إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

إعلام الخَلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السّلف

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #16
    وواضح أن مقطع ( في ولاية علي ) بالجمع بين الروايتين قد نزل به جبرئيل عليه السلام ، ولكنه غير القرآن بقرينة فصله بين الآية والمقطع بكلمة ( يعني ) في الرواية الأخرى أي هو معنى الآية ، فهذا المقطع أنزل كتفسير لا كقرآن .



    ويدل عليه أيضا هذه الرواية التي وقعت ضمن موسوعة الافتراء على الشيعة بتحريف القرآن :" عن أبي جعفر عليه السلام قال : { أَ فَكُلَّمَا جَاءَكُمْ ( محمد ) بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمْ (بموالاة علي) اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا (من آل محمد) كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُون}(البقرة/87) "[121].

    مع أن هناك رواية أخرى جاءت عن نفس الإمام الباقر عليه السلام مبينة لما ورد في تلك الرواية : " فقال لهم الله : فإن { جاءَكُمْ (محمد) بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ (بموالاة علي) اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَريقاً (من آل محمد) كَذَّبْتُمْ وَفَريقاً تَقْتُلونَ } ، فذلك تفسيرها بالباطن "[122].

    فيعلم منه أن قولهم عليهم السلام ( قال الله تعالى ) لا يقصد به القرآن دائما بل قد يكون قرآنا مختلطا بتفسيره النازل من السماء .



    ويدل أيضا على أن المقصود من التنـزيل في الروايات هو التفسير ما في الكافي : " عن أبي عبد الله عليه السلام عليه السلام في قول الله تعالى : {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ لِلْكَافِرينَ ( بولاية علي ) لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ مِنْ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ}(المعارج/1-3) ثم قال : هكذا والله نزل بـها جبرئيل عليه السلام على محمد صلى الله عليه وآله "[123].

    وهذه الرواية ظاهرها أن الآية مع الزيادة من القرآن ، ولكن بالنظر لما نقله العلامة المجلسي رضوان الله تعالى عليه في مرآة العقول يتضح أنـها تفسير منـزل : " وروى محمد بن عباس أيضا حديث المتن عن أبي بصير ثم قال : هكذا في مصحف فاطمة عليها السلام ، وفي رواية أخرى عن أبي بصير أيضا ، وفيه : ثم قال هكذا والله نزل بـها جبرئيل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وهكذا هو مثبت في مصحف فاطمة "[124].

    وعليه فهذه الزيادة وإن نزل بـها أمين الوحي من السماء ولكنها ليست من نصوص القرآن ، وإلا لقيل أنـها موجودة في مصحف أهل البيت عليهم السلام ، لا أن تودع الزيادة في مصحف فاطمة عليها السلام الذي كتب فيه المغيبات وشؤون الإمامة ، ناهيك عن أن مصحف فاطمة عليها السلام لم يشمل على شيء من القرآن ، ففي الكافي :

    " عن الحسين ابن أبي العلاء قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : إن عندي الجفر الأبيض ، قال : قلت : فأي شئ فيه ؟ قال : زبور داود ، وتوراة موسى ، وإنجيل عيسى ، وصحف إبراهيم عليهم السلام والحلال والحرام ، ومصحف فاطمة ، ما أزعم أن فيه قرآنا ، وفيه ما يحتاج الناس إلينا ولا نحتاج إلى أحد حتى فيه الجلدة ، ونصف الجلدة ، وربع الجلدة وأرش الخدش "[125].

    وفي رواية أخرى عنه عليه السلام : " ثم سكت ساعة ثم قال : وإن عندنا لمصحف فاطمة عليها السلام وما يدريهم ما مصحف فاطمة عليها السلام ؟ قال : قلت : وما مصحف فاطمة عليها السلام ؟ قال : مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات[126] ، والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد ، قال : قلت : هذا والله العلم ! قال : إنه لعلم وما هو بذاك "[127].

    فنستنتج أن تلك الزيادة وإن كان جبرئيل عليه السلام قد نزل بـها من السماء ولكنه نزل بـها كتفسير للآية لا كقرآن ، ناهيك عن أن هذا الكافر المعترض على الإمامة شك في كون هذا التفضيل للإمام علي عليه السلام أمرا من الله عز وجل ، وعلى هذا لو كانت تلك الزيادة من القرآن لما شك في ذلك !



    ويدل على أن هذا التنـزيل ليس من القرآن أن بعض الروايات أقحمت التنـزيل في ضمن آيات تخاطب المشركين وأهل الكتاب من اليهود والنصارى ومن الغير المعقول أن تأمر تلك الآيات–القرآن والتنـزيل- غير المسلمين بالتسليم لأمير المؤمنين عليه السلام بالولاية والوصاية ! وعليه فلا ريب أن هذه الزيادات ليست من جنس القرآن وإنما هي تفسيرها بالباطن أو تأويل ، وكمثال :

    " قلت –الفضيل- : {وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ }(المزمل/10) ؟ قال الإمام موسى الكاظم عليه السلام : يقولون فيك ، {وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلاً وَذَرْنِي (يا محمد) وَالْمُكَذِّبِينَ (بوصيّك) أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً}(المزمل/10-11) قلت : إن هذا تنـزيل ؟ قال : نعم "[128] ، وقد مرت بعض الموارد من هذا النحو فراجع .



