قوى المقاومة ومرحلة الضغوط الأميركية الجديدة على المنطقة (2)
<<حزب الله>> أمام مهمة رفع مستوى المقاومة وفعاليتها
إبراهيم الأمين
ل<<حزب الله>> أكثر من طريقة في مقاربة ملفات المنطقة الحساسة، وهو الذي كان يتوارى عن الأنظار لمدة طويلة ولا يشعر الجمهور به، يكون عنده ما يشغله في ملفات تخص مواجهته المفتوحة مع الإسرائيليين، ولطالما قرأ الحزب جيدا الوقائع من حوله قبل الإقدام على أي خطوة عملانية، حتى باتت العمليات العسكرية في مزارع شبعا المحتلة مؤشرا على مناخ سياسي، علما بأن الهدف الرئيسي من العمل العسكري هناك قد تحقق بان باتت اسرائيل والعالم كله على اقتناع بان الحل الفعلي للمشكلة الأمنية هناك يكمن في انسحاب إسرائيل من هذه المنطقة من دون أن يتوقف احد عند فكرة انها ارض لبنانية او سورية او خلاف ذلك.
بعد الحادي عشر من ايلول الشهير، تندر كثيرون عندنا وفي المنطقة بان <<حزب الله>> يلفظ انفاسه، ثم اظهرت التطورات ان الامور على غير هذه الصورة. ومع حصول الاحتلال الاميركي للعراق، عادت النغمة اياها وتطوع من تطوع للحديث عن <<وداع مشرّف>> للمقاومة. وحصل ما حصل. والآن ثمة من يعتقد بان استمرار الادارة الاميركية وتعزيز منطق الهجوم عندها، وصدور القرار 1559، سوف تجعل <<حزب الله>> امام مشكلة جديدة تقتضي منه الاختباء اقله او الانسحاب من دون ضجيج. ومع ذلك فان اطرافا عدة معنية تعرف ان الامر على خلاف هذه الصورة وربما تعرف اسرائيل اكثر من غيرها هذه الحقيقة.
وإذا كان الحزب قد تحاشى خلال السنة الماضية الظهور بموقع المتورط في الملف العراقي، فهو لم يكن وليس منطقيا ان يكون بعيدا عن هذا الملف، وثمة عناصر كثيرة في السياسة والاستراتيجيا والدين والمصلحة تجعل الحزب يذهب منذ اليوم الاول لتقصي الحقائق هناك. وهو الفريق الذي يخشى اكثر من غيره الفتنة المذهبية هناك، وقادته يعملون على التوسط في بعض الحالات. واذا كانت الجهات العراقية ولا سيما الشيعية منها والموالية للاميركيين، قد ضغطت على <<حزب الله>> لوقف تحريضه على المقاومة هناك، إلا ان الحزب يملك موقفه المتمايز بقوة عن موقف آخرين من القوى الشيعية داخل العراق وخارجه من هذا الملف، وربما يكون الحزب اقرب الى الموقف الذي يمكن اختصاره بانه ليس على احد تسهيل مهمة الاميركيين هناك، ولكن على كل العرب العمل لمنع تفتيت العراق.
وموقف الحزب يأخذ بعين الاعتبار انه لم يقرر الدخول في مواجهة مباشرة مع الاميركيين، وواشنطن تعرف انه منذ مغادرة القوات الاميركية لبنان في اوائل الثمانينيات لم يحصل أي احتكاك بين واشنطن والحزب، حتى ان الحزب اتخذ قرارا حاسما بدأ تنفيذه في نهاية الثمانينيات، يقول بان كل المواجهة محصورة مع الإسرائيليين وداخل الأراضي المحتلة فقط. ولكن ليس منطقيا ان لا يعرف <<حزب الله>> خريطة تحرك أكثر من مئة وخمسين الف جندي اميركي تهدده قيادتهم يوميا بانها قد ترسلهم الى لبنان وسوريا وضرب إيران اذا دعت الحاجة الى ذلك. ومع ذلك فان <<حزب الله>> لم يبادر الى أي خطوة عملية بما خص الساحة العراقية وهو لم يقدم حتى استشارات الى قوى عراقية ترغب بذلك. وهو متماسك في كونه لم يدخل بعد في مواجهة مع الاميركيين، وان قراره لا يزال ساريا بحصر نشاطه العام والخاص السياسي والعسكري والأمني ضد الإسرائيليين فقط وعلى امتداد المناطق المحتلة.
