إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

صراع على أرض لبنان بين الحدود الدولية والخط الأزرق

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • صراع على أرض لبنان بين الحدود الدولية والخط الأزرق

    فصل من كتاب جديد
    صراع على أرض لبنان بين الحدود الدولية والخط الأزرق
    <<معارك>> دبلوماسية وميدانية حامية لتحديد الخط الأزرق... ولتنظيفه
    أمين حطيط




    بدون تعليق

    ما أشبه الليلة بالبارحة... فقبل اربع سنوات وبضعة شهور، وجد لبنان نفسه في مواجهة مجلس الأمن الدولي وتقرير الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان، وأساسا في مواجهة الادارة الاميركية ممثلة آنذاك بوزيرة الخارجية مادلين اولبرايت، بسبب التعجل في <<تبرئة>> إسرائيل والشهادة لها بأنها أنجزت انسحاب جيش احتلالها من الارض اللبنانية، في حين كانت لما تزل فيها..
    وها هو لبنان الآن يواجه قرارا ظالماً جديدا لمجلس الامن وموقفا غير نزيه لكوفي أنان متصلا هذه المرة بمطالب <<اسرائيلية>> بينها حل <<حزب الله>> (وقد اعتبره مجرد ميليشيا!!) ونزع سلاح المخيمات الفلسطينية، بينما <<تذوب>> أرض فلسطين الاصلية في مشاريع المستعمرات الاستيطانية وجدار الفصل العنصري...
    في المرة الاولى كان الاميركي، مباشرة، هو المحامي عن الاحتلال الاسرائيلي، وقد تطوع كوفي أنان لتقديم شهادة زور، سرعان ما أثبت لبنان بطلانها..
    أما في المرة الجديدة فإن الفرنسي يتصدر الهجوم، وإن الاميركي هو الداعم والحامي والمستفيد، على ان كوفي انان قام بدور مشابه لدوره الماضي بأن <<برر>> هذا الهجوم، متخذا من إجراءات سياسية داخلية الذريعة والمدخل لتبرعه بهذه الشهادة.
    هنا تنشر <<السفير>> فصلا من كتاب وثيقة أنجزه <<حارس التراب الوطني>> العميد الركن المتقاعد أمين حطيط، الذي سهر على استعادة كل شبر من ارض لبنان جلا عنه الاحتلال الاسرائيلي، وكان عليه ان يقاتل على جبهات عدة اخطرها المواجهة مع فريق الامم المتحدة، الذي كان يتعجل انتزاع الشهادة من لبنان بأنه قد استعاد ارضه، وأن اسرائيل قد التزمت فنفذت بأمانة القرار 425، وبالتالي فهي تستحق <<المكافأة>> بإعادة اعتبار دولية، على حساب الحقيقة ولبنان.
    ولقد اخترنا من الكتاب الذي سيؤرخ به لهذا الإنجاز التاريخي لدماء المجاهدين أبطال التحرير، وللموقف الرسمي الذي لم يلن ولم يتخاذل، خصوصا أنه مدعوم بالتأييد السوري المفتوح، الفصل الذي يفضح مدى التواطؤ الاميركي مع الاحتلال الاسرائيلي، وطبيعة الدور الذي لعبه كوفي أنان.
    والفصل المنشور هنا يتضمن:
    اولا المحاولة التي بذلها الفريق الدولي لانتزاع اعتراف لبناني بأن الاحتلال الاسرائيلي قد أنجز جلاءه، ولم يكن ذلك صحيحا.
    ثانيا المواجهة مع وزيرة خارجية الولايات المتحدة الاميركية مادلين اولبرايت التي حاولت <<إجبار>> لبنان على مثل ذلك الاعتراف ومنح شهادة حسن سلوك دولية لاسرائيل بأنها قد التزمت فنفذت القرار الدولي (ولو بعد 22 سنة من صدوره..)
    ثالثا محاولة كوفي انان تبرئة ذمة إسرائيل عبر بيان رئاسي يعتمد على بيان الامين العام للأمم المتحدة، بحيث يسند الزور التزوير، وهو بيان رفضه لبنان وأفشل بالتالي تبنيه ببيان رئاسي (كالذي صدر الشهر الماضي حول الوضع الداخلي في لبنان).
    وقد اضطرنا ضيق المساحة الى حذف بعض التفاصيل التي لا يؤثر غيابها على الرواية الكاملة لهذه المواجهة على الارض، ولو بغير سلاح، وما استتبعته من مواجهة دولية انتهت بانتصار دبلوماسي كبير للبنان عزز انتصاره بدماء مجاهديه.
    فخ أوبينغ
    خرجت من الاجتماع الساعة 21:15 بعد ان انتهت الامور فيه الى ما تم ذكره اعلاه، وهنا رغب الجنرال اوبينغ ان يقوم حيالي بلفتة ودية فدعاني الى مكتبه دون اعضاء الفريق تحت عنوان انه يريد ان يقول لي شيئا شخصيا بعد ان أنهي العمل في هذا اليوم الشاق.
    دخلت الى المكتب الملاصق لغرفة الاجتماعات وبقي اعضاء الفريق ينتظرونني فيها. وقف الجنرال اوبينغ خلف مكتبه وأشار إليّ بالجلوس على المقعد الملاصق لهذا المكتب، فلم أجلس وسألته عن قصده في هذه الدعوة لي فقال: إنني شديد الاعجاب بك، لقد كنت صلبا فوق ما توقع منك الجميع ويهمني ان تعلم ان العالم كله الآن ينتظر منا أنا وأنت كلمة واحدة لينصرف الى ترتيب شؤون الشرق الاوسط. في الاصل الكلمة هي كلمتي لأنني أنا قائد القوات الدولية التي تمثل الأمم المتحدة ولكنني منذ البدء رغبت ان لا أتحمل المسؤولية وحدي، وقد قلت للسيد كوفي أنان يجب ان يكون لبنان موافقا على موقف نتخذه بشأن الجنوب وألا تتعقد الامور. لذلك كان اصرار مني على اشراك لبنان في اعمال التحقق من الانسحاب خلافا لمضمون تقرير الامين العام للأمم المتحدة الذي وافق عليه مجلس الامن في الشهر الماضي. وإنني أعتبر ان الجهود الجبارة التي قمت انت شخصيا بها سيذكرها التاريخ اللبناني والعالمي بأحرف من نور.
    .. والآن، نتمنى ان تبقى على اتصال دائم معي ومباشرة لنعالج اي امر لأنني تيقنت من أنك موضع ثقة رئيس الجمهورية، وأن كلمتك مسموعة عنده، ويهمني ان يبقى رئيس الجمهورية اللبنانية راضيا عن عمل الأمم المتحدة في جنوب لبنان. وإنني أرغب إذا لم يكن لديك مانع من ان نلتقط صورة معا تكون عنوان صداقتنا الدائمة ثم ناولني بطاقة باسمه عليها رقم هاتفه الخاص والشخصي في المكتب (ثابت) والخلوي (جوّال).
    وقبل ان يدخل المصور الذي كان ينتظر في الخارج أجبته شاكرا إطراءه في البدء ثم تابعت القول بأننا في لبنان وبقيادة رئيس الجمهورية العماد إميل لحود نتمسك بالحق ونموت او نستشهد دونه، ومن التزم جانب الحق فإنه يكون صديقا لنا مهما كانت جنسيته او دينه او لونه، ومهما كانت وظيفته، ومن عادى الحق يكون قد عادانا. إذاً الآخرون هم الذين يحددون كيفية التعامل معنا من خلال احترامهم لحقوقنا او هدرهم لها. ونحن ان صادقنا نصادق على رؤوس الإشهاد دون خوف او وجل وأن نخاصم فيكون ذلك علانية دون كيد او طعن بالظهر. وإنني على اي حال كما ذكرت لك في نهاية الاجتماع الرسمي لا أعتبر عملنا قد أنجز فلدينا الكثير من الاجراءات والجولات لننهي المهمة. فأنت كما ترى اسرائيل لا زالت في ارضنا تقتطع منها مساحات وتقفل بعضها بالألغام وتقيم على بعضها الآخر المراكز العسكرية اضافة الى سرقتها المياه. وقبل ان تزول كل هذه الانتهاكات فإن عملنا المشترك الذي أشرت اليه لا يمكن ان يتوقف. وإنني أشكر مجددا مبادرتك في إعطائي ارقام هاتفك الشخصي ولكنني سأستعملها في العلاقة الشخصية غير الوظيفية، أما في ما خص المهمة فإن الاصول تفرض عليّ ان لا أتجاوز الجنرال سرينن رئيس الفريق الدولي المعين من قبلكم والذي عمل معنا حتى الآن ثلاثة اسابيع متواصلة.
    فوجئ الجنرال أوبينغ بهذا الحديث حيث تبين لي انه كان في الحقيقة يحضر لشيء يعلم بحصوله في المستقبل القريب، ويريد ان يأمن جانبي في ردة الفعل وكذلك فإنه يريد ان يحصل على موافقة رئيس الجمهورية على ما يخطط. ولكنه بعد ان سمع كلامي وأيقن فشل محاولته تراجع كثيرا عن مودته المستجدة، وكنا لا زلنا واقفين في مكتبه لأنني لم أجلس كما أشار لي، وهو لم يفعل ايضا. اما المترجم بيننا حسن سقلاوي الموظف في الأمم المتحدة والعامل في مركز قيادة قواتها في الناقورة مساعدا للناطق الاعلامي، فقد ذهل للرد وحاول ان يخفف بعض الأحيان من حدة التعابير فأجبرت على التدخل لقولها بالانكليزية بعد العربية لتكون واضحة تمام وضوح الشمس التي عملنا تحت أشعتها دون ان نخفي شيئا من حق او حقيقة.