    ويدل عليه أيضا مقتضى الجمع بين روايات أهل البيت عليهم السلام ، حيث أن بعضها يذكر التنـزيل ونـزوله من السماء ، ثم تأتي في المقابل روايات كثيرة عن الإمام عليه السلام لا تُذكر فيها تلك الزيادة وإنما تقتصر على النص القرآني ، وهذا الأمر لم يتكرر مرة أو مرتين بل كثر واستفاض حتى لا يكاد يخلو منه تنـزيل ، فلا تنـزيل إلا وفي مقابله جموع من الروايات التي تقتصر على النص القرآني ، مع العلم أن الروايات التي يقتصر فيها على النص القرآني تتضمن طعونا صريحة في ابن أبي قحافة وابن الخطاب مع ذكر اسميهما ، وهذا ينفي دعوى التقية في هذه الموارد ، ويمكن الرجوع إلى كتب التفسير الروائية عند الشيعة وتتبع الآيات التي زيد فيها التنـزيل لتجد في مقابلها عدة من الروايات تذكر الآية خالصة من أي تنـزيل مع احتواء الروايات على الطعن في رموز القوم بلا تطرق للتحريف والنقيصة في الآية ، فراجع مثلا تفسير البرهان للسيد هاشم البحراني رضوان الله تعالى عليه .



    ويدل عليه أيضا روايات كثيرة تحكي نزول أسماء أئمة أهل البيت عليهم السلام ، وبالخصوص اسم الإمام علي عليه السلام بين ثنايا الآيات الكريمة ، مع أنـه وردت رواية صحيحة السند في الكافي تدل بظاهرها على أن أسماء أهل البيت عليهم السلام لم تذكر صراحة في آيات القرآن ، والرواية هي :

    " عن أبي بصير قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ }(النساء/59). فقال : نزلت في علي بن أبي طالب والحسن والحسين عليهم السلام . فقلت له : إن الناس يقولون : فما له لم يسم عليا وأهل بيته عليهم السلام في كتاب الله عز وجل ؟ قال : فقال عليه السلام : قولوا لهم : إن رسول الله صلى الله عليه وآله نزلت عليه الصلاة ولم يسم الله لهم ثلاثا ولا أربعا ، حتى كان رسول الله صلى الله عليه وآله هو الذي فسر ذلك لهم ، ونزلت عليه الزكاة ولم يسم لهم من كل أربعين درهما درهم ، حتى كان رسول الله صلى الله عليه وآله هو الذي فسر ذلك لهم ، ونزل الحج فلم يقل لهم : طوفوا أسبوعا حتى كان رسول الله صلى الله عليه وآله هو الذي فسر ذلك لهم "[129].

    فظاهر هذه الصحيحة يتعارض مع الروايات التي فيها نزول أسمائهم عليهم السلام من السماء قرآنا ، ويمكن حل التعارض بكون تلك الأسماء من قبيل التفسير بالباطن المنـزل من السماء وهو ما ذكرنا الأدلة عليه منذ البداية .



    ويدل عليه أيضا ما جاء في بحار الأنوار للعلامة المجلسي رضوان الله تعالى عليه عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال : " اعلم يا سلمان ! إن الشاك في أمرنا وعلومنا كالممتري في معرفتنا وحقوقنا ، وقد فرض ولايتنا في كتابه في غير موضع وبين فيه ما وجب العمل به وهو غير مكشوف "[130].

    وهذه الرواية صريحة في أن ولاية أهل البيت عليهم السلام ذكرت في القرآن بنحو مستتر غير مكشوف ، وهذا يعني أن تلك المقاطع التي وردت في الروايات لم تكن من آيات القرآن وإلا لما صح أن يقال أن ولايتهم ذكرت مستترة غير مكشوفة .



    وما يدل على ذلك بوضوح أن لو كان هذا التنـزيل من النص القرآني وفيه كل هذه النصوص الصريحة في إمامة أهل البيت عليهم السلام لما كان من المعقول من عمر أن يقول في رزية يوم الخميس ( حسبنا كتاب الله ) حينما رد على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومنعه من كتابة كتاب لا يضل المسلمون لو تمسكوا به ، ففهم عمر بن الخطاب من كلامه صلى الله عليه وآله وسلم الذي أخرجه مسلم : " أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا " ، أنه صلى الله عليه وآله وسلم أراد أن يكتب ما كان يكرره دائما وهو : " أيها الناس ! إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي "[131] ، فقال عمر بن الخطاب : " حسبنا كتاب الله ! "[132] ، أي ولا حاجة لنا بأهل بيتك ! ، فلو كان القرآن مليء بكل هذه النصوص على إمامة أهل البيت عليهم السلام ، فكيف يقع عمر فيما فر منه ؟!



    وأوضح منها جميعا أن لو كانت تلك الأسماء من القرآن كما تدعيه الروايات لشاع ذلك وذاع بين المسلمين كقرآن يتلى بأسماء أهل البيت عليهم السلام ، وهذا لم ينقله لنا التاريخ بل إن التاريخ والروايات الصحيحة نقلت لنا اضطراب النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند عودته من حجة الوداع من التبليغ العام بولاية أمير المؤمنين عليه السلام في غدير خم على تلك الجموع من المسلمين وفيهم من فيهم ، حتى أنزل الله عز وجل ضمان العصمة فقال عز وجل : {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}(المائدة/67) ، فلو كان هناك واقعية لما تقوله الروايات من قرآنية الأسماء فلا مصحح لخشيته صلى الله عليه وآله وسلم بعد شيوع العلم بأشخاص أئمة المسلمين قرآنا ، ولا مجال حينها لاتـهام النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأن تنصيب أمير المؤمنين عليه السلام كان من عند نفسه صلى الله عليه وآله وسلم ، وهو ما اتـهمه به الحارث الفهري لعنه الله ولعن من رضى بكلامه ، وكل هذه تقضي بفساد قول من قال أن تلك الزيادات قرآنية .



