المقاومة تعرف أن إسرائيل لن توقف طلعاتها الجوية لأسباب أمنية
الاستطلاع يسبق عادة عملاً ما.. فما هي الخطوة التالية؟
إبراهيم الأمين
لن يكون للبنان الرسمي أو للمقاومة فيه القدرة على امتلاك قدرة قتالية ذات تقنية عالية لمجرد الرغبة بذلك. والأمر لا يتصل فقط بكون التقنيات الحديثة أو الأسلحة الجديدة موجودة لدى الغرب فقط، ولا بأن الأمر يتطلب موازنات هائلة من النوع الذي لا تقدر دولة مثل لبنان على توفيره في المدى المنظور، بل لكون الأمر يمثل أولا وآخرا قرارا سياسيا من الصعب إيجاد توافق لبناني شامل حوله. والخشية هذه المرة ليست من إقدام إسرائيل على رد فعل قاس كما يتبادر فورا الى أذهان كثيرين من خائفين او مترددين او عاديين. بل هي في كون الانقسام اللبناني حول الموقف من الصراع العربي الاسرائيلي يلامس فكرة انه يوجد بيننا من لا يعتقد بأن عليه مواجهة إسرائيل.. وفقط!.
ما حصل امس الاول، يمثل واحدة من نقاط القوة في مصلحة المقاومة كفريق. وثمة سيل من الأسئلة السياسية عن الخطوة وأبعادها السياسية وتوقيتها. وثمة كلام كثير من نوع: لا يمكن ل<<حزب الله>> ان يبادر الى خطوة كهذه من دون الحصول على إذن من سوريا وبالتالي من ايران؟ أو لا يمكن ل<<حزب الله>> أن يتصرف من عقله في أمر خطير كهذا؟ ولماذا قررت المقاومة (ومن خلفها) أن تقوم بهذه الخطوة بعد إعادة انتخاب جورج بوش رئيسا للولايات المتحدة ؟ ثم ما هي الخطوة التالية؟ وإلى جانب هذه الاسئلة المعقولة، ثمة سيل من التعليقات المكتومة وفيها جانب من السخرية حول حقيقة أن يكون <<حزب الله>> في موقع منافسة إسرائيل بهذه التقنية، وهي سخرية تعكس مرة جديدة الدونية المضمرة عند حشد من <<الفئران المنفوخة>> التي تخوض معركة سيادية من الطراز الاول لكنها تعتبر في المقابل ان مواجهة اميركا وإسرائيل ما هي الا انتحار موصوف.
على أي حال ثمة خطوة جديدة:
بعد التحرير الكبير في العام 2000، خففت إسرائيل من طلعاتها الجوية فوق الاراضي اللبنانية، واستمر ذلك لاسابيع قليلة، وسرعان ما عادت إلى الحركة اليومية إنما بحصر الطلعات فوق المناطق الحدودية وبعض مناطق الجنوب. وبعد مرور أشهر قليلة، وإثر استئناف <<حزب الله>> عملياته العسكرية في مزارع شبعا المحتلة، عمدت اسرائيل الى تكثيف طلعاتها الجوية ونقلها الى مساحات اخرى، ثم قررت اعتماد خرق جدار الصوت وعلى ارتفاعات منخفضة في عدد من المناطق ولا سيما فوق العاصمة وضاحيتها الجنوبية وذلك ردا على ما اعتبر يومها عمليات ناجحة من جانب المقاومة على طول الخط الحدودي.
