في هذه الإطلالة من الحلقات، نريد أن نناقش الفكر من حيث هو مشروع صالح للاستهلاك الإنساني أو الاستثمار البشري بعيدا عن المستويات السياسية الهابطة للتطبيق الإنساني لهذا الفكر أو ذاك، وكذالك عن الجغرافية التي قسمت الفكر الإنساني العام الى غربي وشرقي، فالفكر هو الفكر وملكيته عامة لبني البشر. ويبدو ان فكرة الديمقراطية اليوم أصبحت القطب الثقيل الذي يستقطب أفئدة وعقول الملايين من المسحوقين والمظلومين في العالم الإنساني، ولم لا إذا كانت الديمقراطية توفر المعقول من كرامة الإنسان وحريته؟.وفي الجانب الآخر من العالم تقف الأطروحة الإسلامية وهي لاتمتلك تكنلوجيا العصر المتقدمة، ولا اقتصاديات العالم الرأسمالي، إلا إنها تمتلك نفس تطلعات الفكر الديمقراطي، وفكرا عقائديا قويا جدا ينادي بالعدالة الاجتماعية وعدم استعباد الإنسان لاخيه الإنسان، ويطالب بالمساواة والحرية واحترام قدسية الإنسان. ولكلا الاطروحتين طوابير من الكوادر البشرية، تصطف للانتماء والنصرة، وبين كلا الأطروحتين جدل لايخفى على أحد، ولكل أطروحة منتجها الطبيعي، فهناك الأصولية والتشدد والارهاب من جانب، وهناك الوسط والتسامح والانفتاح والحوار من جانب اخر. نعم هناك من الأصولية الديمقراطية التي تتاجر بالديمقراطية لإقصاء الآخر ونفيه، وهناك الأصولية الإسلامية التي تتاجر بالأطروحة الإسلامية لطرد الآخر واستعباده وطرده من خلال فرض النموذج الديمقراطي العلماني السياسي، واستعباده من خلال الاعتقاد بوجوب خضوع الآخر لصاحب الأطروحة الإسلامية كتابع أقل درجة في الإنسانية. وهناك دائما العكس في الوسط الديمقراطي والإسلامي الذي يرى التوافق قائما، فبإمكان الإنسان الإسلامي أن يؤمن بحرارة بالأطروحة الديمقراطية، وكذا العكس عندما ينفعل الإنسان الديمقراطي بالأطروحة الإسلامية. نعم هناك من يستهدف بناء الجدار من كلا الطرفين ليصادر أو يصور الواقع الفكري على غير ما هو عليه لكلا الأطروحتين، وهؤلاء إما تجار سياسة أو عقائديون متخلفون لاغير. وعليه ستكون لنا جولة من البحث لموضوعة الديمقراطية والإسلام بتجرد معقول، لنثير قضايا مستندة في منطلقاتها الأساسية من الرؤية الإسلامية حول الديمقراطية، ومن الرؤية الديمقراطية حول الأطروحة الإسلامية، لنصل إلى محاور الالتقاء الشرعي والحضاري لكلا الأطروحتين، ولنبدأ اولا بالإشكالية المعتقد التي يتبناها أصحاب الخطاب المنغلق عن الآخر وهي ـ أن هناك عملية خلط أو مصادرة أو ما شاكل ذالك من العناوين الأخرى عندما يقال، ـ التقاء شرعي أو حضاري بين أطروحتين لكل منهما فلسفته الخاصة في إدارة المجتمع الإنساني. ولانريد حقيقة الاستفاضة الآن في الموضوع بشكل عام، ولكن يكفي الإشارة إلى أن هذا الإشكال المثار من جانبي أنصار الأطروحتين المتشددين منطلقة من نظرة أو ثقافة أحادية الجانب لكلا الطرفين الديمقراطي والإسلامي، فمن الديمقراطيين ممن يعتقد باستحالة التقاء فكر علماني ديمقراطي مع فكر عقائدي إسلامي، وكذا الجانب الآخر من الإسلاميين أيضا، فكيف تتوافق رؤية إلاهية عقائدية في نظره بفكرة علمانية تؤمن بفصل الدين عن الدولة أو الحياة. كذالك هناك من لايؤمن بأطروحات ـ الموجة التي تنتجها ظروف سياسية معينة وإذا ما انتفت هذه الظروف الموضوعية تتراجع الأطروحة الترقيعية الهادفة لإيجاد الوسط بين الديمقراطية والإسلام أو الإسلام والديمقراطية. فالبعض يرى أن عنوان الإسلام والديمقراطية ما هو إلا عنوان موجة وانبهار فحسب، كالذي صادفناه من شعار الإشتراكية والإسلام أو اشتراكية أو شيوعية أبي ذر تحت وطاة الانبهار بالدب السوفيتي السابق. وكذالك اليوم بعد هيمنة القطب الواحد ـ الديمقراطية الغربية ـ فمن الطبيعي ولادة مصطلح اللحظة في الديمقراطية الإسلامية. ولم لا يكون قريبا لدينا أيضا ليبرالية عمر، وديمقراطية علي بن ابي طالب، كما كان لدينا اشتراكية أبي ذر؟ الحقيقة إن مثل هذه النظرات والتصورات للموضوعة الديمقراطية والإسلامة ومن كلا الطرفين تنظر من منظار مؤسس على ـ الشخصية الفكرية ـ وكأنما هذه الأفكار والعقائد قد فصلت على مقياس واحد وبملامح محددة لا تتسع لأي شيء آخر. ولذالك فإن نظرة الإنسان بشكل عام هي التي تحدد مفهومه عن الإسلام أو الديمقراطية وليس العكس، ـ بمعنى ـ أن هناك من يرى أن نظرته الشخصية حول ـ مثلا ـ الأطروحة الإسلامية هي الأطروحة الإسلامية نفسها، ليختصر شمولية الفكر أو العقيدة في منظوره المقيد، وعليه فلا يجوز أن يلتقي الإسلام بالاشتراكية ولا الديمقراطية، لأن هناك ـ شخصية ـ لكل فكرة و ـ هوية ـ لكل معتقد واضحة المعالم والسمات. وكذا يقال في الجانب الآخر حول الديمقراطية وشخصيتها المتميزة غير القابلة للالتقاء مع الاخر. إذن أين الإشكال، هل هو في الفكرة والمعتقد أم في النظرة الإنسانية حول هذه الفكرة وذاك المعتقد؟ الحقيقة إن منشأ الصراع البشري هو هذه النظرة، فكرة ـ شخصنة ـ الفكر واستخدام السياسات لها، فما تفتاَ الفكرة أو المعتقد بالتحول لهذا المعنى، حتى تبدأ المناحرات في الصراع الحضاري، وبمساعدة الأمراض البشرية تعلق جميع الجرائم البشرية على مسمار الفكر والمعتقد، مع العلم أن كلا الفكر والمعتقد إسلاميا وديمقراطيا يدعوان إلى الانفتاح والتعاون مع الآخر ـ فمثلا ـ قوله سبحانه وتعالى ـ يايها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم ـ 13 الحجرات. فالتعا رف من صميم فلسفة الانفتاح على الآخر في الأطروحة الإسلامية في حوار الحضارات، ولكن أين العدو اذن؟ هنا وبضيق الأفق أو تكالب السياسة لابد من شخصنة الفكر أو العقيدة بشكل حاد، ليحمل سمات الإنسان المقيدة ونخضعه ـ الفكر أو العقيدة ـ لأطرنا الجغرافية حتى تكون هناك مشروعية لنفي الاخر، وعليه فالأطروحة الإسلامية لها مواصفات وملامح الإنسان الشرقي، والديمقراطية كذالك لها مواصفات الإنسان الغربي فحسب، ولا يدخل أو يخرج أي فكر لأطرها الفكرية. وفي مثل هذا الطرح المنغلق والسياسي بطبيعته إشكاليات عميقة كبيرة ربما تصل إلى حد تجريد أهم مميز ات الفكر والعقيدة بصورة عامة، وهذا غير ماتنتجه هذه الرؤية من سلبيات مدمرة. فعلى الصعيد الإسلامي انه لأمر مرفوض تماما أن تحتكر الأطروحة الإسلامية بفهم وتصور الإنسان العربي أو المسلم فحسب، فشعار هذه الأطروحة هو قائم على مبداَ ـ التعارف ـ وكذا خطابها الحضاري، أي الانفتاح على ما عند الآخر من فكر ومعتقد، وانفتاح الآخر على الأطروحة الإسلامية، وهي عملية داخل وخارج من الفكر والمعتقد، وليس هناك أي مشروعية لغلق المنافذ في الفكر الإسلامي تجاه الآخر ومنتجاته الفكرية. فعندما يقال ـ مثلا ـ اشتراكية الإسلام أو د يمقراطية الإسلام فهو الأمر الطبيعي واللائق بالأطروحة الإسلامية، وليس العكس باعتبارها أطروحة تدعو لانفتاح الداخل على الخارج، والعكس ايضا صحيح. ومن جانب آخر فإن الأطروحة الإسلامية أطروحة إلاهية مطلقة لا تختص بجيل دون غيره، وهذا واضح لكل مفكر إسلامي، وهي كالمرآة التي تعكس صورة الواقع دوما، لتعطي كل زمن وجيل صورته التي من خلالها يستطيع المجتمع الإسلامي أن يتكيف مع مستجدات الزمان ومتغيرات التطور والتقدم الإنساني، وهذه الصورة التي تعكسها الأطروحة الإسلامية، هي ما يسمى بالعطاء المتجدد للقرآن الإسلامي، وعلى هذا فيجب أن تكون للأطرحة الإسلامية معطيات لكل زمان ومكان فإن أتت الإشتراكية بأطروحاتها الفكرية والاقتصادية، كان للأطروحة الإسلامية منعكسها الطبيعي لهذا الواقع، وهو مشروع تماما، فهناك ويجب ولابد من اشتراكية إسلامية، وكذا اليوم فيجب أن يكون للأطروحة الإسلامية ديمقراطية إسلامية وإلا ضربت مقولة أن هذه الأطروحة القرآنية تسير مع الإنسان ما سار الليل والنهار. إن الإشكال الحقيقي هو إن لايكون هناك ديمقراطية إسلامية، وليس العكس كما يثيره أصحاب الشخصنة العقائدية والتي هي بدعة لاتنسجم مع روح هذه الأطروحة وأهدافها الإنسانية. إن الذي يقول بالشخصية أو ليس هناك ديمقراطية أو اشتراكية في الإسلام، عليه أن يطرح رؤيته العقائدية أيضا عن الإله الإسلامي الذي أنزل دينا لا يتعامل مع جميع الأفكار والأزمنة والأماكن، ثم ختم هذا الدين لتجمد الحياة على رؤية واحدة . نعم ينبغي أن تصاغ المعادلة من جديد بين ديمقراطية الإسلام أو إسلامية الديمقراطية.
X
اقرأ في منتديات يا حسين
تقليص
المواضيع | إحصائيات | آخر مشاركة | ||
---|---|---|---|---|
أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, اليوم, 07:21 AM
|
ردود 2
12 مشاهدات
0 معجبون
|
آخر مشاركة
بواسطة ibrahim aly awaly
اليوم, 07:23 AM
|