    ولا بأس بذكر بعض ما جاء في تفسير العياشي الذي يدل على أن هذه الكلمات وإن نزلت من السماء في ثنايا الآيات ولكنـها نزلت كتفسير لا كقرآن :

    " عن جابر قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن هذه الآية عن قول الله {فلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ}(البقرة/89). قال تفسيرها في الباطن {فلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا ( في علي) كَفَرُوا بِهِ} فقال الله فيهم {فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ}(البقرة/89) في باطن القرآن قال أبو جعفر فيه : يعني بنى أمية هم الكافرون في باطن القرآن "[133]. فالزيادة كانت من باب التفسير .



    وكذا هذه الرواية : " أبو بصير عنه قال : إنما أنزلت هذه الآية على محمد صلى الله عليه واله في الأوصياء خاصة ، فقال : ( كنتم خير أئمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر ) هكذا والله نزل بـها جبرئيل وما عنى بـها إلا محمدا وأوصيائه صلوات الله عليهم "[134].

    وقد تلتها رواية أخرى : " عن أبي عمرو الزبيرى عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله : {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ}(آل عمران/110) ، قال –عليه السلام- : يعنى الأمة التي وجبت لها دعوة إبراهيم عليه السلام ، فهم الأمة التي بعث الله فيها ومنها واليها ، وهم الأمة الوسطى وهم خير أمة أخرجت للناس "[135] ، فيتضح أن الآية نزلت من السماء بـهذا المعنى المذكور في الرواية الأولى لا أنه قرآن منـزل .





    تعليق


    • #17
      ورواية أخرى : " عن عمار بن سويد قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول في هذه الآية {فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ}(هود/12) –إلى قوله- ودعا رسول الله عليه وآله السلام لأمير المؤمنين في آخر صلوته رافعا بـها صوته يسمع الناس يقول : اللهم هب لعلي المودة في صدور المؤمنين والهيبة والعظمة في صدور المنافقين ، فأنزل الله {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمْ الرَّحْمَانُ وُدًّا فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا}(مريم/96-97) ، بنى أمية . فقال رمع : والله لصاع من تـمر في شن بال أحب إلي مما سأل محمد ربه أفلا سأله ملكا يعضده أو كنـزا يستظهر به على فاقته ، فأنزل الله فيه عشر آيات من هود أولـها : {فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنْ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا (في ولاية علي) }(هود/12-14) ( فاعلم إنما أنزل إليك ) {بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ( لعلي ولايته ) مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا ( يعني فلانا وفلان ) نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا}(هود/14-15) {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ ( رسول الله صلى الله عليه واله ) وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ ( أمير المؤمنين عليه السلام ) وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً } قال : كان ولاية علي في كتاب بموسى {أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنْ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلاَ تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ ( في ولاية علي ) إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُوْلَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ ( هم الأئمة عليهم السلام ) هَؤُلاَءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ}(هود/17-18). إلى قوله {هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ}(هود/24) "[136].

      فهل من المعقول القول بقرآنية هذه المقاطع ؟! ، كيف تكون من القرآن والآيات نزلت في مكة ! والحوادث التي تحكيها الرواية وقعت في المدينة ![137]



      وهذه من أدل الروايات على أن التنـزيل تفسير للقرآن ، ففي رواية عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال : " {اصْبِرُوا} على الأذى فينا ، قلت : ف‍ {صَابِرُوا} ؟ قال : على عدوكم مع وليكم ، قلت : ف‍ {رَابِطُوا} ؟ قال : المقام مع إمامكم ، {وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}(آل عمران/200) ، قلت : تنـزيل ؟ قال : نعم "[138]. وواضح جدا أن الكلام المتوسط بين الآيات كان تفسيرا لمقاطع الآية وهو من التنـزيل .





      2- من روايات أهل السنة



      وأما روايات أهل السنة التي تدل على وجود التنـزيل فهي كثيرة وسيأتي ذكرها في ضمن الروايات التي تعرض القراءات الشاذة للصحابة والتابعين ، ولا نقول أن كل القراءات الشاذة هي نتاج الخلط بين التنـزيل والقرآن بل كان بعض منها سببه الخلط بين التنـزيل والقرآن والأغلب كان اجتهادا منهم ، وما يدل على وجود التنـزيل ما رووه عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال :" ألا وإني أوتيت الكتاب ومثله معـه "[139].