ومع أن الامم المتحدة سعت الى الحد من هذه الخطوات، وأقرت بوجود خروقات مستمرة من جانب الاسرائيليين، الا ان المقاومة لجأت إلى خيار اطلاق المضادات الارضية بطريقة اثارت استغرابا لناحية مدى الفعالية التي توفرها هذه الأسلحة التي باتت تعتبر متخلفة في معارك سلاح الجو. ولكن لم تكن المقاومة تسعى يومها الى إسقاط طائرات العدو، إنما إلى جعلها تبتعد إلى ارتفاعات اكبر من جهة، وإلى إرهاب سكان المستعمرات الشمالية الذين فقدوا واحدا منهم بشظية قذيفة مضاد. ويومها حصلت حركة احتجاجات داخلية قوية، واتصالات شارك فيها الاميركيون وانتهت الى الآتي:
أقرت إسرائيل بأنها المسؤولة عن الخرق، لكنها تملك الأسباب الموجبة الأمنية والاستخباراتية التي تلزمها بعدم ترك سماء لبنان. وأنه يصعب على احد في إسرائيل إقناع قيادة الجيش وسلاح الجو تحديدا بوقف الطلعات فوق لبنان. وأنه في مرحلة ثانية سوف تعمد إسرائيل الى تقنين طلعاتها، وهي لن تنطلق بعد اليوم من المطارات التي تقودها مباشرة نحو لبنان، بل هي سوف تقوم بحركة التفافية تجعلها تنطلق من جهة البحر، ثم لبت رغبة المستوطنين، بأن امتنعت عن التحليق خلال ساعات ما قبل الظهر حتى لا تأتي ردود <<حزب الله>> فتربك الحياة اليومية، حيث تضطر المدارس إلى تهدئة الأطفال وتخلو الشوارع من المارة ويتقلص النشاط التجاري خلال ساعات العمل التقليدية. ولكن الجهات الاستخباراتية في اسرائيل اعربت في وقت لاحق عن اعتراضها على هذه القيود التي تحد من النشاط الضروري والتي تتيح للمقاومة في لبنان القيام بأمور كثيرة خلال هذا الوقت من دون مراقبة دقيقة، وأن متابعة بعض الانشطة الميدانية صارت تتطلب جهدا اكبر وطرقا مختلفة قد لا تكون متوفرة طوال الوقت. وهذا الامر دفع بالقيادة الاسرائيلية الى التراجع تدريجيا عن تعهدها بوقف الطلعات وتقليصها تمهيدا لوقفها، وعادت الطائرات الاسرائيلية لتعمل وفق رغبة وأهواء قيادتها. ما حدا بالمقاومة الى التفكير بخطوة جديدة.
ومنذ اللحظة الاولى لانطلاق البحث عند قيادة المقاومة، لم يكن هناك من يعتقد ان رجال <<حزب الله>> سوف يركبون طائرات حربية من نوع خاص ويقومون بطلعات فوق المدن الاسرائيلية، وكان الجميع يذهب في تقديره للخطوة المقبلة نحو خطوات تشبه عمليات إطلاق المضادات الأرضية لا اكثر. حتى ان إسرائيل نفسها، والتي تمتعت على الدوام بحس امني واستخباراتي رفيع، لم تفكر للحظة في أن يلجأ <<حزب الله>> الى هذه الفكرة. وهو ما شكل نقطة الخلل الرئيسية في حسابات ما حصل خلال الساعات ال24 الماضية. إذ إن الاخفاق لا يكمن فقط في فشل عمل اجهزة الرادارات ومحطات الرصد الهائلة التي تنشرها قوات الاحتلال على طول الحدود مع لبنان، والتي تتضمن موقعا كلف مئات الملايين من الدولارات على الساحل ويمكن رصد كل انواع التحرك البري والبحري والجوي حتى جبل الشيخ شرقا وساحل جنوب الليطاني شمالا وما بعد المياه الإقليمية غربا. بل ان الاخفاق المركزي تمثل في كون وحدة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية التي يقودها اهارون فركش قد <<تفركشت>> كما قال السيد حسن نصر الله في الحصول على معلومات حول ما يخطط له <<حزب الله>> من جهة، وحول ما يملكه من امكانيات من جهة ثانية. وهذا يقود الى وضع علامات استفهام حول صحة او دقة او شمولية المعلومات التي يقول الاسرائيليون إنها بحوزتهم حول تسليح <<حزب الله>> الصاروخي او حول نشاطه الامني داخل فلسطين المحتلة.. او حول خططه للمرحلة المقبلة.
