إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

دلائل ومفاهيم حديث الثقلين

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • دلائل ومفاهيم حديث الثقلين

    بسم الله الرحمن الرحيم
    والحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الأنبياء والمرسلين نبينا وسيدنا وحبيب قلوبنا وشفيع ذنوبنا ابو القاسم محمد(ص) وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على اعدائهم اجمعين من الإنس والجن والجن اجمعين من الأولين والأخرين إلى قيام يوم الدين
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    تمهيد
    إن حديث الثقلين من أصحّ الأحاديث سنداً ودلالة ومحتوى، وهو حديث جامع وشامل لمقامات القرآن والعترة الطاهرة، فلو لم يحدثنا النبي الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلاّ به لكفى، لـما يحتويه من معارف وأدلة قطعية في فضل أهل البيت و وجوب الإقتداء بـهم والتمسك بعروتهم.

    أما معنى ألفاض الخبر فهو واضح لمن كانت له أدنى معرفة باللغة العربية. فقد بيّن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم فضل أهل بيته(ع) على نحو الإيجاز والإعجاز بأفصح لسان وأروع بيان، لا يدع مجالاً لإنكار منزلتهم الرفيعة عند الله جلّت قدرته. ولذلك فإنه ينبغي لهذه الكلمات أن تكتب بدواة من ماء الذهب على صحيفة من فظة مرصّعة بالماس والمجوهرات لعلوّ شأن صاحبـها وسموّ مقام مدلولها و ستبقى مع ذلك مجهولة الشأن و القدر.

    ويجب التذكير بهذا لكي لا نمر عليها مرور الجهلة دون توجه وتدبر غافلين الكنز الذي خبّئ تحت أحرفه، بل ينبغي لنا أن نتأمل كلماته الاّمعة واحدة فواحدة، وأن نمعن النظر في كلّ منها لأنّ فيها لعلماً جمّاً لو وُجد له حملة.

    وإليكم فيما يلي بيان وشرح مختصر لبعض ما ورد في هذا الحديث من خصوصيات لأهل البيت عليهم السلام لا يتقدمهم فيها أحد، وفضائل لا يلحقهم فيها بشر، وشرف لا يسبقهم إليه خلق أبدا..

    أما القرآن فهو بصريح بيانه نور وحكمة وموعظةوشفاء ورحمة وذكر وهدى وبرهان وتذكرة وميزان وفرقان وبيان

    وقد روي في فضله عن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام عن أبيه عن آبائه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (أيها الناس، إنكم في زمان هدنة، وأنتم على ظهر السفر والسير بكم سريع، فقد رأيتم الليل والنهار والشمس والقمر يبليان كل جديد ويقرّبان كل بعيد ويأتيان بكل موعود، فأعدّوا الجهاز لبعد المفاز). فقام المقداد فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ما دار الهدنة؟ قال : (دار بلاء وانقطاع، فإذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم فعليكم بالقرآن، فإنه شافع مشفّع وماحل مصدّق، من جعله أمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلفه ساقه إلى النار، وهو الدليل يدل على خير سبيل، وهو كتاب فيه تفصيل وبيان وتحصيل، وهو الفصل ليس بالهزل، وله ظهر وبطن، فظاهره حكمة وباطنه علم، ظاهره أنيق وباطنه عميق، له تخوم وعلى تخومه تخوم، لا تحصى عجائبه ولا تبلى غرائبه، فيه مصابيح الهدى ومنار الحكمة ودليل المعروف لمن عرفه)

    فهذا هو مقام القرآن.. فلنلق نظرة على منزلة قرنائه.. وقبل ذلك لنلقي تظرة على إسناد حديث الثقلين وطرقه وبعض من تلك النصوص والأحاديث الدالة على التمسك بالقرآن والعترة الطاهرة عليهم السلام:

    أولاً:إسناد حديث الثقلين وطرقه:
    إنّ سند حديث الثقلين أصحّ وأوضح من أن يناقش، ولذا فقد ارتكزت أبحاث الكتاب في محتوى الحديث ودلالاته، لا في سنده و رجاله. لكنني أوردت هذا الفصل لمن يريد التتبع في سند الحديث بشكل موجز وعبر المصادر الأولية لدى السنّة. أما في المصادر الشيعية، فقد ورد الحديث بشكل مكثف وواسع و هو من المسلمات التي لا يشك أحد فيها. ولقد تواتر بل فاق حدّ التواتر لدى الفريقين، وهو مروي عن عدد كبير من الصحابة والتابعين، وذلك لأن النبي محمد(ص) ذكره مرارا وتكرارا، وقد أورده أرباب الرواية في صحاحهم وفي الكثير من الكتب المعتبرة عند الشيعة والسنة على حد سواء.

    ولا يمكن مقارنة سند هذا الحديث ومعانيه، وما يؤيده من أدلة وبراهين من الكتاب والسنّة والعقل، مع حديث "كتاب الله وسنّتي" الذي لا سند له يمكن الاعتماد عليه رغم شيوعه بين العوام من الناس، بيد أنه لم يذكر في صحيح البخاري ولا في صحيح مسلم ولا أي واحد من الصحاح الستة! فرب مشهور لا أصل له!. فلم يُروَ الحديث هذا عن أعلام السنة، سوى القليل كابن حجر في الصواعق، وهو خبر مرسل دون سند، ومالك بن أنس حيث نقله في الموطأ، وهو خبر مرفوع لا سند له.. فقد قال راوي الموطأ: (حدثني عن مالك أنه بلغه أن رسول الله(ص) قال: ... الحديث)
    موطأ مالك: ج2 ص46
    فقد رفعه من دون ذكر سند.. ولسنا في صدد البحث في هذا الحديث، ففي حديث الثقلين؛ (كتاب الله وعترتي) ما يغنينا عن الغور في ما سواه.

    وواضح أن السبب في تأليف هذا الحديث هو تعرض حديث الثقلين لما تعرضت له باقي الأحاديث المروية في فضائل أهل البيت(ع) من تحريف و تزوير من قِبل من باع آخرته بدنيا غيره من الرواة و المحدّثين، الذين عمدوا إلى أحاديث رسول الله(ص) فأرادوا أن يطفئوا نور الله بأفواههم و لكن يأبى الله إلا أن يتم نوره و لو كره الكافرون..

    ولا إشكال في اختلاف ألفاظ حديث الثقلين لأن ذلك عائد إلى تكرار ذكر الحديث من قبل النبي محمد(ص) في عدة أماكن ومواقف وكذلك وسعة دائرة الرواة، ولا يوجد أي تعارض بين مفاد هذه الأحاديث مطلقا.

    قال سماحة العلامة السيد شرف الدين في كتاب المراجعات ص51 في المراجعة رقم 8.
    بعد الاستشهاد بحديث الثقلين: (والصحاح الحاكمة بوجوب التمسك بالثقلين متواترة، وطرقها عن بضع وعشرين صحابيا متضافرة، وقد صدع بـها رسول الله(ص) في مواقف له شتى: تارة يوم غدير خم كما سمعت، وتارة يوم عرفة في حجة الوداع، وتارة بعد انصرافه من الطائف، ومرة على منبره في المدينة، وأخرى في حجرته المباركة في مرضه، والحجرة غاصة بأصحابه إذ قال: (أيها الناس يوشك أن اقبض قبضا سريعا فينطلق بي، وقد قدمت إليكم القول معذرة إليكم ألا إني مخلف فيكم كتاب الله عز و جل، وعترتي أهل بيتي، ثم أخذ بيد علي فرفعها فقال: هذا علي مع القرآن والقرآن مع علي لا يفترقان حتى يردا علي الحوض) الحديث. وقد اعترف بذلك جماعة من أعلام الجمهور، حتى قال ابن حجر: (ثم اعلم إن لحديث التمسك بهما طرقا كثيرة وردت عن نيف وعشرين صحابيا..) وفي بعض تلك الطرق أنه قال ذلك بحجة الوداع بعرفة، وفي أخرى أنه قاله بالمدينة في مرضه، وقد امتلأت الحجرة بأصحابه، وفى أخرى أنه قال ذلك بغدير خم، وفى أخرى أنه قال ذلك لما قام خطيبا بعد انصرافه من الطائف كما مر ولا تنافى، إذ لا مانع من أنه كرر عليهم ذلك في تلك المواطن وغيرها اهتماما بشأن الكتاب العزيز والعترة الطاهرة..)
    انتهى ما أردنا نقله من كتاب المراجعات. و تجد ما نقله السيد من كلام ابن حجر في ص 75 و ص89 من صواعقه

    أمّا عدد رواة الحديث من الصحابة فهو 38 صحابي منهم:

    (1)الإمام علي بن أبي طالب(ع).
    (2)الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب(ع).
    (3)الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب(ع).
    (4) جابر بن عبد الله
    (5) خزيمة بن ثابت
    (6) زيد بن ثابت
    (7) سهيل بن سعد
    (8) ضميرة الأسدي
    (9) عامر بن أبي ليلى الغفاري
    (10) عبد الرحمن بن عوف
    (11) عبد الله بن عباس
    (12) عبد الله بن عمر
    (13) عدي بن حاتم
    (14) عقبة بن عامر
    (15) زيد بن أرقم
    (16) أبو ذر الغفاري
    (17) أبو رافع
    (18) أبو ضريح الخزاعي
    (19) أبو قدامة الأنصاري
    (20) أبو هريرة
    (21) أبو الهيثم بن التيهان
    (22) أم سلمة
    (23) أم هاني بنت أبي طالب
    (24) أبو سعيد الخدري
    (25) حذيفة بن أسيد وغيرهم

    وقد تواتر هذا النقل أيضاً في عهد التابعين، وإليكم بعض من نقل منهم حديث (كتاب الله وعترتي):

    (1) الإمام زين العابدين علي بن الحسين(ع)
    (2) عطية بن سعيد العوفي
    (3) حنش بن المعتمر بن الإمام علي بن أبي طالب(ع)
    (4) الحارث الهمداني
    (5) حبي بن أبي ثابت
    (6) علي بن ربيعة
    (7) القاسم بن حسان
    (8) حصين بن سيرة
    (9) عمرو بن مسلم
    (10) أبو الضحى مسلم بن صبيح
    (11) يحيى بن جعدة
    (12) الأصبغ بن نباته
    (13) عبد الله بن أبي رافع
    (14) المطلب بن عبد الله بن حنطب
    (15) عبد الرحمن بن أبي سعيد
    (16) عمر بن الإمام علي بن أبي طالب(ع)
    (17) فاطمة بنت الإمام علي بن أبي طالب(ع)
    (18) الحسن بن الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب(ع9
    (19) أبو الطفيل عامر بن واثلة وغيرهم.

    وقد نقل الحديث أكثر من 323 شخصا من أعلام الأمة وحفّاظ الحديث ومشاهير الطائفة بعد الصحابة والتابعين، وقد ذكرهم بالتفصيل العلاّمة المحدِّث الخبير الشيخ مير حامد حسين الهندي في كتابه "عبقات الأنوار" الذي يقع في عشرات المجلدات، وهو بحق سفر عظيم لم ير مثله، وقد جمع المؤلف مئات المصادر التي تناقلت وروت حديث الثقلين من كتب أهل السنة، وقد تم حتى الآن تلخيص بعض مجلداته الضخمة، كما يقع ملخص كتاب أسناد حديث الثقلين عند السنّة في أكثر من ألف صفحة!

    1ـ وقد ورد الخبر في كتب الحديث المعتبرة عند أهل السنة منها صحيح مسلم ـ ج4 ص123 دار المعارف ـ بيروت لبنان، (الحديث رقم 4425 ـ موسوعة الحديث الشريف ـ الإصدار الثاني). وذلك بثلاث طرق ترجع إلى حيّان بن سعيد التميمي الذي وثقه الذهبي في تـهذيبه وكذلك اليافعي في مرآة الجنات ج1 ص301، نقلاً عن كتاب "الحقيقة الضائعةوالعسقلاني في تقريب التهذيب ج2 ص348.


    كما لا يخفى أن كون الحديث مرويا في صحيح مسلم حاكم على صحته عند أهل السنة، لإجماعهم على تصحيح كلّ رواياته، كما صرح بذلك مسلم نفسه والنووي وغيره ممن لا يسع المقام لإيرادهم ولبداهة المدّعى.

    2ـ رواية الحديث عند الحافظ أبي عبد الله الحاكم النيسابوري في مستدركه على البخاري، ومسلم: ج3 ص27 باب معرفة الصحابة، دار المعرفة، بيروت ـ لبنان. وذلك بأربعة طرق وممّا يدلّ على صحة الحديث وتواتره أن الحاكم أخرجه وحكم بصحته على شرط البخاري ومسلم.

    3ـ مسند أحمد بن حنبل وذلك بتسعة طرق مختلفة في ج3 ص17 وص26 وص14 وغير ذلك (كما سيأتي في باب نصوص الأحاديث).

    4ـ سنن الترمذي ج5 ص663ـ662 دار إحياء التراث العربي بيروت ـ لبنان. وقد أورد الحديث بطريقين مختلفين، أحدهما عن الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الأنصاري والآخر عن زيد بن أرقم.

    5ـ كما أورد هذا الحديث الشيخ علاء الدين علي المتّقي بن حسام الدين الهندي المتوفى سنة 975ه‍ في كتابه "كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال" وذلك في ج1 ب2، باب الاعتصام بالكتاب والسنة ص172 طبعة مؤسّسة الرسالة، بيروت ـ لبنان، الطبعة الخامسة، سنة 1985م وهو الحديث رقم810 و871 و872 و873.

    ولو استرسلنا في هذا الباب لإيراد الكتب التي روته وتوثيق رواته لطال بنا المقام ولاحتاج موسوعة لوحدها. وللتفصيل راجعوا كتاب إحقاق الحق للشيخ أسد الله التستري ج9 ص311، وكذلك موسوعة عبقات الأنوار ـ كتاب حديث الثقلين ـ.

    وسوف نذكر هنا مجموعة من الحفاظ والعلماء الذين رووا الحديث كنموذج لا للحصر.

    (1) الحافظ الطبراني المتوفى سنة 340 في (المعجم الصغير).
    (2) الشيخ محبّ الدين الطبري (في ذخائر العقبى).
    (3) الشيخ إبراهيم بن محمد بن أبي بكر الحمويني في (فرائد السمطين).
    (4) ابن سعد في طبقاته الكبرى.
    (5) الحافظ نور الدين الهيثمي في (مجمع الزوائد).
    (6) الحافظ السيوطي في (إحياء الميت).
    (7) الحافظ العسقلاني في (المواهب اللدنية).
    (8) الشيخ النبـهاني في (الأنوار المحمّدية).
    (9) الشيخ الدارمي في سننه.
    (10) الحافظ أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي في (السنن الكبرى).
    (11) الشيخ البغوي في (مصابيح السنة).
    (12) الحافظ أبو الفداء بن كثير الدمشقي في (تفسير القرآن).
    (13) وفي (جامع الأصول) لابن الأثير.
    (14) أحمد بن حجر الهيثمي المكّي في كتابه (الصواعق المحرقة في الردّ على أهل البدع والزندقة) الطبعة الثانية سنة 1954م مكتبة القاهرة ـ شركة الطباعة الفنية المتحدة ـ.
    وفي رواية عن الطبراني عن ابن عمر: آخر ما تكلم به النبي محمد(ص) : (اخلفوني في أهل بيتي). وفي أخرى عند الطبراني وأبي الشيخ: (أن لله ثلاث حرمات فمن حفظهن حفظ الله دينه ودنياه، ومن لم يحفظهن لم يحفظ الله دنياه ولا آخرته. قلت ما هن؟ قال حرمة الإسلام وحرمتي وحرمة رحمي).

    وفي رواية للبخاري عن أبي بكر من قوله (يا أيها الناس أرغب محمد(ص) في أهل بيته(ع)؟!) أي احفظوه فيهم فلا تؤذوهم.

    وأخرج ابن سعد الملاّ في سيرته: أنّه قال: (أستوصي بأهل بيتي(ع) خيرا فإنّي أخاصمكم عنهم غدا ومن أكنَّ خصمه ومن أخصمه دخل النار)، وأنّه قال: (من حفظني في أهل بيتي(ع) فقد اتخذ عند الله عهدا).

    وروي أيضا (أنا وأهل بيتي شجرة في الجنة وأغصانها في الدنيا فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا)( لعله يكون إشارة إلى قوله تعالى: (قل لا أسألكم عليه أجرا إلاّ المودة في القربى) وقوله تعالى: (لا أسألكم عليه أجرا إلاّ من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا) والجمع بينهما، والثاني حديث: (في كلّ خلف في أمتي عدول من أهل بيتي ينفون عن هذا الدين تحريف الضالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين ألا إن أئمتكم وفدكم إلى الله عز و جل فانظروا من توفدون..) ثمّ قال: سمى رسول الله القرآن وعترته ـ وهي بالمثناة الفوقية، الأهل والنسل ورهط الأدنون ـ ثقلين، لأنّ الثقل كلّ نفيس خطير مصون وهذان كذلك، إذ كلّ منهما معدن للعلوم اللدنية والأسرار والحكم العليا والأحكام الشرعية، ولذا حثّ رسول الله(ص) على الاقتداء والتمسك بـهم والتعلم منهم وقال: (الحمد لله الذي جعل فينا الحكمة أهل البيت).

    وقيل: سمّيا ثقلين لوجوب رعاية حقوقهما، ثمّ الذين وقع الحث عليهم منهم إنّما هم العارفون بكتاب الله وسنة رسوله(ص) إذ هم الذين لا يفارقون الكتاب إلى الحوض. ويؤيدهم الخبر السابق (ولا تعلّموهم فانهم أعلم منكم)، فتميزوا بذلك عن بقية العلماء، لأنّ الله أذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا. الصواعق المحرقة لابن حجر

    فيا عجبا من قوله هذا وهو من ألدّ الخصام لأتباع أهل البيت(ع) وهو الذي يصنفهم من الفرق الضالّة الكافرة ويعتبرهم من الزنادقة! هذا وهو يدّعي حبّ أهل البيت)(ع) ووجوب الانقطاع في أخذ الدين عنهم ويعترف بلزوم التمسّك بـهم وهو الذي يعقَّهم بالأخذ من أعدائهم وسبّ شيعتهم ومحبيهم الموالين لهم.

    أفلا ينبغي لمن علم بعلو مقام أهل البيت(ع) ورفعة منزلتهم لدى الله عز و جل أن يتّخذ منهم قدوة وأسوة ونبراساً ينير به الطريق؟!

    ثانياً:نصوص الحديث في الصحاح والمسانيد:

    أمّا نصوص الحديث في الصحاح الستة فنوردها فيما يلي مع ذكر السند ورقم الحديث

    1-حدّثني زهير بن حرب وشجاع بن مخلّد جميعا عن ابن جليه قال زهير حدثنا إسماعيل بن إبراهيم حدثني أيوحيان حدّثني زيد بن حيّان قال انطلقت أنا وحصين بن سبرة وعمر بن مسلم إلى زيد بن أرقم فلمّا جلسنا إليه قال له حصين: لقد لقيت يا زيد خيرا كثيرا رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسمعت حديثه وغزوت معه وصليت خلفه لقد لقيت يا زيد خيرا كثيرا حدّثنا يا زيد ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . قال: يا بن أخي، والله لقد كبر سنّي وقدم عهدي ونسيت بعض الذي كنت أعي من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فما حدّثتكم فاقبلوا وما لا فلا تكلّفونيه، ثمّ قال: قام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوما فينا خطيبا بماء يدعى خمّا بين مكّة والمدينة فحمد الله وأثنى عليه ووعّظ وذكّر، ثمّ قال: أمّا بعد ألا أيّها الناس فإنّما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربّي فأجيب وأنا تاركٌ فيكم الثقلين، أوّلهما كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به. فحثّ على كتاب الله ورغّب فيه. ثمّ قال: وأهل بيتي. أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي. فقال له حصين: ومن أهل بيته يا زيد؟ أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال نساؤه من أهل بيته ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده. قال: ومن هم؟ قال: هم آل علي(ع) وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس قال كلّ هؤلاء حرم الصدقة؟ قال: نعم.

    وحدّثنا محمّد بن بكار بن الريّان حدّثنا حسّان يعني ابن إبراهيم عن سعيد بن مسروق عن يزيد بن حيّان عن زيد بن أرقم عن النبي . وساق الحديث بنحوه بمعنى حديث زهير حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدّثنا اسحق بن إبراهيم أخبرنا جرير كلاهما عن أبي حيّان بهذا الاستناد نحو حديث إسماعيل، وزاد في حديث جرير: كتاب الله فيه الهدى والنور من استمسك به وأخذ به كان على الهدى، ومن أخطأه ضلّ.

    حدّثنا محمد بن بكار بن الريّان حدّثنا حسان يعني ابن إبراهيم عن سعيد وهو ابن مسروق عن يزيد بن حيّان عن زيد بن أرقم قال دخلنا عليه فقلنا له: لقد رأيت خيرا صاحبت رسول الله وصليت خلفه.. وساق الحديث بنحو حديث أبي حيّان، غير أنّه قال: ألا وإنّي تارك فيكم الثقلين، أحدهما كتاب الله عز و جل هو حبل الله من اتبعه كان على الهدى، ومن تركه كان على ضلالة. (وفيه) فقلنا: من أهل بيته؟ نساؤه؟ قال: لا وأيم الله إنّ المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر، ثمّ يطلقها فترجع إلى أبيها وقومها. أهل بيته أصله الذي حرموا الصدقة وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده
    صحيح مسلم (كتاب فضائل الصحابة) باب فضائل الإمام علي: ج7 ص123 ط دار المعرفة بيروت، رقم 4425/ مسند أحمد كتاب أول مسند الكوفيين، باب حديث زيد بن أرقم ص367 ط دار صادر بيروت رقم 18464.
    2-حدّثنا أسود بن عامر أخبرنا أبو إسرائيل يعني إسماعيل الملائي عن عطية عن أبي سعيد قال: قال رسول الله(ص) : إنّي تارك فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض
    مسند أحمد: رقم 106811.
    3-حدّثنا أبو النضر حدثنا محمد يعني ابن طلحة عن الأعمش عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري عن النبي محمد(ص) قال: إني أوشك أن أدعى فأجيب وإنّي تارك فيكم الثقلين، كتاب الله عز و جل وعترتي، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي. وإن اللطيف الخبير أخبرني أنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض، فانظروني فيم تخلفوني فيهما
    مسند أحمد كتاب باقي مسند المكثرين، باب الخدري ج3 ص17 ط دار صادر بيروت رقم 10707.
    4-حدثنا ابن نمير حدثنا عبد الملك بن أبي سليمان عن عطية عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله : قد تركت فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله عز و جل حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي إلاّ إنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض
    مسند أحمد كتاب باقي مسند المكثرين، باب الخدري ج3 ص26 ط دار صادر بيروت رقم 10779.
    5-حدثنا ابن نمير حدثنا عبد الملك بن أبي سليمان عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله(ص) : إني قد تركت فيكم ما به لن تضلوا بعدي الثقلين أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله عز و جل حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي إلاّ إنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض.
    مسند أحمد كتاب باقي مسند المكثرين، باب الخدري ج3 ص597 ط دار صادر بيروت رقم 11135.

