علي محمد المهدي
ومضى عام على رحيل الشهيد الحكيم
الموت هو من الثوابت الحقة التي لا يمكن لاحد نكرانها، والفناء من الحقائق المسلم بها والمتفق عليها دون نقاش او جدال، من الناس من اذا مات انقطعت صلته بأفراد امته وابناء مجتمعه وحتى لاقرب المقربين اليه، ومنهم على العكس من ذلك تماما من يموت ويرحل عن هذه الدنيا ولكنه يبقى حيا خالدا يتربع في قلوب افراد الامة وابناء المجتمع، يبقى كذلك ما بقي الدهر بمآثره النبيلة وبآثاره الخالدة التي لا تنسى بسهولة ولا تمحى من ذاكرة الناس، تجده يعيش بين الناس، بين من يعرفه ومن لا يعرفه، ومن هؤلاء الناس آية الله الشهيد السعيد السيد محمد باقر الحكيم رئيس المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق، عليه شآبيب الرحمة والرضوان، الذي اغتالته يد الغدر والخيانة في النجف الاشرف بعد صلاة يوم الجمعة وذلك اثر تفجير سيارة ملغومة قبل عام مضى راح ضحيتها مع الشهيد آية الله الحكيم اكثر من مائة انسان مسلم مؤمن بريء، كان الشهيد آية الله محمد باقر الحكيم يتمتع بشخصية عظيمة وفريدة من نوعها، حيث تفرد بها في مجالات النضال والجهاد في سبيل اعلاء كلمة الله في الارض، وكذلك مقاومة الحكومات الجائرة المتعاقبة على العراق الشقيق بدءا من نظام عبدالكريم قاسم وسيطرة الشيوعيين وانتهاء بنظام صدام حسين التكريتي وزمرته العفنة، كان الشهيد الحكيم يجمع العلم الغزير والفكر المستنير والوعي والتعقل مع البطولة والشجاعة وروح الاقدام والتضحية، فقد ولد هذا المجاهد الكبير في الخامس والعشرين من شهر جمادى الاولى عام 1358 هـ الموافق الثاني عشر من شهر يوليو عام 1939م في مدينة العلم والعلماء النجف الاشرف، مركز المرجعية الدينية عند المسلمين الشيعة الامامية منذ عدة قرون حيث توجد فيها اكبر جامعة علمية للمسلمين حتى اواخر السبعينيات من القرن الماضي، والسيد آية الله محمد باقر الحكيم هو نجل آية الله العظمى السيد محسن الحكيم الذي كان مرجعا دينيا عاما للمسلمين الشيعة في العالم منذ اواخر الخمسينيات من القرن الماضي حتى وفاته عام 1970م «1390هـ» واسرة الحكيم هي من الاسر العلوية التي يعود نسبها الى الامام الحسن بن علي بن ابي طالب عليهما السلام من طريق ولده الحسن المثنى، وعائلة الحكيم من العائلات العلمية العراقية الاصيلة حيث استوطن اجدادها العراق منذ اوائل القرن الثاني الهجري ثم انتشروا بفعل الظروف السياسية والاجتماعية التي مرت على العراق في مختلف انحاء العالم الاسلامي كاليمن وايران وشمال افريقيا وغيرها من البلدان،ان الحديث عن الرجال الكرام ومواقفهم العظيمة يحتاج منا دائما وابدا الى دراسة موضوعية محايدة تفصل بين العاطفة والعقل وتفصل بين ما هو واقعي وحقيقي، هذه الحقيقة التي واجهتني وانا احاول الخوض في غمار كتابة موضوع موجز عن آية الله الشهيد المجاهد السيد محمد باقر الحكيم الذي اعرفه عن قرب، حيث اجتمعت به على انفراد اكثر من مرة في حياة والده في النجف الاشرف وبالتحديد في عام 1962م وفي الكويت اثناء زياراته الرمضانية المتكررة لهذا الحوزات العلمية، حيث كان يركز دائما في لقاءاته واجتماعاته على الحب والاخوة، وكان يذكر في الكثير من لقاءاته