اللهم صل على محمد و ال محمد
ولد الإمام الخميني (قده) عام 1320 للهجرة (21/9/1902 م) بمدينة "خُمين" - 349 كلم جنوب غربي "طهران" - في بيت عُرف بالعلم والفضل والتقوى.. ولم تمضِ على ولادته ستة أشهر حتى استُشهد والده آية الله السيد مصطفى الموسوي على أيدي قطّاع الطرق، المدعومين من قِبل الحكومة آنذاك، وكان استشهاده (رحمه الله) في الحادي عشر من ذي القعدة عام 1320 للهجرة. وهكذا، تجرّع الإمام الخميني (قده) منذ صباه مرارة اليتم، وتعرّف على مفهوم الشهادة.
أمضى الإمام فترة طفولته وصباه تحت رعاية والدته المؤمنة السيدة "هاجر"، التي تنتسب لأسرة اشتُهرت بالعلم والتقوى، وكفالة عمّته الفاضلة "صاحبة هانم"، التي عُرفت بشجاعتها وقول الحق. وفي سن الخامسة عشرة، حُرِم الإمام من نعمة وجود هاتين العزيزتين.
--------------------------------------------------------------------------------
--------------------------------------------------------------------------------
مرحلة الدراسة والتدريس
درس سماحة الإمام في مدينة "خُمين" حتى سن التاسعة عشر مقدّمات العلوم، بما فيها اللغة العربية والمنطق والأصول والفقه، لدى أساتذة معروفين. وفي عام 1339 للهجرة (1921 م) إلتحق بالحوزة العلمية في مدينة "آراك"، وبعد أن مكث فيها عاماً، هاجر الى مدينة "قم" لمواصلة الدراسة في حوزتها. وهناك، وفضلاً عن مواصلة دراسته على يد فقهاء ومجتهدي عصره، إهتم بدراسة علم الرياضيات والهيئة والفلسفة. وفي الوقت الذي اهتم فيه بكسب العلوم، حرص على المشاركة في دروس الأخلاق والعرفان النظري والعملي في أعلى مستوياته لدى المرحوم آية الله الميرزا محمد علي شاه آبادي، على مدى ست سنوات.
وفي عام 1347 هـ (1929 م) بدأ الإمام الخميني الراحل (قده) بمزاولة التدريس، أي منذ أن بلغ سن السابعة والعشرين من عمره، درّس سماحته بحوث الفلسفة الإسلامية، والعرفان النظري والعملي، وأصول الفقه، والأخلاق الإسلامية.
--------------------------------------------------------------------------------
--------------------------------------------------------------------------------
الأسرة والأبناء
إقترن سماحة الإمام الخميني (قده) عام 1929 م بكريمة المرحوم آية الله الحاج الميرزا محمد الثقفي الطهراني، وكانت ثمرة هذا الإقتران ثمانية أبناء هم: الشهيد آية الله السيد مصطفى الخميني، وابن اسمه "علي" توفي في سن الرابعة، والسيدة "صديقة مصطفوي" عقيلة المرحوم آية الله "إشراقي"، والسيدة "فريدة مصطفوي" عقيلة السيد "الأعرابي"، والسيدة "فهيمة - زهراء - مصطفوي" عقيلة الدكتور السيد "البروجردي"، وبنت اسمها "سعيدة" توفيت ولها من العمر سبعة شهور، والمرحوم حجة الإسلام والمسلمين السيد أحمد الخميني، وبنت اسمها "لطيفة" توفيت وهي طفلة.
