محمد جواد كاظم
المطلوب أذن صاغية وقلوب واعية
تطالعنا صحفنا اليومية عن آخر البرامج التلفزيونية من المسلسلات والمسابقات التي يتناحر عليها المنتجون والمخرجون والفنانون ليكون لهم النصيب الاكبر في عرض انشطتهم في شهر رمضان الفضيل لاعتقادهم ان شهرتهم تبدأ من هذا الشهر، من جهة اخرى شهد شهر رمضان المبارك في السنوات الاخيرة مسابقات جديدة ترصد لها جوائز ضخمة في لعبة الورق «الجنجفة» تستمر الى قرب الفجر، اما اسواقنا العامرة فانها تعرض السلع الرمضانية وبأسعار تنافسية لاجتذاب الزبائن، وبالفعل فانك تجد اقبالا جماهيريا كبيرا وكأنك تنتظر غزوا جديدا، ولك ان تتصور حين تكون ضيفا عند احد على الفطور حتى تجد ان كرمه يفوق كرم حاتم الطائي، فتجد على المائدة ما لذ وطاب من الاطعمة والاشربة، أما بعض الدواوين اذا قدر لاحد ان يزورها بعد الفطور فلأول وهلة يتصور انه داخل الى سوق خيري حيث يشاهد انواع الحلويات والموالح والمشروبات الساخنة والباردة، اما بعض الدواوين الاخرى تجد ان شغلهم الشاغل متابعة برامج التلفزيون على جميع القنوات واللهو بالالعاب كالبليارد والدامة والدومنة والورق مع قليل من الغيبة والنميمة، ولا يخلو الامر من ان هناك بعضا من الدواوين تنأى عن مثل هذه الامور وتتعالى حيث تستمع الى الكلام الطيب سواء كان الحديث في الجانب الديني او الوطني او الاحاديث الهادفة التي تدل على رقي اصحاب هذه الدواوين وروادها.
في الحقيقة ان شهر رمضان المبارك هبة ومنحة من الله تعالى لعباده، ويعتبرها البعض انها دورة تدريبية يدخلها الانسان المسلم، مواد هذه الدورة كثيرة وعديدة منها الاخلاق والعبادة والشعور بالآخرين الذين لم يعهدوا الشبع او يعرفوه طوال حياتهم، من مواد هذه الدورة العلاقات الانسانية مع الارحام ومن ما ملكت ايمانكم «الخدم».
بعض الدورات حكرا على فئة او مجموعة معينة، الا ان هذه الدورة الربانية والمنحة الإلهية هي لكل المسلمين (يا ايها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم) لكن ـ مع الاسف الشديد ـ البعض يتهاوى مع بداية الشهر، ويستمر التساقط الواحد تلو الاخر وما ذلك الا لجهلهم باهمية مواد هذه الدورة التي من اهدافها انها تعيد صياغة شخصياتهم وتعيد تأهيلهم لترجع لهم انسانيتهم وكرامتهم وشخصيتهم التي حاول البعض سلبها اياهم، الا ان الامر لا يخلو من اولئك الابطال الذين فهموا ووعوا حقيقة هذا الشهر فتهيأوا لاستقبال هذا الضيف الكبير، وفتحوا قلوبهم وابصارهم عليه فقالوا: السلام عليك يا شهر الله الاكبر ويا عيد اوليائه ويا اكرم مصحوب من الاوقات ويا خير شهر في الايام والساعات، نعم لقد برمج البعض من هؤلاء ومنذ فترة كيف يقضي ساعاته ولياليه وايامه مع هذا الشهر الحبيب الذي ينقله الى عالم اوسع وارحب يعيش فيه اسعد عمره، كيف لا؟ وفي هذا الشهر الكريم الخير الكثير حيث تتضاعف الحسنات وتغل الشياطين، وفيه ليلة هي خير من الف شهر وهي ليلة القدر، ومن بركات هذا الشهر المبارك نزول القرآن الكريم «فعظمت حرمة شهر رمضان بما انزلت فيه من القرآن وخصصته بليلة القدر»، الذي هجره غالبية السملين «يا رب ان هؤلاء اتخذوا هذا القرآن مهجورا»، فالتعامل مع القرآن ليس لقلقلة لسان وختمه في شهر رمضان وانتهى الامر بل انه قراءة وعي وتدبر وتطبيق، وكم من قارىء للقرآن والقرآن يلعنه، كما هو حال اكل مال اليتيم والمتعامل بالربا والذي يغتاب الناس ويتتبع عوراتهم والمرأة المتبرجة المتزينة المتعطرة.