    مفاجأة أنان
    أنهيت كلامي وحاولت الخروج وإذا بي أفاجأ بأن جميع من تبعني من فريقي هم خارج الباب ينتظرون وقد سمعوا إجابتي كما علمت منهم لاحقا بالكامل.
    مد الجنرال أوبينغ يده مودعا فصافحته ودخل الجنرال سرينن فودعته على أمل لقاء قريب يجمعني فيه لتصحيح الملاحظات التي ذكرتها في الاجتماع الرسمي. وخطوت خارج الباب ثلاث خطوات وإذا بهاتفي الخلوي يرن ويكون على الخط مراسل وكالة رويترز، حيث أبلغني ان أنان أعلن منذ نصف ساعة عن انتهاء اعمال التحقق ومن ان اسرائيل طبقت القرار 425 كاملا. فاستغربت النبأ وأبلغته بأن هذا الاعلان إن كان صدر فعلا عن أنان فإنه لا يعكس حقيقة الامور على الارض وإنني لا زلت في اجتماع مع الجنرال اوبينغ أقر فيه بأن الانتهاكات الاسرائيلية للأراضي اللبنانية لا زالت قائمة وأن الامر بحاجة لمتابعة ومعالجة.
    وبعد ذلك انهالت عليّ الاتصالات الهاتفية من جميع مندوبي وكالات الانباء والصحف والتلفزيونات يسألونني صحة الامر وكنت أجيب بما أجبت به مراسل رويترز. ولم تتوقف الاتصالات حتى دخلت الى الطوافة الايطالية التابعة للقوات الدولية والتي كانت وسيلتنا للعودة الى بيروت.
    الساعة 10,30 مساء ترجلت من الطائرة وسارعت للاتصال بالرئيس العماد لحود وأوجزت له نتيجة اعمال التحقق الميداني ومضمون ما دار في الاجتماع مع الجنرال أوبينغ وختمت حديثي بالجملة التالية حرفيا:
    <<إن هناك مخططا دوليا للضغط علينا للقبول بانسحاب اسرائيلي لم يحصل في الحقيقة لان اسرائيل لا زالت تقتطع مساحات من الارض في اربع مناطق وتقيم مراكز عسكرية في تسع نقاط وتسرق المياه اضافة الى التحفظات على الخط الازرق فيكون هناك 13 خرقا اسرائيليا اضافة الى المياه والتحفظات حيث تبلغ الانتهاكات 17 خرقا ومع ذلك فإن أنان يقول ان الانسحاب قد تم>>.
    قلت الجملة وسارعت إلى تسجيل كلامي في سجلي الشخصي لأنني اعتقدت منذ اللحظة الاولى انه سيترتب على هذا الكلام مسؤوليات خطيرة ومواقف تاريخية هامة وخشيت ان يخونني التعبير لذلك لجأت الى التسجيل ثم اعادة النظر ثم التأكيد عليه حتى بت أردده بحرفيته كما أردد اسمي.
    وكان للعماد لحود موقفه الصلب المعهود حيث أجابني: <<إذا أنت بتقول انو اسرائيل ما انسحبت يعني نحنا منقول هيك ويلي بدهن يقولوه يقولوه هيدي أرضنا وما حدا شريك معنا فيها>>.
    ثم سألني <<يعني أنت بتقول ما تم الانسحاب>> فأجبته: نعم لم يتم الانسحاب وهذا اعتراف قوات اليونفيل ومضمون حديثهم معي مسجل في المحضر فأجابني <<إذاً نحن نقول ما تم الانسحاب وخليهم يعملوا اللي بدهن اياه>>.
    وانتهت المكالمة لتبدأ عندي مرحلة جديدة في المواجهة لم أكن أقدر لحظتها حجمها ولكن الساعات المقبلة سرعان ما كشفت عظم الامر وخطورته.
    وبعد 15 دقيقة رن الهاتف وكنت لا زلت في السيارة في طريقي الى المنزل في الجنوب في صيدا وكان المتكلم اللواء جميل السيد المدير العام للأمن العام وسألني عن الوضع فذكرت له ما حصل وتوقفت عند الموقف الذي أبلغته لرئيس الجمهورية فكان متحمسا له ولم يكن في اي حال أقل تشددا في التمسك به منا.
    تداعيات إعلان أنان
    أ تقدير الموقف المتشكل لحظة اعلان بيان الأمين العام.
    كان ليل 16 17 حزيران 2000 ليلا طويلا بالنسبة لي. حيث أنني ازددت تلمسا لمخاطر الموقف الذي أصبحنا فيه والذي استطيع ان ألخصه هنا كما يلي:
    (1) ميدانيا: هناك اعتداء اسرائيلي مستمر ومتمادٍ أثبت وجوده امام الرأي العام محليا كان او دوليا عبر وسائل الاعلام التي كانت ترافقنا طيلة فترة التحقق، فضلا عن اقرار الفريق الدولي بهذا الاعتداء المتعدد الوجوه والأنواع وكان يقيننا معا، نحن والدوليون من الضباط اعضاء الفريق العامل معنا على الحدود ان العدو الاسرائيلي لا يزال يحتل ويقيم مراكز عسكرية في الارض اللبنانية وأنه يقتطع الارض ويضمها اليه وأنه يسرق المياه على الخط الذي سبق ذكره بالتفصيل في اجتماعنا في الناقورة المذكور أعلاه.
    (2) سياسيا ودوليا: الأمين العام للأمم المتحدة يعلن واستنادا لما يقول الى قوات الأمم المتحدة العاملة في لبنان، ان اسرائيل طبقت القرار 425، وهذا يعني ان الانتهاكات التي سجلتها خرقا للسيادة اللبنانية ستبقى كما هي وسيستقر الاحتلال فيها الى الأبد ويكون جهدنا قد ضاع سدى وبذلك نكون قد قصرنا بحق وطننا إن سكتنا على هذا الوضع.
    (3) محليا: هناك ميل لدى فرقاء محليين الى القبول بإعلان الامين العام للأمم المتحدة للاسراع في طي ملف الجنوب للأسباب التالية:
    (أ) فريق يريد ان يتفرغ للانتخابات النيابية بعد أقل من شهرين ولا يريد ان يضيع وقته وجهده في ملفات اخرى.
    (ب) فريق يريد ان يطوي ملف الجنوب ليسارع الى فتح الملف السوري قبل الانتخابات النيابية وعلى طريقته الخاصة.
    (ج) فريق يريد ان يسارع الى ارسال الجيش الى الجنوب ليطوي صفحة <<حزب الله>> التي لا يستسيغها.
    وفرقاء آخرون يريدون الاسراع في طي الملف لغاية في نفس يعقوب.
    (د) فريق يريد اغلاق الملف الأمني العسكري ليسارع الى فتح الملف الاقتصادي والاستفادة من تقديمات الدول المانحة لإعمار لبنان.
    (4) رسميا:
    أما الموقف الرسمي فهو الذي اتخذه العماد لحود عن قناعة أكيدة وتحليل سليم، فإنه موقف عبر عنه علنا بما نسب الى العماد من قول، وبما صدر عن رئيس الحكومة وزير الخارجية من تصريحات وبما صرحت به أنا في الميدان او نسب إلي وهو المستند الى التوجيهات الاساسية العامة لفخامة الرئيس لحود. هذا الموقف سارعنا ببلورته واعلانه في اللحظة الاولى لإعلان أنان.
    كان ذلك باتصالي بفخامة الرئيس، اما رئيس الحكومة وزير الخارجية الدكتور سليم الحص. فقد فكرت ان أتصل به وكانت الساعة قد تعدت الثالثة والعشرين فأحجمت وتركت الامر للغد ولكن رئيس الحكومة لم ينتظر فبادرني باتصاله قبل ان اصل الى منزلي فشرحت له الوضع مليا وأصغى بانتباه بالغ وختم المكالمة سائلا: <<يعني نحن منقول إنو اسرائيل لم تنسحب بعد من كل الاراضي اللبنانية وفقا للواقع الآن>>. فأجبته تماما وأن إعلان الامين العام كان متسرعا وغير مبني على حقيقة واقعه. فقال لن نقبل الاعلان اذاً وهذا الذي سيكون.
    وبذلك اكتمل عقد الموقف الرسمي المعبر عنه بكلمة واحدة: رفض اعلان الامين العام.
    ب مضمون بيان الأمين العام للأمم المتحدة:
    لم يتسن لنا الاطلاع على مضمون بيان الأمين العام للأمم المتحدة حرفيا لدى اعلانه ولكن جل ما وصلنا منه قبل منتصف الليل أنه قال إن اسرائيل نفذت القرار 425 وانسحبت من لبنان انسحابا تاما. ولكن ما هو المضمون الفعلي لهذا البيان... انتظرنا الصباح عله يحمل لنا الاجابة حيث ان مركز الأمم المتحدة في بيروت وزع نص كلمة أنان حيث ورد في مطلعها ما يلي (جريدة النهار 17/6/2000):
    <<يسعدني ان أعلمكم بأن قوات الامم المتحدة في لبنان قد نقلت إلي اليوم تقريرا بأن اسرائيل قد انسحبت من لبنان تماما طبقا لقرار مجلس الامن 425. وقد قمت بنقل هذا النبأ الى مجلس الأمن>>.