ومع أنّ سماحة الإمام (قده) كان يعتمد طوال حياته السياسية وجهاده على الله، ويتوكل عليه فحسب، ويستمد العون منه وحده، ويواصل خطواته بوحي من ثقته بإيمانه، إلاّ أنّ الدور الفعال والمؤثر لولده السيد مصطفى - الى جواره - طوال مراحل النهضة الإسلامية، لم يكن خافياً على أحد. ونظراً لهذا الدور الذي كان يضطلع به السيد مصطفى في تنظيم طاقات الثورة، وجمع الأخبار والمعلومات اللازمة، وإيصال نداءات قائد الثورة السرّية الى الآيات العظام والعلماء وزعماء الفصائل السياسية، وإيجاد قنوات الإتصال والتواصل مع العناصر الثورية، ألقت عناصر نظام الشاه القبض عليه وأُودع السجن، ثم تم نفيه بعد إطلاق سراحه، كوالده الكبير الى تركيا، ومن ثم الى العراق. ولا شك أنّ الذي مهّد الطريق لاستشهاده عام 1978 لم يكن غير دوره الفاعل في النهضة الإسلامية ومواصلتها.
ومن تلك اللحظة التي استُشهد فيها، ألقت المشيئة الإلهية المسؤولية التي كانت ملقاة حتى ذلك التاريخ على عاتق السيد مصطفى الخميني، على كاهل شاب لا يقلّ عن أخيه حنكة وتدبيراً، ألا وهو السيد أحمد الخميني.
ورغم أنّ السيد أحمد كان يبدو قبل هذه الحادثة المؤلمة متفرغاً لدراسته الحوزوية، إلاّ أنه في الحقيقة كان يتحمل مسؤوليات أخيه ذاتها في الحوزة العلمية بمدينة "قم" وسائر نقاط إيران. ففي الوقت الذي تحوّل بيت سماحة الإمام بالنجف الأشرف الى منطلق لتصدير الثورة وقيادتها، فإنّ كُلاً من إدارة شؤون البيت، وتنظيم لقاءات قائد الثورة، وتسهيل قنوات اتصال المناضلين الضرورية مع النجف، وتقديم التقارير الواردة عن اتساع النشاطات الثورية في إيران، وإبلاغ أوامر الإمام الى المناضلين، وكذلك توفير قنوات الإتصال الواسعة مع الفصائل المناضلة في الداخل، كل ذلك، كان يتحمل مسؤوليته السيد أحمد الخميني.
كان السيد أحمد، سواء في المراحل الحساسة لنضال الشعب الإيراني المسلم، أم خلال هجرة قائد الثورة الى فرنسا، أو أثناء عودته الى أرض الوطن، ومن ثم مرحلة انتصار الثورة، كان المستشار الأمين، والمدبّر الواعي، والسياسي المحنّك ذا الأفق البعيد، والمجاهد الذي لا يكلّ أو يملّ، والنصير المعتمد والمريد المخلص في خدمة والده، والذي قد كرّس كل جهده وهمّه لإحراز رضى شيخه على طريق نيل رضى الله.
إنّ الدور الفريد والنادر الذي لعبه السيد أحمد، الى جوار المشعل المتّقد لوجود الإمام العزيز، كان منشأ بركات يمكن مشاهدة آثارها في كل مرحلة من مراحل تاريخ الثورة الإسلامية.
وبعد رحيل سماحة الإمام، كان المرحوم حجة الإسلام والمسلمين السيد أحمد الخميني حاضراً في العديد من المؤسسات السياسية والثقافية لخدمة الثورة ونظام الجمهورية الإسلامية، وكان لا يألو جهداً في إسداء النصح وأداء الواجب. وبوصفه أحد الوجوه البارزة للثورة، كان موضع ثقة واستشارة القيادة ومسؤولي النظام.
أخذ السيد أحمد على عاتقه مسؤولية الإشراف على مؤسسة "تنظيم ونشر تراث الإمام الخميني (قده)"، بدافع المحافظة على تراث قائد الثورة الإسلامية الكبير، ونشر أفكاره وآرائه، ولم يألُ جهداً في استبدال المرقد الطاهر لسماحة الإمام الى مركز إشعاع للثورة الإسلامية.