      وكذا تدل عليه هذه الرواية : " عن العرباض بن سارية قال : نزل النبي صلى الله عليه وسلم خيبر ومعه من معه من أصحابه فقال : يا عبد الرحمن اركب فرسا فناد إن الجنة لا تحل إلا لمؤمن ، وإن اجتمعوا إلى الصلاة فاجتمعوا فصلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم قام فقال : أيحسب امرؤ قد شبع حتى بطن وهو متكئ على أريكته أن الله لم يحرم شيئا إلا ما في هذا القرآن ، ألا وإني والله لقد حدثت وأمرت ووعظت بأشياء إنـها لمثل القرآن أو أكثر ، وإنه لا يحل لكم من السباع كل ذي ناب ولا الحمر الأهلية وإن الله لم يحل لكم أن تدخلوا بيوت المعاهدين إلا بإذن ولا أكل أموالهم ولا ضرب نسائهم إذا أعطوكم الذي عليهم إلا ما طابوا به نفسا "[140].

      وهذا المعنى في سنن الدارمي من نزول جبرئيل عليه السلام بالسنة كما كان ينـزل بالقرآن : " أخبرنا محمد بن كثير عن الأوزاعي عن حسان قال : كان جبريل ينـزل على النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم بالسنة كما ينـزل عليه بالقرآن "[141] .



      وفي التمهيد لابن عبد البر : " أما الخيل فقد جاء فيها ما جاء ، وفي هذا الحديث والله أعلم دليل على أن كلامه ذلك في الخيل كان بوحي من الله لأنه قال في الـحُمر لم ينـزل على فيها شيء إلا الآية الجامعة الفاذة فكان قوله في الخيل نزل عليه والله أعلم ألا ترى إلى قوله : لقد عوتبت الليلة في الخيل . وهذا يعضد قول من قال : إنه كان لا يتكلم في شيء إلا بوحي وتلا {وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى}(النجم/3-4). واحتج بقوله –صلى الله عليه وآله وسلم- : أوتيت الكتاب ومثله معه . وبقول عبد الله بن عمرو : يا رسول الله ! أكتب كل ما أسمع منك ؟ قال : نعم . قال : في الرضا والغضب ؟ قال : نعم فأني لا أقول إلا حقا "[142].



      وقد تسالم أهل لا إله إلا الله على عدم اختصاص جبريل عليه السلام بتبليغ القرآن ، حيث جاء بالأحاديث القدسية وكان مبلغا للسنة ولتفسير القرآن والإخبار عن المنافقين والمشركين وإلى غير ذلك مما كان يُنـزّله ، وستأتي أقوال علماء أهل السنة الناصة على أنه صلى الله عليه وآله وسلم قد أوتي وأنزل عليه مع القرآن غيره كالسنة والمغيبات وغيرهما التي تدخل كلها في إطار تفسير القرآن وتأويله لأنه قال عز وجل {وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ}(يس/12).



      وكمثال على القراءة الشاذة التي تدل على التنـزيل هذه الرواية التي أخرجها ابن مردويه : "عن أبي عبد الرحمن السلمي رضي الله عنه قال قرأ علي رضى الله عنه الواقعات في الفجر فقال : ( وتجعلون شكركم إنكم تكذبون )[143] فلما انصرف قال : إني قد عرفت أنه سيقول قائل : لم قرأها هكذا ؟ إني سمعت رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم يقرؤها كذلك ، كانوا إذا مطروا قالوا : مطرنا بنوء كذا وكذا ، فـأنـزل الله ( وتجعلون شكركم إنكم إذا مطرتم تكذبون ) "[144].

      وهذه الرواية تريد أن تقول إن الإمام علي عليه السلام قرأ الآية القرآنية مع اعترافه أن ما أنزله الله عز وجل هو شكل آخر حيث كان مما أنزله عز وجل هو ( إذا مطرتم ) فيتضح أنـه من التنـزيل لا من القرآن ، ولكن للأسف قد أشكل كثير من التنـزيل على بعض الصحابة حتى اعتبر من القرآن يقرأ به آناء الليل وأطراف النـهار بدعوى أنه لا يترك شيئا سمعه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ! مع أن ما سمعه ليس بقرآن كله بل دمج القرآن مع غيره !



      وهذا ما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما مما يدل على التنـزيل :

      " حدثنا الأعمش حدثنا عمرو بن مرة عن سعيد بن جبير عن بن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : لما نزلت {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ورهطك منهم المخلصين }(الشعراء/214) ، خرج رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم الخ "[145].


      تعليق


      • #18
        والآية نزلت من السماء بالزيادة وليست إلا تفسيرا للآية الكريمة .



        وسيأتي ذكر بعض الموارد التي اشتبه بـها الصحابة وحار فيها علماء أهل السنة فاخترعوا لها الوجوه والتأويلات ، فقالوا إنـها من القراءات الشاذة التي قرأ بـها الصحابة ولم تتواتر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بل لم ترد عنه صلى الله عليه وآله وسلم ، كما سيأتي بإذنه تعالى في مبحث القراءات الشاذة ، ولكن نصوص أهل البيت عليهم السلام تبين أنـها كانت من التنـزيل ، وأهل البيت أعلم بالذي فيه .



        والأهم من كل روايات الشيعة وأهل السنة هذه الآية الكريمة التي تحكي حقيقة تفسير الله عز وجل لقرآنه حيث قال {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ}(القيامة/17-19) ، حيث تكفل الله عز وجل ببيان معاني القرآن ، وهذه المعاني ستصل إلينا بلا ريب كسنة نبوية ، وهو التنـزيل المقصود .