وبعد صدور القرار الدولي الاخير الذي يدعو صراحة الى حل الحزب ونزع سلاحه، شعر كثيرون بأن الخناق يضيق على الحزب، وان تطورات مقبلة على المنطقة من شأنها جعل حركته ثقيلة وصعبة ومعقدة، وان الحماية التي كانت متوفرة له من اطراف عدة في المنطقة سوف تتراجع، وان مساحة نشاطه سوف تتقلص. ويبدو ان العين الاميركية والاسرائيلية وبعض الانظمة العربية تركز الآن على المناطق الفلسطينية. ويتوقع كثيرون انه في حال نجح محمود عباس في برنامجه السياسي الخاص فإنه سوف يضرب عمليا البنية التي عمل <<حزب الله>> على اقامتها في المناطق الفلسطينية، وان الحزب سوف يكون اقرب الى الطرف المتفرج على انهيار منظمته ولو المتواضعة في المناطق الفلسطينية، وان ما سوف يصيب المقاومة في فلسطين سوف ينعكس مباشرة على المقاومة في لبنان، وانه في حالة تعرض سوريا لضغوط مكثفة فإن الحزب سوف يكون اول من يدفع الثمن.
لكن عند الحزب رؤية من نوع مختلف. واستعداده للمشاركة الفعالة في تظاهرة الثلاثاء لا يعكس انحيازه الى طرف في المعركة الداخلية القائمة، وهو الذي حافظ على مسافة كبيرة بعيدا عن التفاهات اللبنانية. بل ان جوهر موقفه من هذه المشاركة يتمثل في انها رسالة الى الخارج وليس الى الداخل، وانها رسالة الى القوى الغربية التي تقول بان روح القرار 1559 موجودة عند غالبية اللبنانيين، وان الفريق المعارض لهذا القرار والمتحالف مع سوريا هو فريق لا يتمتع بثقل حقيقي، خصوصا انه لدى <<حزب الله>> ولدى آخرين رأي في خلفية لجوء قوى معارضة الى الشارع لرفع سقف الاحتجاج على السلطة او على الوجود السوري في لبنان.
الامر الآخر، هو ان الحزب الذي عمل منذ سنوات عدة على تطوير قدراته العسكرية في مواجهة الاسرائيليين، اختار لحظة سياسية لاطلاق الرحلة الاولى لطائرة <<مرصاد 1>>، وهي اللحظة التي كان جورج بوش يحقق فيها فوزا يمكّنه من البقاء لولاية جديدة في البيت الابيض الاميركي. ومن الطبيعي القول ان الحزب الذي قرر ارسال هذه الطائرة في مهمة تجسسية، لديه برنامجه للقيام برحلات اخرى من هذا النوع او من نوع مختلف، كما ان لديه برنامجا لوضع اجيال جديدة من هذه الطائرات في الخدمة عندما تدعو الحاجة. وهذا يعكس فهما واضحا من الحزب لطبيعة ردة الفعل عند الآخرين، وخصوصا عند الاسرائيليين والاميركيين، وتحديدا لناحية ان يكون هناك في اسرائيل من يفكر بتعديل آلية وشروط المواجهة مع قوة باتت تملك خبرات وقدرات عسكرية متقدمة ولديها صلاتها مع المناطق والقوى الفلسطينية، ما يعني ان مسألة نقل هذه الخبرة والقدرات هي مسألة وقت فقط.
ولذلك فإن <<حزب الله>> الذي يتابع تطور الموقف الاميركي في المنطقة وما سوف يحصل على الساحة الفلسطينية، يدرك انه طرف معني بالملف الفلسطيني الداخلي، ولكن له طريقته في مقاربة الامور. وبعكس ما يفترض كثيرون من انه سوف يدفع الى تعميق الانقسامات هناك لاجل الحافظ على موطئ القدم خاصته، فإن الحزب يرى مصلحة حيوية في بقاء قوى المقاومة ضمن آليات تحفظ لها شرعيتها السياسية الفلسطينية، وان خيار المقاومة ليس مفروضا على احد هناك، وان الامر يشمل <<فتح>> كما يشمل قوى التيار الاسلامي.
لقد كبر <<حزب الله>> كثيرا منذ الانسحاب الاسرائيلي في العام 2000، وباتت لديه الامكانات التي تجعل ضربه او تصفيته امرا صعبا ومعقدا ومكلفا ويحتاج الى برامج طويلة الامد. لكنه في الوقت نفسه يشعر بأن القيود التي تمنع عليه الحركة المفتوحة، ليست من النوع المرتبط فقط ببرنامج الاعداء، بل في نقص الخيال والارادة عند الحلفاء والاصدقاء ايضا. واذا قرر الاميركيون في المرحلة المقبلة تعديل برامجهم نحو مرحلة هجومية اكبر ضد <<حزب الله>> فمن الافضل ان يخضعوا لدروس خبرة عند الاسرائيليين قبل الإقدام على خطوة تجعل من بقية خصوم الولايات المتحدة <<نوعا من المزاح الثقيل فقط>>!
