إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

خذوا شطر دينكم عن الحميراء

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • خذوا شطر دينكم عن الحميراء

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله على ما أنعم و له الشكر على ما ألهم .

    و أفضل الصلاة و أزكى التسليم على خير الخلائق أجمعين محمد و آله الطاهرين .

    و اللعن الدائم المؤبد على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين .



    قال الفتني في تذكرة الموضوعات ص 100 :

    (( خذوا شطر دينكم عن الحميراء " قال شيخنا لا أعرف له إسنادا ولا رأيته في شيء من كتب الحديث إلا في نهاية ابن الأثير وإلا في الفردوس بغير إسناد ولفظه " خذوا ثلث دينكم من بيت الحميراء " وسئل المزني والذهبي فلم يعرفاه . في الذيل عن عائشة " قالت قلت يا رسول الله كيف حبك لي قال كعقدة الحبل قال فكنت أقول له كيف العقدة فيقول على حالها " هو حديث باطل فيه ضعفاء . " )) انتهى .


    و قال العجلوني في كشف الخفاء ج 1 ص 374 :

    (( ( خذوا شطر دينكم عن الحميراء ) قال الحافظ بن حجر في تخريج أحاديث ابن الحاجب من إملائه لا أعرف له إسنادا ، ولا رأيته في شئ من كتب الحديث إلا في النهاية لابن الأثير ذكره في مادة ح م ر ، ولم يذكر من خرجه ورأيته في الفردوس بغير لفظة وذكره عن أنس بغير إسناد بلفظ خذوا ثلث دينكم من بيت الحميراء ، وذكره ابن كثير أنه سأل الحافظين المزي والذهبي عنه فلم يعرفاه ، وقال السيوطي في الدرر لم أقف عليه ، لكن في الفردوس عن أنس خذوا ثلث دينكم من بيت عائشة انتهى ، وقال الحافظ عماد الدين في تخريج أحاديث مختصر ابن الحاجب : هو حديث غريب جدا ، بل هو منكر ، سألت عنه شيخنا المزي فلم يعرفه ، وقال لم أقف له على سند إلى الآن ، وقال شيخنا الذهبي هو من الأحاديث الواهية التي لا يعرف لها سند انتهى ، قال القاري لكن في الفردوس من غير إسناد وخذوا ثلث دينكم من بيت عائشة ، لكن معناه صحيح ، ثم قال وقد اشتهر أيضا حديث كلمتين يا حميراء ، وليس له أصل عند العلماء ، وقال ابن الغرس رأيت في الأجوبة على الأسئلة الطرابلسية لابن قيم الجوزية أن كل حديث فيه يا حميراء أو ذكر الحميراء فهو كاذب مختلق كحديث يا حميراء لا تأكلي الطين ، فإنه يورث كذا وكذا ، وحديث خذوا شطر دينكم عن الحميراء ، والحميراء تصغير حمراء ، وكانت عائشة بيضاء ، والعرب تسمي الأبيض أحمر ، ومنه حديث بعثت إلى الأحمر والأسود انتهى ملخصا ، وأقول فيه إن الحديث الذي رواه البيهقي والدارقطني وغيرهما عن عائشة في الماء المشمس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها لا تفعلي يا حميراء ، فإنه يورث البرص ليس بكذب مختلق بل ضعيف ، قال فيه الرملي وهذا وإن كان ضعيفا لكنه يتأيد بما روي عن عمر أنه كان يكره الاغتسال فيه ، وقال أنه يورث البرص انتهى )) انتهى .


    و قال ابن كثير في البداية والنهاية ج 8 ص 100 :

    (( فأما ما يلهج به كثير من الفقهاء وعلماء الأصول من إيراد حديث : " خذوا شطر دينكم عن هذه الحميراء " فإنه ليس له أصل ولا هو مثبت في شيء من أصول الإسلام ، وسألت عنه شيخنا أبا الحجاج المزي فقال : لا أصل له )) انتهى .


    و جاء في حاشية كتاب البداية والنهاية ج 3 ص 159:

    (( قال القاري في الموضوعات الصغرى : لا يعرف له أصل . قال ابن القيم الجوزية في المنار المنيف ص 60 وكل حديث فيه " يا حميراء " أو ذكر حميراء فهو كذب مختلق . والحميراء تصغير حمراء بمعنى بيضاء اللون مشرب بياضها بحمرة ، والعرب تسمي الرجل الابيض : أحمر والمرأة حمراء . وقال القرطبي صاحب الفهم : والعرب تطلق على الأبيض الأحمر : كراهة اسم البياض لكونه يشبه البرص . قال المزي : كل حديث فيه يا حميراء فهو موضوع إلا حديثا عند النسائي ، وقال ابن حجر نحوه في فتح الباري . وهذا الحصر من هذين الحافظين غير سديد ، فقد ورد ذكر الحميراء في حديثين آخرين . روى الحاكم 3 / 119 في مستدركه عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أنظري يا حميراء . . قال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه . قال العلامة الزرقاني في شرح المواهب اللدنية 7 / 216 بعد ذكر حديث القسطلاني حديث أم سلمة هذا من رواية الحاكم والبيهقي . حديث صحيح)) انتهى .


    قال الذهبي (( وقد قيل : إن كل حديث فيه : يا حميراء ، لم يصح )) سير أعلام النبلاء ج 2 ص 167 .

    و جاء في حاشية الكتاب تعليقاً على ذلك (( في هذه الكلية نظر ، فقد أخرج النسائي في " عشرة النساء " ورقة 75 / 1 من حديث يونس ابن عبد الأعلى ، حدثنا ابن وهب ، أخبرني بكر بن مضر ، عن ابن الهاد ، عن محمد بن إبراهيم ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : دخل الحبشة المسجد يلعبون ، قال لي : يا حميراء ، أتحبين أن تنظري إليهم ؟ فقلت : نعم ، فقام بالباب ، وجئته ، فوضعت ذقني على عاتقه ، فأسندت وجهي أى خده ، قالت : ومن قولهم يومئذ : أبا القاسم طيبا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : حسبك ، قلت : يا رسول الله لا تعجل ، فقام لي ثم قال : حسبك فقلت : لا تعجل يا رسول الله ، قالت : وما بي حب النظر إليهم ، ولكني أحببت أن يبلغ النساء مقامه لي ومكاني منه ، قال الحافظ في " الفتح " 2 / 355 : إسناده صحيح ، ولم أر في حديث صحيح ذكر الحميراء إلا في هذا ، وقال الزركشي في المعتبر 19 / 2 ، و 20 / 1 : وذكر لي شيخنا ابن كثير ، عن شيخه أبي الحجاج المزي أنه كان يقول : كل حديث فيه ذكر الحميراء باطل إلا حديثا في الصوم في سنن النسائي . قلت : وحديث آخر في النسائي . . . دخل الحبشة المسجد . . . وذكر الحديث السابق )) انتهى .
    =====

    غدا نبدا بنقل سيره الحميراء باذن الله ..

    تحياتي
    و السلام عليكم و رحمه الله و بركاته
    الملفات المرفقة

  • #2
    تأدب فهذه ام المؤمنين

    تعليق


    • #3
      المشاركة الأصلية بواسطة فارس قطر
      تأدب فهذه ام المؤمنين
      -------

      بسم الله الرحمن الرحيم
      اللهم صل علي محمد و ال محمد
      السلام علي من اتبع الهدي

      كان الاجدر بك ان توجه هذه العباره الي الحميراء فهي احق

      بها و ان كنت تحبها فعليك بقراءه سيرتها ابتداء من الان لتعرف

      من هي وما هي مصائبهاوان اصررت علي حبها فانشاءالله تحشر معها يوم

      لا ينفع مال ولا بنون الا من اتي الله بقلب سليم

      اللهم العن اول ظالم ظلم محمد و ظلم ال محمد
      و السلام علي من اتبع الهدي
      الملفات المرفقة

      تعليق


      • #4
        - أحاديث أم المؤمنين عائشة - السيد مرتضى العسكري ج 1 ص 15 : -



        بسم الله الرحمن الرحيم

        والحمد لله رب العالمين . والصلاة على نبينا محمد وآله وأصحابه وزوجاته أمهات المؤمنين . والسلام على سائر أنبياء الله وعباده الصالحين .


        - ج 1 ص 17 -


        تمهيد

        لقد انتبه كثير من الباحثين إلى ما في الحديث النبوي الشريف ، من اختلاف بين حديث وآخر منه ، أو بين بعض تلك الأحاديث وآي من القرآن الكريم ، فحدا ذلك بفريق من علمائنا السالفين إلى " تأويل مختلف الحديث وبيان مشكله ( 1 ) " ، ليدفعوا بذلك ما أورد على نبي الإسلام وحديثه .


        كما أن الخصومة قد دفعت فريقا آخر من الباحثين من أمثال الملاحدة ومبشري النصارى ، ولفيف من المستشرقين ، إلى توجيه مختلف الطعن والنقد إلى نبي الإسلام ودينه ، مستندين في هجومهم العنيف إلى ما في ظواهر تلك الأحاديث من تهافت واختلاف .


        وقد فات أولئك وهؤلاء أن تلك المجموعة الضخمة من الأحاديث والتي يناقض بعضها بعضا ليست كلها سياقا واحدا ليؤلف مجموعها وحدة تدرس على ضوء أنها صادرة عن نبي الإسلام ، وإنما هي مجموعات مختلفة من أحاديث رويت لنا عن رواة مختلفين ، وعلى الباحث أن يقوم بتصنيفها نسبة إلى رواتها ، فينسب إلى " أم المؤمنين عائشة " - مثلا - أحاديثها ، وإلى " أنس " و " أبي هريرة " و " ابن عمر " ( 2 ) أحاديثهم ، ثم يدر أحاديث كل


        ( 1 ) ابن قتيبة : عبد الله بن مسلم ( 280 أو 276 ه‍ ) مؤلف " تأويل مختلف الحديث " .
        وآبن فورك : أبو بكر محمد أو حسين بن فورك ( 446 أو 406 ه‍ ) ألف " بيان مشكل الحديث " .
        والطحاوي : أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلمة أو سلامة بن عبد الملك الازدي ( 321 أو 322 ه‍ ) ألف : " بيان مشكلات الآثار " .

        ( 2 ) أ - أنس بن مالك بن النضر الخزرجي النجاري جاء في حديثه انه خدم النبي عشر سنين وقد خرجوا له 2286 حديثا ، توفي سنة ( 92 أو 93 ه‍ ) في البصرة ودفن هناك . ترجمته في الاستيعاب ص 40 وفي أسد الغابة 1 / 127 - 129 وفي الإصابة 1 / 227 وجوامع السيرة 276 . =>


        - ج 1 ص 18 -


        منهم وأحاديث غيرهم من الرواة المكثرين عن النبي مع دراسة حياة راويها وبيئته .