        S كلمات أعلام الشيعة وأهل السنة في التنـزيل



        أولا : كلمات أعلام الشيعة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين :

        قال الشيخ المفيد رضوان الله تعالى عليه في أوائل المقالات : " ولكنّ حذف ما كان مثبتاً في مصحف أمير المؤمنين عليه السّلام من تأويله وتفسير معانيه على حقيقة تنـزيله ، وذلك كان ثابتاً منـزلاً ، وإن لم يكن من جملة كلام الله تعالى الذي هو القرآن المعجز ، وقد يسمّى تأويل القرآن قرآناً ، قال الله تعالى {وَلاَ تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا}(طه/114). فسمّى تأويل القرآن قرآناً ، وهذا ما ليس فيه بين أهل التفسير اختلاف ، وعندي أنّ هذا القول أشبه ". أي أشبه من القول بتحريف النص القرآني .

        وقال : " وأما الوجه المجوز فهو أن يزاد فيه الكلمة والكلمتان والحرف الحرفان ، وما أشبه ذلك مما لا يبلغ حد الإعجاز ، ويكون ملتبسا عند أكثر الفصحاء بكلم القرآن غير أنه لابد متى وقع ذلك من أن يدل الله عليه ويوضح لعباده الحق فيه ولست أقطع على كون ذلك ، بل أميل إلى عدمه وسلامة القرآن منه "[146].



        وقال الشيخ الصدوق رضوان الله تعالى عليه في الاعتقادات : " بل نقول أنه قد نزل الوحي الذي ليس بقرآن ، ما لو جمع إلى القرآن لكان مبلغه مقدار سبع عشرة ألف آية ، وذلك قول جبرئيل عليه السلام للنبي صلى الله عليه وآله وسلم : إنّ الله تعالى يقول لك : يا محمد دارِ خلقي ، و مثل قوله : عش ما شئت فإنّك ميت ، وأحبب ما شئت فإنّك مفارقه ، و اعمل ما شئت فإنّك ملاقيه ، وشرف المؤمن صلاته بالليل و عزّه كفّ الأذى عن الناس " ، وقال : " إن القرآن الذي جاء به جبرائيل عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وآله وسلم سبعة عشر ألف آية"[147].

        قال : " ومثل هذا كثير ، وكلّه وحي وليس بقرآن . ولو كان قرآناً لكان مقروناً به وموصولاً إليه غير مفصول عنه ، كما كان أمير المؤمنين جمعه فلما جاء به قال : هذا كتاب ربكم كما أُنزل على نبيّكم لم يزد فيه حرف و لا ينقص منه حرف ، فقالوا : لا حاجة لنا فيه ، عندنا مثل الذي عندك ، فانصرف وهو يقول {فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ}(آل عمران/187)"[148].



        وقال السيد ابن طاووس رضوان الله تعالى عليه في الطرائف : " روى الفقيه الشافعي ابن المغازلي في كتاب المناقب بإسناده إلى جابر بن عبد الله الأنصاري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمنى –وذكر حديثا طويلا إلى أن قال- : ثم أنزل {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ (في أمر علي) إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (وإن عليا لعلم للساعة) وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ (عن علي بن أبي طالب)}(الزخرف/43-44). هذا آخر الحديث ، وكان اللفظ المذكور المنـزل في ذلك على النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعضه قرآناً وبعضه تأويلاً "[149].



        وقال المولى صالح المازندراني رضوان الله تعالى عليه في شرحه لأصول الكافي : " قوله -عليه السلام- ( كذا أنزلت ) لا يدل هذا على أن ما ذكره عليه السلام قرآن لأن ما أنزل إليه عليه السلام عند الوحي يجوز أن يكون بعضه قرآنا وبعضه تأويلاً وتفسيراً "[150].

        وقال : " وقوله عليه السلام ( هكذا والله نزل به جبرئيل على محمد صلى الله عليه وآله وسلم ) لا يدل على أن قوله ( بولاية علي ) من القرآن لما عرفت سابقاً "[151].

        وقال في موضع آخر :" قوله –عليه السلام- ( قلت : هذا تنـزيل ؟ قال : نعم ) لعل هذا إشارة إلى ما ذكره في تفسير قوله تعالى {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ}(الصف/9) وقد عرفت مما نقلناه سابقا عن صاحب الطرايف أن المراد بالتنـزيل ما جاء به جبرئيل عليه السلام لتبليغ الوحي وأنه أعم من أن يكون قرآنا وجزءا منه وأن لا يكون فكل قرآن تنـزيل دون العكس فعلى هذا قوله عليه السلام ( وأما غيره فتأويل ) يراد به ما ذكره في الآيات السابقة والله أعلم "[152].


        وقال المحدث الفيض الكاشاني رضوان الله تعالى عليه عند شرحه لرواية البزنطي ، قال : دفع إليّ أبو الحسن عليه السلام مصحفاً و قال : " لا تنظر فيه ، ففتحته و قرأت فيه {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا}(البينة/1). فوجدت فيه اسم سبعين رجلاً من قريش بأسمائهم و أسماء آبائهم " قال : فبعث إليّ : " ابعث إلي بالمصحف ! "[153] ، فقال رضوان الله تعالى عليه :