    6-حدثنا أسود بن عامر حدثنا إسرائيل بن عثمان بن المغيرة عن عبي بن ربيعة قال: لقيت زيد بن أرقم وهو داخل على المختار أو خارج من عنده، فقلت له: أسمعت رسول الله(ص) : يقول: إني تارك فيكم الثقلين. قال: نعم
    مسند أحمد كتاب أول مسند الكوفيين، باب حديث زيد بن أرقم ص371 ط دار صادر بيروت رقم 18508.
    7-حدثنا الأسود بن عامر حدثنا شريك عن الركين عن القاسم بن حسّان عن زيد بن ثابت قال: رسول الله(ص) : إنّي تارك فيكم خليفتين: كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض أو ما بين السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض(ولكن كيف يقول الرسول(ص) ان القرآن وأهل البيت(ع) هم الخليفتين على المسلمين ويكون ابوبكروعمر وغيرهم الخلفاء دون أهل البيت(ع))؟!.
    مسند أحمد كتاب مسند الأنصار، باب حديث زيد بن ثابت ص182 ط دار صادر بيروت رقم 20596..مجمع الزوائدج9ص137 وقال رواه احمد وإسناده جيد
    8-حدثنا أبو أحمد الزبيري حدثنا شريك عن الركين عن القاسم بن حسّان عن زيد بن ثابت قال: قال رسول الله : إني تارك فيكم خليفتين، كتاب الله وأهل بيتي وإنّهما لن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض جميعا
    مسند أحمد كتاب مسند الأنصار، باب حديث زيد بن ثابت ص189 ط دار صادر بيروت رقم 20667.
    9-حدثنا جعفر بن عون حدثنا أبو حيان عن زيد بن حيان عن زيد بن أرقم قال: قام رسول الله يوما خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال يا أيّها الناس إنّما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربّي فأجيبه وإنّي تارك فيكم الثقلين أوّلهما كتاب الله فيه الهدى والنور، فتمسّكوا بكتاب الله خذوا به، فحثّ عليه ورغب فيه. ثمّ قال: (وأهل بيتي, أذكركم في أهل بيتي) ثلاث مرّات
    مسند أحمد: رقم 3182.
    10-حدثنا نصر بن عبد الرحمن الكوفي حدثنا زيد بن الحسن هو الأنماطي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله قال: رأيت رسول الله حجته يوم عرفة وهو على ناقة الصقواء يخطب، فسمعته يقول: يا أيها الناس إنّي قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي.
    قال: وفي الباب عن أبي ذر وأبي سعيد وزيد بن أرقم وحذيفة بن أسيد، قال: وزيد بن الحسن قد روي عنه سعيد بن سليمان وغير واحد من أهل العلم
    سنن الترمذي (كتاب المناقب عن الرسول، باب مناقب أهل بيت النبي محمد(ص)) ص262 رقم 3718 ط دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.
    11-حدثنا علي بن المنذر الكوفي حدثنا محمد بن فضيل حدثنا الأعمش عن عطية عن أبي سعيد والأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن زيد بن أرقم رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله : إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما.
    قال هذا حديث حسن
    سنن الترمذي (كتاب المناقب عن الرسول، باب مناقب أهل بيت النبي محمد(ص)) ص263 رقم 3720 ط دار إحياء التراث العربي ـ بيروت

    12-عن عيسى بن عبد الله بن مالك عن عمر بن الخطاب: سمعت رسول الله يقول: أيها الناس إنّي فرط لكم وإنّكم واردون عليّ الحوض، حوضا عرضه ما بين صنعاء إلى بصرى فيه قدحان عدد النجوم من فضّة وإني سائلكم حين تردون عليّ عن الثقلين، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، السبب الأكبر كتاب الله طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم، فاستمسكوا به ولا تبدلوا، وعترتي أهل بيتي، فإنّه قد نبّأني اللطيف الخبير أنهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض. فقلت: يا رسول الله من عترتك؟ قال: أهل بيتي من ولد علي وفاطمة وتسعة من صلب الحسين، أئمّة أبرار، هم عترتي من لحمي ودمي.
    كفاية الأثر: ص91

    13-بالاسناد الصحيح الى زيد بن ارقم قال : خطب رسول اللّه (ص ) بغدير خـم تحت شجرات , فقال : [ايها الناس , يوشك ان ادعى فاجيب , واني مسؤول وانكم مسؤولون , فماذا انتم قائلون ؟].
    قـالوا: نشهد انك قد بلغت وجاهدت ونصحت , فجزاك اللّه خيرا, فقال : [اليس تشهدون ان لا اله الا اللّه . وان مـحمدا عبده ورسوله , وان الجنة حق . وان ناره حق , وان الموت حق ,وان البعث حق بعد الـمـوت , وان الـسـاعـة آتـيـة لاريب فيها, وان اللّه يبعث من في القبور]؟قالوا: بلى نشهد بذلك .
    قـال (ص ): [اللهم اشهد], ثم قال : [يا ايها الناس ان اللّه مولاي , وانامولى المؤمنين , وانا اولى بهم من انفسهم , فمن كنت مولاه فهذا مولاه - يعني عليا- اللهم وال من والاه , وعاد من عاداه ].
    ثـم قال : [يا ايها الناس اني فرطكم , وانكم واردون علي الحوض , حوض اعرض مما بين بصرى الى صـنـعاء, فيه عدد النجوم قدحان من فضة . واني سائلكم حين تردون علي عن الثقلين , كيف تخلفوني فيهما, الثقل الاكبر كتاب اللّه عزوجل , سبب طرفه بيداللّه تعالى ,وطرفه بايديكم , فاستمسكوا به ولا تـضـلوا ولاتبدلوا, وعترتي اهل بيتي , فانه قد نباني اللطيف الخبير انهما لن ينقضيا حتى يردا علي الحوض ].
    الطبراني في معجمة [ج5: 167]/المستدرك ج3ص109
    ولا بأس بذكر هذا الحديث
    قال رسول الله(ص):
    النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق وأهل بيتي أمان لأمتي من الإختلاف فإذا خالفتها قبيلة من العرب إختلفوا فصارو حزب إبليس
    المستدرك ج3ص149 وصححة الصواعق المحرقةص140 وصححة
    يتبع بإذن الله...
    تحياتي والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

  • #2
    بسم الله الرحمن الرحيم
    والحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الأنبياء والمرسلين نبينا وسيدنا وحبيب قلوبنا وشفيع ذنوبنا ابو القاسم محمد(ص) وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على اعدائهم اجمعين من الإنس والجن والجن اجمعين من الأولين والأخرين إلى قيام يوم الدين
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    نكمل الموضوع ونأتي الأن يدلائل حدبث الثقلين:
    الدلالة الأولى:
    اهل البيت(ع) اعلم الناس بعد الرسول(ص):
    إذا وضعت شيئين في كفتي ميزان فتساويا، فإن ذلك يعني أنهما متساويين من حيث الوزن.. وإذا تساوى شيئان من حيث الشكل والمظهر أيضا، فذلك يرمز إلى اتساع دائرة الاشتراك بينهما.. كما أن إطلاق تسمية معيّنة على هذين الشيئين يشير إلى نقطة الاشتراك بينهما، مع العلم أن من الممكن أن تكون هناك نقاط اشتراك أخر، لكن التسمية المثناة تتبع نقطة الاشتراك التي يراد التركيز عليها.

    فقولنا "هذان رجلان" إشارة إلى شخصين مشتركين في الرجولة، ولا يهمنا وزنهما أو شمائلهما لأننا نريد إعطاء الصدارة إلى خصلة التذكير وكون كل منهما رجل.

    فإطلاق تسمية "الثقلين" على الكتاب والعترة يعني اشتراك هذين الشيئين في كونهما ثقلين والثَقَل في اللغة يعني الشيء الخطير النفيس.

    فمجرّد اقتران العترة بالقرآن في هذه الخصلة بالذات دليل على عظم خطرها وجلالة شأنـها وعلوّ مقامها وأعلميتها من سائر الخلق بعد الرسول(ص) ، وذلك لأنّ النبي محمد(ص) قد أرجع الناس جميعاً إليهم بما في ذلك الصحابةبمن فيهم ابوبكر وعمر وعثمان ، ولم يستثني أحدا من الخلق، ولم يُرجع أهل بيته(ع) إلى أحد، ولم نشهد حديثاً أو موقفاً يأمرهم فيه النبي محمد(ص) باتباع أحد من الناس.ولا موقفاً رجع فيه اهل البيت(ع) إلى احداً من الناس

    فالناس بحاجة إليهم وليسوا بحاجة إلى الناس، وقد جعل النبي محمد(ص) كلاّ من الكتاب والعترة قرينين وعدلين، وربما كان "الثقل" بكسر الثاء وتسكين القاف بمعنى الثقيل لأن التمسك بـهما ثقيل.

    فلو كان في الأمّة شخص أو مجموعة في مقام العترة أو أفضل منها، لما أمر النبي محمد(ص) بالتمسك بالعترة بشكل خاص بل لأمر العترة باتباع ذلك الشخص أو الأشخاص-فلو كان الخلفاء الثلاثة الذين سبقوا امير المؤمنين الإمام علي(ع) افظل منه لأمره بالتمسك بهم ولكن هذا لم يحدث بل على العكس تماما بل ارهم بإتباع الإمام علي(ع) وأهل البيت(ع) ولم يثتثنيهم من هذا الأمر، ولما خصص الهداية للأمّة في التمسّك بعترته وأهل بيته ولما أفردهم في ذلك، كما خصّص ذلك بالأخذ بالقرآن والجمع بينه وبين أهل البيت (ع).

    كما أن الحديث يدلّ على تمييزهم وعلمهم بتفاصيل الشريعة الغرّاء، وذلك لاقترانهم بالكتاب الذي لا يغادر صغيرة ولا كبيرة، ولذلك فإن قولهم ليس من باب الاجتهاد بالرأي ـ بالمعنى المصطلح ـ أو القول بالقياس والحدس وما شابه ذلك، وإنّما هو بمثابة التشريع وفي مقام بيان أحكام الله عز و جل. وهنالك روايات أخرى تدلّ على أعلمية أهل البيت، ومنها قول النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم: (أقضاكم علي)- والقضاء يستلزم الدين و العلم ومعرفة ابواب الفقه كلها-
    : صحيح البخاري في كتاب التفسير باب قوله تعالى : ( مَا نَنْسَخ مِنْ آيَة أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْر مِنْهَا ) كذا في الدرّ المنــثور، وعن النسائي أيضاً، وابن الأنباري ، ودلائـــــــــل النبوّة للبيهقي، وهو في الطبقات لابن سعد، وفي المسند لأحمد بن حنبل ، وبترجمته (عليه السلام) من ســـــــنن ابن ماجة، وفي المستدرك على الصحيحين وقد صحّحه، وفي الاستيعاب، وأُســـــــــد الغابة، وحليـة الأولياء، وفي الرياض النضرة، وتارخ ابي الفداء
    وقوله(ص): (أنا مدينة العلم وعلي بابـها، فمن أراد المدينة والحكمة فليأتـها من بابـها).. و أوضح مدلول على أعلميتهم من خلال حديث الثقلين هو قول النبي محمد(ص)في كثير من نصوص الحديث ـ كما سيأتي لاحقاً ـ : (لا تعلّموهم فإنـهم أعلم منكم)
    وقد اقر واعترف الصحابة و علماء العامة بإفضبلية وأعلمية اهل البيت(ع) على الأخرين:
    فقد قال عمر بن الخطاب إلى الإمام علي(عليه السّلام : أنت خيرُهم فتوىً))
    الطبقات الكبرى لابن سعد (2/420) طبع دار إحياء التراث العربي بيروت و2/2/102 ط ليدن، و(2/339) ط صادر
    وقد تعدّدت الرواية عن عمر أنّه قال: «أقضانا عليّ))
    المصدر السابق من الطبقات لمواضع السابقة، وانظر (2/420) ط دار إحياء، ومستدرك الحاكم (3/305).
    واخرج الحافظ العاصمي في كتابه زين الفتى في شرح سورة هل
    اتى، من طريق شيخه ابي بكر محمد بن‏اسحاق بن محمشاد
    يرفعه: ان رجلا اتى عثمان بن عفان وهو امير المؤمنين وبيده
    جمجمة انسان ميت، فقال:انكم تزعمون النار يعرض على هذا
    وانه يعذب في القبر وانا قد وضعت عليها يدي فلا احس منها
    حرارة‏النار؟؟؟. فسكت عنه عثمان وارسل الى علي بن ابي طالب
    المرتضى يستحضره، فلما اتاه وهو في ملا من‏اصحابه قال
    للرجل: اعد المسالة. فاعادها، ثم قال عثمان بن عفان: اجب
    الرجل عنها يا ابا الحسن فقال‏علي: «ائتوني بزند وحجر» والرجل
    السائل والناس ينظرون اليه، فاتي بهما فاخذهما وقدح منهما
    النار،ثم‏قال الرجل: «ضع يدك على الحجر»، فوضعها عليه ثم
    قال: «ضع يدك على الزند»، فوضعها عليه فقال:«هل احسست
    منهما حرارة النار»، فبهت الرجل، فقال عثمان: لولا علي لهلك
    عثمان.
    وقال عبد الله بن مسعود: أقضى أهل المدينة الإمام علي بن أبي طالب(ع) وفي رواية..كنا نتحدث.....
    المصدر السابق,نفس الموضع.
    وقال ابن عباس: إذا حدّثنا ثقة عن عليٍّ(ع)بفُتيا، لا نعدوها
    الطبقات، نفس الموضع
    وقالت عائشة: عليٌّ أعلم الناس بالسُنّة
    تاريخ ابن معين (2/63) رقم 123.
    وسئل معاوية عن مسألة، فقال للسائل: سَلْ عنها عليّ بن أبي طالب، فإنّه أعلم، كان رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم يغُرُّه بالعلم غرّاً
    فضائل الصحابة لأحمد (2/675) رقم 1153؛ مناقب ابن المغازلي (ص34) رقم 52، وتاريخ ابن عساكر، ترجمة علي عليه السّلام (1/369) رقم 410 و411، وانظر مادة (غرر) من نهاية ابن الأثير ولسان العرب
    وقال معاوية ـ لمابلغه نعيُ الإمام عليه السّلام : ذهبَ الفقهُ والعلم بموت ابن أبي طالب
    الاستيعاب (2/463) وفتح الملك العليّ للصديق (ص44).
    ويُمكن أنْ يُستدلّ على أعلميّة عليّ عليه السّلام بالسُنّة بأنّه كان أكثر الصحابة حديثاً، حتّى سُئِلَ عليه السّلام : مالك أكثر أصحاب رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم حديثاً؟ فقال: إنّي كنتُ إذا سألتُ أنبأني، وإذا سكَتُّ ابتدأني
    طبقات ابن سعد (2/420) ط إحياء، والحاكم في المستدرك (3/125) وابن عساكر في تاريخ دمشق، ترجمة الإمام (2/452) رقم 988 وروى قوله عليه السّلام : «كنت ...» إلى آخره في صحيح الترمذي (5/640) رقم 3729.
    مع أنّ الصحابة: «كانوا لا يتجرأون هُمْ على مسألة النبيّ صلّى الله عليه و آله و سلّم ، يوقّرونه، ويهابونه
    صحيح الترمذي (5/645) رقم 3742.
    بالإضافة إلى ذلك قول عمر في اكثر من 70 موضوع ((لولا علي(ع) لهلك عمر))
    وقال ابن عمر في الحسن والحسين عليهما السّلام : ابنا رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم إنّهما كانا يُغرّان العلم غرّاً
    تاريخ ابن عساكر ـ ترجمة الإمام الحسين عليه السّلام ـ (ص197) رقم (176 و177) وانظر النهاية لابن الأثير (غرر) وكذلك لسان العرب والطبراني في المعجم الصغير (1/184) ط المدينة، وتاريخ بغداد (9/366) رقم 4936.

    قال بن حزم(ما رأيتُ هاشميّاً أفضل من عليّ بن الحسين(ع)، وما
    رأيتُ أحداً كان أفقه منه))
    تاريخ ابن عساكر ـ ترجمة الإمام السجّاد عليه السّلام ـ الحديث 45 ومختصر ابن منظور له (17/240) وسير أعلام النبلاء (4/394).

    وقال الشافعي: إنّ علي بن الحسين أفقه أهل البيت عليهم السّلام
    شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد (15/274).

    وقال أبو حنيفة ـ إمام الحنفيّة ـ ما رأيتُ أفقه من جعفر بن محمّد الصادق(عليهما السلام)وقد اخذوا عنه هو ومالك وغيرهم من علماء اهل السنه
    تهذيب الكمال (5/79).
    ويقول الالوسي البغدادي وهو من أعلام العامة، في كتابه التحفة الاثنا عشرية ص8: هذا أبو حنيفة وهو من أهل السنة يفتخر ويقول بأفصح لسان: ((لولا السنتان لهلك النعمان )) يعني السنتين اللتين جلس فيهما لأخذ العلم عن الإمام الصادق(ع)

    وفي تذكرة الحفاظ للذهبي: ج1 /157.
    قال أبو حنيفة: ما رأيت أفقه من جعفر بن محمد، لما أقدمه المنصور بعث إلي فقال: يا أبا حنيفة إن الناس قد افتتنوا بجعفر بن محمد، فهيئ له من المسائل الشداد.
    فهيأت له أربعين مسألة، ثم بعث إلي أبو جعفر و هو بالحيرة فأتيته فدخلت عليه و جعفر بن محمد جالس عن يمينه، فلما أبصرت به دخلتني من الهيبة لجعفر بن محمد ما لم يدخلني لأبي جعفر (المنصور) فسلمت عليه، فأومأ إلي، فجلست ثم التفت إليه، فقال: يا أبا عبد الله أ هذا أبو حنيفة، قال جعفر: نعم، ثم أتبعها : قد أتانا، كأنه كره ما يقول فيه قوم انه إذا رأى الرجل عرفه.
    ثم التفت المنصور إلي فقال: يا أبا حنيفة ألق على أبي عبد الله من مسائلك! فجعلت ألقي عليه فيجيبني، فيقول: أنتم تقولون كذا و أهل المدينة يقولون كذا و نحن نقول كذا، فربما تابعهم و ربما خالفنا جميعا حتى أتيت على الأربعين مسألة.
    ثم قال أبو حنيفة: أ لسنا روينا أن أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس؟

    قال أبو الفرج الأصفهاني علي بن الحسين، المتوفى سنة 356، في كتابه (مقاتل الطالبيين)، طبع دار المعرفة بيروت، ص499 ـ 505:
    وموسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب(عليه السلام)، ويكنّى أبا الحسن وأبا إبراهيم، وأمه أم ولد تدعى حميدة.

    حدثني أحمد بن محمد بن سعيد، قال حدثنا يحيى بن الحسن قال: كان الإمام موسى ابن جعفر(عليهما السلام) إذا بلغه عن الرجل ما يكره بعث إليه بصرة دنانير، وكانت صراره ما بين الثلاثمائة إلى المائتين دينار، فكانت صرار الإمام موسى الكاظم(ع) مثلا.

    حدّثني أحمد بن سعيد، قال: حدثنا يحيى: أن رجلا من آل عمر بن الخطاب كان يشتم الإمام علي بن أبي طالب(ع) إذا رأى موسى بن جعفر، ويؤذيه إذا لقيه.
    فقال له بعض مواليه وشيعته: دعنا نقتله: فقال: لا.
    ثم مضى راكباً حتى قصده في مزرعة له، فتواطأها بحماره، فصاح: لا تدس زرعنا، فلم يصغ إليه، واقبل حتى نزل عنده فجلس معه وجعل يضاحكه.
    وقال له: كم غرمت على زرعك هذا؟ قال: مائة درهم، قال: فكم ترجوا ان تربح؟ قال: لا أدري، قال: إنما سألتك كم ترجو؟ قال: مائة اخرى.
    قال: فاخرج ثلاثمائة دينار فوهبها له، فقام فقبّل رأسه.
    فلمّا دخل المسجد بعد ذلك وثب العمري فسلّم عليه، وجعل يقول: الله أعلم حيث يجعل رسالته فوثب أصحابه عليه وقالوا: ما هذا؟ فشاتمهم.
    وكان بعد ذلك كلما دخل الإمام موسى الكاظم(ع) خرج يسلّم عليه ويقوم له.

    فقال الإمام موسى(ع) لمن قال ذلك القول: أيما كان خيراً ما أردتم أو ما أردت؟

    ولقد نصَّ نظام الدين النيسابوري في تفسيره(غرائب القرآن ورغائب الفرقان 1/347. )

    على ضوء حديث الثقلين على كون «عترته» صلّى الله عليه وآله وسلّم «ورثته، يقومون مقامه» وهذه عبارته بتفسير قوله تعالى: (وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله) قال:

    «وكيف تكفرون، استفهام بطريق الإنكار والتعجّب. والمعنى: من أين يتطرّق إليكم الكفر والحال أن آيات الله تتلى عليكم على لسان الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم غضّةً في كلّ واقعة، وبين أظهركم رسول الله يبيّن لكم كلّ شبهة ويزيح عنكم كلّ علّة...
    أما الكتاب فإنه باق على وجه الدهر.
    وأمّا النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم فإنه وانْ كان مضى إلى رحمة الله في الظاهر، ولكنّ نور سرّه باقٍ بين المؤمنين، فكأنه باق، على أنّ عترته صلّى الله عليه وآله وسلّم ورثته يقومون مقامه بحسب الظاهر أيضاً، ولهذا قال: إني تارك فيكم الثقلين.

    وغير ذلك من إقرار واعتراف الصحابة وعلماء العامة على افضلية واعلمية أهل البيت(ع) على سواهم من الناس.

    الدلالة الثانية:
    اهل البيت(ع) هم ملاذ ومرجع هذه الإمة
    أرجع رسول الله الأمّة كلها إلى أهل البيت كما أرجع الأمة أيضاً إلى القرآن الكريم، أي جعلهم قرائن القرآن، فهم والقرآن في حيز واحد من حيث وجوب الإتباع وعدم المخالفة. وذلك بدلالة قوله : (لن يفترقا) أي أن القرآن لن يفترق عنهم وأهل البيت(ع) لن يفترقوا عن القرآن.

    فالأول: أي عدم افتراق القرآن عن أهل البيت(ع) يدلّ على أن جميع أفراد الأمّة بمختلف طبقاتهم وأصنافهم محتاجون إلى العترة، وذلك لأنّ كلّ الناس، ولكي يفهموا أحكام الدين ووظائفهم الدينية، وكيفية القضاء ورفع النزاع، وإصلاح الأمة ورفع الشبـهات ومعرفة حقوق بعضهم على بعض، وإصلاح أمور المعاش والمعاد وطرق التقرّب إلى الله عز و جل.وبشكل عام في كل أمورات دينهم ودنياهم، محتاجون إلى القرآن وعلمه.

    ولأنّ القرآن لن يفترق عن العترة، فالناس جميعا بحاجة إلى العترة. وبما أن القرآن الكريم جامع لكافة ما يحتاج إليه الخلق لكنه بصريح بيانه فيه محكم ومتشابه وناسخ ومنسوخ وظاهر وباطن، كما يقول تعالى: (هو الذي أنزل عليك القرآن فيه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابـهات فأمّا الذين في قلوبـهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله) ولا يستطيع الناس استنباط جميع ما يحتاجون إليه من محكماته بمفردها وليس لهم سبيل إلى تفسيره وتأويل متشابـهاته واستخراج العلوم من بطونه إلاّ بالرجوع إلى أولئك الذين أختارهم الله ليكونوا عيبة لعلمه وأشار إليهم في موارد شتّى حيث قال تعالى: (لا يعلم تأويله إلاّ الله والراسخون في العلم( وقال أيضا: )فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) وليس أهل الذكر إلاّ أهل البيت ـ كما سيأتي التنبيه عليه لاحقاً ـ.