وحينما ودّع السيد أحمد الدنيا الفانية، بسبب عارض قلبي ألمّ به في 17/3/1994 م، كانت مؤسسة "تنظيم ونشر تراث الإمام الخميني (قده)" ومجمع الحرم المطهّر لسماحة الإمام (قده)، قد حققا المكانة والمنزلة التي تليق بهما.
وبناءاً على الوصية التي تركها الفقيد السيد أحمد الخميني، أُوكلت سدانة الحرم المطهّر لسماحة الإمام، ومهمة الإشراف على مؤسسة "تنظيم ونشر تراث الإمام الخميني (قده)" الى ولده البكر سماحة حجة الإسلام والمسلمين السيد حسن الخميني، لكي يبقى طريق الإمام مشعّاً دائماً، وتبقى ذكرى هذا العزيز خالدة أبداً.
إنّ أسلوب حياة الإمام الخميني (قده)، وبساطة عيشه، ولكونها نابعة من معتقداته الدينية، بقيت ثابتةً لم تتغير في مختلف مراحل حياته، وطوال مسيرة جهاده السياسي الحافلة بالأحداث.
لقد دُهِش الصحفيون الأجانب ومراسلو وكالات الأنباء العالمية، الذين سُمح لهم بعد رحيل الإمام بزيارة محل إقامة سماحته، دُهِشوا لمشاهدتهم البيت المتواضع، ووسائل المعيشة البسيطة لقائد الثورة الإسلامية الكبير. وإنّ ما رأَوه لا يمكن مقارنته بأي وجه مع نمط حياة رؤساء البلدان والزعماء السياسيين والدينيين في عالم اليوم.. إن أسلوب حياته وبساطة معيشته يعيدان الى الأذهان الصورة التي كانت عليها حياة الأنبياء والأولياء والصالحين.
--------------------------------------------------------------------------------
--------------------------------------------------------------------------------
مرحلة النضال والثورة
إبتدأ الإمام الخميني (قده) جهاده في عنفوان شبابه، وواصله طوال فترة الدراسة بأساليب مختلفة، بما فيهما مقارعته للمفاسد الإجتماعية والإنحرافات الفكرية والأخلاقية. ففي عام 1943 م، ومن خلال تأليفه ونشره لكتاب "كشف الأسرار" قام سماحته بفضح جرائم فترة العشرين عاماً من حكم رضا شاه - والد الشاه المخلوع - وتولى الرد على شبهات المنحرفين دفاعاً عن الإسلام وعلماء الدين. كما أثار في كتابه هذا فكرة الحكومة الإسلامية، وضرورة النهوض لإقامتها.
وانطلق الإمام الخميني (قده) في نضاله العلني ضد الشاه عام 1962 م، وذلك حينما وقف بقوة ضد لائحة "مجالس الأقاليم والمدن"، والتي كان محورها محاربة الإسلام، فالمصادقة على هذه اللائحة من قِبل الحكومة آنذاك كانت تعني حذف الإسلام كشرط في المرشحين والناخبين، وكذلك القبول باستبدال اليمين الدستورية بالكتاب السماوي بدلاً من "القرآن المجيد".
بيد أنّ سماحته هبّ لمعارضة هذه اللائحة، ودعا مراجع الحوزات العلمية وأبناء الشعب للإنتفاض والثورة. وعلى أثر برقيات التهديد التي بعث بها الإمام الى رئيس الوزراء وقتئذ، وخطابات سماحته التي فضحت الحكومة، وبياناته القاصمة، وتأييد المراجع لمواقفه، إنطلقت المسيرات الشعبية الحاشدة في كلٍّ من مدينة "قم" و"طهران" وسائر المدن الأخرى، مما اضطُر نظام الشاه الى إلغاء اللائحة والتراجع عن مواقفه.