        " لعلّ المراد أنه وجد تلك الأسماء مكتوبة في ذلك المصحف تفسيراً للذين كفروا والمشركين مأخوذة من الوحي ، لا أنـها كانت من أجزاء القرآن ، وعليه يحمل ما في الخبرين السابقين أيضا من استماع الحروف من القرآن على خلاف ما يقرأه الناس يعني استماع حروفٍ تفسّر ألفاظ القرآن وتبين المراد منها عُلِمَت بالوحي[154]، كذلك كلّ ما ورد من هذا القبيل عنهم عليهم السلام وقد مضى في كتاب الحجة نبذ منه فإنه كلّه محمول على ما قلناه ، لأنه لو كان تطرّق التحريف و التغيير في ألفاظ القرآن لم يبق لنا اعتماد على شيء منه ، إذ على هذا يحتمل كل آية منه أن تكون محرّفة ومغيّرة ، وتكون على خلاف ما أنـزله الله ، فلا يكون القرآن حجّة لنا ، وتنتفي فائدته وفائدة الأمر باتّباعه والوصية به ، وعرض الأخبار المتعارضة عليه ، ثم استشهد بكلام الشيخ الصدوق المتقدم ، وببعض الأخبار "[155].

        وقال في المحجة البيضاء : " وأما مصحف أبي الحسن عليه السلام المدفوع إلى ابن أبي نصر ونـهيه عليه السلام عن النظر فيه ، ونـهي أبي عبد الله عليه السلام الرجل عن القراءة على غير ما يقرؤه الناس فيحتمل أن يكون ذلك تفسيرا منهم عليهم السلام للقرآن على طبق مراد الله عز وجل ووفق ما أنزل الله جل جلاله ، لا أن تكون تلك الزيادات بعينـها أجزاء لألفاظه المنـزلة "[156].



        وقال العلامة المجلسي رضوان الله تعالى عليه في مرآة العقول :" قوله –عليه السلام- ( أما هذا الحرف) أي قوله ( بولاية علي ) في آخر الآية ، أو من قوله : ] والله [ إلى قوله ( عليّ ) ، ربما يأوّل التنـزيل بالتفسير حين التنـزيل كما مرّ مرارا "[157].



        وقال الشيخ المظفر رضوان الله تعالى عليه تعليقا على رواية البزنطي السابقة : " ولعل المراد أنه وجد تلك الأسماء مكتوبة في ذلك المصحف تفسيرا لقوله تعالى {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا}(البينة/1). مأخوذة من الوحي لا أنـها كانت من أجزاء القرآن وعليه يحمل الخبر السابق أيضا –الذي فيه ( اقرأ كما يقرأ الناس ) المذكور بالهامش – من استماع الحروف من القرآن على خلاف ما يقرأه الناس يعني استماع حروف تفسر ألفاظ القرآن وتبين المراد منها علمت بالوحي وكذلك كل ما ورد من هذا القبيل عنهم عليهم السلام وقد مضى في كتاب الحجة نبذ منه فإنه كله محمول على ما قلناه ، ثم سرد أدلة بطلان التحريف"[158].



        وقال الميرزا أبو الحسن الشعراني رضوان الله تعالى عليه في تعليقته على شرح أصول الكافي : " قوله –المازندراني- ( وهو على التقديرين تنـزيل لا تأويل ) كلام دقيق يليق بالتأمل الصادق لدفع أوهام جماعة يزعمون أن كل ما ورد في الأحاديث أن القرآن نزل هكذا على خلاف ما في المصحف المعروف لا يدل على التنـزيل اللفظي بل يمكن أن يراد تنـزيل المعنى وهو حسن جدا "[159].



        وقال السيد الخوئـي رضوان الله تعالى عليه : " أنّا قد أوضحنا فيما تقدم أن بعض التنـزيل كان من قبيل التفسير للقرآن وليس من القرآن نفسه ، فلا بد من حمل هذه الروايات على أن ذكر أسماء الأئمة -عليهم السلام- في التنـزيل من هذا القبيل ، وإذا لم يتم هذا الحمل فلا بد من طرح هذه الروايات لمخالفتها للكتاب ، والسنّة ، والأدلة المتقدمة على نفي التحريف ، وقد دلّت الأخبار المتواترة على وجوب عرض الروايات على الكتاب والسنّة وأن ما خالف الكتاب منها يجب طرحه ، وضربه على الجدار "[160] .

        ثم ذكر رضوان الله تعالى عليه سبب الخلط الذي وقع فيه بعضهم والاغترار بلفظ التنـزيل حتى دمج القرآن مع غيره وأدخل ما ليس منه فيه ، وملخص الكلام أن المقصود من ( التنـزيل ) في زمن صدور الرواية مختلف عما قصد منه في زماننا ، إذ اشتهر بين الناس اليوم أن معنى التنـزيل هو القرآن على وجه الخصوص مع أن التنـزيل معناه في زمن الصدور أوسع منه فيشمل التفسير النازل من السماء ، قال رضوان الله تعالى عليه :

        "وأن هذه الشبهة مبتنية على أن يراد من لفظي التأويل والتنـزيل ما اصطلح عليه المتأخرون من إطلاق لفظ التنـزيل على ما نزل قرآناً ، و إطلاق لفظ التأويل على بيان المراد من اللفظ ، حملاً له على خلاف ظاهره ، إلا أن هذين الإطلاقين من الاصطلاحات المحدثة ، وليس لهما في اللغة عين ولا أثر ليحمل عليهما هذان اللفظان ( التنـزيل والتأويل ) متى وردا في الروايات المأثورة عن أهل البيت عليهم السلام ".