<<حزب الله>> أمام مهمة رفع مستوى المقاومة وفعاليتها
إبراهيم الأمين
ل<<حزب الله>> أكثر من طريقة في مقاربة ملفات المنطقة الحساسة، وهو الذي كان يتوارى عن الأنظار لمدة طويلة ولا يشعر الجمهور به، يكون عنده ما يشغله في ملفات تخص مواجهته المفتوحة مع الإسرائيليين، ولطالما قرأ الحزب جيدا الوقائع من حوله قبل الإقدام على أي خطوة عملانية، حتى باتت العمليات العسكرية في مزارع شبعا المحتلة مؤشرا على مناخ سياسي، علما بأن الهدف الرئيسي من العمل العسكري هناك قد تحقق بان باتت اسرائيل والعالم كله على اقتناع بان الحل الفعلي للمشكلة الأمنية هناك يكمن في انسحاب إسرائيل من هذه المنطقة من دون أن يتوقف احد عند فكرة انها ارض لبنانية او سورية او خلاف ذلك.
بعد الحادي عشر من ايلول الشهير، تندر كثيرون عندنا وفي المنطقة بان <<حزب الله>> يلفظ انفاسه، ثم اظهرت التطورات ان الامور على غير هذه الصورة. ومع حصول الاحتلال الاميركي للعراق، عادت النغمة اياها وتطوع من تطوع للحديث عن <<وداع مشرّف>> للمقاومة. وحصل ما حصل. والآن ثمة من يعتقد بان استمرار الادارة الاميركية وتعزيز منطق الهجوم عندها، وصدور القرار 1559، سوف تجعل <<حزب الله>> امام مشكلة جديدة تقتضي منه الاختباء اقله او الانسحاب من دون ضجيج. ومع ذلك فان اطرافا عدة معنية تعرف ان الامر على خلاف هذه الصورة وربما تعرف اسرائيل اكثر من غيرها هذه الحقيقة.
وإذا كان الحزب قد تحاشى خلال السنة الماضية الظهور بموقع المتورط في الملف العراقي، فهو لم يكن وليس منطقيا ان يكون بعيدا عن هذا الملف، وثمة عناصر كثيرة في السياسة والاستراتيجيا والدين والمصلحة تجعل الحزب يذهب منذ اليوم الاول لتقصي الحقائق هناك. وهو الفريق الذي يخشى اكثر من غيره الفتنة المذهبية هناك، وقادته يعملون على التوسط في بعض الحالات. واذا كانت الجهات العراقية ولا سيما الشيعية منها والموالية للاميركيين، قد ضغطت على <<حزب الله>> لوقف تحريضه على المقاومة هناك، إلا ان الحزب يملك موقفه المتمايز بقوة عن موقف آخرين من القوى الشيعية داخل العراق وخارجه من هذا الملف، وربما يكون الحزب اقرب الى الموقف الذي يمكن اختصاره بانه ليس على احد تسهيل مهمة الاميركيين هناك، ولكن على كل العرب العمل لمنع تفتيت العراق.
وموقف الحزب يأخذ بعين الاعتبار انه لم يقرر الدخول في مواجهة مباشرة مع الاميركيين، وواشنطن تعرف انه منذ مغادرة القوات الاميركية لبنان في اوائل الثمانينيات لم يحصل أي احتكاك بين واشنطن والحزب، حتى ان الحزب اتخذ قرارا حاسما بدأ تنفيذه في نهاية الثمانينيات، يقول بان كل المواجهة محصورة مع الإسرائيليين وداخل الأراضي المحتلة فقط. ولكن ليس منطقيا ان لا يعرف <<حزب الله>> خريطة تحرك أكثر من مئة وخمسين الف جندي اميركي تهدده قيادتهم يوميا بانها قد ترسلهم الى لبنان وسوريا وضرب إيران اذا دعت الحاجة الى ذلك. ومع ذلك فان <<حزب الله>> لم يبادر الى أي خطوة عملية بما خص الساحة العراقية وهو لم يقدم حتى استشارات الى قوى عراقية ترغب بذلك. وهو متماسك في كونه لم يدخل بعد في مواجهة مع الاميركيين، وان قراره لا يزال ساريا بحصر نشاطه العام والخاص السياسي والعسكري والأمني ضد الإسرائيليين فقط وعلى امتداد المناطق المحتلة.