ودفعت مواصلة النضال الشاه لارتكاب إحدى حماقاته التي تمثّلت في مهاجمة المدرسة "الفيضية" بمدينة "قم" في الحادي والعشرين من آذار عام 1963 م، وما هي إلاّ فترة وجيزة حتى انتشر خطاب سماحة الإمام وبياناته حول هذه الفاجعة في مختلف أنحاء إيران. وفي عصر العاشر من محرّم الحرام عام 1383 للهجرة (3/6/1993 م) فضح الإمام الخميني (قده) عبر خطاب حماسي غاضب، العلاقات السرّية القائمة بين الشاه و"إسرائيل" ومصالحهما المشتركة.
وفي الساعة الثالثة من بعد منتصف ليل اليوم التالي، حاصرت القوات الحكومية الخاصة بيت الإمام (قده)، وتم اعتقاله وإرساله مكبّلاً الى "طهران".
إنتشر خبر الإعتقال بسرعة خاطفة في مختلف أنحاء إيران. وبمجرّد أن سمعت الجماهير نبأ اعتقال الإمام (قده) نزلت الى الشوارع منذ الساعات الأولى لفجر الخامس من حزيران 1963، وراحت تعبّر عن استنكارها لعمل الحكومة في تظاهرات حاشدة، أعظمها تظاهرة "قم" المقدسة، التي شهدت أكبر هذه الإستنكارات، والتي هاجمتها قوات النظام بالأسلحة الثقيلة، وكان نتيجتها سقوط العديد من المتظاهرين مضرّجين بدمائهم.
ومع إعلان نظام الشاه الأحكام العرفية في "طهران"، إشتد قمع تظاهرات أبناء الشعب في تلك الأيام، حيث قتلت وجرحت قوات الحكومة العسكرية الآلاف من أبناء الشعب الأبرياء. وكانت مذبحة الخامس من حزيران 1963 م بدرجة من القسوة والوحشية. وأخذت تتناقل أخبارها وسائل الإعلام العالمية والمحلية.
وأخيراً، ونتيجة لضغط الرأي العام واعتراضات العلماء وأبناء الشعب في داخل البلاد وخارجها، إضطر الى إطلاق سراح الإمام بعد عشرة أشهر تقريباً من المحاصرة والإعتقال.
واصل الإمام جهاده عبر خطاباته الفاضحة للنظام، وبياناته المثيرة للوعي. وفي هذه الأثناء، تأتي مصادقة الحكومة على لائحة "الحصانة القضائية" التي تنص على منح المستشارين العسكريين والسياسيين الأميركيين الحصانة القضائية، لتثير غضب قائد الثورة وسخطه. فما أن يطّلع الإمام الخميني على هذه الخيانة حتى يبدأ تحركاته الواسعة، ويقوم بإرسال مبعوثيه الى مختلف أنحاء إيران، ويعلن لأبناء الشعب عن عزمه بإلقاء خطاب في العشرين من جمادى الآخرة عام 1383 هـ.
ألقى سماحة الإمام خطابه الشهير في اليوم المعلن، دون أن يعبأ بتهديد النظام ووعيده. فانتقد لائحة الحصانة القضائية، وحمل بشدة على الرئيس الأميركي وقتئذ.
أما نظام الشاه، فقد رأى أنّ الحل الأمثل يكمن في نفي الإمام الى خارج إيران. ومرة أخرى حاصرت المئات من القوات الخاصة والمظليين بيت الإمام، وذلك في سَحَر يوم الثالث من تشرين الثاني عام 1964 م.
وبعد اعتقال سماحته، اقتيد مباشرة الى مطار "مهر آباد" بطهران، ومن هناك، وطبقاً للإتفاق المسبّق، تم نفيه أولاً الى مدينة "أنقرة" (تركيا)، ومن ثم الى مدينة "بورساي" التركية. وقامت قوات الأمن الإيراني والتركي المكلّفة بمراقبة سماحة الإمام، بمنعه من ممارسة أي نشاط سياسي أو اجتماعي.
