إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

أبو هريرة

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #16
    15 ـ عروض الشيطان لرسول الله وهو في الصلاة

    أخرجه الشيخان بالاسناد إلى أبي هريرة قال: صلى رسول الله صلاة فقال صلى الله عليه وآله وسلم: ان الشيطان عرض لي فشد علي يقطع على فامكنني الله منه فذعته ـ أي فخنقته ـ ولقد هممت ان اوثقه الى سارية حتى تصبحوا فتنظروا اليه فذكرت قول سليمان عليه السلام: ربي هب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي الحديث. (1).
    وفيه ان انبياء الله وخيرته من خلفه صلوات الله وسلامه عليهم يجب أن يكونوا في نجوه (2) من هذا وفي منتزح عنه (3) فانه ينافي عصمتهم، ويضع من قدرهم؛ ومعاذ الله يشد الشيطان عليهم، أو يعرض لهم، أو تسول له نفسه الطمع فيهم، وقد قال الله عز وجل له: «ان عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين».
    وعلم المسلمون على اختلافهم في المذاهب والمشارب ان الشيطان قد عقر (4) بمولد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ودهش بمبعثه، وبرق بهجرته وخرق (5)
    ____________

    (1) أخرجه البخاري في: 1/143 من صحيحه في باب ما يجوز من العمل في الصلاة، واخرجه مسلم في: 1/204 من صحيحه في باب جواز لعن الشيطان في الصلاة، وأخرجه احمد في: 2/298 من حديث ابي هريرة من مسنده.
    (2) النجوة في الاصل ما ارتفع من الارض جمعه نجاه، تقول: انك من الأمر بنجوة إذا كنت بعيداً منه بريئاً سالماً.
    (3) مأخوذ من انتزح بمعنى ابتعد.
    (4) بفتح العين وكسر القاف أي فاجأه الروع فدهش فلم يقدر ان يتقدم أو يتأخر.
    (5) أي بهت شاخصاً ببصره.


    -------------------------------

    بظهوره، ونصرته، وانماث كالملح في الماء بهديه وقوانينه ونظمه، وطار شعاعاً من صلاته، وذهب بما اودعه الله فيها من الحكم والاسرار فاذا هي تنهي عن الفحشاء والمنكر.
    وكان (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا قام الى الصلاة تخلى بنفسه المطمئنة. وتجرد بروحه الروحيه عن كل شئ سوى الله وحده يتمحض اقبالا على الله، وعبودية خالصة لوحدانيته عز سلطانه فإذا أحرم لها بالتكبير تعوذ بالله قبل الشروع في القراءة عملاً بقوله تعالى: «فاذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرحيم» .
    من البديهي أنه اذا استعاذ بالله يعوذه، والشيطان لا يجهل هذه الحقيقة إن جهلها المخرفون.
    وقد روى ابو هريرة (1) ان الشيطان إذا سمع الأذان للصلاة من أي مسلم كان أدبر هارباً وولى فرقا، وله ضراط هلع وجزع، فكيف يجرأ على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيتسور على مقامه الرفيع؛ وهو في ذلك الحرم المنيع، بين يدي الله، عائذاً بعزته، لائذاً بعصمته، منقطعاً اليه عن كل شئ؛ هيهات هيهات: «أنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون انما سلطانه على الذين يتولونه وهم به مشركون» .
    فان قلت: ما تقولون في الآية 37 من حم السجدة وهي قوله عز من قائل: «واما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله أنه هو السميع العليم».
    قلنا: ان الله جلت آلاؤه أدب حبيبه محمداً بآداب اختصه بها ففضله على العالمين حتى لم يبق نبي مرسل، ولا ملك مقرب؛ ولا شيطان مريد؛ ولا خلق فيما بين ذلك شهيد؛ الا بخع لآدابه، وخشع لأخلاقه، فما من أمر في الذكر
    ____________

    (1) فيما أخرجه البخاري في أول كتاب الاذان: 1/78 من صحيحه، واخرجه مسلم في باب فضل الاذان وهرب الشيطان منه:1/153 من صحيحه.


    ----------------------------------
    الحكيم الا ائتمر به، وما من زجر في القرآن العظيم الا انزجر به، وما من حكمة الا اخذبها، كان القرآن نصب عينيه، يقتفي أثره؛ ويتبع سوره، وهذه الآية مما جاء في سياق آدابه واخلاقه، فانظر الى ما قبلها من الآيات الينات تجد الحكمة، وفصل الخطاب، فان ما قبلها بلا فصل: (ادفع بالتي هي احسن فاذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه وفيّ حميم وما يلقاها الا الذين صبروا وما يلقاها الا ذو حظ عظيم) .
    هذه هي الغاية في الأخلاق طبع الله عليها عبده، وخاتم رسوله، فكان صلى الله عليه وآله وسلم يمثلها في هديه منذ قال في مبدأ أمره (ودم جبهته يسيل على وجهه ولحيته) أللهم اهد قومي فانهم لا يعلمون الى ان نادى مناديه يوم الفتح وكان في منتهى عمره من دخل دار أبي سفيان فهو آمن.
    أرهف الله عزائمه: وشحذ هممه للأخذ بهذه التعاليم وحمله على هذه الاخلاق بكل اسلوب يأخذ اليها بالأعناق، ألا تراه جل وعلا كيف لم يكتف ببعثه عليها حتى شوقه اليها، وبلغ الغاية في تحطيضه عليها؛ فقال وهو أصدق القائلين: (وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم) ثم لم يقف على هذا الحد في ارهاف عزيمته حتى حذره مما طبع البشر عليه من فورة تكون في النفس، ونزغة ـ أي نخسه ـ تكون في القلب عند هجوم الاذى، الممض من العدو الملح؛ وسمى تلك النخسة البشرية نزغاً من الشيطان على سبيل المجاز تنفيراً منها وتنزيهاً عنها فقال: (وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله) أي وإما ينخسنك من الغضب الذي طبع عليه البشر نخس يشبه نزغ الشيطان في تضييق الصدر وتوهين عرى الصبر (فاستعذ بالله) ونظير هذه الآية قوله عز من قائل ـ في سورة الأعراف ـ: (خذ العفو وأمر بالعرف واعرض عن الجاهلين * واما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله أنه سميع عليم) فان الله عز وجل اراد صيانة حبيبه عن مقابلة الجاهلين الذين قامت عليهم

    ------------------------------------
    الحجة فجحدوها وتمادوا بالكفر عناداً لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم فأمره بالاعراض عنهم، ولمزيد عنايته في تهذيبه وتفضيله على البشر حذره بما طبع البشر عليه من التأثر القلبي، والتزفر النفسي عند هجوم الجاهلين بسفههم وبذاءتهم؛ وسمى ذلك التأثر الطبيعي نزغاً من الشيطان على سبيل التجوز تنزيها لنبيه عنه، وتنفيراً له منه إذا كان صلى الله عليه وآله لا ينفر من شيء نفوره من الشيطان ومما يشبه عمله فقال عز من قائل: (واما ينزغنك من الشيطان نزغ) يوهن صبرك عن احتمال سفه الجاهلين ويدعوك الى إظهار الغضب منهم (فاستعذ بالله).
    فاين هذا المعنى عما جاء في حديث أبي هريرة من شذّ الشيطان على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليقطع عليه صلاته؟ الأمر الذي لا يجوز بحكم العقل والنقل.
    (فان قلت): ما تقول في الآية 52 من سورة الحج: (وما ارسلنا من قبلك من رسول ولانبي إلا اذا تمنى القى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة الذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم وان الظالمين لفي شقاق بعيد، وليعلم الذين اوتوا العلم أنه الحق من ربك) الآية.
    (قلنا): ان من المعلوم بحكم الضرورة من دين الاسلام ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسائر الرسل والأنبياء عليهم السلام لا يجوز عليهم أن يتمنوا ما لا يرضي الله به وحاشاهم ان يتمنوا من الأمور كلها إلا ما كان لله فيه رضاً ولعباده صلاح.
    وقد كان صلى الله عليه وآله وسلم يتمنى لأهل الأرض كافة ولكل واحد منهم أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى ولاسيما الأقرب اليه منهم فالأقرب والشيطان كان يلقي في هذه الأمنية (1) بغروره وحيله ما يشوهها في نظر من كان كأبي لهب وأبي جهل ممن استحوذ عليهم بفتنته فصدهم عما تمناه الرسول لهم من خير الدنيا والآخرة حتى أغراهم بقتاله واستئصاله.
    ____________

    (1) الامنية ما يتمنى والجمع أمان وأماني.


    --------------------------
    وكان (صلى الله عليه وآله وسلم) يتمنى لمن دخل في الاسلام كافة ولكل واحد منهم أن يخلصوا الله تعالى ولكتابه ولرسول ولسائر عباده اخلاصاً تستوي فيه ظواهرهم وبواطنهم وعلانياتهم وسرائرهم لكن الشيطان كان يلقي في هذه الأمنية المبرورة من تسويله وتضليله ما يقتضي تشويس كثير من الناس ويوجب نفاقهم.
    وكان (صلى الله عليه وآله وسلم) يتمنى لكل فرد من أمته ان ينهج منهاجه القويم، وصراطه المستقيم، لا يحيد قيد شعرة فما دونها عن سنته المقدسة وكانت قصاري أمانيه أن تتفق الأمة على هديه وتكون باجمعها نصب أمره ونهيه فلا يختلف منها اثنان لكن الشيطان ألقي في هذه الأمنية المشكورة من وسوسته في صدور كثير من الناس ما خدعهم عن السنن فتفرقت بهم السبل وكانوا طرائق قددا. هكذا كان الغرور الرجيم يرصد ما يتمناه الرسول من خير عام أوخاص فيلقي فيه من التشويه في نظر المغترين بزخارفه ما يصرفهم عنه.
    والمنخدعون بأباطيل الشيطان وأضاليله كثيرون، قد أعدلهم خيله ورجله، ونصب لهم حبائله وأشراكه، ووقف لهم على ساق يريهم الحق بغروره باطلاً، والباطل بزخارفه حقاً، لايألو جهداً في تشويه ما يتمناه الرسول لهم، ولا يدخر وسعاً في صدهم عنه بكل حيلة.
    وهذا ما أقض مضجع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اشفاقاً على الناس من هذا الوسواس الخناس، وفرقاً من أضاليله وأباطيله أن تظهر على الحق المبين فكان صلى الله عليه وآله وسلم بسبب ذلك مستوجباً للتعزية من الله عز وجل فعزاه وخفض عليه بهذه الآية: (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولانبي (1) إلا إذا تمنى) مثل ما تمنيت من الخير خاصاً أو عاماً (القى الشيطان في أمنيته) ما القاه في
    ____________

    (1) من، الاولى لابتداء الغاية، ومن، الثانية زائدة لتأكيد النفي وهذه الآية دالة بظاهرها على التغاير بين الرسول والنبي، والتحقيق في هذا موكول الى مظانه.


    -----------------------------------
    أمنيتك من التشويه بالتمويه على كثير من الناس فصدهم عنها بغروره وفتنته فان الرسل والأنبياء كانوا باجمعهم يتمنون لأهل الأرض عامة أن يكونوا على هدى من ربهم، كانوا بأسرهم يتمنون لمن آمنوا بهم أن يخلصوا لله اخلاصاً حقيقياً لا تشوبه شائبة؛ وكانت قصارى امانيهم أن تتفق اممهم على هديهم فلا يختلف في ذلك منهم اثنان، لكن الشيطان كان يلقي في هذه الأماني الشريفة من وسوسته مايخدعهم عنها فلم تتحقق أمانيهم إلا قليلا حتى افترقت امة موسى احدى وسبعين فرقة، وافترقت أمة عيسى اثنين وسبعين فرقة، وهكذا امم الأنبياء كافة لم تتحقق فيهم أماني رسلهم بسبب مايلقيه الشيطان فيها من التشوية بالتموية، فلا يكبرن عليك(يامحمد) ما منيت به في أمانيك المقدسة حيث لم تتحقق في كثير من الأوقات بسبب ما يلقيه الشيطان فيها من التشويه الموجب لصرف كثير من الناس عنها ولك أسوة حسنة في هذا بجميع من كان قبلك من الرسل والأنبياء فانك وإياهم هذا الأمر شرع سواء، سنة من قد أرسلنا من قبلك من رسلنا ولاتجد لسنتنا نجويل.
    وحيث كان صلى الله عليه وآله وسلم مشفقاً من أباطيل الشيطان أن تظهر على الحق أمنه عز وجل من هذه الناحية إذ قال: (فينسخ الله) أي فيزيل الله (ما يلقي الشيطان) في أمانيك وأماني الرسل والانبياء من تشويهها بتمويهه الذي لا يثبت امام الحق الساطع والبرهان القاطع أبداً ثم بشره بظهور الحق الذي جاء به عن ربه. وجاءت به الرسل والأنبياء من قبله وبقائه محكما فقال قوله الحق ووعده الصدق (ثم يحكم الله آياته) اين يتقنها كما قال مقام آخر (ويحق الحق بكلماته ولو كره المجرمون).
    و أولوا الالباب يعلمون أن ليس المراد من النسخ والإحكام هنا معناهما المصطح عليه في عرف المفسرين، وإنما المراد من النسخ والإحكام في هذه الآية معناهما اللغوي، فالنسخ بمعنى الازالة والاحكام بمعنى الإتقان

    وهذه الآية في نسخها وإحكامها ليست إلا كقوله تعالى: (فأما الزبد فيذهب جفاء و أماما ينفع الناس فيمكث في الأرض يضرب الله الامثال) .
    ثم لمزيد عنايته عز وعلا بنبيه الفته الى ما يوجب له مزيد الطمأنينة بفوز الأنبياء وخزى الشيطان فقال (والله عليم حكيم) وسع كل شئ علماً وحكمة يعلم اخلاص الرسل والأنبياء في أمانيهم فيعمدهم بروح القدس من عنده ويبوئهم مبوأ صدق من كرامته ويعلم عداوة الشيطان لله ولرسوله ولعباده بما يلقيه من التشويه في أماني الرسل والأنبياء فيخزيه بخبث سريرته و لؤم علانيته على ما تقتضيه الحكمة من كرامة من يستحق الكرامة وخزي من يستحق الخزي فان الحكمة وضع الأمور مواضعها.

    تعليق


    • #17
      وقد شاءت حكمته تعالى ان يميز الخبيث من الطيب من عبادة فابتلاهم بالغرور الرجيم يلقي التشويه في أماني الرسل والأنبياء: (ليجعل ما يلقى الشيطان فتنة) أي اختياراً وتمحيصاً: (للذين في قلوبهم مرض) من النفاق: (والقاسية قلوبهم) لا تلين لذكر الله وما نزل من الحق إذ ران عليها ما سول الشيطان لهم من الكفر فحجبها عن نور الايمان والهدى: (وان الظالمين) من المنافقين والكفار: (لفي شقاق بعيد) أي في عداوة لله ولرسوله لا أجل لها قد اعمت عن الحق ابصارهم واصمت اسماعهم ورانت على قلوبهم، ونعقوا بسببها مع كل ناعق من الشيطان: (وليعلم الذين اوتوا العلم) بوحدانية الله وحكمته وبعثة الرسل والانبياء: (انه الحق من ربك ليؤمنوا به) غير آبهين بالشيطان ولا بشئ من تهويله وتضليله.

      وبا لجملة: فان الله سبحانه شاءت حكمته ان يميز الخبيث من الطيب فامتحن الناس بما قلناه فازاداد الذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم مرضاً وقسوة وازداد المؤمنين ايماناً ويقيناً، فقوله عز وجل: (ليجعل ما يلقى الشيطان فتنة) إلى أن قال: (وليعلم الذين اوتوا العلم) جاري مجرى قوله تعالى: (أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون* ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين) (1) وقوله تعالى: (ما كان الله ليذر المؤمنين على ما انتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب) (2) وقوله عز اسمه: (وليمحص الذين آمنوا ويمحق الكافرين) (3).
      : (ولا عزو فان الله عز وجل ان يمتحن عباده من صنوف المحن وانواع الفتن له الحجة في الثواب والعقاب كما هو مبرهن عليه في محله من كتب الاصحاب فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين) (4): (ليهلك من هلك عن بينة ويحي من حي عن بينة) (5).
      ولنرجع إلى اصل الآية: ( وما ارسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا اذا تمنى القى الشيطان في أمنيته) ، فانه لايراد بها ان الشيطان يلقي في نفس الرسول او النبي شيئاً (والعياذ با لله) ليشكل الامر فنحتاج الى تخريج الآية على خلاف ظاهرها وإنما المراد ما نصت الآية عليه من ان الشيطان يلقى في الامنية نفسها أي يلقى فيما يتمناه الرسول او النبي ـ من الخير والسعادة ـ شيئاً من التشويه في نظر رعاع الشيطان والناعقين معه ليصدهم بسبب ذلك عما تمناه الرسول لهم ويحول بين الامنية وتحققها في الخارج فتكون الآية الحكيمة على حد قول القائل: وكل ما يتمنى المرء يدركه.
      هذا هو المراد من الآية قطعاً وهو المتبادر منها الى الأذهان وان لم يذكره ـ فيما اعلمه ـ احد من المفسرين أو غيرهم، والعجب من غفلتهم عنه على وضوحه وكونه هو اللائق بالذكر الحكيم والنبي العظيم، وسائر الرسل والانبياء
      ____________

      (1) في اول سورة العنكبوت.
      الآية 179 من سورة آل عمران.
      الآية 141 من سورة آل عمران.
      الآية 149 من سورة الانعام.
      الآية 42 من سورة الانفال.


      -------------------------------
      عليهم السلام فلا يجوز حمل الآية ماسواه أبداً (1).
      أما حديث الغرانقة فانه من مختلفات الزنادقة كما أو ضحناه على سبيل التفصيل في رسالة افردناها لهذا الحديث ولكل ما كان حوله متناً وسنداً اسميناها خرافة الزنادقة أو سخافة الغرانقة (2) والله المسؤول ان يوفقنا لنشرها فانها في بابها مما لا نظيرله، والحمد لله على هدايته وعظيم عنايته.
      ولنرجع إلى ماكنا فيه من حديث أبي هريرة إذ قال: صلى رسول الله صلاة فقال: ان الشيطان عرض لي فشذَّ على يقطع الصلاة علي فأمكنني الله منه فذعته ولقد هممت أن أوثقه الى سارية حتى تصبحوا فتنظروا اليه فذكرت قول سليمان: (رب لي ملكاً لاينبغي من بعدي الحديث.
      فليسمح لي الشيخان وغيرهما ممن يعتبرون حديث أبي هريرة لأسألهم هل للشيطان جسم يشد وثاقه ويربط بالسارية حتى يصبح وتراه الناس باعينها أسيراً مكبلا؟ ما أظن ان احداً يقول بأن الشيطان ذو جسم كثيف يقع عليه ذلك.
      ولعل الذي جرأ أبا هريرة على هذا الحديث قصور مداركه عن معاني الذكر الحكيم والفرقان العظيم، فظن آياته تثبت وقوع مثل ذلك إذ قال الله عز وجل فيما اقتص من خبر سليمان: (فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب والشياطين كل بناء وغواص، وآخرين مقرنين بالاصفاد.
      ____________

      (1) نشرنا هذا التفسير في المجلد الحادي والثلاثين من مجلة العرفان: 113 وما بعدها.
      (2) كنا اولا تصدينا في هذا المقام لحديث الغرانيق فلم نبق مما يتعلق به شيئاً إلا فصلناه تفصيلا حتى افضت بنا التفاصيل الى الخروج عن موضوع الكتاب لذلك آنرت ان اسلخ منه مايتعلق بسخافة الغرانقة فأخرجته كتابا غزير المادة جم الفوائد دائي القطوف.


      -------------------------------------
      فظن الرجل انهم كانوا كسائر المقرنين بالاصفاد من البشر ولم يدر أنهم كانوا مقرنين في عالمهم الشيطان با صفاد تتفق مع طبائعهم الشيطانية تمنعهم عما يحاولونه من العيث من حيث لا يراهم من الآدميين أحد أبداً.
      ذكر أبو هريرة في هذا الحديث: ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما أطلق سراح الشيطان كراهة أن يكون له ملك سليمان، ولولا ذلك لأوثقة إلى سارية حتى يصبحوا فينظروا اليه.
      وقد اشتبه أبو هريرة فان الله عز سلطانه وهب لسليمان ملكاً سخر له الريح غدوها ورواحها شهر، وأسال له عين القطر ومن الجن من يعمل بين يديه باذن ربه ومن يزغ منهم عن أمره يذقه من عذاب السعير يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كا لجواب وقدور راسيات فوهب له بهذا ملكاً لم يهبه لرسول الله في ظاهر الحال فلو أوثق صلى الله عليه وآله وسلم شيطان أبي هريرة لا يكون بمجرد ذلك مساوياً في الملك لسليمان إذ تبقى الميزة لملك سليمان بتسخير الريح وإسالة عين القطر وعمل الجن والشياطين من كل بناء وغواص، فالتعليل الذي ذكره أبو هريرة عليل وحديثه من الأباطيل وحاشا رسول الله ان يحير الحواس، ويدهش مشاعر الناس وهو صلى الله عليه وآله وسلم الذي نص على اختصاص العقل با لخطاب وحاكم اليه الخطأ والصواب فجعل صحة الدليل آية الحق وأمرنا أن لا نسير إلا على ضوئه: (أفمن يمشي مكباً عى وجهه أهدى أمّن يمشي سوياً على صراط مستقيم) .

      16 ـ نوم النبي عن صلاة الصبح!!

      أخرج الشيخان بالاسناد إلى أبي هريرة واللفظ لمسلم (1) قال: عرسنا مع نبي الله فلم نستيقظ حتى طلعت الشمس، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليأخذ كل رجل
      ____________

      (1) في باب قضاء الصلاة الفائتة: 1/254.


      -----------------------------------------
      منكم برأس راحلته فان هذا منزل حضره الشيطان، قال أبو هريرة: ففعلنا ثم دعا بالماء فتوضأ ثم سجد سجدتين ثم اقيمت فصلى صلاة الغداة.
      وهذا حديث يبرأ منه هدى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فان الله عز وجل يقول: ( يا أيها المزمل قم الليل الا قليلا نصفه أو نقص منه قليلا أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا) الى أن قال وهو اصدق القائلين: ( ان ربك يعلم أنك تقوم ادنى من ثلثي الليل ونصفه) ويقول مخاطباً له في مقام آخر: (اقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر ان قرآن الفجر كان مشهودا (1) ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً) أي ومن الليل فصل بالقرآن زيادة لك على الفرائض الخمس التي اوجبتها الآية الاولى، وبينت أوقاتها وذلك ان الفرائض الخمس واجبة على جميع المكلفين، اما صلاة الليل فانما كانت فريضة عليه صلى الله عليه وآله وسلم خاسة لم تكتب على غيره، وقال مخاطباً له في مقام ثالث: (وتوكل علىالعزيز الرحيم الذي يراك حين لا يطلع يقوم وتقلبك في الساجدين) أي يراك إذ تقوم لعبادته في الليل حين لا يطلع عليك أحد ويرى تصرفك في المصلين بالقيام والقعود والركوع والسجود والذكر والقراءة والدعاء والابتهال اذا صليت في جماعة، وقال مخاطباً له في مقام رابع: ( وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب ومن الليل فسبح وادبارالسجود) .
      وكان صلى الله عليه وآله وسلم يصلي الليل كله ويعلق صدره بحبل حتى لا يغلبه النوم (2).
      ____________

      (1) أن الله سبحانه جعل هذه الآية من دلوك الشمس الذي هو الزوال إلى غسق الليل وقتا للصلوات الاربع الظهر والعصر والمغرب والعشاء فالظهر والعصر اشتركا في الوقت من الزوال إلى المغرب، إلا ان الظهر قبل العصر، والمغرب والعشاء اشتركا في الوقت من المغرب الى الغسق، الا ان المغرب قبل العشاء، وأفرد الله صلاة الفجر بالذكر في قوله: وقرآن الفجر، ففي الأية بيان وجوب الصلوات الخمس وبيان اوقاتها على ما هو المعروف من مذهبنا الامامي.
      (2) كذا في تفسير آية طة من مجمع البيان نقلا عن قتادة.


