إنّ فكرة ظهور المنقذ العظيم الذي سينشر العدل والرخاء بظهوره في آخر الزمان، ويقضي على الظلم والاضطهاد في أرجاء العالم ، ويحقق العدل والمساواة في دولته الكريمة ، فكرة آمن بها أهل الاَديان الثلاثة، واعتنقتها معظم الشعوب .
فقد آمن اليهود بها ، كما آمن النصارى بعودة عيسى عليه السلام ، وصدّق بها الزرادشتيون بانتظارهم عودة بهرام شاه ، واعتنقها مسيحيو الاَحباش بترقّبهم عودة ملكهم تيودو ر كمهديٍّ في آخر الزمان، وكذلك الهنود
__________
(1) المستشرقون والأسلام/ الدكتور عرفان عبد الحميد :17 ، ودراسات في الفكر الفلسفي الاسلامي / الدكتور حسام الدين الآلوسي:68 ، و بحوث في القرآن الكريم ، للدكتور عبدالجبار شرارة : 52 ـ 54 ، فقد بيّن مزاعم المستشرقين وأقوالهم بتناقض القرآن الكريم ، وفنّد جميع مفترياتهم .
(2) عقيدة الشيعة | دونالدسن : 231 ، والسيادة العربية | فان فلوتن : 107 و132.
اعتقدوا بعودة فيشنو ، ومثلهم المجوس إزاء مايعتقدونه من حياة أُوشيدر.
وهكذا نجد البوذيين ينتظرون ظهور بوذا، كما ينتظر الأسبان ملكهم روذريق، والمغول قائدهم جنگيزخان.
وقد وجد هذا المعتقد عند قدامى المصريين، كما وجد في القديم من كتب الصينيين(1).
وإلى جانب هذا نجد التصريح من عباقرة الغرب وفلاسفته بأنَّ العالم في انتظار المصلح العظيم الذي سيأخذ بزمام الاُمور ويوحّد الجميع تحت راية واحدة وشعار واحد :
منهم : الفيلسوف الانجليزي الشهير برتراند راسل ، قال : (إنّ العالم في انتظار مصلح يوحّد العالم تحت عَلَمٍ واحد وشعار واحد) (2).
ومنهم : العلاّمة آينشتاين صاحب (النظرية النسبية) ، قال : (إنّ اليوم الذي يسود العالم كلّه الصلح والصفاء ، ويكون الناس متحابِّين متآخين ليس ببعيد) (3).
والاَكثر من هذا كلّه هو ماجاء به الفيلسوف الانكليزي الشهير برناردشو حيث بشّر بمجيء المصلح في كتابه (الاِنسان والسوبرمان) .
وفي ذلك يقول الاستاذ الكبير عباس محمود العقاد في كتابه (برناردشو) معلّقاً : « يلوح لنا أنّ سوبرمان شو ليس بالمستحيل، وأنّ دعوته إليه لاتخلو من حقيقة ثابتة» (4).
____________
(1) المهدية في الاِسلام / سعد محمد حسن : 43 ـ 44 ، والإمامة وقائم القيامة | الدكتور مصطفى غالب : 270 .
(2) المهدي الموعود ودفع الشبهات عنه | السيد عبد الرضا الشهرستاني : 6.
(3) المهدي الموعود ودفع الشبهات عنه : 7 .
(4) برناردشو | عباس محمود العقاد : 124 ـ 1
أما عن المسلمين فهم على اختلاف مذاهبهم وفرقهم يعتقدون بظهور الإمام المهدي في آخر الزمان وعلى طبق مابشّر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ولايختص هذا الاعتقاد بمذهب دون آخر ، ولا فرقة دون أُخرى. وما أكثر المصرّحين من علماء أهل السنة ابتداءً من القرن الثالث الهجري وإلى اليوم بأنّ فكرة الظهور محلّ اتّفاقهم، بل ومن عقيدتهم أجمع، الأكثر من هذا إفتاء الفقهاء منهم : بوجوب قتل من أنكر ظهور المهدي، وبعضهم قال : بوجوب تأديبه بالضرب الموجع والاِهانة حتى يعود إلى الحقّ والصواب على رغم أنفه ـعلى حدّ تعبيرهم ـ كما سنشير إليه في الفتوى الصادرة على طبق معتقد المذاهب الاَربعة.