ولد الإمام الخميني (قده) عام 1320 للهجرة (21/9/1902 م) بمدينة "خُمين" - 349 كلم جنوب غربي "طهران" - في بيت عُرف بالعلم والفضل والتقوى.. ولم تمضِ على ولادته ستة أشهر حتى استُشهد والده آية الله السيد مصطفى الموسوي على أيدي قطّاع الطرق، المدعومين من قِبل الحكومة آنذاك، وكان استشهاده (رحمه الله) في الحادي عشر من ذي القعدة عام 1320 للهجرة. وهكذا، تجرّع الإمام الخميني (قده) منذ صباه مرارة اليتم، وتعرّف على مفهوم الشهادة.
أمضى الإمام فترة طفولته وصباه تحت رعاية والدته المؤمنة السيدة "هاجر"، التي تنتسب لأسرة اشتُهرت بالعلم والتقوى، وكفالة عمّته الفاضلة "صاحبة هانم"، التي عُرفت بشجاعتها وقول الحق. وفي سن الخامسة عشرة، حُرِم الإمام من نعمة وجود هاتين العزيزتين.
--------------------------------------------------------------------------------
--------------------------------------------------------------------------------
مرحلة الدراسة والتدريس
درس سماحة الإمام في مدينة "خُمين" حتى سن التاسعة عشر مقدّمات العلوم، بما فيها اللغة العربية والمنطق والأصول والفقه، لدى أساتذة معروفين. وفي عام 1339 للهجرة (1921 م) إلتحق بالحوزة العلمية في مدينة "آراك"، وبعد أن مكث فيها عاماً، هاجر الى مدينة "قم" لمواصلة الدراسة في حوزتها. وهناك، وفضلاً عن مواصلة دراسته على يد فقهاء ومجتهدي عصره، إهتم بدراسة علم الرياضيات والهيئة والفلسفة. وفي الوقت الذي اهتم فيه بكسب العلوم، حرص على المشاركة في دروس الأخلاق والعرفان النظري والعملي في أعلى مستوياته لدى المرحوم آية الله الميرزا محمد علي شاه آبادي، على مدى ست سنوات.
وفي عام 1347 هـ (1929 م) بدأ الإمام الخميني الراحل (قده) بمزاولة التدريس، أي منذ أن بلغ سن السابعة والعشرين من عمره، درّس سماحته بحوث الفلسفة الإسلامية، والعرفان النظري والعملي، وأصول الفقه، والأخلاق الإسلامية.
--------------------------------------------------------------------------------
--------------------------------------------------------------------------------
الأسرة والأبناء
إقترن سماحة الإمام الخميني (قده) عام 1929 م بكريمة المرحوم آية الله الحاج الميرزا محمد الثقفي الطهراني، وكانت ثمرة هذا الإقتران ثمانية أبناء هم: الشهيد آية الله السيد مصطفى الخميني، وابن اسمه "علي" توفي في سن الرابعة، والسيدة "صديقة مصطفوي" عقيلة المرحوم آية الله "إشراقي"، والسيدة "فريدة مصطفوي" عقيلة السيد "الأعرابي"، والسيدة "فهيمة - زهراء - مصطفوي" عقيلة الدكتور السيد "البروجردي"، وبنت اسمها "سعيدة" توفيت ولها من العمر سبعة شهور، والمرحوم حجة الإسلام والمسلمين السيد أحمد الخميني، وبنت اسمها "لطيفة" توفيت وهي طفلة.