      --------------------------------------
      فيظل قائماً وقاعداً وراكعاً وساجداً حتى اسمغدت ـ أي تورمت قدماه (1) ـ فقال له جبرائيل عن الله عز وجل: ابق على نفسك فان لها عليك حقاً وأوحى اليه: طه ما انزلنا عليك القرآن لتشقى إلا تذكره لمن يخشى، والشقاء هو الاستمرار فيما يشق على النفس نقيض السعادة، والمعنى ما انزلنا عليك القرآن لتستمر فيما يشق عليك فتهلك نفسك بالعبادة وتحملها المشقة الفادحة. وانما انزلنا عليك القرآن تذكرة لمن يخشى، فرفقاً بنفسك.
      وقد عقد البخاري في صحيحه باباً لتهجده في الليل وباباً لطول سجوده في صلاة الليل. وباباً لطول قيامه فيها وباباً لقيامه حتى تورمت ساقاه وتفطرت قدماه.
      هذا دأبه في قيام الليل؛ فما ظنك به اقامة في الفرائض الخمس وهي أحد الأركان التي بنى الاسلام عليها أيجوز أن ينام عنها؟ معاذ الله وحاشا لله وهو الذي أهاب بأهل الأرض يتلو عليهم عن ربهم جل وعلا: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين ) ونادى في الناس: (قد افلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون) إلى أن قال في وصفهم: (والذين هم على صلواتهم يحافظون أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون) وصاح في بني آدم: (فأقيموا الصلاة أن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً) وأذن فاسمع العالم: (قد افلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى) .
      والقرآن الحكيم مشحون بمثل هذه الآيات البينات التي كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحوط الناس بحكمتها وموعظتها الحسنة، وكم وخز الساهين عن عبارة ربهم بقوله: (ويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون الذين هم يراؤون) وفضح المنافقين بما أوحى الله اليه من صفاتهم بقوله تعالى: (ولا ياتون الصلاة
      ____________

      (1) تجد الرواية في تورم قدميه في تفسير آية طه من الكشاف وعقد البخاري بابا لقيام النبي حتى تفطر قدماه وتورم ساقاه: في1/135 من صحيحه.


      -----------------------------------
      إلا وهم كسالى ولا ينفقون إلا وهم كارهون) وندّد برجل نام عن صلاة الليل حتى أصبح فقال صلى الله عليه وآله وسلم (1): بال الشيطان في أذنه.
      يالها كناية عن سوء حال من يستمر في عادته على النوم عن صلاة الليل وما أبلغها من رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم أمين.
      كلمة تقّض مضاجع المؤمنين وتقلقهم فلا ينامون بعدها عن نافلة الليل لو انصفوا أنفسهم وقد علم البر و الفاجر وشهد المسلم والكافر بأن محمداً صلى الله عليه وآله وسلم كان أول المبادرين إلى العمل بتعالميه وأعظم المتعبدين بها المستقيمين المستمرين عليها وأنه كان يهذب أمته بافعاله، ويحملهم بها على البخوع لتعاليمه أكثر مما يهذبهم بأقواله وما كان وهو سيد الحكماء ليندد بمن نام عن صلاة الليل هذا النتنديد ثم ينام هو بمنظر من أصحابه عن صلاة الصبح سبحانك هذه هذا بهتان عظيم.
      وقد ورى أبو هريرة نفسه (2) ان رسول الله‎‎‎صلى الله عليه وآله وسلم قال: يعقد الشيطان على قافية رأس احدكم إذا هو نام ثلاث عقد فان استيقظ فذكر الله انحلت عقدة فان توضأ انحلت عقدة فان صلى انحلت عقدة فاصبح نشيطاً طيب النفس وإلا أصبح خبيث النفس كسلاناً.

      تعليق


      • #18
        وهذا الحديث فيه من الكناية البليغة ما في الحديث السابق وهما يمثلان نصح النبي ‎صلى الله عليه وآله وسلم لأمته في تحذيرها من الشيطان وتنشيطها إلى عبادة الرحمن ولئن صدق فيه ابو هريرة في هذا الحديث فقد كذب في نوم النبي صلاة الصبح
        ____________

        (1) فيما أخرجه البخاري في باب اذا نام ولم يصل بال الشيطان في اذنه من كتاب الصلاة: 1/136 من صحيحه.
        (2) فيما اخرجه البخاري في باب عقد الشيطان على قافية الرأس اذا لم يصل بالليل: 1/136 من صحيحه، والعجب من البخاري يثبت في صحيحه هذا الحديث عن أبي هريرة ويثبت عنه ايضا نوم النبي عن الفريضة فاعتبروا يا اولي الألباب، وأخرجه أحمد عن أبي هريرة في: 2/153 من مسنده.


        ----------------------------------------

        وروى أبو هريرة أيضاً عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال (1): ليس صلاة اثقل على المنافقين من الفجر والعشاء ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً لقد هممت ان آمر المؤذن فيقيم ثم آمر رجلا يؤم الناس ثم آخذ شعلا من نار فاحرق على من لا يخرج الى الصلاة بعد أ هـ.
        اتراه صلى الله عليه وآله وسلم يحض الناس على الصلاة هذا الحض، ويهتم بصلاة الفجر هذا الاهتمام، ويهدد بالتحريق على من لا يخرج اليها ثم ينام عنها، حاشا لله ومعاذ الله أن يكون كذلك.
        ورحم الله عبد الله بن رواحة الصحابي الشهيد إذ يقول (2):

        وفينا رسول الله يتلو كتابه * اذا انشق معروف من الفجر ساطع


        أرانا الهدى بعد العمى فقلوبنا * به موقنات ان ما قال واقع


        يبيت يجافي جنبه عن فراشه * إذا استثقلت بالعابدين المضاجع

        نرجع الى الحديث وما بقى من قرائن بطلانه وهي امور:
        (أحدها): أنهم ذكروا في خصائص النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان لا ينام قلبه اذا نامت عيناه، وصحاحهم صريحة بذلك (3).
        وهذا من أعلام النبوة؛ وآيات الاسلام، فلا يمكن والحال هذه ان تفوته صلاة الصبح بنومه عنها، إذ لو نامت عيناه فقلبه في مأمن من الغفلة. ولا سيما عن ربه، لا تأخذه عن واجباته سنة ولا نوم، وقد صلى مرة صلاة الليل فنام قبل ان يوتر فقالت له احدى زوجاته يارسول الله تنام قبل ان توثر؟
        ____________

        (1) فيما أخرجه البخاري من حديث ابي هريرة في: 1/ 73 من صحيحه في باب فضل صلاة العشاء من كتاب الصلاة.
        (2) فيما اخرجه البخاري في حديث ابي هريرة: 1/138 من صحيحه.
        (3) وقد افرد البخاري في صحيحه لهذه الخصيصة باباً على حده فراجع: 2/179.


        -----------------------------------------------

        فقال لها (1) تنام عيني ولا ينام قلبي، أراد صلى الله عليه وآله وسلم أنه في مأمن من فوات الوتر بسبب ولوعه فيها، ويقضة قلبه تجاهها فهو هاجع في عينه، يقظان في قلبه؛ منتبه الى وتره؛ واذا كانت هذه حاله في نومه قبل صلاة الوتر فما ظنك به اذا نام قبل صلاة الصبح.
        (ثانيها) ان أبا هريرة صرح كما في صحيح مسلم (2) بأن هذه الواقعة قد اتفقت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو قافل من غزوة خيبر فكيف يدعي أبو هريرة حضورة فيها؟ واين كان أبو هريرة عن غزوة خيبر؟ وانما اسلم بعد خروج النبي صلى الله عليه وآله وسلم اليها باتفاق اهل العلم، واجماع أهل الأخبار (3).
        (ثالثها) ان أبا هريرة يقول في هذا الحديث: ليأخذ كل رجل منكم برأس راحلته فان هذا منزل حضره الشيطان قال: ففعلنا.
        وقد علمت مما اسلفناه ان الشيطان لا يدنو من النبي ابداً، وعلم الناس كافة
        ____________

        (1) كما في باب كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم تنام عينه ولا ينام قلبه: 2/179 من صحيح البخاري، وأخرجه أحمد في: 2/251 من حديث أبي هريرة من مسنده.
        (2) راجع: 1/254 في باب قضاء الصلاة.
        (3) نعم كان أبو هريرة في اواخر حياته يقول: قدمت المدينة في نفر من قومي لنسلم وقد خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى خيبر واستخلف على المدينة سباع بن عرافطة الغفاري فصلينا خلفه صلاة الصبح فلما فرغنا من صلاتنا زودنا شيئاً حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد افتتح خيبر فكلم المسلمين فأشركونا في سهامهم وهذا الحديث مما انفرد به أبو هريرة فلم يثبت عن غيره، ولكن الجمهور اخذوا به اعتمادا على ابي هريرة كما هي طريقتهم فأرسلوا حضوره خيبر ارسال المسلمات ولا دليل في الحقيقة لهم على ذلك والحق ما هو المأثور عن ائمة اهل البيت عليهم السلام من ان قدومه الى المدينة واسلامه انما كانا وقت رجوع النبي صلى الله عليه وآله وسلم من خيبر.


        -------------------------------------

        ان أبا هريرة كان في تلك الاوقات لا يملك شبع بطنه فمن أين له الراحلة ليأخذ برأسها كما زعم إذ قال: ففعلنا؟.
        (رابعها) أنه قال في هذا الحديث: ثم دعا بالماء فتوضأ ثم سجد سجدتين ثم صلى صلاة الغداة.
        أما صلاة الغداة فانها قضاء عما فات لكن السجدتين لم نعرف لهما وجهاً ولا محلا من الاعراب: والفاضل النووي طفر عنهما في شرحه.
        (خامسها) ان من عادة الجيش وقواده ان يكون لهم حرس يقوم عليهم اذا ناموا، ولا سيما اذا كان فيها الملك أو نحوه وكان له من الأعداء الالداء الموتورين من لا تؤمن معرتهم؛ وكان في جيشه من المنافقين من يتربص به الدوائر، ويقلب له الأمور، ويعضون الانامل من الغيظ وقد مردوا على النقاق، فرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يخالف عادة القواد والأمراء في المحافظة على نفسه وعلى جيشه، ولا ينام بأصحابه في تلك الفلاة المحاطة يذؤبان العرب ومردة أهل الكتاب من اعدائه الذين وترهم وسفك دماءهم الا والحرس قائم بوظيفته من مراقبة العدو الخارجي والمنافق الداخلي، وحاشا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يغفل عن هذه المهمة وهو سيد الحكماء قبل ان يكون سيد الأنبياء فهل نام الحرس ايضاً كما نام المؤذنون؟ كلا! بل انذر (صلى الله عليه وآله وسلم) بكثرة الكذابة عليه.
        (سادسها) ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يومئذ في جيش مؤلف من الف وستمائة رجل فيهم مائتا فارس، فالعادة أن تأبى يناموا باجمعهم فلا ينتبه احد منهم اصلا، وعلى فرض عدم انتباههم من انفسهم فلا بد بحكم العادة المألوفة ان ينتبهوا بصهيل مائنى فرس وضربها الأرض بحوافرها في طلب علفها عند حضور وقته من الصبح فما هذا السبات العميق الشامل لجميع من كان ثمة من انسان وحيوان؟ ولعل هذا من خوارق أبي هريرة


        -----------------------------------
        17 ـ بقرة وذئب يتكلمان بلسان عربي مبين

        أخرج الشيخان عن أبي هريرة قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلاة الصبح ثم اقبل على الناس؛ فقال بينا رجل يسوق بقرة أذ ركبها فضربها فقالت انا لم نخلق لهذا انما خلقنا للحرث! فقال الناس: سبحان الله بقرة تكلم: قال صلى الله عليه وآله وسلم فاني أؤمن بهذا انا وأبو بكر وعمر! وماهما ثم وبينا رجل في غنمه إذ عدا الذئب فذهب منها بشاة فطلبها حتى استنقذها منه، فقال له الذئب: استنقذتها مني! فمن لها يوم السبع؟! يوم لا راعي لها غيري! فقال الناس: سبحان الله ذئب يتكلم: قال صلى الله عليه وآله وسلم فاني أؤمن بهذا أنا وأبو بكر وعمر: وماهما ثم أ هـ (1).
        ان أبا هريرة نزوع إلى الغرائب تواق الى العجائب قد استخفته إلى خوارق العادات نزية من الشوق والهيام (2) فتراه طروباً الى التحدث بما هو فوق النواميس الطبيعية، كفرار الحجر بثياب موسى، وكضرب موسى ملك الموت حتى فقأ عينه، ونزول جراد الذهب على أيوب، وأمثال ذلك من المستحيلات عادة.
        وها هو الآن يحدث بأن بقرة وذئباً يتكلمان بلسان عربي مبين فيفصحان عن عقل وعلم وحكمة، الأمر الذي لم يقع أصلا؛ ولا هو واقع قطعاً، ولن
        ____________

        (1) أي وماهما بحاضرين هناك وهذا الحديث تجده في: 2/171 من صحيح البخاري وأورده ايضاً في: ص190 من الجزء نفسه في فضل أبي بكر، وأخرجه ـ مسلم من عدة طرق عن أبي هريرة في: ص316 والتي بعدها من الجزء، الثاني من صحيحه في فضائل أبي بكر، وأخرجه أحمد في اول: 2/246 من مسنده من حديث ابى هريرة.
        (2) النزية من الشوق والهيام ما فاجأ الانسان منهما.


        --------------------

        يقع ابداً، وسنة الله في خلقه نحيل وقوعه إلا في مقام التحدي والتعجيز حيث يكون آية للنبوة، وبرهاناً على الاتصال بالله عز سلطانه، ومقام الرجل حيث ساق بقرته الى الحقل فركبها في الطريق لم يكن مقام تحدي واعجاز لتصدر فيه الآيات وخوارق العادات. وكذلك مقام راعي الغنم حين عدا الذئب عليه فلا سبيل إلى القول بامكان صحة هذا الحديث عقلا فان المعجزات وخوارق العادات لا تقع عبثاً باجماع العقلاء.
        وما أغنى أبا بكر وعمر عن هذه الفضيلة، وليتهما سمعا أبا هريرة يحدث بها ولو فعل على عهدهما لأعذر الى الله تعالى فيه، ولكنه تذرع بهما إلى اشباع شهوة الإغراب والتخريف في نفسه، ومشى ظلهما إلى ذلك، وهو يعلم ان مكذّبه يمنى بسخط الرأي العام، ويرمي بالخروج على الخليفتين.

        تعليق


        • #19
          18 ـ تأمير ابي بكر على الحج سنة تسع ونداء أبي هريرة ببراءة سنئذ

          أخرج الشيخان عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف: ان أبا هريرة أخبره ان ابا بكر الصديق بعثه في الحجة التي أمره عليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبل حجة الوداع بسنة يوم النحر في رهط يؤذنون في الناس أن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان (1).
          وأخرج البخاري عن حميد عن أبي هريرة أيضاً قال: بعثني ابو بكر الصديق في تلك الحجة في مؤذنين بعثهم يوم النحر يؤذنون بمنى ان لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان (قال): ثم اردف النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعلي
          ____________

          (1) هذا لفظ الحديث في: 1/192 من صحيح البخاري في باب لا يطوف بالبيت عريان من كتاب الحج، واخرجه مسلم في: 1/517 من صحيحه في باب لا يحج بالبيت مشرك ولايطوف بالبيت عريان.


          --------------------------------------------------------------------------------



          فأمره ان يؤذن ببراءة فأذن معنا علي في اهل منى يوم النحر الحديث (1).
          لا عجب من سياسة الشام إذا فرضت هذا الباطل على أبي هريرة وحيمد ولا عجب منهما إذا تطوعا لها فتواطآ عليه.
          فان ابا هريرة إنما أتى الشام متجراً بما يروج فيها من سلعته والدنيا يومئذ متسقة مستوسقة لسلطان بني امية والدعايات ضد الوصي وآل النبي أربح تجارات الدجالين في ذلك العهد.
          وحميد كان ممن صنعوا على عين معاوية لحمل امثال هذا الحديث وللرثاء بالعبادة والتقشف؛ وللولوع بالسماع من اعداء علي (2) وكان في بني امية كألدّهم خصومة واشدهم لهجة، وقد وشجت به عروقهم وولدته العبشميات من امهاتهم؛ فان امه ام كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط بن ذكوان بن امية بن عبد شمس فهي اخت الوليد بن عقبة لأبيه وأمه، وام امه ام عثمان بن عفان (3) واسمها اروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس «شنشنة نعرفها» على ان اباه عبد الرحمن كان منحرفاً عن علي وقد آثر يوم الشورى عثمان لصهره (4) مع هن وهن، فلا غروان تواطأ أبو هريرة وحميد على هذا الباطل في تلك الظروف فأذاعته الدعايات الجبارة حتى استطار.
          ____________

          (1) اخرجه البخاري بهذا اللفظ في: 3/90 من صحيحه في تفسيره سورة براءة.
          (2) سمع معاوية، وحديثه عنه في صحيح البخاري وسمع النعمان ابن بشير وحديثه عنه في صحيح مسلم وله عن المغيرة بن شعبة وابن الزبير ومروان وغيرهم من أمثالهم.
          (3) فعثمان اخو امه لأمها اورى فقط، وام اروى هذه البيضاء وتكنى ام حكيم وهي بنت عبد المطلب بن هاشم وبهذا كان يقال لعثمان انه ابن اخت الهاشميين.
          (4) كان عبد الرحمن بن عوف زوج ام كلثوم بنت عقبة وهي اخت عثمان لأمه واخت الوليد لأبيه وامه كما بيناه في الاصل.


          --------------------------------------------------------------------------------



          ومما نحتج به على بطلانه ان ابا هريرة (قبل ان يتصل باسباب بني امية) كان يقول (1): كنت في البعث الذين بعثهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع علي ببراءة فقال له ولده المحرر: فيم كنتم تنادون؟ قال: كنا نقول: لا يدخل الجنة إلا مؤمن؛ ولا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ومن كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عهده فأجله الى اربعة اشهر (2) فناديت حتى صحل صوتي أ هـ.
          هذا حديثه الثابت منه من طريق الثقات الاثبات لم يذكر فيه ابا بكر بالمرة، و'إنما نص فيه على ان البعث الذين بعثهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تلك السنة إلى مكة ـ وهم الحجاج ـ إنما بعثهم مع علي ـ وفي ركابه ـ وهذه هي الامرة التي اسندها ابو هريرة في ذلك الحديث الى أبي بكر.
          واذا كان مبعوثاً مع علي بأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما يزعم في هذا الحديث، فما معنى قوله في ذلك الحديث: بعثني ابو بكر الصديق في تلك الحجة في مؤذنين بعثهم يوم النحر؟! وما الوجه في قوله: ثم أردف النبي بعلى فأذن معنا؟ وهل هذا إلا تهافت (3)؟! يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا ان يتم نوره.
          ____________

          (1) فيما اخرجه الحاكم وصححه في تفسير سورة براءة من مستدركه: 2/131، واورده الذهبي في التلخيص مصرحا بصحته أيضاً، واخرجه الامام احمد من حديث أبي هريرة: 2/299 من مسنده ولفظه عنده: كنت مع علي حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الى اهل مكة ببراءة.
          (2) انكر العلماء قوله فأجله الى أربعة اشهر لأن الذي كان في خطبة امير المؤمنين يومئذ ومن كان له عهد من المشركين فأجله إلى امده بالغا ما بلغ ومن ليس له امد فأجله الى اربعة اشهر والظاهر ان ابا هريرة لم يكن ممن حضر الموسم ليعبى الأذان بكنهه وحقيقته ولا عجب فانه كثيراً ما يدعى الحضور في وقائع لم يحضرها فينقلها على غير وجهها كما ستسمعه في الفصل 13 من الأصل.
          (3) التهافت بين الحديثين واضح من حيث تعيين الامير ومن حيث تعيين الباعت لأبي هريرة وغيره من المؤذنين ومن حيث مكان بعثهم هل كان من المدينة ـ ام من مكة؟ ومن حيث زمان البعث هل كان يوم النحر او قبله؟ كما لا يخفى على من تدبر الحديثين.


          --------------------------------------------------------------------------------




          واني بعون الله تعالى ممحص لك الحقيقة في هذه العجالة مجلوة في مباحث:
          (المبحث الأول): في بيان الواقع من هذه المهمة على سبيل الاختصار.
          ومجمل القول هنا انه لما نزلت (براءة) على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعث بها أبا بكر ليتلوها يوم الحج الأكبر على رؤوس الاشهاد إذاناً ببراءة الله ورسوله من المشركين، ونبذاً لعهودهم، ومنعاً لهم عن مكة، واعلاناً لتحريم الجنة عليهم، وان لا يطوف بالبيت عريان.
          فلما سار غير بعيد أوحى الله إلى نبيه أن لا يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك فاستدعى علياً وأمره بلحاق أبي بكر وأخذ براءة منه والمضي بها الى مكة لاداء المهمة عن الله ورسول وعهد اليه بالولاية العامة على الموسم (1) وأمره بأن يخبر أبا بكر بين أن يسير مع ركابه او يرجع الى المدينة، فركب على ناقة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم العضباء ولحق أبا بكر فقال له فيم جئت يا أبا الحسن؟ قال أمرني رسول الله ان آخذ منك الآيات فانبذ عهد المشركين (2) ولك الخيار
          ____________

          (1) قال الامام الطبرسي عند ذكر القصة: 3/3 من مجمع البيان طبع صيدا: وروى أصحابنا ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولاه (يعني علياً) على الموسم، وانه حين اخذ براءة من أبي بكر رجع أبو بكر ـ أي إلى المدينة ـ.
          (2) فان قلت: كيف يدفع النبي براءة لأبي بكر لينبذ بها عهد المشركين أيام الموسم ثم يعزله قبل وقت الموسم؟ أليس هذا من النسخ قبل حضور وقت العمل؟ وهو محال على الله ورسوله. قلنا: كلا‍! بل تبين لنا من امره اياه بالذهاب وارجاعه اياه من الطريق قبل حضور الموسم، انه انما كان في الواقع ونفس الأمر مكلفاً بالمسير نحو مكة ليرجعه من الطريق ويرسل علياً مكانه، فيظهر بذلك من تفضيل علي عليه السلام ما لا يظهر بارسال علي من اول الأمر، الا ترى ان الله عز وجل كان في ظاهر الحال قد امر خليله ابراهيم يذبح ولده عليهما السلام ثم لما هم بذلك وتله للجبين اوحى الله اليه: ان قد صدقت الرؤيا يا ابراهيم، فظهر انه لم يكن في الواقع ونفس الأمر مأموراً بذبح ولده، وانه انما كان مأموراً بمقدمات الذبح، ليظهر من فضله وفضل ولده الذبيح ما كان يجهله الناس ولم يكن هذا من النسخ في شئ.
          وللغاية التي ذكرناها بعث رسول الله يوم خيبر ابا بكر اولا فرجع فبعث عمر فرجع، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: اما والله لأعطين الراية غداً رجلا يفتح الله على يديه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله فأعطاها علياً فكان الفتح على يديه، وظهر من فضله ما لا يظهر لو بعثه من اول الامر، ولهذه القضايا نظائر يعرفها المتتبعون.