ولهذا قال ابن خلدون معبّراً عن عقيدة المسلمين بظهور المهدي : « اعلم أنّ المشهور بين الكافة من أهل الإسلام على ممرّ الاَعصار : أنّه لابدّ في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت ، يؤيد الدين ، ويُظهر العدل، ويتبعه المسلمون ، ويستولي على الممالك الاِسلامية ، ويسمى المهدي ». (1)
وقد وافقه على ذلك الاُستاذ أحمد أمين الاَزهري المصري ـ على الرغم مما عرف عنهما من تطرّف إزاء هذه العقيدة ـ فقال معبّراً عن رأي أهل السُنّة بها : « فأما أهل السُنّة فقد آمنوا بها أيضاً» (2)، ثم ذكر نصّ ماذكره ابن خلدون (3).
ثم قال : « وقد أحصى ابن حجر الاَحاديث المروية في المهدي فوجدها نحو الخمسين» (4).
ثم ذكر ماقرأه من كتب أهل السنة حول المهدي فقال : « قرأت رسالة
____________
(1) تاريخ ابن خلدون 1 : 555 | الفصل 52.
(2) المهدي والمهدوية | أحمد أمين : 41 .
(3) المهدي والمهدوية : 110 .
(4) المهدي والمهدوية : 48.
للاُستاذ أحمد بن محمد بن الصديق في الردّ على ابن خلدون سماها : (إبراز الوهم المكنون من كلام ابن خلدون) ، وقد فنّد كلام ابن خلدون في طعنه على الاَحاديث الواردة في المهدي وأثبت صحّة الاَحاديث ، وقال: إنّها بلغت التواتر» (1).
وقال في موضع آخر : « قرأتُ رسالة أُخرى في هذا الموضوع عنوانها: «الاِذاعة لما كان ومايكون بين يدي الساعة» لاَبي الطيب بن أبي أحمد بن أبي الحسن الحسني» (2).
وقال أيضاً: « قد كتب الاِمام الشوكاني كتاباً في صحة ذلك سماه: التوضيح في تواتر ماجاء في المنتظر والدجال والمسيح » (3).
إذن لافرق بين الشيعة وأهل السنّة من حيث الاِيمان بظهور المنقذ مادام أهل السنّة قد وجدوا في ذلك خمسين حديثاً من طرقهم، وعدّوا ظهور المهدي من أشراط الساعة، وأثبتوا بطلان كلام ابن خلدون في تضعيفه لبعض الاَحاديث الواردة في ذلك، وأنّهم ألَّفوا في الرد أو القول بالتواتر كتباً ورسائل، بل لافرق بين جميع المسلمين وبين غيرهم من أهل الاَديان والشعوب الاُخرى من حيث الاِيمان بأصل الفكرة وإن اختلفوا في مصداقها ، مع اتّفاق المسلمين على أنّ اسمه (محمد) كإسم النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ولقبه عندهم هو (المهدي).
ومن هنا يعلم أنّ اتّفاق أهل الاَديان السابقة ومعظم الشعوب والقوميات وعباقرة الغرب وفلاسفته ـ مع تعدد الاَديان ، وتباين المعتقدات، واختلاف الاَفكار والآراء والعادات ـ على أصل الفكرة ،
____________
(1) المهدي والمهدوية : 106.
(2) المهدي والمهدوية : 109.
(3) المهدي والمهدوية : 110.
لايمكن أبداً أن يكون بلا مستند لاستحالة تحقّق مثل هذا الاتّفاق جزافاً . فإذا أضفنا إلى ذلك اتّفاق المذاهب الاِسلامية جميعاً على صحة الاعتقاد بظهور الاِمام المهدي في آخر الزمان وأنّه من أهل البيت عليهم السلام ـ كما سيأتي مفصلاً ـ علم أنّ اتّفاقهم هذا لابد وأن يكون معبّراً عن إجماع هذه الاُمة التي لاتجتمع على ضلالة على ماهو مقرر في محلّه ، وحينئذٍ فلا يضرّ اعتقادهم بظهور مهدي أهل البيت عليهم السلام اختلاف تشخيصه عند من سبقهم من أهل الاَديان والشعوب ، إذ بالاِمكان معرفته حق معرفته من خلال مصادر المسلمين المعتمدة لما عُرِف عنهم من اتّباع منهج النقل عن طريق السماع والتحديث شفةً عن شفة وصولاً إلى مصدر التشريع، وبما لانظير له في حضارات العالم أجمع.
