غدر وخيانة
كان ذلك في السنة السابعة يوم أن فتح صلى الله عليه وسلم خيبر، فما إن وضعت الحرب أوزارها، وبعد أن أكرم النبي صلى الله عليه وسلم اليهود وأبقاهم في ديارهم، وزروعهم على أن لهم نصف الثمر، وأن يقرهم على ذلك ما شاء، ما ان فعل ذلك حتى غدروا وأظهروا كمائن حقدهم عليه صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي، ونفسي التي بين جنبي، فأرادوا أن يفتكوا به كما أراد مثل ذلك بنو النضير في إلقاء صخرة عليه، وهو مستظل بحائط لهم.
غير أن هذه المرة كانوا أكثر خبثاً ودهاء، وذلك ان امرأة منهم تدعى: زينب بنت الحارث، امرأة سلام بن مشكم أهدت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة مشوية، حشتها بالسم، وسألت أي عضو أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقيل لها: الذراع، فأكثرت فيه من السم، ثم سمَّت سائر الشاة وجاءت بها، ووضعتها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتناول الذراع، فلاك منها قطعة فلم يسغها، وأخبره الذراع أنه مسموم فلفظها، وقال: إن هذا العظم يخبر أنه مسموم، وكان معه بشر بن البراء بن معرور، وقد تناول منها فأساغها، فمات رضي الله عنه من ذلك. فدعى صلى الله عليه وسلم بالمرأة فاعترفت، وقال لها ما حملك على هذا؟ فقالت: بلغت من قومي ما لم يخف عليك، فقلت: إن كان كاذباً استرحنا منه، وإن كان نبياً فسيُخبر.
فتجاوز عنها صلى الله عليه وسلم لأنه لم يكن ينتقم لنفسه صلى الله عليه وسلم، وقيل إنه لما مات بشر بن البراء اقتص منها به. وقد أثرت هذه الأكلة عليه صلى الله عليه وسلم، فكان يعاوده أثرها بين الحين والآخر، حتى كان ذلك سبب وفاته بأبي هو وأمي ونفسي التي بين جنبي صلى الله عليه وسلم، كما قال عليه الصلاة والسلام: “ما زالت أكلة خيبر تعاودني حتى قطعت أبهري” أي العرق المتصل بالقلب المسمى بالشرايين. فجمع الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم بذلك بين النبوة والشهادة، وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: “أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى انفسكم استكبرتم ففريقاً كذبتم وفريقاً تقتلون” قال الحافظ ابن كثير في تفسيره 1/،124 وإنما لم يقل وفريقاً قتلتم لأنه أراد بذلك وصفهم في المستقبل أيضاً لأنهم حاولوا قتل النبي صلى الله عليه وسلم بالسم والسحر، ثم ذكر الحديث السابق وقال: وهذا الحديث في صحيح البخاري،
منقول