          --------------------------------------------------------------------------------

          في الذهاب معى أو الرجوع اليه، قال بل ارجع اليه، فمضى علي بمن معه من حجاج المدينة وما حولها الى مكة، ورجع أبو بكر الى المدينة فقال يا رسول الله أهلتنى لأمر طالت الأعناق إلي فيه فلما توجهت له رددتني عنه مالى؟ أنزل في قرآن؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: لا ولكن الأمين جبرئيل عليه السلام هبط الي عن الله عز وجل بأنه: لا يؤدي عنك الا أنت أو رجل منك وعلى منى ولا يؤدي عني إلا علي أ هـ، والأخبار في هذا المعنى متواترة من طريق العترة الطاهرة (1).
          (المبحث الثاني): في يسير مما جاء من طريق الجمهور مؤيداً لما ذكرناه وحسبك نص أبي بكر الصحيح الصريح حجة بالغة؛ قال: ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعثى ببراءة لأهل مكة لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان ولا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة، ومن كان بينه وبين رسول الله مدة فأجله الى مدته والله برئ من المشركين ورسول «قال» فسرت بها ثلاثاً ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي: الحق أبي بكر فرده على وبلغها انت (قال) ففعل علي ذلك ورجعت الى المدينة فلما قدمت على النبي صلى الله عليه وآله وسلم بكيت اليه وقلت يا رسول الله
          ____________

          (1) فراجع منها ما أخرجه الثقة الثبت الحجة علي بن ابراهيم في تفسير سورة التوبة من تفسيره الشهير، وما ارسله شيخنا المفيد ارسال المسلمات في ارشاده.

          ---------------------------------حدث في شئ؟ قال ماحدث فيك الا خير ولكني امرت أن لا يبلغها الا انا أو رجل منى، هذا حديث أبي بكر بلفظه (1) فهل ترى بكاءه واشفاقه يجتمعان مع تأميره؟ كلا!! وانما يكونان بتنحيته.

          تعليق


          • #20
            ومثله حديث علي إذ قال (2): لما نزلت عشر آيات من سورة براءة دعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم أبا بكر فبعثه بها ليقرأها على أهل مكة، ثم دعاني فقال لي: ادرك أبا بكر فحيثما لحقته خذ الكتاب منه فاذهب به إلى أهل مكة فاقرأه عليهم فلحقته فأخذت الكتاب منه فرجع إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال يا رسول الله نزل في شئ؟ قال: لا ولكن جبرائيل جاءني فقال لن يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك أ هـ.
            وحدث عليه السلام في مقام فقال (3): ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعث ببراءة الى أهل مكة مع أبي بكر ثم أتبعه بي فقال لي: خذ الكتاب منه فامض به الى أهل مكة قال: فلحقت أبا بكر فأخذت الكتاب منه فانصرف الى المدينة وهو كئيب فقال: يا رسول الله أنزل في شئ؟ قال: لا إلا اني أمرت ان ابلغه أنا او رجل من أهل بيتي.
            ونحوه حديث ابن عباس وقد احتج يوماً على خصوم أمير المؤمنين عليه السلام فأفاض في خصائصه وموجبات تفضيله على الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وآله وسلم فقال: من حديث طويل (4): ثم بعث رسول الله أبا بكر بسورة التوبة فبعث علياً خلفه
            ____________

            (1) اخرجه الامام احمد في: 1/2 من مسنده من طريق وكيع عن اسرائيل عن أبى اسحاق.
            (2) فيما اخرجه الامام احمد في: 1/151 من مسنده.
            (3) فيما اخرجه النسائي في: 20 من خصائصه العلوية، والامام احمد من حديث علي من مسنده. ورواه غير واحد من اثبات الخاصة والعامة.
            (4) اخرجه الحاكم في: 3/32 من المستدرك في فضائل علي وصحيحه. واعترف الذهبي بصحته اذ اورده في تلخيص المستدرك، وأخرجه النسائي في: ص6 من الخصائص العلوية. والامام أحمد أخرجه من حديث ابن عباس في: 1/331 من مسنده.


            --------------------------------------------------------------------------------



            فأخذها منه وقال صلى الله عليه وآله وسلم: لا يذهب بها الا رجل هو مني وأنا منه الحديث.
            فبخع لابن عباس بهذا حسدة علي ولو كان أبو بكر أميراً في ذلك الموسم مانخعوا ولا ارعووا ولكن رأوا الحجة قاطعة فاستكانوا لها.
            وكم لحبر الامة وذي حجتها البالغة ومقولها الصارم وابن عم نبيها ـ عبد الله ابن العباس ـ من امثال هذا.
            قال مرة: اني لأماشي عمر بن الخطاب في سكة من سكك المدينة إذ قال لي: يا ابن عباس ما أرى صاحبك الا مظلوماً قال: فقلت في نفسي والله لا يسبقني بها، فقلت له يا أمير المؤمنين: فاردد اليه ظلامته، فانتزع يده من يدي ومضى يهمهم ساعة وقف فلحقته؛ قال: يا ابن عباس ما أظنهم منعهم عنه الا أنهم استصغروه، فقلت: والله ما استصغروه الله ورسوله حين أمراه أن يأخذ براءة من صاحبك فأعرض عني واسرع. الحديث، (1).
            ____________

            (1) رواه الزبير بن بكار بن عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير ابن العوام في تاريخه (الموفقيات) الذي ألفه للموفق بالله ابن المتوكل الخليفة العباسي وان من سر الله الذي لا يخفى ونوره الذي لا يطفأ أن يروى الزبير بن بكار مثل هذه الرواية في كتابه الذي الفه لابن المتوكل فان ابن بكار ممن عرف بالعداوة لعلي وأهل البيت وهو الذي استحلفه رجل من الطالبيين بين القبر والمنبر الشريفين فحلف كاذبا فرماه الله بالبرص وكان ينال من العلويين ومن جدهم علي. فأجمعوا على قتله فهرب منهم الى عمه مصعب بن عبد الله بن مصعب فسأله ان يكلم المعتصم في تأمينه فلم يجد عنده ما اراد إذ لم يكن عمه على رأيه في مكاشفة العلويين ذكر ذلك ابن الأثير في سيرة المعتصم من تاريخه الكامل. اما أبوه بكار فقد كان من المكاشفين للرضا في النصب والعداوة فدعاً عليه الرضا فسقط من قصره فاندق عنقه، وأما جده عبد الله بن مصعب فهو الذي افتى هارون الرشيد بقتل يحيى بن عبد الله بن الحسن، فقال: اقتله يا أمير المؤمنين وفي عنقي دمه، فقال الرشيد: ان عنده صكا مني أعطيته فيه الأمان، فقال عبد الله ين مصعب: لا أمان له يا أمير المؤمنين وعمد الى يحيى فانتزع الصك منه قهراً ومزقه بيده عداوة ورثوها عن جدهم، ورئها عدو عن عدو عن عدو من عبد الله بن الزبير حتى انتهت الى الزبير بن بكار، وبها نال الحظوة عند المتوكل فاختاره لتأديب ولده الموفق. وامر له بعشرة آلاف درهم وعشرة تخوت من الثياب وعشرة بغال يحمل عليها رحلة الى سامراء فأدب ولده الموفق والف له الموفقيات وهو من الكتب الممتازة الممتعة ننقل عنه كثيراً في املائنا هذا وفي غيره.


            --------------------------------------------------------------------------------



            فلله أبوه كيف استظهر على الخليفة بهذه الحجة البالغة فأخذه من بين يديه ومن خلفه ومن جميع نواحيه حتى لم يبق في وسعه أن يثبت فأعرض واسرع ولو ان صاحبه كان هو الأمير في ذلك الموسم ـ كما يزعم أبو هريرة ـ ما لاذ الى الاسراع بل كانت له الحجة على ابن عباس وعمر كان مع أبى بكر إذ توجه ببراءة وإذ رجع من الطريق فهو من اعرف الناس بحقائق تلك الأحوال.
            وسئل الحسن البصري عن علي عليه السلام فقال: ما أقول فيمن جمع الخصال الأربع: ائنمابه على براءة، وما قاله له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في غزوة تبوك فلو كان يفوته شئ غير النبوة لاستثناه، وقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم الثقلان كتاب الله وعترتي وأنه لم يؤمر عليه أمير قط؛ وقد أمرت الأمراء على غيره، هذا كلامه بعين لفظه (1).
            وأنت تعلم اخلاصه لأبي بكر وحرصه على بيان فضله فلو كان أبو بكر هو الأمير على الحج عام براءة دون علي ماكتم امارته، ولا بخسه حقه، ولا شهد لعلي بأنه لم يؤمر عليه احد قط، ولا عرض بأبى بكر إذ يقول وقد أمرت الامراء على غيره، ومن تدبر كلامه هذا علم أنه يقدر الائتمان على براءة حق قدره، وانه يراه خصيصة مقصورة على علي ليس لها كفؤ سواه.
            ____________

            (1) فراجعه في: 1/369 من شرح النهج الحميدي نقلا عن الواقدي.


            ------------------------------------------------------
            وكان الصحابة اذا أشادوا بذكر علي في المدينة الطيبة على عهد الخليفتين يحدثون بهذه الخصيصة من مناقبه فلا يناقشهم فيها احد.
            هذا سعد يقول (1): بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبا بكر ببراءة حتى اذا كان ببعض الطريق ارسل علياً فاخذها منه ثم سار بها فوجد أبو بكر في نفسه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يؤدي عني إلا انا أو رجل مني أ هـ.
            وهذا أنس يقول (2): بعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم براءة مع أبى بكر ثم دعاه فقال لا ينبغي ان يبلغ هذا إلا رجل من أهلي فدعا علياً فاعطاه إياها.
            وهذا عبد الله بن عمر يساله جميع بن عمير الليثي عن علي فينتهره ابن عمر ثم يقول له (3): الا احدثك عن علي هذا بيت رسول الله في المسجد وهذا بيت علي ان رسول الله بعث أبا بكر وعمر (4) ببراءة الى أهل مكة فانطلقا فاذا هما براكب فقالا من هذا؟ قال: أنا علي يا أبا بكر هات الكتاب الذي معك قال مالي؟ قال والله ما علمت إلا خيراً فأخذ علي الكتاب فذهب به ورجع أبو بكر وعمر الى المدينة فقالا: مالنا يا رسول الله؟ قال: مالكما إلا خير ولكن قيل لي انه لا يبلغ عنك إلا أنت أو رجل منك.
            والسنن المأثور في هذا متضافرة وكلها صريح برجوع أبى بكر إلى
            ____________

            (1) فيما أخرجه النسائي في: ص20 من الخصائص العلوية عند ذكر يوجيه براءة مع علي. ورواه الامام أحمد مسنده.
            (2) فيما أخرجه النسائي: ص20 من الخصائص العلوية والامام احمد من حديث انس: 3/216 من مسنده.
            (3) فيما اخرجه الحاكم في: 3/51 من المستدرك.
            (4) انما كان عمر يومئذ تابعا لابى بكر وكان ممن خرج معه من الصحابة وكانوا ثلاثمائة فيهم عبد الرحمن بن عوف، وكان عمر اخصهم بأبى بكر ولذا رجع معه الى المدينة دونهم، وقد انضووا ـ بعد رجوع ابى بكر ـ الى لواء على وسار بهم الى مكة مهيمنا عليهم وشهد الجميع رجوع ابى بكر إلى المدينة وفي نفسه من ذلك شئ


            --------------------------------------------------------------------------------



            المدينة كئيباً مشفقاً من نزول الوحي فيه وهذا ما لا يجتمع مع تأميره في ذلك الموسم ابداً، لكن الدعاية ضد الوصي كانت في منتهى القوة فكان لها اثرها في فجر الاسلام.
            (المبحث الثالث): فيما ترتب من الآثار الشريفة على نبذ عهد المشركين وما كان لأمير المؤمنين بسبب قيامه بهذه المهمة من علو المقام عند العرب كافة وما بوأه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم من المجد والعلاء باختيارهما إياه لهذه المهمة ولا سيما بعد أرجاع أبى بكر عنها، الى خصائص أُخر تتصل بذلك وتوجب كونه أفضل الأمة واولاها برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حياً وميتاً.
            كان بنبذ النبي صلى الله عليه وآله وسلم عهد المشركين ومنعه أياهم عن الحج وعن مكة واعلانه تحريم الجنة عليهم واذانه بالبراءة منهم كمال الدين وصلاح امر المسلمين وقوة الحق وأهله ووهن الباطل وأهله.
            أدرك المسلمون به منتهى العزة ونالوا به غاية المجد فهدأت فورة الشرك وذلت نواصى المشركين فكان الدين كله لله عز سلطانه.
            وقد شاء الله سبحانه أن يجري كله على يد عبده ووصي نبيه علي بن أبي طالب تنويهاً باسمه، وتنبيهاً الى فضله، واعلاه لذكره، واعلاناً لعظيم قدره، وتمهيداً للعهد بالخلافة اليه، ومقدمةً للنص في العام المقبل عليه (1) فنشر صلى الله عليه وآله وسلم ذكره (بارساله إياه لأداء هذه المهمة عنه) انتشار الصبح واطار صيته في العرب استطارة البرق؛ وذلك ان نبذ العهد كان مختصاً عندهم بالزعيم الذي عقده ولا يتجاوزه إلا الى من كان يمثله في زعامته ويخلفه في مكانته؛ ويأمن وهنه، ولا يخشى سقطته، ولا يرتاب في احكامه ولا يعتريه شك في نقضه وابرامه.
            ____________

            (1) اذ كان نبذ العهد سنة تسع وكان النص عليه سنة عشرو النبي صلى الله عليه وآله وسلم قافل من حجة الوداع.


            --------------------------------------------------------------------------------



            يرشدك إلى هذا كله قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي حين بعثه ليأخذ براءة من أبى بكر ويذهب بها هو الى مكة: لابد أن أذهب بها أنا أو تذهب بها أنت قال علي: فان كان ولابد فسأذهب بها أنا، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: فأنطلق فان الله يثبت لسانك، ويهدي قلبك؛ الحديث (1).
            وأنت تعلم ان المهمة التي لا يقوم بها إلا النبي صلى الله عليه وآله وسلم او من كان جارياً مجرى نفسه لهي الغاية القصوى في المهمات لا يتعلق بها درك قد احرز بها علي قصب السبق وأستولى على الأمد فأنئ يسبقه سابق او يلحقه لاحق أو يطمع في ادراكه طامع.
            ومن انعم النظر في ارجاع أبى بكر عن المهمة وارسال علي فيها ظهرت له الحقيقة بأجلى مظاهرها.
            ويجدر بنا أن نمعن في قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم اذ بين السبب فقال (2) جاءني جبرائيل فقال: لن يؤدي عنك الا أنت أو رجل منك لمكانة «لن» من النفي مؤكداً ومؤبداً ومكانة المفعول المحذوف من العموم أعنى مفعول الفعل المنفي بلن، اذ تقدير الحديث: لن يؤدي عنك شيئاً من الأشياء الا انت أو رجل منك ولو لا قصد العموم ما حذف المفعول.
            «فان قلت»: مورد هذا الحديث يفرض علينا تخصيصه به؛ فيكون معناه لن يؤدي عنك هذه المهمة الا انت أو رجل منك، فلا عموم هنا.
            «قلنا»: ان المورد لا يخصص الوارد؛ على ان هذا الحديث ليس بالوحيد في بابه؛ فان في الصحاح من نظائره نصوصاً تعنولها الجباه بخوعاً لم ترد في مورد خاص لتختص به، بل جاءت عامة لفظاً ومورداً.
            ____________

            (1) اخرجه احمد في: 1/150 من مسنده وهو من الاحاديث الصحيحة المستفيضة من طريق الفريقين.
            (2) فيما استفاض عنه من حديث علي وقد مر عليك في المبحث الثاني.
            -----------------------

            تعليق


            • #21
              وحسبك منها عهده يوم عرفة من حجة الوداع وقد أهاب بأهل الموقف يدلهم على مفزعهم في أداء رسالته وهو اذ ذاك على ناقته يناديهم باعلى صوته فأشخص أبصارهم وأسماعهم وافئدتهم اليه فاذا به يقول: علي مني وأنا من علي ولا يؤدي عني الا أنا أو علي (1).
              ياله عهداً ما أخفه على اللسان وما أثقله في الميزان جعل لعلي من صلاحية الأداء عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) عين الصلاحية الثابتة للنبي في الأداء عن نفسه فأشركه في أمره وأئتمنه على سره كما كان هارون من موسى الا ان علياً لم يكن بنبي وانما هو وزير ووصي يطبع على غرار نبيه ويبين عنه للناس ما اختلفوا فيه.
              وتلك ذروة ما جعل الله تعالى ورسوله لغير علي أن يتبوأها أبداً: «فارجع البصر هل من فطور ثم ارجع البصر كرتين ينقلب اليك البصر خاسئاً وهو حسير» ولقد رفع رسول الله علياً الى مستوى هو أعلى من مستوى الأمة اذ مزج لحمه بلحمه ودمه بدمه وسمعه وبصره وفؤاده وروحه بسمعه وبصره وفؤاده وروحه فقال: علي مني وأنا من علي ثم لم يكتف حتى قال: ولا يؤدي عني الا انا أو على فجمع فأوعى فاستقصى ولا غرو فان الله تعالى يقول وهو أصدق القائلين: «ولقد اخترناهم على علم على العالمين وآتيناهم من الآيات ما فيه بلاء مبين» .
              ____________

              (1) أخرجه ابن ماجة في فضائل الصحابة: 1/92 من سننه ورواه الترمذي والنسائي في صحيحيهما وهو الحديث: 2531 في: 6/153 من كنز العمال. وأخرجه الامام أحمد من حديث حبشى بن جنادة: 4/164 من مسنده بطرق متعددة كلها صحيحة وحسبك انه أخرجه عن يحيى ابن آدم عن اسرائيل ابن يونس عن جده أبى اسحاق السبيعي عن حبشى عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكل هؤلاء حجج عند الشيخين وغيرهما، ومن راجع هذا الحديث في مسند احمد علم انه إنما صدر في حجة الوداع التي ما لبث النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعدها في هذه الدار الفانية إلا قليلا.


              --------------------------------------------------------------------------------




              فأين اولو النظر يمعنون في هذا العهد ليعلموا أنه ـ على اختصاره ـ لا يقل وزناً عن نصوص يوم الغدير فان الأداء عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المختص به وبعلي المنفي في هذا الحديث عمن سواهما انما هو الأداء التشريعي الكاشف عن حكم الله في الواقع ونفس الأمر المعصوم عن الخطأ عصمة القرآن عنه فيكون بمجرده حجة قاطعة يجب على الاُمة التعبد به كما يجب عليهم التعبد بأ حكام القرآن العظيم والذكر الحكيم.
              يدلك على أن هذا هو المراد اجماع الأمة على اباحة الأداء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ـ على غير هذا الوجه ـ لكل عالم بقوله سماعا منه أو استنباطاً صحيحاً من سنته فان الصحابة كانوا يؤدون عنه ما سمعوه من اقواله وما رأوه من أفعاله وكان المجتهدون بعدهم يؤدون عنه ما أستنبطوه من الأدلة الشرعية فلو لم يحمل الحديث على ما قلناه لم يبق له معنى يصح حمله عليه.
              ويؤيد هذا قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: علي مع القرآن والقرآن مع علي لا يفترقان (1) وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: رحم الله علياً اللهم أدر الحق حيث دار (2) إلى كثير من أمثال هذه النصوص التي ترمي إلى عصمته، (ربنا آمنا بما انزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين).
              (المبحث الرابع): فيما كان من أعداء علي من المكربه، والبغي عليه وما كان من دجاجيلهم في صرف خصائصه عنه، وما تزلف به أبو هريرة اليهم من تحريف هذا الحديث.
              إن اعداء علي من المنافقين، وحسدة فضله ومنافسيه من الناكثين والقاسطين، والمارقين ولا سيما أهل الحول والطول منهم كمعاوية وأعوانه
              ____________

              (1) أخرجه الحاكم وصححه على شرط الشيخين في: 3/124 من مستدركه واورده الذهبي في تلخيصه معترفاً بصحته.
              (2) أخرجه الحاكم في الصفحة على شرط مسلم.


              --------------------------------------------------------------------------------



              فسخروا دجاجيلهم في تشويهها ومسخها ومعارضتها بما استطاعوا أو ان الدجاجيل تزلفوا اليهم بذلك ولا ذنب لعلي. ولا عذرلهم إلا ما اختصه الله تعالى من فضله اذ بلغ بسوابقه ـ في أيمانه وجهاده ـ منزلة عند الله ورسوله تقاصرت لم يطيقوا الخصائص العليا التي كانت لعلي. فلم يصبروا عن تحويرها وتحريفها عنها الأقران ونال (بعلمه وعمله مخلصاً لله ولرسوله وللامة) رتبة تراجعت عنها الأكفاء وأدرك (بذاته وصفاته وسماته ونسبه وصهره وأهله ونسله) غاية تطاولت اليها أعناق الأماني وشأواً تقطعت دونه المطامع.
              فدبّت بذلك له عقارب الحسد في قلوب المنافقين (1).
              وسادت في منافسيه آكله الاكباد (2) فكشفوا لمناصبته وجوههم وقعدوا له في كل مرصد مرهفين للمكر به كل حيلة ناصبين للبغي عليه كل احبولة (والحاسد مغتاظ على من لا ذنب له) (3).
              تطوروا في كيده اطواراً مختلفة، نزعوا أيديهم من يده، قطعوا رحمه سلبوه سلطان ابن امه (4) هجروا السبب الذي أمروا بمودته، نقلوا البناء عن رص اساسه فبنوه في غير موضعه (5) تصغيراً منهم لعظيم منزلته واجماعاً على
              ____________

              (1) ان لبطل الاسلام بكل ما للبطولة من معان شريفة محمد بن أمير المؤمنين المعروف بابن الحنفية كلاما في هذا المعنى يفرغ به الحقيقة لا ريب فيها قدع به ابن الزبير أيام إمارته في الحجاز فبخعه ما اولى أهل البحث بالوقوف عليه: ص350 من المجلد الأول من شرح النهج الحميدي.
              (2) تورية لطيفة.
              (3) هذا مثل معروف.
              (4) قال عليه السلام في كتاب كتبه إلى اخيه عقيل: فخرت قريشا عني الجوازي فقد قطعوا رحمي وسلبوني سلطان ابن أمي.
              (5) هذا مقتبس من الخطبة: 146 من: ص48 والتي بعدها من الجزء الثاني من نهج البلاغة.