    أما الثاني: أي عدم افتراق العترة عن القرآن، فإنّه يدل على أن أهل البيت(ع) عندهم جميع علوم القرآن الكريم وهم بذلك ليسوا بحاجة إلى أحد من البشر. فليس عند أحد من البشر علمٌ صحيح لا يوجد في القرآن لكي يكون بذلك قد تفّوق على القرآن وأهل البيت(ع) .

    وعلى ما مّر، ولأن النبي محمد(ص) أخبر الناس بأن القرآن لن يفترق عن العترة والعترة لن تفترق عن القرآن، فكل من يحتاج إلى القرآن ـ وليس هنالك من لا يحتاج إليه ـ فهو محتاج إلى العترة الطاهرة. وهم وحدهم يعلمون جميع علوم القرآن، لأنّهم إذا لم يكونوا كذلك لافترقوا عنه في ما لم يعلموه منه. ولأنّهم لن يفترقوا عن القرآن، فلن يكون هنالك شيء لا يعلمونه. فثبت لمن حكّم عقله أنّ الناس كما أنّهم بحاجة دائمة إلى القرآن الكريم فهم أيضا بحاجة دائمة إلى العترة الطاهرة ولانّ العترة وعت جميع علوم القرآن فهي غير محتاجة إلى أحد قط.

    و واضح أنه لو كان هنالك أحد من الأمّة ـ سوى العترة الطاهرة(ع) ـ محيط بجميع علوم القرآن، لوجب أن يذكره النبي محمد(ص) ويجعله قرينا لعترته ولأمر بالتمسك به ولاستثناه من اتباع أهل البيت(ع) لعدم احتياجه إليهم. وبما إنّه أمر جميع الأمّة بالتمسك بأهل البيت(ع) ولم يستثن في ذلك أحد، فلن تبقى شبهة لذوي الألباب في أنّ الجميع محتاجون إليهم وأنه ليس هنالك أحد من أفراد الأمّة عالم بجميع علوم القرآن سواهم. وسيأتي تفصيل هذا الباب لاحقاً أن شاء الله.

    تحياتي
    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    تعليق


    • #3
      بسم الله الرحمن الرحيم
      والحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الأنبياء والمرسلين نبينا وسيدنا وحبيب قلوبنا وشفيع ذنوبنا ابو القاسم محمد(ص) وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على اعدائهم اجمعين من الإنس والجن والجن اجمعين من الأولين والأخرين إلى قيام يوم الدين
      السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
      الدلالة الثالثة:
      اهل البيت(ع) عدل وقرناء القرآن:
      لا ريب في أن كل ذي لب إذا أمعن النظر في حديث الثقلين سيجد بكل وضوح أن اقتران أهل البيت(ع) بالكتاب دليل على وجود جميع علوم القرآن في حوزتهم، ذلك لأنهم لو لم يحيطوا بكلّ علومه علما لافترقوا عنه فيما يجهلون، لأن الجاهل بالشيء منفصل عمّا يجهل وهذا أمر بديهي. ولو افترضنا أنهم لا يعلمون بعضه لما كان التمسك بـهم موجبا للأمن من الضلالة، فالمرء ـ في هذه الصورة ـ عندما يرجع إلى العترة في أمر من أموره لا يأمن من السقوط في الخطأ المؤدي إلى الضلالة والانحراف، إذ أن احتمال جهلهم ذلك الموضوع وارد في كل حين وهذا ينافي اليقين والطمأنينة اللازمة في الأمور الدينية. لذلك فإن اتباع غير المعصوم، مهما بلغ من درجات الكمال سيؤدي إلى السقوط في هاوية الضلال لا محالة، فاحتمال صدور الخطأ من عدول القرآن ـ أي أهل البيت(ع) ـ باطل لقول الرسول: (لن تضلّوا بعدي أبدا).

      كما لم تكن لأحد الجرأة في الإدعاء بأنّ عنده علم الكتاب سوى أهل البيت، فهم المعنيّون بقوله تعالى: (لا يعلم تأويله إلاّ الله والراسخون في العلم) وفي قوله تعالى: (قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب) وفي قوله تعالى: (بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم) وهم أهل الذكر في قوله تعالى: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون)، فقد روي عن الإمام الصادق(ع) أنه قال: (للذكر معنيان، القرآن والنبي محمّد(ص)، ونحن أهل الذكر بكلا معنييه، أما معناه القرآن فقوله تعالى: (وأنزلنا إليك الذكر لتبيّن للناس ما نزّل إليهم) وقوله تعالى: (وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون) وأمّا معناه النبي محمد(ص) فالآية في سورة الطلاق: (فاتّقوا الله يا أولي الألباب الذين آمنوا قد أنزل الله إليكم ذكراً ! رسولاً يتلو عليكم آيات الله مبيِّنات لِيُخرج الذين آمنوا وعملوا الصالحات من الظلمات إلى النور)

      وكذلك قوله تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرّقوا) فقد نزلت في أهل البيت(ع)، وقد قال بذلك مجموعة من المفسّرين، ومنهم ابن حجر في كتابه "الصواعق المحرقة" في باب "ما أنزل في أهل البيت(ع) من القرآن".

      وذكرها القندوزي في كتابه "ينابيع المودّة" حيث قال في قولـه تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعاً): "أخرج الثعلبي عن أبان بن تغلب عن الإمام جعفر الصادق(ع) قال: نحن حبل الله الذي قال الله عز و جل: (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرّقوا)". وأيضا أخرج صاحب كتاب المناقب عن سعيد بن جبر عن ابن عباس عنهما قال: كنا عند النبي محمد(ص) ، إذ جاء أعرابي فقال: يا رسول الله(ص) سمعتك تقول واعتصموا بحبل الله، فما حبل الله الذي نعتصم به؟ فضرب النبي يده في يد علي(ع) وقال: "تمسكوا بهذا هو حبل الله المتين".

      ولم يدَّعِ أحد مهما بلغ من العلم، أنه محيط بجميع علوم القرآن ظاهره وباطنه وأنه يعلم تأويل القرآن و تفسيره كلّه، وأنه قادر على استخراج جميع الأحكام والحقائق منه، غير الأوصياء الإثني عشر المعصومين من أهل بيت خاتم الأنبياء(ص) الذين أخذوا عن النبي محم(ص) والذي يأخذ بدوره عن بارئه تعالى شأنه وتقدّست أسمائه.

      فقد قالوا وأعلنوا بأنّهم أهل الذكر والراسخون في العلم وأن علم الكتاب عندهم وقد أقر بذلك كل أعدائهم ولم يغلبهم أحد ممن تحدّاهم بالعلم والحكمة والمعرفة الإلهية التي ورثوها من جدّهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
      ولا يمكن الفصل بين القرآن والعترة، لأن ذلك في مثابة الفصل بين المنهج والمعلّم والنظرية والمطبّق.

      فإنّ فك عقد المعاني القرآنية وألفاظه التي كثيرا ما تحمل أكثر من معنى واحد، مسؤولية لا يتحمّلها إلاّ الراسخون في العلم. فترى كلّ فرقة تستدلّ بآيات من الذكر الحكيم وتزيّن بها آرائها وأفكارها لأنّ "القرآن حمّال ذو وجوه" أي أن مصطلحاته ربّما تأخذ أكثر من معنى واحد وربّما كانت المعاني متناقضة في نظرنا القاصر، ويمكن أن يقال أن بعض ألفاظ هذا النص قد حوت على ما يصطلح عليه بمفارق طرق متعدّدة للمفردة الواحدة، إذ يصعب الوصول إلى مقصود البارئ عز و جل من كلامه الذي هو في الحقيقة عصارة رسالة خاتم الأنبياء وآخر ما سينزل به الوحي إلى يوم القيامة. فكان لابدّ أن يحتوي الكتاب العزيز على كلّ ما يحتاج إليه الناس وبصورة إعجازية مختصرة مكثفة ليوصل إلى السعادة الأبدية والخلد في الجنان وليكون حجة على الخلق أجمعين حتّى قيام يوم الدين.

      ولو صحّت مقولة عمر: "حسبنا كتاب الله" لانتفت الحكمة في إرسال الأنبياء والرسل بما في ذلك النبي المصطفى ولما أحتاج الناس إليهم، بل لاكتفى البشر بكتاب ينزل عليهم من السماء يقع في مئات المجلّدات يشرح فيه الخالق كلّ صغيرة وكبيرة بالتفصيل لكي يفهمه العالم والجاهل والجميع حتّى تتمّ الحجة عليهم!

      ولكن اقتضت حكمة الله أن يرسل الأنبياء والأوصياء، فقال عز من قائل: (هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ظلالٍ مبين، وهذا يدلّ على أن فهم الكتاب لا يكون إلاّ بتعليم الرسول وقد قال الله تعالى: )وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزّل إليهم ولعلّهم يتفكّرون)، وهذه الآية صريحة بأننا لكي نفهم القرآن بحاجة إلى بيان النبي مجمد(ص)وشرحه له وفك رموزه وتفسيره وتعيين محكمة من متشابهة وناسخة من منسوخة وخاصّه من عامّه، وإفهامه للناس على قدر عقولهم ومستواهم العلمي وتحملهم للمعارف الإلهية، وما إلى ذلك من شرح وتبيان عميقين. وبما أنّ مستويات الناس تختلف عبر العصور والأزمنة فلابدّ من شارح للقرآن يفسّر لكلّ جيل حسب مستواهم العلمي. ويجب أن يكون هذا الشارح ملمّا بجميع علوم القرآن ومعارفه، وهذه الصفة لا تكمل إلاّ في أهل البيت(ع) لعدم افتراقهم عن القرآن وعدم افتراقه عنهم.

      وأمّا قولـه تعالى: (لا يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنّا به كلّ من عند ربّنا وما يذكّر إلاّ أولوا الألباب) فدليل واضح في تخصيص التأويل بالله والراسخين في العلم، لا عامة الناس. ولو قيل أنّ الواو في قولـه (والراسخون) واو استئنافية ولا ربط بين شطري الآية، فهذا يخرج كون النبي محمد(ص) ـ وهو الذي نزل عليه الفرقان ـ عالماً بتأويل القرآن. فما فائدة كتاب لا يعلم تأويله أحد من البشر ولا سبيل لتعلّمه حتى من النبيّ محمد(ص) الذي جاء به؟! ولا مجال للبحث في علم الرسول (ص) الذي هو أفضل الراسخين في العلم، وقد علَّمه الله عز و جل جميع ما أنزل عليه من التنـزيل والتأويل، وما كان الله لينزل عليه شيئا لم يعلّمه تأويله، وصيغة الجمع في قوله تعالىوالراسخون) دليل على أن هنالك مجموعة تتصف بهذه الميزة، فأوصياء النبي يعلمونه كلّه وهم أهل البيت(ع) الذين ما زالوا بصحبة القرآن يدورون معه حيث ما دار.. وإنه لمن البديهي أن الكلمات والألفاظ واللغة بشكل عام ليست كافية للتأويل، إذ لو كان كذلك لكان يناله الكل، وإذا ما كان للاستثناء والتخصيص وجه، فتبين أن الراسخين هم النبي محمد(ص) وأهل بيته(ع) الذين أخذوه عن الرسول(ص) كما أخذه الرسول(ص) عن الله عز و جل.

      قال أمير المؤمنين : (تالله لقد علّمت تبليغ الرسالات، وإتمام العدات وتمام الكلمات، وعندنا أهل البيت أبواب الحكم وضياء الأمر، ألا وإنَّ شرائع الدين واحدة وسبله قاصدة، من أخذ بـها لحق وغنم, ومن وقف عنها ضل وندم).
      وكما جاء عن الإمام الصادق(ع):
      ((حديثي حديث أبي، وحديث أبي حديث جدي، وحديث جدي حديث أبيه، وحديث أبيه حديث علي بن أبي طالب، وحديث علي حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وحديث رسول الله(ص) قول الله عز وجل))
      معالم الشريعة الإسلامية، صبحي الصالح: ص 52.
      وعن الإمام الباقر(ع):
      ((لو كنا نحدث الناس برأينا وهوانا لهلكنا، ولكنا نحدثهم بأحاديث نكنزها عن رسول الله صلى الله عليه وآله كما يكنز هؤلاء ذهبهم وفضتهم ))
      ثم إنّ تقسيم القرآن إلى محكم ومتشابه وغير ذلك دليل على أنّ الله جعل النبي محمد(ص) وأهل بيته(ع) أئمّة يهدون بأمره لتعليم كلام الله المجيد. فلو لم يجعل ذلك لكان إخلالا في الحكمة فيكون القرآن الذي هو وسيلة للهداية، سببا للتحيّر والضلالة. يقول الله تعالى: (يضل به كثيراً ويهدي به كثيرا), فلا نستطيع أن نقول "حسبنا كتاب الله" و نقف عند ذلك كما قال عمر
      وقال الشيخ القاري في شرح المشكاة: «وأقول: الأظهر هو أنّ أهل البيت غالباً يكونون أعرف بصاحب البيت وأحواله، فالمراد بهم أهل العلم منهم، المطلّعون على سيرته، الواقفون على طريقته، العارفون بحكمه وحكمته، وبهذا يصلح أن يكونوا عدلاً لكتاب الله سبحانه، كما قال: (ويعلّمهم الكتاب والحكمة) .
      المرقاة في شرح المشكاة 5/600.
      فالقرآن يصرّح بأنّ مهمة النبي محمد(ص) هي تعليم الكتاب وتبيينه لهم ولذلك كانت السّنّة والأحاديث هي التي تفسّر وتشرح وتوضّح وتخصّص وتقيّد وقد وردت من الرسول(ص) في عهده، ومن أهل بيته(ع) من بعده لأنّهم ورثته وأوصيائه. فمن دون الرسول(ص) وأهل بيته(ع)، من الذي يجرؤ أن يفسر قوله تعالى: (كهيعص) أو: (ألم) أو(ق) أو غيرها من المقطعات والمتشابـهات من دون الرجوع إلى السنة الشريفة؟ ومن الذي يجرؤ أن يشرح المتشابـهات التي لا تفهم إلاّ بعد إرجاعها إلى المحكمات المعيّنة من قِبل النبي محمد(ص) وأهل بيته(ع) بالإضافة إلى تفسيرهم وتأويلهم لها؟

      هذا وقد ورد عن أهل البيت(ع) تفسيرا دقيقا في غاية الرّوعة لحرف (ق) وأنه (جبل محيط بالأرض كإحاطة السوار بالمعصم، وخضرة السماء منه، ولولاه لساخت الأرض بأهلها) الأمر الذي يمكن أن يعني الغلاف الواقي والذي يشير إليه حرف القاف، وهو صيغة الأمر من (وقى)، (يقي)، (قِ) وهو من حيث الحجم كالجبل الذي يضرب به المثل في كبر حجمه، ولولاه لما رأينا انعكاس النور في السماء ولما كانت الحياة ممكنة على الأرض حيث النيازك والشهب تتساقط علينا بالألوف.

      وبالمقارنة بين ما ورد من تفسير أهل البيت(ع) للقرآن وما ورد من غيرهم، نكتشف أن منبع علمهم من علم الله الذي لا ينفد. ولا يمكن لأحد أن يفسر القرآن بشكل صحيح دون الأخذ عنهم. ففي سبيل المثال لو أخذنا بظاهر بعض الآيات كقوله تعالى: (يد الله فوق أيديهم) فأول ما يتبادر إلى أذهاننا القاصرة هو أنّ لله يد كما أن لنا يد! ولذلك قال البعض بالتجسيم، فصاروا بذلك قد حدّوا الله وعدّوه وشبّهوه بخلقه وتوهّموه وعبدوا ما تصوّرته أوهامهم جهلاً بغير علم فتعالى الله عمّا يصفون علواً كبيرا.

      ولكننا إذا أرجعنا هذه الآية المتشابه إلى آية محكمة كقوله تعالى: (ليس كمثله شيء) علمنا أن الآية السابقة لا تعني اليد كعضو من أعضاء الجسم البشري الناقص القاصر الضعيف بالذات، والله منـزّه عن الجوارح وعن صفات الأجسام. فاليد في الآية التي مرَّ ذكرها القوة ـ كما أشير إلى ذلك في روايات أهل البيت(ع) ـ وليس حيث ذهب المشبهة وهذا اصطلاح مستعمل في اللغة ولا ينافي ظاهر الآية مطلقا.

      قال في لسان العرب: "العرب تقول: (ما لي به يد) أي مالي به قوّة. واليد الغنى والقدرة". وكما هو واضح فإن كلام العرب وحي وإشارات واستعارات ومجازات، ولهذا كانت اللغة العربية في المرتبة العليا من الفصاحة والبلاغة، وكلام الله أفصح الكلام. ولا يمكن فك هذه الرموز والإشارات إلاّ لمن أوتي علم الكتاب وجعل عدلا له، ولابدّ من الرجوع إلى قرناء القرآن ـ أي أهل بيت النبوّة(ع) ـ لكي يتبيّن مقصود الآية الكريمة وترفع الشبهة الواردة.

      وكذا في كثير من الآيات الأخرى حيث لا تصل عقولنا القاصرة إلى معنى واضحاً ومحكماً إلاّ بعد الرجوع إلى العترة الطاهرة(ع)، ونورد هنا مثالا آخرا للتوضيح:

      سأل ابن أبي العوجاء هشام بن الحكم، فقال له: أليس الله حكيما؟

      قال: بلى هو أحكم الحاكمين.

      قال: فأخبرني عن قول الله عز و جل: (فأنكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة). أليس هذا فرض؟

      قال بلى.

      قال: فأخبرني عن قوله عز و جل : (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل) أي حكيم يتكلّم بهذا؟

      فلم يكن عنده جواب، فرحل إلى المدينة إلى أبي عبد الله ـ الإمام الصادق(ع) ـ فقال: يا هشام، في غير وقت حج ولا عمره.

      قال: نعم جعلت فداك لأمر أهمّني، إنّ ابن أبي العوجاء سألني عن مسألة لم يكن عندي فيها شيء.
      قال: وما هي؟
      فاخبره بالقصة فقال له أبو عبد الله : أمّا قوله عز و جل (أنكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة) يعني في النفقة وأمّا قوله: (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة) يعني في المودّة.

      قال: فلما قدم عليه هشام بهذا الجواب واخبره، قال: والله ما هذا من عندك.

      فمن دون شرح الإمام وتبيينه لما خطر هذا المعنى على بال بشر، فقد قال الإمام الحسن العسكري(ع) لفيلسوف العراق في زمانه؛ إسحاق الكندي الذي كان يكتب كتابا في تناقضات القرآن: (فما يدريك لعله قد أراد ـ الله ـ غير الذي ذهبت أنت إليه، فتكون واضعا لغير معانيه).

      وحدهم من ادّعوا العلم بالقرآن ولم يقهرهم أحد بل لم يقهر أحد أصحابهم وتلامذتهم فكيف بهم . وكان أمير المؤمنين(ع) يقول حتى آخر ساعات حياته الشريفة: (سلوني قبل أن تفقدوني)، و(سلوني فوالله لا تسألوني عن شيء إلاّ أخبرتكم به واسألوني عن كتاب الله فوالله ما من آية إلا وأنا أعلم، بليل نزلت أم بنهار، أم بسهل أم بجبل )
      الاستيعاب: 3 / 1107. جامع بيان العلم: 1 / 464. الرياض النضرة: 2 / 1198. تاريخ الخلفاء، السيوطي: ص 71. إحقاق الحق الإتقان في علوم القرآن
      وأخرج أبونعيم في الحلية عن ابن مسعود قال‏:‏ إن القرآن أنزل على سبعة أحرف ما منها حرف إلا وله ظهر وبطن وإن عليّ بن أبي طالب(ع) عنده علم الظاهر والباطن‏
      ، وكان بعض الأئمة يقولون: (إذا حدثتكم بشيء فاسألوني عنه من كتاب الله)، ولم يجرؤ أحد أن يقول كما قالوا وأن يبين أحكام الله عن علم ويقين من كتاب الله مثلهم.

      وقال الإمام الحسين(ع) : (نحن حزب الله الغالبون، وعترة رسول الله(ص) الأقربون، وأهل بيته الطيبون، وأحد الثقلين اللذين جعلنا رسول الله ثاني كتاب الله تبارك وتعالى، الذي فيه تفصيل كل شئ، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والمعول علينا في تفسيره، لا يبطينا تأويله، بل نتبع حقائقه، فأطيعونا فإن طاعتنا مفروضة، إن كانت بطاعة الله ورسوله مقرونة، قال الله عز و جل: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فان تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول) وقال: (ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منكم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لا تبعتم الشيطان إلاّ قليلا).

      فطريق العلم بتأويل الكتاب ليس إلاّ بالتعليم من رسول الله(ص) وأهل بيته(ع) المعصومين الراسخين في العلم. وعلم التأويل مختص بالله تعالى وبرسوله ومن تعلّم منه تعليما وافيا جامعا لجميع جوانب علوم القرآن وشعبه وراميه، لا من سمع منه شيئا وغابت عنه أشياء. فلا يفهم وجوه القرآن ومغازيه ومعانيه وما هو المراد منه إلاّ الرسول(ص) بتعليم إلهي وأوصيائه بتعليم نبوي وعامة الناس بمقدار ما تعلموه منهم.

      قال الله تعالى: (ويقول الذين كفروا لست مرسلاً قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب). فقد قرن الله تعالى شهادته على حقّانية النبي الأكرم محمد(ص) بشهادة (من عنده علم الكتاب) وهم أهل البيت(ع) لأنّهم الذين لا يفترقون عن القرآن ولا يفترق عنهم الكتاب كما مر.

