إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

الإمام علي مجمع الفضائل

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الإمام علي مجمع الفضائل

    العلامة السيد محمد علي الموسوي البحراني

    لا مشاحة في أن الفضل والفضيلة في الإسلام منحصر في أربع:

    1- التقدم في الإسلام.

    2- العلم والتفقه في الحلال والحرام.

    3- الجهاد في سبيل الله.

    4- الزهادة في الدنيا.

    وهذه الأربع هي أمهات الفضائل وأصولها وما عداها فرع بالنسبة إليها.

    ولاشك أن هذه الفضائل الأربع كلها مجتمعة في علي أمير المؤمنين على اكمل وجه ومتفرقة في شذاذ من الصحابة, فعليه لا غرو من أن نقول. أن مجموع الفضائل مسجل في سجل علي خاصة دون غيره إلا النبي العظيم (صلى الله عليه وآله), إذ هو الأصل في وجود هذه المكارم.

    1- أما التقدم في الإسلام

    فقد تسالم المحققون من المسلمين وغيرهم على أن عليا (عليه السلام) هو أول من اسلم وجها لله وتمسك بالدين الإسلامي الحنيف من الرجال. لم يسبقه في ذلك أبو بكر ولا غيره, كيف لا؟!

    وكتب الأثر والتاريخ ملاء من ذكر ذلك عن الرسول والوصي والصحابة والتابعين على وجه لا يدع مجالا للشك والريب فإليك بعضها:

    قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (أولكم واردا- وورودا- على الحوض أولكم إسلاما علي بن أبي طالب)(1), وقال (صلى الله عليه وآله): لابنته فاطمة: (أما ترضين إني زوجتك أول المسلمين إسلاما وأعلمهم علما)(2), وقال لها أيضا: (انه لأول أصحابي إسلاما أو: اقدم أمتي سلما وأكثرهم علما وأعظمهم حلما)(3)وقال مشيرا إلى علي: (أن هذا أول من آمن بي وهو أول من يصافحني يوم القيامة وهو الصديق الأكبر وهذا فاروق هذه الأمة يفرق بين الحق والباطل وهذا يعسوب الدين)(4).

    وقال الإمام علي (عليه السلام): (أنا أول من اسلم مع النبي)(5).

    وقال: (أنا أول من صلى مع رسول الله)(6). وقال: (أسلمت قبل أن يسلم الناس بسبع سنين)(7).

    وقال: (بعث رسول الله يوم الاثنين وأسلمت يوم الثلاثاء)(8).

    وقال: (أنا الصديق الأكبر آمنت قبل أن يؤمن أبو بكر وأسلمت قبل أن يسلم أبو بكر)(9). وقال: (أنا عبد الله وأخو رسوله, وأنا الصديق الأكبر لا يقولها بعدي إلا كذاب مفتر. لقد صليت قبل الناس سبع سنين)(10). وقال في كتاب له إلى معاوية: (إن أولى الناس بأمر هذه الأمة قديما وحديثا أقربها إلى رسول الله, واعلمها بالكتاب وافقهها في الدين وأولها إسلاما وأفضلها جهادا)(11).

    وقال عمر بن الخطاب: (أما علي فسمعت رسول الله يقول فيه ثلاث خصال لوددت أن تكون لي واحدة منهن وكانت احب إلي مما طلعت عليه الشمس, كنت أنا وأبو عبيدة وأبو بكر وجماعة من أصحابه, إذ ضرب النبي على منكب علي (عليه السلام) فقال له: (يا علي أنت أول المؤمنين إيمانا وأول المسلمين إسلاما وأنت مني بمنزلة هارون من موسى)(12).

    وقال عبد الله بن عباس: (أول من صلى علي)(13).

    وقال سلمان الفارسي: (أول هذه الأمة ورودا على نبيها الحوض أولها إسلاما علي بن أبي طالب)(14).

    وقال زيد بن الأرقم: (أول من آمن بالله بعد رسول الله علي بن أبي طالب (عليه السلام))(15).

    وقال جابر بن عبد الله الأنصاري: (بعث النبي (صلى الله عليه وآله) يوم الاثنين وصلى علي يوم الثلاثاء)(16)وقال بريدة الأسلمي: (أوحي إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم الاثنين صلى علي يوم الثلاثاء)(17).

    وقال أبو ذر الغفاري والمقداد الكندي وأبو سعيد الخدري: (أن علي بن أبي طالب أول من اسلم)(18).

    وقال أبو رافع: (صلى النبي (صلى الله عليه وآله) أول يوم الاثنين, وصلت خديجة آخره, وصلى علي يوم الثلاثاء من الغد)(19).

    قال عفيف الكندي: جئت في الجاهلية إلى مكة وأنا أريد أن ابتاع لأهلي من ثيابها وعطرها فأتيت العباس بن عبد المطلب وكان رجلا تاجرا فأنا عنده جالس حيث انظر إلى الكعبة وقد حلقت الشمس في السماء فارتفعت وذهب إذ جاء شاب فرمى ببصره إلى السماء ثم قام مستقبل الكعبة ثم لم البث إلا يسيرا حتى جاء غلام فقام على يمينه, ثم لم البث إلا يسيرا حتى جاءت امرأة فقامت خلفهما فركع الشاب فركع الغلام والمرأة, فرفع الشاب فرفع الغلام والمرأة فسجد الشاب فسجد الغلام والمرأة, فقلت: يا عباس أمر عظيم. قال العباس: أمر عظيم أتدري من هذا الشاب؟ قلت: لا. قال: هذا محمد بن عبد الله ابن أخي, أتدري من هذا الغلام؟ هذا علي ابن أخي, أتدري من هذه المرأة؟ هذه خديجة بنت خويلد زوجته. أن ابن أخي هذا اخبرني أن ربه رب السماء والأرض أمره بهذا الدين الذي هو عليه. ولا والله ما على الأرض كلها أحد على هذا الدين غير هؤلاء الثلاثة(20).

    قال بن عبد البر في الاستيعاب: اتفقوا على أن خديجة أول من آمن بالله ورسوله وصدقه بما جاء به ثم علي بعدها(21).

    وقال الحاكم صاحب المستدرك في كتاب المعرفة(22): (ولا اعلم خلافا بين أصحاب التواريخ أن علي بن أبي طالب (عليه السلام) أولهم إسلاما).

    هذا غيض من فيض مما جاء في الموضوع(23).

    قدمناه إلى القارئ الكريم ليبدو له جليا ويعلم بوضوح أن عليا (عليه السلام) هو أول من استجاب لله تعالى والمتفرد بالفوز بهذه الفضيلة السامية. قال سبحانه: (والسابقون السابقون* أولئك المقربون)(24).

    2- وأما العلم والتفقه في الحلال والحرام:

    فلا ريب أن عليا (عليه السلام) له الكأس الأوفى والحظ الأوفر من ذلك وانه اعلم الناس في الدين وافقهم في أحكام الشريعة ولا غرو, إذ كانت الصحابة يرجعون إليه في المشاكل والمعضلات ولا يرجع إلى أحد منهم بشيء واحتياج الكل إليه واستغناؤه عن الكل دليل واضح على أعلميته وأفقهيته.

    ويكفيك دليلا ساطعا وبرهانا قاطعا شهادة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) وكبار الصحابة على ذلك فدونك بعضها!

    قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (أنا مدينة العلم وعلي بابها)(25), وقال: (أنا دار الحكمة وعلي بابها)(26), وقال: (اعلم أمتي من بعدي علي ابن أبي طالب)(27), وقال: (علي وعاء علمي ووصيي وبابي الذي أوتي منه)(28), وقال: (علي باب علمي ومبين لأمتي ما أرسلت به من بعدي)(29), وقال: (علي خازن علمي)(30), وقال: (علي عيبة علمي)(31). (أقضى أمتي علي)(32)وقال: (أقضاكم علي)(33). وقال: (قسمت الحكمة عشرة أجزاء فأعطي علي تسعة أجزاء والناس جزءا واحدا)(34)إلى غير ذلك.

    وقال ابن عباس: (والله لقد أعطي علي بن أبي طالب تسعة أعشار العلم وأيم الله لقد شارككم في العشر العاشر)(35)وقال: (علم النبي من علم الله وعلم علي من علم النبي وعلمي من علي, وما علمي وعلم الصحابة في علم علي إلا كقطرة في سبعة أبحر)(36).

    وقال: (العلم ستة أسداس لعلي خمسة أسداس وللناس سدس ولقد شاركنا في السدس حتى لهو اعلم به منا)(37).

    وقال أبن مسعود: (قسمت الحكمة عشرة أجزاء فأعطي علي تسعة أجزاء والناس جزءا واحدا وعلي أعلمهم بالواحد منها)(38), وقال: (اعلم بالفرائض علي بن أبي طالب)(39), وقال: (كنا نتحدث أن أقضى أهل المدينة علي)(40), وقال: (افرض أهل المدينة وأقضاها علي)(41), وقال أن القرآن انزل على سبعة أحرف ما منها حرف إلا وله ظهر وبطن وان علي بن أبي طالب عنده منه الظاهر والباطن)(42).

    وقال عدي بن حاتم- في خطبة له-: (والله لئن كان إلى العلم بالكتاب والسنة. انه (يعني عليا) لأعلم الناس بهما ولئن كان إلى الإسلام انه لأخو نبي الله والرأس في الإسلام ولئن كان إلى العقول والنحائز(43)انه لأشد الناس عقلا وأكرمهم نحيزة)(44).

    وقال أبو سعيد الخدري: (أقضاكم علي)(45).

    وقالت عائشة: (علي اعلم الناس بالسنة)(46).

    وسئل عطاء أ كان في أصحاب محمد أحد اعلم من علي؟!

    قال: (لا والله ما اعلمه)(47).

    وقال عمر بن الخطاب: (علي أقضانا)(48), وقال: (أقضانا علي)(49), ولعمر كلمات مشهورة تعرب عن غاية احتياجه في العلم إلى علي أمير المؤمنين اخرج نبذة منها العلامة الأميني في كتابه (الغدير ج3و6).

    منها قوله غير مرة: (لولا علي لهلك عمر)(50). وقوله: (كاد يهلك ابن الخطاب لولا علي بن أبي طالب)(51). وقوله: (لولا علي لضل عمر)(52), وقوله: (اللهم لا تبقني لمعضلة ليس لها ابن أبي طالب)(53), وقوله: (أعوذ بالله من معضلة ولا أبو حسن لها)(54). وقوله: (أعوذ بالله من معضلة لا علي بها)(55). وقوله: (لا بقيت لمعضلة ليس لها أبو الحسن)(56). وقوله: (اللهم لا تنزل بي شديدة إلا وأبو الحسن إلى جنبي)(57)إلى غير ذلك....

    وقال سعيد بن المسيب: (كان عمر يتعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو الحسن)(58).

    وقال معاوية: (كان عمر إذا أشكل عليه شيء أخذه من علي)(59).

    وقد تواتر عن علي (عليه السلام) قوله: (أن رسول الله اسر إلي ألف حديث في كل حديث ألف باب وفي كل باب ألف مفتاح وإني اعلم بهذا العلم)(60). وقوله (عليه السلام): (سلوني والله ما تسألوني عن شيء يكون إلى يوم القيامة إلا أخبرتكم وسلوني عن كتاب الله فو الله ما من آية إلا وأنا اعلم أ بليل نزلت أم بنهار في سهل أم في جبل)(61).

    وقوله (عليه السلام): (سلوني قبل أن تفقدوني سلوني عن كتاب الله وما من آية إلا وأنا اعلم حيث أنزلت بحضيض جبل أو سهل ارض وسلوني عن الفتن فما من فتنة إلا وقد علمت من كسبها ومن يقتل فيها)(62).

    قال أبو سعيد البحتري: (رأيت عليا (عليه السلام) على منبر الكوفة وعليه مدرعة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو متقلد بسيفه ومتعمم بعمامته (صلى الله عليه وآله) فجلس على المنبر فكشف عن بطنه وقال: (سلوني قبل أن تفقدوني فإنما بين الجوانح مني علم جم هذا سفط العلم هذا لعاب رسول الله هذا ما زقني رسول الله (صلى الله عليه وآله) زقا. فو الله (لو ثنيت لي وسادة فجلست عليها لأفتيت أهل التوراة بتوراتهم وأهل الإنجيل بإنجيلهم حتى ينطق الله التوراة والإنجيل فيقولان: صدق علي قد أفتاكم بما انزل في وانتم تتلون الكتاب أ فلا تعقلون)(63).

    وقال سعيد بن المسيب: لم يكن أحد من الصحابة يقول: (سلوني إلا علي بن أبي طالب)(64).

    وكان (عليه السلام) إذا سئل عن مسالة يكون فيها كالسكة المحماة ويقول:


    إذا المشكــــــلات تصديـن لي***كشفــــــت حقائقهــــا بالنظـــــــــر

    فان برقت في مخيل الصـواب***عميـــاء لا يجتليهـــا البصــــــــــر

    مقنعـــــة بغيــــوب الأمــــــور***وضعــت عليهــا صحيـح الفكـــــر

    لسانـــا كشقشقــــة الأرحبــــي***أو كالحســــام اليمانـــي الذكــــــر

    وقلبــــا إذا استنطقتـــه الفنـون***ابــــــر عليهــــــا بــــــــــواه درر

    ولســـــت بإمعة(65) في الرجال***يسائـــل هـــذا وذا مــا الخبــــر؟

    ولكننـــي مذرب الأصغرين(66)***أبيــن مـع ما مضى ما غبر(67)


    هذا غيض من فيض مما جاء في أعلميته (عليه السلام) من جميع الصحابة وبه الكفاية.

    ويجد القارئ الكريم في غضون كتب الحديث والتاريخ من آثاره وأخباره(عليه السلام) ما يدعم شهادة هؤلاء بوضوح.

    ولو لم يكن هناك شاهد سوى نهج البلاغة, الذي هو رشحة من رشحات علمه الفياض ونفحة من نفحات بيانه وما انطوى عليه سجيته الكريمة لكفانا مؤونة البرهان وتكلف الاستدلال.

    إذا انك ترى الكتاب كما انه نهج البلاغة والفصاحة (بحيث أن الكلام فيه فوق كلام المخلوق وتحت كلام الخالق) كذلك تجده نهج العلم والمعارف. نهج السياسة والتدبير. نهج الوعظ والتبليغ نهج البرهان التوحيدي والدلالة على ذات الله وصفاته.