              --------------------------------------------------------------------------------



              منازعته أمراً هوله (1).
              ثم كان من الناكثين والقاسطين والمارقين ما ملأ الاجواء، وطبق الأرض والسماء وما اكتفوا حتى:ـ

              لعنوا أمير المومنين * كمثل اعلان الاقامة

              وليتهم لم يتناولوا السنن المقدسة بتمزيق ما جاء منها تفصيله حيث حكموا ـ بغير دليل ـ على صيححها بالوضع، وعلى صريحها بالتأويل، وعلى رواتها بالرفض، وعلى اثباتها بالتضعيف، فشوهوا كثيراً من خصائصها الحسي؛ ومسخوا كيراً من أمثالها العليا. وحرفوا كثيراً منها عن مواضعه وصرفوا الكثير منها إلى غير اهله كما فصلناه في كتابنا «تحفة المحدثين» وكما يمثله أبو هريرة في حديثه هذا إذ يقول بعثني أبو بكر اذ يقول: بعثني أبو بكر في الحجة التي أمره عليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبل حجة الوداع بسنة في مؤذنين بعثهم يوم النحر يؤذنون بمنى: ان لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان ثم أردف رسول الله بعلي بن أبي طالب فأذّن معنا يوم النحر الحديث.
              كأن لم يكن لعلي بن أبي طالب في ذلك الموسم سوى انه اذن في معية أبى هريرة، ولا عجب من أبى هريرة في هذه الجرأة فانه كان يفتئت الأحاديث فيقتها ويرتجلها (2) مزخرفة مزوقة على ريق لم يبلعه ونفس لم يقطعه فيخرجها لرعاع الناس بالوشي الذي يحبه السواد الاعظم من العامة وتقتضيه السياسة الغاشمة وتوجبه دعايتها الكاذبة.
              ألا تراه كيف حرف الحديث عن موضعه، وصرف الفضل فيه عن أهله متقرباً فيما حرف الى اولياء الأمور، ومتحبباً فيما صحف إلى سواد الجمهور
              ____________

              (1) هذا مقتبس من الخطبة: 167 من النهج أيضاً.
              (2) يفتئتها بمعنى ييتدعها، ويقتها بمعنى يزورها ويحسنها، ويرتجلها بمعنى يختلقها لساعته.


              --------------------------------------------------------------------------------



              اختلق لهم ما يروقهم من تأمير أبى بكر الصديق.
              وما أدرك ما فعل؟؟ انه اخرس بذلك ألسنة الثقات الاثبات عن معارضته. وألجم أفواههم ان تنبس في بيان الحقيقة ببنت شفة خوفاً من تألب العامة ورعاع الناس. واشفاقاً من نكال أولي الامر ووبالهم يومئذ؟ وما أدراك ما يومئذ؟!.
              اراد أبو هريرة بحديثه هذا أن يجتاح المقام المحمود الذي رفع الله ورسوله يومئذ سمكه مقام أمير المؤمنين في ذلك الموسم إذ كان يرمي الى امرين.
              (أحدها) ان المهمة التي جاء بها علي انما كان امرها بيد أبى بكر الصديق بسبب امارته على الحج وولايته العامة تلك السنة على الموسم وان أبا بكر لم يكتف بعلي في اداء المهمة حتى بعث أبا هريرة في رهط من امثاله الا قوياء الاشداء!! اهتماماً بأدائها.
              (ثانيهما) أنه لم يكن لعلي في تلك المهمة اكثر مما كان لابى هريرة وسائر الرهط الذين بعثهم أبو بكر لانهم قاموا بأدائها كما قام علي معهم بذلك.
              وحسبك في تزييف هذا ان الله تعالى لم ير أبا بكر نفسه أهلا لاداء هذه المهمة فارجعه عنها واوكلها الى احد كفئيها اللذين لا ثالث لهما اذ لم يكن لها ثمة سوى النبي والوصي كما سمعت النص عليه اذ قال صلى الله عليه وآله وسلم: لابد ان اذهب بها أنا أو تذهب بها أنت قال علي فان كان ولابد فسأذهب بها أنا.
              وقد روت الامة احاديث صحيحه صريحة في ذلك لا تزال تدوي فتملأ الخافقين.
              على ان أبا هريرة كان قبل ان يتسخر لدعاية بني أمية يحدث عن هذه المهمة فلا يؤمر أبا بكر ولا يأتى على ذكره، وكان يضيف نفسه وسائر البعث الى علي، فيزعم انه انما كان في البعث الذي كان في ركابه عليه السلام؛ وقد مر عليك حديثه في هذا فراجع.


              --------------------------------------------------------------------------------



              والنفس لاتطمئن شهد الله بكلا حديثيه ولا بكونه ممن نادى يوم النحر ولا بكونه ممن حضر الموسم، ولا بشئ مما يرويه مطلقاً والله على ما أقول وكيل.
              (المبحث الخامس): في الاشارة الى ما جنته الدعاية السياسية على الآثار النبوية وما اختلفته دجاجيلها تزلفا اليها وما زوقوه ليشتروا به ثمناً قليلا وما افتأتوه من الاسانيد تثبيتاً لحديث حيمد عن أبى هريرة.

              تعليق


              • #22
                كان وضع الحديث على عهد معاوية حرفة منمقة يتجربها كل متزلف الى تلك الدولة وعمالها؛ وكان لأولئك المتزلفين المتجرين لباقة في تزويق تجاربهم وترويجها لا يشعرنها (على عهدهم) الا أولو البصائر النافذة، والاحلام الراسخة ـ وقليل ما هم ـ وكان من ورائهم من يرفع ذكرهم من الخاصة ويروج حديثهم من حفظة السنن المسأجرين، وحملة العلم المتزلفين ومن المرائين بالعبادة والتقشف كحميد بن عبد الرحمان ومحمد بن كعب القرظي وأمثالهما، ومن زعماء القبائل في الحواضر؛ وشيوخ العشائر في البوادي، وكان هؤلاء كلهم اذا سمعوا ما يحدث به اولئك الدجالون روجوه عند العامة، واذاعوه في رعاع الناس (من مسلمي الفتوحات بعد النبي) وخطبوا به على المنابر؛ واتخذوه حجة، واعتدوه أصلا من الأصول المتبعة، وكان الثقات الاثبات من سدنة الآثار النبوية لا يسعهم في ذلك العهد الا السكوت عن معارضة اولئك المتزلفين المؤيدين برعاية اولي الأمر وعناية أهل الحول والطول، فكان المساكين اذا سئلوا عما يحدث به اولئك الدجالون يخافون ـ من مبادهة العامة بغيرها عندهم ـ ان تقع فتنة عمياء بكماء صماء، ولاسيما اذا كان الحديث موضوعاً في فضل الصديق والفاروق، فكانوا يضطرون في الجواب الى اللواذ بالمعاريض من القول خوفاً من تألب اولئك المتزلفين ومروجيهم من الخاصة، وتألب من ينعق معهم من العامة ورعاع الناس، فضاعت بذلك حقائق؛ وحفظت أباطيل وكان هذا الباطل ـ أعني حديث حميد عن أبى هريرة ـ أوفرها حظاً من كل


                --------------------------------------------------------------------------------



                عدو لأهل البيت، اختلفوا في سبيل تأيبده احاديث ترادفه في معناه فركبوها على اسانيد رفعوا أحدها إلى علي نفسه، ورفعوا الثاني الى ابن عمه وخريج حوزته عبد الله بن العباس، والثالث الى وليه وخصيصه جابر بن عبد الله الأنصاري، والرابع الى حفيده ووارث علمه الامام أبى جعفر الباقر، وهذه مكيدة اعتادها خصوم علي فاستمرت عليها سيرتهم في مكابرة أهل البيت، ونكاية اوليائهم من حيث لا تشعر عامة الناس، وجاء بعدهم قوم ممن جمعوا الاخبار على علاتها فاغتروا بهم، فاثبتوها فيما جمعوه وهم غافلون.
                والآفة فيما أسندوه من هذا الباطل الى علي أبو زرعة وهب بن راشد، وكان مفرطأ في النصب، أخذ عداوة بني هاشم وبغض علي بالخصوص عن شيخه أبى يزيد يونس بن يزيد بن النجاد الأ بلى مولى معاوية ين أبى سفيان(1).
                وآفة فيما اسندوه الى ابن عباس أبو القاسم مقسم بن مجزاة كان لا يكتم عداوة أمير المؤمنين، وقد اغتر الحاكم به لظنه أنه من رجال البخاري فاخرج في: 3/51 من مستدركه ما لفقه هذا الناصب (من امرة أبى بكر)عن ابن عباس مع ان مقسما احد الضعفاء الذين نص البخاري على ضعفهم في كتابه الذي افرده لهم، وقد ترجمه الذهبي في الميزان فنقل تضعيفه عن البخاري وعن ابن حزم» وترجمه ابن سعد في: 5/346 من طبقاته فقال: وكان كثير الحديث ضعيفاً.
                (قلت): ولضعفه أعرض عنه الشيخان، فلم يرويا له شيئاً نعم روى
                ____________

                (1) ذكر أبو نصر الكلاباذي وأبو بكر الاصبهاني وابو الفضل الشيباني المعروف بابن القيسراني كلهم يونس بن يزيد هذا في كتبهم التي ترجموا فيها رجال الأسانيد فنصوا جميعاً على انه من موالي معاوية بن ابى سفيان فراجع: 485 من كتاب ابن القيسراني، وهذا الاموى السيفاني يونس الابلى هو الذي روى موت ابى طالب على الكفر فيها أخرجه مسلم عنه في: 1/30 من صحيحه وهو شيخ ابى زرعة وهب ومربيه تستفيد ذلك من ترجمة وهب بن راشد في ميزان الذهبي.


                --------------------------------------------------------------------------------



                البخاري عن عبد الكريم بن مالك الجزري أنه سمع مقسما يقول: قال ابن عباس لا يستوي القاعدون من المؤمنين عن بدر والخارجون الى بدر.
                وقد اورد البخاري هذا التفسير عن ابن عباس بواسطة مقسم في موضعين من صحيحه احدهما في غزوة بدر (1) والثاني في تفسير سورة النساء (2) ولم يرو عن مقسم في جميع صحيحه سوى هذا التفسير، وانما رواه عنه مع جزمه بضعفه لاجماع الأمة على التسامح في امثال هذا التفسير إذ لم يشتمل على حكم شرعي، على انه لم يرفع الى رسول الله صلى الله عليه وآله ليكون من السنن التي اشترط صحتها كما لا يخفى.
                وآفة ما رفعوه الى جابر بن عبد الله الانصاري أبو صالح اسحاق بن نجيح الملطى، فانه رجل سوء خبيث مفرط في الكذب؛ جرئ على وضع الحديث ساقط باجماع أهل الجرح والتعديل، وقد ترجمه الذهبي في ميزانه: فأورد ما قاله الأئمة في خبثه وكذبه ودجله.
                وآفة ما أسندوه من هذا الباطل الى الإمام أبى جعفر الباقرعليه السلام محمد بن اسحاق، اذ أورده في سيرته التي شحنها بأباطيل ما أنزل الله بها من سلطان.
                وعلى كلٍ: فالأمر سهل في هذه الأضاليل، لا نحطاطها بانحطاط طرقها عن درجة الاعتبار، ولركة متونها ومناقضتها للصحيح الثابت عمن اسندت اليهم بل لمناقضتها لما أوردناه في المبحث الثاني من حديث أبى بكر وعلي وابن عباس وابن عمر وسعد وأنس ولاتتفق مع سيرة النبي في بعوثه صلى الله عليه وآله وسلم فانه ما أمر على علي احداً مدة حياته بل كانت له الامرة، وكان حامل لوائه في كل زحف بخلاف غيره، فان أبا بكر وعمر ومن دونهما كانوا ـ حين لحق النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالرفيق الاعلى ـ في بعث اسامة باجماع اهل الاخبار، وكانا في غزوة
                ____________

                (1) في: 3/2 من الصحيح.
                (2): 3/81.


                --------------------------------------------------------------------------------



                ذات السلاسل في بعث عمرو بن العاص بالاتفاق، ولهما قضية في تلك الغزوة مع أميرها ابن العاص (1).
                اما علي فلم يكن طيلة حياة النبي تابعاً لغيره صلى الله عليه وآله وسلم الا ترى أنه لم يرسله في جيش اُسامة ولا في جيش ابن العاص، ولا في جيش أبى بكر وعمر حين بعثهما الى خيبر فلما رجعا وبعث علياً كانا كلاهما تحت لوائه حتى فتح الله عليه، ولما بعث خالد بن الوليد الى اليمن بجيش وبعث علياً اليها بجيش آخر عهد اليهما بأنه اذا التقيتما فعلي على الجيشين وان افترقتما فكل منكما على جيشه الحديث (2).
                وقد قال ابن عباس : ان لعلي اربعة خصال ليست لاحد.
                هو اول عربي وعجمي صلى لله تعالى مع رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وهو الذي كان لواؤه معه في كل زحف الحديث (3).
                وقد مر عليك آنفاً قول الحسن البصري ما أقول فيمن خمع الخصال الاربع ائمتانه على ببراءة وما قال له رسول الله في غزوة تبوك الى ان قال وانه لم يؤمر عليه أمير قط وقد أمرت الاُمراء على غيره، وهذا القدرلا كاف لما اردناه في هذه العجالة، والحمد لله على الهداية والتوفيق.

                19 ـ الملائكة تكلم عمر

                أخرج البخاري (4) عن ابى هريرة مرفوعاً لقد كان فيمن كان قبلكم من بني اسرائيل رجال يكلمون من غير ان يكونوا أنبياء فان يكن من أمتي منهم
                ____________

                (1) اخرجها الحاكم وصححها في: 3/43 من المستدرك واورده الذهبي فصححها ايضاً في تلخيصه.
                (2) أخرجه الامام احمد في: 5/356 من مسنده.
                (3) أخرجه الحاكم في: 3/111 من مستدركه.
                (4) في باب (مناقب عمر) في: 2/194 من صحيحه.


                --------------------------------------------------------------------------------



                أحمد فعمر أ هـ (1).
                وأخرج البخاري (2) عن أبى هريرة مرفوعاً أيضاً قال: انه كان فيما مضى قبلكم من الأمم محدثون وانه كان في أمتي هذه منهم فانه عمر بن الخطاب أ هـ.
                حديث مفترى صاغه أبو هريرة من زخرف القول ـ بعد وفاة عمر بأعوام ـ فجاء مزوقاً منمقاً على ما تقتضيه سياسة الخاصة يومئذ مما تصفق له العامة طربا، فقد كان للخاصة من ساسة البغي الأموي مآرب ضد الوصي وآل النبي لا تتم على زعمهم إلا برفع أبى بكر وعمر إلى مستوى الأنبياء والمعصومين وكان غوغاء الأمة وسوادها مندفعين إلى ذلك كل الاندفاع بما فتح الله على المسلمين في أيام الخليفتين، فكان أبو هريرة يتزلف بهذا الحديث وأمثاله إلى كل من سائس الأمة ومسوسها، وبهذا نال الحظوة من الخاصة والمنزلة في نفوس العامة. ولو حدث بهذه الاحاديث على عهد عمر لأخذت درة الخليفة من ظهره مأخذها. لكن خلاله الجو على عهد معاوية فجاء بمرمات الاخبار.
                وقد علم اولو الألباب أن من كان من الأمم الماضية مكلما أو محدثاً على سبيل الحقيقة او على سبيل المجاز فإنما هم المعصومون كانوا جميعاً بين نبي ووصي
                ____________

                (1) قال السقطلاني في تفسير هذا الحديث من كتابه ارشاد الساري في شرح صحيح البخاري: 7/349 ما هذا لفظه: يكلمون بفتح اللام المشددة تكلمهم الملائكة (قال): وليس قوله: فان يكن للترديد بل للتأكيد كقولك: إن يكن لي صديق ففلان، اذ المراد اختصاصه بكمال الصداقة لا نفي الاصدقاء (قال) واذا ثبت ان هذا وجد في غير هذه الأمة المفضولة فوجوده في هذه الأمة الفاضلة احرى أ هـ.
                (2) في: 2/171 من صحيحه بعد حديث أقرع وابرص واعمى بمقدار صفحة من كتاب بدء الخلق وهو موجود في باب مناقب عمر من البخاري أيضاً، واخرجه النسائي في المناقب.


                --------------------------------------------------------------------------------



                نبي فا لنبي تحدثه الملائكة وتكلمه على سبيل الحقيقة. والوصي يلهمه الله الحق فيتجلى له كفلق الصبح لا يختلج فيه ريب حتى كأن ملكاً حدثه به عن الله عز وجل ولا محدث ولا مكلم في الحقيقة وإنما هو ما يلقيه الله تعالى في روعه من الصواب.
                ولا كلام في أن عمر قد توغل الدرجات الرفيعة في الإسلام. وبلغ الأقدار الخطيرة في هذه الامة، لكنه لم يكن بنبي ولا بوصي ولا بمعصوم اجماعاً وقولا واحداً؛ فلا تكلمه الملائكة على سبيل الحقيقة، ولا تحدثه على سبيل المجاز، وإنما تحدث من كان في هذه الأمة بمنزلة هارون أو كان في أقل المراتب كيوشع أو شمعون.
                على ان بوادر عمر ـ على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبعده ـ لا تجتمع مع كونه محدثاً مطلقاً.

                تعليق


                • #23
                  20 ـ تركة النبي صدقة

                  أخرج الشيخان (1) با لاسناد الى أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: لا يقتسم ورثني ديناراً ما تركت بعد نفقة نسائي؛ ومؤنة عاملي؛ فهو صدقة!.
                  هذا مضمون الحديث الذي انفرد ابو بكر بروايته عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم محتجاً به على عدم توريت الزهراء، أخرجه الشيخان وغيرهما بالاسناد الى عائشة اذ قالت (2) ان فاطمة بنت النبي ارسلت الى أبى بكر تسأله ميراثها من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال أبو بكر: ان رسول الله قال: لا نورث ما تركنا
                  ____________

                  (1) راجع من صحيح البخاري:2/125 في باب نفقة نساء النبي بعد وفاته من كتاب الجهاد، وراجع من صحيح مسلم: 2/74 في آخر باب قول النبي: لا نورث ما تر كناه فهو صدقة.
                  (2) كما في: 3/37 من صحيح البخاري اثناء غزوة خيبر: 2/72 من صحيح مسلم في باب قول النبي لا نورث ما تركناه فهو صدقة من كتاب الجهاد والسير: 1/6 من مسند أحمد.
                  ------------------------------
                  صدقة (1) قالت عائشة: فأبى أبو بكر أن يدفع منه شيئاً فوجدت فاطمة على أبى بكر فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت وعاشت بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ستة اشهر فلما توفيت دفنها زوجها علي ليلا (بوصية منها) (2) ولم يؤذن بها أبا بكر الحديث وتراه صريحاً بوجدها وغضبها وهجرها حتى توفيت عليها السلام.
                  نعم غضبت على أثاره (3) واستقلت غضباً (4) فلاثت خمارها واشتملت بجلبابها وأقبلت في لمة في حفدتها ونساء قومها؛ تطأ ذيولها ما تخرم مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى دخلت على أبي بكر وهو في حشد من المهاجرين والانصار وغيرهم فنيطت دونها ملاءة (5) ثم أنت أنّة أجهش لها القوم بالبكاء وارتج المجلس فأمهلتهم حتى سكن نشيجهم وهدأت فررتهم افتتحت الكلام بحمد الله عز وجل ثم انحدرت في خطبتها:
                  ____________

                  (1) هذا الحديث ردته الزهراء والأئمة من بنيها وهو مع ذلك لا يصلح لأن يكون حجة عليها، إلا ان يكون لفظ صدقة مرفوعا على الاخبار به عن ما الموصولة في قوله: ما تركناه، ولا سبيل الى اثبات مجيئه مرفوعا. ولعل ما الموصولة في محل نصب على المفعولية بتركنا وصدقة حال من، ما فان الأموال التي تركها كان منها ما هو ملكه ومنها ما هو صدقة يضعها في مواضعها فلعله خشى صلى الله عليه وآله وسلم ان يتوهم متوهم بأن الأنبياء يورثون كل ما كان في قبضتهم سواء أكان ملكهم ام كان صدقة فقال: نحن لا نورث ما تركناه صدقة، ليعلم ان حالهم في هذه المسألة حال الناس.
                  (2) كما اعترف به شارحوا البخاري فراجع: ص157 من المجلد الثامن من كل من ارشاد الساري وتحفة الباري اذ ينتهيان فيهما الىهذا الحديث.
                  (3) انما يقولون: غضب فلان على أثارة ـ بالفتح ـ إذا كان غضبه مسبوقاً بغضب كغضب الزهراء لارثها مسبوقاً بغضبها لكشف بيتها.
                  (4) انما يقولون: استقل غضباً، اذا اشخصه فرط الغضب كما اشخص الزهراء من بيتها حتى دخلت على الخليفة محتجة.
                  (5) الملاءة: الازار والريطة ذات لفقين.
                  ------------------
                  تعظ القوم في أتم خطاب * حكت المصطفى به وحكاها

                  فخشعت الأبصار، وبخعت النفوس، ولولا السياسة ضاربة يومئذ بحرانها لردت شوارد الأهواء، وقادت حرون الشهوات، لكنها السياسة توغل في غاياتها لا تلوى على شئ.
                  ومن وقف على خطبتها في ذلك اليوم(1) عرف ما كان بينها وبين القوم (2) حيث أقامت على ارثها آيات محكمات هن (من) ام الكتاب حججاً
                  ____________

                  (1) السلف من بني علي وفاطمة يروي خطبتها في ذلك اليوم لمن بعده ومن بعده رواها لمن بعده، حتى انتهت الينا يداً عن يد، فنحن الفاطميين نرويها عن آبائنا وآباؤنا يروونها عن آبائهم، وهكذا كانت الحال في جميع الأجيال إلى زمن الأئمة من ابناء علي وفاطمة ودونكموها في كتاب احتجاج الطبرسي وفي بحار الأنوار وقد أخرجها من اثبات الجمهور واعلامهم ابو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري في كتاب السقيفة وفدك بطرق وأسانيد ينتهي بعضها إلى السيدة زينب بنت علي وفاطمة وبعضها إلى الامام أبي جعفر محمد الباقر، وبعضها إلى عبد الله بن الحسن بن الحسن يرفعونها جميعاً إلى الزهراء كما في: ص87 من المجلد الرابع من شرح النهج الحميدي، وأخرجها ايضاً أبو عبد الله محمد بن عمران المرزباني بالاسناد إلى عروة بن الزبير عن عائشة ترفعها الى الزهراء كما في: ص93 من المجلد الرابع من شرح النهج واخرجها المرزباني أيضاً كما في: ص94 من المجلد المذكور بالاسناد الى أبي الحسين زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عن أبيه عن جده يبلغ بها فاطمة عليها السلام، ونقل ثمة عن زيد انه قال رأيت مشائخ آل أبي طالب يرونها عن آبائهم ويعلمونها أولادهم.
                  (2) ومما كان بينها وبينهم ان قالت لأبي بكر حين منعها ارثها: لئن مت اليوم يا ابا بكر من يرثك؟ قال ولدي واهلي، قالت: ورئت انت رسول الله دون ولده واهله؟ قال: ما فعلت يا بنت رسول الله، قالت: بلى عمدت الى فدك وكانت صافية لرسول الله فأخذتها منها وعمدت الى ما انزل الله من السماء فرفعته عنا الحديث اخرجه ابو بكر بن عبد العزيز الجوهري في كتاب السقيفة وفدك (كما في: ص87 من المجلد الرابع من شرح النهج) بسنده الى مولى ام هاني، واخرجه الجوهري في كتابه المذكور(كما في: ص82 من المجلد الرابع من شرح النهج) بالاسناد الى ابى سلمة ان فاطمة لما طلبت ارثها قال لها ابو بكر: سمعت رسول الله يقول: ان النبي لا يورث ولكني أعول من كان النبي يعوله وانفق على من كان النبي ينفق عليه، فقالت يا أبا بكر أيرثك بناتك؟ ولا يرث رسول الله بناته؟ فقال: هو ذاك، وأخرج الامام احمد بالاسناد إلى أبي سلمة نحوه فراجع: ص10 من الجزء الأول من مسنده حيث أورد حديث أبي بكر، واخرج الجوهري في كتاب السقيفة وفدك ايضا (كما في: ص81 من المجلد الرابع من شرح النهج) بالاسناد الى ام هاني بنت ابي طالب: ان فاطمة قالت لأبي بكر من يرثك اذا مت؟ قال: ولدي واهلي، قالت: فما لك ترث رسول الله دوننا؟ قال: يا بنت رسول الله ما ورث ابوك شيئا. قالت: بلى سهم الله الذي جعله لنا وصار فيأنا وهو الآن في يدك، فقال لها: سمعت رسول الله يقول انما هي طعمة اطعمناها الله فاذا مت كانت بين المسلمين، وعن ابي الطفيل فيماخرجه الجوهري مثله، والاخبار في هذا هذا متواترة ولا سيما من طريق العترة الطاهرة وحسبك خطبتها العصماء التي اشرنا اليها في الاصل ولهاخطبة اخرى تتعلق بالخلافة أخرجها الجوهري في كتاب السقيفة وفدك (كما في ص87 من المجلد الرابع من شرح النهج) بالاسناد الى عبدالله بن الحسن بن الحسن عن امه فاطمة بنت الحسين قالت: لما اشتد بفاطمة بنت رسول الله الوجع وثقلت في علتها اجتمع عندها نساء المهاجرين والانصار فقلن لها: كيف أصبحت يا بنت رسول الله؟ قالت أصبحت والله عائفة لدنياكن، قالية لرجلكن، الخطبة. وهي من ابلغ المأثور عن أهل البيت عليهم السلام وقد أخرجها أيضاً الامام أبوالفضل أحمد بن أبي طاهر في ص23 من كتابه بلاغات النساء بالاسناد الى الزهراء واصحابنا يروونها بالاسناد الى سويد بن غفلة بن عوسجة الجعفي عن الزهراء، وقد أوردها المجلسي في البحار والطبرسي في الاحتجاج.