      عن منصور ابن الحازم قال: قلت لأبي عبد الله : إن الله أجلّ وأكرم من أن يعرف بخلقه، بل الخلق يعرفون بالله. قال : صدقت. قلت: إنّ من عرف أن له ربّا، فينبغي أن يعرف أن لذلك الربّ رضا وسخطا، وأنه لا يعرف رضاه وسخطه إلاّ بوحيٍ أو رسول، فمن لم يأته الوحي فقد ينبغي له أن يطلب الرُّسل فإذا لقيهم عرف أنهم الحجّة وأنّ لهم الطاعة المفترضة.
      وقلت للناس: تعلمون أن رسول الله(ص) كان هو الحجة من الله على خلقه؟ قالوا: بلى. قلت: فحين مضى رسول الله(ص) من كان الحجّة على خلقه؟ فقالوا: القرآن. فنضرت في القرآن فإذا هو يخاصم به المرجئ والقدري والزنديق الذي لا يؤمن به، حتّى يغلب الرجال بخصومته. فعرفت أن القرآن لا يكون حجّة إلاّ بقيّم ـ أي من يقوم بأمر القرآن ويعرف ظاهره وباطنه ومجمله ومؤوله ومحكمه ومتشابههِ وناسخه ومنسوخه بوحي إلهي أو بإلهام ربّاني أو بتعليم نبوي ـ، فما قال فيه من شيء كان حقّا، فقلت لهم: من قيّم القرآن؟ فقالوا: ابن مسعود قد كان يعلم، وفلان يعلم، وفلان يعلم. قلت: كلّه؟ قالوا: لا. فلم أجد أحدا يقال أنه يعرف ذلك كلّه إلاّ عليا(ع) ، وإذا كان الشيء بين القوم فقال هذا: لا ادري، وقال هذا: لا أدري..، وقال هذا: لا أدري..، قال هذا ـ أي علي بن أبي طالب ـ: أنا أدري، فأشهد أن عليّا كان قيّم القرآن، وكانت طاعته مفترضة وكان الحجّة على الناس بعد رسول الله(ص) ، وأن ما قال في القرآن فهو حقّ. فقال : رحمك الله.
      وكما جاء عن رسول الله(ص):
      -((علي مــع القرآن والقرآن مــع علي لن يتفرقا حتى يـــردا علي الحوض ))
      المستدرك ثم قال الحاكم : ( هذا حديث صحيح الإسناد وأبو سعيد التيمي هو عقيصاء ثقة مأمون ولم يخرجاه ) · في المستدرك (3/124) وصححه ووافقه الذهبي
      2-((علي مع الحق والقرآن ، والحق والقرآن مع علي ، ولن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض )
      ربيع الأبرار 1/828 . للزمخشري
      وكون الإمام علي(ع) مع الحق والقرآن يعني بإن الإمام علي(ع) يعمل بكل ما امر وجاء به الحق والقرآن ويتجنب كل ما نهى عنه الحق والقرآن والذي يعمل بكل ماجاء وآمر به القرآن ويتجنب كل ما نهى عنه الحق والقرآن سواء من إمور صغيرة او كبيره فإنه لا يعمل المعاصي وبالتالي فإننا نستنتج ونفهم من هذين الحديثين دلاله واضحة على عصمة الإمام علي(ع)
      فيتبين من خلال التأمل في حديث الثقلين الملازمة التامة بين القرآن وأهل البيت(ع) وعدم الإنفكاك، وأنه كل ما يتصف به القرآن من صفات كمالية فهي بذاتها في أهل البيت(ع) لأن ذلك مقتضى عدم الافتراق. فأهل البيت(ع)نفس القرآن في مقام التطبيق والتأويل و(هم القرآن الناطق، والثقل الصادق، لأن القرآن لا ينطق بلسان، ولابد له من ترجمان). قال أمير المؤمنين : (هذا كتاب الله الصامت وأنا كتاب الله الناطق) ولله در القائل:

      سـاووا كتـاب الله إلاّ أنه هو صامت وهم الكتاب الناطق
      فقد بذل أمير المؤمنين(ع) كل ما بوسعه من أجل النبي محمد(ص) والقرآن في عصر التنزيل، وصبر على الظلم بشتى أنواعه حفاظا على القرآن والإسلام في عصر الخلفاء، ثم جاهد العدوان والاضطهاد من أجل التأويل والتطبيق الصحيحين، كما صرّح النبي محمد(ص) بذلك في حديثه المشهور: (إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنـزيله وهو علي بن أبي طالب)
      مسند أحمد بن حنبل ـ دار إحياء التراث العربي ـ: ج3 ص33 ـ 82،

      عن أبي سعيد رضي الله عنه .
      قال ابن أبي غرزة : ( كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم فانقطعت نعله فتخلف علي يخصفها فمشى قليلاً ثم قال : إن منكم من يقاتل على تأويل القرن كما قاتلت على تنزيله فاستشرف لها القوم و فيهم أبو بكر و عمر رضي الله عنهما قال أبو بكر : أنا هو قال : لا . قال عمر : أنا هو قال : لا و لكن خاصف النعل علياً فاتيناه فبشرناه فلم يرفع به رأسه كأنه قد كان سمعه من رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم .
      مستدرك الحاكم: ج3 ص123. وقال هذا حديث صحيح على شرط الشيخين و لم يخرجاه
      وكما قال الله عزوجللا يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنّا به كلّ من عند ربّنا وما يذكّر إلاّ أولوا الألباب)
      ووالحديث والأيه دليل واضح على ان المراد بإن الراسخون في العلم هم أهل البيت(ع)
      وقال(ص) أيضا: (أيها الناس، إني فرطكم وأنتم واردون عليّ الحوض، ألا وإني سائلكم عن الثقلين، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يلقياني، وسألت ربي ذلك فأعطانيه، ألا وإني قد تركتهما فيكم: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فلا تسبقوهم فتفرقوا، ولا تقصروا عنهم فتهلكوا، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم، أيها الناس، لا ألفينكم بعدي ترجعون كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض، فتلقوني في كتيبة كمجر السيل الجرار، ألا وان علي بن أبي طالب أخي ووصيي، يقاتل بعدي على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله)
      وردت قطع من الحديث في الطبقات الكبرى: ج2 ص194، تأريخ اليعقوبي: ج2 ص111 ـ 112، صحيح مسلم: ج4 ص1873، مسند أبي يعلى: ج2 ص297 ـ 303، مستدرك الحاكم: ج3 ص109،كنز العمال
      الدر المنثور /تقسير سورة آل عمران آية103
      صباح الأنوار: ص285؛ ونقله العلامة المجلسي في البحار: ج22 ص465 ح19.

      منبع الزوائد ج9ص137 وقال فيه:
      وعن زيد بن أرقم قال‏:‏ نزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الجحفة، ثم أقبل على الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال‏:‏ ‏"‏إني لا أجد لنبي إلا نصف عمر الذي قبله، وإني أوشك أن أدعى فأجيب، فما أنتم قائلون‏؟‏‏"‏‏.‏ قالوا‏:‏ نصحت، قال‏:‏ ‏"‏أليس تشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، وأن الجنة حق وأن النار حق‏؟‏‏"‏‏.‏ قالوا‏:‏ نشهد، قال‏:‏ فرفع يده فوضعها على صدره ثم قال‏:‏ ‏"‏وأنا أشهد معكم‏"‏‏.‏ ثم قال‏:‏ ‏"‏ألا تسمعون‏؟‏‏"‏‏.‏ قالوا‏:‏ نعم، قال‏:‏ ‏"‏فإني فرط على الحوض، وأنتم واردون على الحوض، وإن عرضه ما بين صنعاء وبصرى، فيه أقداح عدد النجوم من فضة، فانظروا كيف تخلفوني في الثقلين‏"‏‏.‏ فنادى مناد‏:‏ وما الثقلان يا رسول الله‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏كتاب الله طرف بيد الله عز وجل، وطرف بأيديكم، فتمسكوا به ولا تضلوا، والآخر عشيرتي، وإن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض، فسألت ذلك لهما ربي فلا تقدموهما فتهلكوا، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا، ولا تعلموهما فهم أعلم منكم‏"‏‏.‏ ثم أخذ بيد علي(ع) عنه فقال‏:‏ ‏"‏من كنت أولى به من نفسه فعلي وليه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه‏"‏‏.‏
      وقد اخرج الطّبراني في (المعجم الكبير) قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «فلا تقدّموهما فتهلكوا، ولا تقصّروا عنهما فتهلكوا، ولا تعلّموهم فإنهم أعلم منكم))

      وقد أمر النبي محمد(ص) جميع الناس بأن يجروا العترة في إجلالها وإعظامها والانقياد لها والطاعة لأوامرها مجرى القرآن الكريم الذي يدل على أهل البيت (ع)بآياته وهم أيضا يدلون بدورهم على القرآن ببيانهم وتفسيرهم وتأويلهم وتطبيقهم له والمحافظة عليه من الضياع والتحريف متنا وتأويلا.


      وخلاصة الكلام أن للقرآن ظاهر وباطن؛ ظاهره دعوة عامة لكل أصناف الناس، يشترك فيها العالم والجاهل، وهو بذلك شرعة لكل وارد، ينال كل منه حسب استيعابه ولياقته الناشئة من طلبه وتوّسله.

      أما باطن القرآن فيمثل المرتبة العليا من المعارف الإلهية والعلوم الربّانية التي اختص بـها نبي الهدى والخواص من أهل بيته الذين توارثوه عنه صالح بعد صالح وصادق بعد صادق، وما ضاع عنهم شيء ولم تسقط عنهم ألف ولا واو ولا يختلف آخرهم عن أولهم، فقد نزل الوحي في بيتهم، وأهل البيت أدرى وأعرف بما في البيت من غيرهم. ومن ادّعى علم القرآن جميعه بكلّ شعبه وأقسامه وبطونه، فإنما هو مفتر كاذب أو جاهل خابط، وكلا الأمرين يسقطان كونه عالم بالقرآن أصلا.

      بالإضافة إلى ذلك، فإن من علم ظاهر القرآن دون باطنه، فذلك لا يؤهله لمقام الفقاهة والقضاء والإفتاء.. لأنه قد يكون ملمّا ببعض الأصول العامة من المسائل الدينية، لكنه يفتقر العلم بتقييد تلك الأمور وتخصيصها ولطائف مفرداتها التي يجب الرجوع فيها إلى إمام معصوم. وإلاّ، فلن يكون الشخص واجدا لظرائف العلوم الإلهية وتفصيلها في مختلف الأبواب الفقهية والأصولية فكيف بالمعارف الإلهية كالمبدأ والمعاد وصفات الله وعلمه وقدرته وغيرها من المسائل التي هي في غاية الدّقة والحساسيّة وهي لذلك محل اختلاف وخبط عميقين. وقد أدّى هذا الاختلاف إلى بروز مدارس ومذاهب شتى، تدعوا كل واحدة منها إلى انظمام الناس إليها على أنها تمثل الدين الإسلامي الحنيف رغم تضادها مع بعضها البعض.
      فلابد من الرجوع إلى الرسول الأكرم محمد(ص)وأهل بيته(ع) ـ قرناء القرآن ـ والتعلم منهم لأنهم الراسخون في العلم والثقل الموازي للقرآن الذين اختُّصوا بمعرفة بطونه كلها لعدم افتراقهم منه أبدا.
      ومن جهة أخرى، فإن القرآن والعترة أساساً، هما جزءان من عنصر واحد وحقيقةٍ واحدةٍ بسيطة مجردة ـ إن صحّ التعبير ـ وهو العلم الإلهي المودع فيهما، فلا يمكن التفكيك بينهما لأنهما في الحقيقة شيء واحد.

      ومما يدل على هذا المعنى، ما ورد ضمن حديث الثقلين على (أنهما لن يفترقا). فليست حقيقة القرآن الكريم ألفاظه أو حروفه أو ما شاكل ذلك، بل حقيقته العلم الذي تشير ألفاظه إليه، فالألفاظ والحروف والكلمات والجمل وسائل وأسباب إلى حقيقة العلم والنور الإلهي، ويمكن التعبير عنها بإشارات ودلالات من أجل التنبيه والتذكرة إلى الحقائق، كما أن العين وسيلة إلى الرؤية وليست العين هي الرؤية والنظر بحد ذاتها. ولا يخفى أن كون الألفاظ والحروف وسيلة إلى تحصيل العلم الإلهي يجعلها مقدسة ولا يجوز مسّ رسمها إلاّ بطهور.
      ولذلك فإننا نجد من يهتدي إلى النور الإلهي عبر الاستماع إلى كلمة أو آية فيلقي الله نور العلم والإيمان في قلبه فيؤمن بالله الواحد الأحد، بينما نرى أشخاصا أدمنوا قراءة القرآن وأجادوا تلاوته بل حفظوه عن ظهر القلب، لكنهم في نفس الوقت أبعد ما يكونون عن علومه وحقيقة معانيه. فالألفاظ ليست غاية بل هي سبب يمكن أن يوصل إلى الغاية ويمكن أن لا يوصل حسب طلب الفرد وإلحاحه وتسليمه وتقواه وخشوعه وتضرّعه لدى ساحة القدس الإلهية. فحقيقة الكتاب هي نور العلم الذي ينير قلوب المؤمنين..

      وكذلك فإن حقيقة العترة الطاهرة التي تجعلهم عدلاً للقرآن وجزءاً لا يتجزأ منه، هو العلم الذي صارت أرواحهم الزكيّة أوعية وحملة له واصطفاهم الله به بفضله ومنّه.

      ومما يدل على اتحادهما، ورود لفظ (لن يـتـفرقا) بدلاً من (لن يـفـترقا) في بعض نسخ الحديث
      كما في الحديث الوارد في مسند أحمد، كتاب مسند الأنصار، باب حديث زيد بن ثابت، ص189

      فالتفرق يوحي بتفكك الشيء الواحد وتلاشيه على نفسه، بينما الافتراق يعني انفصال شيء عن شيء آخر، كافتراق الزوج عن زوجته. ولكننا إذا أردنا أن نتحدث عن العائلة ـ مثلا ـ و هي كيان واحد، لزم أن نقول "تفرّقت العائلة". فقولنا "افترق القوم" غير بليغ لعدم وجود شيء يفترق القوم عنه. والصحيح أن يقال "تفرّق القوم" أي انحلّ جمع القوم الواحد فصاروا شتات متفرّقين.

      أما كون الضمير المتصل بلفظ "التفرّق" ضمير تثنية، أمر موجّه لكون الثقلين شيئان في الظاهر؛ فالقرآن شيء والعترة شيء، إلاّ أنهما صارا كالشيء الواحد الذي لا يمكن تفكيكه لشدّة التلازم بينهما.

      ولربما دل الحديث الوارد عن رسول الله(ص) بطرق كثيرة؛ وهو قوله : (علي مع القرآن والقران مع علي لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض) على ذات المعنى.. فلوا أوّلنا الشطر الثاني من الحديث؛ أي كون القرآن مع علي ، بأن أمير المؤمنين كان يحفظ القرآن ويرعاه ويستلهم العلوم منه، ثم توقفنا عند هذا الحدّ، فكيف نؤوّل الشطر الأول منه؟ وماذا يعني كون أمير المؤمنين في معيّة القرآن دون افتراق؟! ويشتد الوله والتحيّر حين الالتفات إلى أن أمير المؤمنين(ع) قد توفاه الله وهو ليس بموجود بجسمه وصورته في ظاهر الأمر! فكيف يكون مع القرآن إذن؟!

      و لربما يكون الجواب أن حقيقة القرآن موجودة مع الإمام علي ؛ وهي العلم.. وحقيقة الإمام علي موجودة مع القرآن؛ وهي العلم أيضا.. وبما أن العلم حقيقة بسيطة لا تتجزأ فالقران وعلي لا يتجزءان أبداً.

      و هذا يفسر قولـه في بعض نسخ الحديث حين يشير إلى القرآن و العترة بقولـه: ".. أحدهما أكبر من الآخر؛ كتاب الله، حبل ممدود من السماء إلى الأرض و عترتي.." فسبب كون القرآن أكبر من العترة هو لأنه كلام الله و هو ليس بأعظم منهم بمجرد كلماته و حروفه التي لا تختلف عن الحروف الأخرى، فهو مركب من كلمات العربية المتداولة التي رسمت على أوراق و وضعت بين دفتين.. و هذا ليس ما نذهب إليه حين نذكر القرآن، بل حقيقة القرآن هي تلك الحقيقة النورانية التي لا تُعقل و لا نستطيع الإحاطة بها لأنها أجل و أسمى من أن تنالها أوهام العباد، فهي فوق المعلومية و المعقولية و هي العلم الإلهي الذي تجلى في هذا الكتاب السماوي المقدّس، و إنما صار أهل البيت عدولاً للقرآن لأنهم حملة لهذا العلم و خزاناً و معدناً له.. و لذلك يبقى هو الأساس في عظمتهم فهو أكبر منهم.. ذلك لأن العالم إنما يصير عالماً بالعلم و هو السبب في تفوّق العالِم على الجاهل، فالعلم أعظم من العالم..

      وهذا دليل على عصمة أهل البيت(ع) أيضا. فمن كان علمه علم القرآن وعلم القرآن علمه، كيف يجوز له أن يرتكب ذنبا؟! ومن عرف الله حق معرفته كيف لا يخشى الله حق خشيته؟! قال تعالى: )إنما يخشى الله من عباده العلماء( فأهل البيت(ع) ـ وأيم الله ـ هم اعلم العلماء
      يتبع بإذن الله عزوجل...
      تحياتي
      والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

      تعليق


      • #4
        قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إني تارك فيكم ا لثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض)، فأين الثقل الثاني الآن، وما تفسير عدم مفارقته للقرآن في زمن الغيبة، في ظل النظرية الاثني عشرية؟!

        تعليق


        • #5
          بسم الله الرحمن الرحيم
          والحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الأنبياء والمرسلين نبينا وسيدنا وحبيب قلوبنا وشفيع ذنوبنا ابو القاسم محمد(ص) وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على اعدائهم اجمعين من الإنس والجن والجن اجمعين من الأولين والأخرين إلى قيام يوم الدين
          السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
          المشاركة الأصلية بواسطة المبصِّر
          قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إني تارك فيكم ا لثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض)، فأين الثقل الثاني الآن، وما تفسير عدم مفارقته للقرآن في زمن الغيبة، في ظل النظرية الاثني عشرية؟!
          اخي الكريم المبصر امهلني فقط حتى إكمل الوضوع وإن شاء الله سينتهي عما قريب ثم إطرح الأسئلة التي تشاء-وبإذن الله سأجيبك عليهابقدر ما إوتيته من العلم-وحتى ذلك الوقت اتمنى ان تتابع قراءة هذا الموضوع لعل فيه مايجيب على تسائلاتك وشكرا لك على تفهمك مقدما

          الدلالة الرابعة:
          عصمة اهل البيت(ع) من الذنوب والأخطاء والمعاصي
          كما أشرنا سابقاً، يمكن الإستدلال بـهذا الحديث الشريف على عصمة أهل البيت(ع) من الزّلل، وذلك لإخبار النبي محمد(ص) بأنهم لن يفترقوا عن القرآن، وأنّ في التمسّك بـهم مأمن من الانحراف والضلالة.. فلم يكن بدٌّ إلاّ أن يكونوا معصومين عن الخطأ والمعصية والغيّ والسهو.. فلو لم يكونوا كذلك، وكانت لهم أخطاء ومعاص، لافترقوا عن القرآن في ذلك الموضع، والقرآن هو الكتاب السماوي الذي (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه) ولا يجتمع القرآن مع المعاصي، وقول النبي محمد(ص) (لن يفترقا..) يفيد الأبدية واستحالة افتراق العترة عن القرآن والقرآن عن العترة.. بالإضافة إلى ذلك، لو لم تكن العترة معصومة لما كان في اتباعها نجاة من الضلالة مطلقا ولما كان الشخص مصونا من الانحراف والخطأ كما أن عدلها (أي القرآن) معصوم, وذلك حتّى لا تفترق عن القرآن ولكي يضمن المرء المصونيّة من الضلالة في التمسّك بـهما.

          ومن ثمّ فالعصمة ضرورية لكلّ من يأتم الناس به، واقتران العترة بالكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وعدم افتراقهم منه أبدا دال على أنّهم لا يخالفونه قولا ولا فعلا، ولو صدر منهم أي مخالفة للكتاب سواء كانت عمدا أو سهوا فهي حاكمة على افتراقهم عن القرآن. والحديث صريح في عدم افتراقهما حتى يوم القيامة، وإلاّ لكان تكذيبا لرسول الله(ص) وحاشاه أن يكذب أو يهجر.

          ولو لم تكن العترة معصومة لجاز أن يصدر منهم الظلم، وفي المتعارف عند الناس متى استخلف ملك رجلا ظالما استدلّ بظلم خليفته على ظلم مستخلفه (أي الملك) وإذا كان عادلا استدل بعدله على عدل مستخلفه فلو كان الملك عادلا لما استخلف ظالما ليأخذ مكانه ويحكم في الناس ويقضي بينهم، فثبت أن خلافة الله توجب العصمة ولا يكون الخليفة إلاّ معصوما، إذ لو أخطأ الخليفة فأجرى حكما ظالما لاستقبح العقل كون خليفة رسول الله(ص) (وبالنتيجة خليفة الله) ظالما، وليس الله بظلاّم للعبيد.

          وهذا إلى غير ما هنالك من أدلّة عقيلة ونقلية على عصمة أهل البيت(ع) والتي من أبرزها آية التطهير وهي قوله تعالى: (إنمّا يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً). وهذه الآية من الآيات من أوضح البراهين التي تدل على عصمة أهل البيت(ع) من كل رجس ودنس وضلالة وانحراف ومن الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وتحتوي هذه الآية على تأكيدات معنوية ولفظية عديدة، ودلالتها على عصمة أهل البيت(ع) واضحة وذلك لاستحالة تخلّف مراد الله تعالى وهو جبار السماوات والأرض الذي (أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون)، كما أن تأكيد الطهارة يفيد العصمة لا محالة.

          وقد أجمع المحدّثون والمفسّرون على أن هذه الآية إنّما نزلت بحقّ النبي محمد(ص)والإمام علي والسيدة فاطمة والإمام الحسن والإمام الحسين(عليهم السلام) . واقرب الأدلة وأوضحها فيما جاء في تفسير هذه الآية من أحاديث، عرفت عند أصحاب الحديث بحديث (الكساء) ولا تقل صحته وتواتره عن حديث الثقلين وقد ورد في مواقع شتّى، وأحاديث أخرى عرفت بأحاديث التسليم منها ما ورد في صحيح الترمذي ومسند أحمد ومسند الطيالسي ومستدرك الحاكم على الصحيحين وأسد الغابة وتفسير الطبري وأبن كثير والسيوطي وغيرهم، أن رسول الله كان يمرّ بباب السيدة فاطمة الزهراء(ع) ستة أشهر كلّما خرج لصلاة الفجر يقول: (الصلاة يا أهل البيت،إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً) وغيرها من الروايات المشابهة التي تواترت لفضاً ومعنا ومضمونا لدى الفريقين.

          روى الحاكم في كتابه "المستدرك على الصحيحين في الحديث": عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب أنّه قال: لما نظر رسول الله(ص) إلى الرحمة هابطة قال: (ادعوا لي، ادعوا لي) فقالت صفية: من يا رسول الله؟ قال: أهل بيتي علىٌّ وفاطمة والحسن والحسين فجيء بـهم فألقى عليهم النبي محمد(ص) كساءه، ثمّ رفع يديه ثمّ قال: اللهم هؤلاء آلي فصلّ على محمد وآل محمد. وأنزل الله: (إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً).
          قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد.
          مستدرك الحاكم: ج3 ص197 ـ 198.


          وروى الحاكم مثله عن أم سلمة قالت: في بيتي نزلت (إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت) فأرسل رسول الله إلى علي وفاطمة والحسن والحسين(عليهم السلام)، فقال هؤلاء أهل بيتي.
          ثم قال الحاكم: هذا صحيح على شرط البخاري، ورواه في موضع آخر عن واثلة وقال: صحيح على شرطيهما
          مستدرك الحاكم: ج3 ص197 ـ 198.
          ومن اراد المزيد فلينظر باب "من هم أهل البيت(ع)" للبحث في هوية أهل البيت(ع)؛ و قد جاء هذا الخبر في روايات متعدّدة في الصحاح وكتب الأحاديث والتفسير وهو من الأخبار الصحيحة المتواترة ولم يضعفه أحد من المتقدمين ولا المتأخرين؛ وفيما يلي نذكر بعض مصادر هذا الحديث:
          أـ البيهقي في السنن الكبرى، باب بيان أهل بيته والذين هم آله.
          ب ـ تفسير الطبري: ج22 ص5.
          ج ـ تفسير ابن كثير: ج3 ص485.
          دـ تفسير الدر المنثور: ج5 ص198 ـ 199.
          ه‍ ـ صحيح الترمذي: باب فضائل فاطمة.
          وـ مسند أحمد: ج6 ص292 ـ 323.
          زـ صحيح مسلم: باب فضائل أهل البيت(ع)؛ وغيرها.
          الدلالة الخامسة:
          اهل البيت(ع) خلفاء الله ورسوله(ص)
          يدلّ هذا الحديث على أن أهل البيت(ع) هم خلفاء الله ورسوله(ص) بعد النبي محمد(ص) بلا فصل ، ويمكن الاستدلال على ذلك بالنحو التالي: جعل النبي محمد(ص) في كلامه الشريف عترته وأهل بيته(ع) قرائن القرآن وفي محلّ وجوب التمسّك بـهم لرفع ضلالة الأمّة والشك والريبة، وجعل هداية الأمّة وعدم انحرافها فرعا لتمسّكها بهذين الأصلين.
          فالولاية التي جعلت شرطا لعدم الضلالة والانحراف، ومن ثمّ دخول الجنة أو النار ـ والعياذ بالله من النار ـ لابدّ أن تكون ولاية في طول ولاية الله المطلقة وتلك هي الولاية ذاتها التي تمنح الرسول(ص) ولاية على المؤمنين بل الخلق أجمعين وذلك قوله(ص) في حديث الغدير (ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟). ولذلك كان الناس يخاطبون النبي محمد(ص) بقولهم (بأبي أنت وأمي). فقد قال عز و جل: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم)، فهذا يعني الولاية التكوينية والتشريعية المطلقة التي أعطاها الله لرسوله تكريما وإعظاما له.