    لحود والحص يرفضان
    رفض العماد لحود اعلان الأمين العام بانسحاب اسرائيل من لبنان وأكد ان لبنان تمسك بالقرار 425 وهو يطالب بالالتزام الكامل بهذا القرار وبتقرير الأمين العام للأمم المتحدة الصادر عنه في 22 ايار 2000 نصا وروحا، وأن لبنان سيعتبر ان الانسحاب الاسرائيلي ليس كاملا اذا اقتصر على خط وهمي غير موجود ولم يبلغ الحدود الدولية القائمة والمعترف بها والموثقة والمعروفة لدى الأمم المتحدة ولدى جميع الدول المعنية والمهتمة وهي حدود غير قابلة للتعديل او للإغفال>>.
    ثم رفض العماد لحود التفسيرات التي أعطيت للمذكرة التي كان أرسلها في 11/6/2000 والتي ضمنها تمسكه بالحدود الدولية وليس بالخط الازرق، وقال: <<ليس هذا الامر من قبيل التحفظ فحسب بل لحفظ الحقوق حيال الانسحاب الاسرائيلي مستقبلا إذا لم يبلغ هذا الانسحاب الحدود الدولية>>.
    وحتى يكون موقفه معروفا فقد طلب الرئيس لحود ان تعمم كلماته التاريخية هذه على سفارات لبنان في الخارج لتتخذها اساسا لإعلام او ابلاغ المعنيين فيها بالموقف الرسمي اللبناني من اعلان الانسحاب.
    ج. موقف الرئيس سليم الحص:
    وكان أداء الرئيس سليم الحص في هذه اللحظات التاريخية شاهدا على وحدة الموقف الوطني حيال مصير الارض اللبنانية التي لا زالت تحت الاحتلال. فقد عبر عنه بالتصريح الذي ورد في بيان رسمي مكتوب صادر عنه بالصيغة التالية: <<نحن على أحر من الجمر لإعلان انسحاب اسرائيل الكامل الى ما وراء الحدود الدولية كي يتسنى للقوات الدولية مباشرة المرحلة الثانية من مهمتها وهي الانتشار في المناطق المحررة. ولكن الواقع، للأسف الشديد، كما يبدو مساء اليوم الجمعة ان اسرائيل لم تنسحب بعد من كل الارض اللبنانية وقد تبين للفريق اللبناني والدولي انه ما زالت هناك مراكز عسكرية اسرائيلية عدة داخل الحدود اللبنانية وما زالت بقع عدة من الارض اللبنانية تحت السيطرة الاسرائيلية في عمليات قضم سافرة>>.
    ... <<وإنني لا اعتقد، كما يضيف الرئيس الحص، ان الأمانة العامة يمكن ان تعلن إتمام عملية الانسحاب وفق القرار 425 إذا ما اطلعت على هذه الحقائق. وعلى أي حال فإن لبنان لا يعتبر ان الانسحاب كامل ولا يعتبر ما جرى تنفيذا للقرار 425. وأن لبنان الذي ليس بوارد مواجهة الأمم المتحدة فإنه لن يفرط بأي قطعة ارض ولو صغيرة وأن من واجب الأمم المتحدة تنفيذ القرار 425 بحذافيره>>.
    الحص بشجاعة رجل الدولة المسؤول عن سياسة الدولة والمكلف بإعلان مواقفها الرسمية، يعلن هذا الموقف ايضا ويفصله تفصيلا لا يترك لأحد مجالا للشك في حقيقة الموقف الرسمي اللبناني.
    الموقف الدولي: ردة الفعل
    رحبت كل من اميركا وفرنسا واسرائيل بإعلان الأمين العام وسارعت هذه الدول فورا وقبل ان يأخذ مجلس الأمن علما رسميا بما حصل وتم إعلانه، سارعت هذه الدول الى مطالبة لبنان بالوفاء بالتزاماته في تطبيق القرار 425 والمعبر عنها دوليا بوجوب ارسال الجيش اللبناني الى الجنوب. والحجة الظاهرة لهذا التدبير هي بسط سلطة الدولة على كافة اراضيها بمساعدة الأمم المتحدة. وحتى تكون المساعدة الدولية فاعلة فقد طرحت الولايات المتحدة الاميركية (وأعلن ذلك لارسن) مسألة زيادة عدد قوات الطوارئ الدولية في الجنوب الى ثمانية آلاف عنصر. ولكن فرنسا التي أبدت حماسا للإعلان ولتأكيد الانسحاب الاسرائيلي لم تماش اميركا في مسألة زيادة عدد قوات الطوارئ حيث ان وزير دفاعها آلان ريشار Alain Richard تساءل عن الحاجة الى زيادة عدد قوة الطوارئ في حال تمكن لبنان من استعادة سلطته على المناطق التي انسحبت منها اسرائيل.
    هذه هي المواقف الاولى التي صدرت دوليا بالاضافة طبعا الى سكوت اسرائيلي يعبر عن الرضا التام على موقف الأمين العام. لكن هذا السكوت لم يطل حيث أصدرت رئاسة مجلس الوزراء ظهر يوم السبت بيانا ترحب فيه بإعلان الأمين العام وتوقعت ان تعمل الأمم المتحدة على ان يطبق القرار 425 بشكل كامل حتى يسود الهدوء في المنطقة.
    أ داخليا: اتخذ <<حزب الله>> موقفا شديدا من إعلان الأمين العام حيث رفض تأكيد إتمام الانسحاب الاسرائيلي ووصف القول بذلك بأنه غير صحيح وغير واقعي ومتسرع، وأسف لتحول الأمم المتحدة الى غطاء لاستمرار احتلال الصهاينة لأجزاء من الأرض اللبنانية، كما شدد على ضرورة قيام المنظمة الدولية بمعالجة كل الخروقات الاسرائيلية للحدود والالتزام الدقيق بالملاحظات، وإلا فإن الحزب يعتبر أن مهمة التحرير لم تنجز كاملة بعد وتبقى المقاومة خياره الاكبر لتحرير آخر شبر من الأرض المحتلة.
    لقد هدد <<حزب الله>> المقاومة الاسلامية اذن بالعودة الى القتال لتحرير الارض، وكان هذا الموقف الداعم للموقف الرسمي الرافض لإعلان الامين العام صدمة غير متوقعة من قبل الذين خططوا لاغتصاب الارض اللبنانية تحت المظلة الدولية. وان وحدة الموقف الرسمي والمقاوم حيال بيان الامين العام والرفض المتعلق بهذا البيان أدت الى لجم الاندفاع في تأييد انان في موقفه ووضعت بيانه موضع الشك حتى اصبح بحاجة الى دعم مجلس الأمن ليتابع التنفيذ.
    ب موقف أنان الأمين العام المتحدة:
    لم يكن أنان ينتظر كما يبدو ان يتجرأ لبنان على رفض اعلانه وقد صدم بموقف لبنان رسميا اولا ثم بموقف المقاومة فسارع الى إجراء مشاورات واسعة في مجلس الأمن يوم السبت ليطلب تأييد أعضاء المجلس ودعمهم لموقفه، وحاول ان يطمئن لبنان بأن مراقبي الأمم المتحدة سيفيدون مجلس الأمن عن اية خروقات.
    وقد وجد أنان نفسه، رغم الدعم الاميركي المطلق لمواقفه، انه عاجز عن السير قدما في مشروعه خاصة بعد ان صدر عن لقاء السفيرين الاميركي والفرنسي في مجلس الأمن موقف نبها فيه الى ان تصعيد الموقف قد يتسبب بتفجير، وسواء كان التفجير مقصودا او غير مقصود فهو سيضر بعملية انتشار قوات الأمم المتحدة ويعرقل مهماتها في الجنوب. هذا الموقف الذي كان في ظاهره واحداً فإنه في باطنه كان يعكس التباين بين الموقفين الفرنسي والاميركي. حيث إن الفرنسي كان يقصد من رفض التصعيد، رفض تحدّي الارادة اللبنانية والموقف اللبناني القائل بأن الانسحاب لم يتم بينما كان الاميركي يقصد بالتصعيد موقف لبنان الرافض لموقف الامين العام.
    ج المواقف داخل مجلس الأمن:
    في غمرة هذا التناقض في الموقف بين لبنان والامين العام للأمم المتحدة وأميركا وفرنسا تم اللجوء الى مجلس الأمن لعلّه يتخذ موقفا موحداً يدعم أنان كما فعل سابقا بشأن الخط الازرق ويسقط الشرعية الدولية عن الموقف اللبناني، ودخلت الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن في مشاورات في ما بينها، كل يرغب في تسويق موقف يخدم المصلحة التي يريد تحقيقها.
    مضى يوم السبت 17/6/2000 بنهاره كله ونحن نتابع عبر الاعلام والهاتف مجريات الامور ومواقف المعنيين بالشأن الجنوبي الذي هو بنظرنا شأن وطني وقومي وبنظر الآخرين إقليمي ذو بعد دولي.
    وكنت أنتظر اتصالا في اية ساعة من النهار من الجنرال جيم سرينن يبلغني فيه إزالة اعتداء ما او يطلب مني لقاءً للتحقق من تصحيح معين. ولكن الاتصال لم يأت واللقاء لم يحصل.