                  -------------------------
                  لا ترد ولا تكابر.
                  فكان مما أدلت به يومئذ أن قالت: أعلى عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم؟ إذ يقول (وورث سليمان داود) وقال فيما اقتص من خبر
                  -----------------------
                  زكريا: «فهب لي من لدنك ولياً يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله ربى رضياً» وقال: (واولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) وقال: (يوصيكم الله في أولادكم الذكر مثل حظ الانثيين) وقال: (كتب عليكم ـ اذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً ـ الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقاً على المتقين) .
                  ثم قالت: أخصكم الله بآية أخرج بها أبي؟: أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمي؟! أم يقولون: أهل ملتين لا يتوارثان؟ الخطبة...
                  فانظر كيف اجتجت أولا على توريث الأنبياء بآيتي داود وزكريا الصريحتين بتوريثهما ولعمرى انها عليها السلام اعلم بمفاد القرآن ممن جاؤوا متأخرين عن تنزيله فصرفوا الارث هاهنا الى وراثة الحكمة والنبوة دون الأموال تقديماً للمجاز على الحقيقة بلا قرينة تصرف اللفظ عن معناه الحقيقي المتبادر منه بمجرد الاطلاق وهذا مما لايجوز؛ ولو صح هذا التكلف لعارضها به أبو بكر يومئذ أو غيره ممن كان في ذلك الحشد من المهاجرين والأنصار وغيرهم (1) على ان هناك قرائن تعين وراثة الأموال كما أفاده سيدنا علم الهدى
                  ____________

                  (1) لكنهم لم يعارضوها يومئذ به ولا بشئ سوى المصادرة اذ اجابها ابو بكر بقوله: يا ابنة رسول الله وما خلق الله خلقاً احب الي من رسول الله ابيك صلى الله عليه واله وسلم ولوددت أن السماء وقعت على الارض يوم مات ابوك صلى الله عليه واله وسلم والله لان تفتقر عائشة احب الي من ان تفتقرى اتريننى اعطى الابيض والاحمر حقه واظلمك حقك؟ وانت بنت رسول الله وان هذا المال لم يكن للنبي وانما كان مالا من اموال المسلمين يحمل به النبي الرجال وينفقه في سبيل الله فلما توفي وليته كما كان يليه. قالت والله لا كلمتك ابداً، قال: والله لاهجرنك ابداً قالت: والله لأدعون الله عليك، قال: لأدعون الله لك. فلما حضرتها الوفاء اوصت ان لا يصلي عليها. الحديث أخرجه أبو بكر الجوهري بهذه الالفاظ في كتاب السقيفة وفدك (كما في ص80 من المجلد الرابع من شرح النهج) وتراه ما عارضها فيما فهمته من التوريث في آيتي داود وزكريا وإنما عارضها بدعواه ان هذا المال لم يكن للنبي فلم تقنع منه إذ هي علم بشؤون أبيها ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.
                  ---------------
                  في كتابه الشافي (1).
                  واحتجت ثانياً على استحقافها الارث من أبيها صلى الله عليه واله وسلم بعموم آيات المواريث وعموم آية الوصية منكرة عليهم تخصيص تلك العمومات بلا مخصص شرعي من كتاب أوسنة، وما اشد انكارها على وجود المخصص في الكتاب إذ قالت: اخصكم الله بآية أخرج بها أبي ثم قالت. ام أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمي؟ فنفت بهذا الاستفهام التوبيخي وجود المخصص في السنة بل نفت وجوده مطلقاً، إذ لو كان ثمة مخصص لبينه لها النبي والوصي ويستحيل عليهما الجهل به لو كان في الواقع موجوداً ولا يجوز عليهما أن يهملا تبيينه لها لما في ذلك من التفريط في البلاغ والتسويف في الانذار والكتمان للحق والاغراء بالجهل والتعريض لطلب الباطل والتغرير بكرامتها والتهاون في صونها عن المجادلة والمجابهة والبغضاء والعداوة بغير حق وكل ذلك محال ممتنع على الانبياء واوصيائهم عليهم السلام.
                  وبالجملة: كان كلف النبي صلى الله عليه واله وسلم ببضعته الزهراء واشفاقه عليها فوق كلف
                  _______
                  (1) حيث اعتبر (اعلى الله مقامه) خوف زكريا من الموالي قرينة على انه انما اراد وراثة الاموال لان الموالي كانوا ورثته اذ لم يكن له ولد وكانوا من سفهاء الفسقة فلا يمكن ان يكونوا انبياء ولا حكماء ليخاف ان يرثوا مكانته من العلم والحكم والنبوة وإنما كان يخشى ان يرثوا امواله فيصرفوها في عيثهم وفسادهم فسأل ربه أن يهب له ولداً ليكون أحق بوراثه أمواله منهم ـ و اعتبر ايضا (قدس سره) شرط زكريا على ربه ان يجعل وارثه رضيا قرينة اخرى على ارادة ارث المال اذ لو اراد ارث النبوة لكان هذا الشرط لغواً وجهلا وكان جاريا فيه مجرى من يقول أللهم ابعث لنا نبيا واجعله صادقاً غير كاذب.
                  -------------------
                  الآباء الرحيمة واشفاقهم على ابنائهم البررة يؤويها الى الوارف من ظلال رحمته ويفديها بنفسه (1) مسترسلا اليها بأنه، وكان يحرص بكل مالديه على تأديبها وتهذيبها وتعليمها وتكريمها حتى بلغ في ذلك كل غاية يزفها المعرفة بالله والعلم بشرائعه زقاً لا يألوا في ذلك جهداً ولا يدخر وسعاً حتى عرج بها إلى اوج كل فضل، ومستوى كل مكرمة فهل يمكن أن يكتم عليها أمراً يرجع إلى تكليفها الشرعي؟ حاشا لله وكيف يمكن أن يعرضها (بسبب الكتمان) لكل ما أصابها من بعده في سبيل الميراث بل يعرض الأمة للفتنة التي ترتبت على منع ارثها؟.

                  تعليق


                  • #24
                    وما بال خليل النبوة، والمخصوص بالاخوة، يجهل حديث: نحن لا نورث (مع ما آتاه الله من العلم؛ والحكم، والسبق، والصهر؛ والقرابة والكرامة، والمنزلة، والخصيصة؛ والولاية، والوصاية، والنجوى) وما بال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يكتم ذلك عنه، وهو حافظ سره، وكاشف ضره، وباب مدينة علمه؛ وباب دار حكمته، واقضى أمته، وباب حطتها، وسفينة نجاتها وامانها من الاختلاف؟.. وما بال أبي الفضل العباس وهو صنو أبيه، وبقية السلف من أهليه، لم يسمع بذلك الحديث؟ وما بال الهاشميين كافة وهم عيبته وبيضته التي تفقأت عنه لم يبلغهم الحديث حتى فوجئوا به بعد النبي صلى الله عليه واله وسلم؟. وما بال أمهات المؤمنين يجهلنه فيرسلن عثمان يسأل لهن ميراثهن من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ (2) وكيف يجوز على رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أن يبين هذا الحكم لغير الوارث
                    ____________

                    (1) ذكرها صلى الله عليه واله وسلم مرة فقال: فداؤها أبوها فداؤها أبوها فداؤها أبوها (ثلاث مرات) في حديث أخرجه الامام أحمد بن حنبل ونقله عنه وعن غيره ابن حجر في الامر الثاني من الامور التي ذكرها في خاتمة الآية الرابعة عشر من الآيات التي اوردها في الفصل الاول من الباب الحادي عشر من صواعقه: 109.
                    (2) فيما أخرجه ابو بكر الجوهري في كتاب السقيفة وفدك كما في: ص83 من المجلد الرابع من شرح النهج الحميدي.


                    --------------------------------------------------------------------------------



                    ويدع بيانه للوارث؟ ما هكذا كانت سيرته صلى الله عليه واله وسلم إذ يصدع بالأحكام فيبلغها عن الله عز وجل ولا هذا هو المعروف عنه في انذار عشيرته الاقربين، ولا مشبه لما كان يعاملهم به جميل الرعاية وجليل العناية.
                    بقى للطاهرة البتول كلمة استفزت بها حمية القوم؛ واستثارت حفائظهم بلغت بها ابعد الغايات، ألا وهي قولها: أم تقولون أهل ملتين لا يتوارثان تريد بهذا ان عمومات المواريث لا تتخصص بمثل ما زعمتم وإنما تتخصص بمثل قوله صلى الله عليه واله وسلم لا توارث بين أهل ملتين واذن فهل تقولون (إذ تمنعونني الارث من أبي): انى لست على ملته فتكونون (لو اثبتم خروجي من الملة) على حجة شرعية فيما تفعلون؟ فانا لله وانا اليه راجعون.
                    وبالجملة: أخفقت الزهراء يومئذ في طلبها بسبب هذا الحديث وقد انفرد الخليفة به فلم يروه على عهده احد سواه، وربما قيل بأنه قد رواه معه مالك بن أوس بن الحدثان (1).
                    نعم ذكروا أنه ترافع علي والعباس الى عمر أيام خلافته وكان عنده حينئذ عثمان وعبد الرحمن والزبير وسعد فقال لهم (2) هل تعلمون ان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال: لا نورث ما تركنا صدقة، فاضطر الرهط إلى التصديق، ولم يسعهم في تلك الظروف سوى الاذعان للخليفتين.
                    اما أبو هريرة فلم يكن تلك الايام في غيرها ولا نفيرها، ولا كان ممن يصغي اليهم أو يؤبه بهم وكان متهما في لهجته لا يجرأ مع وجود اولئك الاعلام على الحديث، ولا يرى في نفسه أهلية الانضواء الى من ينتصر الخليفة بروايته
                    ____________

                    (1) فيما نص عليه جماعة من الاثبات فراجع صفحة: 91 من المجلد الرابع من شرح النهج.
                    (2) فيما اخرجه البخاري: 2/124 من صحيحه في باب فرض الخمس.


                    --------------------------------------------------------------------------------



                    لذلك لم ينبس في هذا الموضوع يومئذ ببنت شفة حتى ذهب معظم الصحابة وفتحت الامصار كالشام ومصر وافريقيا والعراق وفارس والهند وغيرها، واسلم اهلوها جميعاً، فدخل المسلمون في دور جديد قد نوه بنو أمية فيه باسم أبي هريرة، واشادوا بذكره، فاطلقوا عنه ربقة الخمول؛ وكسوه نضره بعد الذبول؛ فتسنى له حينئذ أن يقول ما شاء أن يقول، فكان هذا الحديث مما تزلف به إلى ساسة الامة وسوقتها، لما فيه من تأييد الخليفة المحبوب، تأييده لدى الرأي العام وجمهور المسلمين.

                    21 ـ أبو طالب أبى الشهادتين

                    قال أبو هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لعمه أبي طالب: قل لا إله إلا الله أشهد لك بها يوم القيامة، قال: لولا أن تعيرني قريش يقولون إنما حمله على ذلك الجزع لأفررت بها عينيك، فأنزل الله تعالى: (إنك لا تهدي من احببت ولكن يهدي من يشاء) أ هـ.
                    وقال في مقام آخر: قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لعمه عند الموت: قل لا إله إلا الله أشهد لك بها يوم القيامة فأبى، قال: فانزل الله تعالى الحديث (1).
                    ان أبا طالب رضوان الله وبركاته ورحمته عليه قضى في مكة سنة عشر للبعثة قبل الهجرة بثلاث سنين؛ وقيل بل قضى سنة تسع؛ وقيل سنة ثمان قبل قدوم أبى هريرة إلى الحجاز بعشر سنين في أقل ما يفرض فأين كان أبو هريرة عن النبي وعمه عليه السلام؟ وهما يتبادلان الكلام الذي ارسله عنهما كأنه رآهما بعينيه وسمع كلامهما بأذنيه؟ نعوذ بالله ممن لم يكن لدينه ولا لعقله على لسانه رقيب
                    ____________

                    (1) أخرجه والذي قبله مسلم في: 1/31 من صحيحه من طريقين عن يزيد بن كيسان عن ابي حازم عن ابي هريرة.


                    --------------------------------------------------------------------------------




                    ان هذا الحديث مما ارتجله المبطلون تزلفاً لأعداء آل أبى طالب، وعلمت الدولة الأموية في نشره أعمالها، وقد كفانا السلف الصالح من أعلامنا مؤنة الاهتمام بتزييفه وتلك مؤلفاتهم تثبت إيمانه بادلة لا تجحد، وحجج لا تكابر نحيل عليها من أراد الوقوف على الحقيقة (1) من شأن عم رسول اللة ومربيه وكافله وحاميه المنادي:
                    ____________

                    (1) حسبك منها كتاب الحجة على الذاهب الى تكفير أبي طالب لمؤلفه الامام شمس الدين ابي على فخار بن الشريف معد الموسوي وهذا الكتاب طبع في المطبعة العلوية في النجف الأشرف سنة 1351 وعليه تعليقة شريفة للشريف العلامة البحاثة السيد الصادق الحسني الطباطبائي النجفي تصدى في آخرها لذكر المؤلفات في هذا الموضوع ومؤلفيها، فكان مما ذكره كتاب ولدي الأكبر ابي عبدالرؤوف عافاه الله وشافاه، قال الطباطبائي: وشيخ الأبطح أو ابو طالب للعلامة السيد محمد على آل شرف الدين الموسوي العاملي دام علاه طبع في بغداد سنة 1349 قال وهذا الكتاب خير كتاب الف في هذا الموضوع حلل فيه نفسيه شيخ الأبطح وبين ماله من الفضل وكبير القدر في جميع أدوار حياته وبحق ظهر للوجود وحيداً في بابه تأريخاً فلسفياً علمياً جيد التبويب والترتيب مفرغا في قالب بديع متين، واسلوب جذاب، والفاظ قوية بليغة اثبت ايمان ابي طالب عليه السلام واسلامه بادلة قطعت الخصام براهين سطعت فأماطت عن وجه الحقيقة ستر الظلام ولذا لم يمض على طبعه اكثر من شهر واحد حتى انتشر في الاقطار الاسلامية جمعاء وبعد مضي خمسة اشهرمن تاريخ طبعه ترجمة في لكنهور (احدى حواضر الهند الكبرى) العالم الفاضل السيد ظفر مهدي الى اللغة الهندية (الاوردية) ونشر بتلك اللغة ايضاً (اولا) في الجزء: 8, 9, 10 من المجلد الخامس من مجلة سهيل يمن ثم طبعه ثانياً مستقلا. وتقديراً لجهود مؤلفه الجليل أتيت بكلمتي هذه كما قدر جهوده قبلي جمهور من الاماثل فقد اطلعت على الكتب التي جاءت للمؤلف من الاقطار في اطراء كتابه وهي كثيرة وفيها التفاريظ القيمة من العلماء الاعلام ومن ملوك الاسلام (فمنهم) من آتاه الله من فضله العلم والملك وجمع له بين السلطتين الدينية والزمنية عاهل اليمن الامام يحيى خلد الله ملكه. وأما تفاريظ الصحف في العراق وسوريا ومصر، فقد كانت حافلة بالشكر والثناء والمدح والاطراء كثر الله في رجال العلم والعمل امثال السيد المؤلف ولا حرم العالم الاسلامي من ثمرات جهوده وجزاه عن جده أبي طالب وعن الحقيقة خير جزاء المحسنين.


                    --------------------------------------------------------------------------------




                    يا شاهد الله علي فاشهد * أني على دين النبي أحمد

                    ذي الأيادي التي هي من المسلمين طوق الهوادي، شيخ الأباطح وبيضة البلد:ـ

                    لولاه ما شد أزر المسلمين ولا * عين الحنيفة سالت في مجاريها


                    آوي وحامي وساوي قيد طاقته * عن خير حاضرها طراً وباديها


                    ما كان ذاك الحفاظ المرأطة أر * حام وضرب عروق فارغاليها


                    بل للإله كما فاهت روائعه الـ * عصماء في كل شطر من قوافيها


                    ضاقت بما رحبت أم القرى برسو* ل الله من بعده واسود ضاحيها


                    فانصاع يدعو له بالخيرمبتهلا * بدعوة ليس بالمجبوه داعيها


                    لو لم تكن نفس عم المصطفى طهرت * ما فاه فوه بما فيه ينجيها


                    عاماً قضى عمه فيه وزوجته * قضاه بالحزن يبكيه ويبكيها


                    اعظم بايمان مبكي المصطفى سنة * أيامها البيض أدجى من لياليها


                    من صلبه انبثت الانوار قاطبة * فالمرتضى بدؤها والذخر تاليها (2)

                    تعليق


                    • #25
                      ـ الانذار يوم الدار

                      أخرج الشيخان عن أبي هريرة (3) قال: قام رسول الله صلى الله عليه واله وسلم حين
                      ____________

                      (1) ولأبي طالب اشعار كثيرة سائرة تثبت ايمانه.
                      (2) هذه الابيات من القصيدة العلوية العصماء ذات البروج لناظم عقودها سلطان العلماء وامير الشعراء الشيخ عبد الحسين الصادقي العاملي قدس سره.
                      (3) راجع من صحيح البخاري: 2/86 في باب هل يدخل النساء والولد في الاقارب من كتاب الوصايا حيث أخرجه ثمة من حديث الزهري عن سعيد بن المسيب وابي سلمة عن أبي هريرة، واخرجه مسلم من طريق عبد الملك بن عمير ومن طريق الزهري عن ابن المسيب وابي سلمة عن ابي هريرة، وله طرق اُخر عن ابي هريرة في مسند احمد وغيره.


                      --------------------------------------------------------------------------------


                      أنزل الله عليه: (وانذر عشيرتك الأقربين) فقال: يا معشر قريش لا أغنى عنكم من الله شيئاً، يا بني عبدمناف لا أغنى من الله شيئاً، يا عباس لا أغنى عنك من الله شيئاً يا صفية لا أغنى عنك من الله شيئاً، يافاطمة بنت محمد سليني من مالي ما شئت لا أغنى عنك من الله شيئاً.
                      (قلت): هذه الآية إنما نزلت في مبدأ البعثة قبل الاسلام بمكة حيث كان أبو هريرة في اليمن، وإنما كان قدومه إلى الحجاز، واسلامه بعد نزولها بعشرين سنة تقريباً، وقد بتر أبو هريرة هذا الحديث وحرفه عن مواضعه جرياً على مقتضيات السياسة السفيانية وموجبات دعايتها ضد الوصي وسائر آل النبي فانه صلى الله عليه واله وسلم جمع عشيرته الأقربين يوم نزول الآية وفيهم أعمامه أبو طالب وحمزة والعباس رضي الله عنهم، وأبو لهب تبت يداه. فدعاهم الى الله عز وجل وكان مما قاله يومئذ لهم: فأيكم يوازرني على أمري هذا على ان يكون أخي ووزيري ووصيي ووارثي وخليفتي؟ فقال عليّ وهو إذ ذاك أصغرهم: أنا يانبي الله أكون وزيرك عليه فأخذ رسول الله صلى الله عليه واله حينئذ برقبته فقال: ان هذا اخي ووزيري ووصيي ووارثي وخليفتي فيكم فاسمعوا له واطيعوا الحديث (1).
                      ____________

                      (1) هذا الحديث من صحاح السنن كما بيناه في اول المبحث الثاني من المراجعات حيث فصلنا من أخرجه من اصحاب السنن والمسانيد وارباب السير والتواريخ من المسلمين وغيرهم فلا مندوحة لكل بحاثة عن (المراجعات) فان ثمة ما تشتهي الا نفس وتلذ الأعين.


                      --------------------------------------------------------------------------------





                      23 ـ لعب الحبشة في المسجد عند النبي صلى الله عليه وآله

                      أخرج البخاري عن أبي هريرة قال: بنا الحبشة يلعبون في المسجد عند النبي صلى الله عليه وآله بحرابهم دخل عمر فأهوى الى الحصى فحصبهم بها فقال النبي صلى الله عليه وآله دعهم يا عمر الحديث (1).
                      «قلت»: ان رسول الله صلى الله عليه وآله أبعد عن اللعب، وأرفع عن العبث وأعرف بحرمات الله ورسوله من أن يوسع للجهال مجالا إلى اللهو في المسجد بمحضر منه، وأن أوقاته الشريفة المفعمة بالمهمات الأخروية والدنيوية لا تتسع للهو منها شيء، وحاشا لله أن يشغل مسجده الشريف بعبث أو لهو أو لغو «كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا».

                      24 ـ النسخ قبل حضور وقت العمل

                      أخرج البخاري (2) عن أبي هريرة قال: بعثنا رسول الله في بعث فقال صلى الله عليه واله وسلم: إن وجدتم فلاناً وفلاناً فاحرقوهما بالنار (قال): ثم قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لنا حين أردنا الخروج أني امرتكم ان تحرقوا فلاناً وفلاناً وان النار لا يعذب بها إلا الله تعالى فان وجدتموهما فاقتلوهما أ هـ.
                      (قلت): هذا الحديث باطل، لاشتماله على النسخ قبل حضور وقت العمل وذلك محال على الله تعالى وعلى رسوله صلى الله عليه واله وسلم كما هو مقرر في محله فان رسول الله حين قال: احرقوا فلاناً وفلاناً فانما قال ذلك عن الله عز وجل: (وما
                      ____________

                      (1) في باب اللهو بالحراب: 2/120 من صحيحه في كتاب الجهاد والسير.
                      (2) في باب لا يعذب بعذاب الله: 2/114 من صحيحه في كتاب الجهاد والسير.


                      --------------------------------------------------------------------------------



                      ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى) فكيف يمكن نسخ هذا القول قبل حضور وقت العمل به أليس نسخه والحال هذه مستلزماً للجهل؟ تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً.