          قال الله تعالى: (ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) فقد فوض الله أمر الدين إلى نبيه(ص) وهذه الولاية هي التي أكّد عليها الله تعال في قوله تعالى: (أطيعوا الله ورسوله وأولي الأمر منكم) فتستمر هذه الولاية إلى أهل البيت(ع) عبر النصوص الواردة في كتاب الله وأحاديث رسوله كحديث الغدير وحديث الثقلين، فهم ولاة الأمر الذين أمر الله بطاعتهم كما أمر بطاعته وطاعة نبيه، وكما أنّ طاعة النبي محمد(ص) هي بحدّ ذاتها طاعة الله، وهكذا فطاعة عترته طاعة له ولله، وهذا كلّه في طول طاعة البارئ عز و جل، لا في عرض طاعته حتى يقال أن هذا شرك، فهم (أي الرسول(ص) والعترة الطاهرة) لا يقولون إلاّ ما قال الله ولا يخالفون أمره. قال الله تعالى: (ولو تقوّل علينا بعض الأقاويل* لأخذنا منه باليمين* ثم لقطعنا منه الوتين)ولا يأمرون إلاّ بما أمر به الله، ولذلك فإن اتباعهم امتثالا لأمر الله هو عين التوحيد بالله عز و جل، والعكس هو الشرك بذاته، فامتناع إبليس من السجود لآدم جعله كافرا مستكبرا ومشركا رأيه الباطل مع الله، وكان السجود لآدم عين التوحيد وذلك لأنّه كان طاعة لأمر الله عز و جل، وكذا حين أمرنا الله أن نطيع نبيه كما في قوله تعالى: (ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا)، أو قوله عز و جل: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول)، أو قوله : (إنّما وليّكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون)أو في الكثير من الآيات الأخرى، وجب علينا طاعة النبي محمد(ص) في كلّ ما أتى به وهذا ممّا لا يشك فيه أحد من المسلمين.

          وعلى هذا فأمر النبي محمد(ص) باتباع عترته وأهل بيته(ع) لم يكن إلاّ من الله تبارك وتعالى، رحمة منه لعباده وحياشة لهم إلى جنته. قال تعالى: (ومن يطع الرسول فقد أطاع الله) أفلا ينبغي أن نطيع الرسول في إتباع القرآن والعترة لنكون بذلك قد أطعنا الله وتجنبنا النار التي سجّرها جبّارها لغضبه وأعدّت للكافرين؟!

          لقد ورد في بعض نصوص حديث الثقلين، لفض (إنّي تارك فيكم خليفتين، كتاب الله و عترتي أهل بيتي(ع)..) ولأن العترة الطاهرة ليست بحاجة إلى أحد ماداموا لا يفترقون عن القرآن والناس بحاجة إليهم لتجنب الضلالة (كما مر شرحه) فالعقل يحكم بوجوب كون أهل البيت(ع) أئمة وقدوة للناس. كما قال أحدهم حول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع) : (استغنائه عن الكلّ، واحتياج الكلّ إليه دليل على أنه إمام الكل) وقول رسول الله : (إنّي تارك فيكم خليفتين) نص صريح بأنّ النبي محمد(ص) خلفهم ووصّى الأمّة باتباعهم والأخذ عنهم، وأكّد ذلك قوله : (فانظروا كيف تخلفوني فيهما) كما في مسند أحمد وسنن الترمذي
          ، فلم يبق هناك مجال للشكّ في كونهم خلفاء رسول الله(ص) دون غيرهم وأنّهم أئمّة وقادة المسلمين بعد رسول الله(ص).

          ولكن بالرغم من توصية النبي محمد(ص) في أهل بيته(ع)، فقد آذوهم وظلموهم وشرّدوهم وأفرغوا أحقاد نفوسهم وضغائن قلوبـهم في سبيل إيذائهم.. فلو أمر النبي محمد(ص) بتعذيب أهل بيته(ع) لما فعلوا فيهم أكثر مما فعلوه! هذا وقد أخبر النبي محمد(ص) بذلك في أحاديث عديدة، منها قوله : ((سيلقى أهل بيتي من بعدي تطريدا وتشريدا))
          المستدرك للحاكم: ج4 ص466 ـ 487، نقلاً عن كتاب "الهجوم على بيت فاطمة"
          . فلم يبق من أهل بيته أحد إلاّ وقد قتل..
          أفلم يسمعوا قول رسول الله : (أذكركم الله في أهل بيتي)
          سنن الدارمي: ج2 ص432
          ، وقوله : (الويل لظالمي أهل بيتي، عذابـهم مع المنافقين في الدرك الأسفل من النار)
          المناقب لابن المغازلي: ص66 و403 ح94
          ، وقوله : (من آذاني في أهل بيتي فقد آذى الله)
          كنز العمال: ج12 ص103
          وروى السيد أبو بكر بن شهاب الدين العلوي في كتابه رشفة الصادي من بحر فضائل بني النبي الهادي ص 6 / الباب الرابع عن الجامع الكبير للطبراني وعن صحيح ابن حيان ـ وصححه الحاكم ـ كلهم عن مولانا أمير المؤمنين (ع) عن رسول الله (ص) قال من آذاني في عترتي فعليه لعنة الله)
          فلا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
          ولأنّ أهل البيت(ع) هم وحدهم مراجع جميع أفراد الأمّة إلى يوم القيامة (لأن الورود على الحوض لا يكون إلاّ في يوم القيامة) فيجب أن تكون كل حاجات الأمة في حوزتهم وهذه العلوم مختصّة بـهم لعدم دخول أحد من الناس ضمن تعريف (أهل بيت النبي محمد(ص) وعترته) فالكل محتاج إليهم وهم ليسوا بحاجة إلى أحد ولذلك هم المختصّون لقيادة الأمّة وللإمامة على جميع الخلق، لأن المحتاج إلى غيره والجاهل لا يكون إماما للأمّة، والجاهل لن يكون مقدَّما على العالم حتى بعد رفع الجهل بالرجوع إلى العالم والتعلم لديه.

          فكيف لأحد أن يدعي أنه الإمام والخليفة وأنه محيط بعلوم القرآن كلها وقد اعترف بالجهل، وأقر بأن له شيطانا يعتريه؟! فهذا أبو بكر بن أبي قحافة يقول: (وليتكم ولست بخيركم، فإن استقمت فاتّبعوني، وإن اعوججت فقوّموني، فإن لي شيطانا يعتريني) ويقول أيضا: (أقيلوني، أقيلوني، فلست بخيركم وعلي فيكم).
          الإمامة و السياسة لان قتيبة: ج1 ص31، وكنز العمال: ج3 ص132

          وذكر القاضي بـهلول بـهجت أفندي الشافعي في كتاب "المحاكمة": إنّ أبا بكر بن أبي قحافة عندما صار خليفة، صعد المنبر بعد بضعة أيّام وقال في جملة ما قال: (أقيلوني، ما أنا بخيركم وعلي فيكم).

          أما الخليفة الثاني فقد نقلت عنه قولته الشهيرة: (لولا علي لهلك عمر) التي ردّدها في أكثر من سبعين موقف، وقوله: (لا أبقاني الله لمعضلة ليس لها أبو الحسن)، وقوله: (كل الناس أفقه من عمر). وغير ذلك من المواقف التي أخطأ فيها في القضاء والحكم فاستعان بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع)، فكيف له أن يدعي الإمامة والخلافة وهو يقرّ بجهله ودنو مرتبته؟

          ولا يقال أن هذا من باب المجاز والتواضع، ففي مثل هذا المقام هنالك احتمالان لا ثالث لهما، إما أن يكون صادقا في ما يقول فالعدول عنه إلى من هو أعلم منه أولى لمن أنصف عقله. وإما أن يكون كاذبا، فكيف يجوز اتباع من هو كاذب في مقالته؟!

          أما الخليفة الثالث، فقد نقل مالك في موطئه: (أنّ عثمان بن عفّان أتي بامرأة قد ولدت في ستة اشهر فأمر بـها أن ترجم فقال له علي بن أبي طالب(ع) ليس ذلك عليها، إنّ الله تبارك وتعالى يقول في كتابه: )وحمله وفصاله ثلاثون شهراً) وقال: (والوالدات يرضعن أولادهنّ حولين كاملين لمن أراد أن يتمّ الرضاعة( فالحمل يكون ستة أشهر فلا رجم عليها. فبعث عثمان بن عفّان في أثرها فوجدها قد رجمت).

          فقد قتلت هذه المرأة ظلما، وجهلا بحكم الله الموجود في ظاهر القرآن، فكيف يمكن لعثمان أن يكون إماما أو خليفة لرسول الله(ص) وهو يجهل أحكام الله ويحكم بغير علم؟! وكيف يمكن له أن يدعي بأنّه عالم بجميع القرآن وهو يجهل أحكامه؟!

          والعقل يحكم أن الإمام وخليفة رسول الله(ص) ينبغي أن يكون عالما بجميع أحكام الدين وعلوم القرآن وأن يكون هو الأعلم في زمانه لأنّ ترجيح المرجوح على الراجح وتفضيل المفضول على الفاضل قبيح بحكم العقل، والله أعلى وأجل من أن يفعل قبيحا فيقدم الجاهل على العالم، وقد تبيّن لمن تتّبع الأخبار وجاس خلال الديار أن أهل البيت(ع) كانوا ولا زالوا أعلم الناس بعد رسول الله وذلك من خلال المقارنة بين سيرتهم وكلماتهم وأحاديثهم وسيرة سائر الناس وكلامهم وهكذا عرّف الله الإمام في كتابه بقوله تعالى (أفمن يهدي إلى الحقّ أحق أن يتّبع أم من لا يهدي إلاّ أن يُهدى فما لكم كيف تحكمون)، فينبغي أن لا يكون الخليفة على الأمة إلاّ أعلمهم بكتاب الله وسنة نبيه(ص).
          يتبع بإذن الله عزوجل...
          تحياتي
          والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

          تعليق


          • #6
            بسم الله الرحمن الرحيم
            والحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الأنبياء والمرسلين نبينا وسيدنا وحبيب قلوبنا وشفيع ذنوبنا ابو القاسم محمد(ص) وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على اعدائهم اجمعين من الإنس والجن والجن اجمعين من الأولين والأخرين إلى قيام يوم الدين
            السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
            الدلالة السادسة:
            اهل البيت(ع) هم ائمة وقادة المسلمين بعد رسول الله(ص) مباشرة:
            يدلّ هذا الحديث على أن أهل البيت(ع) هم خلفاء الله ورسوله(ص) بعد النبي محمد(ص) ، ويمكن الاستدلال على إنّ الإمامة والخلافة الإلهية منحصرة بالعترة الطاهرة، وذلك لقول النبي محمد(ص) : (لن يفترقا) أي أنّ القرآن لن يفترق عن أهل البيت(ع) وهم أيضا لن يفترقوا عن القرآن أبدا. وهذا يدلّ على أن غير العترة محتاج لهم كما أنّه محتاج إلى القرآن، فلا يمكن لأحد آخر أن يكون خليفة وإماما، فلو كان كذلك لم يحتج هذا الشخص ـ أو الأشخاص ـ إلى أهل البيت(ع) وهذا محال كما مر. بل كان العكس، أي لا يحتاج أهل البيت(ع) إلى ذلك الشخص ولو كان ذلك لأخبَّر عنه النبي محمد(ص) ولما خصّص كلامه بأنّ الثقلين ـ أي القرآن والعترة ـ لن يفترقا وهذا بالإضافة إلى عصمة أهل البيت لعدم افتراقهم من القرآن لإن من يكون مع القرآن لا يخالف القرآن ومن لم يخالف القرآن لا يعمل ويرتكب المعاصي والذنوب،و يعني أيضا أن القرآن لا يفترق عنهم فهو بذلك لا يلتحق بأحد آخر بكلّ جوانبه وما يشتمل من العلوم والمعارف.

            روى الشيخ الكليني عن علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس، وعلي بن محمد بن سهل بن زياد أبي سعيد عن محمد بن عيسى عن يونس، عن ابن مسكان عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله(يعني الإمام جعفرالصادق(ع) عن قول الله عز و جل: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم)، فقال: (نزلت في علي بن أبي طالب والحسن والحسين(ع) ).

            فقلت: إنّ الناس يقولون فما باله لم يسمّ عليّا(ع) وأهل بيته في كتاب الله عز و جل؟

            فقال: قولوا لهم إنّ رسول الله(ص) نزلت عليه الصلاة ولم يسمّ الله لهم ثلاثا ولا أربعا، حتى كان رسول الله(ص) هو الذي فسّر ذلك، ونزلت الزكاة ولم يسمّ لهم من كلّ أربعين درهما درهم، حتّى كان رسول الله(ص) هو الذي فسّر لهم ذلك، ونزل الحجّ فلم يقل لهم طوفوا سبعاً حتّى كان رسول الله(ص) هو الذي فسّر لهم ذلك، ونزلت: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم). سورة النساء: الآية 59
            ونزلت في علي والحسن والحسين(ع) فقال رسول الله(ص) وأهل بيتي(ص) فإنّي سألت الله أن لا يفرّق بينهما حتّى يوردهما عليّ الحوض فأعطاني ذلك، وقال: لا تعلّموهم فهم أعلم منكم، وقال: إنهم لن يخرجوكم من باب هدى ولن يدخلوكم باب ضلالة. فلو سكت رسول الله(ص) فلم يبين من أهل بيته لادعاها آل فلان وآل فلان، لكنّ الله أنزل في كتابة تصديقا لنبيه: (إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيرا) .سورة الأحزاب: الآية 33.
            فكان علي والحسن والحسين وفاطمة عليهم السلام فأدخلهم رسول الله(ص) تحت الكساء في بيت أم سلمة ثمّ قال: اللهم إنّ لكلّ نبيّ أهلا وثقلا وهؤلاء أهلي وثقلي. فقالت أم سلمة: ألست من أهلك؟ قال: إنّك إلى خير، ولكن هؤلاء أهلي وثقلي، فلما قبض رسول الله(ص) كان الإمام علي(ع) أولى بالناس، لكثرة ما بلّغ فيه رسول الله(ص) وإقامته للناس وأخذه بيده(أي في يوم الغدير وغيره)، فلمّا مضى الإمام علي(ع) لم يكن يستطيع الإمام علي(ع)ـ ولم يكن ليفعل ـ أن يدخل محمد بن علي ولا العباس بن علي ولا واحدا من ولده.. فلمّا مضي الإمام علي(ع)، كان
            الإمام الحسن(ع)أولى بـها لكبره فلما توفي لم يستطيع أن يدخل ولده ولم يكن ليفعل ذلك، والله عز و جل يقول: (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) . (ورة الأنفال: الآية 75، سورة الأحزاب: الآية6)فيجعلها في ولده.. فلما صارت إلى الإمام الحسين(ع)لم يكن أحد من أهل البيت(ع)يستطيع أن يدعي عليه، لو أراد أن يصرفا الأمر عنه، ولم يكونا ليفعلاه، ثمّ صارت حين أفضت إلى الإمام الحسين(ع)فجرى تأويل هذه الآية (أولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) ثم صارت من بعد الإمام الحسين(ع) لعليّ بن الحسين (عليهما السلام)ثم قال: الرجس هو الشك، والله لا نشك في ربّنا أبدا.
            الكافي: ج1 ص286
            ولو لم يستخلف رسول الله(ص) في علمه أحدا يحكم بحكمه، ولا يخالف حكم الله ورسوله(ص)ولا يكون في علمه اختلاف، لضيع من في أصلاب الرجال ممن يكون بعده. ولا يشك أحد أن النبي محمد(ص)
            كان أحرص الناس على قومه من الضياع قال تعالى: (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم)
            وهل يعقل أن يعيّن أبو بكر عمر ليخلفه في الناس حرصا منه على مستقبل الأمة، ويترك النبي محمد(ص)أمته التي لطال ما تحمل الأذى في سبيل هدايتها من دون إمام ووصيّ ليرجعوا إليه؟ وما هو واضح من كلمة "الخليفة" إنّه معين من قبل النبي محمد(ص) نفسه، لا من انتخبه بعض الحاضرين في سقيفة بني ساعدة..! فلو اجتمع الجن والإنس وعيّنوا أحدهم ليخلف النبي محمد(ص)لما صار ذلك الشخص خليفة له من دون تعيين ونص من جانب النبي محمد(ص)
            شخصيا. فكيف يمكن أن يختار الناس أحدهم ليكون خليفة ووصياً لمن مضى ورحل ومن دون أن يمضي له بالوصاية والخلافة؟! وكما أنّه لم يكن للناس الحق في اختيار الرسول(ص)فليس لهم أن يختاروا وصيه وخليفته، وينبغي أن يكون الخليفة منصوصا عليه كما هو حال أهل البيت (ع)أجمعين.

            وقد كانت نتيجة إنكار الوصاية والإمامة، ما شوهد من الاختلاف والتشتت في الأمة وتفسير القرآن بالرأي واتخاذ القياس أصلا في استنباط الأحكام الشرعية.. وبما أن المسلمين كانوا يتلقون الأحكام والقوانين والعبادات التي تنظّم شؤون المجتمع كأحكام الصلاة والصوم والجهاد والحج والمواريث والقضاء وغيرها من شخص الرسول
            (ص)، فهو مبلّغ الدين والداعي إلى سبيل الهدى والناطق بلسان الوحي. ولكن بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى وحدوث أمور ومواقف مستجدة تحتاج إلى بيان رأي الإسلام فيها، وتحديد الحكم الشرعي الذي ينظمها، شاع الخبط والشماس والتلوّن والاعتراض والجدل والانحراف بين مختلف طبقات المجتمع، وذلك لأنهم لم يجدوا آية محكمة أو سنّة صريحة في بيان حكم الكثير من المسائل لانقطاع مصدر التشريع عندهم مع وفاة الرسول(ص) فقاسوا برأيهم واختلفوا أشد الاختلاف، وذلك لأنّهم لم يتمسكوا بالعروة الوثقى وبحبل الله المتين وصراطه المستقيم الذي أمروا بالاعتصام به.

            فأحدثوا عشرات الفرق والمذاهب الضالة واختلفوا في كلّ شيء حتى في صفات الله تعالى وفي أسمائه العليا، ناهيك عن فروع الدين وتفاصيله.. فقال جمهور منهم بالتجسيم فعبدوا إلها خلقوه وصنعوه بأنفسهم في أوهامهم، وذهبت طائفة منهم إلى وحدة الوجود فعبدوا إلها ذاب في كل شيء وذاب فيه كل شيء حتّى رأوا أنفسهم جزءا منه، وكذلك اختلفوا في عصمة الأنبياء(ع) الذين هم حجج الله على الخلق ونسبوا لهم المعصية وأنزلوهم إلى أرذل الخلق:ففي صحيح البخاري و غيره من الصحاح (!) أحاديث تنسب إلى النبي الأكرم محمد(ص)أموراً تشمئز منها قلوب عوام المسلمين ناهيك عن النبي الأمين محمد(ص)، الذي قال عنه العظيم: (إنك لعلى خلق عظيم)، ومنها أنه كان ـ والعياذ بالله ـ مشغفا بالغناء واللهو كما هو مفاد الأخبار الواردة في صحيح البخاري: ج7 ص33 و ص32 و ص38 (كتاب النكاح) و ج5 ص40، وما في سنن ابن ماجة: ج1 ص612. ومنها أيضا ما ينسب إلى النبي الأكرم محمد(ص) المشاركة في حفلات الغناء والرقص النسائية كما في البخاري: ج5 ص105 (كتاب الفضائل) و ج7 ص20 (كتاب النكاح) ومنها ما اتهمت النبي الأكرم محمد(ص)بأنه كان يدعو عائشة لمشاهدة رقص الرجال وطربـهم وأنه كان يعينها على ذلك كما أورد ذلك البخاري في صحيحه: ج1 ص123 (كتاب الصلاة) و ج7 ص48 (كتاب النكاح)، و ج22 ص20 (كتاب العيدين)، كما ذكره مسلم أيضا في: ج2 ص609 (كتاب صلاة العيدين). وقد آلت وقاحة القوم إلى نسبة أمور كالتبول من قيام إلى نبي الهدى كما في صحيح البخاري: ج1 ص66 و ج3 ص177 كما رواه مسلم أيضا في صحيحه: ج1 ص544 (كتاب فضائل القرآن)، ومفاد هذه الأخبار هو: (أن رسول الله قام كما يقوم أحدكم فبال قائما)! ومن تمعن في طبيعة هذه الروايات المزيفة والمفتراة لعلم أنها جاءت لعدة أسباب منها تبرير الفساد الخلقي في البلاط الخليفي الذي شاعت فضائحه وعمّت سوئته. المصادر نقلاً عن كتاب "أضواء على الصحيحين" للشيخ محمد صادق النجمي.فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وإنا لله وإنا إليه راجعون والله المستعان على مايصفون به سيد الأنبياء والمرسلين نبينا محمد(ص) الصادق الأمين

            واختلفوا في جل الأصول والفروع والأحكام والسنن. وذلك لأن النبي محمد(ص) لم يحكم بينهم ولم يبين لهم إلاّ ما ابتلوا به واختلفوا فيه وإنّما أرجعهم إلى من يهديهم سواء السبيل، ذلك لأن العمل بالرأي والقياس موجب للاشتباه والالتباس لأنهما لا يفيدان اليقين أبدا.

            قال تعالى: (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم).

            "فلما خولف رسول الله(ص)ونبذ قوله وعصي أمره فيهم واستبدوا بالأمر دونهم، وجحدوا حقهم، ومنعوا تراثهم، ووقع التمالئ عليهم بغيا وحسدا وظلما وعدوانا حق على المخالفين أمره والعاصين ذريته وعلى التابعين لهم والراضين بفعلهم ما توعدهم الله من الفتنة والعذاب الأليم، فعجل لهم الفتنة في الدين بالعمى عن سواء السبيل والاختلاف في الأحكام والأهواء، والتشتت"(محمد بن إبراهيم النعماني (كتاب الغيبة) ص55))

            فبالرغم من اشتراكهم في كلمة (لا إله إلاّ الله، محمد رسول الله) ولكنهم على أشد اختلاف في مصاديقها وتفاصيلها، كاختلافهم في ذات الله والتوحيد:كتشبيهه تعالى بخلقه ونسبة الرؤية له في يوم القيامة وفي المنام؛ راجع صحيح البخاري: ج1 ص145 (كتاب الصلاة) وغيره وكذلك صحيح مسلم: ج1 ص439، سنن الترمذي: ج5 ص343 (كتاب تفسير القرآن). وقد روى السيوطي في "اللئالي المصنوعة" صلاة يصليها الرجل فيرى الله في المنام! (المصدر).