    ومع المساء اتصلت برئيس الجمهورية وأبلغته بأن قيادة قوات الطوارئ في الجنوب غابت عن السمع اليوم وان الوضع بالنسبة لنا يبقى على الصورة التي كان عليها منذ 24 ساعة اي عند ارفضاض الاجتماع مع ستيف كوفي اوبينغ الجنرال الغاني قائد الطوارئ. وقد اجابني الرئيس بالقول: إذا لم يتغير الوضع ميدانيا فإن موقفنا الرسمي لا يتغير وبالتالي سنبقى على رفضنا لموقف الامين العام ونحن نعتبر ان الانسحاب لم يحصل بشكل تام وسنبقى متمسكين بهذا الموقف.
    بعد ان استمعت الى نشرات الاخبار المسائية انتعش الأمل لديّ بأن تتغير الامور دوليا لمصلحتنا خاصة بعد ان حملت الاخبار نبأ تعثر المشاورات في مجلس الأمن الذي تريد منه المجموعة الغربية بزعامة اميركا تأييداً ودعماً لبيان انان ووقفت روسيا والصين في موقع غير ملائم لهذا التوجه وغير متجاوز للموقف اللبناني.
    انقضى النهار وفي نفسي امور ثلاثة:
    (1) ثقتي المطلقة بثبات الموقف الرسمي اللبناني الرافض لإعلان الامين العام.
    (2) مخاوف من خضوع المنظمة الدولية للموقف الاميركي وعدم الاكتراث بالرفض اللبناني مع ما يحمل ذلك من مصاعب مستقبلية سنواجهها في حركتنا سعياً وراء حقنا الوطني.
    (3) تمنٍّ بأن يبقى الموقف الرسمي الصيني والروسي على حاله ليحول دون تفرد اميركا ومن معها بالقرار الدولي.
    فصل ثانٍ
    الضغط الأميركي المباشر
    اخلدت للنوم بعد ان تركت هاتفي الخلوي بعيدا عني في الفراش حتى اضطر الى النهوض من سريري اذا سمعت نداءه. وإذا به يرنّ في ساعة تجاوزت منتصف الليل ب20 دقيقة فاستيقظت وهرعت إليه ولكن المتصل أقفل قبل ان اصل فبحثت عن رقمه في ذاكرة الاتصالات، فتبين انه لم يرسل هذا الرقم مع النداء. جلست قليلا افكر وما هي إلا لحظات حتى يرن الهاتف ثانية ولا تسجل شاشته رقما وقال لي المتصل بعد ان تأكد من وجودي على السمع: <<معك فخامة الرئيس>> ودار بيننا حوار كالتالي بدأ الرئيس:
    أمين اتصلت بي اولبرايت من اميركا وسألتني عن سبب رفض لبنان القبول بإعلان الامين العام فقلت لها لأن الانسحاب لم يكتمل، فقالت لي من قال لك ذلك، فقلت لها فريقنا المكلف بالتحقق، فقالت وهل لديك مانع من ان اتحدث مع رئيس الفريق فقلت لها لا مانع لديّ. لذلك اريد منك ان تبقى على الهاتف وتنتظر اتصالا من اولبرايت.
    أجبت بأنني حاضر لذلك ولكن اتمنى سيدي ان تبقى فخامتكم على السمع إن كان ذلك ممكنا لأنني لن اتكلم الانكليزية معها وسأتكلم فقط العربية.
    فقال نعم سأكون معكما على الخط.
    وأقفل الرئيس الخط وانتظرت الاتصال الثاني.
    أ المشاركون
    خمس دقائق مضت ويرن هاتفي الخلوي ثانية وينادي المتكلم باللغة الانكليزية general Amin Hoteit فأجيب بنعم ويتابع المتكلم وبالانكليزية ايضا السيدة اولبرايت ستكون معك على الخط ثم تحول الخط لي وما هي إلا دقائق إلا ويكون على السمع العماد لحود رئيس الجمهورية ويناديني للتأكد من دخولي على الخط فلما أجبته قال لي باللغة العربية: <<السيدة اولبرايت تريد ان تستوضح بعض الامور في ما يتعلق بعملكم الميداني بشأن الحدود>>. فأجيبه بأنني جاهز. ثم ظهر لي انه دخل على الشبكة ايضا كل من السيد تيري رود لارسن ممثل الامين العام ومندوبه الى الشرق الاوسط والجنرال ستيف كوفي اوبينغ قائد الطوارئ في الجنوب. اي ان المتحادثين اصبحوا خمسة، واكتمل نصاب من تريد محادثتهم السيدة اولبرايت ومن تريدهم شهود إثبات لإعلان الامين العام وشهود نفي للموقف اللبناني.
    ب الحوار: اولبرايت تستوضح:
    تسألني السيدة اولبرايت وزيرة خارجية الولايات المتحدة الاميركية عن كيفية إنهاء المهمة في الجنوب، وتثني بإطناب على عملنا وجهدنا في إنهاء هذه المهمة الوطنية الصعبة وتذكر انها تابعت بإعجاب عمل الفرق على الخط الازرق وصولا لتأكيد إتمام الانسحاب الاسرائيلي.
    هنا وجهت الكلام للعماد لحود واستأذنته بأن أجيب باللغة العربية وأن يترجم لي احدهم قول السيدة اولبرايت، او اي قول او حديث او سؤال يتم تداوله في المحادثة باللغة الانكليزية، لأنه برغم معرفتي بهذه اللغة خشيت ان اخطئ تفسير كلمة او فهم تعبير او استعمال عبارة تكون خلافا لما أقصد او خلافا لما يقصد المتكلم، فوافق الرئيس وطلب من اولبرايت ان تدخل في المحادثة مندوب لبنان الدائم لدى الأمم المتحدة السفير سليم تدمري، وتم ذلك في غضون دقيقتين اغتنمتها كفرصة في تحضير وثائقي من حقيبتي التي كانت تلازمني في حلّي وترحالي منذ بدء المهمة.
    تناولت دفتر الملاحظات، وحضرت لائحة الانتهاكات الاسرائيلية ومضمون المناقشات مع اوبينغ قبل يوم واحد، وما ان اصبحت جاهزا والخريطة امامي حتى سألني السفير تدمري بعد ان عرّف عن نفسه، فأعاد عليّ سؤال اولبرايت التي أعادت هي سؤالها عليه.
    بعد تفكر في السؤال ادركت ان وزيرة خارجية اميركا تريد ان تنتزع مني بداية إقراراً ضمنياً بإتمام الانسحاب وبانتهاء المهمة، هنا اجبت:
    <<إننا حتى الآن قمنا بواجبنا، وأجرينا تحقيقاً أولياً على طول الحدود التي تمكنا من الوصول إليها. ولكننا لم نستطع الوصول الى نقاط ومناطق كثيرة بسبب الألغام وانعدام المسالك الآمنة إليها. وقد سجلنا في النقاط التي وصلنا إليها ملاحظات عديدة ابلغناها الى فريق الأمم المتحدة فوافق على أكثريتها واستمهل في الاجابة على القسم الآخر:
    اجابت اولبرايت: إن اسرائيل انسحبت من كل النقاط التي طلبت أنت الانسحاب منها وبالتالي تعتبر ملاحظاتك منفذة والامور انتهت وقد شهد بذلك فريق الأمم المتحدة.
    وكان ردي هنا بالقول: نحن كنا مع فريق الأمم المتحدة أمس على الأرض في ميدان العمل وعملنا معاً وسجلنا الملاحظات التي توجد الآن أمامي لائحة بها وقد أقر الفريق الدولي بها ولم أسمع من أحد خلاف ذلك. وان اسرائيل موجودة عسكريا وتقيم مواقع متتالية لها في تسعة مراكز هي كما أقرأ الآن على اللائحة:
    1 و2 مركزا مراقبة في يارون.
    3 مركز قتال ومراقبة في رميش.
    4 مركز في ميس الجبل.
    5 مركز في تلة العباد.
    6 مركز في المطلة.
    هذا على الجزء من الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة، أما على الجزء المتبقي بين لبنان وسوريا فهناك ثلاثة مراكز هي دالية وحوراتا ورويسات العلم، ويضاف الى ذلك خمس مناطق تقتطع اسرائيل الارض فيها ولم نستطع الدخول إليها في علما الشعب وهونين والعديسة والحمامص وكفرشوبا.
    دون ان أنسى المياه والألغام والتحفظات اللبنانية الأساسية.
    كل هذا الأمر اعترف به الفريق الدولي برئاسة الجنرال أوبينغ البارحة، وكيف بعد ذلك يمكن ان نقول إن اسرائيل انسحبت والمهمة انتهت.
    أنهيت إجابتي وكنت خلالها أترك المجال للمترجم لأن ينقل لها بدقة ما اقول حتى إذا كان هناك خطأ في نقل تعبير او اسم معيّن أتدخل معه للتصحيح ويدعمني في ذلك الرئيس العماد لحود.
    أولبرايت تلتف على الحقيقة
    بعد ان وقفت أولبرايت على إجابتي حاولت ان تعطل مكامن الإحكام فيها، فردّت عليّ قائلة: تقول إنك تعتقد بأن اسرائيل لم تنسحب وأن هناك وجودا لها في بعض النقاط على الحدود، كما أنك تقول ان بعض المناطق شاهدتها من الجو ولم تجد فيها قوات اسرائيلية، وبالمقابل فإن قوات الطوارئ أفادت قبل قليل بأن جميع ملاحظاتك التي استلمتها منك تم تصحيحها وعولج الأمر.
    هنا رأيت السيدة أولبرايت تجيب على أمور لم أطرحها وتحاول ان تقنع المشتركين بالمحادثة بأنني قلت أمورا دون ان أنطق أنا بالأصل بها، فأجبت بنبرة أعلى مما كان عهدي منذ قليل وقلت لها:
    لم أقل إنني أعتقد بأن اسرائيل لم تنسحب بل إنني أؤكد جازما بأن اسرائيل ما زالت في الارض اللبنانية في المراكز التي استطعت ان اصل إليها وأسجل الملاحظات فيها. أما بالنسبة للمناطق المقفلة فإن الألغام التي وضعتها اسرائيل هي التي منعت وصولنا من السير إليها وتبقى بحكم غير المراقبة وبعيدة عن متناول أيدينا. أما القول بأن اسرائيل غير موجودة فيها عسكريا فإن منع اللبنانيين من الوصول إليها يعني أنها ما زالت تحت الاحتلال.
    هنا تدخل العماد لحود وخاطب اولبرايت بالانكليزية فأعلمها بأن الفريق اللبناني يعمل ويقوم بمهمته بدقة وإتقان وأنه لا يقول إلا ما يكون قد تأكد منه، وأن الجنرال أمين حطيط واضح تماما كما اصبح مفهوما من إجاباته وحديثه ورده بأن الانسحاب الاسرائيلي لم يتم، وهذا هو الموقف الذي تبنّاه لبنان وأعلنه في بياناته الرسمية وأبلغه مجلس الأمن.
    ردت اولبرايت على العماد لحود مستأذنة بمتابعة استفهامي لنقاط يجب ان تسمعها مني مباشرة فلما أذن لها قالت لي:
    أنت سجلت الملاحظات منذ يومين وإسرائيل صحّحتها أمس واليوم كذلك، ولم تذهب أنت بعدها الى الجنوب لأنك امتنعت عن مرافقته فريق الأمم المتحدة الذي تحقق بنفسه من إنهاء كل شيء.
    صلابة الموقف وحزم المواجهة
    فأجبتها ان في هذا القول مغالطات كبيرة:
    أولا الملاحظات مسجلة منذ يوم واحد وليس يومين.
    ثانيا فريق الأمم المتحدة هو الذي تقاعس عن تحديد الموعد الذي كان يجب ان يتم بيننا لنتأكد من عملية التصحيح.
    وتابعت: وهنا أؤكد أن اسرائيل لو صححت انتهاكا واحدا لكان فريق الأمم المتحدة سارع لندائي للتحقق. ولكن إسرائيل لم تفعل شيئا والفريق الدولي لم يجد ضرورة في الذهاب الى الحدود التي بقيت فيها الأمور على حالها. أما عن متابعة الأمر في الجنوب فأتمنى أن يعلم الجميع انني أكلمك الآن من وسط الجنوب وانني الآن أشاهد الأنوار على الحدود من منزلي وانني أقول ما أشاهد ولا أتكلم عبر البحار أو أنطق نقلا عن آخرين أو أنقل ما يردده غيري. لذلك أؤكد بأن إسرائيل ما زالت محتلة لأرضنا.
    عن أي أرض تتكلم!؟... أجابت أولبرايت.
    هنا كان ردي: عن الأرض اللبنانية المعترف بها.
    فأجابت: لكن الأمم المتحدة قررت الخط الأزرق وأصبح هذا الخط خطاً دولياً وان وجود إسرائيل على الخط الأزرق لا يعتبر احتلالا.
    أدركت في إجابة أولبرايت محاولة منها لاستدراجي الى نقاش حول الخط الأزرق تسقط تحفظاتنا الميدانية، فكان لا بد لي من الحسم السريع في إجابة تفسد محاولتها فقلت:
    أولا نحن نتمسك بحدودنا الدولية للعام 1923 أي قبل وجود إسرائيل، واننا اعتمدنا الخط الأزرق في كل أجزائه المطابقة لحدودنا الدولية وتحفظنا عليه في ما خالفها، هذا في المناقشات عند تحديد المرجع الميداني لتأكيد الانسحاب.
    ثانياً: عندما ذهبنا الى الميدان فقد اعتمدنا الخط الأزرق الذي قالت به الأمم المتحدة المحتفظة هي بتحفظاتنا عليه. وعندما أقول إن إسرائيل لم تنسحب فإنني أعني بوضوح كامل انها لم تنسحب وفقا للخط الأزرق الذي أصبح بعد مصادقة مجلس الأمن على تقرير الأمين العام ملزماً للأمم المتحدة وعليها تنفيذه على الجميع.
    تدخل العماد لحود في هذه النقطة فقال: موضوع الخط الأزرق والتحفظات عليه تمت مناقشتها وموقفنا واضح حيالها وسجل رسمياً لدى الأمم المتحدة، وان عمل الفريقين اللبناني والدولي يتم الآن بالاستناد الى هذا الخط وان إسرائيل كما أصبح مؤكداً من إجابات الجنرال حطيط لم تحترم هذا الخط أيضا.
    ه مناورة أولبرايت: فخ جديد ينصب للبنان:
    ردت أولبرايت، عندما عجزت عن انتزاع أي كلمة منا تأخذها علينا بأنها تراجع عن الموقف، فحاولت من جديد المداورة وبدبلوماسية حاذقة فقالت: قد تكون على حق في بعض ما تقول لأن معلوماتنا الخاصة تشير الى ان إسرائيل عادت الى بعض المواقع بعد أن رفض لبنان إعلان الأمين العام. فتقدمت في بعض النقاط لتتخذ مواقع دفاعية لها لمنع الاعتداءات عليها وهذا التقدم ظرفي مؤقت وسينتهي فوراً.
    أدركت في كلام أولبرايت وجود فخ جديد، أي انها تريد ان تنتزع منا اعترافاً بأن إسرائيل انسحبت بالكامل أي انها طبقت القرار 425 ثم عادت وتقدمت في اعتداء جديد. أي اننا أصبحنا بحاجة الى قرار جديد من مجلس الأمن إذا بقي الاحتلال قائماً، وانها تستطيع ان تنهي هذا الاعتداء الطفيف بسرعة لأنها تعتبره ظرفياً ومؤقتاً.
    هنا سارعت الى تعطيل فخِّها فقلت: إنني أقول خلافاً لما فهمت مني، لم أقل بأنها انسحبت ثم عادت. بل قلت انها لم تنسحب أصلا من بعض النقاط التي سجلتها بدقة وذكرتها لك في بداية المحادثة، وان حركتها حتى الآن هي في اتجاه واحد أي الى الوراء وان احتلالها ما زال استمراراً لاحتلالها للعام 1978 وليس احتلالاً جديداً.
    هنا تدخل العماد لحود قائلا: لم يقل أحد ان إسرائيل عادت واحتلت بل جميعنا نقول بأن إسرائيل بقيت على احتلالها السابق لبعض المراكز، إذن القرار 425 لم ينفذ كاملا وهذا هو صلب الموضوع.
    أجابت أولبرايت: لكن اليونيفل قالت أولا بإتمام الانسحاب ثم قالت الآن بوجود بعض المراكز الصغيرة التافهة وتطلب اليونيفل إزالتها، ومعها وعد بأن ذلك سيزول في أقل من 12 ساعة.
    هنا صححت لوزيرة خارجية الولايات المتحدة كلامها فقلت: اليونيفل حسب محادثاتي معهم وقولهم لي مباشرة لم يذكروا أبدا ذلك، وقد قالوا دائما ان إسرائيل لم تنسحب من هذه المراكز وانها تقتطع بعض المناطق بالألغام وليس هذا عملا جديدا، وتمنع الوصول ايها وهذا اعتداء مستمر ولم يقولوا مرة واحدة بأن إسرائيل انسحبت ثم عادت.
    أولبرايت تفشل وتغضب
    أجابت أولبرايت: ان الوقت يمر بسرعة وعليكم أن توفروا الفرصة للأمن في الجنوب. ان العالم ينتظركم ليسير قدماً الى الأمن والسلام، وعليكم تسهيل أمور الأمم المتحدة وان ما تدعون من وجود إسرائيلي طفيف يمكن معالجته لاحقا.
    أجاب العماد لحود: نحن انتظرنا 22 سنة لتحرير أرضنا، ولم تحرر إلا بالعمل والجهد والدماء ونتساءل: ألا ينتظرنا العالم 22 يوماً لنتأكد من الانسحاب؟
    فقالت أولبرايت عن سماعها ذلك: لقد أضعتم وقتاً طويلاً في هذه المسرحية وكان بإمكانك أيها الرئيس أن تختار رجالاً أكثر تعاوناً مع الأمم المتحدة وأقل تشدداً وتطرفاً.
    أجابها رئيس الجمهورية: نحن اخترنا من نثق بكفاءته لاستعادة الحق ونختار من يؤمن مصالحنا لا مصالح غيرنا. وكل ما نقوله أصبح من المؤكد انه كلام حق وصدق.
    إن تقارير الأمم المتحدة الرسمية ردت أولبرايت تقول خلافاً لما تعدون، خاصة انها في هذا المساء ذكرت بأن المواقع الثلاثة التي قلتم بأن إسرائيل موجودة فيها هي خالية الآن وإن بقيت بعض الأمور فإنها ستنجز خلال ساعات.
    هنا أجبتها: لننتظر إذن هذه الساعات القليلة ونذهب ونتحقق من تنفيذ إسرائيل لوعودها ثم نقول ان القرار 425 قد نفذ بعد التأكد.
    ردت عليّ أولبرايت بعنف وغضب: أيها الجنرال إنك مستمر في تصلبك وتعقيدك للأمور وإفسادك للخطط الموضوعة.
    فأجبتها: اني أقول الحقيقة لا أكثر ولا أقل، ولا يهمني نجحت الخطط أو فشلت وما يهمني هو حقنا في أرضنا.
    هنا أنهت أولبرايت المكالمة بغضب ونادت الرئيس:
    Mr President I call you Back سيدي الرئيس سأكلمك لاحقا.
    كانت الساعة قد تجاوزت الثانية صباحا ب15 دقيقة وانتهت مكالمة تاريخية كانت بحاجة الى تحليل لاحق لكي تدرك اننا حققنا ثباتاً في الموقف ترجم نصراً للبنان في ما بعد.
    113 فشل الضغوط الدبلوماسية الأميركية على لبنان:
    وبالفعل أنهت أولبرايت المحادثة الجماعية ثم ما لبثت أن اتصلت بالعماد لحود منفرداً. وبادرت الى مخاطبة الرئيس في اتصال آخر بعد دقائق مذكرة إياه بأنها وزيرة خارجية أميركا، (...) وانها هنا لتقول له ان عليه ان يوافق على إعلان الأمين العام ثم تعود هي وتعمل مع الأمم المتحدة وإسرائيل لتصحيح الوضع وتزيل الشكاوى اللبنانية.
    في هذه اللحظة أثبت العماد لحود مرة جديدة انه هو بالفعل والواقع الرئيس القوي الذي لا يرعبه تهديد، فقال <<لا>> مدوية لأكبر دولة في العالم وأجابها بشكل قاطع: لا تنتظري مني الموافقة على أمر يخالف مصلحة لبنان وحقوقه، فصعقت أولبرايت بالاجابة واستمرت متفننة باستعمال شتى أساليب التهديد والوعيد بعد أن يئست من الترغيب والوعود بالمن والسلوى.
    فشل الضغوط
    لم تلق أولبرايت سلاحها، وانتقلت الى مرحلة جديدة هي مرحلة البيانات الكاذبة. إذ انه في الساعة 5,30 أي بعد ساعة وربع على إنهاء المكالمة مع الرئيس لحود، اتصل بي من نيويورك السفير سليم تدمري وسألني عن صحة ما وزع في أروقة مجلس الأمن من ان لبنان وافق فعلا على إعلان الأمين العام، وقال لي ان وكالة الصحافة الفرنسية وزعت خبراً نقلاً عن وزيرة الخارجية الأميركية ذكرت فيه: بأنها خلال اتصالها بالعماد لحود أقنعته بصوابية وصحة إعلان الأمين العام، وقدمت له البراهين على ذلك فقبل وتراجع عن موقفه السابق، وقد سألني السفير تدمري عن صحة ذلك لأن المندوبين مجتمعون لاتخاذ الموقف بعد الاطلاع على الموقف اللبناني.
    هنا صعقت، ولكن معرفتي العميقة بالعماد لحود وبصلابته جعلتني أقول ان في الأمر افتراء وكذباً، فقلت للسفير ان موقفنا حتى هذه اللحظة هو الرفض وفقا لما سمعت في المحادثة المشتركة، وان العماد لحود له موقف واحد ولا يعمل في الخفاء، وفي موضوعنا عودني ألا يقول إلا وفقاً لما ننقل اليه من وقائع نثبتها بالدليل القاطع. وبما ان الأمور لم تتغير منذ ساعتين فإنني أؤكد بأن العماد لحود لم يغير موقفه. وباستطاعتك أن تتأكد من ذلك إما بالاتصال المباشر بالرئيس أو بأن تعطيني وقتا للاتصال به وتعاود الاتصال بي فتعرف الحقيقة.
    وبعد نصف ساعة من التفكير والتحليل، قررت أنا الاتصال بالرئيس وأبلغته بمضمون المكالمة مع السفير تدمري فأعلمني بأنه تلقى اتصالا منه وأبلغه رفضه القاطع لما يتم تداوله في هذا الشأن وطلب اليه أن يتشدد في رفض أي تعبير أو قول يتضمن الإقرار بإتمام الانسحاب الإسرائيلي وفقاً للقرار 425. ثم أبلغني الرئيس بأنه قطعاً للبلبلة سيصدر بياناً عن القصر الجمهوري ينفي هذه الافتراءات.
    وبالفعل صدر البيان المشار اليه وتداولته وسائل الاعلام طيلة يوم الأحد بتاريخ 19/6/2000 حتى انه تصدر كافة النشرات والمواجز الاخبارية وأبلغ الى المعنيين في مجلس الأمن فانتهت بالفشل الذريع أيضا المحاولة الأميركية الثالثة لإلصاق مواقف بلبنان تترجم موافقة على إعلان الأمين العام الخاطئ.
    المحاولة الدولية الأخيرة
    بعد أن عجزت كل الضغوطات عن ثني لبنان عن موقفه، وبعد أن فشلت الولايات المتحدة في تجاوز الموقف الروسي في مجلس الأمن، كان قرار دولي جديد بمحاولة سريعة لإعادة التحقق ولفتح المجال أمام لبنان للتراجع عن موقفه.
    ففي الساعة 10,35 تلقيت اتصالا من الجنرال سرينن يبلغني فيه بأن جميع ملاحظاتي التي سجلت يوم الجمعة أخذت بالاعتبار، وانه قام هو وفريقه يوم السبت بالتحقق من تصحيحها، وانه يدعوني الى جولة جوية بالطوافة للتثبت من ذلك واقترح أن يتم ذلك بعد ظهر الأحد.
    وافقت على الاقتراح واتصلت برئيس الجمهورية حيث أبلغته به، وبعزمي على التجاوب مع الجنرال الدولي فشجعني الرئيس الذي أمضى ليله ساهراً ونهاره يتلقى المراجعات والاستفسارات، وأبلغني بأن موقفنا ثابت في التمسك بحقوقنا في أرضنا ولن نتراجع أمام أي نوع من الضغوطات وطلب مني إبلاغه بنتائج الجولة فور العودة.
    وصلت الى الناقورة بالطوافة عبر صور التي وصلت اليها براً من الدوير بلدتي الجنوبية حيث كنت أمضي ليلتي التاريخية. والتقيت الجنرال سرينن يرافقني بعض أعضاء فريقي، وعقد اجتماع مميز حضره من الدوليين الى جانب الجنرال، خبير الخرائط وضابط من لجنة الهدنة. وقد استهل الجنرال سرينن الكلام متوجهاً إلي كما يلي:
    البارحة تحدثنا هاتفيا وكلمتني عن النقاط التالية:
    1 المنطقة من BP4 الى B91 التي لم نستطع الوصول اليها بسبب الألغام.
    2 BP91, BP81 ثم B66 حيث يوجد برج المراقبة واعتبرتموها منطقة احتلال أبعاده 40200 متر ثم BP33.
    3 مسكفعام: لم تتمكنوا من رؤية المنطقة جيداً، أنتم قلتم المنطقة محتلة بطول من 1 الى 3 كلم وعرض 200 متر والموضوع هناك هو موضوع ألغام تمنعنا من الوصول اليها.
    4 مركز داليا: (كفرشوبا) 40100 متر.
    5 مركز حرمون الذي عاينتموه مع الجنرال أوبينغ (100150 مترا).
    6 الاحتلال المدني، محطة ضخ الغجر وجفاف المياه في الحاصباني.
    بالنسبة لBP81، ذهبنا البارحة اليها من الجهة الإسرائيلية ورأينا الإسرائيليين على 5م من الخط الأزرق، أنا مقتنع انه لا يوجد أي خرق في BP81. كانوا مهتمين بوضع مركز في BP71، وضعنا عليها الGPS وتبين لنا انه خارج الخط الأزرق وقد طلبوا مني الإذن باستعمال طريق داخل الأراضي اللبنانية لمدة 24 ساعة لإخلاء BP81 ووافقت لهم. بعدها ذهبنا الى BP91 وتأكدنا منها وحركنا الحجر الأزرق حوالى 3 أمتار وأنا مسرور انه لم يعد هناك اعتداء هناك والخط الأزرق يمر بالتمام أمام المركز.
    بالنسبة لBP33، نحن مرتاحون، الأبنية وكل العواميد التي كانت في لبنان أزيلت ولم يعد خط هناك.
    بالنسبة B66، هناك طريق أنتم قلتم انها داخل الأراضي اللبنانية (40200 متر) نحن اقترحنا على الإسرائيليين وضع عوائق على هذا الطريق ولم نر أية سيارة إسرائيلية هناك، نحن نعتبر انه لم يعد هناك خرق.
    بالنسبة للمنطقة من BP4 حتى BP91: طرنا فوقها عدة مرات ورأيناها على الأرض من الجهة الإسرائيلية، نحن مرتاحون كوننا لم نر أي قضم، ونعترف بأن هذه المنطقة هي بالنسبة لكم مشكلة كونها مفخخة بالألغام، القوات الدولية وعدت بكتيبة هندسة ونتمنى بعد وصولها نزع الالغام لنتمكن من الدخول الى هذه المنطقة.
    مسكفعام: نحن نعرف ان عندكم خطاً يختلف عن خطنا، نحن كقوات دولية نعمل استنادا لخطنا ولم نجد اي قضم اسرائيلي في هذه المنطقة.
    مركز داليا (كفر شوبا): هذا المركز يقع في منطقة عمل UNDOF وليس UNIFIL، هذا المركز قامت بالتحقق منه UNDOF كما فعلت نفس الشيء بالنسبة لمركز حرمون.
    بالنسبة للاحتلال المدني حسب ما فهمت ان مضخة المياه هي في الجهة اللبنانية والحاصباني الذي نشفت مياهه هو ايضا في الأراضي اللبنانية.
    هذه هي تعليقاتي مما يوضح لكم ما فعلناه أمس ردا على ملاحظاتكم والتي قلتم انها انطلاقا من توجيهات فخامة الرئيس الجمهورية.
     شكرت الجنرال على اهتمامه وتابعت متوجها إليه اسمح لي ان أرد:
    بنتيجة الكشف الذي قمت به يوم الجمعة، وبالاجتماع مع الجنرال اوبينغ، سجلت 16 ملاحظة اثر التحقق الاخير الذي نفذته. مساء يوم الجمعة الساعة 20,00، وبالنسبة لنا كدولة لبنانية، بعد الساعة 20,00 لم يتغير شيء حتى نتحقق من جديد.
    الاستطلاع الجوي الأول
    بعد إعلان أنان والموقف اللبناني
    تم الاتفاق على الانتقال بالطوافة للكشف وتسجيل الملاحظات. وبقي الجنرال سرينن حوالى 30 دقيقة للتشاور مع فريقه لوضع خطة عمل وانطلقت الطوافة الساعة 15,10 حيث سجلت الملاحظات التالية:
    1 BP83: المطلة الخيمة ما زالت موجودة ويوجد علي بعد 100 متر داخل الاراضي اللبنانية جرافة تقوم بجرف التراب وقربها جيب لون ابيض للمخابرات الاسرائيلية وعندها ذهل الجنرال سرينن وفريقه وقال لنا الرائد هريفيه (انهم يستغبوننا).
    2 مركز العباسية: اثناء التحليق بالطيران الساعة 6,30 كان يوجد جرافة وجنود هناك، الساعة 18,30 لم يكن هناك مخالفة ولكن الآثار تدل على وجود عمل خلال النهار حيث قطعت الطريق المؤدية من العباسية الى الغجر والتي تقع داخل الاراضي اللبنانية.
    3 شمال المطلة: توجد اشغال داخل الاراضي اللبنانية حيث تقوم الجرافات بجرف التربة وتحميلها بشاحنات وقد شاهد ذلك الفريق الدولي حيث كان يوجد لحظتها اربع آليات هندسية داخل الأراضي اللبنانية كما انه تم استحداث طريق بعرض 15 متراً خارج الشريط.
    4 مسكفعام: لم يتغير شيء والملاحظات ما زالت موجودة.
    5 BP33: الاحتلال ما زال موجودا.
    6 B66: الوضع ما زال على حاله.
    7 BP42: الاقتطاع ما زال موجودا.
    8 BP91: تم التأكد من النقطة وتبين انها وضعت في المكان الصحيح.
    9 استحداث مركز جديد لم يكن موجودا في السابق في النقطة B34.
    10 المنطقة من B16 حتى B26 لم يتغير شيء.
    استمع الفريق الدولي الى هذه الملاحظات فوافق عليها باستثناء BP33 وكانت موافقتهم هذه ثمينة للغاية لنا، فهي اعتراف بصحة موقفنا وبخطئهم، ما اشعرني بأنهم ايقنوا بعجزهم عن تجاوزنا، وبأنهم بصدد مراجعة موقفهم ولكن بشكل لا يؤدي الى الطعن بصدقيتهم فسكت. ولم أر مصلحة بإذلالهم نتيجة عملهم ضدنا. بل كان اتفاق على متابعة البحث والتحقق في اليوم التالي.
    مفاعيل الموقف اللبناني
    أ. البحث عن مخارج من المأزق:
    لم يكن احد ينتظر كما يبدو ان يكون لبنان على هذا القدر من القوة والصلابة في التمسك بحقوقه. فالدول الكبرى اعتادت كما هو معلوم على انصياع الدول الصغرى لنصائحها ورغباتها حتى ولو كانت هذه النصائح والرغبات ضد المصالح الوطنية وضد شعوب تلك الدول المستضعفة. ولكن لبنان الذي علم العالم الدرس في المقاومة العسكرية المسلحة للاحتلال اضاف درساً جديداً للعالم في كيفية المقاومة الدبلوماسية الرافضة لأي تنازل عن حق وطني.
    هذا الوجه من المقاومة فرض على بعض الدول في مجلس الأمن موقفا يتآلف مع الحق ويبعد عن الغصب. وكانت روسيا في طليعة هذه البلدان حيث اعلن المندوب الروسي عدم موافقته على السير قدماً في دعم اعلان أنان ان لم يتم الوقوف على الاعتراضات اللبنانية.
    وفشلت اولبرايت، امام الموقف الروسي في مجلس الأمن المستند الى الرفض اللبناني، فشلت في حمل مجلس الأمن على دعم بيان الامين العام، وفتح ذلك مجالا جديدا لمشاورات جديدة تناقلتها وسائل الإعلام.
    وطرحت في هذا الصدد المخارج المختلفة. وفقا لما نقلت جريدة <<السفير>> اللبنانية في عددها الصادر يوم الاثنين 19/6/2000 فإن النقاش دار حول المخارج التالية:
    (1) ان يسقط لبنان تحفظه على تقرير انان ويوافق مجلس الأمن الدولي عليه مقابل تعهد اسرائيلي يقضي:
    (أ) بالاعتراف بأن الخروقات التي بررت الاعتراض اللبناني إنما هي ارض لبنانية وفقا لما تظهر الخرائط والوثائق الدولية حول موقع حدود 1923.
    (ب) التعهد بالانسحاب الكامل منها ضمن مهلة زمنية محددة يصدر على اثرها بيان من الامين العام أنان يوضح فيه ما اذا كانت اسرائيل قد انسحبت بموجب القرار 425 الى الحدود الدولية.
    (2) ان يسقط لبنان تحفظه على تقرير انان مقابل موافقة مجلس الأمن الدولي عليه بعد ان يأخذ هذا المجلس علما بأن القرار 425 نفذ وفقا لخط لارسن وبأن على اسرائيل الانسحاب مما تبقى من الأرض اللبنانية في إطار مفاوضات تتولاها لجنة مراقبة الهدنة التي تضم ضباطاً لبنانيين واسرائيليين بإشراف الأمم المتحدة وعمليا قيادة قوات الطوارئ في الناقورة.
    (3) إرغام اسرائيل معنوياً على الانسحاب الى حدود 1923 مقابل شرطين:
    (أ) تعهد لبنان الرسمي بنشر الجيش اللبناني على طول الحدود الدولية.
    (ب) تعهده بنزع السلاح غير الشرعي.
    كل هذه المشاريع التي كانت تطرح وتتداول كانت تهدف الى أمرين أساسيين:
    (1) الإقرار ببيان انان رغم عدم صدقيته.
    (2) ترك ما تبقى من الارض اللبنانية لتطورات مستقبلية مرهونة بمفاوضات ثنائية مع اسرائيل، او بإرادة اسرائيل المنفردة.
    اي بكلمة اخرى كان البحث يدور عن طريقة تعطي اسرائيل براءة الذمة عن احتلالها للجنوب، وتوقف المطالبة بالقرار 425، أما الارض اللبنانية فيترك امر تحريرها لمشيئة العدو او غيره من المنظمات الدولية التي لم تعط لبنان شيئا خلال 22 سنة.
    ب. الحل: اعتراف مجلس الأمن بحق لبنان وصدق موقفه ببيان رئاسي
    حيال تلك الطروحات كان للبنان موقف قاطع، سهل وبسيط: رفض اي قول بانسحاب اسرائيلي تام من الجنوب إن لم يكن هذا الانسحاب قد تم فعلا وعدم مراعاة رغبات الآخرين او السير بنصائحهم او الخضوع لتهديداتهم. وقد ادى الموقف اللبناني الذي اخذ بالاعتبار اثناء المشاورات في مجلس الأمن التي استمرت طيلة يوم الاحد 18/6/2000 الى تعديل موقف المجلس، وبدل ان يدعم انان في بيانه بشكل مطلق وفقا لما كان ينتظر العالم وأولهم انان الذي اعلن البيان وغادر نيويورك في عمل شرق اوسطي للتحضير لمرحلة ما بعد الانسحاب، فإن مجلس الأمن اصدر بيانا رئاسيا يجمع فيه بين مصلحتين:
    (1) الاولى صون صدقية الامين العام في بيانه، ولذلك تضمّن البيان الرئاسي الصادر عن مجلس الأمن ترحيبا ببيان انان وقبولا لما جاء فيه من ان الانسحاب الاسرائيلي قد تم منذ تاريخ 16/6/2000 وفقا لقرار مجلس الأمن 425.
    (2) الثانية اخذ الاعتراض اللبناني بالاعتبار حيث إن الفقرة ذاتها من البيان الرئاسي تضمّنت قلق مجلس الأمن الشديد لأنباء الانتهاكات التي حدثت منذ يوم 16 حزيران 2000 ودعوة الاطراف الى احترام الخط الازرق.
    ويكون مجلس الأمن قد جمع في تقريره التناقضات: قال بالانسحاب وأكد وجود الانتهاكات للحدود اللبنانية لأن لبنان هو الذي تحتل ارضه وهو المعتدى عليه. يكون مجلس الأمن قال بالشيء ونقيضه في بيان واحد. لم يتنكر لبيان انان ولكنه لم يستطع ان يتنكر للموقف اللبناني، وكان في ذلك نصر كبير للبنان حيث ألزم مجلس الأمن بالاقرار بصدقيته بعد يومين من الصراع الدبلوماسي المرير تطلب وقتا كبيرا من الاتصالات الهاتفية والضغوط الدولية والمشاورات الرسمية وغير الرسمية في مجلس الأمن وأفضت كلها في النهاية الى الاعتراف بالحق اللبناني وبتأييد ضمني وغير مباشر للموقف اللبناني ومنح ذلك مرحلة جديدة من عمليات التحقق الميداني كانت في طبيعتها أشد وأقسى من الاولى.
    الملفات المرفقة