                      25 ـ ايقاع الفعل في وقت لا يسعه

                      أخرج البخاري عن أبي هريرة يرفعه قال: خفف على داود القرآن فكان يأمر بدابته فتسرج فيقرأ القرآن قبل أن تسرج، الحديث (1).
                      (قلت): هذا محال من وجهين:ـ
                      أحدهما: ان القرآن انما انزل على خاتم الانبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه واله وسلم وقبله لم يكن، فكيف يقرؤه داود عليه السلام.
                      أجابوا بأن المراد بالقرآن هنا إنما هو الزبور والتوراة وانه إنما سماه قرآنا لوقوع المعجزة بهما كوقوعها بالقرآن فيكون المراد به مصدر القراءة لا القرآن المنزل على محمد صلى الله عليه واله وسلم (2).
                      قلت: في هذه الجواب نظر، إذ حملوا فيه كلام أبي هريرة على ما لم يقصده والله أعلم.
                      ثانيهما: ان مدة اسراج الدابة لتضيق عن قراءة القرآن، سواء أريد به المنزل على رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أم أريد به الزبور والتوارة، ومن المقرر بحكم الضرورة العقلية امتناع وقوع الفعل في وقت لا يسعه، وهذا مما لا سبيل الى التشكيك فيه أبداً.
                      ____________

                      (1) راجعه في باب قوله تعالى: (وآتينا داود زبورا) : 3/101 من صحيحه في كتاب تفسير القرآن، وتجده ايضا في احاديث الانبياء عليهم السلام: 2/164 من صحيحه في كتاب بدء الخلق.
                      (2) تجد هذا الجواب في اول: 8/500 من ارشاده الساري عند انتهائه إلى هذا الحديث من شرح صحيح البخاري.


                      --------------------------------------------------------------------------------



                      واذن لا يؤبه بما ذكره العلامة القسطلاني في هذا المقام من ارشاد ساري إذ قال (1) وقد دل هذا الحديث على ان الله تعالى يطوي الزمان لمن شاء من عباده كما يطوي المكان لهم (قال): قال النووي إن بعضهم كان يقرأ أربع ختمات بالليل واربعاً بالنهار، ولقد رأيت أبا الطاهر بالقدس الشريف سنة سبع وستين وثمان مائة وسمعت عنه إذ ذاك أنه كان يقرأ فيهما أكثر من عشر ختمات بل قال لي شيخ الاسلام البرهان ين أبي الشريف أدام الله النفع بعلومه عنه أنه كان يقرأ خمس عشرة ختمة في اليوم والليلة (قال): وهذا باب لا سبيل إلى ادراكه إلاّ بالفيض الرباني انتهى بلفظه.
                      (قلت): بل لا سبيل إلى امكانه إلا اذا امكن وضع الدنيا على سعتها في البيضة على ضيقها.
                      وأولو الألباب يعلمون ان طي الزمان وطي المكان كليهما مما لا حقيقة له، ولو فرض وقوعهما فلا وجه لطي الزمان هنا اذ بطيه يزداد الاشكال.
                      نعم لو قال بطي الكلام في هذا المقام لكان أنسب لمراده وان كان باطلا.
                      ولا يمكن أن يكون ما نقله في هذا الحديث عن داود معجزة له عليه السلام لأن معجزات الانبياء خوارق للعادة وهذا خارق للعقل كما لا يخفي.

                      تعليق


                      • #26
                        26 ـ امة مسخت فأراً

                        أخرج الشيخان عن أبي هريرة مرفوعاً (1) قال: فقدت امة من بني
                        ____________

                        (1) في: 7/182 حيث تكلم في شرح هذا الحديث فراجع وحين تكلم في شرحه ايضاً في: 8/500 اعاد هذه القصص وزاد ان رجلا من اليمن ختم القرآن في شوط واحد من اشواط الطواف أو في اسبوع فتأمل واعجب.
                        (2) في: 2/149 من الجزء الثاني من صحيح البخاري في كتاب بدء الخلق، وفي باب الفأر وأنه مسخ: 2/536 من صحيح مسلم.


                        --------------------------------------------------------------------------------


                        اسرائيل لا تدري ما فعلت وإني لا أراها الا الفأر إذا وضع لها البان الابل لم تشرب وإذا وضع لها ألبان الشاة شربت (1) الحديث.
                        (قلت): هذا من السخافة بمثابة ترباً عنها الامة الوكعاء إلا أن تكون مدخولة العقل؛ لكن الشيخين يلبسان هذا المخرف على غثيثته (2) ويحتجان به على سخافته ولو أن هذا لا يعود على الاسلام بوصمة لقلدناه حبله لكنها السنة المعصومة يجب الذود عن حياضها بكل ما أوتي المسلم من قوة علمية وعملية، فان هذه الخرافات من اعظم ما مني به الاسلام من الآفات فانا لله وانا اليه راجعون.

                        27 ـ المكروه عليه فاعتذر بسماعه من الفضل

                        أخرج مسلم من طريق عبد الملك بن ابي بكر بن عبد الرحمن عن أبي بكر قال: سمعت ابا هريرة يقص في قصصه (3): من أدركه الفجر جنباً فلا يصم، قال: فذكرت ذلك لعبد الرحمن بن الحرث لأبيه (4) فأنكر ذلك فانطلق عبد الرحمن وانطلقت معه حتى دخلنا على عائشة وأم سلمة فسأله عبد الرحمن عن ذلك قال: فكلتاهما قالت كان النبي صلى الله عليه واله وسلم يصبح جنباً غير حلم (5) ثم
                        ____________

                        (1) اين أولو الألباب ينظرون إلى هذا التخريف في أصل الدعوى وفي دليلها وقد لا يخفى أن الدليل أظهر في السخافة من جهات شتى.
                        (2) أي فساد عقله.
                        (3) لا يخفي ازدراؤه بأبي هريرة إذ جعله قصاصاً، والقصاص في اللغة ما يقرأ القصص في مجتمعات الناس ليأخذ منهم الجزاء عليها واكثر القصاصين مخرفون.
                        (4) هكذا هو في جميع النسخ وهو صحيح ومعناه ذكره ابو بكر لأبيه عبد الرحمن فقوله لأبيه بدل من عبد الرحمن لاعادة حرف الجر.
                        (5) ان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أجل وأفضل وأكمل مما يظنون وحاشاه أن يصبح جنبا ولا سيما في ايام الصوم والأنبياء ولايجوز عليهم الاحتلام لأنه من تلاعب الشيطان وهم منزهون عنه.


                        --------------------------------------------------------------------------------

                        يصوم قال فانطلقنا حتى دخلنا على مروان وهو والي المدينة من قبل معاوية فذكر ذلك له عبد الرحمن فقال مروان: عزمت عليك الا ما ذهبت الى أبي هريرة فرددت عليه ما يقول (1) قال فجئنا أبا هريرة فذكر عبد الرحمن له ذلك فقال أبو هريرة أهما قالتا لك؟ قال: نعم، قال هما اعلم؛ ثم رد أبو هريرة ما كان يقول في ذلك الى الفضل بن العباس فقال: سمعت ذلك من الفضل ولم اسمعه من النبي صلى الله عليه واله وسلم قال: فرجع أبو هريرة عما كان يقول الحديث. (2).
                        قلت: من المعلوم ان الفضل بن العباس قد توفي على عهد أبي بكر (3) وهذه القضية انما كانت على عهد معاوية (4) وبهذا تسنى لأبي هريرة أن يقول سمعت ذلك من الفضل ولم أسمعه من رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ولو كان الفضل حياً ما اجترأ عليه.

                        28 ـ حديثان متناقضان

                        أخرج البخاري (5) من طريق أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعاً لا
                        ____________

                        (1) أراد مروان بهذا النصح لأبي هريرة اشقاقا عليه من الفضيحة إذا لم يتدارك خطأه قبل أن يتسع الفتق.
                        (2) تجده في باب: صحة صوم من طلع عليه الفجر وهو مجنب: 1/412 من صحيح مسلم في كتاب الصوم فراجع.
                        (3) هذا هو الصحيح، وقيل مات على عهد عمر وعلى كل فقد قبل هذه الواقعة باجماع اهل الاخبار فراجع ترجمته في الاستيعاب والاصابة واسد الغابة وطبقات ابن سعد وغيرها.
                        (4) حيث كان مروان واليا على المدينة من قبل معاوية كما سمعت النص عليه في هذا الحديث.
                        (5) في باب لا هامة: 4/15 من صحيحه في أواخر كتاب الطب، وأخرجه مسلم ايضا في باب لا عدوى ولا طيرة في: 258 والتي بعدها من الجزء الثاني من صحيحه.


                        --------------------------------------------------------------------------------


                        عدوى ولا صفر (1) ولا هامة (2) قال فقال اعرابي يا رسول الله فما بال الابل تكون في الرمل كأنها الظباء فيخالطها البعير الأجرب فيجربها؟. فقال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فمن اعدى الأول؟.
                        أورد البخاري هذا الحديث ثم روى بعده بلا فصل عن أبي سلمة أنه سمع أبا هريرة فيما بعد يحدث فيقول قال النبي صلى الله عليه واله وسلم لا يوردن ممرض على مصح فقال أبو سلمة يا أبا هريرة ألم تحدث أنه لا عدوى قال فانكر حديثه الأول (3) ورطن بالحبشية (4).
                        (قلت): هذا شأن من لا تتسابر خيلاه (5) وكفى بهذا بلاغاً للناس: (ولينذروا به ـ وليذكّر اولو الألباب) .
                        أخرج الشيخان (1) عن أبي هريرة مرفوعاً من حديث قال فيه‎: وكان
                        ____________

                        (1) لعله نفى لما يتوهم من حصول الدواهي في شهر صفر او في آخر اربعاء منه.
                        (2) الهامة: بتخفيف الميم على الافصح طائر كان اهل الجاهلية يزعمون ان روح الميت وقيل عظامه تنقلب هامة، فابطل الاسلام هذه الخرافة، وقد يقال ان الهامة هنا هي البومة يتشاءمون بها، فأبطل هذا التشاؤم.
                        (3) قد اتسع الخرق (بانكاره) على الراقع إذ لا محل بعده لتأويل الحديثين بحملهما على وجه يرتفع به تناقضهما كما لا يخفى.
                        (4) إنما رطن بالحبشية حيث ارتجت عليه العربية فأخذ من جميع نواحيه فلم يجد سبيلا إلا الرطانة.
                        (5) أي لا تسير في طريق واحد والمراد انه لا يوثق بأقواله لتناقضها.
                        (6) راجع باب: واذكر في كتاب مريم: 2/167 من صحيح البخاري في كتاب بدء الخلق واخرجه ايضا في: 2/49 وفي: 1/143، اما مسلم فاخرجه في: 2/377 من صحيحه في باب تقديم بر الوالدين على التطوع بالصلاة وغيرها من كتاب البر والصلة والآداب.


                        --------------------------------------------------------------------------------



                        في بني اسرائيل رجل يقال له جريج كان يصلي فجاءته أمه فدعته فقال أجيبها أو أصلي؟ فقالت امه أللهم لا تمته حتى تريه وجوه المومسات (قال وكان جريج في صومعته) فتعرضت له امرأة فأبى فأتت راعياً فأمكنته من نفسها فولدت غلاماً فقالت من جريج فاتوه فكسروا صومعته وانزلوه وسبوه فتوضأ! (1) وصلى ثم اتى الغلام فقال من أبوك يا غلام؟ فقال (الغلام ان أبى لهو) الراعي! قالوا نبني صومعتك من ذهب قال لا إلا من طين (قال أبو هريرة) وكانت امرأة ترضع ابنا لها من بني اسرائيل فمر بها رجل راكب ذو شارة. فقالت: أللهم اجعل ابني مثله فترك ثديها واقبل على الراكب فقال: أللهم لا تجعلني مثله! ثم اقبل على ثديها يمصه قال (أبو هريرة) كأني انظر الى النبي صلى الله عليه واله وسلم يمص اصبعه! ثم مرت أم الغلام بأمة فقالت أللهم لا تجعل ابني مثل هذه فترك الغلام ثدي أمه فقال أللهم اجعلني مثلها! فقالت له أمه لم ذاك؟ فقال لها: الراكب جبار من الجبابرة وهذه الأمة يقول لها الناس سرقت زينب ولم تفعل! أ هـ.
                        (قلت): لم يكن جريج من الأنبياء، وكذلك هذان الطفلان، فلا يمكن أن تصدر على ايديهم خوارق العادات، فان الخوارق انما تكون من النبيين في مقام تعجيز البشر اثباتاً لنبوتهم كما هو مقرر في محله وكلام هذين المولودين واخبارهما بالمغيبات مما تأباه فطرة الله: (التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن اكثر الناس لا يعلمون) .

                        30 ـ توكيله بحفظ زكاة الفطرة ومجئ الشيطان في ثلاث ليالي ليسرق منها

                        أخرج البخاري بسنده (2) الى ابي هريرة قال: وكلني رسول الله صلى الله عليه واله وسلم
                        ____________

                        (1) كأن ابا هريرة لم يعلم ان الوضوء لم يكن مشروعا قبل الاسلام.
                        (2) في الصفحة الثانية من كتاب الوكالة وهي: 2/ 29 من صحيحه.


                        --------------------------------------------------------------------------------

                        بحفظ زكاة رمضان فأتاني آت فجعل يحثو من الطعام فأخذته وقلت والله لأرفعنك الى رسول الله قال أني محتاج وعليّ عيال ولي حاجة شديدة؛ قال: فخليت عنه، فأصبحت فقال النبي صلى الله عليه واله وسلم يا أبا هريرة ما فعل اسيرك البارحة؟ فقلت: يا رسول الله شكا حاجة شديدة وعيالا فرحمته قخليت سبيله؛ قال صلى الله عليه واله وسلم اما انه قد كذبك وسيعود قال فرصدته فجاء يحثو من الطعام فأخذته فقلت لأرفعنك الى رسول الله قال: دعني فاني محتاج وعلي عيال لا أعود فرحمته فخليت سبيله؛ فأصبحث فقال لي رسول الله: يا أبا هريرة ما فعل اسيرك البارحة؟ قلت يا رسول الله شكاً حاجة شديدة وعيالا فرحمته! فخليت سبيله! قال: صلى الله عليه واله اما أنه قد كذبك وسيعود، قال: فرصدته الثلاثة فجاء يحثو من الطعام فأخذته فقلت لأرفعنك الى رسول الله قال: دعني اعلمك كلمات ينفعك الله بها اذا آويت الى فراشك فاقرأ آية الكرسي فانك لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربنك شيطان حتى تصبح! فخليت سبيله فلما أصبحت قال لي رسول الله ما فعل أسيرك البارحة؟ فحكيت له القصة فقال أتعلم من تخاطب منذ ثلاث ليال يا أبا هريرة؟ قلت لا قال صلى الله عليه واله ذلك شيطان! أ هـ.
                        (أقول): هذه خرافة لا يصغى اليها الا من رك عقله، وطفئت شعلة ذهنه، تدهور أبو هريرة بها في مهواة سحيقة فان رحمة هذا السارق فرع تصديقه وفي تصديقه تكذيب لقول رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: أما انه قد كذبك، يكرر ذلك ثلاث مرات.
                        وكبا أبو هريرة في هذا الحديث ليديه وفمه من جهة أخرى: اذ حلف بالله ليرفعنه الى رسول صلى الله عليه واله وسلم فحنث ولم يرفعه بل خلى عنه ورحمه أولا وثانياً وثالثاً، فهل كان الحنث بالإيمان على رأي أبي هريرة مباحاً؟.
                        وهناك سقطة ثالثة وعثرة لا تقال اذ لم يكن أبو هريرة وكيلا بالعطاء


                        -------------------------------------------------------------------------------

                        وانما كان ـ فيما زعم ـ وكيلا يحفظ الزكاة (1) فكيف ترك هذا االسارق يأخذ منها؟! وهل يجوز للوكيل بحفظ الشئ أن يتسامح في حفظه أولا وثانياً وثالثاُ؟ وهل هذا التسامح من الأمانة في شئ؟!.
                        وما أغرب ما يحدثنا به أبو هريرة عن شياطينه ـ وكل ما انفرد به أبو هريرة غريب ـ تارة يزعم أنهم يسرقون الطعام لعيالهم وأخرى ان لهم ضراطاً اذا سمعوا الأذان، وثالثة أنهم يربطون بسارية المسجد فتراهم الناس موثوقين؛ الى غير ذلك من القصص التي يربأ أولو العقول الوافرة، والأذهان النيرة عن سماعها، نعوذ بالله من سبات العقل، وضعف التميز.

                        تعليق


                        • #27
                          31 ـ اسلام امه بدعاء النبي، ودعاؤه صلى الله عليه واله وسلم بأن يحببهما إلى المؤمنين ويحبب المؤمنين اليهما

                          أخرج مسلم (2) بسنده إلى أبي هريرة قال: كنت ادعو أمي إلى الاسلام وهي مشركة فدعوتها يوما فاسمعتني في رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ما أكره فأتيت رسول الله وانا ابكي قلت يا رسول الله اسمعتني امي فيك ما اكره فادع الله أن يهديها
                          ____________

                          (1) كما هو صريح قوله في اول هذا الحديث: وكلنى رسول الله بحفظ زكاة رمضان. وقد صرح الزركشي وغيره ان ابا هريرة ام يكن وكيلا بالعطاء بل بالحفظ خاصة فراجع: 5/231 من ارشاد الساري للقسطلاني اثناء شرحه لهذا الحديث.
                          (2) في باب فضائل ابي هريرة : 2/357 من صحيحه، واخرجه الامام احمد من حديث ابي هريرة في آخر: 2/319 من مسنده، واخرجه ابن سعد في ترجمة ابي هريرة: 54 من القسم الثاني من الجزء الرابع من طبقاته، ونقله ابن حجر العسقلاني في ترجمة اميمة بنت صفيح من اصابته عن مسلم ونقله في ترجمة ابي هريرة من الاصابة ايضا عن احمد بن حنبل والحديث موجود في الجمع بين الصحيحين والجمع بين الصحاح الستة.


                          --------------------------------------------------------------------------------



                          فقال صلى الله عليه واله وسلم أللهم اهد ام أبي هريرة فخرجت مستبشراً فلما بلغت الباب فاذا هو مجاف (1) فسمعت ام وطء قدمي فقالت: مكانك يا أبا هريرة وسمعت خضخضة الماء فاغتسلت ولبست درعها وعجلت عن خمارها ففتحت الباب ثم قالت يا أبا هريرة اشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، قال فرجعت الى رسول الله وأنا أبكي من الفرح فقلت يا رسول الله ابشر قد استجاب الله دعوتك فهدى أم أبي هريرة فحمد الله واثنى عليه وقال خيراً قال قلت يا رسول الله ادع الله ان يحببني انا وأمي الى عباده المؤمنين ويحببهم الينا قال: فقال ررسول الله أللهم حبب عبيدك هذا وامه الى عبادك المؤمنين وحبب اليهم المؤمنين فما خلق مؤمن يسمع بي ولايراني الا احبني أ هـ.
                          (قلت): في هذا الحديث نظر من وجوه:
                          أحدها أنه لم يروه عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم سوى أبي هريرة فهو اذن معطوف على سائر ما انفرد به.
                          ثانيها: أنه اذا كانت امه على الحال التي ذكرها من الاصرار على الشرك والامعان في الكفرتأبى الاسلام وتنال من رسول الله صلى الله عليه واله وسلم اذا دعيت اليه فبأي أمل هاجرت من اليمن وهي مسقط رأسها ومحل انسها الى المدينة الطيبة وهي دار هجرة النبي ومحل نصرته صلى الله عليه واله وسلم؟ وهلا بقيت ـ وحالها هذه ـ في أوطانها عاكفة على أوثانها؟ اسوة بأهل اليمن في ذلك الزمن فماذا يقول اولياء أبي هريرة في الجواب عن هذا؟ وليخيروني هل لديهم عن أم أبي هرير شئ يسند الى غير ابي هريرة من هجرتها واسلامها وسائر شؤونها فان كان لديهم شئ من ذلك فليرشدونا اليه فاني كما يشهد الله لم اجد فيمن كانت له صحبة أحداً ذكر أم أبي هريرة بشئ ما سوى الخليفة الثاني حين عزل ابا هريرة عن البحرين فقال له ما رجعت بك أميمة الا لرعية الحمر وهذا لا يدل على اكثر من معرفة اسمها
                          ____________

                          (1) مأخوذ من اجاف الباب أي ردها.


                          --------------------------------------------------------------------------------



                          اما أصحاب المعاجم والتراجم فقد يذكرونها معتمدين فيما ينقلونه من احولها على أبي هريرة لا غير كما لا يخفى.
                          ثالثها: ان أبا هريرة كان من اشد مساكين الصفة فاقة وفقراً يلتمس في الطريق صدقة تمسك رمقه كما مر عليك في أحواله على عهد النبوة وقد سمعت ثمة قوله رأيتني واني لأخر فيما بين منبر رسول الله الى حجرة عائشة مغشياً علي فيجئ الجائي فيضع رجله على عنقي ويرى اني مجنون وما بي من جنون ما بي الا الجوع، وسمعت اعترافه بأنه وسائر أهل الصفة كانوا ضيوف الاسلام لا يأوون الى احد ولا على أحد اذ لم تكن لهم منازل يأوون اليها فكانوا ينامون في المسجد ويظلون فيه وكانت صفة المسجد مثواهم ليلا ونهاراً وأبو هريرة كان اشهر من سكن الصفة واستوطنها طول عمر النبي ولم ينقل عنها حتى مضى صلى الله عليه واله وسلم لسبيله كما سمعت مفصلا بل كان عريف من سكن الصفة من القاطنين ومن نزلها من الطارقين، فمن أين له البيت الذي ذكره في حديثه هذا يا أولي الألباب؟.
                          رابعها: لو صح ما قاله ابو هريرة في هذا الحديث لكان من اعلام النبوة وآيات الاسلام وادلة أهل الحق حيث استجاب الله دعاء النبي صلى الله عليه واله وسلم على سبيل الفور فهدى الله به أم أبي هريرة وقلب حقيقتها فانها بينا كانت تمعن في الكفر وتسترسل في الضلال اذا هي من المؤمنات القانتات المؤدبات بالآداب الشرعية (1) واعلام النبوة كلها متواترة يحدث بها كبار الصحابة وصغارهم فما بالهم يعرضون عن هذه الآية فلم يروها منهم سوى أبي هريرة لو كانت صحيحة.
                          خامسها: لو صح ما زعمه أبو هريرة من دعاء النبي له ولأمه بأن يحببهما إلى المؤمنين ويحبب المؤمنين اليهما لأحبه أهل بيت النبوة وموضع الرسالة فانهم سادة المؤمنين وقادة أهل الملة والدين فما بال أئمتهم الاثنى عشر وسائر علمائهم
                          ____________

                          (1) يدلك على آدابها ما سمعته من غسلها ولبسها درعها قبل فتح الباب وعجلتها عن خمارها.


                          --------------------------------------------------------------------------------



                          يرذلونه ويسقطون حديثه؟ ولا يأبهون بشئ مما انفرد به حتى قال أمير المؤمنين عليه السلام (1): ألا إن أكذب الناس أو قال: أكذب الاحياء على رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لأبو هريرة الدوسي.
                          ولو كان أبو هريرة في حبّ المؤمنين اياه وحبه اياهم كما زعم لما قال له عمر حين عزله عن البحرين (2): يا عدو الله وعدو كتابه سرقت مال الله الخ. فكيف يكون عدو الله كتابه محباً للمؤمنين كافة ومحبوبا منهم جميعاً؟ وقد ضربه عمر على عهد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بين ثدييه (3) ضربة خر بها لأسته ، وضربه بالدرة بعد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم حتى أدمى ظهره وانتزع منه عشرة آلاف سرقها من مال المسلمين فأرجعها إلى بيت المال، وضربه مرة ثالثة حين قال له (4): أكثرت يا أبا هريرة من الرواية وأحر بك أن تكون كاذبا على رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وقال له مرة متغيظاً لتتركن الحديث أولألحقنك بأرض دوس أو بأرض القردة (5).
                          وهناك نوادر كانت بينه وبين كل من عبد الله بن عباس وعائشة وغيرهما لا تجتمع مع تبادل المحبة بينه وبينهم أبداً.
                          نعم كانت المحبة متبادلة في آخر أمره بينه وبين آل أبي العاص وآل أبي معيط وآل أبي سفيان؛ حببه اليهم حديثه إذ وجدوا فيه ضالتهم المنشودة
                          ____________

                          (1) في هذا المعنى أخبار متواترة عن أئمة العترة الطاهرة وقد أرسل هذه الكلمة عن أمير المؤمنين عليه السلام بالخصوص امام المعتزلة ابو جعفر الاسكافي كما في: ص360 من المجلد الأول من شرح النهج الحميدي.
                          (2) مر عليك حديث عزله في احواله أبي هريرة على عهد الخليفتين.
                          (3) فيما اخرجه مسلم في: 1/34 من صحيحه.
                          (4) كما في: ص360 من المجلد الأول من شرح النهج الحميدي.
                          (5) اخرجه ابن عساكر من حديث السائب بن يزيد وهو الحديث: 4857 في: 5/239 من كنز العمال.