        "وأما التنـزيل فهو أيضا مصدر مزيد فيه وأصله النـزول وقد يستعمل ويراد به ما نزل ومن هذا القبيل إطلاقه على القرآن في آيات كثيرة ".

        " وعلى ما ذكرناه فليس كل ما نزل من الله وحياً يلزم أن يكون من القرآن ، فالذي يستفاد من الروايات في هذا المقام أن مصحف علي عليه السلام كان مشتملاً على زيادات تنـزيلاً وتأويلاً . ولا دلالة في شيء من هذه الروايات على أن تلك الزيادات هي من القرآن "[161] ، فكان التغاير المفهومي سبب هذا الخلط .



        وقال السيد الطباطبائي رضوان الله تعالى عليه بعد أن بين وجوه ضعف التمسك بروايات التحريف : " أما ما ذكرنا أن منها ما هو قاصر في دلالتها فإن كثيرا مما وقع فيها من الآيات المحكيّة من قبيل التفسير وذكر معنى الآيات لا حكاية متن الآية المحرفة وذلك كما في روضة الكافي عن أبي الحسن الأول –عليه السلام- في قول الله {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ ( فقد سبقت عليهم كلمة الشقاء وسبق لهم العذاب ) وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغًا}(النساء/63). وما في الكافي عن الصادق عليه السلام في قوله تعالى {وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا}(النساء/135). قال : {وَإِنْ تَلْوُوا ( الأمر ) أَوْ تُعْرِضُوا ( عما أمرتم به ) فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا}. إلى غير ذلك من روايات التفسير المعدودة من أخبار التحريف .

        ويلحق بـهذا الباب ما لا يحصى من الروايات المشيرة إلى سبب النـزول المعدودة من أخبار التحريف كالروايات التي تذكر هذه الآية هكذا {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ ( في علي ) }(المائدة/67). والآية نازلة في حقه عليه السلام ، وما روي أن وفد بني تميم كانوا إذا قدموا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقفوا على باب الحجرة ونادوا أن اخرج إلينا فذكرت الآية فيها هكذا {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ ( بنو تميم ) أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ}(الحجرات/4). فظن أن في الآية سقطا .


        تعليق


        • #19
          ويلحق بـهذا الباب أيضا ما لا يحصى من الأخبار الواردة في جري القرآن وانطباقه كما ورد في قوله {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا ( آل محمد حقهم ) }(الشعراء/227). وما ورد من قوله {وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ( في ولاية علي والأئمة من بعده ) فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}(الأحزاب/71). وهي كثيرة جدا "[162].ثم ذكر وجوه تعارض روايات التحريف ، ومن الأجدر مراجعة ما ذكره رضوان الله تعالى عليه .



          وقال المحقق الشيخ علي أكبر الغفاري في تعليقه على أصول الكافي : " لعل المراد أنه وجد تلك الأسماء مكتوبة في ذلك المصحف تفسيرا لقوله تعالى {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا }(البينة/1). مأخوذة من الوحي لا أنـها كانت من أجزاء القرآن ، وعليه يحمل ما في الخبر السابق والآتي[163] أيضا من استماع الحروف من القرآن على خلاف ما يقرأه الناس يعنى استماع حروف تفسر ألفاظ القرآن وتبين المراد منها علمت بالوحي وكذلك كل ما ورد من هذا القبيل عنهم عليهم السلام وقد مضى في كتاب الحجة نبذ منه فانه كله محمول على ما قلناه ، وذلك لأنه لو كان تطرق التحريف والتغيير في ألفاظ القرآن لم يبق لنا اعتماد على شئ منه إذ على هذا يحتمل كل آية منه أن تكون محرفة ومغيرة وتكون على خلاف ما أنزله الله فلا يكون القرآن حجة لنا وتنتفي فائدته وفائدة الأمر باتباعه والوصية به وعرض الأخبار المتعارضة عليه إلى غير ذلك وأيضا قال الله عز وجل {لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}(فصلت/42). فكيف تطرق إليه التحريف والنقصان والتغيير وأيضا قال الله عز وجل {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}(الحجر/9). وقد استفاض عن النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام حديث عرض الخبر المروى عنهم عليهم السلام على كتاب الله ليعلم صحته بموافقته له وفساده بمخالفته فإذا كان القرآن الذي بأيدينا محرفا مغيرا فما فائدة العرض مع أن خبر التحريف مخالف لكتاب الله مكذب له ؟‍! فيجب رده والحكم بفساده أو تأويله وأحسن الوجوه في التأويل أن مرادهم عليهم السلام بالتحريف والتغيير والحذف إنما هو من حيث المعنى دون اللفظ ومما يدل على ذلك ما يأتي في كتاب الروضة ما رواه الكليني بإسناده إلى الباقر عليه السلام أنه كتب إلى سعد الخير كتابا أوصاه بتقوى الله إلى أن قال : وكان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه وحرفوا حدوده فهم يروونه ولا يرعونه الحديث "[164].