ومع أنّ سماحة الإمام (قده) كان يعتمد طوال حياته السياسية وجهاده على الله، ويتوكل عليه فحسب، ويستمد العون منه وحده، ويواصل خطواته بوحي من ثقته بإيمانه، إلاّ أنّ الدور الفعال والمؤثر لولده السيد مصطفى - الى جواره - طوال مراحل النهضة الإسلامية، لم يكن خافياً على أحد. ونظراً لهذا الدور الذي كان يضطلع به السيد مصطفى في تنظيم طاقات الثورة، وجمع الأخبار والمعلومات اللازمة، وإيصال نداءات قائد الثورة السرّية الى الآيات العظام والعلماء وزعماء الفصائل السياسية، وإيجاد قنوات الإتصال والتواصل مع العناصر الثورية، ألقت عناصر نظام الشاه القبض عليه وأُودع السجن، ثم تم نفيه بعد إطلاق سراحه، كوالده الكبير الى تركيا، ومن ثم الى العراق. ولا شك أنّ الذي مهّد الطريق لاستشهاده عام 1978 لم يكن غير دوره الفاعل في النهضة الإسلامية ومواصلتها.
ومن تلك اللحظة التي استُشهد فيها، ألقت المشيئة الإلهية المسؤولية التي كانت ملقاة حتى ذلك التاريخ على عاتق السيد مصطفى الخميني، على كاهل شاب لا يقلّ عن أخيه حنكة وتدبيراً، ألا وهو السيد أحمد الخميني.
ورغم أنّ السيد أحمد كان يبدو قبل هذه الحادثة المؤلمة متفرغاً لدراسته الحوزوية، إلاّ أنه في الحقيقة كان يتحمل مسؤوليات أخيه ذاتها في الحوزة العلمية بمدينة "قم" وسائر نقاط إيران. ففي الوقت الذي تحوّل بيت سماحة الإمام بالنجف الأشرف الى منطلق لتصدير الثورة وقيادتها، فإنّ كُلاً من إدارة شؤون البيت، وتنظيم لقاءات قائد الثورة، وتسهيل قنوات اتصال المناضلين الضرورية مع النجف، وتقديم التقارير الواردة عن اتساع النشاطات الثورية في إيران، وإبلاغ أوامر الإمام الى المناضلين، وكذلك توفير قنوات الإتصال الواسعة مع الفصائل المناضلة في الداخل، كل ذلك، كان يتحمل مسؤوليته السيد أحمد الخميني.
كان السيد أحمد، سواء في المراحل الحساسة لنضال الشعب الإيراني المسلم، أم خلال هجرة قائد الثورة الى فرنسا، أو أثناء عودته الى أرض الوطن، ومن ثم مرحلة انتصار الثورة، كان المستشار الأمين، والمدبّر الواعي، والسياسي المحنّك ذا الأفق البعيد، والمجاهد الذي لا يكلّ أو يملّ، والنصير المعتمد والمريد المخلص في خدمة والده، والذي قد كرّس كل جهده وهمّه لإحراز رضى شيخه على طريق نيل رضى الله.
إنّ الدور الفريد والنادر الذي لعبه السيد أحمد، الى جوار المشعل المتّقد لوجود الإمام العزيز، كان منشأ بركات يمكن مشاهدة آثارها في كل مرحلة من مراحل تاريخ الثورة الإسلامية.
وبعد رحيل سماحة الإمام، كان المرحوم حجة الإسلام والمسلمين السيد أحمد الخميني حاضراً في العديد من المؤسسات السياسية والثقافية لخدمة الثورة ونظام الجمهورية الإسلامية، وكان لا يألو جهداً في إسداء النصح وأداء الواجب. وبوصفه أحد الوجوه البارزة للثورة، كان موضع ثقة واستشارة القيادة ومسؤولي النظام.
أخذ السيد أحمد على عاتقه مسؤولية الإشراف على مؤسسة "تنظيم ونشر تراث الإمام الخميني (قده)"، بدافع المحافظة على تراث قائد الثورة الإسلامية الكبير، ونشر أفكاره وآرائه، ولم يألُ جهداً في استبدال المرقد الطاهر لسماحة الإمام الى مركز إشعاع للثورة الإسلامية.