                          ----------------------------------------
                          لدعايتهم الكاذبة وحببهم اليه سوابغ نعمهم عليه إذ أنعشوه بعد الخمول وأنالوه النضرة بعد الذبول، كان مروان بن الحكم يستخلفه على المدينة (1) كلما غاب عنها، وهو الذي زوجه بسرة بنت غزوان (2) وما كان ليرمقها بطرفه لولا آل بي العاص وآل أبي سفيان، لما مرض مرض الموت كان مروان يبره ويصله وكان مشفقاً عليه فكان يدعو له بالشفاء حين يعوده وقد عاده في آخر أيام حياته فلما انصرف عنه أدركه إنسان فقال له (3): قضى أبو هريرة، وحين حمل نعشه كان مروان أمام الجنازة (4) وكان أبناء عثمان يحملون النعش حتى بلغوا به البقيع فصلى عليه الوليد بن عتبة بن أبي سفيان، ونعاه إلى عمه معاوية فأمره أن يدفع إلى ورثته عشرة آلاف وان يحسن جوارهم، وهذه صورة تريك عطفهم عليه، ومزيد إحسانهم اليه، وتلمسك انقطاعه اليهم وعكوفه عليهم فهل كانوا في اصطلاح أبي هرير هم المؤمنين؟ الذين حببهم الله اليه، وحببه اليهم؟.

                          32 ـ غلام أبي هريرة في هجرته !!!

                          أخرج البخاري (5) بسنده إلى أبي هريرة، قال: لما قدمت على النبي صلى الله عليه واله وسلم قلت في الطريق:

                          ياليلة من طولها وعنائها * على أنها من دارة الكفر نجت

                          قال: وابق غلام لي في الطريق فلما قدمت على النبي صلى الله عليه واله وسلم فبايعته فبينا
                          ____________

                          (1) كما اخرجه في ترجمة أبي هريرة كل من ابن سعد في طبقاته وابن قتيبة في معارفه، ورواه احمد بن حنبل في مسنده كما بيناه إذ ذكرنا أيادي بني امية عليه.
                          (2) تعرف ذلك من ترجمة بسرة في اصابة ابن حجر.
                          (3) فيما اخرجه ابن سعد في ترجمة أبي هريرة من طبقاته.
                          (4) كما اخرجه ابن سعد في ترجمة أبي هريرة من الطبقات.
                          (5) في قصة دوس والطفيل بن عمرو الدوسي: 3/55 من صحيحه واخرجه ابن سعد في ترجمة أبي هريرة من طبقاته.


                          --------------------------------------------------------------------------------

                          أنا عنده إذ طلع الغلام فقال لي النبي: يا أبا هريرة هذا غلامك قلت هو لوجه الله فاعتقته أ هـ.
                          ان أبا هريرة ليحير الحواس، ويدهش مشاعر الناس بينا يقول نشأت يتيماً، وهاجرت مسكيناً، وكنت أجيراً لفلان وفلانة بطعام بطني أسوق بهم إذا ركبوا وأخدمهم اذا نزلوا؛ اذا هو يدعي انه يوم هجرته كان يملك غلاما فاعتقه لوجه الله؛ والظاهر أنه انما حدث بهذا في اواخر حياته حين كان مغموراً بنعمة مروان وآل أبي سفيان، فنسي حاله يوم الهجرة وقبلها وبعدها، حيث كان طاوياً خاوياً كاسفاً خاسفاً تئط امعاؤه وتنق أحشاؤه، مطروحاً عالى الطريق يعتمد على كبده من الجوع، ملتمساً صدقة من المارة تمسك رمقه، كما أفصح عنه اذ قال: والله الذي لا اله الاهو ان كنت لأعتمد على كبدي من الجوع وان كنت لأشد الحجر على بطني من الجوع ـ الحديث ـ وقد مر عليك وفيه قعوده على الطريق يلتمس الصدقة، وقد قال في حديث آخر: رأيتني وأني لأخر فيما بين منبر رسول الله الة حجرة عائشة مغشياً علي، فيجيئ الجائي فيضع رجله على عنقي ويري أني مجنون ومابي من جنون مابي الا الجوع الى كثير من كلماته الصريحة بأنه كان ممن لا يمضه الهوان ، ولا يؤلمه الامتهان، وان غاية ما يرجوه شبعة من طعام فمن أين له الغلام؟ وحاله هذه يا اولي الألباب؟:.
                          ولو قلنا لأبي هريرة: كيف عرفه النبي صلى الله عليه واله وسلم بمجرد أن طلع لأحرجنا مقامه إذ لم تكن له صلى الله عليه واله وسلم معرفة به سابقة، ولعل لأبي هريرة جلالة تستوجب الوحي إلى النبي في شأنه وشأن غلامه ؟!.

                          33 ـ قصة خيالية ترمي الى حسن عواقب الصدقة

                          أخرج مسلم عن أبي هريرة مرفوعاً، قال بينا رجل بفلاة من الأرض فسمع صوتاً في سحابة: اسق حديقة فلان فتنحى ذلك السحاب فأفرغ ماءه كله


                          --------------------------------------------------------------------------------


                          في تلك الحديقة واذا رجل قائم في الحديقة يحول الماء بمسحاته، فقال له: يا عبد الله ما اسمك؟ قال: فلان للاسم الذي سمعه في الصحابة فقال له: لم تسألني عن اسمي؛ قال: اني سمعت صوتاً في السحاب الذي هذا ماؤه يقول له: اسق حديقة فلان لاسمك فما تصنع فيها قال: أما اذا قلب هذا فاني انظر الى ما يخرج منها فأتصدق بثلثه، الحديث (1).
                          وهذا مما تحكم العادة بامتناع وقوعه وتأباه نواميس الفطرة التي فطرت الأكوان عليها، لكن أبا هريرة أفتأته كرواية خيالية ترمي الى حسن عواقب الصدقة، وتقوله على رسول الله صلى الله عليه واله وسلم كما هي عادته في قصصه الخيالية وغيرها فلا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.

                          تعليق


                          • #28
                            34 ـ خيالية اخرى ترمي الى حسن عواقب الوفاء بالشرط

                            أخرج البخاري عن أبي هريرة مرفوعاً: أنه ذكر رجلا من بني اسرائيل سأل بعض بني اسرائيل أن يسلفه الف دينار فقال: ائتني بالشهداء اشهدهم فقال: كفى بالله شهيداً، قال: فأتني بالكفيل. قال: كفى باللة كفيلا، قال: صدقت. فدفعها اليه الى أجل مسمى فخرج في البحر فقضى حاجته ثم النمس مركباً يركبها يقدم عليه للأجل الذي أجله فلم يجد مركباً فأخذ خشبة فنقرها فادخل فيها الف دينار وصحيفة منه الى صاحبه، ثم زجج موضعها ثم أتى بها الى البحر، فقال: اللهم انك تعلم أني كنت تسلفت فلاناً الف دينار فسألني كفيلا فقلت: كفى بالله كفيلا فرضي بك، وسألني شهيداً فقلت كفى بالله شهيداً فرضي بك؛ وأني اجهد أن أجهد مركباً ابعث اليه الذي له فلم اقدر واني استودعكها فرمى بها في البحر حتى ولجت فيه، ثم أنصرف فخرج الرجل الذي
                            ____________

                            (1) أخرجه مسلم في باب الصدقة في المساكين: 2/533 من صحيحه.


                            --------------------------------------------------------------------------------

                            كان اسلفه ينظر لعل مركباً قد جاء بماله؛ فاذا بالخشبة التي فيها المال فأخذها لأهله حطباً فلما نشرها وجد المال والصحيفة ـ الحديث (1) ـ وهو في البعد الى حد السقوط عن درجة الاعتبار.
                            على ان القاء الف دينار في البحر مما لا يبيحه شرع ولا عقل ولا يستوجب براءة ذمة المدين لو لم يصل المال اليه والعقلاء يعدون هذا العمل منه سفهاً او جنوناً يستوجبان التحجير عليه، ولو فرض وقوع هذا الأمر في بني اسرائيل او غيرهم فرسول الله صلى الله عليه واله وسلم لا يحدث به حتى يعلق عليه كلمة تستوجب عدم العمل على مقتضاه؛ اذ لو حدث به من غير تعليق عليه ـ كما في الحديث ـ لأغرى به المؤمنين من امته وذلك محال عليه صلى الله عليه واله وسلم لكن أبا هريرة صاغه كما تصاغ الروايات الخيالية؛ ومرماه الارتباط بالشرط، والوفاء بالعقد، ثم تقوله على رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ترويجا لبضاعته.

                            35 ـ خيالية ثالثة ترمي الى عواقب شكر النعم وعواقب كفرها

                            اخرج البخاري (2) عن أبي هريرة مرفوعاً قال: ان ثلاثة من بني اسرائيل ابرص واقرع واعمى بدا لله عز وجل ان يبتليهم (3) فبعث اليهم ملكا
                            ____________

                            (1) أخرجه البخاري بهذه الالفاظ في باب الكفالة في القرض والديون: 2/26 من صحيحه وأخرجه أيضاً بألفاظ اخر في الاستقراض واللقطة والاستئذان والشروط والبيع والزكاة فراجع.
                            (2) في: 2/170 من صحيحه في باب ما ذكر عن بني اسرائيل في كتاب بدء الخلق.
                            (3) بدا بفتح الباء الموحدة وفتح الدال المهملة المخففة بعدها الف مقلوبة عن واو بغير همز بمعنى سبق في علم الله الازلي ولم يكن ظاهراً للناس فاراد الله عز وجل اظهاره وهذا هو البداء الذي تقول به الشيعة الامامية واخطأ من رماهم بالدواهي، والحمد لله اذ وجدنا في حديث أبي هريرة دليلا عليه فان خصومنا لا يقنعهم حديث العترة الطاهرة.


                            --------------------------------------------------------------------------------



                            فأتى الأبرص فقال: أي شئ أحب اليك؟ قال: لون حسن وجلد قد قذرني الناس قال فمسحه فذهب عنه فاعطى لوناً حسناً وجلداً حسناً، فقال: أي المال احب اليك؟ قال: الابل، فاعطى ناقة عشراء فقال: يبارك لك فيها.
                            وأتى الأفرع فقال: أي شئ احب اليك؟ قال: شعر حسن وقد قذرني الناس، قال: فمسحه فذهب واعطى شعراً حسناً، قال: فأي المال احب اليك؟ قال: البقر فاعطاه بقرة حاملا وقال يبارك لك فيها.
                            وأتى الأعمى فقال: أي شئ احب اليك؟ قال: يرد الله إلي بصري قال: فمسحه فرد الله اليه بصره، قال: فاي المال احب اليك؟ قال الغنم، فاعطاه الله شاة والداً فأنتج هذان وولد هذا فكان لهذا واد من ابل ولهذا واد من بقر ولهذا واد من الغنم.
                            ثم انه أتى الأبرص في صورته وهيئته ـ التي كان الابرص أولا عليها ـ فقال له: رجل مسكين تقطعت بي الجبال في سفري فلا بلاغ اليوم إلا بالله ثم بك، اسألك بالذي اعطاك اللون الحسن والجلد الحسن والمال بعيراً اتبلغ عليه في سفري، فقال له: ان الحقوق كثيرة؛ فقال له: كأني اعرفك الم تكن ابرص يقذرك الناس فقيراً؟ فاعطاك الله. فقال: ورثت كابراً عن كابر، فقال: ان كنت كاذباً فصيرك الله الى ما كنت.
                            واتى الاقرع في صورته وهيئته فقال له مثل ما قال لهذا؛ فرد عليه مثل ما رد عليه هذا، فقال: ان كنت كاذباً فصيرك الله الى ما كنت.
                            واتى الاعمى في صورته، فقال: رجل مسكين وابن سبيل تقطعت بي الجبال في سفري، فلا بلاغ اليوم الا بالله ثم بك، اسألك بالذي ردّ عليك بصرك شاة اتبلغ بها في سفري؛ فقال: كنت اعمى فرد الله بصري وفقيراً فاغناني فخذ ما شئت فو الله لا اجهدك اليوم بشئ اخذته لله فقال أمسك مالك فانما ابتليتهم فيد رضي الله عنك وسخط على صاحبيك.


                            --------------------------------------------------------------------------------


                            (قلت): هذا الحديث من منسوجات أبي هريرة وقد رقشه ووشاه فكان كأحدث رواية خيالية يمثلها المزخرفون على مسارحهم في عصرنا الحاضر يرمي بها الى عاقبتي شكر النعمة والكفر بها.

                            36 ـ خيالية رابعة ترمي الى سوء عاقبة الظلم

                            أخرج الشيخان بسندهما إلى أبي هريرة (1) مرفوعاً قال: دخلت امرأة النار في هرة ربطتها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الارض أ هـ.
                            وهذا الحديث مما انكرته عائشة على أبي هريرة فكان مما قالت له إذ بلغها: إن المؤمن أكرم على الله من أن يعذبه في هرة فاذا حدثت عن رسول الله فانظر كيف تحدث (2).
                            (قلت): وهذا من رواياته الخيالية يرمي فيه الى سوء عواقب الظلم والعدوان.

                            37 ـ خيالية خامسة ترمي الى حسن عواقب الرحمة

                            أخرج البخاري عن أبي هريرة (3) يرفعه قال: غفر لامرأة مومسة مرت بكلب على رأس ركي يلهث (قال) وكاد يقتله العطش فنزعت خفها واوثقته بخمارها فنزعت له من الماء فشرب ففغر لها بذلك.
                            ____________

                            (1) راجع: 2/149 من صحيح البخاري في كتاب بدء الخلق وأول: 2/445 من صحيح مسلم في باب سعة رحمة الله من كتاب التوبة تجد الحديث.
                            (2) هذا الرد مشهور عن عائشة وقد رواه عنها شارحو صحيح البخاري ومسلم عند انتهائهم إلى هذا الحديث في شروحهم فراجع: 84 من المجلد السابع من ارشاد الساري.
                            (3) في: 2/150 من صحيحه وأخرجه ايضا في مواضع اخر.


                            --------------------------------------------------------------------------------



                            38 ـ رواية خيالية هدفها هدف سابقتها

                            وأخرج البخاري عن أبي هريرة يرفعه قال: بينما رجل يمشي في طريق اشتد عليه العطش فوجد بئراً فنزل فيها فشرب ثم خرج فاذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش! قال فنزل الرجل البئر فملأ خفه ثم أمسكه بفيه فسقى الكلب فشكر الله له وغفر له بذلك ـ الحديث (1) ـ.
                            وقد تعلم أن هذا الحديث والذي قبله إنما هما من مخيلة أبي هريرة يمثل بهما حسن عواقب العطف والحنان ويحض بهما على البر والاحسان.

                            39 ـ مسرف كافر غفر له

                            أخرج مسلم عن معمر قال: قال لي الزهري: ألا أحدثك بحديثين عجيبين (2)؟! اخبرني حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة عن النبي قال: أسرف رجل على نفسه فلما حضره الموت اوصى بنيه فقال: إذا أنا مت فاحرقوني ثم اسحقوني ثم اذروني في الريح في البحر فو الله لئن قدر عليّ ربي (3) ليعذبني عذابا ما عذب به أحداً ففعلوا ذلك به فقال الله للارض أدي ما اخذت فاذا هو قائم فقال له: ما حملك على ما صنعت؟ فقال: مخافتك يارب ففغر له بذلك، قال الزهري: وحدثني حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال: دخلت امرأة النار في هرة ربطتها فلا هي اطعمتها
                            ____________

                            (1) تجده في باب رحمة الناس بالبهائم: 4/36 من كتاب الادب وفي باب فضل سقي الماء: 2/35 من صحيحه في كتاب المساقاة فراجع.
                            (2) يحق للزهري أن يعجب من هذين الحديثين واولو الألباب كلهم يعجبون منهما.
                            (3) تأمل كلمته هذه تجدها صريحة بأنه كان لا يؤمن بان ربه قادر على بعثه بعد انجاز وصيته فهو كافر بذلك.


                            --------------------------------------------------------------------------------


                            ولا هي ارسلتها تأكل من خشاش الأرض ـ الحديث ـ (1).
                            (قلت): أما المرأة ذات الهرة فان كانت مؤمنة كانت ـ كما قالت عائشة. اكرم على الله من يعذبها في النار بهرة، وان كانت كافرة فانما تعذب بكفرها.
                            وأما ذلك المسرف فانه ـ على ما يقتضيه الحديث ـ لم يكن أهلا للمغفرة إذ لم يكتف بتمرده على الله تعالى طيلة حياته وتجاوزه الحد في موبقاته حتى مات مصراً على تمرده يائساً من روح الله فاراً من سلطانه الى حيث لا تناله ـ على زعمه ـ قدرة الله عز سلطانه التي احاطت بكل شئ ولذلك اوصى تلك الوصية البربرية فهو كافر بيأسه من رحمة الله وانكاره لقدرة الله عز وجل والكافر لا يستحق المغفرة، ولا هو لها اجماعا وقولا واحداً.
                            على أن اسلوب هذا الحديث انما هو اسلوب حكاية خيالية ترمي إلى عدم اليأس من رحمة الله ولو مع الاسراف وإلى عدم الأمن من عذاب الله ولو مع الايمان، وهاتان الحقيقتان في غنى عن روايات أبي هريرة وخيالاته لثبوتهما بنص الذكر الحكيم والفرقان العظيم: (ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون* أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون) فالسنن المقدسة تبرأ أنوار اساليبها من هذا الحديث واسلوبه كما لا يخفى.
                            وايضاً لو فرض وقوع تلك الوصية من ذلك المسرف وفرض انها بمجردها كانت سبباً لمغفرة ذنوبه فرسول الله صلى الله عليه واله وسلم لا يمكن أن يحدث بها حتى يعلق عليها كلمة تحضرها إذ لو حدث بها من غير تعليق ـ كما نقله أبو هريرة ـ لأغرى بها المسرفين من امته وهذا محال كما لا يخفى.
                            ____________

                            (1) تجده في: 2/444 من صحيح مسلم في باب سعة رحمة الله وانها سبقت غضبه من كتاب التوبة.

                            تعليق


                            • #29
                              40 ـ مذنب يتوب إلى الله ثم يؤوب الى ذنوبه يكرر ذلك فيقول الله له: إعمل ماشئت فقد غفرت لك

                              قال أبو هريرة: أذنب عبد ذنباً، فقال: اللهم اغفر لي ذنبي فقال الله تبارك وتعالى: اذنب عبدي ذنباً فعلم ان له رباً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب قال: ثم عاد فأذنب؛ فقال: أي رب غفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: عبدي اذنب ذنباً فعلم ان له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، ثم عاد فاذنب فقال أي رب اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: اذنب عبدي ذنباً فعلم ان له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، اعمل ما شئت فقد غفرت لك! الحديث (1).
                              (قلت): وهذا كسابقه معناً ومرمىً واسلوباً نسجته يدا أبي هريرة من غزل مخيلته كحكاية العجائز والقصاصين يرمي به الى سعة مغفرة الله عز وجل وسعة مغفرة الله ورحمته في غنى عن الروايات الخيالية لثبوتها يحكم العقل والنقل كتابا وسنة ولاجماع الأمة عليها بل اجماع أهل الاديان كافة بل هي من ضروريات الاسلام وغيره من سائر الاديان.
                              وأنت تعلم ان ليس بين الله عز وجل وبين احد من خلقه هوادة في حمى حرّمه على العالمين، ألا تراه كيف يقول عز من قائل: (لو تقول علينا بعض الأقاويل لاخذنا منه بالميين ثم لقطعناه منه الوتين وما منكم من أحدعنه حاجزين) فكيف يمكن بعدها ان يحابي هذا المذنب الراجع عن توبته مراراً فيقول له: اعمل ما شئت فقد غفرت لك، وبأي شئ استحق هذا الضعيف في ذات الله ان ينال هذه الهوادة التي ما نالها الصديقون والأنبياء والمرسلون.
                              ____________

                              (1) أخرجه مسلم عن أبي هريرة مرفوعاً في باب قبول التوبة من الذنب وان تكررت الذنوب والتوبة: 2/445 من صحيحه في كتاب التوبة.


                              --------------------------------------------------------------------------------



                              وكم لأبي هريرة من هذه القصص الخيالية يحدث بها الطغاة يهويناً لجرائمهم وتعزية لهم عن موبقاتهم كقوله سمعت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول: حضر ملك الموت رجلا يموت فلم يجد فيه خيراً وشق عن قلبه فلم يجد فيه شيئاً ثم فك عن لحييه فوجد طرف لسانه لاصقاً بفكه بقول لا إله إلا الله فغفر الله له ـ الحديث (1).
                              ومن سخافات هذا الرجل قوله: أقيمت الصلاة وعدلت الصفوف فلما قام رسول الله صلى عليه واله وسلم في مصلاه ذكر انه جنب الحديث (2).
                              نبرأ الى الله منه وممن يجيزه على رسول الله صلى الله عليه واله وسلم الذي كان في جميع اوقاته على طهور وكان الوضوء على الوضوء عنده نوراً على نور وانبياء الله كافة منزهون عن مضمونه معصومون عما هو دونه مما لا يليق بالصديقين وصالحي المؤمنين.
                              ومنها: حديثه (3) في النهي عن تفضيل النبي على موسى وحديثه (4) في أن من قال ان رسول الله خير من يونس بن متى فقد كذب.
                              وقد اجمعت الامة على تفضيله، وثبت ذلك بالنصوص الصريحة الصحيحة وقامت عليه الضرورة من دين الاسلام.
                              ____________

                              (1) أخرجه الخطيب في ترجمة سعد بن عبد الحميد: 125 من المجلد: 9 من تاريخ بغداد.
                              (2) أخرجه البخاري في باب إذا ذكر في المسجد انه جنب يخرج ولا يتيمم: 1/41 من صحيحه.
                              (3) الذي أخرجه البخاري في الخصومات: 2/40 من صحيحه.
                              (4) الذي أخرجه البخاري في باب قوله تعالى: (انا اوحينا اليك كما أوحينا إلى نوح) إلى قوله تعالى: (ويونس وهارون وسليمان في: 2/82 من صحيحه في كتاب تفسير القرآن.