    فقل لي يا ترى: أليس في نهج البلاغة من ينبوع الحكمة الآلهية والمعارف الكونية, ما عجز عن إدراكها أعاظم الحكماء والفلاسفة, فترى العلم الحديث قد كشف الكثير من غوامضها ودقائقها المدهشة؟

    فقل لي يا ترى:

    أليس في النهج من الآداب العالية ما يرشدنا إلى أن مبدعها الفذ لم يتكلف هذا الفن وان طبعه الفياض لا يباريه مثل ولا يجاريه ند في الوجود؟!

    أليس نهج البلاغة هو الذي فتح لأرباب الكلام البرهان العقلي الفني على وجود الباري ووحدانيته بما لم يسبق له مثيل ولا عرفه الناس من قبل وإنما حذوا حذوه من بعده؟!

    أليس النهج نهج الوعظ والإرشاد والأمر والزجر ونهج كل شيء وفيه من مناهج السياسة وعلوم الاجتماع ما يصلح لان يكون مصباحا يستضاء به لتدبير البلاد وقيادة العباد. فتراه ينبئ بان ربانه السياسي المحنك والعالم الاجتماعي الخبير, لم يأخذ العلم من أفواه الرجال وقراطيس الكتب. وإنما أخذه عن المدبر الحكيم بواسطة صاحب الرسالة. فانك لو أمعنت النظر في عهده (عليه السلام) لمالك الأشتر وحده. لعرفت مبلغ علم الإمام في ذلك العصر الأعزل عن أمثال هذه المعارف.

    هذا هو كتاب نهج البلاغة. فهل يا ترى انه لا يعرب عن تقدم منشيه بالعلم وبكل فضيلة. وتفوقه في كل مكرمة وفضل فعز عن المثيل والند والنظير؟!

    3- وأما الجهاد في سبيل الله:

    فلا مشاحة في أن الجهاد هو الركن المقوم لانتعاش الدعوة المحمدية وحياة الدولة الإسلامية وانه من اجل الفضائل والمكارم بعد الإسلام وواضح لدى الجميع, انه لم يمثل الجهاد كما يريده الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله) أحد مثل الإمام علي (عليه السلام) حيث قام (روحي فداه) بنصرة الدين الحنيف (على الرغم من صغر سنه) منذ أبان الدعوة إلى أن فارق النبي الحياة. بل وبعد النبي إلى أن فاز بالشهادة.

    فكم له (عليه السلام) في غضون هذه المدة من موقف رهيب تجاه المشركين والمنافقين.

    لبس برد النبي الحضرمي الأخضر وبات على فراشه (صلى الله عليه وآله) ليلة آلهجرة, ليلة هرب النبي من المشركين إلى الغار وفداه بنفسه.

    وقد جاء في الحديث انه سبحانه أوحى إلى جبرائيل وميكائيل: إني آخيت بينكما وجعلت عمر أحدكما أطول من الآخر فأيكما يؤثر صاحبه بالحياة؟ فاختار كلاهما الحياة.

    فأوحى الله إليهما أفلا كنتما مثل علي بن أبي طالب: آخيت بينه وبين محمد فبات على فراشه يفديه بنفسه ويؤثر بالحياة, اهبطا إلى الأرض فاحفظاه من عدوه, فنزلا فكان جبرائيل عند رأسه وميكائيل عند رجليه وجبرائيل ينادي, بخ بخ من مثلك يا علي يباهي الله تبارك وتعالى بك الملائكة. فانزل الله على رسوله وهو متوجه إلى المدينة. في شان الإمام علي: (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله)(68).

    اجل: لقد كان (عليه السلام) لهذه الفضيلة (فضيلة الجهاد) بأسمى مكان وارفع مقام. حيث قام بشؤونه بين يدي الرسول (صلى الله عليه وآله) على وجه لم يقم باليسير منه غيره من شيوخ القوم وكهولهم. وعلى نحو عجز عن مثله أهل الحنكة والتدريب من صناديدهم وفرسانهم العارفين بفنون الغزو.

    فهذه بدر. واحد. وتلك الأحزاب. وتلك خيبر وحنين وو...

    فسل عنها: من كان فارسها الأول, وبطلها الفذ؟ أترى فيها غير أبي الحسن؟ يضرب خراطيم المشركين بين يدي رسول الله ويخطف أرواحهم ويجرعهم كاس المنون. حتى انصاعوا إلى كلمة الشهادتين ودخلوا أفواجا في الدين الحنيف وظهر الدين الإسلامي على الدين كله.

    ولذلك ترى أسيد بن أبي إياس الكناني مكبرا لعلي من هذه الناحية مخاطبا قريشا ومحرضا إياهم عليه بقوله:


    في كل مجمع غايــــــة أخزاكــــــم***جذع ابر على المذاكي القــرح(69)

    لله دركــــــم المـــــــــا تنكـــــــــروا***قـــــد ينكـر الضيم الكريم ويستحــى

    هــــــذا ابــــن فاطمــة الذي أفناكم***ذبحــــــا ويمشـــــــى آمنا لم يجــرح

    أيـــــــن الكهــول؟ وأين كل دعامة؟***للمعضلات وأين زين الأبطح؟(70)

    أفنـــــــاهــــم ضـــــربا بكـــــل مهند***صلــــــت وحـــــد غــراره لم يصفـح


    لو لم يكن له (عليه السلام) من تلك المواقف الجمة التي نصر بها الإسلام سوى موقفه في حادثة الخندق تجاه الأحزاب وقائدها عمرو فارس يليل لكفاه فخرا وشرفا وعزة ومجدا, وذلك حينما ابتلى المؤمنون (كم أنبأ سبحانه) (وزلزلوا زلزالا شديدا* وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا* واذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا ويستئذن فريق منهم النبي يقولون إن بيوتنا عورة وما هي بعورة إن يريدون إلا فرارا)(71).

    هذا والنبي الكريم يحرض المسلمين للبراز ومقاتلة عمرو. والمسلمون كأن على رؤوسهم الطير ينظرون إليه نظر المغشي عليه من الموت. فمن يا ترى كشف الكرب عن وجه الرسول في ذلك الموقف الرهيب الذي كاد إن يقضى على الإسلام وأهله غير المرتضى أبي الحسن؟

    ومن قتل عمرا ذلك الشجاع المهيب بضربة نجلاء تخآلها صاعقة نزلت من السماء فبدد بقتله جحافل الشرك ومزق الأحزاب سوى أبي السبطين؟

    اجل: عمل الإمام علي (عليه السلام) في ذلك اليوم عملا قال له الرسول (صلى الله عليه وآله): (ابشر يا علي فلو وزن عملك اليوم بعمل أمة محمد لرجح عملك بعملهم)(72) وقال: (لمبارزة علي بن أبي طالب لعمرو بن عبد ود يوم الخندق افضل من عمل أمتي إلى يوم القيامة)(73).

    ولم يزل (عليه السلام) على هذه الوتيرة مجاهدا بالنفس والنفيس وقيدوما لجيش المسلمين في كل موطن تجاه أعداء الدين من الكافرين والمنافقين, في عهده (صلى الله عليه وآله) وبعده فكم أزاح في جراء ذلك ما وقع من الحسك والقتاد دون دعوة الرسول (صلى الله عليه وآله) وكم أجال الكرب عن وجهه الكريم؟!

    فحاز بذلك من هذه الفضيلة (فضيلة الجهاد) ما لم يحزه غيره من كبار المسلمين, قال سبحانه: (وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما)(74).

    4- وأما الزهادة في الدنيا:

    فلا أخال أحدا (له اقل إلمام في التاريخ الإسلامي وفي أحوال الصحابة وسيرتهم في الحياة) يجهل أن عليا (عليه السلام) له الدرجة القصوى والمرتبة العليا من هذه الفضيلة. وحسبك دليلا كتابه إلى عامله بالبصرة عثمان بن حنيف حيث قال فيه: (إلا وان لكل مأموم إمام يقتدي به, ويستضئ بنور علمه, ألا وان إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه)(75)ومن طعمه بقرصيه, ألا وأنكم لا تقدرون على ذلك, ولكن أعينوني بورع واجتهاد (وعفة وسداد) فو الله ما كنزت من دنياكم تبرا, ولا ادخرت من غنائمها وفرا(76), ولا أعددت لبالي ثوبي طمرا(77), (ولا حزت من أرضها شبرا, ولا أخذت منه إلا كقوت أتان دبرة(78), ولهي في عيني أوهى من عفصة مقرة) بلى كانت في أيدينا فدك(79)من كل ما أظلته السماء فشحت عليها نفوس قوم وسخت عنها نفوس(قوم) آخرين, ونعم الحكم الله.

    وما اصنع بفدك وغير فدك والنفس مظانها في غد جدث(80)تنقطع في ظلمته آثارها, وتغيب أخبارها, وحفرة لو زيد في فسحتها, وأوسعت يدا حافرها لأضغطها الحجر والمدر. وسد فرجها التراب المتراكم, وإنما هي نفسي أروضها(81)بالتقوى لتأتي آمنة يوم الخوف الأكبر, وتثبت على جوانب المزلق. ولو شئت لاهتديت الطريق إلى مصفى هذا العسل, ولباب هذا القمح, ونسائج هذا القز(82)ولكن هيهات أن يغلبني هواي, ويقودني جشعي(83)إلى تخير الأطعمة ولعل بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له في القرص, ولا عهد له بالشبع! أو أبيت مبطنا وحولي بطون غرثى, وأكباد حرى, أو أكون كما قال القائل:

    وحسبك داء أن تبيت ببطنة*** وحولك أكباد تحن إلى القد!

    أأقنع من نفسي بان يقال هذا: امير المؤمنين ولا أشاركهم في مكاره الدهر أو أكون أسوة لهم في جشوبة(84)العيش, فما خلقت ليشغلني أكل الطيبات كالبهيمة المربوطة همها علفها, أو المرسلة شغلها تقممها(85)تكترش من أعلافها, وتلهو عما يراد بها(86)....).

    وقال (عليه السلام): (والله لدنياكم هذه أهون في عيني من عراق خنزير في يد مجذوم(87).

    دخل ضرار بن ضمره (وكان من خواص علي (عليه السلام)) على معاوية وافدا. فقال. صف لي عليا. قال: اعفني. قال معاوية: (لابد من ذلك. فقال: أما إذا كان لابد من ذلك, فانه كان والله بعيد المدى شديد القوى يقول فصلا ويحكم عدلا, يتفجر العلم من جوانبه, وتنطق الحكمة من نواحيه, يعجبه من الطعام ما خشن ومن اللباس ما قصر (وكان والله) يجيبنا إذا دعوناه ويعطينا إذا سألناه, وكنا والله على تقريبه لنا وقربه منا لا نكلمه هيبة له, ولا نبتدؤه لعظمه في نفوسنا, يبسم عن ثغر كاللؤلؤ المنظوم.

    يعظم أهل الدين ويرحم المساكين, ويطعم في المسغبة(88)

    يتيما ذا مقربة أو مسكينا ذا متربة, يكسو العريان, وينصر اللهفان ويستوحش من الدنيا وزهرتها ويأنس بالليل وظلمته, وكأني به وقد أرخى الليل سدوله وغارت نجومه وهو في محرابه قابض على لحيته يتململ تململ السليم ويبكي بكاء الحزين, ويقول: يا دنيا غري غيري أبي تعرضت أم إلي تشوقت؟ هيهات هيهات لا حان حينك(89)قد أبنتك ثلاثا لا رجعة لي فيك. عمرك قصير وعيشك حقير. وخطرك يسير. آه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق)(90).

    قال عمر بن عبد العزيز: (ازهد الناس في الدنيا علي بن أبي طالب)(91).

    وقال زيد بن وهب: (خرج علينا علي وعليه رداء وإزار قد وثقه بخرقه فقيل له. فقال: إنما البس هذين الثوبين ليكون ابعد لي من الزهو وخيرا لي في صلاتي وسنة للمؤمن)(92).

    وروى عبد الله بن شريك عن جده: أن علي بن أبي طالب أتى بفالوذج فوضع قدامه فقال: انه طيب الريح حسن اللون طيب الطعم ولكن اكره أن أعود نفسي ما لم تعتد)(93).

    وكان علي (عليه السلام) يقسم بيت المال في كل جمعة حتى لا يبقى منه شيئا ثم يرش له ويقيل(94)فيه ويتمثل بهذا البيت:


    هذا جنائي وخياره فيه*** إذ كل جان يده إلى فيه(95)


    وقال عنترة دخلت على علي بالخورنق وهو فصل شتاء وعليه قطيفة وهو يرعد فيه فقلت يا أمير المؤمنين: أن الله قد جعل لك ولأهلك في هذا المال نصيبا وأنت تفعل هذا بنفسك فقال: والله ما أرزأكم(96)شيئا وما هي إلا قطيفتي التي أخرجتها من المدينة(97).

    وعن علي بن أرقم عن أبيه قال: رأيت علي بن أبي طالب يعرض سيفا له في رحبة الكوفة ويقول: من يشتري مني سيفي هذا والله لقد جلوت به غير مرة عن وجه رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولو أن لي ثمن إزار ما بعته)(98). وفي رواية أخرى انه قال لو كان عندي أربعة دراهم ثمن إزار لم أبعه)(99).

    وقال سفيان: أن عليا لم يبن آجرة على آجرة ولا لبنة على لبنة ولا قصبة على قصبة وان كان ليؤتى بحبوبه من المدينة في جراب)(100)وكان (عليه السلام) يختم على الجراب الذي يأكل منه ويقول: لا احب أن يدخل بطني إلا ما اعلم)(101).

    وقال عمر بن قيس رئي على علي إزار مرقوع فقيل له فقال: (يقتدى به المؤمن ويخشع به القلب)(102).

    وقال الحسن بن علي (عليه السلام) (في صبيحة الليلة التي قتل فيها أمير المؤمنين بعد ذكر أبيه وفضله وسابقته: والله ما ترك صفراء ولا بيضاء إلا ثمانمائة درهم ارصد لجارية)(103)وفي رواية: سبعمائة درهم فضلت من عطائه أراد أن يشتري بها خادما)(104) وفي أخرى: ما ترك إلا ثلاثمائة درهم(105).

    هذه نبذة من فضائل المرتضى أبي الحسن التي تفرد بها وطل من وابل مكارمه (عليه السلام) التي قد سمى بها الدرجة القصوى التي أعدمته الند والمثيل في جميع صحابة الرسول (صلى الله عليه وآله) ولعمرك أنها منزلة شامخة ومرتبة عالية تفوق المنازل والمراتب إلا النبوة, وهي كما قال الشاعر:


    مناقــــب لجــــت فـــي علو كأنها***تحـــاول ثارا عند بعض الكواكب

    محاسن من مجد متى يقرنوا بها***محاســـن أقـــــوام تعد كالمعائب


    وناهيك من منزلة صيرته مقياسا ومحكا لتمييز الخبيث من الطيب ونبراسا يمتاز به المؤمن عن المنافق.