ان استقبال شهر رمضان يحتاج الى معرفة حقيقية سابقة، حتى يستغل المسلم كل لحظة من لحظات هذا الشهر الذي نفس المسلم فيه تسبيح ونومه فيه عبادة، ولكن بشرطها وشروطها، وقد حدثنا التاريخ انه في اخر جمعة من شهر شعبان وقف نبي الاسلام محمد صلى الله عليه وآله ليبلغ المسلمين رسالة قيمة رائعة خالدة اوضح فيها معالم شهر رمضان المبارك وتحدث فيها عن فضائل وبركات هذا الشهر الكريم ومن جملة ما جاء في تلك الخطبة:
«ايها الناس انه قد اقبل اليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة، شهر هو عند الله افضل الشهور وايامه افضل الايام ولياليه افضل الليالي وساعاته افضل الساعات، شهر دعيتم فيه الى ضيافة الله وجعلتم فيه من أهل كرامة الله... تصدقوا على فقرائكم ومساكينكم، ووقروا كباركم، وارحموا صغاركم، وصلوا ارحامكم، واحفظوا ألسنتكم، وغضوا عما لا يحل النظر اليه ابصاركم، وعما لا يحل الاستماع اليه اسماعكم وتحننوا على أيتام الناس يتحنن على أيتامكم، وتوبوا الى الله من ذنوبكم... ايها الناس من حسن منكم في هذا الشهر خلقه كان له جوازا على الصراط يوم تزل فيه الاقدام، ومن خفف في هذا الشهر عما ملكت يمينه خفف الله عليه حسابه، ومن كف فيه شره كف الله عنه غضبه يوم يلقاه... وفي نهاية الخطبة سأله الامام علي عليه السلام يا رسول الله ما افضل الاعمال في هذا الشهر؟ فقال صلى الله عليه وآله: يا ابا الحسن افضل الاعمال في هذا الشهر الورع عن محارم الله.
كانت تلك بعضا من كلمات من بعث رحمة للعالمين، فهل تجد اذنا صاغية وقلوبا واعية؟
---
© 2001-2004 جريدة الوطن ، حقوق الطبع محفوظة
المطلوب أذن صاغية وقلوب واعية
تطالعنا صحفنا اليومية عن آخر البرامج التلفزيونية من المسلسلات والمسابقات التي يتناحر عليها المنتجون والمخرجون والفنانون ليكون لهم النصيب الاكبر في عرض انشطتهم في شهر رمضان الفضيل لاعتقادهم ان شهرتهم تبدأ من هذا الشهر، من جهة اخرى شهد شهر رمضان المبارك في السنوات الاخيرة مسابقات جديدة ترصد لها جوائز ضخمة في لعبة الورق «الجنجفة» تستمر الى قرب الفجر، اما اسواقنا العامرة فانها تعرض السلع الرمضانية وبأسعار تنافسية لاجتذاب الزبائن، وبالفعل فانك تجد اقبالا جماهيريا كبيرا وكأنك تنتظر غزوا جديدا، ولك ان تتصور حين تكون ضيفا عند احد على الفطور حتى تجد ان كرمه يفوق كرم حاتم الطائي، فتجد على المائدة ما لذ وطاب من الاطعمة والاشربة، أما بعض الدواوين اذا قدر لاحد ان يزورها بعد الفطور فلأول وهلة يتصور انه داخل الى سوق خيري حيث يشاهد انواع الحلويات والموالح والمشروبات الساخنة والباردة، اما بعض الدواوين الاخرى تجد ان شغلهم الشاغل متابعة برامج التلفزيون على جميع القنوات واللهو بالالعاب كالبليارد والدامة والدومنة والورق مع قليل من الغيبة والنميمة، ولا يخلو الامر من ان هناك بعضا من الدواوين تنأى عن مثل هذه الامور وتتعالى حيث تستمع الى الكلام الطيب سواء كان الحديث في الجانب الديني او الوطني او الاحاديث الهادفة التي تدل على رقي اصحاب هذه الدواوين وروادها.
في الحقيقة ان شهر رمضان المبارك هبة ومنحة من الله تعالى لعباده، ويعتبرها البعض انها دورة تدريبية يدخلها الانسان المسلم، مواد هذه الدورة كثيرة وعديدة منها الاخلاق والعبادة والشعور بالآخرين الذين لم يعهدوا الشبع او يعرفوه طوال حياتهم، من مواد هذه الدورة العلاقات الانسانية مع الارحام ومن ما ملكت ايمانكم «الخدم».