        أدركت هذا خلال بحثي عن حوادث تاريخية وقعت في صدر الإسلام ، ولفت نظري في تلكم الأحاديث ماروتها " أم المؤمنين عائشة " خاصة، ورأيت أن التاريخ الإسلامي منذ بعثة الرسول صلى الله عليه وآله حتى بيعة يزيد ابن معاوية لا يفهم فهما صحيحا إلا بعد دراسة أحاديث " أم المؤمنين " - أحد مصادر التاريخ الإسلامي المهمة - دراسة موضوعية ، كما أني أرى أيضا أن فهم قسم من آي القرآن الكريم ، والفقه الإسلامي ، اللذين استند في بيانهما إلى أحاديثها متوقف على هذه الدراسة ، ولما كنت بصدد البحث


        عن التاريخ الإسلامي من دوره الأول ، لم يكن لي بد من تقديم هذه الدراسة على غيرها من الدراسات .

        => ب - أبو هريرة الدوسي . اختلفوا في اسمه ونسبه ولم يكن في الصحابة من روى عن النبي أكثره منه ، اخرجوا له 5374 حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وآله توفي سنة 57 أو 58 ه‍ ودفن في البقيع . جوامع السيرة ص 276 وترجمته في ابن سعد 7 / 20 ، والاستيعاب وأسد الغابة ، والإصابة .

        ج - عبد الله ابن الخليفة عمر بن الخطاب ، توفي بمكة سنة ثلاث وسبعين وكان سبب موته ان الحجاج أمر رجلا فسم زج رمحه وزحمه في الطريق ووضع الزج في ظهر قدمه ، وقد اخرجوا له ، 2630 حديثا . جوامع السيرة ص 276 . ترجمته في الاستيعاب 1579 وأسد الغابة ، والإصابة .


        - أحاديث أم المؤمنين عائشة - السيد مرتضى العسكري ج 1 ص 18 : -



        صعوبات الدراسة


        وإن دراسة كهذه تدور حول الشخصيات الإسلامية الأولى لابد وأن تعترض سبيلها عقبات ليس من الهين تذليلها ، ومن تلك العقبات أمام الباحث المسلم الشرقي :

        أولا : عقائده التي نشأ عليها ، وعقائد مجتمعه الذي يعيش فيه ، والذي يرى في تلك الشخصيات مالا يراه في غيرها من البشر ، ويعتقد لعصرهم مالا يعتقده لغيره من العصور .

        - ج 1 ص 19 -


        والباحث إن لم يستطع تذليل هذه العقبة خرج من بحثه عقائديا يدافع عن عقيدة لا دارسا يبحث عن حقيقة .


        ولما أدركت هذه الحقيقة حاولت في بحثي هذا أن لا أنقاد لعواطفي في أم المؤمنين عائشة ، وتكريمي لها ، كزوج للرسول الأكرم من ناحية ، وألا أجرد الشخصيات الإسلامية المحترمة ، التي يدور البحث حولها عن فطرة الله التي فطر الناس عليها من ناحية ثانية كي أستطيع القيام بدراسة موضوعية لأحاديثها .


        ولست أزعم أني نجحت في هذه المحاولة ولكني بذلت الجهد في هذا السبيل ، والحكم لغيري في ذلك والله يعلم أن الذي حداني إلى هذه الدراسة إنما هو رجاء انتفاع دارسي التاريخ الإسلامي ، ودارسي قرآنه وأحكامه من هذا البحث ، والله من وراء القصد .


        وثانيا : يعترض الباحث فيما إذا وفق إلى ترويض نفسه ، وتذليل العقبة الآنفة الذكر عقبة أخرى بعدها ، وهي الخوف من تأثير نشر هذه الدراسات على وحدة كلمة المسلمين ، بعد أن بدأت تظهر في هذا العصر بشائر تألفهم وتآخيهم نتيجة لبذل المصلحين جهودا كبيرة في سبيل ذلك .


        وهل يجوز لمن يغار على مصالح المسلمين أن يبحث اليوم في الماضي السحيق ، وينشر منه ما يوجب النقد والرد ، ويثير الحفيظة ، وينتج النفرة ؟ ! وإذا كان ذلك مما لا يستسيغه أحدا ، إذن فليمتنع الجميع عن البحث والتحقيق كي لا يسبب ذلك عقم جهود المصلحين ، ويؤدي بالمسلمين إلى مالا يحمد عقباه ! .


        أما نحن فلا نرى هذا .

        فإننا حين ندعو الله مخلصين أن يوفق المسلمين لتلبية نداء المصلحين بنبذ الحزازات وتوحيد الكلمة ، لا نريد ذلك على حساب العلم والمعرفة ، ونعتقد أن المصلحين أنفسهم أيضا لا يريدونها كذلك ، فإن المصلحين الغيارى يدعون إلى الاجتماع على صعيد الإسلام ، والإسلام ليس برأي سياسي دولي ، وإنما هو إيمان وعقيدة ، وهما لا يتأتيان من كتم الحقيقة ، بل إنهما ينتجان من البحث والنقد العلمي الخالص ، على أن لا ينبعث ذلك من هوى النفس بدافع الحب والبغض .

        - ج 1 ص 20 -


        وما السبيل إلى معرفة مبادئ الإسلام وأحكامه غير البحث عن تاريخ الإسلام في بدء بدئه ، وتمحيص الأحاديث النبوية ، والتحقيق عن حال رواتها ، لنفهم منها شأن نزول القرآن الكريم ، ولنستطيع - على ضوء هذا العلم - استنباط الأحكام الإسلامية التي نريد أن نعمل بها ، وندعو الناس إلى العمل بها أيضا ، ولابد لنا في العمل من العلم .

        * * *

        والحق أن السعي لتقريب المسلمين بعضهم من بعض ، والجهاد في سبيل إعادة حياة إسلامية ، والقيام بالبحث والتحقيق في تاريخ الإسلام وحديث نبيه صلى الله عليه وآله لا ينافي بعضه بعضا ، وإنما يتمم بعضه بعضا ، فإنه لا يتمكن من إقامة مجتمع إسلامي دون فهم لقرآنه وحديث نبيه صلى الله عليه وآله وتاريخه ، كما لا يتأتى التآخي الصحيح إلا بالإيمان بوجوب إعادة حياة إسلامية ، وإلا فعلى م يجتمع المسلمون ؟ وما الذي يوحد كلمتهم ؟

        كما لا يتأتى التآخي أيضا إلا بترويض المسلمين أنفسهم على سماع آراء بعضهم بعضا ومناقشتها مناقشة من يطلب الحق ليتبعه ، ليصدق عليهم قول الله سبحانه : " فبشر عباد * الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه " ، وهذا ما ندعو إليه ، ونسأل الله أن يوفقنا جميعا إلى الاهتداء به .

        * * *


        وبالإضافة إلى ما ذكرنا فإن في التاريخ الإسلامي - كغيره من تواريخ الملل والنحل في العالم - عقبات ثلاثا غير ما ذكرنا طالما اعترضت سبيل الباحثين والدارسين ، وعاقتهم عن سلوك طريق العلم .

        وأولى تلك العقبات وأهمها : عادة عبادة السلف الصالح ، فقد دأب البشر منذ فجر تاريخه على عبادة سلفه ، ومن هنا نشأت عبادة الأوثان ، ولم يكن نسر ، ويغوث ، ويعوق ، وود ، وسواع ( 3 ) غير رجال صلحاء احترمهم

        ( 3 ) راجع تفسير الآية 24 من سورة نوح في الدر المنثور 6 / 269 ، وغيره من التفاسير . ( * )


        - ج 1 ص 21 -


        قومهم أولا ، ثم تدرجوا إلى عبادتهم .


        ومن العجيب في هذا الأمر : أننا نجد السلف الصالح عندنا كان ينتقد بعضه بعضا ، ويرده أشد الرد والنقد ، ويجوز لنفسه قتل من خالفه في الرأي من معاصريه ، حتى إذا انصرم عصرهم ، وجاء الخلف من بعدهم ، رأينا في المسلمين من يحرم نقدهم ، فيغلق على نفسه وغيره باب العرفان والعلم .


        والعقبة المهلكة الثانية ، هي سجية التعصب الذميم ، والتعصب عقبة أمام العلم لما تسد على الإنسان منافذ النور ، ومهلكة نجد لها ضحايا في كل عصر وكل مصر ، هذه الري في أوائل القرن السابع الهجري ( 4 ) تدمرها العصبية المذهبية ، يبيد الحنفية والشافعية الشيعة أولا ، ثم يثني الشافعية بالحنفية ، ويبيدونهم حتى يتركوا أحياءهم خرابا بيانا .


        وثالثة الاثافي في هذه العقبات تدخل السلطة ، آلهة العصور في هذا الشأن ، فهي التي أغلقت باب البحث رياء ، وهي التي سدت باب الاجتهاد سنة 665 ه‍ ( 5 ) وبقي كذلك حتى اليوم .


        ولا أدري ألم يأن للمسلمين أن يفتحوا باب البحث والتحقيق ! بعد أن فكروا في فتح باب الاجتهاد ، أم إنهم لا يرضون بالتقليد بديلا ! ؟ لا لن يبقى الأمر كذلك ، فقد بزغ فجر العلم في عصرنا نتيجة سعي المصلحين ، وسيأتي زمان يضحك أهله من متاعبنا كما ضحكنا من تعصب أهل الري الذميم .


        ومضافا إلى ما ذكرت من عقبات فإنا قد تعودنا أن نقرأ لأحد مدحا فلا نرضى أن نسمع له نقدا ، أو نقدا فلا نرضى أن نسمع له ثناء ، وفي هذا الكتاب رسمت أم المؤمنين كما وجدتا ، سواء أكان ذاك لها ثناء ، أو كان لها نقدا .


        ( 4 ) راجع ياقوت في لغة الري 4 / 355 ، وهذه واحدة من آلاف .
        ( 5 ) بيبرس البند قداري سد باب الاجتهاد بمصر . راجع خطط المقريزي ص 161 ، وكان جديرا بمصر مبادرتها في هذا العصر إلى فتح الباب الذي أغلقته . ( * )


        - ج 1 ص 22 -


        فمن أراد أن يقرأ أم المؤمنين كما هي في الحديث والتاريخ ، ويحلل شخصيتها من أحاديثها ، فدونه أدوارا من حياتها في ما يأتي .

        وأما من لا يستطيع اجتياز ما ذكرت من عقبات والتي هي مشتركة بين الكاتب والقارئ فليدع الكتاب لأهله ، والله الموفق للصواب .





        تعليق


        • #5
          - أحاديث أم المؤمنين عائشة - السيد مرتضى العسكري ج 1 ص 23 : -



          بسم الله الرحمن الرحيم

          ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا * وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا * يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا * وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا * يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى ) .