فقد آمن اليهود بها ، كما آمن النصارى بعودة عيسى عليه السلام ، وصدّق بها الزرادشتيون بانتظارهم عودة بهرام شاه ، واعتنقها مسيحيو الاَحباش بترقّبهم عودة ملكهم تيودو ر كمهديٍّ في آخر الزمان، وكذلك الهنود
__________
(1) المستشرقون والأسلام/ الدكتور عرفان عبد الحميد :17 ، ودراسات في الفكر الفلسفي الاسلامي / الدكتور حسام الدين الآلوسي:68 ، و بحوث في القرآن الكريم ، للدكتور عبدالجبار شرارة : 52 ـ 54 ، فقد بيّن مزاعم المستشرقين وأقوالهم بتناقض القرآن الكريم ، وفنّد جميع مفترياتهم .
(2) عقيدة الشيعة | دونالدسن : 231 ، والسيادة العربية | فان فلوتن : 107 و132.
اعتقدوا بعودة فيشنو ، ومثلهم المجوس إزاء مايعتقدونه من حياة أُوشيدر.
وهكذا نجد البوذيين ينتظرون ظهور بوذا، كما ينتظر الأسبان ملكهم روذريق، والمغول قائدهم جنگيزخان.
وقد وجد هذا المعتقد عند قدامى المصريين، كما وجد في القديم من كتب الصينيين(1).
وإلى جانب هذا نجد التصريح من عباقرة الغرب وفلاسفته بأنَّ العالم في انتظار المصلح العظيم الذي سيأخذ بزمام الاُمور ويوحّد الجميع تحت راية واحدة وشعار واحد :
منهم : الفيلسوف الانجليزي الشهير برتراند راسل ، قال : (إنّ العالم في انتظار مصلح يوحّد العالم تحت عَلَمٍ واحد وشعار واحد) (2).
ومنهم : العلاّمة آينشتاين صاحب (النظرية النسبية) ، قال : (إنّ اليوم الذي يسود العالم كلّه الصلح والصفاء ، ويكون الناس متحابِّين متآخين ليس ببعيد) (3).
والاَكثر من هذا كلّه هو ماجاء به الفيلسوف الانكليزي الشهير برناردشو حيث بشّر بمجيء المصلح في كتابه (الاِنسان والسوبرمان) .
وفي ذلك يقول الاستاذ الكبير عباس محمود العقاد في كتابه (برناردشو) معلّقاً : « يلوح لنا أنّ سوبرمان شو ليس بالمستحيل، وأنّ دعوته إليه لاتخلو من حقيقة ثابتة» (4).
____________
(1) المهدية في الاِسلام / سعد محمد حسن : 43 ـ 44 ، والإمامة وقائم القيامة | الدكتور مصطفى غالب : 270 .
(2) المهدي الموعود ودفع الشبهات عنه | السيد عبد الرضا الشهرستاني : 6.
(3) المهدي الموعود ودفع الشبهات عنه : 7 .
(4) برناردشو | عباس محمود العقاد : 124 ـ 1
أما عن المسلمين فهم على اختلاف مذاهبهم وفرقهم يعتقدون بظهور الإمام المهدي في آخر الزمان وعلى طبق مابشّر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ولايختص هذا الاعتقاد بمذهب دون آخر ، ولا فرقة دون أُخرى. وما أكثر المصرّحين من علماء أهل السنة ابتداءً من القرن الثالث الهجري وإلى اليوم بأنّ فكرة الظهور محلّ اتّفاقهم، بل ومن عقيدتهم أجمع، الأكثر من هذا إفتاء الفقهاء منهم : بوجوب قتل من أنكر ظهور المهدي، وبعضهم قال : بوجوب تأديبه بالضرب الموجع والاِهانة حتى يعود إلى الحقّ والصواب على رغم أنفه ـعلى حدّ تعبيرهم ـ كما سنشير إليه في الفتوى الصادرة على طبق معتقد المذاهب الاَربعة.
