوي مع الذكر، لأجل بناء مجتمع سليم وعادل. اذ يماثل الرجل النظام الحضاري لأجل التقدم والإنتاج... وتماثل المرأة النظام الطبيعي لأجل الاستمرار وخلود النوع، وفي كلتا الحالتين تكامل واتزان مجتمعي تبعا لتوزيع الادوار.
صحيح ان الاسلام حاول تحرير الانثى من قيود الماضي ومن مسؤولية الخطيئة الانسانية، غير أننا نلاحظ تغايراً في تطبيق المفاهيم على ارض الواقع المعاش من خلال سوء الفهم للشرائع. فكما ان القانون الموضوع لحماية الافراد وصيانة حقوقهم لا يعني بالضرورة إعطاء كل فرد حقه، كذلك فإن الفكر الديني لا يفرض بالضرورة تطبيقاً وممارسة لمفاهيمه على أرض الواقع. حيث تبقى العادات والتقاليد المجتمعية عنصراً مُسيطراً في تحريك سلوك الافراد على العنصر اللاهوتي. والدليل واضح في بروز مفاهيم مغايرة تطال المرأة، تقبعها في عالم الخضوع والاستسلام لذهنيات بدائية بعيدة تماماً عن الفكر الديني الحقيقي، غالباً ما تعكس مصالح سياسية تتخطى الاطار التوجيهي الصحيح، او نتيجة جهل تام لأمور الدين والشريعة التي اضحت متمحورة حول امور السلطة والنفوذ...
وعلى سبيل المثال. نجد أن الأخلاقيات القبلية/ العربية (يهودية ومسيحية وإسلامية) والآشورية والسومرية والبابلية والهندية واليونانية والرومانية، كلها ما زالت مستمرة حتى الزمن الحاضر متمثلة في النظام الأبوي/ البطركي، كنظام يستمد أفكاره وقواعده وأسسه من الذاكرة الشعبية التي لا تزال تحمل قسطا وفيرا من المفاهيم التقليدية وتتأثر بها، خاصة في المناطق الريفية منها، حيث يخف التقليد (كما التأثير الديني) في المدينة، ويتأثر الريف بتنوّع الحضارات التاريخية عندما لا يكون ثمة اتصال بين ثقافات مغايرة، خاصة في تلك القرى النائية البعيدة جغرافياً عن المدن. اذ لا زالت مثل هذه المناطق، في ما يطال واقع المرأة فيها، <<تحاكي>> او تخضع لعادة القدماء وتقبل باعتقاداتهم كدليل كافٍ عن الإيمان في المسلك الاجتماعي. فالسلوك الذي تتبنّاه المرأة المسلمة، هو سلوك مألوف ومعروف من قبل. والنظرة التي يرعاها المجتمع/ الذَّكَر تجاهها، هي نظرة تناقضية مستمرة في الزمن الحاضر. نعطي مثالاً على ذلك ان مفاهيم الشرف (عند العرب) ومفهوم السلطة الابوية والزنى المُباح للرجل (لدى الآشوريين والسامريين والبابليين) والحجاب وشر المرأة وخطيئتها الأصلية (آدم وحواء في الهند وفي اليهودية والمسيحية) والقيود الخلقية للمرأة وعفتها الملزمة (عند اليونان) وعدم أهلية المرأة (عند الرومان)، كلها أضحت بمثابة قوانين اجتماعية في الزمن الإسلامي المعاصر، وكنظام أساسي/أولي يُرجى تطبيقه لتحقيق <<مثالية الأنثى>> كي لا تتعرّض الى العنف والقسر الاجتماعي داخل محيطها وأسرتها. بل يمثل هذا النظام الأبوي قوة التقاليد المحافظة تجاه المرأة، المستمدة من التاريخ لتصبح النظام القائم والعنصر الثابت في السلوكيات الانسانية.
كذلك، فإن النظرة التناقضية والمكانة الشديدة التفاوت التي عرفتها المرأة عبر التاريخ، لا زالت حاضرة في الثقافة الاسلامية المجتمعية اليوم. فهي تارة قديرة وحكيمة في التعاطي، وتارة اخرى رمز الشر والإغراء. وقد نلمس هذا التفاوت من خلال الأمثلة الشعبية المتداولة والتي تطال أساساً الأنثى بعيداً عن المتغير الديني. ففي حين كانت الحضارات القديمة تحبّذ العفة والطهارة والقصور والتبعية للمرأة، أعطت من جهة اخرى، مكانة اجتماعية للعاهرات اللواتي عملن في المعابد لإرضاء رغبات <<الذَّكَر>>، او اعطتها مكانة اجتماعية وحصرت الميراث بجنسها اذا ما انتمت الى الأسر المالكة، وجرّدتها من الامتيازات اذا ما انتمت الى العائلات الفقيرة. وهنا تجدر الاشارة الى اهمية المتغير الاقتصادي/المهني في التمييز بين نساء المجتمع الواحد او في تحررها وبُعدها عن مفهوم التبعية.
لكل هذه الاعتبارات، نجد ان المرأة المسلمة لا زالت تخضع للمفاهيم والمعارف التقليدية في السلوكات الحياتية، المستمرة عبر الذاكرة الشعبية التي لا زالت تُسقط الفعل الماضوي في الحاضر المعاصر، بعيداً عن تطبيق النظرة الصحيحة للاسلام تجاهها. علماً بان هذا الخضوع اضحى متأثرا، ولو بشكل ضئيل، بمفهوم التطور الاجتماعي الحتمي (الذي أطلقه سبنسر). فالمرأة المسلمة كمؤسسة بشرية، خضعت لمتغيرات دائمة عبر التاريخ، منها السياسية والاقتصادية والمهنية والتعليمية والاجتماعية التي أثرت في واقعها داخل إطار الثقافة الاجتماعية، لكنها لم تستطع التحول تماما عن مفاهيم الحضارات الماضية في إطار العلاقات ومضامينها المعرفية.
() دكتوراه في العلوم الاجتماعية