          - ج 1 ص 25 -


          حكمة تعدد زوجات الرسول صلى الله عليه وآله :


          نبدأ بحوث الكتاب بإذنه تعالى ببيان حكمة تعدد زوجات الرسول في ما يأتي : قال الله سبحانه في سورة الأحزاب : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا تُرْجِي مَن تَشَاء مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَن تَشَاء وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاء مِن بَعْدُ وَلَا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيبًا ) ( الآيات / 50 52 ) .

          شرح الكلمات :

          أ - أجورهن : مهورهن .
          ب أفاء : أفاء عليه فيئا ، أي جعل له الغنيمة التي لم تلحق فيها مشقة له .
          ج - وهبت نفسها للنبي : أي طلبت من الرسول أن يتزوجها بلا مهر .
          د - حرج ، الحرج : الضيق في باب النكاح .
          ه‍ - ترجي : ترجي هنا بمعنى تنحي عنك من تشاء .

          - ج 1 ص 26 -


          و - تؤوي : تؤوي هنا بمعنى تضم إلى نفسك من تشاء منهن .
          ز - الحلم : الحلم في اللغة : الاناة وضبط النفس عند الغضب مع القدرة ، وفي المصطلح الإسلامي : من أسماء الله الحسنى ، أي لا يعاجل بالعقوبة ويصفح .
          ح - رقيبا : الرقيب في اللغة : الحافظ المراعي ، وفي المصطلح الإسلامي : من أسماء الله الحسنى ، أي الحافظ الذي لا يغيب عنه شيء .


          تفسير الآيات :

          إننا نرى أن بعض الآيات ومن ضمنها هذه الآيات نزلت لتخبر عن انتهاء أمد العمل ببعض الأحكام التي نزلت بوحي غير قرآني ، مثل الآية 65 و 66 من سورة الأنفال التي قال الله فيها : ( إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ . . الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ . . )


          إننا نرى حكم ( إن يكونوا عشرين يغلبوا مائتين ) ، كان قد نزل بوحي غير قرآني ، ولما انتهى أمد العمل به نزلت الآيتان ليخبر الله في الأولى بهما ، أن الله كان قد أنزل بوحي غير قرآني أن يغلب عشرون مائتين .


          وفي الثانية يخبر سبحانه انتهاء أمد ذلك ، والآن إن يكن منكم مائة يغلبوا مائتين .

          وكذلك الشأن في آيات خبر تعدد زوجات الرسول ( ص ) من سورة الأحزاب ، فإن الله سبحانه أخبر فيها أنه كان قد أحل لخاتم أنبيائه من آتاهن مهورهن من أقاربه وغيرهن من المؤمنات اللاتي هاجرن معه ، ثم أخبر تعالى أنه أحل له الزواج بغيرهن من المؤمنات وأحل له امرأة مؤمنة طلبت منه أن يتزوجها ووهبت له مهرها إن أراد النبي أن يستنكحها .


          وإن هذا الحكم خاص بالنبي من دون المؤمنين ، وقد علم الله ، أي عين ما فرض عليهم في أزواجهم وفي نساء ملكوها بشراء وغيره . تنحي عنك من تشاء ممن وهبت نفسها لك وتضم إلى نفسك من تشاء

          - ج 1 ص 27 -


          منهن أو يكون المعنى تؤخر من تشاء من أزواجك فلا تضاجعها ، أو تطلق من تشاء وتمسك من تشاء ، ولعل المقصود إحلال كل ذلك لخاتم الأنبياء ( ص ) ، وأنه أحل له أن ينحي من شاء من الواهبات أنفسهن ويضم إلى نفسه من شاء منهن ويؤخر مضاجعة من شاء من أزواجه ويضاجع من شاء منهم لا جناح عليه في كل ذلك ، ويعمل في كل ذلك بما يرى فيه من المصلحة ، وإن علمهن أن نزول الرخصة في كل ذلك من الله تعالى أقر لاعينهن وأدنى إلى رضاهن لما يعلمن أن ذلك من الله ولهن الثواب في طاعة الله برضاهن بذلك ، ولو علمن أن ذلك من قبلك لحزن وحملن ذلك لميلك إلى بعضهن دون بعض ، والله يعلم بما في قلوبكم من الرضا والسخط ، وكان الله عليما بمصالح عباده ، حليما في ترك التعجيل في عقوبتهم .


          ولا يحل لك النساء بعد نزول هذه الآيات ولا أن تبدل بهن ، تطلق بعضهن وتتزوج بغيرهن إلا ما ملكت يمينك من الكتابيات ، فأحل له أن يتسراهن .


          ونرى أن هذه الآيات نزلت بعد فتح مكة وانتهاء الحرج الذي كانت المؤمنات المهاجرات يعشنه ، وكان عدد زوجات الرسول صلى الله عليه وآله يومذاك تسع نسوة من أمهات المؤمنين .


          وقد جاء في أصول الكافي في تفسير الآيات بسنده : عن أبي عبد الله ( ع ) في قول الله عزوج : ( يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك ) كم احل له من النساء ؟ قال : ما شاء من شيء .


          وفيه بإسناده عن أبي عبد الله ( ع ) قال ، قلت : ( لا يحل لك النساء من بعد ، ولا أن تبدل بهن من أزواج ) ؟ فقال : لرسول الله صلى الله عليه وآله أن ينكح ما شاء من بنات عمه وبنات عماته وبنات خاله وبنات خالاته وأزواجه اللاتي هاجرن معه ، وأحل له أن ينكح من عرض المؤمنين بغير مهر وهي الهبة ، ولا تحل الهبة إلا لرسول الله صلى الله عليه وآله ، فأما لغير رسول الله فلا يصلح نكاح إلا بمهر ، وذلك معنى قوله تعالى : ( وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ ) .

          * * *

          - ج 1 ص 28 -


          رجعنا في تفسير الآيات إلى تفسير الطبري والقرطبي ومجمع البيان .
          ونقلنا أعلاه ما اخترنا مما ذكروا في تفسير الآيات .
          وبعد ذلكم ندرس في ما يأتي حكمة تعدد زوجات الرسول صلى الله عليه وآله بإذنه تعالى .

          بيان الحكمة في تعدد زوجات الرسول صلى الله عليه وآله : تعرف حكمة تعدد زوجات الرسول صلى الله عليه وآله مع ملاحظة الظروف الاجتماعية التي عاشها الرسول صلى الله عليه وآله والمسلمون الأوائل في صدر الإسلام ، وخاصة الظروف الاجتماعية التي كانت تعيشها النساء يومذاك .

          وفي هذا الصدد قال الله سبحانه :

          أ - في سورة النحل : ( وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم * يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون ) ( الآيتان / 57 - 58 ) .


          ب - في سورة الإسراء : ( ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطأ كبيرا ) ( الآية / 31 ) .

          ج - في سورة الأنعام : ( ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ) ( الآية / 151 ) .

          د - في سورة التكوير : ( وإذا الموءودة سئلت * بأي ذنب قتلت ) ( الآيتان / 8 ، 9 ) .

          قال القرطبي : الموءودة : المقتولة ، وهي الجارية تدفن وهي حية ، سميت بذلك لما يطرح عليها من التراب ، فيؤودها أي يثقلها حتى تموت .

          وقال ابن عباس في تفسير الآيات : كانت المرأة في الجاهلية إذا حملت حفرت حفرة ، وتمخضت على رأسها ، فإن ولدت جارية رمت بها في الحفرة ، وردت التراب عليها ، وإن ولدت غلاما

          - ج 1 ص 29 -


          حبسته ، ومنه قول الراجز : سميتها إذ ولدت تموت * والقبر صهر ضامن زميت والزميت : الوقور .

          وفي تفسير الطبري ما موجزه : كان الرجل من ربيعة أو مضر يشترط على امرأته ، أن تستحيي جارية وتئد أخرى ، فإذا كانت الجارية التي توأد غدا الرجل أو راح من عند امرأته ، وقال لها : أنت علي كظهر أمي إن رجعت إليك ولم تئديها ، فتخذ لها في الأرض خدا وترسل إلى نسائها فيجتمعن عندها ثم يتداولنها حتى إذا أبصرته راجعا دستها في حفرتها ثم سوت عليها التراب ( 18 ) .


          وفي تفسير القرطبي والطبري عن قتادة ، قال : كانت الجاهلية يقتل أحدهم ابنته ، ويغذو كلبه ، فعاتبهم الله على ذلك ، وتوعدهم بقوله : ( وإذا الموءودة سئلت ) ( 19 ) .


          قال المؤلف : إنما كانوا يغذون كلبهم لأنه كان ينفعهم في حراسة بيتهم وماشيتهم ، بينما لم تكن البنت تجلب لأولئك الوائدين نفعا .


          وقال أبو الفرج في الأغاني : وفد قيس بن عاصم على رسول الله صلى الله عليه وآله فسأله بعض الأنصار عما يتحدث به عنه من المؤودات التي وأدهن من بناته ، فأخبر أنه ما ولدت له بنت قط إلا وأدها .

          ثم أقبل على رسول الله صلى الله عليه وآله يحدثه فقال له : كنت أخاف سوء الاحدوثة والفضيحة في البنات ، فما ولدت لي بنت قط إلا وأدتها ، وما رحمت منهن موءودة قط إلا بنية لي ولدتها أمها وأنا في سفر فدفعتها أمها إلى أخوالها فكانت فيهم ، وقدمت سألت عن الحمل ، فأخبرتني المرأة أنها ولدت ولدا

          ( 18 ) تفسير الطبري 8 / 38 . ط . بولاق في تفسير ( قد خسر الذين . . ) .
          ( 19 ) ما نقلناه عن القرطبي إلى هنا في تفسيره الجامع ، 19 / 232 - 233 . والخبر الاخير رواه الطبري - أيضا - في تفسير ، 30 / 46 . ( * )


          - ج 1 ص 30 -


          ميتا . ومضت على ذلك سنون حتى كبرت الصبية ويفعت ، فزارت أمها ذات يوم ، فدخلت فرأيتها وقد ظفرت شعرها وجعلت في قرونها شيئا من خلوق ونظمت عليها ودعا ، وألبستها قلادة جزع ، وجعلت في عنقها مخنقة بلح ، فقلت : من هذه الصبية فقد أعجبني جمالها وكيسها ؟ فبكت ثم قالت : هذه ابنتك ، كنت خبرتك أني ولدت ولدا ميتا ، وجعلتها عند أخوالها حتى بلغت هذا المبلغ .

          فأمسكت عنها حتى اشتغلت عنها ، ثم أخرجتها يوما فحفرت لها حفيرة فجعلتها فيها وهي تقول : يا أبت ما تصنع بي ؟ ! وجعلت أقذف عليها التراب وهي تقول : يا أبت أمغطي أنت بالتراب ؟ ! أتاركي أنت وحدي ومنصرف عني ؟ ! وجعلت أقذف عليها التراب ذلك حتى واريتها وانقطع صوتها ، فما رحمت أحدا ممن واريته غيرها . فدمعت عينا النبي صلى الله عليه وآله ثم قال : " إن هذه لقسوة ، وإن من لا يرحم لا يرحم " ( 20 ) .