بعض الدورات حكرا على فئة او مجموعة معينة، الا ان هذه الدورة الربانية والمنحة الإلهية هي لكل المسلمين (يا ايها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم) لكن ـ مع الاسف الشديد ـ البعض يتهاوى مع بداية الشهر، ويستمر التساقط الواحد تلو الاخر وما ذلك الا لجهلهم باهمية مواد هذه الدورة التي من اهدافها انها تعيد صياغة شخصياتهم وتعيد تأهيلهم لترجع لهم انسانيتهم وكرامتهم وشخصيتهم التي حاول البعض سلبها اياهم، الا ان الامر لا يخلو من اولئك الابطال الذين فهموا ووعوا حقيقة هذا الشهر فتهيأوا لاستقبال هذا الضيف الكبير، وفتحوا قلوبهم وابصارهم عليه فقالوا: السلام عليك يا شهر الله الاكبر ويا عيد اوليائه ويا اكرم مصحوب من الاوقات ويا خير شهر في الايام والساعات، نعم لقد برمج البعض من هؤلاء ومنذ فترة كيف يقضي ساعاته ولياليه وايامه مع هذا الشهر الحبيب الذي ينقله الى عالم اوسع وارحب يعيش فيه اسعد عمره، كيف لا؟ وفي هذا الشهر الكريم الخير الكثير حيث تتضاعف الحسنات وتغل الشياطين، وفيه ليلة هي خير من الف شهر وهي ليلة القدر، ومن بركات هذا الشهر المبارك نزول القرآن الكريم «فعظمت حرمة شهر رمضان بما انزلت فيه من القرآن وخصصته بليلة القدر»، الذي هجره غالبية السملين «يا رب ان هؤلاء اتخذوا هذا القرآن مهجورا»، فالتعامل مع القرآن ليس لقلقلة لسان وختمه في شهر رمضان وانتهى الامر بل انه قراءة وعي وتدبر وتطبيق، وكم من قارىء للقرآن والقرآن يلعنه، كما هو حال اكل مال اليتيم والمتعامل بالربا والذي يغتاب الناس ويتتبع عوراتهم والمرأة المتبرجة المتزينة المتعطرة.
ان استقبال شهر رمضان يحتاج الى معرفة حقيقية سابقة، حتى يستغل المسلم كل لحظة من لحظات هذا الشهر الذي نفس المسلم فيه تسبيح ونومه فيه عبادة، ولكن بشرطها وشروطها، وقد حدثنا التاريخ انه في اخر جمعة من شهر شعبان وقف نبي الاسلام محمد صلى الله عليه وآله ليبلغ المسلمين رسالة قيمة رائعة خالدة اوضح فيها معالم شهر رمضان المبارك وتحدث فيها عن فضائل وبركات هذا الشهر الكريم ومن جملة ما جاء في تلك الخطبة:
«ايها الناس انه قد اقبل اليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة، شهر هو عند الله افضل الشهور وايامه افضل الايام ولياليه افضل الليالي وساعاته افضل الساعات، شهر دعيتم فيه الى ضيافة الله وجعلتم فيه من أهل كرامة الله... تصدقوا على فقرائكم ومساكينكم، ووقروا كباركم، وارحموا صغاركم، وصلوا ارحامكم، واحفظوا ألسنتكم، وغضوا عما لا يحل النظر اليه ابصاركم، وعما لا يحل الاستماع اليه اسماعكم وتحننوا على أيتام الناس يتحنن على أيتامكم، وتوبوا الى الله من ذنوبكم... ايها الناس من حسن منكم في هذا الشهر خلقه كان له جوازا على الصراط يوم تزل فيه الاقدام، ومن خفف في هذا الشهر عما ملكت يمينه خفف الله عليه حسابه، ومن كف فيه شره كف الله عنه غضبه يوم يلقاه... وفي نهاية الخطبة سأله الامام علي عليه السلام يا رسول الله ما افضل الاعمال في هذا الشهر؟ فقال صلى الله عليه وآله: يا ابا الحسن افضل الاعمال في هذا الشهر الورع عن محارم الله.
كانت تلك بعضا من كلمات من بعث رحمة للعالمين، فهل تجد اذنا صاغية وقلوبا واعية؟
---
© 2001-2004 جريدة الوطن ، حقوق الطبع محفوظة