    فقد اخرج أئمة الحديث عن النبي (صلى الله عليه وآله) انه قال لعلي: لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق)(106).

    وقال الإمام علي (عليه السلام): (والذي فلق الحبة وبرا النسمة انه لعهد النبي الأمي إلي: انه لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق)(107).

    وقال أبو بكر: رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) خيم خيمة وهو متكئ على قوس عربية وفي الخيمة علي وفاطمة والحسن والحسين فقال: معشر المسلمين أنا سلم لمن سالم أهل الخيمة حرب لمن حاربهم ولي لمن والاهم لا يحبهم إلا سعيد طيب المولد ولا يبغضهم إلا شقي الجد رديء المولد)(108).

    وقالت أم المؤمنين أم سلمة: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: (لا يحب عليا منافق ولا يبغضه مؤمن)(109).

    وقال ابن عباس: نظر رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى علي فقال: (لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق)(110).

    وقال أبو ذر: (ما كنا نعرف المنافقين على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلا بثلاث: بتكذيبهم الله ورسوله, والتخلف عن الصلاة, وبغضهم علي بن أبي طالب)(111).

    وقال أبو سعيد الخدري: (كنا نعرف المنافقين نحن معشر الأنصار ببغضهم علي بن أبي طالب)(112).

    وقال جابر بن عبد الله الأنصاري: (ما كنا نعرف المنافقين الا ببغضهم علي بن أبي طالب)(113)إلى غير ذلك(114).

    اجل لقد سطعت أنوار هذه الفضائل وأضعاف أضعافها من مولانا علي أمير المؤمنين (عليه السلام) فتاهت في سبيلها العقول وما زالت عظمة هذا الإمام الأكبر تملا الدنيا بلمعانها كما تملا النفوس بشعاعها اللألاء.

    ولا غرو, إذ أن شعاع هذه العظمة كهربائي بجاذبته, ومغناطيس للقلوب من قريب وبعيد ودان وقاص مسلم وغير مسلم(115).

    واليكم أبياتا ثلاثة لنصراني متكهرب بعظمته (عليه السلام) يقول فيها:


    علي أمير المؤمنين صريمة(116)***وما لسواه في الخلافــــة مطمـــع

    له النسب العالي وإسلامـــه الذي***تقـــــدم فيـــــه والفضائــــل اجمــــع

    ولــــو كنـت أهوى ملة غير ملتي***لما كنــــت إلا مسلما أتشيع(117)


    إذا عرفت ذلك, فلنشرع في ذكر نبذة من تلكم النصوص الكثيرة من الكتاب والسنة التي أثبتها فطاحل علم الحديث من أهل السنة في كتبهم القيمة الدالة بوضوح على اختصاص الخلافة بعلي أمير المؤمنين وأولاده آلهداة الميامين (عليهم السلام).




    الهوامش:

    1- أخرجه الحاكم في المستدرك ج3 ص136. والخطيب في تاريخه, ج2, ص81.

    2- مستدرك الحاكم ج3. كنز العمال ج6, ص13.

    3- مسند احمد, ج5, ص26. الاستيعاب, ج3, ص36. الرياض النضرة, ج2, ص194. الزوائد, ج9, ص101و114. السيرة الحلبية ج1, ص285. كنز العمال, ج6, ص153.

    4- مجمع الزوائد, ج9, ص102.

    5- تاريخ بغداد للخطيب, ج4, ص233.

    6- المعارف لابن قتيبة, ص74. الاستيعاب, ج2, ص458.

    7- الرياض النضرة, ج2, ص158.

    8- مجمع الزوائد, ج9, ص102. تاريخ القرماني, ج1 ص215, الصواعق, ص72. تاريخ الخلفاء للسيوطي ص112, إسعاف الراغبين ص148.

    9- المعارف لابن قتيبة, ص74.

    10- خصائص النسائي, ص3. مستدرك الحاكم, ج3, ص112. سنن ابن ماجه ج1, ص57. تاريخ الطبري, ج2, ص56, ط م1357. تاريخ الكامل لابن الأثير ج2, ص37. شرح النهج لابن أبي الحديد, ج3, ص257.

    11- كتاب صفين لابن مزاحم, ص168, ط م.

    12- رسالة الإسكافي, مناقب الخوارزمي, شرح النهج لابن ابن الحديد, ج3, ص258.

    13- جامع الترمذي, ج2, ص215, تاريخ الطبري, ج2 ص55 ط م1357, الكامل لابن الأثير ج2, ص37 شرح ابن أبي الحديد ج3, ص256.

    14- الاستيعاب ج2, ص457. مجمع الزوائد ج9, ص102.

    15- الاستيعاب ج2, ص459.

    16- تاريخ الطبري ج2, ص55, ط م1357 الكامل لابن الأثير ج2, ص37 شرح ابن أبي الحديد ج9, ص258.

    17- مستدرك الحاكم ج3, ص112.

    18- الاستيعاب ج2, ص456, المواهب اللدنية ج1, ص45.

    19- عيون الأثر ج1 ص92, الرياض النضرة, ج2, ص158, شرح ابن أبي الحديد ج3, ص258.

    20- خصائص النسائي, ص3. تاريخ الطبري, ج2, ص56, ط م1357. الرياض النضرة ج2, ص158. الاستيعاب ج2, ص459. عيون الأثر ج1, ص93. كامل ابن الأثير ج2, ص37. السيرة الحلبية ج1, ص288. البداية والنهاية لابن كثير ج3, مجلد2, ص25. مسند احمد ج1, ص209, مع اختلاف يسير.

    21- الاستيعاب ج2, ص457.

    22- ص22.

    23- قد جمع العلامة الأميني في(الغدير) ج3, ص219- 243, ط2 مائة حديث في أن عليا أول من اسلم وحقق الموضوع بما لا مزيد عليه, فراجع, وقد اقتبسنا بعض ما ذكرناه منه.

    24- سورة الواقعة, الآية 10و11.

    25- اخرج العلامة الأميني في(الغدير) ج6 ص61- 77 ط2, الحديث المذكور عن مائة وثلاثة وأربعين مصدرا منها مستدرك الحاكم ج3, ص126- 128. تاريخ ابن كثير, ج7, ص358. تاريخ بغداد ج2, ص377, وج4, ص348, وج7 ص173, وج11 ص204. الاستيعاب ج2, ص461. ينابيع المودة ص65. تذكرة سبط ابن الجوزي ص29. الرياض النضرة ج1, ص192. مجمع الزوائد للهيثمي ج9 ص114. حياة الحيوان للدميري ج1 ص55. الجامع الصغير للسيوطي ج1ص374. المواهب اللدنية للزرقاني ج3 ص143. تهذيب التهذيب للعسقلاني ج7 ص337.

    26- ينابيع المودة ص71.

    27- مناقب الخوارزمي ص49. مقتل الحسين للخوارزمي ج1 ص43. كنز العمال ج6 ص153.

    28- شمس الأخبار ص49.

    29- كنز العمال ج6 ص156. كشف الخفاء ج1 ص204.

    30- شرح النهج لابن أبي الحديد ج2 ص448.

    31- الجامع الصغير للسيوطي ج4 ص356. قال المناوي في فيض القدير عند شرح الحديث: قال ابن دريد: وهذا من كلامه(صلى الله عليه وآله) الموجز الذي لم يسبق ضرب المثل به في إرادة إختاصه بأموره الباطنة التي لا يطلع عليها أحد غيره.... الخ.

    32- مصابيح البغوي, ج2 ص277. الرياض النضرة, ج2 ص198.

    33- مواقف القاضي الايجي ج3 ص276. شرح النهج ج2 ص235.

    34- حلية الأولياء ج1 ص65. (الغدير ج3 ص96).

    35- الاستيعاب ج3 ص40. الرياض النضرة ج2 ص194.

    36- ينابيع المودة ص70.

    37- مناقب الخوارزمي ص55. فرائد السمطين في الباب68.

    38- كنز العمال ج5 ص156و401, نقلا عن غير واحد من الحفاظ.

    39- الاستيعاب ج3 ص41. الرياض النظرة ج2 ص194.

    40- مستدرك الحاكم ج3 ص41. أسنى المطالب للجزري ص14. الصواعق ص76.

    41- الرياض النضرة ج2 ص198. تاريخ الخلفاء للسيوطي ص115.

    42- مفتاح السعادة ج1 ص400. (الغدير ج3 ص99 ط2).

    43- النحائز: جمع نحيزة ومعناها الطبيعة.

    44- جمهرة خطب العرب ج1 ص202.

    45- فتح الباري ج8 ص136.

    46- الاستيعاب ج3 ص40 هامش الإصابة. الرياض النضرة ج2 ص193, مناقب الخوارزمي ص54. الصواعق ص76. تاريخ الخلفاء ص115.

    47- الاستيعاب ج3 ص40. الفتوحات الإسلامية ج2 ص337.

    48- حلية الأولياء ج1 ص65. الرياض النضرة ج2 ص189و244. تاريخ ابن كثير ج7 ص359, وقال: (ثبت عن عمر). أسنى المطالب للجزري ص14. تاريخ الخلفاء للسيوطي ص115.

    49- الاستيعاب ج3 ص41. تاريخ ابن عساكر ج2 ص325. مطالب السؤول ص30.

    50- الاستيعاب ج3 ص39. الرياض النضرة ج2 ص194. تفسير النيسابوري ج3 في سورة الأحقاف. مناقب الخوارزمي ص48. تذكرة السبط ص87. فيض القدير ج4 ص357. السنن الكبرى ج7 ص442. ذخائر العقبى ص82. تفسير الرازي ج7 ص484. كفاية الكنجي ص105. الدر المنثور ج1 ص288, وج6 ص40.

    51- كفاية الكنجي ص96, الفصول المهمة لابن صباغ ص18.

    52- تمهيد الباقلاني ص199.

    53- تذكرة السبط ص87. مناقب الخوارزمي ص58. مقتل الخوارزمي ج1 ص45 وللخوارزمي قصيدة يمدح فيها عليا قال فيها:

    إذا عمـر تخبـــط فـــي جواب***ونبهه علـــــــي بالصـــــواب

    يقــــول بعدلــــه لـــولا علــي***هلكت هلكت في ذاك الجواب

    انظر الغدير ج4 ص397 ط2.

    54- تاريخ ابن كثير ج7 ص359. الفتوحات الإسلامية ج2 ص306.

    55- نور الأبصار للشبلنجي ص79.

    56- ترجمة علي بن أبي طالب ص79.

    57- الرياض النضرة ج2 ص194.

    58- الاستيعاب هامش الإصابة ج3 ص39. صفة الصفوة ج1 ص121. تذكرة السبط ص85. طبقات الشافعية للشيرازي ص10. الإصابة ج2 ص509, الصواعق ص76. فيض القدير ج4 ص357.

    59- الرياض النضرة ج2 ص194. مطالب السؤول ص30.

    60- ينابيع المودة ص72.

    61- جامع بيان العلم ج1 ص114. تاريخ الخلفاء للسيوطي ص124. الإتقان ج2 ص319. تهذيب التهذيب ج7 ص338. فتح الباري ج8 ص485. عمدة القارئ ج9 ص167. مفتاح السعادة ج1 ص400.

    62- ينابيع المودة ص74.

    63- ينابيع المودة ص74.

    64- جامع بيان العلم ج1 ص114. الرياض النضرة ج2 ص198. الصواعق ص76.

    65- الإمعة, بكسر آلهاء وتشديد الميم: الذي لا رأى له فهو يتابع كل أحد على رأيه وآلهاء فيه للمبالغة.

    66- المذرب الحاد. والأصغرين: القلب واللسان.

    67- جامع بيان العلم ج2, ص113. زهر الآداب للقيرواني ج1 ص38. جمع الجوامع للسيوطي كما في ترتيبه ج5 ص242. تاج العروس ج5 ص268. وقد اعتمدنا في غير واحد من مصادر هذا الفصل على ما في الغدير ج3و6.

    68- سورة البقرة, الاية207. وحديث المبيت هذا من المتواتر المقطوع على صحته وقد أخرجه جمع غفير من أئمة الحديث منهم: الثعلبي في تفسيره. والغزالي في (إحياء العلوم) ج3 ص238.

    والكنجي الشافعي في (كفاية الطالب) ص114. والصفوري في (نزهة المجالس) ج2 ص209. وابن الصباغ المالكي في (الفصول المهمة) ص33. وسبط ابن الجوزي في التذكرة ص21, والشبلنجي في نور الأبصار ص86. وفي المصادر الثلاثة الأخيرة: قال ابن عباس: أنشدني أمير المؤمنين شعرا قآله في تلك الليلة:


    وقبت بنفسي خير من وطأ الحصـــا***واكــرم خلق طاف بالبيت والحجـــــر

    وبــــت أراعـــي منهم ما يسوءنـــي***وقد صبرت نفسي على القتل والأسر

    وبات رســـــول الله فـــــي الغار آمنا***ومـــا زال فــي حفظ الآله وفي الستر


    ويوجد حديث المبيت أيضا في مسند احمد ج1 ص348. تاريخ الطبري ج2 ص99و101 ط1357. وطبقات ابن سعد ج1 ص122. وتاريخ اليعقوبي ج2 ص29. وسيرة ابن هشام ج2 ص291. والعقد الفريد ج3 ص284 ط1. وتاريخ بغداد للخطيب ج13 ص191. وتاريخ ابن الأثير ج2 ص72 ط1349. وتاريخ أبي الفداء جج1 ص126. ومناقب الخوارزمي ص75. والإمتاع للمقريزي ص39. وتاريخ ابن كثير ج7 ص338. السيرة الحلبية ج2 ص29. وغيرها انظر الغدير ج2 ص48- 49.

    69- الجذع بحركتين: له معان. والمراد هنا: الشاب الحدث: والمذاكي: الخيل التي تم سنها وكملت قوتها. والقارح من ذي الحافر: الذي شق نابه وطلع.

    70- انظر الإصابة لابن حجر العسقلاني ج4 ص369 ط مصر1325.

    71- سورة الأحزاب, الايه11- 13.

    72- مجمع البيان ج4 تفسير سورة الأحزاب عن حذيفة.

    73- مقتل الخوارزمي ج1 ص45.

    74- سورة النساء, الاية95.

    75- الطمر بالكسر: الثوب الخلق.

    76- التبر: فتات الذهب والفضة قبل أن يصاغ. والوفر: المال.

    77- أي ما كان (عليه السلام) يهيئ لنفسه طمرا آخر بدلا عن الثوب الذي يبلى بل كان ينتظر حتى يبلى ثم يعمل الطمر. والثوب هنا عبارة عن الطمرين فان مجموع الرداء والإزار يعد ثوبا واحدا فبهما يكسو البدن لا بأحدهما.