            والعدل والمعاد والبعث والنبوة وعصمة الأنبياء والرسل(ع)واختلفوا في أصول الدين وفروعه حتى تحقق خبر رسول الله(ص)(ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا فرقة واحدة)مستدرك الحاكم: ج1 ص128، سنن أبي داود: ج4 ص198، سنن ابن ماجة: (باب افتراق الأمم) ج2 ص1321.
            فيجب أن يبحث كل مناعن الفرقة الناجية التي تمسكت بالدين الإسلامي المحمدي الأصيل ويجتهد في البحث والتنقيب لكي لا يغدوا من الفرق الضالة الأخرى، والله المستعان.

            وقد أبى الله عز و جل بعد رسول الله(ص)أن يترك العباد ولا حجة عليهم، وأبى الله عزّ ذكره أن يحدث في خلقه شيئا من الحدود والأحكام والمسائل الشرعية المستجدةّ وليس تفسيرها عند إمام محدَّث مؤيّد من الله يخلفه في الأرض لكي لا تخل الأرض من حجة.

            ولو قيل أن الله عز و جل أقام القرآن والسنة النبوية الشريفة للناس حجة ودليلا كي لا يتشتتوا ويختلفوا بعد النبي محمد(ص) ، فلم اختلفت الأمة وكفّر المسلمون بعضهم بعضاً ولا زالت الأمة تمخر في بحور من الدماء، منذ يوم كارثة السقيفة المشئوم إلى يومنا هذا، ثم إلى يوم يأتي الله بالفرج على يد ولي العصر وصاحب الزمان وخليفة الرحمن الحجة بن الحسن، مهدي هذه الأمة وطاووس أهل الجنة ومنقذ البشرية سلام الله عليه وعلى آبائه المعصومين الغرّ الميامين.

            وقد آل الأمر ببعض الجهلة المتعجرفين حتى اعتبروا الشيعة كفّارا وزنادقة واتهموهم بأبشع التهم حتى قرنوهم باليهود والمجوس، وذلك لحبهم أهل بيت النبوة ليس إلاّ؛ فهل هم خارجون عن دائرة الإسلام المحرم للدماء والأعراض والأموال بكتاب الله وسنة نبيه؟ وهل اقترفوا إثما لا يغتفر، غير ولايتهم لإمام حث النبي أمته على اتباعه وولائه لما نزل في كتاب الله من ولايته؟!

            قال الإمام الشافعي:

            إن كان رفضاً حب آل محمد فليشهد الثقلان أني رافضي

            الدلالة السابعة:
            اهل البيت(ع) طريق الهداية الإلهية
            إنّ طريق الهداية والسعادة الأبدية منحصر بالتمسّك بالعترة الطاهرة بدلالة قول النبي محمد(ص) : (ما إن تمسّكتم بـهما لن تضلّوا بعدي أبدا..)، فالهداية منحصرة بهذين الثقلين، ولن تكون الأمّة في مأمن من الضلالة والضياع إلاّ بالتشبّث بالقرآن والعترة.

            فبعد أن ثبت أنّ السعادة تكمن في اتباع القرآن, وأن علم القرآن موجود لدى العترة الطاهرة وأنهما لن يفترقا أبدا، أصبح من الضروري أن نتمسك بأهل البيت من أجل نيل السعادة وتجنب الشقاء. فلو وجدت السعادة عند غير العترة لافترق القرآن عنهم والتحق بغيرهم وهذا باطل.

            فإمامة أهل البيت يدلّ عليها هذا الحديث بكلّ وضوح ويفيد وجوب اتباعهم وعدم مخالفتهم والأخذ عنهم في جميع الأمور وعلى رأسها المعتقدات والأحكام وغير ذلك من المسائل الدينية والدنيوية والأخروية، فلا يمكن لنا أن نخالفهم بقول أو فعل لأنّ أي عمل أو قول أو اعتقاد يخرج عن إطارهم يعتبر خارجا عن إطار القرآن، وهم بذلك مقياس دقيق يعرف به الصراط المستقيم المؤدي إلى النعيم الأبدي أو طريق الضلال المنتهي إلى الشقاء السرمدي، حيث لا يكون الهدى إلاّ باتباعهم ولا يكون الانحراف إلاّ بمخالفتهم، ولذلك قال النبي محمد(ص) : (ما إن تمسكتم بـهما لن تضلوا بعدي أبدا).

            وكما أن تعاملنا مع القرآن إنّما هو بمنزلة الأخذ بكلّ ما بين دفتيه والعمل بحذافيره والإئتمار بأوامره والانتهاء عن نواهيه لأنّه كلام الله المنزل، فكذلك ينبغي أن نتمسّك بالعترة التي هي عدل القرآن كما صرح بذلك حديث الثقلين، فأمرنا رسول الله(ص) باتباعهما معا فقال: (بـهما) ولم يفرد أحدا منهما بل جعلهما (ثقلين) لثقل المسؤولية التي تمكن باتباعهما. ولذلك يكون اتباع أهل البيت(ع) بعد رسول الله(ص) فرضا كما أن اتباع القرآن فرض على كلّ مسلم آمن بالله وبرسوله(ص). ولو كان أحدهما يغني عن الآخر لما أوصى النبي بـهما معا.
            وممّا يدلّ على ذلك الحديث المتواتر عن أبي ذر الغفاري حيث قال وهو آخذ بباب الكعبة: ألا من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا أبو ذر جندب بن السكن، سمعت رسول الله يقول: إني خلّفت فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ألا وإن مثلهما فيكم كسفينة نوح من ركب فيها نجا ومن تخلف عنها غرق
            (كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق: ص239، المستدرك على الصحيحين: ج3 ص163 ح4720، و ج2 ص343، فرائد السمطين: ج2 ص246 ح519، ينابيع المودة: ج1 ص94 ح5، المناقب لابن المغازلي: ص132 ـ 134، كتاب سليم بن قيس الهلالي: ج2 ص937، وغيرها.)

            بناء على ما مر، وكما لا يجوز الأخذ عن أعداء أهل البيت(ع) ومن ادّعى الإمامة والولاية والوصاية في مقابلهم، فكذلك لا يجوز طلب المعارف من غير العترة الطاهرة ولا يجوز الأخذ عن كل من ينتمي إلى مناهج مخالفة لمدرسة أهل البيت(ع) ومن أصول نابعة من غير الدين الإسلامي الحنيف في صورته النقية التي جاء بـها النبي محمد(ص) وأهل بيته(ع)، والأخذ عن الفلاسفة والعرفاء والصوفية الذين قاموا بالتلفيق بين العقائد الإسلامية وبين ما لا يمتّ إلى الإسلام بصلة مما ترجم من التراث اليوناني الإغريقي وثقافته الوثنية المشركة بالله والرهبانية المبتدعة وغيرها من الديانات والمذاهب الفاسدة الأخرى.

            فقد أبدع هؤلاء في الدين وحرفوا الكلم عن مواضعه وضلّوا من اتبع آرائهم الباطلة، وقالوا بوحدة الوجود أو وحدة الوجود والموجود، وزعموا أن وجودنا ووجود الله تعالى من سنخ وجنس واحد، والفرق بينهما يكمن في الشدّة والضعف.. فوجود الله شديد ووجودنا ضعيف، وهو الجوهر والخلق أعراضه، وإن الله بمنزلة البحر والموجودات بمنزلة القطرة التي فاضت من ذلك البحر، أو الموج الهائج فيه، وأنه بالرياضة النفسانية وخلال قوس الصعود يمكن أن نرجع فنفى في ذلك البحر اللّجي:قال صاحب (الأسفار) في الجزء الثاني، الصفحة 368: "اعلم أنّ واجب الوجود ـ أي الله ـ بسيط الحقيقة غاية البساطة، وكل بسيط الحقيقة كذلك، فهو كل الأشياء، فواجب الوجود كل الأشياء، لا يخرج عنه شيء من الأشياء". فتأمل

            هذا وقد قال الله في كتابه: (وجعلوا له من عباده جزءاً إن الإنسان لكفور مبين) سورة الزخرف: الآية 15.

            وقد وصف هؤلاء الله تعالى بما لم يصف به نفسه فاختلفوا في ذات الله وصفاته وأسماءه العليا التي منعوا عن التفكر فيها، وتاهوا عن سواء السبيل وحبل الله المتين الذي أمروا بالتمسك به، وهم أهل البيت(ع) الذين قال الله عنهم في كتابه: (وابتغوا إليه الوسيلة) فكانوا هم السبيل إليه والمسلك إلى رضوانه.

            ولا عجب فهذا هو مصير كل من اتبع هواه وترك سبيل القرآن وأهل بيت النبي محمد(ًص) الذين أكّدوا أن وجود الله ووجودنا متباينين بالبينونة الصفتية التي هي أشد أنواع البينونة، فالله عز و جل خالق ونحن مخلوقون، وهو قادر ذاتا ونحن عاجزون، وهو عالم ذاتا ونحن جاهلون وهو غني ذاتا ونحن عاجزون، وكذلك فإن وجودنا واستمرار بقائنا متعلق بمشيئته تعالى لأن الله قائم بنفسه ووجودنا قائم به، وهو شيء بحقيقة الشيئية ونحن شيء بالغير ومحتاج لحظة بلحظة إلى الغير من أجل تكوينه ووجوده وحتى شيئيته.. وأن وجود الله أصل ذاته القديمة بينما وجودنا مقرون بالعدم.

            كما لا يمكننا درك كنه وجود الله تعالى أبدا أو أن نحيط به علما أبدا، وكل ما نستطيع أن نعقله في باب معرفته تعالى هو إخراجه عن الحدين، حدّ التعطيل وحد التشبيه، وقد قال تعالى: (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير)سورة الشورى: الآية 11.

            فلكي يكون رضى الله عز و جل شاملا لحالنا لا بد لنا أن نسلك الطريق الذي أمرنا بالسير فيه وأن نبتغي إليه الوسيلة المثلى التي أرشدنا أليها ومنَّ علينا بجعلها سبيلا إليه وسراطا لنيل السعادة الأبدية لديه؛ ألا وهي التمسك بالقرآن وبالعترة الطاهرة، وقد نـهانا الله تعالى عن اتباع غير سبيله فقال عز و جل: (وإن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكّم تتقون).سورة الأنعام: الآية 153.


            ألا ترى أن الطريق إلى لقاء الواحد منا إنّما يعيّنه ذلك الشخص لا غيره. فإذا أراد أحدنا أن يلتقي برئيس الدولة أو الملك ـ مثلا ـ لزم أن يجتاز العديد من القنوات المخصصة من قبل الملك، وإذا حاول المرء أن يدخل القصر الملكي عبر نافذة المنزل بدلا من بوابته للاقى ما لا يرضيه من الحرس وذلك لأنه أسخط الملك بفعلته ولأنه تعدى حدوده.

            هذا بالنسبة إلى ملوك الدنيا فكيف بجبّار السماوات والأرضين الذي قال: (ومن يتعدّ حدود الله فأولئك هم الظالمون)سورة البقرة: الآية 229.

            فلكي نحظى بلقائه ومعرفته تعالى، لابدّ أن نطلب ذلك منه ومن حيث أمرنا هو، لا أن نخترع ونبتدع السبل إليه من تلقاء أنفسنا، ولو فعلنا ذلك لم نصل إليه أبدا، بل لن تزيدنا كثرة السير إلا بعدا عن المقصود. كما نقرأ في دعاء للإمام علي بن الحسين السجاد : (الهي بك عرفتك وأنت دللتني عليك، ولولا أنت لم أدر ما أنت).

            وكما أنّ النواة الفاسدة لا تنتج إلاّ نبتة فاسدة، فكذلك المنهج الفاسد الذي أخذ أصله من بعض الكفرة الملحدين ممن أخذ عنهم وترك تعاليم النبي محمد(ص) وأهل بيته(ع) والقرآن الذي (فيه تبيان لكل شيء) وراء ظهره أو اتبعوا ما تشابه منه (ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله)، لا يمكن أن ينتج فكرا بنّاءاً للواقع المعيش الملموس، بدليل بطلان ما جاءوا به في العلوم الطبيعية كالنجوم والأفلاك وغيرها إلى حد فضيع ومخجل، فكيف له أن يكشف لنا حقيقة الأشياء وأن يوصلنا إلى معرفة البارئ، فتعلى الله عمّا يصفون علوّا كبيرا.

            فكما أن تطوّر العلوم والأبحاث الحديثة نسفت العلوم الطبيعية القديمة التي أنشأها الفلاسفة، كذلك فقد هدّمت علوم الوحي وما جاء به الأنبياء والرسل ما تبقى من حطام الفلسفة التي بحثت ما يتعلق بالإلهيات و"ما وراء الطبيعة".

            هذا وقد جاء النبي محمد(ص) بـها نقية صافية ولا حاجة لنا أن نمد أيدينا نحو هذا وذاك. فـأهل البيت(ع) هم الباب الذي ينبغي لكل طالب علم صحيح أن يطرقه، فقد قال رسول الله(ص) في الحديث المشهور والمتفق عليه: (أنا مدينة العلم وعلي بابـها، فمن أراد المدينة والحكمة فليأتها من بابـها)، وقال تعالى: (وليس البرّ بأن تأتوا البيوت من ظهورها) فكيف بسقوفها أو جدرانـها أو ما شابه ذلك! ثم يقول عزّ من قائل: (ولكن البرّ من اتقى وأتوا البيوت من أبوابـها واتقوا الله لعلكم تفلحون)، ففي هذه الآية إشارة إلى المعنى الذي ذكره رسول الله(ص)ونهيا صريحا عما سوى ذلك.

            فلا سبيل لطلب العلوم والمعارف الإلهية إلاّ عبر باب علم الرسول(ص)، أي علي بن أبي طالب الذي قال: (علّمني رسول الله(ص) ألف باب من العلم، يفتح لي من كل باب ألف باب).

            لذا فأهل البيت(ع) هم عيبة علم الله ومخـزن أسراره، وهم باب حطّة والطريق إلى معرفة الله حق معرفته، والذين ما زالوا بصحبة القرآن حتى يوم القيامة ولا يمكن التفكيك بينهما ولا إضافة شيء آخر إليهما.

            مثالين علميين دقيقين لتقريب المعنى:
            أضرب هنا مثالا من الطبيعة لأقرّب المعنى؛ إن عنصر الأوكسجين ـ وهو عنصر أساسي وضروري لبقاء الحياة على وجه الكرة الأرضية ـ متوفر بشكل وسيع جدا، وبغضّ النظر عن أهمية الأوكسجين في التركيبات الحياتية كالماء وغيره من المركبات التي لولاها لقضي على الإنسان والحيوانات والنباتات حلى حد سواء، فإن من أشيع فوائد هذا العنصر هي في عملية التنفس المستمرة، حيث يتم استنشاقه وضخه عبر الرئة وبوسيلة الدم إلى جميع خلايا البدن وأعضائه خلال عملية معقّدة وسريعة لا تستغرق إلاّ بضع لحظات.

            وما يهمنا هو تركيب نفس هذا العنصر بين ذرّاته. فيتشكل الأوكسجين المستنشق من ذرتين ملتصقتين معاً (ويسمى بال‍ـ"داي اتوميك أوكسجين"، ولذلك يرمز إلى هذا النوع ب‍ـ(o2).

            أما النوع الآخر هو الأوزون وهو ما يوجد بكثافة في طبقة الأوزون المحيطة بالكرة الأرضية. فهو نفس الأوكسجين، إلاّ أنه يتشكل من ثلاث ذرّات من العنصر الواحد ويرمز له ب‍ـ(o3) وله خواصّه الكيماوية والفيزيائية المميّزة.

            وهنالك نوع آخر من الأوكسجين وهو ما يتشكل من ذرّة واحدة منفردة، ويمتاز هذا النوع بخواصه المنحصرة أيضا.

            وبالرغم من أن هذه الغازات الثلاثة متشكلة من ذات العنصر وهو الأوكسجين، لكنها تختلف أشد الاختلاف من حيث الخواص لاختلاف عدد ذراتها. فإننا إذا استفدنا من عنصر الأوكسجين في حالته الطبيعية المزدوجة حصلنا على عنصر حياتي مهم لا يمكن التخلي عنه، أما إذا أضفنا إلى هذا شيء ثالث ـ ولو كان من نفس العنصر ـ لحصلنا على شيء آخر.. وإذا فصلنا ما بين الذرات حصلنا على الأوكسجين من نوع ال‍ـ(موناتوميك) وهو أيضا لا ينفع لعملية التنفس إن لم يكن مضرا لها.

            فترى أن الأوزون هو غاز مسموم لا يمكننا استنشاقه، والأوكسجين "موناتوميك" كذلك فهو ما يتركب مع الكربون لإيجاد غاز ال‍ـ"مونو أكسيد الكربون" وهو غاز سام ملوّث للهواء.

            فليس لنا بد إلاّ من الاستفادة من الأوكسجين على ما هو عليه.

            ولنضرب مثالاً آخر :
            الماء والذي هو مصدر واساس الحياة للكائنات الحية يتكون من ذرتي هيدروجين وذرة اوكسجين فلو لم يتحد احدهما مع الأخر لما تكون الماء

            ومع الأخذ بعين الاعتبار أن "المثال يقرب من جهة ويبعّد من جهات"، كذلك الثـقلين؛ حيث لا يمكن التفكيك بينهما والتمسك بأحدهما والتخلي عن الآخر، لأنهما متلازمان.. كما لا يمكن إضافة عنصر آخر إليهما كالفلسفة أو الرأي والقياس ـ مثلا ـ لأن ذلك لا يجني فائدة قط، بل وإنه يفسد التركيبة ولن ننتفع بأي منهما.. (وكذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب).
            يتبع بإذن الله عزوجل...
            تحياتي
            والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

            تعليق


            • #7
              بسم الله الرحمن الرحيم
              والحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الأنبياء والمرسلين نبينا وسيدنا وحبيب قلوبنا وشفيع ذنوبنا ابو القاسم محمد(ص) وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على اعدائهم اجمعين من الإنس والجن والجن اجمعين من الأولين والأخرين إلى قيام يوم الدين
              السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

              الدلالة الثامنة:
              وجود القرآن والعترة في كل زمان ومكان
              يدل هذا الحديث النبوي بوضوح على أن الأرض لن تخلو من العترة الهادية بصحبة قرينها القرآن الكريم إلى يوم القيامة، وذلك لقوله : (وإنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض..) فلو خلت الأرض من أحدهما لافترقا من بعضهما وهذا يناقض قول الصادق المصدّق(ص)

              وكذلك لأنّ صيانة الخلق من الضلالة والانحراف إنّما هي باتّباع مدرسة أهل البيت(ع) والأخذ عنهم إلى جنب القرآن، فما دام الخلق مأمورين بأداء الواجبات وإتيان التكاليف، ينبغي أن يبقى الثقلان ـ القرآن والعترة ـ موجودين على وجه الأرض وذلك لإتمام الحجة. فالعترة ملازمة للقرآن والقرآن ملازم للعترة ومادام القرآن موجوداً فالعترة موجودة أيضا إلى يوم القيامة. وقد اعترف بهذا المعنى ابن حجر في الصواعق ص151.وفي أحاديث الحثّ على التمسّك بأهل البيت(ع) إشارة إلى عدم انقطاع متأهّل منهم للتمسّك به إلى يوم القيامة، كما أنّ الكتاب العزيز كذلك.

              أما قول رسول الله(ص) : (حتى يردا علي الحوض) لا يعني إنّهما سيفترقان عندئذٍ، بل هذا يفيد استحالة افتراقهما أبدا. فكما يقول أحدنا على سبيل المثال: (لن أعفو عن فلان حتى يوم القيامة..) فهو لا يعني أنّه سيعفو عنه في يوم القيامة، لأن ذلك اليوم هو يوم تقصّي الحقوق واسترجاع الأمانات، بل هو يوم الانتقام والأخذ بالثأر.. أوكأن يقول: (إنني لن أفعل هذا الشيء حتى أموت..) فلا يعني أنني إن متُّ سأفعله، بل سأكون في موتي عاجز عن فعله ولو أردت ذلك.

              وهذه الأمثلة كلها تفيد الاستحالة المطلقة. فليس فقط أن أهل البيت(ع) لن يفترقوا عن القرآن حتى في يوم القيامة ولن يتخلوا عنه فحسب، بل ستتجلى حقيقتهما وتلازمهما معا لأهل العالم بصورة واضحة، وسينتقم رسول الله ممن ضيّع حقوقهما. ففي الحديث عن رسول الله(ص) أنه قال:
              (يا قوم إني مخلف فيكم الثقلين؛ كتاب الله وعترتي وأرومتي ومزاج مائي وثمرة فؤادي ومهجتي، لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، ألا وإني لا أسألكم في ذلك إلاّ ما أمرني ربي أن أسألكم عنه؛ أسألكم عن المودة في القربى واحذروا أن تلقوني غدا على الحوض وقد آذيتم عترتي وقتلتم أهل بيتي وظلمتموهم، ألا إنه سيرد عليّ يوم القيامة ثلاث رايات من هذه الأمة: الأولى راية سوداء مظلمة قد فزعت منها الملائكة، فتقف عليّ فأقول لهم: من أنتم؟ فينسون ذكري ويقولون: نحن أهل التوحيد من العرب. فأقول لهم: أنا احمد نبي العرب والعجم. فيقولون: نحن من أمتك. فأقول: كيف خلفتموني من بعدي في أهل بيتي وعترتي وكتاب ربي؟ فيقولون: أما الكتاب فضيعناه، وأما العترة فحرصنا أن نبيدهم عن جديد الأرض! فلما أسمع ذلك منهم أعرض عنهم وجهي فيصدرون عطاشى مسودة وجوههم. ثم ترد عليّ راية أخرى أشد سوادا من الأولى، فأقول لهم: كيف خلفتموني من بعدي في الثقلين كتاب الله وعترتي؟ فيقولون: أما الأكبر فخالفناه وأما الأصغر فمزقناهم كل ممزق! فأقول: إليكم عني. فيصدرون عطاشى مسودة وجوههم. ثم ترد على راية تلمع وجوههم نورا فأقول لهم: من أنتم؟ فيقولون: نحن أهل كلمة التوحيد والتقوى من أمة محمد المصطفى(ص) ونحن بقية أهل الحق، حملنا كتاب ربنا وحلّلنا حلاله وحرّمنا حرامه وأحببنا ذريّة نبينا محمد(ص) ونصرناهم من كل ما نصرنا به أنفسنا وقاتلنا معهم من ناوأهم. فأقول لهم: أبشروا فأنا نبيكم محمد(ص) ولقد كنتم في الدنيا كما قلتم. ثم أسقيهم من حوضي فيصدرون مروييّن مستبشرين، ثم يدخلون الجنة خالدين فيها أبد الآبدين) بحار الأنوار: ج44 ص248


              فلابد من استمرار وجود العترة إلى جنب القرآن لكي يبينوا علومه للناس. فقد روى الشيخ الصدوق عن رسول الله(ص) أنه قال: (إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي وهما الخليفتان من بعدي، وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض) ثم قال الصدوق: وتلقوا هذا الحديث بالقبول فوجب أن الكتاب لا يزال معه من العترة من يعرف التنزيل والتأويل علما يقينا يخبر عن مراد الله عز و جل كما كان رسول الله(ص) يخبر عن المراد ولا يكون معرفته بتأويل الكتاب استنباطا ولا استخراجا
              كمال الدين وتمام النعمة: ص64.



              و إذا قيل أن هذا الحديث يعني أن القرآن و العترة لن يفترقا في المعنى و الحقيقة، و أن العترة حتى لو فارقته في هذه الدنيا فإنها لن تفارق القرآن في الآخرة، فلا يعني ذلك وجوب وجود العترة أو من يمثلها في الدنيا.. أقول أن هذا مردود بدليل أن النبي محمد(ص) قال: "إني تارك.." فهذا يعني أنه سيفارق القرآن بوفاته.. فعلى هذا نبني أن الموت مفرّق بينهما لو ماتت العترة. فلا بد من وجود إمام حي مع وجود القرآن..