وإذا كان حزب الله قد اعلن مسؤوليته عن هذه الخطوة وقال ان المقاومة سوف ترسل طائراتها الاستطلاعية متى تشاء، فهذا يعني ربطا بالتجربة وليس بأي شيء آخر، ان المقاومة تمتلك سربا من هذه الطائرات وأن الحديث لا يدور عن خطوة يتيمة، وأن هناك استعدادات لمواجهة ردة فعل متوقعة من جانب الاسرائيليين سواء لناحية إسقاط مثل هذه الطائرات او القيام بعمليات قصف لأماكن يعمد الاسرائيليون لاحقا للقول إنها تحوي على محطات عمل لهذه الطائرات. كذلك حول التقنية البديلة التي تحتاجها عمليات الاستطلاع هذه والاهداف الفعلية منها.. لكن السؤال المركزي هو: هل سوف توقف اسرائيل طلعاتها الجوية فوق لبنان؟
الارجح ان ذلك لن يحصل، الا اذا كنا امام هزيمة اسرائيلية غير مسبوقة. ما يعني ان السؤال الاهم هو: ما هي خطوة المقاومة التالية؟
الاستطلاع يسبق عادة عملاً ما.. فما هي الخطوة التالية؟
إبراهيم الأمين
لن يكون للبنان الرسمي أو للمقاومة فيه القدرة على امتلاك قدرة قتالية ذات تقنية عالية لمجرد الرغبة بذلك. والأمر لا يتصل فقط بكون التقنيات الحديثة أو الأسلحة الجديدة موجودة لدى الغرب فقط، ولا بأن الأمر يتطلب موازنات هائلة من النوع الذي لا تقدر دولة مثل لبنان على توفيره في المدى المنظور، بل لكون الأمر يمثل أولا وآخرا قرارا سياسيا من الصعب إيجاد توافق لبناني شامل حوله. والخشية هذه المرة ليست من إقدام إسرائيل على رد فعل قاس كما يتبادر فورا الى أذهان كثيرين من خائفين او مترددين او عاديين. بل هي في كون الانقسام اللبناني حول الموقف من الصراع العربي الاسرائيلي يلامس فكرة انه يوجد بيننا من لا يعتقد بأن عليه مواجهة إسرائيل.. وفقط!.
ما حصل امس الاول، يمثل واحدة من نقاط القوة في مصلحة المقاومة كفريق. وثمة سيل من الأسئلة السياسية عن الخطوة وأبعادها السياسية وتوقيتها. وثمة كلام كثير من نوع: لا يمكن ل<<حزب الله>> ان يبادر الى خطوة كهذه من دون الحصول على إذن من سوريا وبالتالي من ايران؟ أو لا يمكن ل<<حزب الله>> أن يتصرف من عقله في أمر خطير كهذا؟ ولماذا قررت المقاومة (ومن خلفها) أن تقوم بهذه الخطوة بعد إعادة انتخاب جورج بوش رئيسا للولايات المتحدة ؟ ثم ما هي الخطوة التالية؟ وإلى جانب هذه الاسئلة المعقولة، ثمة سيل من التعليقات المكتومة وفيها جانب من السخرية حول حقيقة أن يكون <<حزب الله>> في موقع منافسة إسرائيل بهذه التقنية، وهي سخرية تعكس مرة جديدة الدونية المضمرة عند حشد من <<الفئران المنفوخة>> التي تخوض معركة سيادية من الطراز الاول لكنها تعتبر في المقابل ان مواجهة اميركا وإسرائيل ما هي الا انتحار موصوف.
على أي حال ثمة خطوة جديدة:
بعد التحرير الكبير في العام 2000، خففت إسرائيل من طلعاتها الجوية فوق الاراضي اللبنانية، واستمر ذلك لاسابيع قليلة، وسرعان ما عادت إلى الحركة اليومية إنما بحصر الطلعات فوق المناطق الحدودية وبعض مناطق الجنوب. وبعد مرور أشهر قليلة، وإثر استئناف <<حزب الله>> عملياته العسكرية في مزارع شبعا المحتلة، عمدت اسرائيل الى تكثيف طلعاتها الجوية ونقلها الى مساحات اخرى، ثم قررت اعتماد خرق جدار الصوت وعلى ارتفاعات منخفضة في عدد من المناطق ولا سيما فوق العاصمة وضاحيتها الجنوبية وذلك ردا على ما اعتبر يومها عمليات ناجحة من جانب المقاومة على طول الخط الحدودي.