    78- أتان دبرة: هي التي عقر ظهرها فقل أكلها.

    79- فدك بالتحريك: قرية كانت لرسول الله (صلى الله عليه وآله) صالحه أهلها على النصف من نخيلها بعد وقعة خيبر. وإجماع الشيعة على انه (صلى الله عليه وآله) كان أعطاها فاطمة (عليها السلام) قبل وفاته, إلا أن أبا بكر اغتصبها منها وجعلها لبيت المال.

    واخرج البخاري في صحيحه ج2 ص122 ط م1351 باب فرض الخمس من كتاب الجهاد. عن عروة بن الزبير: إن عائشة أم المؤمنين أخبرته: إن فاطمة (عليها السلام) ابنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) سالت أبا بكر الصديق بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يقسم لها ميراثها ما ترك رسول الله (صلى الله عليه وآله) مما أفاء الله عليه فقال لها أبو بكر: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: (لا نورث ما تركنا صدقة) فغضبت فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فهجرت أبا بكر. فلم تزل مهاجرته حتى توفيت وعاشت بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ستة اشهر. قالت: وكانت فاطمة بالمدينة فأبى أبو بكر عليها ذلك... إلى أن قالت فأما صدقته بالمدينة فدفعها عمر إلى علي وعباس فأما خيبر وفدك فامسكهما).

    أقول: وما في الحديث المذكور من قول أبي بكر: انه (صلى الله عليه وآله) قال: (لا نورث ما تركنا صدقة) فقول تفرد بنقله أبو بكر فحسب لتبرير عمله. وهو مع انه خبر واحد لا يوجب علما ولا عملا ومخالف لنصوص القران وعموماته. قال سبحانه: (وورث سليمان دواد) سورة النمل, الاية16, وقال فيما اقتص من اثر يحيى بن زكريا: (فهب لي من لدنك وليا* يرثني ويرث من آل يعقوب) سورة مريم, الاية 5 و 6, وقال: (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) سورة الأنفال, الاية75. وقال: (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) سورة النساء, الاية11, إلى غير ذلك فبهذه الآيات وغيرها ردت الصديقة فاطمة (عليها السلام) على أبي بكر قوله ودحضت فريته في ضمن خطبتها المشهورة (انظر كتاب بلاغات النساء ص12- 20 لأبي الفضل احمد بن ابي طاهر المتوفي280للهجره) وحيث لم تجد منه تجاوبا للحق الصراح هجرته وغضبت عليه حتى ماتت, هذا وقد اخرج البخاري في صحيحه باب مناقب فاطمة ج2 ص199 ط م1351 عن المسور بن مخرمه: (إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني).

    80- المضان: جمع مظنة وهو المكان الذي يظن فيه وجود الشيء. وموضع النفس الذي يظن وجودها فيه. في غد جدث بالتحريك أي قبر.

    81- أروضها: أذللها.

    82- إذ انه (عليه السلام) كان إماما عالي السلطان واسع الإمكان فلو أراد التلذذ بأي اللذائذ شاء لم يمنعه مانع.

    83- الجشع: شدة الحرص.

    84- الجشوبة: الخشونة.

    85- التقاطها للقمامة: أي الكناسة, وتكترش أي تملا كرشها.

    86- نهج البلاغة ج3 ص78 أو ص70 شرح محمد عبده, وج4 ص76 شرح بن أبي الحديد ط دار الفكر بيروت, الكتاب رقم45.

    87- نهج البلاغة ج3, ص205. عراق ككتاب: ذكره في القاموس لمعان وهو هنا من الحشا ما فوق السرة معترضا البطن. والمجذوم: المصاب بمرض الجذام, وما اقذر كرش الخنزير وأمعائه إذا كانت في يد مشوهة بالجذام, الله اكبر ما أحقر الدنيا وأقذرها في عينك يا علي وما أقدرك على تصويرها بما تنفر منه الطباع وتشمئز النفوس حتى وان كانت النفوس سبعيه والطبائع بهيميه.

    88- المسغبة: المجاعة.

    89- أي لا جاء وقت وصولك.

    90- مروج الذهب للمسعودي ج2 ص33 طبع 1367.

    91- الكامل لابن الأثير ج3 ص202 ط م 1356.

    92- منتخب كنز العمال هامش مسند احمد ج5 ص58.

    93- منتخب كنز العمال هامش مسند احمد ج5 ص58.

    94- أي ينام نومه قيلولة.

    95- العقد الفريد ج3 ص95.

    96- أرزأكم: أنقصكم.

    97- الكامل لابن الأثير ج3 ص200.

    98- منتخب كنز العمال هامش المسند ج5 ص56.

    99- الكامل لابن الأثير ج3 ص201.

    100- نفس المصدر.

    101- نفس المصدر.

    102- منتخب الكنز ج3 ص57.

    103- الكامل ج3 ص201.

    104- الإمامة والسياسة ج1 ص170 ط1.

    105- العقد الفريد ج3 ص124 ط1.

    106- أخرجه احمد بن حنبل في مسنده ج1 ص95و128. والخطيب في تاريخ بغداد ج14 ص426, والنسائي في سننه ج8 ص117 وفي خصائصه ص27. وأبو نعيم في (الحلية) ج4 ص185 وابن حجر العسقلاني في الإصابة ج4 ص271 ط م1325 وغيرهم.

    107- أخرجه احمد في مسنده ج1 ص84, وابن ماجه في سننه ج1 ص55, والخطيب في تاريخ بغداد ج2 ص255, وابن كثير في تاريخه ج7 ص354, والنسائي في سننه ج8 ص117 وكثير غيرهم.

    108- أخرجه الحافظ محب الدين الطبري في الرياض النضرة ج2 ص189.

    109- أخرجه الترمذي في جامعه ج2 ص213, وفي طبعة دار إحياء التراث العربي لبنان ج5 ص635 الباب21 حديث رقم3717 تحقيق إبراهيم عطوه عوض. وابن الجوزي في تذكرته ص15, والبيهقي في المحاسن والمساوي ج1 ص29 وغيرهم.

    110- أخرجه الحافظ بن حجر آلهيثمي في مجمع الزوائد ج9 ص133.

    111- أخرجه محب الدين الطبري في الرياض ج2 ص215 والجزري في أسنى المطالب ص8.

    112- أخرجه الترمذي في جامعة ج2 ص299.

    113- أخرجه ابن عبد البر في الاستيعاب هامش الإصابة ج3 ص46.

    114- انظر (الغدير) للعلامة الأميني ج3 ص182و183, وج4 ص322- 325 ط2.

    115- قال الأستاذ البحاثة المسيحي (بولس سلامة) في كتابه: (ملحمة الغدير) ص27- 28: قد يقول قائل: ولم آثرت عليا دون سواه من أصحاب محمد بهذه الملحمة ولا اجيب على هذا السؤال إلا بكلمات فالملحمة كلها جواب عليه. وسترى في سياقها بعض عظمة الرجل الذي يذكره المسلمون فيقولون: (رضى الله عنه, وكرم الله وجهه, والسلام عليه) ويذكره النصارى في مجالسهم فيتمثلون بحكمه ويخشعون لتقواه, ويتمثل به الزهاد في الصوامع فيزدادون زهدا وقنوتا. وينظر إليه المفكر فيستضئ بهذا القطب الوضاء ويتطلع إليه الكاتب الألمعي فيأتم ببيانه ويعتمده الفقيه المدره- المدره بكسر الميم وسكون الدال: زعيم القوم والمتكلم عنهم- فيسترشد بأحكامه.

    أما الخطيب فحسبه أن يقف في السفح ويرفع الرأس إلى هذا الطود الشامخ لتنهل عليه الآيات من عل. وينطلق لسانه بالكلام العربي المبين الذي رسخ قواعده أبو الحسن إذ دفعها إلى أبي الأسود الدؤلي فقال: انح هذا النحو. وكان علم النحو. ويقرا الجبان سيرة علي فتهدر في صدره النخوة وتستهويه البطولة. إذ لم تشهد الغبراء ولم تظل السماء أشع من ابن أبي طالب فعلي ذلك الساعد الأجدل اعتمد الإسلام يوم كان وليدا. فعلي هو بطل بدر, وخيبر, والخندق, ووادي الرمل, والطائف, واليمن.... وهو المنتصر في صفين ويوم الجمل والنهروان والدافع عن الرسول يوم أحد وقيدوم السرايا ولواء المغازي.

    واعجب من بطولته الجسدية بطولته النفسية فلم ير اصبر منه على المكاره إذا كانت حياته موصولة بالآلام منذ فتح عينيه على النور في الكعبة حتى أغمضها على الحق في مسجد الكوفة... وبعد فلم تجادلني في أبي الحسن؟ أو لم تقم في خلال العصور فئات من الناس تؤله الرجل؟ ولا ريب أنها الضلالة الكبرى. ولكنها ضلالة تدلك على الحق إذ تدلك على مبلغ افتتان الناس بهذه الشخصية العظمى ولم يستطع خصوم الرجل أن يأخذوا عليه مأخذا فاتهموه بالتشدد في إحقاق الحق. أي انهم شكوا كثرة فضله فأرادوه دنيويا يمارى ويداري. وأراد نفسه روحانيا رفيعا يستميت في سبيل العدل. لا تأخذه في سبيل الله هوادة. وإنما الغضبة للحق ثورة النفوس القدسية التي يؤلمها أن ترى عوجا. أو لم يغضب السيد المسيح وهو الذروة في الوداعة والحكم يوم دخل آلهيكل فوجد فيه باعة الحمام والصيارفة المرابين فاخذ بيده السوط وقلب موائدهم وطردهم قائلا: بيتي بيت الصلاة يدعى وانتم جعلتموه مغارة للصوص.

    بقى لك بعد هذا أن تحسبني شيعيا, فإذا كان التشيع تنقصا لأشخاص أو بغضا لفئات أو تهورا في المزالق الخطرة فلست كذلك أما إذا كان التشيع حبا لعلي وأهل البيت الطيبين الأكرمين وثورة على الظلم وتوجعا لما حل بالحسين وما نزل بأولاده من النكبات في مطاوي التاريخ فإنني شيعي....)

    116- الصريمة: العزيمة والوجوب.

    117- كتاب (أنا مدينة العلم وعلي بابها) لبدر الدين العاملي.





  • #2
    سلام الله عليك يا أميري .

    أحسنت أخي الكريم .. وفقك الله بحق محمد وآل محمد .

    تعليق


    • #3
      رسول العرش

      منقول عن احد المواقع الاسلاميه

      رسول العرش

      في عَصر وطأتْ أقدامُ البَشرِ فيه ثرى القمر وغدا الفضاءُ مزحماً بمئاتِ الأجرام المُصنعة تتلأُ في كبدِ السماءِ.. (غسانُ) مستلقٍ على فراشه الذي أعدَّ له على سطح الدارِ يُراقبُ حركةَ هذه المركبات الفضائية التي لا تختلفُ بحجمها للرائي عن الأَجرامِ الربانيةِ التي تُزيينُ السماء بأعدادٍ لا نهايةَ لها.

      بدأ يفكرُ بأنَ حركة هذه المركبات والإجرام لابد أن تكونَ مدروسةً ومحسوبةً سلفاً وإلاّ لحدثَ التصادمُ فيما بيَنها فحركتها لا تختلف عن حركة الطائراتِ التي لابد وان ملاحيها قد درسوا مساراتهم وخبروا طرقهم بدقةٍ ونظامٍ وزمنٍ محسوب، فأيُ خللٍ مهما تناهى في بساطته يكون قريباً جداً من كارثةٍ محتملة... أغمضَ عينيهِ بُرهةً ثم عادَ لينظر السماءَ، هذا هُوَ القمرُ بأشعتهِ الفضية يملأ الكون بهاءً ومن حوله تتناثَرُ النجومُ كأنها القلائدُ الماسيةُ على جيد الحسناءِ... يَدورُ حولَ نفسهِ وحولَ الأرض.. الأرض كذلك تدور... الشمسُ هذا المنجم العظيم الذي يمنحُ الأرضَ الدفء والحياة عبر أشعتها الذهبية.. هذا.. وهذا، وتلكَ.. وهذهِ.. حتى أخذ الأرقُ يدبُ في أزقةِ ذاكرته ولم يدرِ في أي ساعةٍ متأخرةٍ من الليل أدركهُ النوم.. ولحسن طالعهِ كان ذلك اليوم هو يومُ عطلته الأسبوعية.. استيقظ متأخراً وقبل أن يتناولَ فطورهُ ولج لمكتبته وجالَ بنظراته نحو عناوين كتُبها فلم يعثر على ضالتهِ حيثُ أنهُ قد قرأ معظمها قراءةً مستفيظة.. وخرج منها بأن الكونَ قد خلقَ نفسه عبر الأزمنةِ.. فتمتم مع نفسه هل يُعقلُ هذا.. فأنا مثلاً استيقظت من نومي ونهضتُ بإيعازٍ وها أنذا أحرك أطرافي كيفما أشاء ولكن عبر شبكةٍ من الإشارات الصادرة عن مركز (الدماغ) أليسَ هذا ما أقره العلم.. وأي معملٍ كذلك يتسيد فيه العقل البشري لرسم خطوط إنتاجه والإشراف على كيفية اشتغال منظوماته.. بيتي هذا الذي أمكثُ فيه أنا مَن رَسَم خارطة بنائهِ وأشرف على إنشائه ومن ثمَ وزعت الغرف على أفراد أسرتي... أنا لستُ فرويدياً ولا ديكارتياً.. (استغفرُ الله) فأنا عبدٌ من عبادهِ مؤمنٌ بوحدانيتهِ وقدرتهِ على الخلق ولكني أتساءلُ دائماً لماذا خلقَ الله الكون ولأجلِ ماذا فتحضرني عدةُ أجاباتٍ لم تكن أدلتها تدركني بالصواب القاطع فتذكرتُ كيفَ أن الشيخ الكوراني في حديثه عن أدلة ظهور الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام) قال: إن حرباً ضارية ستحدثُ قبل ظهور الإمام بفترةٍ وجيزةٍ على كنزٍ يقعُ تحت مجرى الفرات، فمنهم مَن قال انه كنز ذهب ومنهم من ذهَبَ على أنه معدنٌ آخر كالماس أو اليورانيوم.. ولكن هناك رأياً وجدتُ فيه ضالتي بأن تلك الحرب الضروس ستقوم بسبب قطع الماء من بلد المنبع بتحويله إلى السدود العملاقة.. فالماءُ بذاته هو الكنز.. (وجعلنا من الماء كلَ شيءٍ حيٍ)، بهذا أقتنعتُ وغيري لربما يقتنعُ بسببٍ آخر.. فعدتُ أدراجي لأجدَ فطوري قد أعدَ ولكني منشغلٌ عنه.. وقلتُ لا بأسَ، فتناولتُ قليلاً منه... جلستُ متأملاً برهة... وإذا بطرقاتٍ متتاليةٍ على باب داري وكانَ الطارق الشيخُ الرضا وبصحبته أبو محمد الأمين.. دخلا الدار وجلسا، وبعد أن شربا الشاي تأملني الشيخ وأدركني ببصيرته قائلاً: ... أنت منشغل عنا. قلت: لا يا شيخ. قال: بلى أراكَ شاردَ الذهن ولم أعهد هذا فيكَ من قَبلُ، قلتُ: يا شيخ رضا لا أكتمُك سِراً.. فلعلَ الله أرسلك لتنوِّرَ بصيرتي.. فقال لي أبو محمد: ما الذي يشغلك؟ فإن كان للدنيا.. فلسنا بحاجةٍ لأن نشغل أنفسنا فيما لا ناقة لنا فيه ولا جَمل، فلك بضاعتُكَ إن بعتها لم نشارككَ نصيبها، هنيئاً لك ما تكسب.. على أن يكون للهِ فيه رضاً وللناسِ فيه خيرٌ (كان يعرفُ أني أعمل بالتجارة إضافة لعملي الوظيفي) ثم قال: إن قليلاً من الحرام يأكلُ الكثير من الحلال، فلا تلوث نفسكَ فيه ليلاحقك غضب الله في في حِلِكَ وترحالك. فقلت لأبي محمد: يا أخي في التوحيد، إن ما يشغلني سؤالٌ واحد لا غير. قال: وما هو؟ قلت: لماذا خلقَ الله هذا الكون؟