          وقال القرطبي : إن قيس بن عاصم سأل النبي صلى الله عليه وآله وقال : يا رسول الله إني وأدت ثمان بنات كن لي في الجاهلية ، قال : " فأعتق عن كل واحدة منهن رقبة " قال : يا رسول الله إني صاحب إبل ، قال : " فأهد عن كل واحدة منهن بدنة إن شئت " ( 21 ) .


          وقال القرطبي : " إنه كان من العرب من يقتل ولده خشية الإملاق ، كما ذكر الله عزوجل . وكان منهم من يقتله سفها بغير حجة منهم في قتلهم ، وهم ربيعة ومضر ، كانوا يقتلون بناتهم لاجل الحمية .


          وروي أن رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله ، كان لا يزال مغتما بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله : مالك تكون محزونا ؟ فقال : يا رسول الله ، إني أذنبت ذنبا في الجاهلية فأخاف ألا يغفره الله لي وإن أسلمت .

          ( 20 ) الأغاني 12 / 144 . والخلوق : ضرب من الطيب . والودع : خرز بيض جوف في بطونها شق كشق النواة تتفاوت في الصغر والكبر ، والواحد : ودعة . والجزع : الخرز اليماني الصيني فيه سواد وبياض . والمخنقة : القلادة . وكيسها : عقلها .
          ( 21 ) القرطبي ، التفسير الجامع ، 19 / 332 - 333 . ( * )


          - ج 1 ص 31 -


          فقال له : أخبرني عن ذنبك ، فقال : يا رسول الله ، إني كنت من الذين يقتلون بناتهم ، فولدت لي بنت فتشفعت إلي امرأتي أن أتركها فتركتها حتى كبرت وأدركت ، وصارت من أجمل النساء فخطبوها ، فدخلتني الحمية ولم يحتمل قلبي أن أزوجها أو أتركها في البيت بغير زواج ، فقلت للمرأة : إني أريد أن أذهب إلى قبيلة كذا وكذا في زيارة أقربائي فابعثيها معي ، فسرت بذلك وزينتها بالثياب والحلي ، وأخذت علي المواثيق بألا أخونها .

          فذهبت إلى رأس بئر فنظرت في البئر ففطنت الجارية أني أريد أن ألقيها في البئر فالتزمتني ، وجعلت تبكي وتقول : يا أبت إيش تريد أن تفعل بي ؟ فرحمتها ، ثم نظرت في البئر فدخلت علي الحمية ، ثم التزمتني وجعلت تقول : يا أبت لا تضيع أمانة أمي ، فجعلت مرة أنظر في البئر ومرة أنظر إليها فأرحمها حتى غلبني الشيطان فأخدتها وألقيتها في البئر منكوسة ، وهي تنادي في البئر : يا أبت ، قتلتني . فمكثت هناك حتى انقطع صوتها فرجعت . فبكى رسول الله صلى الله عليه وآله وأصحابه ، وقال : " لو أمرت أن أعاقب أحدا بما فعل في الجاهلية لعاقبتك " ( 22 ) .


          وفي شأن هؤلاء أنزل الله تعالى : ( وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم " . ( النحل / 58 ) .

          قال ابن الأثير في ترجمة صعصعة من أسد الغابة ما موجزه : صعصعة بن ناجية جد الفرزدق همام بن غالب الشاعر وكان من أشراف بني تميم وكان في الجاهلية يفتدي الموءودات وقد مدحه الفرزدق بذلك في قوله :

          وجدي الذي منع الوائدات * وأحيا الوئيد فلم توأد

          قال : قدمت على النبي صلى الله عليه وآله فعرض علي الإسلام فأسلمت وعلمني آيات من القرآن ، فقلت : يا رسول الله إني عملت أعمالا في الجاهلية فهل لي فيها من أجر ؟ قال : وما عملت ؟ قلت : ضلت ناقتان لي عشراوان فخرجت

          ( 22 ) القرطبي ، تفسير سورة التكوير ، الآية الثامنة ، 19 / 232 - 234 . ( * )


          - ج 1 ص 32 -


          أبغيهما على جمل لي فرفع لي بيتان في فضاء من الأرض فقصدت قصدهما فوجدت في أحدهما شيخا كبيرا ، فبينما هو يخاطبني وأخاطبه إذ نادته امرأة قد ولدت قال وما ولدت قالت جارية قال فادفنيها فقلت أنا أشتري منك روحها لا تقتلها فاشتريتها بناقتي وولديهما والبعير الذي تحتي.

          وظهر الإسلام وقد أحييت ثلاثمائة وستين موءودة أشتري كل واحدة منهن بناقتين عشراوين وجمل ، فهل لي من أجر ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : هذا باب من البر لك أجره إذ من الله عليك بالإسلام ( 23 ) .


          ولما كانت إعالة البنت تسبب ضائقة اقتصادية لوالدها ، أمرت قريش بطلاق بنات رسول الله صلى الله عليه وآله كالآتي خبره :

          روى ابن إسحاق قال : كان رسول الله صلى الله عليه وآله قد زوج عتبة بن ابي لهب رقية أو أم كلثوم ، فلما بادى قريشا بأمر الله تعالى وبالعداوة ، قالوا : إنكم قد فرغتم محمدا من همه ، فردوا عليه بناته فاشغلوه بهن . فمشوا إلى أبي العاص فقالوا له : فارق صاحبتك ونحن نزوجك أي امرأة من قريش شئت ، قال : لاها لله ، إني لا أفارق صاحبتي ، وما أحب أن لي بامرأتي امرأة من قريش .

          وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يثني عليه في صهره خيرا ، فيما بلغني . ثم مشوا إلى عتبة بن أبي لهب ، فقالوا له : طلق بنت محمد ونحن ننكحك أي امرأة من قريش شئت ، فقال : إن زوجتموني بنت أبان بن سعيد بن العاص ، أو بنت سعيد بن العاص فارقتها ، فزوجوه بنت سعيد بن العاص وفارقها . ولم يكن دخل بها ، فأخرجها الله من يده كرامة لها وهوانا له ، وخلف عليها عثمان بن عفان بعده ( 24 ) .


          هكذا فعلت قريش لما أرادت أن تكيد رسول الله كيدا يقعده عن دعوته

          ( 23 ) أسد الغابة 3 / 21 .
          ( 24 ) سيرة ابن هشام 2 / 296 . ( * )


          - ج 1 ص 33 -


          للتوحيد وعمدت إلى إرجاع بناته إلى بيته ليشغلوه بهن عن مقارعتهم ومقابلتهم . وذلك لان المرأة لم تكن تشترك يومذاك في الغزو ولا في سفر التجارة وغيرهما من الاعمال الجالبة للثروة . ومن ثم كانت أبدا ودائما عالة على الرجل .

          * * *


          كانت تلكم ظروف العرب عامة في شبه الجزيرة العربية .

          وكانت ظروف المسلمين خاصة كالآتي : ظروف المسلمين في فجر الإسلام : أشتد إيذاء قريش لرسول الله صلى الله عليه وآله وأصحابه في مكة فأمرهم الرسول صلى الله عليه وآله أولا بالهجرة إلى الحبشة .


          وأخير بالهجرة إلى المدينة وبذلك حرم المهاجرون منكل ما كانوا يملكون من وسائل العيش بمكة المكرمة ، ثم التحق بهم الرسول صلى الله عليه وآله في المدينة واتخذها دار هجرته .


          وتدرج المسلمون في الالتحاق به ، وكان جلهم لا يملكون من وسائل العيش شيئا فأسكن الرسول صلى الله عليه وآله الفقراء من رجالهم في صفة مسجده وعاشوا في أشد حالات الفقر وسموا بأصحاب الصفة .


          وكان في من هاجر إلى المدينة نساء قد توفي أزواجهن أو من استشهد أزواجهن بعد ذلك في غزوات الرسول صلى الله عليه وآله ولم يكن لهن رجل يعيلهن وكان إسكانهن مع الرجال في صفة مسجده غير ميسور .

          ولما ذكرناه لم يكن للرسول بد من القيام بإيوائهن بنفسه صلى الله عليه وآله وإعالتهن .

          وبالإضافة إلى ذلك كانت تتحقق في زواج الرسول صلى الله عليه وآله ببعضهن مصالح كبيرة للإسلام والمسلمين مثل تبدل العداء والخصومة بين الرسول صلى الله عليه وآله والمسلمين مع قبيلة أبي سفيان ، إلى التودد والألفة ورفع الخصومة .

          كما سندرس بإذنه تعالى بعض ذلك في الاخبار الآتية .

          تعليق


          • #6
            - أحاديث أم المؤمنين عائشة - السيد مرتضى العسكري ج 1 ص 23 : -



            بسم الله الرحمن الرحيم

            ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا * وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا * يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا * وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا * يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى ) .

            - ج 1 ص 25 -


            حكمة تعدد زوجات الرسول صلى الله عليه وآله :


            نبدأ بحوث الكتاب بإذنه تعالى ببيان حكمة تعدد زوجات الرسول في ما يأتي : قال الله سبحانه في سورة الأحزاب : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا تُرْجِي مَن تَشَاء مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَن تَشَاء وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاء مِن بَعْدُ وَلَا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيبًا ) ( الآيات / 50 52 ) .

            شرح الكلمات :

            أ - أجورهن : مهورهن .
            ب أفاء : أفاء عليه فيئا ، أي جعل له الغنيمة التي لم تلحق فيها مشقة له .
            ج - وهبت نفسها للنبي : أي طلبت من الرسول أن يتزوجها بلا مهر .
            د - حرج ، الحرج : الضيق في باب النكاح .
            ه‍ - ترجي : ترجي هنا بمعنى تنحي عنك من تشاء .

            - ج 1 ص 26 -


            و - تؤوي : تؤوي هنا بمعنى تضم إلى نفسك من تشاء منهن .
            ز - الحلم : الحلم في اللغة : الاناة وضبط النفس عند الغضب مع القدرة ، وفي المصطلح الإسلامي : من أسماء الله الحسنى ، أي لا يعاجل بالعقوبة ويصفح .
            ح - رقيبا : الرقيب في اللغة : الحافظ المراعي ، وفي المصطلح الإسلامي : من أسماء الله الحسنى ، أي الحافظ الذي لا يغيب عنه شيء .


            تفسير الآيات :

            إننا نرى أن بعض الآيات ومن ضمنها هذه الآيات نزلت لتخبر عن انتهاء أمد العمل ببعض الأحكام التي نزلت بوحي غير قرآني ، مثل الآية 65 و 66 من سورة الأنفال التي قال الله فيها : ( إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ . . الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ . . )


            إننا نرى حكم ( إن يكونوا عشرين يغلبوا مائتين ) ، كان قد نزل بوحي غير قرآني ، ولما انتهى أمد العمل به نزلت الآيتان ليخبر الله في الأولى بهما ، أن الله كان قد أنزل بوحي غير قرآني أن يغلب عشرون مائتين .