واجتماعاته في الكويت على فضل القوة والتآخي والاحترام المتبادل، كان رحمه الله تعالى لا يفرق في اطروحاته بين الحرية للشعب العراق بعربه وأكراده وتركمانه وبشيعته وسنته ومسيحييه حيث كان رحمه الله يؤمن بدولة توفر التعددية واختلاف الاراء وتضمن لجميع الأفراد حقوقهم الوطنية والإنسانية، فقد كان يجمع الوعي السياسي والاداري بالمعرفة الدينية والثقافية جنبا الى جنب، وبهذا تميز رحمه الله عن غيره من المعارضين السياسيين وانفرد عن العلماء والمجتهدين بآرائه وأفكاره النيرة والمستنيرة، كان يرحمه الله يشعر بعلاقة خاصة وحميمة تربطه بدولة الكويت وشعبها وقيادتها وكان يدافع عنها في كل المحافل، وهذا الموقف ليس غريبا على الشهيد الحكيم فقد ورث هذه العلاقة وهذا الحب والمودة عن والده المقدس آية الله العظمى السيد محسن الحكيم الذي كان يكن للكويت وشعبها كل مشاعر المحبة والاحترام، خاصة ان الكثيرين من شيعة الكويت كانوا يرجعون اليه في امور الدين والمسائل العقائدية، فقد كانت نظرته الشاملة الى الكويت كدولة عربية جارة مسلمة شقيقة أدت الى اصدار فتواه الشهيرة حينما طالب المقبور عبدالكريم قاسم في يونيو عام 1961م بضم الكويت الى العراق وأمر قائد الفرقة الأولى في البصرة الفريق الركن السيد حميد الحصونة بالهجوم على بلدنا الكويت فذهب السيد حمد الى آية الله السيد محسن الحكيم رحمه الله يستفتيه فيما طلب منه عبدالكريم قاسم القيام به حيث قال له سماحته ان ذلك لا يجوز شرعا، كيف تعتدي على دولة عربية جارة مسلمة عزيزة علينا؟ وكانت تلك الفتوى الشهيرة كافية لامتناع الفريق الركن السيد حميد الحصونة رحمه الله عن تنفيذ أوامر عبدالكريم قاسم، حقيقة لقد فقدنا بفقد آية الله محمد باقر الحكيم رجلا عظيما جليل القدر والأفضال والجهاد في سبيل الله والأمة، وفقدنا نصيرا للكويت وقضاياها العادلة، لقد فجع العالم الإسلامي برحيل هذا الطود العملاق الذي كانت له اليد الطولى في تقويض النظام الصدامي المباد في العراق، حيث كان معارضا قويا لصدام حسين ونظام حكمه المقبور من خلال ترؤسه للمجلس الأعلى للثورة الاسلامية في العراق، هذا المجلس الذي شكله يرحمه الله مع نخبة من المناضلين العراقيين الأشراف الذين وضعوا أرواحهم على أكفهم وهم يقارعون ظلم صدام وبطشه، فقد شاءت ارادة الله التي لا راد لها ان يلقى هذا الرجل الكبير حتفه على يد زمرة باغية لا تريد الخير والاستقرار للعراق وللعراقيين ولا تريد الأمن والأمان لمنطقة بأسرها، فقد شاءت ارادة الله ان يستشهد السيد محمد باقر الحكيم في يوم هو من أفضل الأيام وأبركها وفي شهر هو من أعظم الشهور وأقدسها، فقد استشهد يرحمه الله بعد صلاة يوم الجمعة الأول من رجب 1424هـ، الموافق 29 اغسطس (آب) 2003م عند خروجه من مرقد الامام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام بعد ان أمّ ألوف المصلين في ذلك اليوم، وقد كان يرحمه الله صائما كعادته في صوم رجب وشعبان ورمضان من كل عام، هذه كلمة وفاء وتقدير لراحل أكن له كل احترام ومودة وحب بمناسبة ذكرى عام واحد على استشهاده، رحمك الله ايها الشهيد الحكيم وأسكنك فسيح جناته وأكرمك على ما قدمت من خدمات جليلة لدينك ووطنك وامتك.