      فردَ عليَّ قائلاً: قال سبحانه: (لنبلونكمُ أيكم أحسنُ عملاً) وقال: لقد خلقنا الإنسان في كَبَد وما هذهِ الحياة إلا قاعة امتحانٍ رباني للمرء أما الجواب عن سؤالك فإن للشيخ رأياً قد بينهُ منذ زمن في أحدِ خُطبه لعله يُجيبك الآن عليه.

      قالَ لي الشيخ رضا: كم كتاباً تقرأ في الشهر؟ فقلتُ: كتابينِ أو ثلاث. قال: الآنُ يشغلك سؤال عقلك الباطن وتبحثُ عن إجابةٍ له فلم تجد. وستكون هناك عدةَ أسئلة ستترى عليكَ فيما بعد فلو انكَ تحضر معنا مجالس المنبر. لم يعصيك تساؤولاً، فالخطيبُ يعطيك خلاصة وافية لقراءاته عشرات الكتُب عبر خطبةٍ واحدةٍ ذات بحثٍ منهجيٍ واحد فإن لم تتمكن من الحضور لسبب أو لآخر عليك بسماع أشرطة الخطابة ففيها ما يغنيك عن كل تساؤولٍ قد يردُ إلى ذهنكَ وما ذهبت إليه في تساؤولك قد أجبتُ عليه ولا أرى غير ما ذكرته في خطبتي يقيناً فيما قرأت. فقلت له: أخبرني يا شيخ رضا ما قلت في خطبتك عَطرَ اللهُ فاكَ بالمسك وحباكَ بالإيمان والبيان.

      قال: أعلم يا أخي في الله، إن الله تعالى كان لا شيءَ معهُ واحدٌ أحد فردٌ صمد فخلقَ نورَ حبيبه المصطفى محمد (صلى الله عليه وآله) وخلقَ من نوره الماء والسماء والعرش والكرسي واللوح والقلم والجنة والنار وبقيَّ هذا النور الإلهي ألف عام واقفاً يسبح لله. فقال الله للنور الذي خلقه. عبدي أنتَ المراد وأنا المريد وأنت خيرتي من خلقي فوعزتي وجلالي لولاك ما خلقتُ الأفلاك ولا الدنيا ولا الأرض فمنْ أحبكَ أحببته ومن أبغضك أبغضته فتلألأ نور رسول الله، فناداهُ الله يا حبيبي وسيد رسلي ويا أول مخلوقاتي وآخر رسلي، أنت الشفيع يوم المحشر، فخر النورُ ساجداً ثم قامَ وهو عرقانٌ فقطرت منه قطرات كان عددها مائة وأربعة وعشرون ألف، فخلق الله من كل قطرةٍ نبياً من أنبيائه. ومن نوره (صلى الله عليه وآله) خلق القلم وقال اكتب: فبقي القلم خائراً ولهاً ألف عام فلما أفاق قال اكتب لا إله إلا الله محمد رسول الله عليٌ ولي الله فخرَ ساجداً وهو يقول سبحان الواحد القهار سبحان العظيم الأعظم الجبار. ورفع رأسه منادياً يا رب ومن محمد الذي قرنت أسمهُ باسمك وذكرهُ بذكرك فقال الله عز وجل: (ما خلقت الخلق إلا لأجله فهوَ البشيرُ النذير والسراج المنير وحبيبٌ وشفيع عند ذاكَ نطق القلم قائلاً: السلام عليك يا رسول الله فقال الله تعالى وعليك مني السلام ولأجل ذلك صار السلامُ سنة والرد عليه فريضة.

      ثم أراد الله خلق البشر فأمر جبريل أن يأتيه بقبضة من الأرض فسبقة إبليس (لعنه الله) إليها ليخبرها ان الله يريد أن يخلق منك خلقاً ويعذبه بالنار فإذا أتاك الملك فقولي أعوذ بالله منك ان أخذت مني شيئاً يكون للنار فيه نصيب فلما أتاها الملك جبرئيل قالت ما قاله لها فرجع ولم يقبض منها شيئاً قائلاً: يا رب استعاذت بك فرحمتها وهكذا فعل ميكائيل ثم إسرافيلَ فبعث الله عزائيل فقالت له ما قالته للملائكة من قبله فلم يلتفت لقولها وقبض منها ورجع إلى الله فقال الله (جلتَ قدرته) ألم تتعوذ الأرض منك بي؟ قال بلى.. ولكني لم التفت إليها لأن طاعتك أولى لها من رحمتي لها.. فقال الله تعالى: اعلم أني سأخلقُ منها أنبياء وصالحين وغيرهم وأجعلك تقبضُ أرواحهم. فبكى عزائيل لما سمع ذلك وقال: إذا كنت كذلك كرهوني الخلائق فقال الله تعالى: (لا تخف فإني أخلق لهم عللاً ينسبون الموت إليها) ثم أمر جبرئيل بأن يأتيه بالقبضة فخلق منها آدم وأمرَ الملائكة بالسجود له فسجدو إلا إبليس وأنت تعرف قصته.

      فقلتُ: بلى بلى يا شيخ.

      فاستمر قائلاً: لما فتح آدم عينه رأى مكتوباً على العرش لا إله إلا الله محمداً رسول الله علي ولي الله ثم سمع تسبيحاً وتقديساً فقال آدم: يا رب ما هذا، قال: هذا تسبيحُ محمدٍ خاتم الأنبياء والمرسلين وسيد الأولينَ والآخرين.. فخذ بعهدي ولا تودعه إلا في الأصلاب الطاهرة والأرحام الزكية من الرجال والنساء. فانتقل ذلك النور عبره حتى نبينا إبراهيم ومن ثم إلى هاشم الذي كان نور محمدٍ واضحاً على وجهه وكان هاشمُ لا يَمُر بحجرٍ أو مَدَر إلا ويناديه أبشر يا هاشم فإنه سيظهرُ من ذريتك أكرم الخلق على الله وأشرف العالمين إضافة إلى نبؤاتِ كهنتهم وأحبارهم الذي قرأوا ذلك في كتبهم وبشروا بقربِ ولادته (صلى الله عليه وآله).. لقد خلق الله الكونَ بأجمعه من أجل محمدٍ وآل بيته الطاهرين الذين كتب الله أسماؤهم على عرشه المقدس وانتقل نوره الرباني عبر آدم إلى عبد الله وآمنه بنت وهب (رضوان الله عليهما) ولعلي في هذا القليل قد بلغت الصواب وأمطتُ النقاب عن الحقيقة بالجواب.

      فأجبته أدركتها يا شيخ رضا وفقك الله فهل من مزيدٍ قال بلى، ولكن قمْ معنا لزيارة أحد المرضى فهوَ قريب من دارك ففي ذلك أجرٌ وثوابٌ ورضاً لله ومواساةٌ للمريض الذي ينتظرُ منها الزيارة والشفاء ببركةِ الدعاء لهُ، ولعلنا نجتمعُ ثانية فأروي لكَ ما تحب... فشكرتُ الشيخ الرضا وأبو محمد على زيارتهما لي ونهضت معهما لزيارة المريض الذي لم أعرفه من قبل ولكني أبغي من وراءِ ذلك كسب رضا الله.. فلعلي أوفقُ لما يرضيه بخالص طاعته.



      عبد الحسين الدعمي


      الملفات المرفقة

      تعليق


      • #4
        الإمام علي (عليه السلام) في مواجهة التّاريخ


        محمد مهدي شمس الدين

        كان أميرُ المؤمنين عليّ (عليه السّلام)، كما يخبرنا هو، وكما سنرى خلال هذه الدراسة يوجّه عناية فائقة إلى التاريخ، عناية جعلت من التاريخ عنصراً بارزاً فيما وصل إِلينا من كلامه في مختلف الموضوعات الّتي كانت تثير اهتمامه.

        وعناية الإمام بالتاريخ ليست عناية القاصّ والباحث عن القصص. كما أنّها ليست عناية السياسي الباحث عن الحيل السياسيّة وأساليب التمويه الّتي يعالج بها تذمّر الشعب، وإنّما هي عناية رجل الرسالة والعقيدة، والقائد الحضاري والمفكر المستقبلي.

        إِنّ القاصّ يبحث ليجد في تاريخ الماضين وآثارهم مادّة للتّسلية والإثارة. والسياسي يبحث ليجد في التاريخ أساليب يستعين بها في عمله السياسي اليومي في مواجهة المآزق، أو يستعين بها في وضع الخطط الآنية المحدودة.

        والمؤرّخ يقدم لهذا وذاك المادّة التاريخيّة الّتي يجدان فيها حاجتهما.

        أمّا الرائد الحضاري، رجل الرسالة والعقيدة ورجل الدولة فهو يبحث ليجد في التاريخ جذور المشكل الإنساني، ويتقصّى جهود الإنسانيّة الدائبة في سبيل حلّ هذا المشكل بنحو يعزّز قدرة الإنسان على التكامل الروحي - المادّي، كما يعزّز قدرته على تأمين قدر ما من السعادة مع الحفاظ على الطهارة الإنسانية.

        وقد كان الإمامُ عليّ (عليه السلام) يتعامل مع التاريخ بهذه الروح ومن خلال هذه النظرة، ومن ثم فلم يتوقّف عند جزئيّات الوقائع إلا بمقدار ما تكون شواهداً ورموزاً، وإِنّما تناول المسألة التاريخيّة بنظرة كلّيّة شاملة، ومن هنا فقلّما نرى الإمام في خطبه وكتبه يتحدّث عن وقائع وحوادث جزئيّة، وإِنّما يغلب على تناوله للمسألة التاريخيّة طابع الشمول والعموميّة.

        والإمام ليس مؤرخاً، ولذا فليس من المتوقع أن نجد عنده نظرة المؤرخ وأسلوب في سرد الوقائع وتحليلها والحكم عليها، وإنّما هو رجل دولة حاكم، ورجل عقيدة ورسالة فيها كل حياته، فهو يتعامل مع التاريخ باعتباره حركة تكوِّن شخصية الإنسان الحاضرة والمستقبلة، ولذا فهي تشغل حيّزاً هاماً وعلى درجة كبيرة من الخطورة في عملية التربية والتحرك السياسي، وهذا ما يجعل رجل رسالة وحاكماً كالإمام علي (عليه السلام) حريصاً على أن يدخل في وعي أمّته الّتي يحمل مسؤولية قيادتها ومصيرها...إلى التاريخ سليمة تجعله قوة بانية لا مخرّبة ولا محرّفة.

        ونحن نعرف عناية الإمام عليّ (عليه السلام) الفائقة بالتاريخ واهتمامه البالغ بشأنه من نص ورد في وصيته الّتي وجهها إلى ابنه الإمام الحسن (عليه السّلام) كتبها إليه بحاضرين(1) عند انصرافه من صفّين، قال فيه: (أيْ بُنَيَّ إنِّي وَإنْ لَمْ أَكُنْ عُمِّرْتُ عُمُرَ مَنْ كَانَ قَبْلِي، فَقَدْ نَظَرْتُ فِي أَعْمَالِهِمْ، وَفَكَّرْتُ فِي أخْبَارِهِمْ، وَسِرْتُ فِي آثَارِهِمْ، حَتَّى عُدْتُ كَأَحَدِهِمْ، بَلْ كَأَنِّي بِمَا انْتَهَى إلَيَّ مَنْ أُمُوِرِهِمْ، قَدْ عُمِّرْتُ مَعَ أوَّلَهَمْ إلى آخِرِهِمْ، فَعَرَفْتُ صَفْوَ ذَلِكَ مِنْ كَدَرِهِ، وَنَفْعَهُ مَنْ ضَرَرِه).

        وكان قبل ذلك قد وجّه الإمام الحسن (عليه السلام) في هذه الوصية إلى تعرّف التاريخ الماضي للعبرة والموعظة، قال: (أحْيِ قَلْبَكَ بالْمَوعظَةِ... وَاعْرِضْ عَلَيْهِ أَخْبَارَ الْماضِينَ، وَذَكِّرْهُ بِمَا أَصَابَ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ مِنَ الأَوَّلِينَ، وَسِرْ فِي دِيَارِهِمْ وَآثَارِهِمْ فَانْظُرْ فِيمَا فَعَلُوا، وَعَمَّا انْتَقَلُوا، وَأَيْنَ حَلوُّا وَنَزَلُوا. فَإنَّكَ تَجِدُهُمْ قَدِ انْتَقَلُوا عَنِ الأَحِبَّةِ، وَحَلوُّا دِيَارَ الْغُرْبَةِ، وَكَأَنَّكَ عَنْ قَليلٍ قَدْ صِرْتَ كَأَحَدِهِمْ).

        وهذا النص يحملنا على الإعتقاد بأنّ الإمام (عليه السّلام) تحدّث كثيراً عن المسألة التاريخية في توجيهاته السياسيّة وتربيته الفكرية لمجتمعه، ولرجال إدارته، ولخواصّ أصحابه.