ومع أن الامم المتحدة سعت الى الحد من هذه الخطوات، وأقرت بوجود خروقات مستمرة من جانب الاسرائيليين، الا ان المقاومة لجأت إلى خيار اطلاق المضادات الارضية بطريقة اثارت استغرابا لناحية مدى الفعالية التي توفرها هذه الأسلحة التي باتت تعتبر متخلفة في معارك سلاح الجو. ولكن لم تكن المقاومة تسعى يومها الى إسقاط طائرات العدو، إنما إلى جعلها تبتعد إلى ارتفاعات اكبر من جهة، وإلى إرهاب سكان المستعمرات الشمالية الذين فقدوا واحدا منهم بشظية قذيفة مضاد. ويومها حصلت حركة احتجاجات داخلية قوية، واتصالات شارك فيها الاميركيون وانتهت الى الآتي:
أقرت إسرائيل بأنها المسؤولة عن الخرق، لكنها تملك الأسباب الموجبة الأمنية والاستخباراتية التي تلزمها بعدم ترك سماء لبنان. وأنه يصعب على احد في إسرائيل إقناع قيادة الجيش وسلاح الجو تحديدا بوقف الطلعات فوق لبنان. وأنه في مرحلة ثانية سوف تعمد إسرائيل الى تقنين طلعاتها، وهي لن تنطلق بعد اليوم من المطارات التي تقودها مباشرة نحو لبنان، بل هي سوف تقوم بحركة التفافية تجعلها تنطلق من جهة البحر، ثم لبت رغبة المستوطنين، بأن امتنعت عن التحليق خلال ساعات ما قبل الظهر حتى لا تأتي ردود <<حزب الله>> فتربك الحياة اليومية، حيث تضطر المدارس إلى تهدئة الأطفال وتخلو الشوارع من المارة ويتقلص النشاط التجاري خلال ساعات العمل التقليدية. ولكن الجهات الاستخباراتية في اسرائيل اعربت في وقت لاحق عن اعتراضها على هذه القيود التي تحد من النشاط الضروري والتي تتيح للمقاومة في لبنان القيام بأمور كثيرة خلال هذا الوقت من دون مراقبة دقيقة، وأن متابعة بعض الانشطة الميدانية صارت تتطلب جهدا اكبر وطرقا مختلفة قد لا تكون متوفرة طوال الوقت. وهذا الامر دفع بالقيادة الاسرائيلية الى التراجع تدريجيا عن تعهدها بوقف الطلعات وتقليصها تمهيدا لوقفها، وعادت الطائرات الاسرائيلية لتعمل وفق رغبة وأهواء قيادتها. ما حدا بالمقاومة الى التفكير بخطوة جديدة.
ومنذ اللحظة الاولى لانطلاق البحث عند قيادة المقاومة، لم يكن هناك من يعتقد ان رجال <<حزب الله>> سوف يركبون طائرات حربية من نوع خاص ويقومون بطلعات فوق المدن الاسرائيلية، وكان الجميع يذهب في تقديره للخطوة المقبلة نحو خطوات تشبه عمليات إطلاق المضادات الأرضية لا اكثر. حتى ان إسرائيل نفسها، والتي تمتعت على الدوام بحس امني واستخباراتي رفيع، لم تفكر للحظة في أن يلجأ <<حزب الله>> الى هذه الفكرة. وهو ما شكل نقطة الخلل الرئيسية في حسابات ما حصل خلال الساعات ال24 الماضية. إذ إن الاخفاق لا يكمن فقط في فشل عمل اجهزة الرادارات ومحطات الرصد الهائلة التي تنشرها قوات الاحتلال على طول الحدود مع لبنان، والتي تتضمن موقعا كلف مئات الملايين من الدولارات على الساحل ويمكن رصد كل انواع التحرك البري والبحري والجوي حتى جبل الشيخ شرقا وساحل جنوب الليطاني شمالا وما بعد المياه الإقليمية غربا. بل ان الاخفاق المركزي تمثل في كون وحدة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية التي يقودها اهارون فركش قد <<تفركشت>> كما قال السيد حسن نصر الله في الحصول على معلومات حول ما يخطط له <<حزب الله>> من جهة، وحول ما يملكه من امكانيات من جهة ثانية. وهذا يقود الى وضع علامات استفهام حول صحة او دقة او شمولية المعلومات التي يقول الاسرائيليون إنها بحوزتهم حول تسليح <<حزب الله>> الصاروخي او حول نشاطه الامني داخل فلسطين المحتلة.. او حول خططه للمرحلة المقبلة.
وإذا كان حزب الله قد اعلن مسؤوليته عن هذه الخطوة وقال ان المقاومة سوف ترسل طائراتها الاستطلاعية متى تشاء، فهذا يعني ربطا بالتجربة وليس بأي شيء آخر، ان المقاومة تمتلك سربا من هذه الطائرات وأن الحديث لا يدور عن خطوة يتيمة، وأن هناك استعدادات لمواجهة ردة فعل متوقعة من جانب الاسرائيليين سواء لناحية إسقاط مثل هذه الطائرات او القيام بعمليات قصف لأماكن يعمد الاسرائيليون لاحقا للقول إنها تحوي على محطات عمل لهذه الطائرات. كذلك حول التقنية البديلة التي تحتاجها عمليات الاستطلاع هذه والاهداف الفعلية منها.. لكن السؤال المركزي هو: هل سوف توقف اسرائيل طلعاتها الجوية فوق لبنان؟
الارجح ان ذلك لن يحصل، الا اذا كنا امام هزيمة اسرائيلية غير مسبوقة. ما يعني ان السؤال الاهم هو: ما هي خطوة المقاومة التالية؟