          وقال الشيخ الفاضل اللنكراني حفظه الله تعالى :" ولكن بعد قيام الأدلة القاطعة والبراهين الساطعة على عدم وقوع التحريف في الكتاب وإن ما بأيدينا مطابق لما أنـزل إلى الرسول بعنوان القرآنية لا يبقى مجال لمثل هذه الروايات بل لا بد من حملها على التقية أو على أن المراد بالقرآن هو القرآن المشتمل على الخصوصيات الأخرى أيضا من الشرح والتفسير والتأويل وشأن النـزول وأمثالـها كقرآن أمير المؤمنين عليه السلام مع أنه يرد على تعبير الروايتين الإشكالات المتقدمة كلاًّ أو جُلاًّ كما لا يخفى وقد انقدح من جميع ما ذكرنا عدم ثبوت الرجم في القرآن بل الدليل عليه هي السنة المستفيضة بل المتواترة "[165].



          وقال السيد هاشم معروف الحسني :" ومن خصوص الزيادة الموجودة في مصحف علي عليه السلام كما جاء في بعض المرويات ، لو تغاضينا عن العيوب الموجودة في أسانيدها والتزمنا بصحتها من ناحية السند ، فلا بد وان تكون الزيادات المزعومة من قبيل التفسير والتوضيح للمراد من تلك الآيات عن طريق الوحي أو النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما نص على ذلك جماعة من علماء الإمامية . ويدل على ذلك ما جاء في الكافي عن أبي بصير قال : سألت أبا عبد الله الصادق عليه السلام عن قول الله عز وجل : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ }(النساء/59). فقال : نزلت في علي والحسن والحسين عليهم السلام . فقلت له : إن الناس يقولون : فما له لم يسم عليا والحسن والحسين في كتاب الله ؟ قال : قولوا لهم : إن رسول –الله صلى الله عليه وآله- نزلت عليه الصلاة ولم يسم الله لهم ثلاثا ولا أربعا ، حتى كان رسول الله صلى الله عليه وآله هو الذي فسر ذلك لهم . هذا بالإضافة إلى أن عليا والمتخلفين معه عن بيعة أبي بكر لم يحتجوا على أحد بورود هذه الأسماء في القرآن الكريم ولو كان له ولأبنائه ذكر صريح في كتاب الله ، لكان احتجاجهم بذلك أجدى وأنفع من جميع الحجج التي استدلوا بـها على استخلافه بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما ذكرنا سابقا "[166].



          قال السيد هاشم الرسولي المحلاتي : " ولا يخفى أن معنى النـزول في تلك الروايات ليس هو التحريف المدعى في بعض الكلمات بل المراد من النـزول هو التفسير والتأويل من حيث المعنى كما صرح به معظم العلماء المنتمين إلى ذلك القول كالمحدث الحر العاملي (ره) في كتاب إثبات الهداة والمولى محسن الفيض في الوافي وغيرهم ، وإلا فهي أخبار آحاد لا تعارض ما ثبت بالتواتر بين المسلمين "[167].



          وإلى هنا يتضح أن القول بأن تلك الروايات التي تذكر التنـزيل تطعن في صيانة القرآن من التحريف فرية لا أصل لها سوى مخيلة الوهابية ، ونحن–ولله الحمد- في غنى عن كلمات أهل السنة لنفي تلك الفرية ، فكلمات علمائنا واضحة فيها ، ناهيك عن أن مجرد احتمال كون التنـزيل بمعنى التفسير النازل يكفي لرفع هذه التهمة النكراء ، ولكنا آثرنا الإطناب منذ البداية حتى نرفع تذبذب بعض النفوس ونسكن حشرجة صدورهم لتجلو الحقيقة مرة أمام أعين الوهابية ومن هم على شاكلتهم بذكر بعض أقوال علمائهم التي تؤيد كلمات علماء الشيعة في وجود التنـزيل ، وإن لم يسمه أهل السنة بـهذا الاسم ، والتسمية ليست بمشكلة .



          ثانيا : كلمات أعلام أهل السنة



          ولنبدأ بشيخهم الخطابي في شرحه على مختصر سنن أبي داود : " قوله ( أوتيت الكتاب و مثله معه ) يحتمل وجهين من التأويل ، أحدهما : أن يكون معناه أنه أوتي من الوحي الباطن غير المتلو مثل ما أعطي من الظاهر المتلو [168]. ويحتمل أن يكون معناه ، أنه أوتي الكتاب وحيا يُتلى وأوتي من البيان ، أي أُذن له أن يبين ما في الكتاب ويَـعُمّ ويَـخُصّ وأن يزيد عليه فيشرع ما ليس له في الكتاب ذكر فيكون ذلك في وجوب الحكم و لزوم العمل به : كالظاهر المتلو من القرآن "[169] .



          قال الإمام الشافعي : " كل ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مما فهمه من القرآن –إلى قوله- ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه يعني السنة ، والسنة أيضا تنـزل عليهم بالوحي كما ينـزل القرآن إلا أنـها لا تتلى كما يتلى القرآن "[170]، ولا ريب أن من السنة تفسير القرآن وتأويله .






          تعليق


          • #20
            up

            تعليق

            المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
            حفظ-تلقائي
            x

            رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

            صورة التسجيل تحديث الصورة

            اقرأ في منتديات يا حسين

            تقليص

            المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
            أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, 02-05-2025, 09:44 PM
            استجابة 1
            12 مشاهدات
            0 معجبون
            آخر مشاركة ibrahim aly awaly
            بواسطة ibrahim aly awaly
             
            أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, 02-05-2025, 07:21 AM
            ردود 2
            13 مشاهدات
            0 معجبون
            آخر مشاركة ibrahim aly awaly
            بواسطة ibrahim aly awaly
             
            يعمل...
            X