        ولكنّ النّصوص السياسيّة والفكريّة التي اشتمل عليها نهج البلاغة مِمّا يدخل فيه العنصر التاريخي قليلة جدّاً، وإنْ كانت النصوص الوعظيّة الّتي بنيت على الملاحظة التاريخية كثيرة نسيباً.

        ولا نستطيع أن نفسّر نقص النصوص السياسيّة والفكريّة - التاريخيّة إلا بضياع هذه النصوص لنسيان الرّواة أو لإهمال الشّريف الرضي لما وصل إليه منها، لأنّه جعل منهجه في تأليف كتاب نهج البلاغة: (اختيار محاسن الخطب، ثم محاسن الكتب، ثم محاسن الحِكم والأدب)(2). وقد أدّى هذا المنهج بطبيعة الحال إلى إهمال الكثير من النّصوص السياسيّة والفكريّة لأنّه لم يكن في الذّروة من الفصاحة والبلاغة.

        ومن المؤكّد أنّ الكثير من كلام أميرِ المؤمنين في هذا الباب وغيرِه لم يصل إلى الشّريف الرضي كما اعترف هو بذلك في قوله: (... ولا أدّعي - مع ذلك - أنّي أحيط بأقطار جميع كلام عليه السّلام حتّى لا يشذّ عنّي منه شاذّ، ولا يندّ نادّ، بل لا أبعد أن يكون القاصر عنّي فوق الواقع إليّ، والحاصل في ربقتي دون الخارج من يدي)(3).

        وعلى أيّة حال فإنّ سُؤالاً هاماً يواجهنا هنا، وهو:

        مِنْ أين استقى الإمام معرفته التاريخيّة ؟

        إنّه يقول عن نفسه: «... نَظَرْتُ فِي أَعْمَالِهِمْ، وَفَكَّرْتُ فِي أَخْبَارِهِمْ وَسِرْتُ فِي آثَارِهِمْ.

        فما الوسيلة الّتي توصّل بِها إلى معرفة أعمالهم لينظر فيها هو كيف تسنّى له أن اطّلع على أخبارهم ليفكّر فيها ؟

        نقدّر أنّ الإمام عليه السّلام قد اعتمد في معرفته التاريخية على عدّة مصادر:


        1- القرآن الكريم:

        يأتي القرآن الكريم في مقدّمة هذه المصادر الّتي استقى منها الإمام معرفته التاريخيّة. وقد اشتمل القرآن على نصوص تاريخيّة كثيرة منبثة في تضاعيف السّور تضمنت أخبار الأمم القديمة وارتفاع شأنها، وانحطاطها، واندثار كثير منها، وذلك من خلال عرض القرآن الكريم لحركة النّبوات في تاريخ البشرية، وحكايته لكيفية استجابات الناس في كلّ أمة وجيل لرسالات اللّه تعالى الّتي بشّر بها الأنبياء سلام اللّه عليه أجمعين..

        وقد كان أميرُ المؤمنين عليّ (عليه السّلام) أفضل الناس - بعد رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) - معرفة بالقرآن من حيث الظاهر والباطن، والمحكم والمتشابه، والناسخ والمنسوخ، والأهداف والمقاصد، والأبعاد الحاضرة والمستقبلة، وغير ذلك من شؤون القرآن. كانت معرفته بالقرآن شاملة مستوعبة لكلّ ما يتعلق بالقرآن من قريب أو بعيد. والتأثير القرآني شديد الوضوح في تفكير الإمام التاريخي من حيث المنهج ومن حيث المضمون، كما هو شديد الوضوح في كلّ جوانب تفكيره الأخرى.

        وقد حدّث الإمام عن نفسه في هذا الشأن كاشفاً عن أنّه كان يلحّ في مسائله لرسول اللّه (صلى الله عليه وآله) في شأن القرآن من جميع وجوهه. قال: «وَاللّه مَا نَزَلَتْ آيَة إلا وَقَدْ عَلِمْتُ فِيمَ أُنْزِلَتْ، وَأَيْنَ أُنْزِلَتْ. أنّ رَبِّي وَهَبَ لِي قَلْبَاً عَقُولاً وَلِسَاناً سَؤُولاً»(4).

        وشهاداتُ معاصريه له في هذا الشأن كثيرة جداً. منها ما رُوِي عن عبد اللّه بن مسعود، قال: «إنّ القرآنَ أُنْزِل على سبعِة أحرُفٍ، مَا منها حرفُ إلا له ظهر وبطن، وإنّ عليَّ بنَ أبي طالبِ (عليه السّلام) عنده علم الظاهر والباطن».(5).


        2- التعليم الخاص:

        التعليم الخاص الّذي آثر به رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) عليّاً مصدر آخر من مصادر معرفته التاريخيّة وغيرها.

        وفقد استفاضت الروايات الّتي نقلها المحدثون، وكتّاب السيرة، والمؤرخون من المسلمين على اختلاف مذاهبهم وأهوائهم - استفاضت هذه الروايات - بل تواترت إِجمالاً - بأنّ رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله) قد خص أميرَ المؤمنين عليّاً بجانبٍ من العلم لم يرَ غيره من أهل بيته وأصحابه أهلاً له.

        فمن ذلك ما قاله عبد اللّه بن عباس: «وَاللّهِ لَقدْ أُعطِيَ عَلَيُّ بن أبِي طَالِب (عليه السلام) تِسْعَةَ أعْشَارِ العلمِ، وَايمُ اللّهِ لَقدْ شَارَكَكُمْ فِي العُشرِ العَاشِرِ»(6).

        وما رُوِي عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): «عَلِيّ عَيبَةُ عِلْمِي»(7).

        وما رواه أنس بن مالك، قَالَ: «قِيلَ يَا رَسُولَ اللّه عَمَّنْ نَكْتُبُ الْعِلْمَ ؟ قالَ: عَنْ عَلِيّ وَسَلمَانَ»(8).

        وقال الإمام (عليه السّلام): «عَلَّمَني رَسُولُ اللّهِ (صلى الله عليه وآله) ألْفَ بَابِ مِنَ العِلِم كُلُّ بابِ يَفتَحُ ألفَ بابٍ»(9).

        وقد صرّح فيما وصل إِلينا من نصوصِ كلامه في نهج البلاغة بذلك في عدّة مناسبات، فقال:

        1- بَلِ انْدَمَجْتُ(10) عَلَى مَكْنُونِ عِلْمٍ لَوبُحْتُ بِهِ لاضْطَرَبْتُمُ اضْطِرَابَ لأرشِيَةِ فِي الطَّوِيِّ(11) الْبِعيدَةِ»(12).

        2- وَلَقَدْ نُبِّئْتُ بِهذَا الْمَقَامِ وَهذَا الْيَوْم...»(13).

        3- لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ مِمَّا طُوِيَ(14) عَنْكُمْ غَيْبُهُ إِذاً لَخَرَجْتُمْ إِلى الصُّعُدَاتِ(15) تَبْكُونَ عَلَى أَعْمَالِكُمْ»(16).

        4- يَا أَخَا كَلْبٍ، لَيْسَ هُوَ بِعِلْمِ غَيْبٍ، وَإِنَّماَ هُوَ تَعَلُّمُ مِنْ ذِي عِلْمٍ»(17).

        وإِذا كانت بعضُ هذه النصوص ظاهرة في العلم بالغيبات (علم المستقبل)، فإنَّ غيرها مطلق يشمل الماضي، وإِذا كان الإمام قد اطّلع من رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) على بعض المعلومات المتعلقة بالمستقبل فمن المرجّح أنه قد اطلع منه على علم الماضي.


        3- السّنة النّبويّة:

        إِشتملت السّنّة النبويّة على الكثير المتنوع من المادة التاريخيّة.

        منه ما ورد في تفسير وشرح القرآن الكريم، ومن ما اشتمل إِجمالاً أو تفصيلاً على حكاية أحداث تاريخيّة لم ترد في القرآن إِشارة إِليها.

        وقد كان أمير المؤمنين علي (عليه السلام) أعلم أهل البيت (عليهم السلام) والصحابة قاطبة بما قاله رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) أو فعله وأقرّه، فقد عاش علي (عليه السلام) في بيت رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) منذ طفولته، وبعث الرسول (صلى الله عليه وآله) وعلي عنده، وكان أوّل من آمن به، ولم يفارقه منذ بعثته (صلى الله عليه وآله) إِلى حين وفاته إِلا في تنفيذ المهمات الّتي كان يكلّفه بها خارج المدينة وهي لم تستغرق الكثير من وقته، ومن هنا، من تفرغه الكامل لتلقي التوجيه النبوي، ووعيه الكامل لِما كان يتلقّاه كان الإمام أعلم الناس بسنّة رسول اللّه وكتاب اللّه.


        4- القراءة:

        فقدّر أنّ الإمام عليّاً قد قَرأ مدونات تاريخية باللّغة العربيّة أو بغيرها من اللغات الّتي كانت متداولة في المنطقة الّتي شهدت نشاطه، وخاصة بعد أن انتقل من الحجاز إِلى العراق واضطرّته مشكلات الحكم والفتن إِلى التنقل بين العراق وسوريا، وإِن كنا لا نعلم ما إِذا كانت هذه المدوّنات قد دفعت إِليه صدفة أو أنّه بحث عن كتب كهذه وقرأها أو قرئت له بلغاتها الأصلية مع ترجيحنا أنّه (عليه السّلام) كان يعرف اللّغة الأدبيّة الّتي كانت سائدة في المنطقة العراقيّة السّوريّة.


        5- الآثار القديمة:

        وربما كانت الآثار العمرانية للأمم القديمة من جملة مصادر المعرفة التاريخيّة عند الإمام (عليه السّلام)، ويعزّز هذا الظن بدرجة كبيرة قوله في النص الآنف الذكر: «وَسِرْتُ في آثَارِهِمْ» ممّا يحمل دلالة واضحة على أنّ مراده الآثار العمرانية.

        وقد خبر الإمام في حياته أربعة من أقطار الإسلام، هي: شبه الجزيرة العربية، واليمن، والعراق، وسوريا.

        ونقدّر أنه قد زار الآثار الباقية من الحضارات القديمة في هذه البلاد، وإِذا كان هذا قد حدث - ونحن نرجّح حدوثه - فمن المؤكّد أنّ الإمام لم يزر هذه الآثار زيارة سائح ينشد التسلية إِلى جانب الثقافة، أو زيارة عالم آثار يتوقف عند الجزئيات، وإنّما زارها زيارة معتبر مفكر يكمل معرفته النظرية بمصائر الشعوب والجماعات بمشاهدة بقايا وأطلال مدنها ومؤسّساتها الّتي حلّ بها الخراب بعد أنِ انحطّ بناتها وفقدوا قدرتهم على الإستمرار فاندثروا.

        هذه هي، فيما نقدّر، المصادر المعلومة والمظنونة والمحتملة الّتي استقى منها الإمام علي (عليه السلام) معرفته التاريخيّة.




        الهوامش:

        1- قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: 16 / 52 - أمّا قوله «كتبها إليه بحاضرين» فالّذي كنّا نقرؤه قديماً، «كتبها إليه بالحاضرّينِ،» على صيغة التّثنية، يعني حاضر حلب وحاضر قنسرين، وهي الأرباض والضواحي المحيطة بهذه البلاد، ثم ـ بعد ذلك على جماعة من الشيوخ بغير لام، ولم يفسّروه، ومنهم من يذكره بصيغة الجمع لا بصيغة التّثنية، ومنهم من يقول: خناصرين يظنونه تثنية خناصرة أو جمعها. وقد طلبتُ هذه الكلمة في الكتب المصنفة سيّما في البلاد والأرضين فلم أجدها، لعلي أظفر بها فيما بعد فألحقها في هذا الموضع.

        قال الشيخ محمد عبده في شرحه: حاضرين: اسم بلدة بنواحي صفّين.

        2- من مقدمة الشريف الرضي نهج البلاغة.

        3- من مقدَمة الشّريف الرّضي لنهج البلاغة.

        4- ابن سعد: الطبقات الكبرى ج 2 قسم 2 ص 101، والمتقي الهندي: كنز العمال 6 / 396 - وقال: أخرجه ابن سعد وابن عساكر، وقالوا (لِسَاناً طَلِقاً سَؤولاً) وأبو نعيم: حُلية الأولياء 1 / 67.

        5- أبو نعيم: حلية الأولياء: 1 / 65.

        6- أسد الغابة 4 / 22 والإستيعاب: 2 / 462.

        7- كنز العمال 6 / 153 وفتح القدير: 4 / 456.

        8- تاريخ بغداد: 4 / 158.

        9- كنز العمال: 6 / 392.

        10- اندمجتُ: انطويتُ، كناية عن معرفته بأمور خاصة جداً.

        11- الأرْشِية: جمع رشاء، الحبل. والطّويّ جمع طوية وهي البئر.

        12- نهج البلاغة - الخطبة رقم: 5.

        13- نهج البلاغة - الخطبة رقم: 16.

        14- طُوي: حُجب عِلمُه عَنكُمْ.

        15- الصِّعُدات: جمع صَعيد. يُريدُ: لَذهبتْ عنكم الدّعةُ والإستقرارُ في منازِلكم وخرجتُم مِنها قلقينَ على مَصيرِكم.

        16- نهج البلاغة - رقم الخطبة: 116.

        17- نهج البلاغة - رقم الخطبة: 128.







        تعليق


        • #5
          مضاعفات وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله)




          الشهيد آية الله السيد محمد باقر الصدر

          وفاة الرسول الأعظم أعظم فاجعة مرت على تاريخ البشرية على الطلاق، والتي يمثل الجزء الأول منها انقطاع الوحي في تاريخ البشرية.

          هذه الظاهرة التي لم يعرف الإنسان في تاريخه الطويل الطويل ظاهرة يمكن أن تماثلها وأن تناظرها في القدسية والجلال والأثر في حياة الإنسان وتفكيره، ويمثل الجزء الآخر من الفاجعة الإنحراف داخل المجتمع الإسلامي، على يد المؤامرة التي قام بها جناح من المسلمين بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فإنحرف بذلك الخط عما كان مقرراً له من قبل النبي (صلى الله عليه وآله) ومن قبل الله تعالى.