                              --------------------------------------------------------------------------------




                              وحديثه (1) بأنه لن يدخل احداً عمله الجنة «قال» قالوا ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا؟.
                              يضرب بهذا الحديث عرض الحائط لمخالفته كتاب الله عز وجل في كثير من آياته، وحسبك منها: (ان هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا) .
                              وحديثه (2) في أنه ما بعث نبي الا ورعى الغنم وهذا في البعد الى حد السقوط.
                              ومثله حديثه (3) في ان براهيم عليه السلام قد اختتن بالقدوم (4) بعد ثمانين سنة من عمره.
                              وحديثه (5) في ان عيسى بن مريم عليهما السلام رأى رجلا يسرق فقال له: أسرقت؟ فقال: كلا؟ والذي لا آله الا هو، فصدقه وكذب عينيه.
                              وحديثه: اذ خلق الله آدم فمسح ظهره فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها الى يوم القيامة امثال الذر ثم جعل بين عيني كلّ انسان منهم وبيعاً «أي بريقاً» من نور ثم عرضهم على آدم فقال آدم من هؤلاء يارب؟ قال: ذريتك فرأى آدم رجلا منهم أعجبه وبيص ما بين عينيه فقال يا رب من هذا؟ قال هذا ابنك داود، قال آدم: كم جعلت له من العمر؟ قال ستين سنة، قال: يارب
                              ____________

                              (1) الذي اخرجه البخاري في باب تمني المريض الموت من آخر كتاب المرضى: 4/6 من صحيحه.
                              (2) الذي اخرجه البخاري في كتاب الاجارة: 2/22 من صحيحه.
                              (3) الذي اخرجه البخاري في باب الختان: 4/65 من صحيحه في اواخر كتاب الاستئذان.
                              (4) ولعل هذا القدوم كان على رأي أبي هريرة مما ورثه ابراهيم عن نوح وانه مما استعمله في صنع فلكه.
                              (5) الذي أخرجه البخاري في باب: واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت: 2/168 من صحيحه.


                              --------------------------------------------------------------------------------


                              زده من عمري اربعين سنة حتى يكون عمره مائة سنة، فقال الله عز وجل اذن يكتب ويختم فلا يبدل فلما انقضى عمر آدم جاءه ملك الموت لقبض روحه قال آدم: أو لم يبق من عمري أربعون سنة قال له ملك الموت أو لم تجعلها لابنك داود؟ قال: فجحد فجحدت ذريته! ـ الحديث ـ (1).
                              ومثله حديثه (2) عن آدم وموسى حيث مثلهما يتحاجان على كيفية تدل على انهما كانا من القدرية الجبرية، وقد ظهر فيها آدم على موسى فحجه الى كثير مما لايليق بالأنبياء، ويجب تنزيههم عنه.
                              وما اكثر حديثه في خوارق النواميس الطبيعية، وحسبك منها (مضافا الى ما سمعته آنفاً) حدثيان نجعلهما خاتمة هذا الفصل.
                              (أحدهما): حديثه اذ كان ـ فيما زعم ـ مع العلاء بن الحضرمي لما بعث في اربعة آلاف الى البحرين فانطلقوا حتى اتوا على خليج من البحر ما خاضه قبلهم أحد ولا يخوضه بعدهم احد!.
                              (قال أبو هريرة): أخذ العلاء بعنان فرسه فسار على وجه الماء وسار الجيش وراءه قال: فو الله ما ابتل لنا قدم ولاخف ولا حافر؟؟ الحديث (3).
                              ____________

                              (1) أخرجه الحاكم وصحصه في: 2/325 من المستدرك في كتاب التفسير في شرح: وإذ اخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم، وأورده الذهبي وصححه في تلخيص المستدرك.
                              (2) الذي أخرجه البخاري في باب وفاة موسى: 2/163 من صحيحه في كتاب بدء الخلق.
                              (3) رواءه الشيخ الامام العلامة ابو بكر بن محمد الوليد الفهري الطرطوشي المعروف بابن ابي رندة المتوفى سنة اثنتين وخمسمائة في الاسكندرية في كتابه الذي افرده للدعاء ونقله عنه الشيخ كمال الدين الدميري في مادة البعوض من كتابه حياة الحيوان واشار الى هذه القصة صاحبا الاستعياب والاصابة في ترجمة العلاء وقالا انها مشهورة.


                              --------------------------------------------------------------------------------

                              وهذا لو كان حقاً لرواه كل واحد من ذلك الجيش المؤلف من أربعة آلاف صحابي فكان في طليعة الأحاديث المتواترة فما باله لايسند إلا الى أبي هريرة يا أولي الألباب؟؟.
                              (ثانيهما): حديث المزود إذ قال: اصبت بثلاث مصيبات في الاسلام لم أصب بمثلهن: موت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وكنت صويحبه، وقتل عثمان، والمزود قالوا: وما المزود يا أبا هريرة؟ قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه واله وسلم في سفر فقال: يا أبا هريرة أمعك شئ؟ قال قلت تمر في مزود، قال جئ به، فاخرجت تمراً فأتيته به، قال: فمسه ودعا فيه ثم قال: ادع عشرة، فدعوت عشرة فأكلوا حتى شبعوا ثم كذلك حتى اكل الجيش كله وبقي من تمر معي في المزود فقال: يا ابا هريرة إذا اردت ان تأخذ منه شيئاً فادخل يدك فيه ولا تكفه قال: فأكلت منه حياة النبي واكلت منه حياة أبي بكر كلّها وأكلت من حياة عمر كلها وأكلت من حياة عثمان كلها؟؟ فلما قتل عثمان انتهب ما في يدي وانتهب المزود، ألا أخبركم كم أكلت منه؟ أكلت منه اكثر من مائتي وسق!!!.
                              (قلت): لا ريب في ان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم كان يطعم الجم الغفير من الزاد اليسير في كثير من ايامه المباركة، وذلك من اعلام نبوته وآيات رسالته، لكن هذا الحديث بالخصوص مما صنعته يدا أبي هريرة مدلا على السواد من احزاب بني امية والغوغاء من اشياعهم العاكفين على قميص عثمان واصابع زوجته بالبكاء والعويل ليستنهض معروفهم ويجتدي برهم، وهذا من اساليبه المدهشة في تزلفه الى بني امية وامتياح فضلهم.
                              و مما يدلك على وضعه ان أبا هريرة كان يتلون فيه تلون الحرباء ويتطور في نقله على انحاء كما يعلمه متتبعوا طرق المزود في مسانيد السنة وكتبها (1).
                              ____________

                              (1) حديث المزود اخرجه الامام احمد بن حنبل من طريقينن، وابو بكر البيهقي من طريقيين آخرين، واخرجه غيرهما من طرق اخر فليراجعها من اراد الوقوف على ما فيها من التهافت والتناقض الحاكمين بسقوطها، وقد اورد ابن كثير جملة منها في: 6/116 من البداية والنهاية.


                              -----------------------------------------------------------------------


                              ولأبي هريرة كيس وسع هذا المزود وغيره كان عيبة علمه يتناول منه ما يشاء متى شاء وكيف شاء وربما سئل عما يحدث فيقال له ابا هريرة سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فيقول: لا هذا من كيس أبي هريرة (1).
                              وعجائب أبي هريرة يضيق عنها املاؤنا هذا وحسبنا منها ما اوردناه حجة على ما اردناه والحمد لله.


                              ـ 12 ـ

                              مسنده في حكم المرسل

                              كان من دأب أبي هريرة في حديثه عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أن يسند اليه ما بلغه عنه بالواسطة لا يقيم عليها قرينة كما يسند اليه ما سمعه منه مشافهة لا يفرق بين هذا وذاك في شئ ما، وهذا ما جعل حديثه كله في حكم المرسل لايصلح حجة ولايقوم دليلا.
                              وإن كنت في ريب مما قلناه في دأبه فاني احيلك على قوله: قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لعمه ابي طالب: قال لا إله إلاّ الله أشهد لك بها يوم القيامة قال : لولا أن تعيرني قريش الحديث (2).
                              وقد علم الناس أن أبا طالب عليه السلام إنما توفي قبل قدوم أبي هريرة الى الحجاز
                              ____________

                              (1) هذا نصه من حديث اخرجه عنه البخاري في اول كتاب النفقات: 3/189 من صحيحه.
                              (2) اخرجه مسلم في كتاب الايمان: 1/31 من صحيحه، وقد اوردناه وعلقنا عليه في الفصل السابق من هذا الاملاء.


                              -------------------------------------------------------

                              بعشر سنين في أقل الروايات، فاين كان عن النبي وعمه عليهما السلام وهما يتبادلان الكلام الذي اسنده اليهما كأنه رآهما بعينيه وسمعهما بأذنيه؟!.
                              وقال: قام رسول الله حين انزل الله عليه: (وانذر عشيرتك الأقربين) فقال يا معشر قريش لا اغني عنكم من الله شيئاً الحديث (1).
                              واولو العلم باسرهم مجمعون على ان هذه الآية انما نزلت في مبدأ الدعوة الاسلامية قبل ظهورها في مكة، وأبو هريرة اذ ذاك في اليمن جاهلياً وانما اني الحجاز بعد نزول هذه الآية بنحو عشرين سنة، فاين كان عند نزولها ليقول: قام رسول الله حين نزول فقال: يا معشر قريش الى آخر حديثه الذي اسنده الى النبي، كأنه رآه قائماً بعينيه، وسمعه يبنذر عشيرته بأذنيه؟!.
                              وقال: كان النبي يدعو في القنوت فيقول: أللهم انج سلمة بن هشام، أللهم انج الوليد بن الوليد، أللهم انج عياش بن أبي ربيعة، أللهم انج المستضعفين من المؤمنين (الذين حبسهم المشركون عن الهجرة في حديث صحيح (2)).
                              ومن المعلوم بحكم الضرورة من اخبار السلف انه انما حبس هؤلاء عن الهجرة فقنت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بالدعاء لهم قبل اسلام أبي هريرة بنحو سبع سنين، فاين كان عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ليسند هذا الحديث كأنه بعينيه قانتاً وسمعه بأذنيه داعياً؟!.
                              قال: وقال أبو جهل: هل يعفر محمد وجهه بين اظهركم؟ فقيل: نعم، الحديث (3).

                              تعليق


                              • #30
                                ____________

                                (1) اخرجه البخاري في: 2/86 من صحيحه ومسلم واحمد، وقد اوردناه وعلقنا عليه في الفصل السابق من الاصل.
                                (2) اخرجه البخاري في باب الدعاء على المشركين بالهزيمة والزلزلة: 2/105 من صحيحه.
                                (3) أخرجه مسلم في باب قوله تعالى: ان الانسان ليطغى: 2/467 من صحيحه.


                                -------------------------
                                فان كان هذا القول واقعاً من أبي جهل فانه انما يكون قبل اسلام أبي هريرة وقبل قدومه من اليمن بنحو عشرين سنة فأين كان عن أبي جهل ليسنده اليه كأنه سمعه بأذنيه؟!.
                                واين كان عن وقعة الرجيع وعن أميرها عاصم بن ثابت الأنصاري المستشهد فيها ليحدث عنها وعنه حديث المشاهد لهما ؟؟ (1) وقد كانت تلك الوقعة في صفر سنة اربع للهجرة قبل اسلامه بثلاث سنين تقريباً.
                                ومن وقف علىسيرة أبي هريرة المستمرة في حديثه علم ان دأبه ما قلناه وحسبك هذا القدر دليلا على ما ادعيناه.
                                وقد انتبه اليه أحمد أمين المصري البحاثة المعاصر اذ قال في كلام له (2) حول أبي هريرة: ويظهر انه لم يكن يقتصر على ما سمعه من رسول الله صلى الله عليه وآله بل يحدث عن رسول الله بما أخبره به غيره .
                                (قلت): واعترف بهذا أبو هريرة نفسه إذ حدث عن رسول الله صلّى الله عليه وآله بأن من أدركه الفجر جنباً فلا يصم، فلما انكرت عائشة وأم سلمة عليه ذلك جعل الجناح فيه على الفضل بن العباس (وكان الفضل يومئذ ميتاً (3) فقال
                                ____________

                                (1) حديثه عنهما ثابت في الصحاح فراجعه في كتاب الجهاد والسير: 2/117 من صحيح البخاري.
                                (2) تجده في: ص262 والتي بعدها من كتاب ( فجر الاسلام) في الفصل الثاني من الباب السادس.
                                (3) فان هذه القضية كانت ومروان بن الحكم أمير على المدينة في عهد معاوية ـ كما جاء في حديث البخاري عنها في باب الصائم يصبح جنبا: 1/225 من صحيحه وبه صرح شارحو الصحيح كالقسطلاني وغيره ـ وقد استشهد الفضل يوم اجنادين في خلافة أبي بكر وقيل بل يوم مرج الصفر سنة 13، وقيل يوم اليرموك سنة 15 في خلافة عمر. وقيل مات في طاعون عمواس بالشام سنة ثمان عشرة ولم يبق حياً الى سنة العشرين اجماعا وقولا واحداً.


                                ------------------------------------------
                                سمعت ذلك من الفضل ولم أسمعه من النبي وهذا (سواء كان حقاً أم باطلا) اعتراف منعه صريح بانه كان يسند الى النبي صلى الله عليه واله وسلم ما لا يسمعه منه كما ترى.
                                (فان قلت): أي مانع للعدل ان يسند الى النبي الحديث يسمعه من غيره مرفوعاً اليه صلى الله عليه واله وسلم.
                                (قلنا): لا مانع من ذلك غير ان الحديث في هذا الفرض لا يكون حجة ولا يوصف بالصحة (وان رواه العدل) وانما يكون مرسلا حتى تعزف الواسطة وتحرز عدالتها.
                                وبعبارة أخرى عدالة الراوي شرط في صحة حديثه، فلا بد من احرازها ولايمكن ذلك في الواسطة المجهولة.
                                ومجمل القول في هذا الفصل أن في حديث أبي هريرة مراسيل كثيرة لا يمكن الاحتجاج بها، وقد اشتبهت بمسانيده، اذ لم يفرق بينهما في شئ وهذا ما أوجب سقوط الجميع عملا بالقاعدة المقررة في الشبهات المحصورة.


                                ـ 13 ـ


                                دعواه الحضور في وقائع لم يحضرها

                                وقد اضطرنا هذا الرجل الى الريب فيه بدعواه الحضور في وقائع لم يحضرها قطعاً.
                                وحسبك منها قوله: دخلت على رقية بنت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم امرأة عثمان وبيدها مشط، فقالت: خرج رسول الله من عندي آنفارٌ جلت شعره فقال لي: كيف تجدين أبا عبدالله؟ ـ يعني عثمان ـ قلت بخير قال: اكرميه فانه من اشبه أصحابي بي خلقاً، أخرجه الحاكم (1) ثم قال: حديث صحيح
                                ____________

                                (1) في احوال رقية: 4/48 من المستدرك.


                                ---------------------------------
                                الاسناد واهي المتن فان رقية ماتت سنة ثلاث من الهجرة عند فتح بدر وأبو هريرة انما اسلم بعد فتح خيبر.
                                (قلت): واورده الذهبي في تلخيص المستدرك ثم قال: صحيح منكر المتن فان رقية ماتت وقت بدر وأبو هريرة اسلم وقت خيبر.
                                وقال في سهو النبي: صلى بنا النبي صلى الله عليه واله وسلم الظهر أو العصر فسلم في ركعتين فقال له ذو اليدين: انقصت الصلاة أم نسيت؟ الحديث.
                                وذو اليدين هذا استشهد ببدر قبل ان يسلم أبو هريرة بزمان كما بينا في الفصل: 11 من هذا الاملاء (1).
                                وكم كان يتبجح فيقول: افتتحنا خيبر ولم نغنم ذهباً ولا فضة انما غنمنا البقر والابل والمتاع والحوائط الحديث (2).
                                مع أنه لم يحضر الفتح إجماعاً وقولا واحداً، وإنما جاء بعد الفتح ولذا ارتبك شارحوا الصحيحين عند انتهائهم الى قوله: افتتحنا خيبر، فحملوا كلمته هذه على التجوز وان المراد جنسه من المسلمين (3).
                                وكم كان يحدث فيقول: شهدنا مع رسول الله صلى الله عليه واله وسلم خيبر فقال لرجل معه ممن يدعي الاسلام: هذا من أهل النار، فلما حضر القتال قاتل الرجل اشد القتال حتى كثرت به الجراحة، فكاد بعض الناس ان يرتاب فوجد الرجل ألم
                                ____________

                                (1) فراجع منه الحديث 13.
                                (2) أخرجه البخاري في باب غزوة خيبر: 3/37 من صحيحه.
                                (3) راجع: ص145 من المجلد الثامن من شرحي البخاري المطبوعين معافي اثنى عشر مجلداً وهما ارشاد الساري للقسطلاني وتحفة الباري للانصارى تجد التأويل المذكور مع التصريح بأن أبا هريرة لم يحضر فتح خيبر، وكذلك فعل السندي فيما علقه على هذا الحديث من تعليقته المطبوعة في هامش الصحيح.


                                ------------------------------------
                                الجراحة فأهوى بيده الى كنانته فاستخرج منها أسهما فنحر بها نفسه الحديث (1).
                                (قلت): هذا محل النظر من وجهين: احدهما دعواه انه شهد الوقعة مع رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وقد عرفت انه لم يشهدها، ولذلك ارتبك شارحوا هذا الحديث فقالوا: اما قول أبي هريرة شهدنا مع رسول الله خيبر فمحمول على المجاز والمراد جنسه من المسلمين لأن الثابت انه جاء بعد أن فتحت خيبر انتهى بلفظ الشارح القسطلاني (2).
                                ثانيهما: ان الرجل الذي قتل نفسه انما هو قزمان بن الحرث حليف ظفر المنافق. كان يقاتل على الاحساب؛ وقضيته التي ذكرها أبو هريرة في حديثه هذا معروفة (3) وقد قتل بأحد قبل اسلام أبي هريرة بدهر لكن أبا هريرة قد راب في أمره فخلط الحابل بالنابل.
                                ____________

                                (1) اخرجه البخاري في باب غزوة خيبر: 3/34 من صحيحه وفي باب ان الله يؤيد الدين بالرجل الفاجر من كتاب الجهاد والسير: 2/120 من الصحيح.
                                (2) في باب ان الله يؤيد الدين بالرجل الفاجر: 6/322 من ارشاد الساري.
                                (3) وقد ذكرها الواقدي وابن اسحاق وغيرهما وترجمة ابن حجر في الاصابة وكثير من أصحاب المعاجم والتراجم، وقزمان هذا هو الذي كان في احد لا يدع للمشركين شاذة ولا فاذة إلا اتبعها يضربها بسيفه حتى قيل لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم يومئذ ما أجزأ عنا أحدكما أجزأ فلان، فقال النبي: اما انه من أهل النار، فجرح جرحا شديداً فاستعجل الموت فوضع نصل سيفه في الارض وذبا به بين ثديه ثم نحامل عليه فقتل نفسه الحديث، أخرجه البخاري بالاسناد الى سهل بن سعد في باب: لا يقول فلان شهيد، من كتاب الجهاد والسير: 2/101 من صحيحه.


                                -------------------
                                وقد قال: رأيت سبعين من أصحاب الصفة ما منهم عليه رداء؛ الحديث ـ (1).
                                (قلت): استشهد هؤلاء السبعون باجمعهم يوم بئر معونة فحزن النبي صلى الله عليه واله وسلم عليهم وقنت شهراً يدعو في الصلاة على قاتليهم وكانت هذه الوقعة في صفر سنة أربع من الهجرة قبل اسلام أبي هريرة وقبل قدومه من اليمن فكيف يدعي رؤيتهم؟! وقال القسطلاني (2): ان السبعين الذين رآهم أبو هريرة غير اولئك السبعين والله تعالى أعلم.
                                وبالجملة: علمنا من تعقب أبي هريرة واستقراء حديثه انه كان كثيراً ما يحدث عن النبي صلى الله عليه واله وسلم بما لم يسمعه منه. وكثيراً ما يحدث عن الوقائع التي لم يحضرها، وربما اجعى حضورها وربما سمع شيئاً من كعب الأخبار أو غيره فراقه فحدث به عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم كما فعل في حديث (خلق الله آدم على صورته طوله ستون ذراعاً في عرض سبعة اذرع) (3) وهذا ما يضطر المؤمن الى اتقاء حديث هذا الرجل.
                                والعجب من أصحاب الصحاج يشحنون به مسانيدهم لا يلتفتون إلى لوازمه الباطلة ولا يأبهون بما يكتنفه من دلائل الوضع والاختلاف، ومن تتبع حديث الصحيحين عجب من بساطة الشيخين، واليك مثلا يلمسك هذه الحقيقة.
                                أخرج مسلم في باب فضائل أبي سفيان من طريق عكرمة بن عمار العجلي اليمامي: ان المسلمين كانوا لا ينظرون الى ابي سفيان ولا يقاعدونه فقال للنبي
                                ____________

                                (1) اخرجه البخاري في: 2/60 منصحيحه وقد أوردناه في أحوال أبي هريرة على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم من هذا الاملاء.
                                (2) في شرخ هذا الحديث: 2/220 من ارشاد الساري.
                                (3) وقد فصلنا القول فيما يتعلق بهذا الحديث إذ أوردناه اول الفصل: 11 من هذا الاملاء.


                                ----------------------------------------------------------------------

                                صلى الله عليه واله وسلم: يانبي الله ثلاث اعطنيهن، قال: نعم؛ قال: عندي احسن العرب وأجمله أم حبيبة بنت أبي سفيان ازوجكها. قال: نعم، قال ومعاوية تجعله كاتباً بين يديك، قال: نعم، قال: وتأمرني ان اقاتل الكفار كما كنت اقاتل المسلمين، قال: نعم؛ الحديث (1). اقتصر عليه مسلم في باب فضائل أبي سفيان إذ لم يجد والحمد لله سواه وهو باطل بالاجماع؛ لأن أبا سفيان انما دخل في عداد المسلمين يوم فتح مكة اجماعاً وقولا واحداً، وقبل الفتح كان عدو لله ولرسوله ومحارباً لهما.
                                اما بنته أم حبيبة واسمها رملة فقد اسلمت قبل الهجرة وحسن اسلامها فكانت ممن هاجر الى الحبشة هرباً من أبيها وقومها، وقد تزوجها رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وأبوها ممعن في الكفر مسترسل في محاربته للنبي فلما بلغه ان النبي قد تزوجها قال: ذلك الفحل لا يقدع انفه؛ وقدم بعد ذلك على المدينة يريد أن يزيد في الهدنة فدخل على بنته أم حبيبة فلما اراد الجلوس على فراشها طوته دونه فقال لها: رغبت به عني فقالت: نعم هذا فراش رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وأنت امرؤ نجس مشرك، نص على هذا كله اعلام الامة واثباتها وهو مما لا ريب فيه، ومن راجع كتب السير والاخبار ووقف على احوال أم حبيبة في كتب المعاجم والتراجم على التفضيل.
                                ____________

                                (1) تقف عليه في: 2/361 من صحيحه وهو من الاباطيل التي وضعها عكرمة اليمامي، وقد جرم بذلك ابن حزم كما نقله عنه النووي حيث اتى على هذا الحديث في شرح صحيح مسلم فراجع، وقال الذهبي في آخر ترجمة عكرمة بن عمار من ميزان الاعتدال ما هذا نصه: وفي صحيح مسلم قد ساق له اصلا منكراً عن سماك الحنفي عن ابن عباس في الثلاثة التي طلبها أبو سفيان وثلاثة احاديث اُخر بالاسناد أ هـ.
                                (قلت): ومن منكرات عكرمة هذا ما رواه عن أياس عن ابيه سلمة ان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال: ابو بكر خير الناس الحديث، رواه ابن عدي في كتابه الكامل وهو كما قال الذهبي في أول ميزانه اكمل الكتب واجلها في معرفة الضعفاء


                                ------------------------------------------------------------------------------

                                وحسبك ما اورده النووي عند بلوغه الى هذا الحديث في شرحه لصحيح مسلم (1) والحمد لله على الهداية للصواب، والشكر له إذ جعلنا من أولي الألباب وصلى الله على محمد وآله وسلم.

                                تعليق

                                المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                                حفظ-تلقائي
                                x

                                رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

                                صورة التسجيل تحديث الصورة

                                اقرأ في منتديات يا حسين

                                تقليص

                                لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

                                يعمل...
                                X