              على هذا وغيره من الأخبار الصحيحة عن النبي الأكرم محمد(ص) ، كان الاعتقاد بالإمام المهدي المنتظر الذي هو من ولد السيدة فاطمة الزهراء(ع) ـ كما صرحت بذلك الأحاديث المتواترة في مواقع شتى ـ وهو من الجيل الحادي عشر بعد النبي وقد طال عمره الشريف كما طال عمر نبي الله نوح بصريح القرآن، وقد أعدّه الله لقطع دابر الظلمة ولكي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملأت ظلما وجورا، وقد حظا جمهور كبير من المؤمنين بلقياه في زمن ظهوره وغيبته، وقد وردت من ناحيته المقدسة العديد من التواقيع والرسائل والردود، وهو حيّ يرزق بلحمه وجلده وعظمه، لكنه مخفي عن الأنظار لحكمة اقتضاها علم الله عزّ شأنه، ولا منافاة بين غيبته وبين إمامته فقد ردّ رسول الله(ص) على هذه الشبهة بقولـه: "أما وجه الانتفاع به في غيبته كوجه الانتفاع بالشمس إذا غيّبـها السحاب".

              فهو المقصود في زماننا هذا بالحديث الفائض عن الرسول: (من مات لا يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية)
              .راجع مسند أحمد بن حنبل: ج6 ص22 ح16876، المعجم الكبير: ج19 ص388 ح910، الملاحم والفتن: ص153، مسند أبي داود الطيالسي: ص259، المعجم الكبير: ج10 ص289 ح687، صحيح مسلم: ج3 ص58 ح1487، السنن الكبرى: ج8 ص270 ح16612 وغيرها

              ويعني ذلك أن من لم يعرفه يموت ميتة كفر ونفاق وضلال كما لو مات في زمان الجاهلية الأولى! وهذا الحديث من الأخبار الصحيحة التي تؤكد وجود العترة في كل زمان، فلم يقيد النبي محمد(ص) كلامه بزمان أو مكان معيّن بل أطلقه ليشمل كل العصور والأزمان، والحديث يدل على أن لكل زمان إمام واجب الطاعة والموالاة منصوص عليه سلفا من قبل الله على لسان نبيه.

              والخلاصة أنّه لابدّ من وجود ولو واحد من أهل البيت(ع)في كل زمان إلى قيام الساعة لا يخالف قوله ولا فعله القرآن حتّى لا يفترق عنه ومعنى أن لا يفترق قولا وفعلا عن القرآن أنّه معصوم قولا وفعلا يجب اتّباعه لأنّه أمان من الضلال.
              وقد صرح بذلك بن حجر في صواعقة:وقال( «وفي أحاديث الحث على التمسّك بأهل البيت إشارة الى عدم انقطاع متأهّل منهم للتمسّك به إلى يوم القيامة...
              ثم أحق من يتمسّك به منهم إمامهم وعالمهم علي بن أبي طالب ـ كرّم الله وجهه ـ لما قدّمناه من مزيد علمه ودقائق مستنبطاته. ولذلك خصّه صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم بما مرّ يوم غدير خم»
              الصواعق المحرقة: 90.
              وفال ايضاً:وفي أحاديث الحث على التمسّك بأهل البيت إشارة إلى عدم انقطاع مستأهل منهم للتمسّك به إلى يوم القيامة، كما أن الكتاب العزيز كذلك، ولهذا كانوا أماناً لأهل الأرض كما سيأتي، ويشهد لذلك الخبر السابق: في كلّ خلف من أمتي عدول من أهل بيتي»
              الصواعق المحرقة: 90.
              وقد اتفق المسلمون قاطبة على صحة الأحاديث التي تبيّن أن الموت بدون بيعة لإمام، ميتة جاهلية.

              وليس بوسع أحد التشكيك بصدور هذا المضمون عن النبي محمد(ص) ، وقد بلغت هذه الأحاديث حدّا من الشهرة والاعتبار، أضحى من المتعذر معه ـ حتّى على أئمة الجور ـ إنكارها وجحودها، ولذا لجئوا إلى استغلالها عن طريق تحريفها وتزييفها أو مجرد تجاهلها والإعراض عنها.

              يقول العلاّمة الأميني رحمه الله بعد نقل هذه الأحاديث عن صحاح أهل السنّة ومساندهم في موسوعة الغدير:

              "هذه حقيقة راهنة أثبتتها الصحاح والمساند، فلا ندحة عن البخوخ لمفادها، ولا يتمّ إسلام مسلم إلاّ بالنزول لمؤدّاها، ولم يختلف في ذلك اثنان، ولا أنّ أحدا خالجه في ذلك شكّ، وهذا التعبير ينم عن سوء عاقبة من يموت بلا إمام وانه في منأى عن أي نجاح وفلاح، فإنّ الميتة الجاهلية إنّما هي شرّ ميتة، ميتة كفر وإلحاد"
              الغدير: ج10 ص360

              وهذا الخبر صحيح يشهد له إجماع أهل الآثار ويقوي معناه صريح القرآن في آي كثيرة؛ منها قولـه جل اسمه: (يوم ندعوا كل أناس بإمامهم فمن أوتي كتابه بيمينه فـأولئك يقرؤون كتابـهم ولا يظلمون فتيلا). وهذه الآية دالة على أن لكل مجموعة من الناس إمام بلا استثناء أحد من العالمين، وقوله تعالى "كل" دليل على ذلك.

              فالمقصود من ضرورة معرفة إمام كلّ عصر هو أن الإمامة لا تنقطع أبدا، وأنّ الفرد إن مات وهولا يعرف إمامه وقائده فهو ليس بمسلم حقيقي، بل أنه كافر كمن مات في زمان الجاهلية لا يعرف ربه وخالقه ويعبد الأصنام من دون الله، وأنّ عصر العلم والهداية الذي بزغت شمسه ببعثة النبي لا يمكنه الاستمرار إلاّ بمعرفة المسلمين ـ في أيّ عصر كانوا ـ لإمامهم وإقتدائهم به، وذلك لكي يكون حجة عليهم وهاديا لهم فيما جهلوا وصيانة لهم من السقوط في أوحال الجاهلية السابقة لعصر الإسلام. وبما أن البيعة لا تتم إلاّ مع المعرفة والتسليم والإقتداء المطلق، فلا يمكن لأحد أن يكتفي بالاعتراف بوجود الإمام، بل يجب عليه البحث والتنقيب من أجل معرفة ذلك الإمام حق معرفته ومن ثمَّ موالاته ومشايعته في كافة الأمور الدنيوية والأخروية.

              فالإمامة هي الضامن والكفيل لاستمرار الإسلام الأصيل، ومع فقدان هذا الضمان فإنّ المجتمع الإسلامي سيؤوب إلى ما كان عليه من جاهلية قبل الإسلام، وهذا ما نشاهده اليوم حيث اندثر الدين ولم يبق من الإسلام إلا اسمه ومن القرآن إلاّ رسمه.

              إنّ أول سؤال يبادر إلى الذهن حين سماع هذا الحديث هو: من الإمام الذي تجب معرفته ومبايعته على كل مسلم في كل زمان ومكان؟ وإمامة أيّ إمام تضمن استمرار الإسلام المحمديّ الأصيل؟ وفقدان الأمة لأيّة إمامة هو تراجع إلى زمان الجاهلية العمياء وزمان الكفر والإلحاد وعبادة الأوثان؟!

              فهل يمكننا أن نظنّ بأنّ مقصود النبي محمد(ص) هو وجوب معرفة واتّباع أيّ شخص أخذ بزمام الأمور واستولى على كرسيّ الرئاسة في المجتمع الإسلامي؟! وأنّ من لم يعرف إماما كهذا ولم يبايعه يموت ميتة جاهلية، دون توجّه إلى إمكان اتّصاف هذا "الإمام" بالظلم، فيغدو من أئمّة النار حسب التعبير القرآني؟!

              وبطبيعة الحال فقد حاول أئمّة الجور على طول التاريخ الإسلامي أن يستندوا إلى هذا الحديث لتثبيت أركان حكومتهم وتبرير وجوب إطاعة الناس لهم وذلك بتقمّص هذا المقام الإلهي الرفيع، مقام الإمامة العظمى وقيادة الأمة الإسلامية نحو رضاية رب العزة والجلال. أو بعبارة أخرى، أن يهدموا الإسلام باسم الإسلام. وهنا تكمن الطامّة الكبرى حيث يقتدي عوام الناس بمن غصب الإمامة وهم مع ذلك يضنون أنهم يحسنون صنعا. ومن الطبيعي كذلك أن يعمد وعّاظ السلاطين ـ بنفس تلك الدواعي ـ إلى تأويل كلام رسول الله(ص) لينطبق على إمامة أئمّة الجور وكل من حصل على السيف والصولجان، ليكونوا بذلك ممن باع آخرته بدنيا غيره.

              ثم لا يمكن أبدا أن نتصوّر أنّ عبد الله بن عمر ـ وكما جاء في شرح ابن أبي الحديد لنهج البلاغة ـ يمتنع عن مبايعة الإمام علي(ع) لنقص درايته أو لسوء استنباطه، ثمّ يهرع ليلا وتمسّكا بحديث (من مات بغير إمام) الذي يعدّ هو من رواته إلى الحجّاج بن يوسف الثقفي لمبايعة خليفة زمانه عبد الملك بن مروان، لأنّه يخشى أن يبيت ليلة بدون إمام!!

              يقول ابن أبي الحديد: إنّ عبد الله بن عمر امتنع من بيعة علي و طرق على الحجّاج بابه ليلا ليبايع لعبد الملك كي لا يبيت تلك الليلة بلا إمام، لأنّه روى عن النبي أنّه قال: من مات ولا إمام له مات ميتة جاهلية، وحتّى بلغ من احتقار الحجّاج له واسترذاله حاله أن أخرج رجله من الفراش، فقال: اصفق بيدك عليها
              شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج13 ص242.

              وقد روى عبد الله بن عمر هذا الحديث للثائرين في المدينة ليدخلوا في طاعة يزيد واضعا يزيد كقدوة ومصداق لهذا الحديث(صحيح مسلم: ج13 ص1478 ح1851)! وبطبيعة الحال، فإنّ من لا يبايع أمير المؤمنين الإمام علي(ع) لأنّه لا يعدّه إماما مؤهلا للأخذ بزمام الأمة وإرشادها إلى الصواب ـ مع كل ما ورد في حقه(ع) وحق باقي أهل بيت العصمة والطهارة(ع) من مناقب ـ لابدّ أن يرى عبد الملك بن مروان إماما، يوجب ترك بيعته الكفر والعودة إلى الجاهلية. ولابدّ كذلك أن يصفق تحت جنح الظلام على رجل عامله السفّاح الحجّاج بن يوسف الثقفي الذي كان يستحسن لعن الإمام علي(ع) والسيدة فاطمة الزهراء(ع) والإمام الحسن(ع) والإمام الحسين(ع) على منبر رسول الله(ص) ، والذي قلّما رأى التاريخ مثله في وحشيّته وسفكه لدماء المسلمين. هذا وقد آل الأمر بعبد الله بن عمر إلى أن يرى يزيد بن معاوية بن أبي سفيان مع كلّ ما جنت يداه بحقّ الإسلام وعترة الرسول وقتله سبط رسول الله(ص) الإمام الحسين(ع) في وقعة
              الطفّ( و يزيدلعنه الله هو الذي قال عنه الإمام الحسين(ع) مبيناً سبب رفضه البيعة له: "إنا أهل بيت النبوة و معدن الرسالة، و مختلف الملائكة، بنا فتح الله و بنا يختم، و يزيد شارب الخمور، و راكب الفجور، و قاتل النفس المحترمة، و مثلي لا يبايع مثله.." واستباحته لمدينة رسول الله(ص) حين ثار أهلها عليه وتركه لجنوده أن يغتصبوا عشرة آلاف فتاة عذراء، وكذلك أخذ البيعة منهم على أنهم عبيد له، وكذلك هدمه لبيت الله الحرام والكعبة المشرفة.. رآه مصداقا ل‍ـ"الإمام" في الحديث المذكور وتوجب مخالفته وعدم مبايعته الكفر والارتداد!!

              فتأمل أيها القارئ.. أهذا هو من أمر النبي الأكرم محمد(ص) بمعرفته ومبايعته؟! أم أهل بيته(ع) الطيبين الطاهرين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا ولم يجد التاريخ لهم مثالب قط؟

              ورغم إخفاء الطغاة لمناقبهم بغضاً وحسدا، وإخفاء شيعتهم لها خوفا من القتل والتشريد، ولكن أبى الله إلاّ أن يتم نوره. فهذا معاوية بن أبي سفيان يأمر جلاوزته باستئصال الشيعة فيقول: "انظروا من روى حديثا عن أبي تراب(أي الإمام علي و كان يستعمل هذه الكنية استحقاراً له(ع) فحذفوه من الديوان.. خذوهم بالظنة واقتلوهم بالتهمة.. لا والله إلا دفناً دفناً..!"

              والخلاصة أننا إذا جمعنا بين الحديث الذي مرَّ ذكره وبين حديث الثقلين ودلالته على وجود العترة في كل زمان، لحصل لنا اليقين بمصداق الإمام وتعريف هوّيته.

              لذلك فإن الشيعة الإثني عشرية يقولون بلزوم وجود إمام في كلّ زمان من أهل البيت(ع)يكون معصوماً عن الخطأ والزلل ويجب موالاته ومعرفته، وهم بذلك يعتقدون بإمامة الأئمّة الإثني عشر ابتداءً بأمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب، وابنيه الحسن والحسين، والسجاد علي بن الحسين، والباقر محمد بن علي، والصادق جعفر بن محمد، والكاظم موسى بن جعفر، والرضا علي بن موسى، والجواد محمد بن علي، والهادي علي بن محمد، والعسكري حسن بن علي، والحجة القائم المنتظر المهدي الغائب (عليهم أفظل الصلاة والسلام)

              وقد صرّحت روايات عديدة بأسماء الأئمّة وعددهم وبعض أحوالهم، نذكر بعضها فيما يلي:

              عن جابر بن سمرة: سمعت رسول الله يقول: لا يزال الإسلام عزيزا إلى اثني عشر خليفة. ثمّ قال كلمة لم أفهمها، فقلت لأبي: ما قال؟ فقال: كلّهم من قريش.صحيح مسلم: ج3 ص7 ح1453، و ج8 وفيه (هذا الأمر) بدلاً من (الإسلام)، و ج9 وفيه (هذا الدين عزيزاً منيعاً). (وضمنيها الناس) بدل لم أفهما، مسند أحمد ابن حنبل: ج7 ص422 ح20882، سنن أبي داود: ج4 ص106 ح4280، تاريخ بغداد: ج2 ص126، وفيهما: (فكبر الناس وضجوا ثم قال ...).


              مسروق: كنّا جلوسا عند عبد الله بن مسعود وهو يقرئنا القرآن، فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن، هل سألتم رسول الله : كم تملك هذه الأمّة من خليفة؟ فقال عبد الله بن مسعود: ما سألني عنها أحد منذ قدمت العراق قبلك، ثمّ قال: نعم، ولقد سألنا رسول الله ، فقال: اثنا عشر، كعدّة نقباء بني إسرائيل
              مسند احمد بن حنبل: ج2 ص55 ح3781، المستدرك على الصحيحين: ج4 ص546 ح8529، المعجم الكبير: ج10 ص158 ح10310، مسند أبي يعلى: ج5 ص31 ح5009، وراجع الخصال: 467/6-11 أمالي الصدوق: 254/4-7.


              أبو سعيد رفعه عن الباقر(ع): قال رسول الله(ص)):من ولدي اثنا عشر نقيبا، نجباء محدّثون مفهّمون، آخرهم القائم بالحقّ، يملأها عدلا كما ملئت جورا
              الكافي: ج1 ص534 ح18.


              ابن عباس ـ في قوله تعالى (والسّماء ذات البروج) ـ: قال رسول الله(ص):أنا السماء، وأمّا البروج فالأئمّة من أهل بيتي وعترتي، أوّلهم عليّ وآخرهم المهدي، وهم اثنا عشر
              - ينابيع المودة: ج3 ص254 ح59.

              الإمام الباقر عن أبيه عن الحسين(ع): دخلت أنا وأخي على جدّي رسول الله(ص) ، فأجلسني على فخذه، وأجلس أخي الحسن على فخذه الأخرى، ثمّ قبّلنا وقال: بأبي أنتما من إمامين صالحين، اختاركما الله منّي، ومن أبيكما وأمّكما، واختار من صلبك يا حسين تسعة أئمّة، تاسعهم قائمهم،وكلّكم في الفضل والمنزلة عند الله تعالى سواء
              إكمال الدين: ص264 ح12، عن أبي حمزة الثمالي

              فالأحاديث التي مرّت لا تدلّ إلاّ على إمامة الأئمّة الإثني عشر من أهل البيت(ع)
              . وقد تكرر هذا المضمون في الأحاديث والأخبار مما يجعله في حد التواتر، نكتفي هنا بذكر بعض ما ظفرت عليه من المصادر على العجالة كنماذج لا للحصر:

              صحيح البخاري: ج6 ص2640 ح6796.

              صحيح المسلم: ج3 ص6 ح1452 و ج3 ص10 ح1453.

              سنن الترمذي: ج4 ص501 ح2223.

              مسند ابن حنبل: ج7 ص430 ح20995، و ج2 ص55 ح3781، و ج7 ص410 ح20869.

              مسند أبي يعلى: ج5 ص31 ح5009، و ج6 ص473 ح7492.

              تاريخ واسط: ص98.

              ينابيع المودّة: ج3 ص290 ح40.

              إحقاق الحقّ: ج13 ص30.

              المستدرك على الصحيحين: ص716 ح6589، و ج4 ص546 ح8529.

              المعجم الكبير: ج8 ص411 ح3520.

              أمالي الصدوق: ص255 ح8

              الخصال:ص470 ح16، و ص473 ح27، وص473 ح30 وغيرها.



              ومن الأدلّة التي تؤكّد على ضرورة وجود إمام في كلّ زمان هي قوله تعالى: (وإذ قـال ربّك للملائكة إنّي جاعل في الأرض خليفة) ففي هذه الآية دليل على أنّه عز و جل يستعمل هذا المعنى في أرضه إلى يوم القيامة، فإن الله عز و جل لم يخصص جعل الخليفة في زمان معيّن بل أطلقه فلزم أن يكون في كل زمان خليفة لله، فإنّ الأرض لا تخلو من حجة له عليهم وحكمة الله في السلف كحكمته في الخلف لا يختلف في مر الأيّام وكرّ الأعوام وذلك أنّه عدل حكيم.

              ومن زعم أنّ الخليفة ـ في هذه الآية ـ أراد به النبوّة فقد أخطأ وذلك إنّ الله عز و جل وعد أن يستخلف من هذه الأمّة الفاضلة خلفاء راشدين كما قال تعالى: (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنّهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكننّ لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدّلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً)
              سورة النور: الآية 25.
              ولم يتحقق هذا الوعد في زمن النبي محمد(ص)وحتى يومنا هذا حيث الظلم والاضطهاد والخوف والفساد منتشر في شتى بقاع الأرض، ولو كانت قضية الخلافة تعني النبوة أوجب حكم الآية وصيغة الجمع فيها، أن يبعث الله عز و جل نبيّا بعد النبي محمد(ص)وما صحّ قوله: (وخاتم النبيّين)
              سورة الأحزاب: الآية 40.
              وهذا محال، فثبت إنّ الوعد من الله عز و جل ثابت من غير النبوة وثبت إنّ الخلافة مغايرة للنبوة وقد يكون الخليفة غير نبيّ ولا يكون النبي إلاّ خليفة.

              ويصح الاستدلال بهذه الآية على أنّ الخلافة منحصرة بتعيين من الله عز و جل وليس لأحد أن يختار الخليفة إلاّ الله وذلك لقوله تعالى (جاعل) فاختيار الخليفة إنّما يكون جعلا من الله وليس أمرا مفوضا إلى الخلق. وكذلك قوله عز و جل: (وإذ ابتلى إبراهيم ربُّه بكلمات فأتمهنَّ فقال إني جاعلك للناس إماماً) فالله عز و جل هو الذي يجعل الإمام في الناس، وحرف التوكيد (إنّ) دليل على ذلك.
              يتبع بإذن الله عزوجل...
              تحياتي
              والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

              تعليق


              • #8
                بسم الله الرحمن الرحيم
                والحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الأنبياء والمرسلين نبينا وسيدنا وحبيب قلوبنا وشفيع ذنوبنا ابو القاسم محمد(ص) وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على اعدائهم اجمعين من الإنس والجن والجن اجمعين من الأولين والأخرين إلى قيام يوم الدين
                السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

                بحث في هوية اهل البيت(ع):
                بعد أن تبين لنا ضرورة اتّباع أهل البيت والعترة الطاهرة(ع)ووجوب التمسك بعروتهم الوثقى والأخذ عنهم، وبعد أن عرفنا الحق وجب أن نعرف أهله، ولزم أن نعرف من هم المعنيّون بالعترة و "أهل البيت" حتى نقتدي بـهم. وهنالك فيما مر من الأخبار والأحاديث ما يكفي لمعرفتهم، ومن أوضح الروايات في هذا الباب، أي في تعيين أهل البيت دون غيرهم من أزواج النبي ما نقله السيوطي في الدرّ المنثور عن ابن مردويه عن أم سلمة قالت: نزلت هذه الآية في بيتي (إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً) وفي البيت سبعة، جبرائيل وميكائيل وعلي وفاطمة والحسن والحسين(عليهم أفضل الصلاة والسلام)، وأنا على باب البيت، قلت يا رسول الله(ص) ألست من أهل البيت؟! فقال: إنّك على خير. إنك من أزواج النبي(ص)
                الدر المنثور: ج5 ص198.

                وعن الريّان بن صلت قال: حضر الرضا(ع) مجلس المأمون بمرو وقد اجتمع في مجلسه جماعة من أهل العراق وخراسان ـ إلى أن قال ـ فقال المأمون: من العترة الطاهرة؟

                فقال الرضا : الذين وصفهم الله في كتابه فقال عز و جل: (إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً) وهم الذين قال رسول الله(ص) : (إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي وانهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، وانظروا كيف تخلفوني فيهما، أيّها الناس، لا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم).

                فقال العلماء: أخبرنا يا أبا الحسن عن العترة أهم الآل أو غير الآل؟

                فقال الرضا : هم الآل.

                فقال العلماء: فهذا رسول الله(ص) يؤثر عنه أنّه قال: أمّتي آلي، وهؤلاء أصحابه يقولون بالخبر المستفاض الذي لا يمكن دفعه: آل محمّد(ص) أمّته.
                فقال أبو الحسن(ع) : اخبروني هل تحرم الصدقة على الآل؟
                قالوا: نعم.
                قال: فتحرم على الأمّة؟
                قالوا: لا.
                قال: هذا فرق ما بين الآل والأمّة
                أمالي الصدوق: ج1 ص422، عيون أخبار الرضا: ج1 ص229 ح1

                وفي رواية الحاكم في مستدركة قالت أم سلمة: يا رسول الله ما أنا من أهل البيت؟ قال: (إنّك إلى خير وهؤلاء أهل بيتي، اللهم أهل بيتي أحقّ)
                مستدرك الحاكم: ج2 ص416، تفسير الآية من سورة الأحزاب

                وفي رواية أحمد: فرفعت الكساء لأدخل معهم فجذبه من يدي وقال إنّك على خير
                مسند أحمد: ج3 ص292 ـ 323.