          كان هذا اليوم المشؤوم بداية إنحراف طويل ونهاية عهد سعيد بالوحي، تمثل في مائة وأربعة وعشرين ألف نبي، كما في بعض الروايات وكان بداية ظلام ومحن ومآس وفواجع وكوارث من ناحية اُخرى تمثل في ما عقب وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) من أحداث في تاريخ العالم الإسلامي هذه الأحداث المرتبطة أرتباطاً شديداً وقوياً بما تم في هذا اليوم من الفاجعة على ما في زيارة الجامعة التي نقرؤها، بيعتهم التي عمت شؤمها الإسلام، وزرعت في قلوب الأمة الآثار وعنفت سلمانها، وضربت مقدادها، ونفت جندبها، وفتحت بطن عمارها، وأباحت الخمس للطلقاء أولاد الطلقاء وسلطت اللعناء على المصطفين الأخيار، وأبرزت بنات المهجرين والأنصار إلى الذلة والمهانة وهدمت الكعبة وأباحت المدينة وخلطت الحلال بالحرام إلى غير ذلك من الاوصاف.

          وأود الآن أن أقتصر على الجزء الأول من هذه الفاجعة يعني أن أنظر إلى الحدث الذي وقع في هذا اليوم بوصفه حدثا قد وضع حداً لتلك الظاهرة العظيمة التي اقترنت مع هبوط الإنسان على وجه الأرض، ظاهرة الوحي ظاهرة أرتفاع الإنسان وتفانيه للإتصال المباشر مع الله سبحانه وتعالى.

          ففي مثل هذا اليوم وضع حد نهائي لهذه الظاهرة المباركة الميمونة وفي بعض الروايات إن جبرائيل (عليه السلام) حينما أرتفع ملائكة السماء بروح محمد (صلى الله عليه وآله) إلى ربها راضية مرضية، التفت إلى الأرض مودعاً ثم طار إلى سماواته.

          هذا اليوم كان يوم انقطاع الإنسانية عن الاتصال المباشر باللّه سبحانه بانتهاء حياة خاتم الأنبياء والمرسلين.

          بهذه المناسبة أريد أن أعطي فكرة موجزة على مستوى بحث اليوم عن الوحي، الوحي الذي يتمثل في أتصال خاص بين الإنسان وبين الله.

          فالوحي هو ضرورة من ضرورات تخليد الإنسان على وجه الأرض وبهذا خلق الله الإنسان وأودعه الاستعداد الكامل والارضية الصالحة بافاضة هذه الموهبة منه سبحانه لأن ضرورة الوحي يمكن أن توضع في قبال جانبين في الإنسان الآن اقتصر على أحد الجانبين:


          الإنسان خلق حسياً أكثر منه عقلياً خلق يتفاعل مع حسه أكثر مما يتفاعل مع عقله، يعني إن النظريات والمفاهيم العقلية العامة في إطارها النظري هذه المفاهيم حتى لو آمن بها الإنسان إيماناً عقلياً حتى لو دخلت إلى ذهنه دخولاً نظرياً مع هذا لا تهزه ولا تحركه ولا تبنيه ولا تزعزع ما كان فيه ولا تنشئه من جديد إلا في حدود ضيقة جداً. على عكس الحس فان الإنسان الذي يواجه حساً، ينفعل بهذا الحس وينجذب إليه، وينعكس هذا الحس على روحه ومشاعره وانفعالاته وعواطفه بدرجة لا يمكن أن يقاس بها انعكاس النظرية والمفهوم المجرد عن أي تطبيق حسي.

          وليس من الصدفة إن كان الإنسان على طول الخط في تاريخ المعرفة البشرية أكثر ارتباطاً بمحسوساته من معقولاته وأكثر تمسكاً بمسموعاته ومنظوراته من نظرياته.

          فإن هذا هو طبيعة التسليم الفكري والمعرفي عند الانسان وليس من الصدفة أن قرن إثبات أي دين بالمعجرة وكانت أكثر معاجز الانبياء معاجز على مستوى الحس لأن الإنسان يتأثر بهذا المستوى أكثر مما يتأثر بأي مستوى آخر إذن: (فالإنسان بحسب طبيعة جهازه المعرفي وتكوينه النظري خلق حسياً أكثر منه عقلياً) خلق متفاعلاً مع هذا المستوى من الانخفاض من المعرفة أكثر مما هو متفاعل مع المستوى النظري المجرد عن المعرفة وهذا يعني إن الحس أقدر على تربية الإنسان من النظر العقلي المجرد ويحتل من جوانب وجوده وشخصيته وأبعاد مشاعره وعواطفه وانفعالاته أكثر مما يحتل العقل: المفهوم النظري المجرد.

          بناء على هذا كان لا بد للإنسانية من حس مربي، زائد على العقل والمدركات العقلية الغائمة الغامضة التي تدخل إلى ذهن الإنسان بقوالب غير محدودة وغير واضحة.

          إضافة إلى هذه القوالب كان لا بد لكي يربى الإنسان على أهداف السماء على مجموعة من القيم والمثل والاعتبارات كان لا بد من أن يربى على أساس الحس وهذا هو السبب في أن كل الحضارات التي يعرفها تاريخ النوع البشري إلى يومنا هذا إلى حضارة الإنسان الاوروبي التي تحكم العالم ظلماً وعدواناً كل هذه الحضارات التي انقطعت عن السماء رباهاً الحس ولم يربها العقل، لأن الحس هو المربي الأول دائماً فكان لا بد لكي يمكن تربية الإنسان على اساس حس يبعث في هذا الإنسان إنسانيته الكاملة الممثلة لكل جوانب وجوده الحقيقية كان لا بد من خلق حس في الإنسان يدرك تلك القيم والمثل والمفاهيم ويدرك التضحية في سبيل تلك القيم والمثل إدراكاً حسياً لا إدراكاً عقلانياً بقانون الحسن والقبح العقليين فقد وهذا يعني ما قلناه من إن ضرورة الإنسان في خط التربية تفرض أن يودع في طبيعة تكوينه وخلقه أرضية تكون صالحة، لأن تكون فيه حسيا بحسن العدل بقبح الظلم بآلام المظلومين، أن تكون فيه حسا بكل ما يمكن للعقل إدراكه وما لا يمكن إدراكه من قيم ومثل واعتبارات.

          وهذه الأرضية أو هذا الاستعداد الكامل الذي كان الارتباط المباشر مع الله سبحانه وتعالى لكي تنكشف كل الصحف كل الستائر عن كل القيم وكل المثل وكل هذه الاعتبارات والاهداف العظيمة لكي ترى رؤية العين وتسمع سماع الأذن لكي يلمسها بيده يراها بعينه.

          كان لا بد من أن توجد بذرة مثل هذا الحس في النوع البشري إلا أن وجدان هذه البذرة في النوع البشري لا يعني أن كل إنسان سوف يصبح له مثل هذا الحس وينفتق إدراكه عنه وانما يعني إن الامكانية الذاتية موجودة فيه إلا أن هذه الامكانية لن تخرج إلى مرحلة الفعلية إلا ضمن شروطها وظروفها وملابساتها الخاصة كأي إمكانية اخرى في الإنسان.

          هناك شهوات وغرائز موجودة في الإنسان منذ يخلق وهو طفل ولكنه لا يعيش تلك الشهوات ولا يعيش تلك الغرائز إلى مراحل متعاقبة من حياته فإذا مر بمراحل متعاقبة من حياته تفتحت تلك البذور حينئذ أصبح يعيش فعلية تلك الشهوات والغرائز كذلك على مستوى هذا الحس الذي هو أشرف واعظم واروع ما أودع في طبيعة الإنسان.

          هذا قد لا يعيشه مئات الملايين من البشر في عشرات الآلاف من السنين، قد لا يتفتح يبقى مجرد استعداد خام وأرضية ذاتية تمثل الامكان الذاتي لهذه الصيغة فقط دون أن تتفتح عن وجود مثل هذا الحس لأن تفتحه يخضع لما قلناه من الملابسات والشروط التي لها بحث آخر أوسع من كلامنا اليوم.

          أرضية أن يحس الإنسان بتلك القيم والمثل تصبح امراً واقعياً في أشخاص مميزنين يختصهم الله تعالى بعنايته ولطفه واختياره وهؤلاء هم الأنبياء والمرسلون الذين يرتفعون إلى مستوى أن تصبح كل المعقولات الكاملة محسوسات لديهم يصبح كل ما نفهمه وما لا نفهمه من القيم والمثل أمراً حسياً لديهم يحسونه ويسمعونه ويبصرونه.

          ذلك إن الافكار التي ترد إلى ذهن الإنسان تارة ترد إلى ذهنه وهو لا يدرك إدراكاً حسياً مصدر هذه الافكار، الافكار التي ترد إلى الإنسان كلنا نؤمن بأنها أفكار بقدرة الله وعنايته وردت إلى ذهن الإنسان و إلى فكره لكن إيماننا بذلك إيمان عقلي نظري لا حسيّ لأن اللّه سبحانه وتعالى هو مصدر العلم والمعرفة والأفكار الخيرة في ذهن الإنسان ولهذا أي فكرة من هذا القبيل تطرأ في ذهن الإنسان نؤمن عقلياً بأنها من اللّه سبحانه وتعالى.

          لكن هناك فارق كبير بين حالتين: بين حالة أن ترد فكرة إلى ذهن الإنسان فيحس بأن هذه الفكرة القيت إليه من أعلى بحيث يدرك إلقاءها من أعلى كما تدرك أنت الآن أن الحجر وقع من أعلى يدرك هذا بكل حسه وبصره يدرك أن هذه القطرة هذا الفيض هذا الاشعاع قد وقع من اعلى ألقي عليه من اللّه سبحانه وتعالى.

          واخرى لا يدرك هذا على مستوى الحس يدركه عقلياً يدرك إن هناك فكرة تعيش في ذهنه نيرة خيرة لكنه لم ير بعينه أن هناك يداً قذفت بهذه الفكرة إلى ذهنه.

          وهذه الافكار التي تقذف في ذهن الإنسان فيتوفر لدى ذاك الإنسان حس بها بأنها قذفت إليه من الله سبحانه وتعالى وافيضت عليه من واجب الوجود واهب الوجود وواهب المعرفة فهي أيضاً على أقسام.

          لأن هذا الإنسان تارة قد بلغ حسه إلى القمة فاستطاع أن يحس بالعطاء الإلهي من كل وجوهه وجوانبه يسمعه ويبصره يراه في جميع جهاته يتعامل معه ويتفاعل معه بكل ما يمكن للحس أن يتفاعل مع الحقيقة هذا هو الذي يعبر عنه بمصطلح الروايات على ما يظهر من بعضها بمقام عال من الإنبياء مقام الرسول الذي يسمع الصوت ويرى الشخص أيضاً.

          ويمكن أن نفترض أن هناك ألواناً أخرى من الحس تدعم هذا الحس السمعي والبصري عند هذا الإنسان العظيم فهو يحس بالحقيقة المعطاة من الله تعالى من جميع جوانبها يحس بها بكل ما اوتي من أدوات الحس بالنسبة إليه هذه هي الدرجة العالية من الحس وقابلية الاتصال مع العمل الإلهي.

          وأخرى يفترض أنه يحس بها من بعض جوانبها وهو الذي عبر عنه بأنه يسمع الصوت ولا يرى الشخص هذا احساس إلا أنه احساس ناقص وقد يفترض أنه أقل من ذلك وهو الذي عبر عنه في بعض الروايات بأنه يرى الرؤيا في المنام هنا يرى هذه الرؤيا المنامية وهي طبعاً تختلف عن الرؤيات في اليقظة من حيث درجة الوضوح.

          فهنا فارق كيفي بين الحس والرؤيا المنامية والرؤيا في عالم اليقظة والانتباه الكامل.

          هناك درجات من الحس وعلى وفق هذه الدرجات وضعت مصطلحات الرسول والنبي والمحدّث والإمام، ونحو ذلك من المصطلحات، أنه الذي يمثل أعلى هذه الدرجات هو الوحي المتمثل في ملك يتفاعل معه النبي تفاعلاً حسياً من جميع جوانبه كما كان يعيش سيد المرسلين (صلى الله عليه وآله) مع جبرائيل (عليه السلام) هنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) يعيش الحقيقة الإلهية عيشاً حسياً من جميع جوانبها. يعيشها كما نعيش نحن على مستوى حسناً ووجود رفيقنا وصديقنا، لكن مع فارق بين هذين الحسين بدرجة الفارق بين المحسوسين.

          هذا الحس هو الذي استطاع أن يربي شخص النبي (صلى الله عليه وآله) وأعد لكي يكون المثل الأول والرائد الأول لخط هذه القيم والمثل والأهداف الكبيرة.

          يعني هذا الحس قام بدور التربية للنبي (صلى الله عليه وآله) لانه استنزل القيم والمثل والأهداف والاعتبارات العظيمة من مستواها الغائم المبهم من مستواها الغامض العقلي من مستوى النظريات العمومية فأعطاها معالم الحس التي لا ينفعل الإنسان كما قلنا بقدر ما ينفعل بها بهذا تصبح الصورة المحسوسة التي هبطت على النبي (صلى الله عليه وآله) على أي نبي من الأنبياء ملء وجوده ملء روحه ملء كيانه.

          تصبح همه الشاغل في ليله ونهاره لأنها أمامه يراها يحسها... يلمسها ويشمها بأروع مما نلمس ونشم ونسمع ونبصر.

          ثم هذا الشخص الذي استطاع أن يربيه الحس القائم على الوحي يصبح هو حساً مربياً للآخرين. فالآخرون من أبناء البشرية الذين لم تتح لهم الظروف، ظروفهم وملابساتهم وعناية الله أن يرتفعوا هم إلى مستوى هذا الحس الذين لم يتح لهم هذا الشرف العظيم سوف يتاح لهم الحس لكن بالشكل غير المباشر حس بالحس لا حس بالحقيقة الإلهية مباشرة، حس بالمرآة الحقيقية الإلهية انعكست على هذه الحقيقة الإلهية يعني المعطى الإلهي - الثقافة الإلهية - انعكست على هذه المرآة والآخرون يحسون بهذه المرآة بينما النبي (صلى الله عليه وآله) نفسه كان يحس مباشرة بتلك الثقافة الإلهية بما هي امر حسي لا بما هي امر نظري أما نحن نحس محمداً (صلى الله عليه وآله) بما هو رجل عظيم بما هو رجل استطاع أن يثبت للبشرية أن هناك اعتباراً وهدفاً فوق كل المصالح والاعتبارات فوق كل الأنانيات فوق كل الامجاد المزيفة والكرامات المحدودة إن هناك إنساناً لاينقطع نفسه إذا كان دائماً بيسير على خط رسالة الله سبحانه وتعالى هذا المضمون الذي للإنسان أن يدركه عقلياً هذا المضمون الذي حشد ارسطو وافلاطون مئات الكتب بالبرهنة العقلية عليه على امكانية الاستمرار اللامتناهي من اللامتناهي هذا المعنى أصبح لدى البشرية امراً محسوساً خرج من نطاق اوراق ارسطو وافلاطون التي لم تستطع أن تصنع شيئاً والتي لم تستطع أن تفتح قلب إنسان على الصلة بهذا اللامتناهي وأصبحت أمراً حسياً يعيش مع تاريخ الناس لكي يكون هذا الأمر المحسوس هو التعبير القوي دائماً عن تلك القيم والمثل وهو المربي للبشرية على أساس تلك القيم والمثل.