            وفي الثانية يخبر سبحانه انتهاء أمد ذلك ، والآن إن يكن منكم مائة يغلبوا مائتين .

            وكذلك الشأن في آيات خبر تعدد زوجات الرسول ( ص ) من سورة الأحزاب ، فإن الله سبحانه أخبر فيها أنه كان قد أحل لخاتم أنبيائه من آتاهن مهورهن من أقاربه وغيرهن من المؤمنات اللاتي هاجرن معه ، ثم أخبر تعالى أنه أحل له الزواج بغيرهن من المؤمنات وأحل له امرأة مؤمنة طلبت منه أن يتزوجها ووهبت له مهرها إن أراد النبي أن يستنكحها .


            وإن هذا الحكم خاص بالنبي من دون المؤمنين ، وقد علم الله ، أي عين ما فرض عليهم في أزواجهم وفي نساء ملكوها بشراء وغيره . تنحي عنك من تشاء ممن وهبت نفسها لك وتضم إلى نفسك من تشاء

            - ج 1 ص 27 -


            منهن أو يكون المعنى تؤخر من تشاء من أزواجك فلا تضاجعها ، أو تطلق من تشاء وتمسك من تشاء ، ولعل المقصود إحلال كل ذلك لخاتم الأنبياء ( ص ) ، وأنه أحل له أن ينحي من شاء من الواهبات أنفسهن ويضم إلى نفسه من شاء منهن ويؤخر مضاجعة من شاء من أزواجه ويضاجع من شاء منهم لا جناح عليه في كل ذلك ، ويعمل في كل ذلك بما يرى فيه من المصلحة ، وإن علمهن أن نزول الرخصة في كل ذلك من الله تعالى أقر لاعينهن وأدنى إلى رضاهن لما يعلمن أن ذلك من الله ولهن الثواب في طاعة الله برضاهن بذلك ، ولو علمن أن ذلك من قبلك لحزن وحملن ذلك لميلك إلى بعضهن دون بعض ، والله يعلم بما في قلوبكم من الرضا والسخط ، وكان الله عليما بمصالح عباده ، حليما في ترك التعجيل في عقوبتهم .


            ولا يحل لك النساء بعد نزول هذه الآيات ولا أن تبدل بهن ، تطلق بعضهن وتتزوج بغيرهن إلا ما ملكت يمينك من الكتابيات ، فأحل له أن يتسراهن .


            ونرى أن هذه الآيات نزلت بعد فتح مكة وانتهاء الحرج الذي كانت المؤمنات المهاجرات يعشنه ، وكان عدد زوجات الرسول صلى الله عليه وآله يومذاك تسع نسوة من أمهات المؤمنين .


            وقد جاء في أصول الكافي في تفسير الآيات بسنده : عن أبي عبد الله ( ع ) في قول الله عزوج : ( يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك ) كم احل له من النساء ؟ قال : ما شاء من شيء .


            وفيه بإسناده عن أبي عبد الله ( ع ) قال ، قلت : ( لا يحل لك النساء من بعد ، ولا أن تبدل بهن من أزواج ) ؟ فقال : لرسول الله صلى الله عليه وآله أن ينكح ما شاء من بنات عمه وبنات عماته وبنات خاله وبنات خالاته وأزواجه اللاتي هاجرن معه ، وأحل له أن ينكح من عرض المؤمنين بغير مهر وهي الهبة ، ولا تحل الهبة إلا لرسول الله صلى الله عليه وآله ، فأما لغير رسول الله فلا يصلح نكاح إلا بمهر ، وذلك معنى قوله تعالى : ( وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ ) .

            * * *

            - ج 1 ص 28 -


            رجعنا في تفسير الآيات إلى تفسير الطبري والقرطبي ومجمع البيان .
            ونقلنا أعلاه ما اخترنا مما ذكروا في تفسير الآيات .
            وبعد ذلكم ندرس في ما يأتي حكمة تعدد زوجات الرسول صلى الله عليه وآله بإذنه تعالى .

            بيان الحكمة في تعدد زوجات الرسول صلى الله عليه وآله : تعرف حكمة تعدد زوجات الرسول صلى الله عليه وآله مع ملاحظة الظروف الاجتماعية التي عاشها الرسول صلى الله عليه وآله والمسلمون الأوائل في صدر الإسلام ، وخاصة الظروف الاجتماعية التي كانت تعيشها النساء يومذاك .

            وفي هذا الصدد قال الله سبحانه :

            أ - في سورة النحل : ( وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم * يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون ) ( الآيتان / 57 - 58 ) .


            ب - في سورة الإسراء : ( ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطأ كبيرا ) ( الآية / 31 ) .

            ج - في سورة الأنعام : ( ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ) ( الآية / 151 ) .

            د - في سورة التكوير : ( وإذا الموءودة سئلت * بأي ذنب قتلت ) ( الآيتان / 8 ، 9 ) .

            قال القرطبي : الموءودة : المقتولة ، وهي الجارية تدفن وهي حية ، سميت بذلك لما يطرح عليها من التراب ، فيؤودها أي يثقلها حتى تموت .

            وقال ابن عباس في تفسير الآيات : كانت المرأة في الجاهلية إذا حملت حفرت حفرة ، وتمخضت على رأسها ، فإن ولدت جارية رمت بها في الحفرة ، وردت التراب عليها ، وإن ولدت غلاما

            - ج 1 ص 29 -


            حبسته ، ومنه قول الراجز : سميتها إذ ولدت تموت * والقبر صهر ضامن زميت والزميت : الوقور .

            وفي تفسير الطبري ما موجزه : كان الرجل من ربيعة أو مضر يشترط على امرأته ، أن تستحيي جارية وتئد أخرى ، فإذا كانت الجارية التي توأد غدا الرجل أو راح من عند امرأته ، وقال لها : أنت علي كظهر أمي إن رجعت إليك ولم تئديها ، فتخذ لها في الأرض خدا وترسل إلى نسائها فيجتمعن عندها ثم يتداولنها حتى إذا أبصرته راجعا دستها في حفرتها ثم سوت عليها التراب ( 18 ) .


            وفي تفسير القرطبي والطبري عن قتادة ، قال : كانت الجاهلية يقتل أحدهم ابنته ، ويغذو كلبه ، فعاتبهم الله على ذلك ، وتوعدهم بقوله : ( وإذا الموءودة سئلت ) ( 19 ) .


            قال المؤلف : إنما كانوا يغذون كلبهم لأنه كان ينفعهم في حراسة بيتهم وماشيتهم ، بينما لم تكن البنت تجلب لأولئك الوائدين نفعا .


            وقال أبو الفرج في الأغاني : وفد قيس بن عاصم على رسول الله صلى الله عليه وآله فسأله بعض الأنصار عما يتحدث به عنه من المؤودات التي وأدهن من بناته ، فأخبر أنه ما ولدت له بنت قط إلا وأدها .

            ثم أقبل على رسول الله صلى الله عليه وآله يحدثه فقال له : كنت أخاف سوء الاحدوثة والفضيحة في البنات ، فما ولدت لي بنت قط إلا وأدتها ، وما رحمت منهن موءودة قط إلا بنية لي ولدتها أمها وأنا في سفر فدفعتها أمها إلى أخوالها فكانت فيهم ، وقدمت سألت عن الحمل ، فأخبرتني المرأة أنها ولدت ولدا

            ( 18 ) تفسير الطبري 8 / 38 . ط . بولاق في تفسير ( قد خسر الذين . . ) .
            ( 19 ) ما نقلناه عن القرطبي إلى هنا في تفسيره الجامع ، 19 / 232 - 233 . والخبر الاخير رواه الطبري - أيضا - في تفسير ، 30 / 46 . ( * )


            - ج 1 ص 30 -


            ميتا . ومضت على ذلك سنون حتى كبرت الصبية ويفعت ، فزارت أمها ذات يوم ، فدخلت فرأيتها وقد ظفرت شعرها وجعلت في قرونها شيئا من خلوق ونظمت عليها ودعا ، وألبستها قلادة جزع ، وجعلت في عنقها مخنقة بلح ، فقلت : من هذه الصبية فقد أعجبني جمالها وكيسها ؟ فبكت ثم قالت : هذه ابنتك ، كنت خبرتك أني ولدت ولدا ميتا ، وجعلتها عند أخوالها حتى بلغت هذا المبلغ .

            فأمسكت عنها حتى اشتغلت عنها ، ثم أخرجتها يوما فحفرت لها حفيرة فجعلتها فيها وهي تقول : يا أبت ما تصنع بي ؟ ! وجعلت أقذف عليها التراب وهي تقول : يا أبت أمغطي أنت بالتراب ؟ ! أتاركي أنت وحدي ومنصرف عني ؟ ! وجعلت أقذف عليها التراب ذلك حتى واريتها وانقطع صوتها ، فما رحمت أحدا ممن واريته غيرها . فدمعت عينا النبي صلى الله عليه وآله ثم قال : " إن هذه لقسوة ، وإن من لا يرحم لا يرحم " ( 20 ) .


            وقال القرطبي : إن قيس بن عاصم سأل النبي صلى الله عليه وآله وقال : يا رسول الله إني وأدت ثمان بنات كن لي في الجاهلية ، قال : " فأعتق عن كل واحدة منهن رقبة " قال : يا رسول الله إني صاحب إبل ، قال : " فأهد عن كل واحدة منهن بدنة إن شئت " ( 21 ) .


            وقال القرطبي : " إنه كان من العرب من يقتل ولده خشية الإملاق ، كما ذكر الله عزوجل . وكان منهم من يقتله سفها بغير حجة منهم في قتلهم ، وهم ربيعة ومضر ، كانوا يقتلون بناتهم لاجل الحمية .


            وروي أن رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله ، كان لا يزال مغتما بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله : مالك تكون محزونا ؟ فقال : يا رسول الله ، إني أذنبت ذنبا في الجاهلية فأخاف ألا يغفره الله لي وإن أسلمت .

            ( 20 ) الأغاني 12 / 144 . والخلوق : ضرب من الطيب . والودع : خرز بيض جوف في بطونها شق كشق النواة تتفاوت في الصغر والكبر ، والواحد : ودعة . والجزع : الخرز اليماني الصيني فيه سواد وبياض . والمخنقة : القلادة . وكيسها : عقلها .
            ( 21 ) القرطبي ، التفسير الجامع ، 19 / 332 - 333 . ( * )


            - ج 1 ص 31 -


            فقال له : أخبرني عن ذنبك ، فقال : يا رسول الله ، إني كنت من الذين يقتلون بناتهم ، فولدت لي بنت فتشفعت إلي امرأتي أن أتركها فتركتها حتى كبرت وأدركت ، وصارت من أجمل النساء فخطبوها ، فدخلتني الحمية ولم يحتمل قلبي أن أزوجها أو أتركها في البيت بغير زواج ، فقلت للمرأة : إني أريد أن أذهب إلى قبيلة كذا وكذا في زيارة أقربائي فابعثيها معي ، فسرت بذلك وزينتها بالثياب والحلي ، وأخذت علي المواثيق بألا أخونها .