وبعد صدور القرار الدولي الاخير الذي يدعو صراحة الى حل الحزب ونزع سلاحه، شعر كثيرون بأن الخناق يضيق على الحزب، وان تطورات مقبلة على المنطقة من شأنها جعل حركته ثقيلة وصعبة ومعقدة، وان الحماية التي كانت متوفرة له من اطراف عدة في المنطقة سوف تتراجع، وان مساحة نشاطه سوف تتقلص. ويبدو ان العين الاميركية والاسرائيلية وبعض الانظمة العربية تركز الآن على المناطق الفلسطينية. ويتوقع كثيرون انه في حال نجح محمود عباس في برنامجه السياسي الخاص فإنه سوف يضرب عمليا البنية التي عمل <<حزب الله>> على اقامتها في المناطق الفلسطينية، وان الحزب سوف يكون اقرب الى الطرف المتفرج على انهيار منظمته ولو المتواضعة في المناطق الفلسطينية، وان ما سوف يصيب المقاومة في فلسطين سوف ينعكس مباشرة على المقاومة في لبنان، وانه في حالة تعرض سوريا لضغوط مكثفة فإن الحزب سوف يكون اول من يدفع الثمن.
لكن عند الحزب رؤية من نوع مختلف. واستعداده للمشاركة الفعالة في تظاهرة الثلاثاء لا يعكس انحيازه الى طرف في المعركة الداخلية القائمة، وهو الذي حافظ على مسافة كبيرة بعيدا عن التفاهات اللبنانية. بل ان جوهر موقفه من هذه المشاركة يتمثل في انها رسالة الى الخارج وليس الى الداخل، وانها رسالة الى القوى الغربية التي تقول بان روح القرار 1559 موجودة عند غالبية اللبنانيين، وان الفريق المعارض لهذا القرار والمتحالف مع سوريا هو فريق لا يتمتع بثقل حقيقي، خصوصا انه لدى <<حزب الله>> ولدى آخرين رأي في خلفية لجوء قوى معارضة الى الشارع لرفع سقف الاحتجاج على السلطة او على الوجود السوري في لبنان.
الامر الآخر، هو ان الحزب الذي عمل منذ سنوات عدة على تطوير قدراته العسكرية في مواجهة الاسرائيليين، اختار لحظة سياسية لاطلاق الرحلة الاولى لطائرة <<مرصاد 1>>، وهي اللحظة التي كان جورج بوش يحقق فيها فوزا يمكّنه من البقاء لولاية جديدة في البيت الابيض الاميركي. ومن الطبيعي القول ان الحزب الذي قرر ارسال هذه الطائرة في مهمة تجسسية، لديه برنامجه للقيام برحلات اخرى من هذا النوع او من نوع مختلف، كما ان لديه برنامجا لوضع اجيال جديدة من هذه الطائرات في الخدمة عندما تدعو الحاجة. وهذا يعكس فهما واضحا من الحزب لطبيعة ردة الفعل عند الآخرين، وخصوصا عند الاسرائيليين والاميركيين، وتحديدا لناحية ان يكون هناك في اسرائيل من يفكر بتعديل آلية وشروط المواجهة مع قوة باتت تملك خبرات وقدرات عسكرية متقدمة ولديها صلاتها مع المناطق والقوى الفلسطينية، ما يعني ان مسألة نقل هذه الخبرة والقدرات هي مسألة وقت فقط.
ولذلك فإن <<حزب الله>> الذي يتابع تطور الموقف الاميركي في المنطقة وما سوف يحصل على الساحة الفلسطينية، يدرك انه طرف معني بالملف الفلسطيني الداخلي، ولكن له طريقته في مقاربة الامور. وبعكس ما يفترض كثيرون من انه سوف يدفع الى تعميق الانقسامات هناك لاجل الحافظ على موطئ القدم خاصته، فإن الحزب يرى مصلحة حيوية في بقاء قوى المقاومة ضمن آليات تحفظ لها شرعيتها السياسية الفلسطينية، وان خيار المقاومة ليس مفروضا على احد هناك، وان الامر يشمل <<فتح>> كما يشمل قوى التيار الاسلامي.
لقد كبر <<حزب الله>> كثيرا منذ الانسحاب الاسرائيلي في العام 2000، وباتت لديه الامكانات التي تجعل ضربه او تصفيته امرا صعبا ومعقدا ومكلفا ويحتاج الى برامج طويلة الامد. لكنه في الوقت نفسه يشعر بأن القيود التي تمنع عليه الحركة المفتوحة، ليست من النوع المرتبط فقط ببرنامج الاعداء، بل في نقص الخيال والارادة عند الحلفاء والاصدقاء ايضا. واذا قرر الاميركيون في المرحلة المقبلة تعديل برامجهم نحو مرحلة هجومية اكبر ضد <<حزب الله>> فمن الافضل ان يخضعوا لدروس خبرة عند الاسرائيليين قبل الإقدام على خطوة تجعل من بقية خصوم الولايات المتحدة <<نوعا من المزاح الثقيل فقط>>!