          فالوحي بحسب الحقيقة إذن هو المربي الأول للبشرية الذي لم يكن بالامكان للبشرية أن تربى بدونه لأن البشرية بدون الوحي ليس لديها إلا حس بالمادة وما على المادة من ماديات، وإلا إدراك عقلي غائم قد يصل إلى مستوى الإيمان بالقيم والمثل وباللّه إلا انه إيمان عقلي على أي حال لا يهز قلب هذا الإنسان ولا يدخل إلى ضميره ولا يسمع كل وجوده ولا يتفاعل مع كل مشاعره وعواطفه.

          فكان لا بد أن يستنزل ذلك العقل على مستوى الحس لا بد أن تستنزل تلك المعقولات على مستوى الحس وحيث أن هذا ليس بالامكان أن يعمل مع كل الناس لأن كل إنسان مهيأ لهذا ولهذا استصفي لهذه العملية أناس معينون أوجد الله تبارك وتعالى فيهم الحس القائد الرائد هذا الحس رباهم هم أولا وبالذات ثم خلق وجوداً حسياً ثانوياً هذا الوجود الحسي الثانوي كان هو المربي للبشرية.

          والخلاصة لئن بقيت القيم والمثل والأهداف والاعتبارات عقلية محضة فهي سوف تكون قليلة الفهم ضعيفة الجذب بالنسبة إلى الإنسان وكلما أمكن تمثيلها حسياً أصبحت أقوى وأصبحت أكثر قدرة على الجذب والدفع.

          إذا كان هذا حقاً فيجب أن نخطط لأنفسنا ونخطط في علاقاتنا مع الآخرين على هذا الأساس.

          يجب أن نخطط في أنفسنا على هذا المستوى ومعنى أن نخطط في أنفسنا على هذا يعني أن لا نكتفي بأفكار عقلية نؤمن بها نضعها في زاوية عقلنا كإيمان الفلاسفة بآرائهم الفلسفية لا يكفي أن نؤمن بهذه القيم والمثل إيماناً عقلياً صرفاً بل يجب أن نحاول... أن نستنزلها إلى أقصى درجة ممكنة من الوضوح الحسي طبعاً نحن لا نطمع أن نكون أنبياء ولانطمع أن نحظى بهذا الشرف العظيم الذي انغلق على البشرية بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) ولكن مع هذا الوضوح مقول بالتشكيك على حسب اصطلاح المناطق ليس كل درجة من الوضوح معناها النبوة هناك ملايين من درجات الوضوح قبل أن تصبح نبياً. يمكن أن تكسب ملايين من درجات الوضوح، وهذه المراتب المتصاعدة قبل أن تبلغ إلى الدرجة التي اصبح فيها موسى (عليه السلام) في لحظة استحق فيها أن يخاطبه اللّه سبحانه وتعالى أو قبل أن يصل الإنسان إلى الدرجة التي بلغ إليها محمد (صلى الله عليه وآله) حينما هبط عليه اشرف كتب السماء هناك ملايين من الدرجات هذه الملايين بأبها مفتوح أمامنا ولا بد أن لا نقتصر أن لا نزهد في هذا التطوير العقلي للقيم والمثل الموجود عندنا لا بد لنا أن لا نقتصر وأن نطمع في أكثر من هذا الوضوح وفي أكثر من هذا من التحدد ومن الحسية لا بد لنا أن نفكر في أن يعبأ كل وجودنا بهذا القيم والمثل لكي تكون على مستوى المحسوسات بالنسبة إلينا.

          من أساليب استنزال هذه القيم والمثل إلى مستوى المحسوسات هو التأثير الذهني عليها باستمرار حينما توحي إلى نفسك باستمرار بهذه الأفكار الرفيعة حينما توحي إلى نفسك باستمرار بانك عبد مملوك للّه سبحانه وتعالى وأن الله تبارك وتعالى هو المالك المطلق لامرك وسلوكك ووجودك وهو المخطط لوضعك ومستقبلك وحاضرك وأنه هو الذي يرعاك بعين لا تنام في دنياك وآخرتك حينما توحي إلى نفسك باستمرار بمستلزمات هذه العبودية من أنك مسؤول أمام هذا المولى العظيم مسؤول أن تطيعه أن تطبق خطه، أن تلتزم رسالته، أن تدافع عن رايته أن تلزم شعاراته حينما تسر إلى نفسك وتؤكد على نفسك باستمرار أن هذا المعنى للعبودية لأنك دائماً وأبداً يجب أن تعيش مع الله.

          حينما توحي إلى نفسك بانك يجب أن تعيش للّه سوف تتعمق دقة العيش للّه في ذهنك سوف تتسع سوف تصبح بالتدريج شبحاً يكاد أن يكون حسياً بعد أن كان نظرياً عقلياً صرفاً.

          أليس هناك أشخاص من الأولياء والعلماء والصديقين قد استطاعوا أن يبصروا محتوى هذه القيم والمثل بام أعينهم ولم يستطيعوا أن يبصروها بأم أعينهم إلا بعد أن عاشوها عيشا تفصيلياً مع الالتفات التفصيلي الكائن وهذه عملية شاقة جداً لأن الإنسان كما قلنا ينفعل بالحس وما أكثر المحسوسات من أمامه ومن خلفه الدنيا كلها بين يديه تمتع بحسه في مختلف الأشياء وهو يجب عليه دائماً وهو يعيش في هذه الدنيا التي تنقل إلى عينه مئات المبصرات، وتنقل مئات المسموعات، يجب عليه أن يلقن نفسه دائماً بهذه الافكار ويؤكد هذه الأفكار خاصة في لحظات ارتفاعه وفي لحظات تساميه لأن أكثر الناس إلا من عصم الله تحصل له لحظات التسامي، وتحصل له لحظات الإنخفاض.

          ليس كل إنسان يعيش محمداً (صلى الله عليه وآله) مئة بالمئة وإلا لكان كل الناس من طلابه الحقيقيين كل إنسان لا يعيش محمداً إلا لحظات معينة تتسع وتضيق بقدر تفاعل هذا الانسان برسالة محمد (صلى الله عليه وآله).

          إذن ففي تلك اللحظات التي تمر على أي واحد منا ويحس بأن قلبه منفتح لمحمد (صلى الله عليه وآله) وأن عواطفه ومشاعره كلها متأججة بنور رسالة هذا النبي العظيم (صلى الله عليه وآله). في تلك اللحظات يغتنم تلك الفرصة ليخترن وأنا اؤمن بعملية الاختران يعني أؤمن بأن الإنسان في هذه اللحظة إذا استوعب أفكاره وأكد على مضمون معين وخزنه في نفسه سوف يفتح له هذا الاختران في لحظات الضعف بعد هذا حينما يفارق هذه الجلوة العظيمة حينما يعود إلى حياته الاعتيادية سوف يتعمق بالتدريج هذا الرصيد هذه البذرة التي وضعها في لحظة الجلوة في لحظة الانفتاح المطلق على أشرف رسالات السماء تلك البذرة سوف تشعره وسوف تقول له في تلك اللحظة إياك من المعصية إياك من أن تنحرف قيد انملة عن خط محمد (صلى الله عليه وآله).

          كلما ربط الإنسان نفسه في لحظات الجلوة والانفتاح بقيود محمد (صلى الله عليه وآله) واستطاع أن يعاهد نبيه العظيم (صلى الله عليه وآله) على أن لا ينحرف عن رسالته على أن لا يتململ عن خطه على أن يعيشه ويعيش أهدافه ورسالته وأحكامه حينئذ بعد هذا حينما تفارقه هذه الجلوة وكثيراً ما تفارقه إذا أراد أن ينحرف يتذكر عهده يتذكر صلته بمحمد (صلى الله عليه وآله) تصبح العلاقة حينئذ ليست مجرد نظرية عقلية بل هناك اتفاق هناك معاهدة هناك بيعة أعطاها لهذا النبي (صلى الله عليه وآله) في لحظة حس في لحظة قريبة من الحس.

          كان كأنه يرى النبي أمامه فبايعه.

          لو أن أي واحد منا استطاع أن يرى النبي (صلى الله عليه وآله) بأم عينه. أو رأى أمامه إمام زمانه عجل اللّه تعالى فرجه رأى قائده بأم عينه وعاهده وجهاً لوجه على أن لا يعصي على أن لا ينحرف على أن لا يخون الرسالة هل بالامكان لهذا الإنسان بعد هذا لو فارقته تلك الجلوة ولو ذهب إلى ما ذهب ولو عاش أي مكان وأي زمان هل بإمكانه أن يعصي؟ هل يمكنه أن ينحرف أو يتذكر دائماً صورة ولي الأمر عجل اللّه تعالى فرجه وهو يأخذ منه هذه البيعة وهذا العهد على نفسه.

          نفس هذه العملية يمكن أن يعملها أي واحد منا لكن في لحظة الجلوة في لحظة الأنفتاح.

          كل إنسان من عندنا يعيش لحظة لقاء الإمام عجل اللّه تعالى فرجه من دون أن يلقى الإمام عجل اللّه تعالى فرجه ولو مرة واحدة في حياته هذه المرة الواحدة أو المرتين والثلاثة يجب أن نعمل لكي تتكرر لأن بالامكان أن نعيش هذه اللحظة دائماً هذا ليس أمراً مستحيلاً بل هو أمر ممكن والقصة قصة إعداد وتهيئة لأن نعيش هذه اللحظة حتى في حالة وجود لحظات أكثر بكثير تعيش فيها الدنيا تعيش فيها أهواء الدنيا ورغبات الدنيا وشهوات الدنيا مع هذا يجب أن تخلف فينا هذه اللحظة رصيداً يجب أن تخلق فينا بذرة منعة عصمة قوة قادرة على أن تقول: لا، حينما يقول الإسلام: لا، ونعم حينما يقول الإسلام ذلك.

          هذه اللحظة يجب أن نغتنمها ويجب أن نختزن لكي تتحول بالتدريج هذه المفاهيم إلى حقائق وهذه الحقائق إلى محسوسات وهذه المحسوسات إلى جهاد نعيشه بكل عواطفنا ومشاعرنا وانفعالاتنا أناء الليل وأطراف النهار ونحن ما أحوجنا إلى ذلك لأن المفروض أننا نحن الذين يجب أن نبلغ للناس نحن الذين يجب أننشع بنور الرسالة على الناس. نحن الذين يجب أن نحدد معالم الطريق للأمة والمسلمين إذن فما احوجنا إلى أن يتبين لنا الطريق تبيناً حسياً تبيناً اقرب ما يكون إلى تبين الأنبياء وطرقهم.

          ليس عبثاً وليس صدفة أن رائد الطريق دائماً كان إنساناً يعيش الوحي لأنه كان لا بد له أن يعيش طريقه بأعلى درجة ممكنة للحس حتى لا ينحرف حتى لا يتململ حتى لا يضيع حتى لايكون سبباً في ضلال الآخرين. ونحن يجب أن ندعو أن نتضرع إلى اللّه دائماً لان يفتح أمام أعيننا معالم الطريق أن يرينا الطريق رؤية عين لا رؤية عقل فقط أن يجعل هذه القيم وهذه المثل والطريق إلى تجسيد هذه القيم وهذه المثل شيئاً محسوساً بكل منعطفات هذا الطريق وبكل صعوبات هذا الطريق وما يمكن أن يصادفه في أثناء هذا الطريق.

          لا بد لنا أن نفكر في أن نحصل أكبر درجة ممكنة من الوضوح في هذا الطريق هذا بيننا وبين أنفسنا..

          وأما العبرة التي نأخذها بالنسبة إلينا مع الآخرين نحن أيضاً يجب أن نفكر في أننا سوف لن نطمع في هداية الآخرين عن طريق إعطاء المفاهيم فقط عن طريق إعطاء النظريات المجردة فقط وتصنيف الكتب العميقة كل هذا لا يكفي القاء المحاضرات النظرية لا يكفي.

          لا بد لنا أن نبني تأثيرنا في الآخرين أيضاً على مستوى الحس يجب أن نجعل الآخرين يحسون منا بما ينفعلون به إنفعالاً طيباً طاهراً مثالياً فان الآخرين مثلنا، الآخرون هم بشر والبشر ينفعلون بالحس أكثر مما ينفعلون بالعقل فلا بد إذن أن نعتمد على هذا الرصيد أكثر مما نعتمد على ذلك الرصيد.

          كتاب مئة كتاب نظري لا يساوي أن تعيش الحياة التي تمثل خط الأنبياء حينما تعيش الحياة التي تمثل خط الأنبياء بوجودك بوضعك باخلاقك بإيمانك بالنار والجنة إيمانك بالنار والجنة حينما ينزل إلى المستوى الحس إلى مستوى الرقابة الشديدة إلى مستوى العصمة حينما ينزل إلى هذا المستوى يصبح أمراً محسوساً يصبح هذا الإيمان أمراً حسياً حينئذ سوف يكهرب الآخرين ولا نطمع بالتأثير عليهم على مستوى النظريات فحسب فان هذا وحده لا يكفي وإن كان ضرورياً أيضاً ولكن يجب أن نضيف إلى التأثير على مستوى النظريات تطهير أنفسنا وتكميل أرواحنا وتقريب سلوكنا من سلوك الأنبياء (صلى الله عليه وآله) وأوصياء هؤلاء الأنبياء لنستطيع أن نجسد تلك القيم والمثل بوجودنا أمام حس الآخرين قبل أن نعطيها بعقول الآخرين أو توأماً مع إعطائها لعقول الآخرين...

          اللهم وفقنا للسير في خط أشرف انبيائك والالتزام بتعالميه غفر اللّه لنا ولكم جميعاً.







          تعليق

          المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
          حفظ-تلقائي
          x

          رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

          صورة التسجيل تحديث الصورة

          اقرأ في منتديات يا حسين

          تقليص

          المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
          أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, يوم أمس, 09:44 PM
          استجابة 1
          10 مشاهدات
          0 معجبون
          آخر مشاركة ibrahim aly awaly
          بواسطة ibrahim aly awaly
           
          أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, يوم أمس, 07:21 AM
          ردود 2
          12 مشاهدات
          0 معجبون
          آخر مشاركة ibrahim aly awaly
          بواسطة ibrahim aly awaly
           
          يعمل...
          X