وحينما ودّع السيد أحمد الدنيا الفانية، بسبب عارض قلبي ألمّ به في 17/3/1994 م، كانت مؤسسة "تنظيم ونشر تراث الإمام الخميني (قده)" ومجمع الحرم المطهّر لسماحة الإمام (قده)، قد حققا المكانة والمنزلة التي تليق بهما.
وبناءاً على الوصية التي تركها الفقيد السيد أحمد الخميني، أُوكلت سدانة الحرم المطهّر لسماحة الإمام، ومهمة الإشراف على مؤسسة "تنظيم ونشر تراث الإمام الخميني (قده)" الى ولده البكر سماحة حجة الإسلام والمسلمين السيد حسن الخميني، لكي يبقى طريق الإمام مشعّاً دائماً، وتبقى ذكرى هذا العزيز خالدة أبداً.
إنّ أسلوب حياة الإمام الخميني (قده)، وبساطة عيشه، ولكونها نابعة من معتقداته الدينية، بقيت ثابتةً لم تتغير في مختلف مراحل حياته، وطوال مسيرة جهاده السياسي الحافلة بالأحداث.
لقد دُهِش الصحفيون الأجانب ومراسلو وكالات الأنباء العالمية، الذين سُمح لهم بعد رحيل الإمام بزيارة محل إقامة سماحته، دُهِشوا لمشاهدتهم البيت المتواضع، ووسائل المعيشة البسيطة لقائد الثورة الإسلامية الكبير. وإنّ ما رأَوه لا يمكن مقارنته بأي وجه مع نمط حياة رؤساء البلدان والزعماء السياسيين والدينيين في عالم اليوم.. إن أسلوب حياته وبساطة معيشته يعيدان الى الأذهان الصورة التي كانت عليها حياة الأنبياء والأولياء والصالحين.
--------------------------------------------------------------------------------
--------------------------------------------------------------------------------
مرحلة النضال والثورة
إبتدأ الإمام الخميني (قده) جهاده في عنفوان شبابه، وواصله طوال فترة الدراسة بأساليب مختلفة، بما فيهما مقارعته للمفاسد الإجتماعية والإنحرافات الفكرية والأخلاقية. ففي عام 1943 م، ومن خلال تأليفه ونشره لكتاب "كشف الأسرار" قام سماحته بفضح جرائم فترة العشرين عاماً من حكم رضا شاه - والد الشاه المخلوع - وتولى الرد على شبهات المنحرفين دفاعاً عن الإسلام وعلماء الدين. كما أثار في كتابه هذا فكرة الحكومة الإسلامية، وضرورة النهوض لإقامتها.
وانطلق الإمام الخميني (قده) في نضاله العلني ضد الشاه عام 1962 م، وذلك حينما وقف بقوة ضد لائحة "مجالس الأقاليم والمدن"، والتي كان محورها محاربة الإسلام، فالمصادقة على هذه اللائحة من قِبل الحكومة آنذاك كانت تعني حذف الإسلام كشرط في المرشحين والناخبين، وكذلك القبول باستبدال اليمين الدستورية بالكتاب السماوي بدلاً من "القرآن المجيد".
بيد أنّ سماحته هبّ لمعارضة هذه اللائحة، ودعا مراجع الحوزات العلمية وأبناء الشعب للإنتفاض والثورة. وعلى أثر برقيات التهديد التي بعث بها الإمام الى رئيس الوزراء وقتئذ، وخطابات سماحته التي فضحت الحكومة، وبياناته القاصمة، وتأييد المراجع لمواقفه، إنطلقت المسيرات الشعبية الحاشدة في كلٍّ من مدينة "قم" و"طهران" وسائر المدن الأخرى، مما اضطُر نظام الشاه الى إلغاء اللائحة والتراجع عن مواقفه.