            فذهبت إلى رأس بئر فنظرت في البئر ففطنت الجارية أني أريد أن ألقيها في البئر فالتزمتني ، وجعلت تبكي وتقول : يا أبت إيش تريد أن تفعل بي ؟ فرحمتها ، ثم نظرت في البئر فدخلت علي الحمية ، ثم التزمتني وجعلت تقول : يا أبت لا تضيع أمانة أمي ، فجعلت مرة أنظر في البئر ومرة أنظر إليها فأرحمها حتى غلبني الشيطان فأخدتها وألقيتها في البئر منكوسة ، وهي تنادي في البئر : يا أبت ، قتلتني . فمكثت هناك حتى انقطع صوتها فرجعت . فبكى رسول الله صلى الله عليه وآله وأصحابه ، وقال : " لو أمرت أن أعاقب أحدا بما فعل في الجاهلية لعاقبتك " ( 22 ) .


            وفي شأن هؤلاء أنزل الله تعالى : ( وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم " . ( النحل / 58 ) .

            قال ابن الأثير في ترجمة صعصعة من أسد الغابة ما موجزه : صعصعة بن ناجية جد الفرزدق همام بن غالب الشاعر وكان من أشراف بني تميم وكان في الجاهلية يفتدي الموءودات وقد مدحه الفرزدق بذلك في قوله :

            وجدي الذي منع الوائدات * وأحيا الوئيد فلم توأد

            قال : قدمت على النبي صلى الله عليه وآله فعرض علي الإسلام فأسلمت وعلمني آيات من القرآن ، فقلت : يا رسول الله إني عملت أعمالا في الجاهلية فهل لي فيها من أجر ؟ قال : وما عملت ؟ قلت : ضلت ناقتان لي عشراوان فخرجت

            ( 22 ) القرطبي ، تفسير سورة التكوير ، الآية الثامنة ، 19 / 232 - 234 . ( * )


            - ج 1 ص 32 -


            أبغيهما على جمل لي فرفع لي بيتان في فضاء من الأرض فقصدت قصدهما فوجدت في أحدهما شيخا كبيرا ، فبينما هو يخاطبني وأخاطبه إذ نادته امرأة قد ولدت قال وما ولدت قالت جارية قال فادفنيها فقلت أنا أشتري منك روحها لا تقتلها فاشتريتها بناقتي وولديهما والبعير الذي تحتي.

            وظهر الإسلام وقد أحييت ثلاثمائة وستين موءودة أشتري كل واحدة منهن بناقتين عشراوين وجمل ، فهل لي من أجر ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : هذا باب من البر لك أجره إذ من الله عليك بالإسلام ( 23 ) .


            ولما كانت إعالة البنت تسبب ضائقة اقتصادية لوالدها ، أمرت قريش بطلاق بنات رسول الله صلى الله عليه وآله كالآتي خبره :

            روى ابن إسحاق قال : كان رسول الله صلى الله عليه وآله قد زوج عتبة بن ابي لهب رقية أو أم كلثوم ، فلما بادى قريشا بأمر الله تعالى وبالعداوة ، قالوا : إنكم قد فرغتم محمدا من همه ، فردوا عليه بناته فاشغلوه بهن . فمشوا إلى أبي العاص فقالوا له : فارق صاحبتك ونحن نزوجك أي امرأة من قريش شئت ، قال : لاها لله ، إني لا أفارق صاحبتي ، وما أحب أن لي بامرأتي امرأة من قريش .

            وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يثني عليه في صهره خيرا ، فيما بلغني . ثم مشوا إلى عتبة بن أبي لهب ، فقالوا له : طلق بنت محمد ونحن ننكحك أي امرأة من قريش شئت ، فقال : إن زوجتموني بنت أبان بن سعيد بن العاص ، أو بنت سعيد بن العاص فارقتها ، فزوجوه بنت سعيد بن العاص وفارقها . ولم يكن دخل بها ، فأخرجها الله من يده كرامة لها وهوانا له ، وخلف عليها عثمان بن عفان بعده ( 24 ) .


            هكذا فعلت قريش لما أرادت أن تكيد رسول الله كيدا يقعده عن دعوته

            ( 23 ) أسد الغابة 3 / 21 .
            ( 24 ) سيرة ابن هشام 2 / 296 . ( * )


            - ج 1 ص 33 -


            للتوحيد وعمدت إلى إرجاع بناته إلى بيته ليشغلوه بهن عن مقارعتهم ومقابلتهم . وذلك لان المرأة لم تكن تشترك يومذاك في الغزو ولا في سفر التجارة وغيرهما من الاعمال الجالبة للثروة . ومن ثم كانت أبدا ودائما عالة على الرجل .

            * * *


            كانت تلكم ظروف العرب عامة في شبه الجزيرة العربية .

            وكانت ظروف المسلمين خاصة كالآتي : ظروف المسلمين في فجر الإسلام : أشتد إيذاء قريش لرسول الله صلى الله عليه وآله وأصحابه في مكة فأمرهم الرسول صلى الله عليه وآله أولا بالهجرة إلى الحبشة .


            وأخير بالهجرة إلى المدينة وبذلك حرم المهاجرون منكل ما كانوا يملكون من وسائل العيش بمكة المكرمة ، ثم التحق بهم الرسول صلى الله عليه وآله في المدينة واتخذها دار هجرته .


            وتدرج المسلمون في الالتحاق به ، وكان جلهم لا يملكون من وسائل العيش شيئا فأسكن الرسول صلى الله عليه وآله الفقراء من رجالهم في صفة مسجده وعاشوا في أشد حالات الفقر وسموا بأصحاب الصفة .


            وكان في من هاجر إلى المدينة نساء قد توفي أزواجهن أو من استشهد أزواجهن بعد ذلك في غزوات الرسول صلى الله عليه وآله ولم يكن لهن رجل يعيلهن وكان إسكانهن مع الرجال في صفة مسجده غير ميسور .

            ولما ذكرناه لم يكن للرسول بد من القيام بإيوائهن بنفسه صلى الله عليه وآله وإعالتهن .

            وبالإضافة إلى ذلك كانت تتحقق في زواج الرسول صلى الله عليه وآله ببعضهن مصالح كبيرة للإسلام والمسلمين مثل تبدل العداء والخصومة بين الرسول صلى الله عليه وآله والمسلمين مع قبيلة أبي سفيان ، إلى التودد والألفة ورفع الخصومة .

            كما سندرس بإذنه تعالى بعض ذلك في الاخبار الآتية .

            تعليق


            • #7
              أحاديث أم المؤمنين عائشة - السيد مرتضى العسكري ج 1 ص 34 : -



              1 - خديجة بنت خويلد القرشية الاسدية أول أزواجه :

              وتزوج رسول الله صلى الله عليه وآله خديجة قبل الوحي وعمره حينئذ خمس وعشرون سنة وقيل : إحدى وعشرون سنة ، زوجها منه عمها عمرو بن أسد .

              ولما خطبها رسول الله صلى الله عليه وآله قال عمها : محمد بن عبد الله بن عبد المطلب يخطب خديجة بنت خويلد ، هذا الفحل لا يقدع أنفه ( * ) .

              وكان عمرها حينئذ أربعين سنة وأقامت معه أربعا وعشرين سنة .

              وكان سبب تزوجها برسول الله صلى الله عليه وآله أنها كانت امرأة تاجرة ذات شرف ومال ، تستأجر الرجال في مالها تضاربهم ( * ) إياه بشيء تجعله لهم منه .


              فلما بلغها عن رسول الله صلى الله عليه وآله ما بلغها من صدق حديثه وعظم أمانته وكرم أخلاقه بعثت إليه وعرضت عليه أن يخرج في مالها إلى الشام تاجرا ، وتعطيه أفضل ما كانت تعطي غيره من التجار ، مع غلام لها يقال له : ميسرة ، فقبله منها وخرج في مالها ومعه غلامها ميسرة ، حتى قدم الشام فنزل رسول الله صلى الله عليه وآله في ظل شجرة قريبا من صومعة راهب ، فاطلع الراهب إلى ميسرة فقال : من هذا الرجل الذي نزل تحت هذه الشجرة ؟ قال : هذا رجل من قريش من أهل الحرم . فقال له الراهب : ما نزل تحت هذه الشجرة قط إلا نبي . ثم باع رسول الله صلى الله عليه وآله سلعته التي خرج بها ، واشترى ما أراد ، ثم أقبل قافلا إلى مكة ، فلما قدم على خديجة بما لها باعت ما جاء به ، فأضعف أو قريبا ، وحدثها ميسرة عن قول الراهب .


              وكانت خديجة امرأة حازمة لبيبة شريفة مع ما أراد الله بها من كرامتها . فلما أخبرها ميسرة بعثت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقالت له : " إني قد رغبت فيك لقرابتك مني ، وشرفك في قومك ، وأمانتك عندهم ، وحسن خلقك ، وصدق حديثك " . ثم عرضت عليه نفسها ، وكانت أوسط نساء قريش


              ( * ) يقال : قدعت الفحل وهو أن يكون الفحل غير كريم . فإذا أراد ركوب الناقة الكريمة ضرب أنفه بالرمح أو غيره حتى يقدع وينكف .
              ( * ) المضاربة أن تعطي مالا لغيرك يتجر فيه . فيكون لك سهم معلوم من الربح . ( * )


              - ج 1 ص 35 -


              نسبا ، وأعظمهن شرفا ، وأكثرهن مالا . فلما قالت لرسول الله صلى الله عليه وآله ما قالت ، ذكر النبي ذلك لاعمامه ، فخرج معه حمزة بن عبد المطلب حتى دخل على خويلد بن أسد ، فخطبها إليه فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وآله، فولدت لرسول الله صلى الله عليه وآله ولده كلهم قبل أن ينزل عليه الوحي : زينب ، وأم كلثوم ، وفاطمة ، ورقية ، والقاسم ، والطاهر ، والطيب. فأما القاسم والطيب والطاهر فهلكوا قبل الإسلام، وبالقاسم كان يكنى رسول الله صلى الله عليه وآله. وأما بناته فأدركن الإسلام ، فهاجرن معه واتبعنه وآمن به .


              توفيت خديجة بعد أبي طالب بثلاثة أيام . فتتابعت على رسول الله صلى الله عليه وآله المصائب بهلاك خديجة وأبي طالب ، وكانت خديجة وزيرة صدق على الإسلام كان يسكن إليها . وسمى رسول الله صلى الله عليه وآله ذلك العام بعام الحزن . وكان موتها في رمضان قبل الهجرة بثلاث سنين ، ودفنت بالحجون ( 25 ) .