                وأيضا، عن أم سلمة أن النبي محمد(ص) جلل على الحسن والحسين وعلي وفاطمة(عليهم افظل الصلاة والسلام )كساء ثم قال اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي أذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا فقالت أم سلمة وأنا معهم يا رسول الله(ص)؟ قال: إنّك إلى خير.
                قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح وهو أحسن شيء روي في هذا الباب وفي الباب عن عمر بن أبي سلمة وأنس بن مالك وأبي الحمراء ومعقّل بن ياسر وعائشة
                سنن الترمذي: 3806.

                وفي هذا كفاية في أن أهل البيت هم أصحاب الكساء خاصة، أي علي وفاطمة والحسن والحسين(عليهم افضل الصلاة والسلام) بأوضح العبارات وأكثر الألفاظ صراحة، فيكونون بذلك عدول القرآن الذي أمرنا رسول الله(ص)بالتمسّك بـهم في حديث الثقلين. فقد عيّنت هذه النصوص المصاديق الحقيقية لأهل البيت(ع) بما لا يدع مجالا لأدنى شك، بحيث ينفي الرسول(ص) صراحة انضواء زوجته الجليلة تحت عنوان "أهل البيت"(ع) ويمنعها من اللحاق بأصحاب الكساء لينفي احتمال دخول زوجاته تحت هذا العنوان.

                فهناك -و للأسف- من أراد تشويه المعنى فذهب إلى أحد المعاني اللغوية الشاذة للآل و الأهل، فقال أنها تعني أمة رسول الله(ص) لكن أسئلكم بالله، هل يعقل أن يجمع النبي محمد(ص) أمته فيقول لهم ما معناه: "إني تاركم في أمتي كتاب الله و أمتي.."!؟ و أمثال هذه الأقوال لا تشعر إلا بحقد دفين في قلوب مريضة تجاه آل الرسول(علبهم افضل الصلاة والسلام) الذين أمرنا باتباعهم، فإلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وإنا لله و إنا إليه راجعون..

                ولا يمكن لأحد أن يدعي بأنّ العترة بمعنى مطلق القربى حتى يشمل النسب والحسب والأزواج لكي يشوه المعنى فهذا القول غير مقبول، لأنّ هذا لم يقل به أحد من اللغويين ولا المفسّرين أو المحدّثين.

                فقد نقل ابن منظور في لسان العرب: عِتْرةُ الرجل: أَقْرِباؤه من ولدٍ و غيرهِ، و قيل: هم قومُهُ دِنْياً، و قيل: هم رهطه و عشيرته الأَدْنَون مَنْ مَضى منهم و مَن غَبَر؛ و منه قول أَبي بكر: "نحن عِتْرةُ رسولُ الله، صلى الله عليه وآله و سلم، التي خرج منها و بَيْضَتُه التي تَفَقَأَتْ عنه، و إِنما جِيبَت العرَبُ عنّا كما جِيَبت الرحى عن قُطْبها"، قال ابن الأَثير: لأَنهم من قريش؛ و العامة تَظُنُّ أَنها ولدُ الرجل خاصة و أَن عترة رسولُ الله، صلى الله عليه وآله و سلم، ولدُ السيدة فاطمة الزهراء(ع)؛ هذا قول ابن سيده، و قال الأَزهري، رحمه الله، و في حديث زيد بن ثابت قال: قال رسولُ الله، صلى الله عليه وآله و سلم، إِني تارك فيكم الثَّقَلَينِ خَلْفي: كتابَ الله و عتْرتي فإِنهما لن يتفرّقا حتى يَرِدا عليّ الحوض؛ و قال: قال محمد بن إِسحق و هذا حديث صحيح و رفعَه نحوَه زيدُ بن أَرقم و أَبو سعيد الخدري، و في بعضها: إِنِّي تاركٌ فيكم الثَّقَلْين: كتابَ الله و عِتْرَتي أَهلَ بيتي، فجعل العترة أَهلَ البيت(ع)

                و قال أَبو عبيد و غيره: عِتْرةُ الرجل و أُسْرَتُه و فَصِيلتُه رهطه الأَدْنَون.

                وقال ابن الأَثير: عِتْرةُ الرجل أَخَصُّ أَقارِبه.

                و قال ابن الأَعرابي: العِتْرة ولدُ الرجل و ذريته و عِقُبُه من صُلْبه، قال: فعِتْرةُ النبي محمد، صلى الله عليه وآله و سلم، و ولدُ فاطمة البَتُول، عليها افضل الصلاة وازكى السلام.

                و روي عن أَبي سعيد قال: العِتْرةُ ساقُ الشجرة، قال: و عِتْرةُ النبي محمد، صلى الله عليه و آله وسلم، عبدُ المطلب ولده، و قيل: عِتْرتُه أَهل بيته الأَقربون و هم أَولاده و عليٌّ و أَولاده(ع)

                و المشهور المعروف أَن عتْرتَه أَهلُ بيته، و هم الذين حُرّمَت عليهم الزكاة و الصدقة المفروضة، و هم ذوو القربى الذين لهم خُمُسُ الخُمُسِ المذكور في سورة الأَنفال..

                أقول: أما استشهاد المصنف بقول أبي بكر في السقيفة لبيان قربه من رسول الله(ص) و أحقيته بالخلافة فهو أوهن من أن يناقش، فإذا كان أبو بكر يستشهد بأنه من عشيرة رسول الله(ص)، فماذا عمن آخى رسول الله بينه و بينه؛ و هو الإمام علي(ع)، و من صاهره فصار من أهل بيته؛ و هو الإمام علي(ع)، و من جعله رسول الله(ص) ولياً للناس بعده؛ و هو الإمام علي(ع)، و من جعله رسول الله(ص) من نفسه بمنزلة هارون من موسى؛ و هو الإمام علي(ع)..؟ و هلمّ جرا.

                و قد أكّد أمير المؤمنين(ع) هذا المعنى، ففي (بحار الأنوار)ج : 29 ص : 611"قالوا لمّا انتهت إلى أمير المؤمنين عليه السّلام أنباء السّقيفة بعد وفاة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله..، قال عليه السّلام: ماذا قالت قريش؟ قالوا: احتجّت بأنّها شجرة الرّسول (ص). فقال عليه السّلام: احتجّوا بالشّجرة و أضاعوا الثّمرة.

                بيان: .. و الغرض إلزام قريش بما تمسّكوا به من قرابته صلّى اللَّه عليه و آله، فإن تمّ فالحقّ لمن هو أقرب و أخصّ، و إلاّ فالأنصار على دعواهم

                قال مصنف "مجمع البحرين": باب (عتر): في حديث الصادق مع آبائه عن الحسن بن علي(ع) قال سئل أمير المؤمنين(ع) عن معنى قول رسول الله(ص) إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله و عترتي من العترة؟ فقال : أنا و الحسن و الحسين و الأئمة التسعة من ولد الحسين(ع) تاسعهم مهديهم و قائمهم، لا يفارقون كتاب الله و لا يفارقهم حتى يردوا على رسول الله(ص) حوضه و في حديث آخر و قد سئل: و من عترة النبي؟ فقال: أصحاب العباء.

                و عن ابن الأعرابي حكاه عنه تغلب العترة: ولد الرجل و ذريته من صلبه، و لذلك سميت ذرية النبي محمد(ص) من الإمام علي(ع) و السيدة الصديقةفاطمة الزهراء(ع) عترة النبي محمد(ص).

                قال تغلب: فقلت لابن الأعرابي فما معنى قول أبي بكر في السقيفة نحن عترة رسول الله(ص) قال: أراد بذلك بلدته و بيضته و عترة النبي محمد(ص) لا محالة ولد السيدة الصديقة فاطمةالزهراء(ع) - كذا في معاني الأخبار.

                و العترة: أصل الشجرة المقطوعة، و هم أصل الشجرة المقطوعة لأنهم وتروا و قطعوا و ظلموا.."

                فيتضح من هذا المعنى أن تعبير "أهل البيت" لا يعني مطلق الأقارب وإنّما هم أخص الأقارب، ولذلك عندما سئل زيد بن أرقم في رواية مسلم: "فمن أهل بيته؟ نساؤه؟ قال: لا وأيم الله.. إنّ المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر، ثمّ يطلّقها فترجع إلى أبيها وقومها.. (وإنما) أهل بيته(ص) أصله وعصبته الذين حرّموا الصدقة من بعده..".

                ومن ثم لو كانت الآية قد نزلت في زوجات النبي محمد(ص)، للزم أن يخاطبهم القرآن بصيغة التأنيث لا التذكير وأن يذكر "البيت" بصيغة الجمع، وذلك بقرينة الآيات الأخرى حيث يذكر الله بيوت النساء بصيغة الجمع كقولـه تعالى: (واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة)سورة الأحزاب: الآية 34.
                ، وقولـه تعالى: (وقرن في بيوتكنّ ولا تبرّجن تبرّج الجاهلية الأولى).

                فكان من المفترض أن تكون الآية بهذه الصيغة: (إنما يريد الله ليذهب عنكنّ الرجس أهل البيوت ويطهّركنّ تطهيرا) ولا أعتقد أن هذا التعبير قد جاء في أي من القراءات المروية!
                إلا اللهم أن يقول قائل أن هذا اللفظ وارد، لكنه تعرض لما تعرضت له آيتي "الرجم" و "رضاع الكبير"؛ فقد روي عن عائشة أنها قالت: "لقد نزلت آية الرجم و رضاعة الكبير عشراً، و لقد كان في صحيفة تحت سريري، فلما مات رسول الله و تشاغلنا بموته، دخل داجن فأكله"! راجع مسند أحمد 6/269 و سنن ابن ماجة حديث رقم 1944 من كتاب النكاح..


                أما وحدة السياق فيكذبها هذا الكم الهائل من الأحاديث التي تنفي دخول نساء النبي محمد(ص) في دائرة التطهير، كما أن عدم الإختلال في معنى الآية بعد رفع المقطع المذكور دليل على عدم وحدة السياق، بالإضافة أن الأحاديث المتواترة جائت لتؤكد على أن آية التطهير نزلت على انفراد دون باقي الآية التي تخص نساء النبي محمد(ص).

                كما أنّ شرف الانتماء لأهل البيت(ع) لم يدّعه أحد من أقارب رسول الله(ص) ولا زوجاته، وإلاّ لحدثنا التاريخ بذلك، فلا يذكر لنا التاريخ أن زوجات النبي احتجبن بهذه الآية أو ادّعين هذا المقام، هذا على الرغم من أن عائشة -مثلاً- كانت في أمسّ الحاجة لما يدعم و يعزز موقفها في مقابل أمير المؤمنين(ع) في حرب الجمل، لكننا لا نرى لها ادعاءاً في أن لها في هذا الآية نصيب، بل هناك أحاديث تنسب الآية إلى أهل البيت دون نساء النبي محمد(ص) و هي مروية عن عائشة نفسها
                كما في صحيح البخاري و مسلم عن الأصول العامة

                و من جهة أخرى نرى أن أهل البيت(ع) يؤكدون نزول الآية في حقهم مع ما هنالك ما يؤيد ذلك في الأحاديث و السنن، فهذا أمير المؤمنين (ع) يقول: (إن الله عز و جل فضّلنا أهل البيت وكيف لا يكون كذلك والله عز و جل يقول في كتابه: (إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً) فقد طهّرنا الله من الفواحش ما ظهر منها وما بطن، فنحن على منهاج الحقّ).

                وقال ابنه الإمام الحسن(ع) : (أيها الناس من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن علي، وأنا ابن البشير النذير الداعي إلى الله بإذنه والسراج المنير، أنا من أهل البيت الذي كان ينزل فيه جبرائيل ويصعد، وأنا من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا). وفي موضع آخر يقول: (وأقول معشر الخلائق فاسمعوا، ولكم أفئدة وأسماع فعوا، إنا أهل بيت كرّمنا الله بالإسلام واختارنا واصطفانا واجتبانا فأذهب عنّا الرجس وطهرنا تطهيرا).

                وقال الإمام الحسن(ع) أيضا في خطبة له: يا أهل العراق اتقوا الله فينا فإنّا أمرائكم وضيفانكم ونحن أهل البيت الذي قال الله عز و جل: (إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا).
                فما زال يومئذ يتكلّم حتّى ما يرى في المسجد إلاّ باكيا
                المعجم الكبير: ج3 ص96 ح2761، المناقب لابن المغازلي: ص382 ح431، تاريخ دمشق (ترجمة الإمام الحسن): ج3 ص180، و ص305، و ص307، وج6 ص182.


                ونذكر فيما يلي المزيد من الروايات الصحيحة حول آية التطهير ونزولها في حق أهل البيت(ع) :

                روي عن الإمام الصادق جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه علي بن أبي طالب قال : قال رسول الله(ص) : إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض كهاتين ـ وضم بين سبابتيه ـ فقام إليه جابر بن عبد الله الأنصاري وقال : يا رسول الله من عترتك؟ قال : علي والحسن والحسين والأئمة من ولد الحسين إلى يوم القيامة
                كمال الدين وتمام النعمة: ص244.

                وروي في مناشدة لأمير المؤمنين(ع) أنه قال: أنشدكم الله أتعلمون أن رسول الله(ص) قام خطيبا لم يخطب بعد ذلك فقال: (أيها الناس إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي فتمسكوا بـهما لئلا تضلوا فإن اللطيف الخبير أخبرني وعهد إلي أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض) فقام عمر بن الخطاب وهو شبه المغضب فقال: يا رسول الله أكل أهل بيتك؟ فقال: (لا ولكن أوصيائي منهم أولهم أخي ووزيري ووارثي وخليفتي في أمتي وولي كل مؤمن من بعدي، هو أولهم، ثم ابني الحسن، ثم ابني الحسين، ثم تسعة من ولد الحسين واحد بعد واحد حتى يردوا علي الحوض، شهداء الله في أرضه وحججه على خلقه وخزان علمه ومعادن حكمته من أطاعهم أطاع الله، ومن عصاهم عصى الله عز و جل؟
                فقالوا كلهم: نشهد أن رسول الله قال ذلك
                كمال الدين وتمام النعمة: ص279.

                وعن شداد أبي عمّار قال: دخلت على واثلة بن الأسقع وعنده قوم، فذكروا عليا(ع) فشتموه فشتمته معهم. فلمّا قاموا قال لي: لم شتمت هذا الرجل؟
                قلت: رأيت القوم شتموه فشتمته معهم.
                فقال: ألا أخبرك بما رأيت من رسول الله(ص) ؟
                قلت: بلى.
                فقال: أتيت السيدة الصديقة فاطمة الزهراء(ع) اسألها عن الإمام علي(ع) فقالت: توجّه إلى رسول الله(ص) ، فجلست أنتظره حتى جاء رسول الله(ص) ومعه الإمام علي(ع) والإمام الحسن(ع) والإمام الحسين(ع) آخذا كلّ واحد منهما بيده حتّى دخل، فأدنى عليّا وفاطمة(عليهما السلام) فأجلسهما بين يديه وأجلس حسنا وحسينا(عبيهما السلام) كلّ واحد منهما على فخذه, ثمّ لفّ عليهم ثوبه ـ أو قال كساء ـ ثمّ تلا هذه الآية: )إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً( ثمّ قال: اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي، وأهل بيتي أحق
                فضائل الصحابة لابن حنبل: ج2 ص577 ح978، مسند ابن حنبل: ج6 ص45 ح16985، المصنّف لابن أبي شيبة: ج7 ص501 ح40، العمدة: ص40 ح25، المعجم الكبير: ج3 ص49 ح2670 و2669، المستدرك على الصحيحين: ج3 ص159 ح4706، و ص451 ح3559، مسند أبي يعلى: ج6 ص479 ح7448، نثر الدر: ج1 ص36، السنن الكبرى: ج2 ص217 ح1870

                شداد بن عبد الله: سمعت واثلة بن الأسقع وقد جيء برأس الإمام الحسين بن علي(عليهما السلام) قال: فلقيه رجل من أهل الشام، فغضب من أهل الشام، فغضب واثلة وقال: والله، لا أزال؟ سمعت رسول الله(ص) وهو في منزل أمّ سلمة يقول فيهم ما قال.. (وذكر الحديث نفسه)
                فضائل الصحابة لابن حنبل: ج2 ص672 ح1149، أسد الغابة: ج2 ص27، العمدة: ص34 ح15.

                للمزيد من الأخبار في هذا الباب الشاسع راجع المصادر التالية من كتب آهل السنة:
                تفسير الطبري: 12/الجزء 22/7، الدرّ المنثور: 6/403، تاريخ دمشق (ترجمة الإمام الحسين): 60 الأخبار الواردة في نزول آية التطهير، مختصر تاريخ دمشق 7/119، كنز العمّال: 13/645، شواهد التنزيل 2/18، ينابيع المودةّ: 1/329 باب 35 في تفسير آية التطهير، المناقب للخوارزمي: 60 الفصل الخامس، تفسير الآل والأهل، إحقاق الحقّ: 2/501-562، و:3/513-531، و9/1-69،و: 14/40-، 105 و: 18/359-382 بحار الأنوار: 35/206 باب في آية التطهير، المناقب للخوارزمي: 63/32، كنز العمّال: 13/603/3754 نقلا عن الديلمي عن واثلة، وذكر أيضا في: 12/101/34186 وغيره.

                فهل بعد الحق إلا الظلال:
                قال رسول الله(ص) :

                من سرّه أن يحيى حياتي ويموت مماتي ويسكن جنة عدن غرسها ربي، فليوالِ عليّاً من بعدي وليوالِ وليّه وليقتد بالأئمة من بعدي فإنهم عترتي، خُلقوا من طينتي، رزقوا فهماً وعِلماً، وويل للمكذّبين بفضـلهـم من أمتي، القاطعين فيهم صلتي، لا أنالهم الله شفاعتي.
                مستدرك الحاكم ج 3 ص 128 الطبراني في الجامع الكبير الاصابة لابن حجر العسقلاني، كنز العمال ج 6 ص 155. المناقب للخوارزمي ص 34 ينابيع المودة ص 149. حلية الاولياء ج 1 ص 86 تاريخ ابن عساكر ج 2 ص 95.



                إذا توقف المرء يتأمل واقع الأمة ومشاكلها وما تعيشه من تفكك، و هو دون شك نتيجة عدم تمسكها بأهل البيت(ع)، بالرغم من السيل الهائل من الروايات والأحاديث النبوية في فضلهم، لعرف أن المشكلة لا تكمن في سند الأحاديث الواردة أوفي دلالتها على أفضليتهم على سائر الناس أو ما شابه ذلك، وإنما المشكلة هي أن البعض وضعوا كتاب الله وسنة رسوله(ص) وراء ظهورهم (وجحدوا بـها واستيقنتها أنفسهم) لمصالح دنيوية حالت دونهم و المعرفة و أغلقت منافذ عقولهم عن الحقيقة الوظّائة. فمن المصائب التي تعرّض لها النبي الأكرم(ص)(بإبي وامي ونفسي) الذي قال: (ما أوذي نبي بمثل ما أوذيت) هي تكذيب الناس له بعد أن كان يعرف بـ"الصادق الأمين". فقد كذِّب النبي محمد(ص) في بدء التبليغ و إلى آخر عمره الشريف، حتى آل الأمر بأحد صحابته إلى القول بكلّ وقاحة: (إنه ليهجر، حسبنا كتاب الله!)راجع صحيح البخاري (كتاب العلم): ج1 ص30، صحيح مسلم وغيره من كتب الحديث و التاريخ
                وكان ذلك في آخر لحظات عمره الشريف، وحين أمر بدواة وكتف حتى يكتب للناس كتابا لن يضلوا بعده أبدا.

                وبذلك أظهر هذا الأخير كمال معرفته بالنبي محمد(ص)! وكأنه لم يقرأ ولم يسمع قولـه تعالى في سورة النجم: (وما ينطق عن الهوى ! إن هو إلاّ وحي يوحى)..

                فالويل ثم الويل كل الويل لأمة اتهمت نبيها بالهجر والغلط، والرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله(ص) وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب الذي كان سيمنع شتات الأمة و يجمعهم على كلمة سواء بينهم..

                فإذا كان البعض يقول هذا والنبي محمد(ص) أمامهم، فكيف بـهم إذا فارقهم وكيف بهم بعد أكثر من ألف وأربعمائة عام.. ألا يكذبونه ويضعون أصابعهم في آذانهم متجاهلين أوامره؟ وقد قال تعالى في كتابه المنزل: (ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا). فقد تجاهل البعض هذه الأحاديث، وأنكرها البعض الآخر أو حرّفها.. والواقع هو أنه لا مفر من هذه الحقيقة، فيجب على كل مسلم بعد أن عرف باختلاف الناس أن يسعى وراء الفرقة الناجية المحقة، فهل بعد الحق إلا الضلال؟!. ولا يجوز لأحد أن يختار مذهبه بالوراثة أباً عن جد، ليصبح مصداقا لقوله تعالى: (إنا وجدنا آبائنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون).. ولا يمكن أن يتجاهل أحد هذه الأحاديث بقوله: "أن هذه الأدلة قد ردّ عليها علمائنا وفقهائنا" لينطبق عليه قولـه تعالى: (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله).

                فحديث الثقلين وكل ما استشهدنا من الأخبار مروي في كتب السنة وبذلك حجة عليهم على النحو الذي مرّ، ودلالاته دلالات عقلية متقنة، تؤيدها شواهد نقلية محكمة. وبما أن مفهوم الوحدة الإسلامية وسيلة للوصول إلى الهدف الأسنى الذي يكمن في إعلاء كلمة الحق ونشر الإسلام في الأرض، ينبغي أن يكون محور هذه الوحدة التمسك بالقرآن الكريم، وأهل البيت(ع) ، والسنة ـ ومنها حديث الثقلين الذي يدعوا إلى اتباع مدرسة أهل البيت(ع) ـ فلا يمكن أن يكون الاتحاد على أساس تجاهل مثل هذه الأحاديث والإعراض عن الحق. إذن فما الغرض من الوحدة؟ ولا يمكن أن يتحد المسلمون إلاّ بالأخذ بكلام النبي محمد(ص) والتمسك بحذافيره والتسليم له في كل ما يجيء به من عند الله الواحد القهّار، وأهل بيته الأطهار(ع) من بعده.

                فإن حديث الثقلين، المجمع على صحته، والصريح في دلالاته، لا يترك لنا خيارا إلاّ وجوب العمل بالقرآن حسب منهج أهل البيت(ع) وعلى هدي طريقهم. وإلاّ فإن الابتعاد عن هذا المنهج، هو انحراف عن طريق القرآن، وضلالة عن الصراط المستقيم.

                فيا أيها المسلمون الطالبون للحق والتاركون أهواء الذين لا يعلمون، اتبعوا كلام نبيكم واسمعوه واعقلوه عقل دراية وأحذروا يوم القيامة أن تقولوا ((إنا كنا عن هذا غافلين)) أو تقولوا ((ربنا إنا أطعنا ساداتنا وكبرائنا فأضلّونا السبيل)) أو تقولوا ((لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير)) واحذروا ((إذ تبرّأ الذين اتُّبِعوا من الذين اتَّبعوا)) ولا تكونوا من الذين قالوا ((بل نتبع ما ألفينا عليه آبائنا)).
                (يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نوراً مبيناً)
                وأخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين وصلى اللهم على محمد وآله الطيبين الطاهرين
                تحياتي
                والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

                تعليق

                المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                حفظ-تلقائي
                x

                رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

                صورة التسجيل تحديث الصورة

                اقرأ في منتديات يا حسين

                تقليص

                لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

                يعمل...
                X