ولهذا قال ابن خلدون معبّراً عن عقيدة المسلمين بظهور المهدي : « اعلم أنّ المشهور بين الكافة من أهل الإسلام على ممرّ الاَعصار : أنّه لابدّ في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت ، يؤيد الدين ، ويُظهر العدل، ويتبعه المسلمون ، ويستولي على الممالك الاِسلامية ، ويسمى المهدي ». (1)
وقد وافقه على ذلك الاُستاذ أحمد أمين الاَزهري المصري ـ على الرغم مما عرف عنهما من تطرّف إزاء هذه العقيدة ـ فقال معبّراً عن رأي أهل السُنّة بها : « فأما أهل السُنّة فقد آمنوا بها أيضاً» (2)، ثم ذكر نصّ ماذكره ابن خلدون (3).
ثم قال : « وقد أحصى ابن حجر الاَحاديث المروية في المهدي فوجدها نحو الخمسين» (4).
ثم ذكر ماقرأه من كتب أهل السنة حول المهدي فقال : « قرأت رسالة
____________
(1) تاريخ ابن خلدون 1 : 555 | الفصل 52.
(2) المهدي والمهدوية | أحمد أمين : 41 .
(3) المهدي والمهدوية : 110 .
(4) المهدي والمهدوية : 48.
للاُستاذ أحمد بن محمد بن الصديق في الردّ على ابن خلدون سماها : (إبراز الوهم المكنون من كلام ابن خلدون) ، وقد فنّد كلام ابن خلدون في طعنه على الاَحاديث الواردة في المهدي وأثبت صحّة الاَحاديث ، وقال: إنّها بلغت التواتر» (1).
وقال في موضع آخر : « قرأتُ رسالة أُخرى في هذا الموضوع عنوانها: «الاِذاعة لما كان ومايكون بين يدي الساعة» لاَبي الطيب بن أبي أحمد بن أبي الحسن الحسني» (2).
وقال أيضاً: « قد كتب الاِمام الشوكاني كتاباً في صحة ذلك سماه: التوضيح في تواتر ماجاء في المنتظر والدجال والمسيح » (3).
إذن لافرق بين الشيعة وأهل السنّة من حيث الاِيمان بظهور المنقذ مادام أهل السنّة قد وجدوا في ذلك خمسين حديثاً من طرقهم، وعدّوا ظهور المهدي من أشراط الساعة، وأثبتوا بطلان كلام ابن خلدون في تضعيفه لبعض الاَحاديث الواردة في ذلك، وأنّهم ألَّفوا في الرد أو القول بالتواتر كتباً ورسائل، بل لافرق بين جميع المسلمين وبين غيرهم من أهل الاَديان والشعوب الاُخرى من حيث الاِيمان بأصل الفكرة وإن اختلفوا في مصداقها ، مع اتّفاق المسلمين على أنّ اسمه (محمد) كإسم النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ولقبه عندهم هو (المهدي).
ومن هنا يعلم أنّ اتّفاق أهل الاَديان السابقة ومعظم الشعوب والقوميات وعباقرة الغرب وفلاسفته ـ مع تعدد الاَديان ، وتباين المعتقدات، واختلاف الاَفكار والآراء والعادات ـ على أصل الفكرة ،
____________
(1) المهدي والمهدوية : 106.
(2) المهدي والمهدوية : 109.
(3) المهدي والمهدوية : 110.
لايمكن أبداً أن يكون بلا مستند لاستحالة تحقّق مثل هذا الاتّفاق جزافاً . فإذا أضفنا إلى ذلك اتّفاق المذاهب الاِسلامية جميعاً على صحة الاعتقاد بظهور الاِمام المهدي في آخر الزمان وأنّه من أهل البيت عليهم السلام ـ كما سيأتي مفصلاً ـ علم أنّ اتّفاقهم هذا لابد وأن يكون معبّراً عن إجماع هذه الاُمة التي لاتجتمع على ضلالة على ماهو مقرر في محلّه ، وحينئذٍ فلا يضرّ اعتقادهم بظهور مهدي أهل البيت عليهم السلام اختلاف تشخيصه عند من سبقهم من أهل الاَديان والشعوب ، إذ بالاِمكان معرفته حق معرفته من خلال مصادر المسلمين المعتمدة لما عُرِف عنهم من اتّباع منهج النقل عن طريق السماع والتحديث شفةً عن شفة وصولاً إلى مصدر التشريع، وبما لانظير له في حضارات العالم أجمع.
تعليق