              قيل : كان عمرها خمسا وستين سنة .


              2 - سودة بنت زمعة : سودة بنت زمعة القرشية العامرية . وأمها الشموس بنت قيس بن النجار الانصاري ، تزوجها رسول الله صلى الله عليه وآله بمكة بعد وفاة خديجة وقبل عائشة . وكانت قبله تحت ابن عمها السكران بن عمرو ، أخي سهيل بن عمرو ، من بني عامر بن لؤي ، وكان مسلما فتوفي عنها ، فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وآله.

              وأسنت عند رسول الله صلى الله عليه وآله ولم تصب منه ولدا . وتوفيت آخر خلافة عمر ( 26 ) .

              ( 25 ) جوامع السيرة ص 31 32 ، وأسد الغابة ، الترجمة : 6867 . 7 / 78 85 . والحجون في معجم البلدان : جبل بأعلى مكة عنده أهلها . وقيل : مكان من البيت على ميل ونصف .
              ( 26 ) أسد الغابة ، الترجمة : 7027 ، 7 / 157 158 . ( * )


              - ج 1 ص 36 -


              3 - عائشة بنت أبي بكر : عائشة بنت أبي بكر ، وأمها أم رومان ابنة عامر الكناني . تزوجها رسول الله صلى الله عليه وآله قبل الهجرة بسنتين ، وهي بكر ، وكان عمرها لما تزوجها رسول الله صلى الله عليه وآله ست سنين ، وقيل : سبع سنين . وبنى بها في شوال بالمدينة وهي بنت تسع سنين ، وتوفيت عائشة سنة سبع وخمسين ( 27 ) .


              4 - حفصة بنت عمر بن الخطاب : وأمها وأم أخيها عبد الله : زينب بنت مظعون ، أخت عثمان . وكان حفصة من المهاجرات ، وكانت قبل رسول الله صلى الله عليه وآله تحت خنيس بن حذاقة السهمي ، وكان ممن شهد بدرا وجرح بها وتوفي بالمدينة .

              فلما تأيمت حفصة ذكرها عمر لأبي بكر وعرضها عليه ، فلم يرد عليه أبو بكر كلمة ، فغضب عمر من ذلك ، فعرضها على عثمان حين ماتت رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وآله ، فقال عثمان : ما أريد أن أتزوج اليوم . فانطلق عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فشكا إليه عثمانا ، فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وآله سنة ثلاث عند أكثر العلماء . وتزوجها بعد عائشة ، وطلقها تطليقة ثم ارتجعها .


              وعن ابن عمر قال : دخل عمر على حفصة وهي تبكي ، فقال لها : ما يبكيك ؟ لعل رسول الله صلى الله عليه وآله قد طلقك ؟ إنه كان طلقك مرة ثم راجعك من أجلي ، إن كان طلقك مرة أخرى لا أكلمك أبدا . توفيت سنة خمس وأربعين . وقيل : سنة سبع وعشرين ( 28 ) .


              5 - زينب بنت خزيمة : كان يقال لها أم المساكين . كانت عند الطفيل بن الحارث فطلقها ، فخلف عليها أخوه فقتل عنها ببدر . فخطبها رسول الله صلى الله عليه وآله إلى نفسها

              ( 27 ) أسد الغابة ، الترجمة رقم : 7027 ، 7 / 157 ، والإصابة ، الترجمة رقم : 704 ، 4 / 348 .
              ( 28 ) أسد الغابة ، الترجمة رقم : 6845 ، 7 / 65 ، والإصابة ، الترجمة رقم : 296 ، 4 / 264 . ( * )


              - ج 1 ص 37 -


              فجعلت أمرها إليه فتزوجها في شهر رمضان سنة ثلاث . وكان دخوله بها صلى الله عليه وآله بعد دخوله على حفصة . فأقامت عنده ثمانية أشهر ، وماتت في ربيع الآخر سنة أربع ( 29 ) .


              6 - أم سلمة بنت أبي أمية القرشية : وكانت زوج ابن عمها أبي سلمة بن عبد الاسد بن المغيرة . وأمها عمة النبي صلى الله عليه وآله برة بنت عبد المطلب . وكانت ممن أسلم قديما هي وزوجها . وهاجرا إلى الحبشة فولدت له سلمة . ثم قدما مكة وهاجر إلى المدينة ، فولدت له عمر ودرة ( 30 ) وزينب .


              وقيل إنها أول امرأة خرجت مهاجرة إلى الحبشة وأول ظعينة دخلت المدينة .

              وتحدثت أم سلمة عن هجرتها إلى المدينة وقالت : لما أجمع أبو سلمة الخروج إلى المدينة من مكة ، رحل بعيرا له وحملني ، وحمل معي ابني سلمة ، ثم خرج يقود بعيره ، فلما رآه رجال بني المغيرة بن عبد الله بن عمر ابن مخزوم قاموا إليه فقالوا : هذه نفسك غلبتنا عليها ، أرأيت صاحبتنا هذه ؟ علام تترك تسير بها في البلاد ؟

              ونزعوا خطام البعير من يده ، وأخذوني ، وغضبت عند ذلك بنو عبد الاسد ، وأهووا إلى سلمة وقالوا : والله لا نترك ابننا عندها إذ نزعتموها من صاحبنا ، فتجاذبوا ابني سلمة حتى خلعوا يده ، وانطلق به بنو عبد الاسد رهط أبي سلمة ، وحبسني بنو المغيرة عندهم . وانطلق زوجي أبو سلمة حتى لحق بالمدينة .

              ففرق بيني وبين زوجي وبين ابني ، قالت : فكنت أخرج كل غداة فأجلس بالابطح ، فما أزال أبكي ، حتى أمسي ، سنة أو قريبها ، حتى مر بي رجل من بني عمي ، من بني المغيرة ، فرأى ما ي ، فرحمني فقال لبني المغيرة : ألا تخرجون من هذه المسكينة ؟ فرقتم بينها وبين زوجها وبين ابنها ، فقالوا لي : إلحقي بزوجك إن شئت ، ورد علي بنو عبد الاسد عند ذلك ابني ، فرحلت بعيري ووضعت ابني في حجري ، ثم

              ( 29 ) أسد الغابة ، الترجمة رقم : 9653 ، 7 / 129 .
              ( 30 ) سماها ابن هشام في سيرته : ( رقية ) ، 4 / 294 . ( * )


              - ج 1 ص 38 -


              خرجت أريد زوجي بالمدينة ، وما معي أحد من خلق الله ، فقلت : أتبلغ بمن لقيت حتى أقدم على زوجي ، حتى إذا كنت بالتنعيم لقيت عثمان بن طلحة ابن أبي طلحة - أخا بني عبد الدار - فقال : أين يا بنت أبي أمية ؟ قلت : أريد زوجي بالمدينة . فقال : هل معك أحد ؟ فقلت : لا والله ، إلا الله وابني هذا . فقال : والله مالك من مترك .

              فأخذ بخطام البعير فانطلق معي يقودني ، فوالله ما صحبت رجلا من العرب أراه كان أكرم منه ، إذا بلغ المنزل أناخ بي ثم تنحى إلى شجرة فاضطجع تحتها، فإذا دنا الرواح قام إلى بعيري فقدمه فرحله ، ثم استأخر عني وقال : اركبي . فإذا ركبت واستويت على بعيري أتى فأخذ بخطامه ، فقادني حتى ننزل .

              فلم يزل يصنع ذلك حتى قدم بي إلى المدينة ، فلما نظر إلى قرية بني عمرو بن عوف بقباء قال : زوجك في هذه القرية ، - وكان أبو سلمة نازلا بها - فدخلتها على بركة الله تعالى ، ثم انصرف راجعا إلى مكة .


              وكانت تقول : ما أعلم أهل بيت أصابهم في الإسلام ما أصاب آل أبي سلمة ، وما رأيت صاحبا قط كان أكرم من عثمان بن طلحة . وشهد أبو سلمة بدرا . واستشهد في أحد .


              فلما تأيمت أم سلمة أرسل إليها رسول الله صلى الله عليه وآله يخطبها ، فبعثت إليه تقول : إني امرأة غيرى وإني امرأة مصبية وليس أحد من أوليائي شاهد . فأتى رسول الله صلى الله عليه وآله فذكر ذلك له ، فقال : ارجع إليها فقل : أما قولك إني امرأة غيرى فسأدعو الله فيذهب غيرتك . وأما قولك إني امرأة مصبية فستكفين صبيانك ، وأما قولك ليس أحد من أوليائي شاهد فليس أحد من أوليائك شاهد ولا غائب يكره ذلك ، فقالت لابنها عمر : قم فزوج رسول الله صلى الله عليه وآله فزوجه .

              توفيت في خلافة يزيد بعد ما جاءها نعي الحسين بن علي ( ع ) سنة إحدى وستين أو اثنتين وستين ، وهي من آخر أمهات المؤمنين موتا ( 31 ) .


              ( 31 ) أسد الغابة ، الترجمة رقم : 7464 ، 7 / 340 - 343 . ( * )


              - ج 1 ص 39 -


              7 - جويرية بنت الحارث : جويرية بنت الحارث سبيت في غزوة بني المصطلق ، سنة خمس ، وقيل : سنة ست ، فوقعت في سهم ثابت بن قيس بن شماس وابن عم له .

              فكاتبته على نفسها ، فأتت رسول الله صلى الله عليه وآله تستعينه في كتابتها. فلما دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله قالت : يا رسول الله ، أنا جويرية بنت الحارث ، سيد قومه ، وقد اصابني من البلاء ما لم يخف عليك ، وقد كاتبت على نفسي ، فأعني على كتابتي .

              فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : أو خير من ذلك، أؤدي عنك كتابتك وأتزوجك ؟ فقالت : نعم ، ففعل رسول الله صلى الله عليه وآله ، فبلغ الناس أنه قد تزوجها ، فقالوا : أصهار رسول الله صلى الله عليه وآله .

              فأرسلوا ما كان في أيديهم من بني المصطلق ، فلقد أعتق بها مائة أهل بيت من بني المصطلق ، فما أعلم امرأة أعظم بركة منها على قومها . ولما تزوجها رسول الله صلى الله عليه وآله حجبها ، وقسم لها ( * ) ، وكان اسمها برة فسماها رسول الله جويرية ( 31 ) .


              8 - صفية بنت حيي بن أخطب ، سبيت في غزوة خيبر : قال ابن إسحاق : ولما افتتح رسول الله صلى الله عليه وآله القموص ( * ) أمر بصفية فحيزت خلفه ، وألقى عليها رداءه ، فعرف المسلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله قد اصطفاها لنفسه .