  • #2
    إهداء إلى المستحقين





    لم ينس العميد امين حطيط احداً من اصحاب الجهد في معركة التحرير التي انتهت بنصر مؤزر للبنان، وللعرب جميعاً على الاحتلال الاسرائيلي، وعلى هذا فقد جاء اهداء الكتاب شاملاً:
    الاهداء
    <<إلى كل صاحب عين سهرت من أجل الجنوب ولبنان، وقلب خفق بحب الجنوب ولبنان، وعقل بحث عن طريق تحرير لجنوب لبنان، ومسؤول دافع بصدق وإخلاص عن قضية الجنوب ولبنان، وقلم خط كلمة في سبيل مصالح الجنوب ولبنان
    وقبل ذلك
    إلى اليتامى والايامى في سبيل جنوب لبنان
    إلى الاسرى الذين عانوا مرارة القيد من أجل الجنوب ولبنان
    إلى الجرحى الذين طهرت دماؤهم الأرض من دنس المحتل في جنوب لبنان
    وفي الأساس
    إلى الشهداء الأبرار الذين احرقت دماؤهم المحتل وطردته مدحورا من جنوب لبنان
    فكان لي ان اتشرف بالتحقق من ذلك وأكتب هذا الكتاب الوثيقة.
    أمين

    تعليق


    • #3
      حفل توقيع





      يوقع العميد الركن المتقاعد أمين حطيط رئيس اللجنة العسكرية اللبنانية التي تحققت من الانسحاب الاسرائيلي في العام 2000، هذا الكتاب الوثيقة في حفل رسمي، وذلك يوم الاربعاء في السابع عشر من شهر تشرين الثاني الجاري، الساعة الرابعة بعد الظهر في قصر الأونيسكو برعاية رئيس الجمهورية العماد اميل لحود.

      تعليق

      المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
      حفظ-تلقائي
      x

      رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

      صورة التسجيل تحديث الصورة

      اقرأ في منتديات يا حسين

      تقليص

      المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
      أنشئ بواسطة وهج الإيمان, 16-05-2025, 03:07 AM
      ردود 0
      20 مشاهدات
      0 معجبون
      آخر مشاركة وهج الإيمان
      بواسطة وهج الإيمان
       
      أنشئ بواسطة وهج الإيمان, 16-05-2025, 03:04 AM
      ردود 0
      10 مشاهدات
      0 معجبون
      آخر مشاركة وهج الإيمان
      بواسطة وهج الإيمان
       
      يعمل...
      X