almahdi@buـsalah.com
---
© 2001-2004 جريدة الوطن ، حقوق الطبع محفوظة
ومضى عام على رحيل الشهيد الحكيم
الموت هو من الثوابت الحقة التي لا يمكن لاحد نكرانها، والفناء من الحقائق المسلم بها والمتفق عليها دون نقاش او جدال، من الناس من اذا مات انقطعت صلته بأفراد امته وابناء مجتمعه وحتى لاقرب المقربين اليه، ومنهم على العكس من ذلك تماما من يموت ويرحل عن هذه الدنيا ولكنه يبقى حيا خالدا يتربع في قلوب افراد الامة وابناء المجتمع، يبقى كذلك ما بقي الدهر بمآثره النبيلة وبآثاره الخالدة التي لا تنسى بسهولة ولا تمحى من ذاكرة الناس، تجده يعيش بين الناس، بين من يعرفه ومن لا يعرفه، ومن هؤلاء الناس آية الله الشهيد السعيد السيد محمد باقر الحكيم رئيس المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق، عليه شآبيب الرحمة والرضوان، الذي اغتالته يد الغدر والخيانة في النجف الاشرف بعد صلاة يوم الجمعة وذلك اثر تفجير سيارة ملغومة قبل عام مضى راح ضحيتها مع الشهيد آية الله الحكيم اكثر من مائة انسان مسلم مؤمن بريء، كان الشهيد آية الله محمد باقر الحكيم يتمتع بشخصية عظيمة وفريدة من نوعها، حيث تفرد بها في مجالات النضال والجهاد في سبيل اعلاء كلمة الله في الارض، وكذلك مقاومة الحكومات الجائرة المتعاقبة على العراق الشقيق بدءا من نظام عبدالكريم قاسم وسيطرة الشيوعيين وانتهاء بنظام صدام حسين التكريتي وزمرته العفنة، كان الشهيد الحكيم يجمع العلم الغزير والفكر المستنير والوعي والتعقل مع البطولة والشجاعة وروح الاقدام والتضحية، فقد ولد هذا المجاهد الكبير في الخامس والعشرين من شهر جمادى الاولى عام 1358 هـ الموافق الثاني عشر من شهر يوليو عام 1939م في مدينة العلم والعلماء النجف الاشرف، مركز المرجعية الدينية عند المسلمين الشيعة الامامية منذ عدة قرون حيث توجد فيها اكبر جامعة علمية للمسلمين حتى اواخر السبعينيات من القرن الماضي، والسيد آية الله محمد باقر الحكيم هو نجل آية الله العظمى السيد محسن الحكيم الذي كان مرجعا دينيا عاما للمسلمين الشيعة في العالم منذ اواخر الخمسينيات من القرن الماضي حتى وفاته عام 1970م «1390هـ» واسرة الحكيم هي من الاسر العلوية التي يعود نسبها الى الامام الحسن بن علي بن ابي طالب عليهما السلام من طريق ولده الحسن المثنى، وعائلة الحكيم من العائلات العلمية العراقية الاصيلة حيث استوطن اجدادها العراق منذ اوائل القرن الثاني الهجري ثم انتشروا بفعل الظروف السياسية والاجتماعية التي مرت على العراق في مختلف انحاء العالم الاسلامي كاليمن وايران وشمال افريقيا وغيرها من البلدان،ان الحديث عن الرجال الكرام ومواقفهم العظيمة يحتاج منا دائما وابدا الى دراسة موضوعية محايدة تفصل بين العاطفة والعقل وتفصل بين ما هو واقعي وحقيقي، هذه الحقيقة التي واجهتني وانا احاول الخوض في غمار كتابة موضوع موجز عن آية الله الشهيد المجاهد السيد محمد باقر الحكيم الذي اعرفه عن قرب، حيث اجتمعت به على انفراد اكثر من مرة في حياة والده في النجف الاشرف وبالتحديد في عام 1962م وفي الكويت اثناء زياراته الرمضانية المتكررة لهذا الحوزات العلمية، حيث كان يركز دائما في لقاءاته واجتماعاته على الحب والاخوة، وكان يذكر في الكثير من لقاءاته واجتماعاته