              وعن أنس : أن رسول الله صلى الله عليه وآله أعتق صفية وجعل عتقها صداقها . وعن زيد بن أسلم قال : اجتمع نساء النبي صلى الله عليه وآله في مرضه الذي توفي فيه واجتمع إليه نساؤه فقالت صفية بنت حيي : إني والله يا نبي الله لوددت أن الذي بك بي ، فغمزن أزواجه ببصرهن فقال : " مضمضن " فقلن من أي


              ( * ) قسم لها : أي جعل لها يوما كسائر زوجاته صلى الله عليه وآله .
              ( 32 ) أسد الغابة ، الترجمة رقم : 6822 ، 7 / 56 .
              ( * ) حصن أبي الحقيق اليهودي . معجم البلدان . ( * )


              - ج 1 ص 40 -


              شئ ؟ فقال : " من تغامزكن بها ، والله إنها لصادقة " . وتوفيت سنة ست وثلاثين . وقيل : سنة خمسين ( 33 ) .


              9 - ميمونة بنت الحارث بن حزن الهلالية : تزوجها رسول الله صلى الله عليه وآله بعد وفاة زوجها سنة سبع في عمرة القضاء في ذي القعدة .

              قال العباس لرسول الله صلى الله عليه وآله : إن ميمونة بنت الحارث قد تأيمت من أبي رهم بن عبد العزى ، هل لك أن تزوجها ؟ فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وآله . ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وآله من عمرته أقام بمكة ثلاثا . فأتى خمسة نفر من أهل مكة فقالوا : يا محمد صلى الله عليه وآله اخرج عنا فاليوم آخر شرطك .

              وكان شرط في الحديبية أن يعتمر من قابل ويقيم بمكة ثلاثا . فقال : دعوني أبتني بأهلي وأصنع لكم طعاما فقالوا : لا حاجة بطعامك . فخرج فبنى بها بسرف قريب مكة ، وتوفيت سنة إحدى وخمسين ( 34 ) .


              10 - زينب بنت جحش : خبر زواج النبي صلى الله عليه وآله بزينب بنت جحش :

              أ - في القرآن الكريم : قال الله سبحانه في سورة الاحزاب : ( وما كان لؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا * وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه فلما قضى زيد منها وطرا

              ( 33 ) أسد الغابة ، الترجمة رقم : 7055 ، 7 / 169 .
              ( 34 ) أسد الغابة ، الترجمة رقم : 7297 ، 7 / 7202 . ( * )


              - ج 1 ص 41 -


              زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا وكان أمر الله مفعولا * ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله في الذين خلوا من قبل وكان أمر الله قدرا مقدورا * الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله وكفى بالله حسيبا * ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شئ عليما ) ( الآيات / 36 - 40 ) .


              ب - في الروايات مع تفسير الآيات : خبر زواج زينب بزيد أولا ، ثم بالنبي صلى الله عليه وآله بعد طلاق زيد إياها : كان من خبر زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي أنه أصابه سباء في الجاهلية وبيع في بعض أسواق العرب ، فاشتري لخديجة ، ثم وهبته خديجة للنبي صلى الله عليه وآله قبل أن يبعث وهو ابن ثماني سنين ، فنشأ عند النبي صلى الله عليه وآله ، وبلغ الخبر أهله فقدم أبوه وعمه مكة لفدائه فدخلا على النبي صلى الله عليه وآله وقالا : يا ابن عبد المطلب ! يا ابن هاشم ! يا ابن سيد قومه ! جئناك في ابننا عندك فامنن علينا وأحسن إلينا في فدائه ! فقال : من هو ؟ قال : زيد بن حارثة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : فهلا غير ذلك ؟ قالا : ما هو ؟ قال : ادعوه وخيروه فإن اختاركم فهو لكم ، وإن اختارني فوالله ما أنا بالذي أختار على من اختارني أحدا ، قالا : قد زدتنا على النصف وأحسنت ، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وآله فقال : هل تعرف هؤلاء ؟ قال : نعم ! هذا أبي ، وهذا عمي ! قال : فأنا من عرفت ورأيت صحبتي لك فاخترني أو اخترهما . قال : ما أريدهما وما أنا بالذي أختار عليك أحدا ، أنت مني مكان الأب والعم ! فقالا : ويحك يا زيد ! أتختار العبودية على الحرية وعلى أبيك وأهل بيتك ؟ قال : نعم ، ورأيت من هذا الرجل شيئا ما أنا بالذي أختار عليه أحدا أبدا ، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وآله ذلك أخرجه إلى الحجر - في بيت الله - فقال : يا من حضر ! اشهدوا أن زيدا ابني يرثني وأرثه ، فلما رأى ذلك أبوه وعمه طابت نفوسهما وانصرفا . ونسب زيد بعد ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وقيله له : زيد

              - ج 1 ص 42 -


              ابن محمد صلى الله عليه وآله . أسلم زيد قديما وبعد الإمام علي ( ع ) . وزوجه الرسول من أم أيمن وكان وصيفة لعبدالله والد النبي وكانت من الحبشة ، وتزوجت أولا من عبيد بن عمرو من بني الحارث وبعده تزوجت زيد بن حارثة ، فولدت له أسامة بن زيد .


              وتوفيت بعد رسول الله صلى الله عليه وآله بخمسة أشهر . وشهد زيد بدرا وأرسله النبي صلى الله عليه وآله إلى المدينة بشيرا بالفتح وزوجه ابنة عمته زينب بنت جحش وفي بيته أم أيمن . وكان من خبر زواجه ما ذكرناه . وأرسله النبي في السنة الثامنة من الهجرة إلى الشام في غزوة مؤتة وجعله أحد الامراء على الجيش فاستشهد فيها .


              وخبر زواج الرسول بزينب وزواج زيد وطلاقه إياها كالآتي : بعد الهجرة إلى المدينة خطب زينب ابنة أميمة ابنة عبد المطلب عدة من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله فأرسلت أخاها إلى النبي صلى الله عليه وآله تستشيره في أمرها ، فقال : فأين هي ممن يعلمها كتاب ربها وسنة نبيها ؟ فسألت : من هو ؟ فقال : زيد ! فغضبت وقالت : تزوج ابنة عمتك مولاك ! لست بناكحته ! أنا خير منه حسبا ! أنا أيم قومي ، فأنزل الله تعالى : ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا ) ( الاحزاب / 36 ) ، فرضيت فزوجها الرسول صلى الله عليه وآله من زيد بعد أم أيمن السوداء الحبشية ، ولها أسامة بن زيد ، فكانت تعلو على زيد وتشتد وتأخذ بلسانها ، فكان يشكوها إلى الرسول صلى الله عليه وآله ويحاول تطليقها ، واقتضت مشية الله وحكمته أن يتزوجها الرسول صلى الله عليه وآله بعد زيد ليلغى بذلك التبني بين المسلمين ، وأشعره الوحي بذلك ، فخشي الرسول صلى الله عليه وآله أن يقول الناس تزوج حليلة ابنه ، فكتم الوحي في نفسه وقال لزيد : اتق الله وأمسك عليك زوجك ، ولما ضاق زيد ذرعا بزوجته زينب طلقها وانقضت عدتها ، فنزلت الآيات على الرسول صلى الله عليه وآله مرة واحدة إلى قوله تعالى : ( فلما قضى زيد منه وطرا زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في

              - ج 1 ص 43 -


              أزواج أدعيائهم . . * . . . * ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين . . ) ( الأحزاب 37 و 40 ) ، فتزوجها الرسول صلى الله عليه وآله وقال عز اسمه لسائر المؤمنين : ( وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل * ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم ) ( الأحزاب 4 5 ) ( 35 ) .


              11 - أم حبيبة : إسمها رملة أو هند بنت أبي سفيان الأموية . وأمها صفية بنت أبي العاص ابن أمية . ولدت قبل البعثة بسبعة عشر عاما . تزوجها حليفهم عبيدالله بن جحش الاسدي من بني أسد بن خزيمة . فأسلما ثم هاجر إلى الحبشة ، فولدت له حبيبة ، فبها كانت تكنى .


              وتنصر زوجها عبيدالله بن جحش وارتد عن الإسلام ، وفارقها . قالت أم حبيبة : رأيت في المنام كأن زوجي عبيدالله بن جحش بأسوأ صورة ففزعت ، فأصبحت فإذا به قد تنصر فأخبرته بالمنام فلم يحفل به وأكب على الخمر حتى مات . فأتاني في نومي فقال : يا أم المؤمنين ففزعت فما هو إلا أن انقضت عدتي ، فبعث رسول الله صلى الله عليه وآله إلى النجاشي ليخطبها له . قالت أم حبيبة : فما شعرت إلا برسول النجاشي يستأذن فإذا هي جارية له يقال لها أبرهة فقالت : إن الملك يقول لك وكلي من يزوجك، فأرسلت إلى خالد بن الوليد سعيد بن العاص بن أمية فوكلته ، فأعطيت أبرهة سوارين من فضة ، فلما كان العشي أمر النجاشي جعفر بن أبي طالب فحمد الله وأثنى عليه وتشهد ثم قال : أما بعد فإن رسول الله صلى الله عليه وآله كتب إلي أن أزوجه أم حبيبة فأجبت وقد أصدقتها عنه أربعمائة دينار ، ثم سكب الدنانير . فخطب خالد فقال : قد أجبت إلى ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وزوجته أم حبيبة ، وقبض


              ( 35 ) راجع مصادر البحث في بحث صفات المبلغين من المجلد الثاني من كتابنا عقائد الإسلام من القرآن الكريم .


              - ج 1 ص 44 -


              الدنانير . وعمل لهم النجاشي طعاما فأكلوا . قالت أم حبيبة : فلما وصل إلي المال أعطيت أبرهة منه خمسين دينارا قالت فردتها علي وقالت إن الملك عزم عليه بذلك وردت علي ماكنت أعطيتها أولا ثم جاءتني من الغد بعود وورس وعنبر وزباد كثير . فقدمت به معي على رسول الله صلى الله عليه وآله . وكان ذلك سنة سبع .


              وحكى ابن عبد البر أن الذي عقد لرسول الله صلى الله عليه وآله عليها عثمان بن عفان . ولما بلغ أبا سفيان أن النبي صلى الله عليه وآله نكح ابنته قال : هو الفحل لا يقدع أنفه ( 36 ) .


              ( 36 ) الإصابة ، الترجمة رقم : 434 ، 4 / 298 .



              تعليق

              المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
              حفظ-تلقائي
              x

              رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

              صورة التسجيل تحديث الصورة

              اقرأ في منتديات يا حسين

              تقليص

              المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
              أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, يوم أمس, 09:44 PM
              استجابة 1
              9 مشاهدات
              0 معجبون
              آخر مشاركة ibrahim aly awaly
              بواسطة ibrahim aly awaly
               
              أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, يوم أمس, 07:21 AM
              ردود 2
              12 مشاهدات
              0 معجبون
              آخر مشاركة ibrahim aly awaly
              بواسطة ibrahim aly awaly
               
              يعمل...
              X