ودفعت مواصلة النضال الشاه لارتكاب إحدى حماقاته التي تمثّلت في مهاجمة المدرسة "الفيضية" بمدينة "قم" في الحادي والعشرين من آذار عام 1963 م، وما هي إلاّ فترة وجيزة حتى انتشر خطاب سماحة الإمام وبياناته حول هذه الفاجعة في مختلف أنحاء إيران. وفي عصر العاشر من محرّم الحرام عام 1383 للهجرة (3/6/1993 م) فضح الإمام الخميني (قده) عبر خطاب حماسي غاضب، العلاقات السرّية القائمة بين الشاه و"إسرائيل" ومصالحهما المشتركة.
وفي الساعة الثالثة من بعد منتصف ليل اليوم التالي، حاصرت القوات الحكومية الخاصة بيت الإمام (قده)، وتم اعتقاله وإرساله مكبّلاً الى "طهران".
إنتشر خبر الإعتقال بسرعة خاطفة في مختلف أنحاء إيران. وبمجرّد أن سمعت الجماهير نبأ اعتقال الإمام (قده) نزلت الى الشوارع منذ الساعات الأولى لفجر الخامس من حزيران 1963، وراحت تعبّر عن استنكارها لعمل الحكومة في تظاهرات حاشدة، أعظمها تظاهرة "قم" المقدسة، التي شهدت أكبر هذه الإستنكارات، والتي هاجمتها قوات النظام بالأسلحة الثقيلة، وكان نتيجتها سقوط العديد من المتظاهرين مضرّجين بدمائهم.
ومع إعلان نظام الشاه الأحكام العرفية في "طهران"، إشتد قمع تظاهرات أبناء الشعب في تلك الأيام، حيث قتلت وجرحت قوات الحكومة العسكرية الآلاف من أبناء الشعب الأبرياء. وكانت مذبحة الخامس من حزيران 1963 م بدرجة من القسوة والوحشية. وأخذت تتناقل أخبارها وسائل الإعلام العالمية والمحلية.
وأخيراً، ونتيجة لضغط الرأي العام واعتراضات العلماء وأبناء الشعب في داخل البلاد وخارجها، إضطر الى إطلاق سراح الإمام بعد عشرة أشهر تقريباً من المحاصرة والإعتقال.
واصل الإمام جهاده عبر خطاباته الفاضحة للنظام، وبياناته المثيرة للوعي. وفي هذه الأثناء، تأتي مصادقة الحكومة على لائحة "الحصانة القضائية" التي تنص على منح المستشارين العسكريين والسياسيين الأميركيين الحصانة القضائية، لتثير غضب قائد الثورة وسخطه. فما أن يطّلع الإمام الخميني على هذه الخيانة حتى يبدأ تحركاته الواسعة، ويقوم بإرسال مبعوثيه الى مختلف أنحاء إيران، ويعلن لأبناء الشعب عن عزمه بإلقاء خطاب في العشرين من جمادى الآخرة عام 1383 هـ.
ألقى سماحة الإمام خطابه الشهير في اليوم المعلن، دون أن يعبأ بتهديد النظام ووعيده. فانتقد لائحة الحصانة القضائية، وحمل بشدة على الرئيس الأميركي وقتئذ.
أما نظام الشاه، فقد رأى أنّ الحل الأمثل يكمن في نفي الإمام الى خارج إيران. ومرة أخرى حاصرت المئات من القوات الخاصة والمظليين بيت الإمام، وذلك في سَحَر يوم الثالث من تشرين الثاني عام 1964 م.
وبعد اعتقال سماحته، اقتيد مباشرة الى مطار "مهر آباد" بطهران، ومن هناك، وطبقاً للإتفاق المسبّق، تم نفيه أولاً الى مدينة "أنقرة" (تركيا)، ومن ثم الى مدينة "بورساي" التركية. وقامت قوات الأمن الإيراني والتركي المكلّفة بمراقبة سماحة الإمام، بمنعه من ممارسة أي نشاط سياسي أو اجتماعي.
تعليق