في الكويت على فضل القوة والتآخي والاحترام المتبادل، كان رحمه الله تعالى لا يفرق في اطروحاته بين الحرية للشعب العراق بعربه وأكراده وتركمانه وبشيعته وسنته ومسيحييه حيث كان رحمه الله يؤمن بدولة توفر التعددية واختلاف الاراء وتضمن لجميع الأفراد حقوقهم الوطنية والإنسانية، فقد كان يجمع الوعي السياسي والاداري بالمعرفة الدينية والثقافية جنبا الى جنب، وبهذا تميز رحمه الله عن غيره من المعارضين السياسيين وانفرد عن العلماء والمجتهدين بآرائه وأفكاره النيرة والمستنيرة، كان يرحمه الله يشعر بعلاقة خاصة وحميمة تربطه بدولة الكويت وشعبها وقيادتها وكان يدافع عنها في كل المحافل، وهذا الموقف ليس غريبا على الشهيد الحكيم فقد ورث هذه العلاقة وهذا الحب والمودة عن والده المقدس آية الله العظمى السيد محسن الحكيم الذي كان يكن للكويت وشعبها كل مشاعر المحبة والاحترام، خاصة ان الكثيرين من شيعة الكويت كانوا يرجعون اليه في امور الدين والمسائل العقائدية، فقد كانت نظرته الشاملة الى الكويت كدولة عربية جارة مسلمة شقيقة أدت الى اصدار فتواه الشهيرة حينما طالب المقبور عبدالكريم قاسم في يونيو عام 1961م بضم الكويت الى العراق وأمر قائد الفرقة الأولى في البصرة الفريق الركن السيد حميد الحصونة بالهجوم على بلدنا الكويت فذهب السيد حمد الى آية الله السيد محسن الحكيم رحمه الله يستفتيه فيما طلب منه عبدالكريم قاسم القيام به حيث قال له سماحته ان ذلك لا يجوز شرعا، كيف تعتدي على دولة عربية جارة مسلمة عزيزة علينا؟ وكانت تلك الفتوى الشهيرة كافية لامتناع الفريق الركن السيد حميد الحصونة رحمه الله عن تنفيذ أوامر عبدالكريم قاسم، حقيقة لقد فقدنا بفقد آية الله محمد باقر الحكيم رجلا عظيما جليل القدر والأفضال والجهاد في سبيل الله والأمة، وفقدنا نصيرا للكويت وقضاياها العادلة، لقد فجع العالم الإسلامي برحيل هذا الطود العملاق الذي كانت له اليد الطولى في تقويض النظام الصدامي المباد في العراق، حيث كان معارضا قويا لصدام حسين ونظام حكمه المقبور من خلال ترؤسه للمجلس الأعلى للثورة الاسلامية في العراق، هذا المجلس الذي شكله يرحمه الله مع نخبة من المناضلين العراقيين الأشراف الذين وضعوا أرواحهم على أكفهم وهم يقارعون ظلم صدام وبطشه، فقد شاءت ارادة الله التي لا راد لها ان يلقى هذا الرجل الكبير حتفه على يد زمرة باغية لا تريد الخير والاستقرار للعراق وللعراقيين ولا تريد الأمن والأمان لمنطقة بأسرها، فقد شاءت ارادة الله ان يستشهد السيد محمد باقر الحكيم في يوم هو من أفضل الأيام وأبركها وفي شهر هو من أعظم الشهور وأقدسها، فقد استشهد يرحمه الله بعد صلاة يوم الجمعة الأول من رجب 1424هـ، الموافق 29 اغسطس (آب) 2003م عند خروجه من مرقد الامام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام بعد ان أمّ ألوف المصلين في ذلك اليوم، وقد كان يرحمه الله صائما كعادته في صوم رجب وشعبان ورمضان من كل عام، هذه كلمة وفاء وتقدير لراحل أكن له كل احترام ومودة وحب بمناسبة ذكرى عام واحد على استشهاده، رحمك الله ايها الشهيد الحكيم وأسكنك فسيح جناته وأكرمك على ما قدمت من خدمات جليلة لدينك ووطنك وامتك.
almahdi@buـsalah.com
---
© 2001-2004 جريدة الوطن ، حقوق الطبع محفوظة
تعليق