بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد والشكر لله رب العالمين على كل حال
اللهمَّ صَلِّ على محمدٍ وآل محمد الطيبين الطاهرين وعَجِّلْ فرجهم وفرجنا بهم وارحمنا بهم والعن أعداءهم
والرحمة واللطف والكرم والكرامة على محبيهم الى يوم الدين
الكرام الأفاضل
رعاكم الله وحفظكم ووفقكم وقضى حوائجكم وأسعدكم
ســـــــلام الله عليكم ورحمته وبركاته
وبعد
أجمل التهاني و أطيب التبريكات
لمقام مولانا العظيم الحبيب العزيز الحجة بن الحسن المهدي(عج/ص)
ولعلمائنا الاعلام
ولأهل الولاء قاطبة أحياءاً و أمواتا
ولكم
بمناسبة عيد الميلاد الأغر ..
أعاده الله على إمامنا (عج/ص) وعلمائنا وعلينا جميعاً بكل خير وسـرور وأرانا بركة الميلاد اليوم وكل يوم ببركة فاطمة المعصومة (عليها وآلها الصلاة والسلام) كريمة أهل البيت (عليهم الصلاة والسلام) وببركة الصلاة على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
القارئ الكريم
صَلِّ على محمدٍ وآل محمد (ثلاثاً) وبصوت عال رحمكم الله
*نظرة إلى حياة السيدة فاطمة المعصومة عليها السلام*
*****
عاشت السيدة المعصومة في كنف والديها الكريمين، تكتسب منهما الفضائل و المكارم، إذ كان أبوها إماما معصوما و ليس له في الفضائل و التقى كفوا أحد، و امها «نجمة» أيضا من النساء الصالحات المؤمنات التي تعلمت في مدرسة زوجة الإمام الصادق(ع). و كانت معروفة بالتقوى في ذلك الزمان. و من هنا فقد أشارت «حميدة» أم الإمام الكاظم عليه السلام على ابنها الإمام بالزواج من «نجمة».
كانت السيدة المعصومة تستفيد كل يوم من والدها و أخيها المعصومين (عليهما السلام) و امها التقية العالمة بحيث وصلت إلى مقام رفيع من العلم و الفضيلة و صارت عارفة بالكثير من العلوم و المسائل الإسلامية في أيام صباها.
في أحد تلك الأيام أتى جمع من الشيعة إلى المدينة لكي يعرضوا بعض أسئلتهم الدينية على الإمام الكاظم(ع) و يأخذوا العلم من معدنه، و لكن كان الإمام الكاظم و كذلك الإمام الرضا (ع) مسافرين، و لم يكونا حاضرين في المدينة. فاغتم الجمع، لأنهم لم يجدوا حجة الله و من يقدر على جواب مسائلهم، و اضطروا للتفكير بالرجوع إلى بلدهم. و عندما رأت السيدة المعصومة(ع) حزن هؤلاء النفر أخذت منهم أسئلتهم التي كانت مكتوبة، و أجابت عليها، و عندئذ تبدل حزن الجماعة بفرح شديد و رجعوا ـ مع ظفرهم بجواب مسائلهم ـ إلى ديارهم راجحين مفلحين. و لكنهم في الطريق و في خارج المدينة التقوا بالإمام الكاظم(ع) و حدثوه بما جرى عليهم. و بعد ما رآى الإمام جواب ابنته على تلك المسائل أثنى على بنته بعبارة مختصرة قائلا: «فداها أبوها».
بداية المحنة و شهادة الإمام الكاظم(ع)..
كان حكام ذلك الزمان يؤذون أبناء النبي(ص) كثيرا. و خاصة الإمام الكاظم(ع)، فإنه عليه السلام لاقى من الخلفاء الجور و الآلام و الأقاسي كثيرة. و هذه الآلام و المحن كانت تؤلم القلب الطاهر للسيدة المعصومة (ع)، و كان المسلي الوحيد لها و للعائلة هو أخوها المفدى الإمام الرضا(ع).
صادفت أيام حياة الإمام الكاظم عليه السلام عهد خمسة من حكام العباسيين الظلمة، و هم : أبو العباس السفاح و المنصور الدوانيقي و الهادي و المهدي و هارون. و كل واحد من هؤلاء الطواغيت أذاق الإمام عليه السلام و سائر العلويين المتقين أنواع العذاب و التنكيل.
عندما ولدت السيدة المعصومة (ع) كانت قد مضت ثلاث سنوات من خلافة هارون العباسي الذي كان له قصب السبق في ميدان الظلم و البطش و نهب أموال المسلمين. و كان تابعا للهوى معجبا بالدنيا.
و لم يتيسر للإمام الكاظم(ع) السكوت على ظلم هارون و خيانته للإسلام و الامة الإسلامية لقول رسول الله(ص): «إذا ظهرت البدع فعلى العالم أن يظهر علمه و إلا فعليه لعنة الله»، و أخذ الإمام(ع) بأن ينهى عن المنكر، و قام في وجه سياسة هارون الماحقة للدين.
و هارون ـ لعلمه بتشدد آل علي(ع) و خاصة الإمام الكاظم(ع) في مقاومة الطواغيت و الإستنكار عليهم ـ استنفد كل الوسائل لإخماد صوتهم و أنفق الكثير من أموال المسلمين على الشعراء لكي ينتقصوا منهم. و كان يسجن العلويين أو يبعدهم و يقتل بعضا منهم بعد التعذيب الكثير في السجن.
و بعد ما استحكمت حكومته الظالمة على البلاد الإسلامية أمر بإعتقال الإمام الكاظم(ع) و سجنه. و من هنا حرمت السيدة المعصومة(ع) من والدها و الإستفادة من معينه الصافي و ذلك في أواخر حياته الشريفة، و شعرت بالحزن الشديد على فقده.
و كان عمر السيدة المعصومة حينذاك أقل من عشر سنوات، و كانت تحترق لفراق أبيها و تطيل البكاء عليه.
و كذلك كان يصعب على الإمام الكاظم(ع) فراق أولاده البررة كالإمام الرضا(ع) و السيدة المعصومة، فصبر جميل.
كان الإمام الكاظم(ع) قد بدل ظلمة السجن نورا بذكر الله، و بدل تلك الأيام الصعبة بالسبحات الطويلة إلى أجمل الأيام. و لكن قلبه كان يخفق في السجن عندما يتذكر ابنته المعصومة و يشتاق إلى لقائها.
في السنتين الأخيرتين من حياة الإمام الكاظم عليه السلام كان ينقل من سجن إلى سجن. بقي عليه السلام في سجن عيسى بن جعفر والي البصرة سنة، و قد أثرت صفاته الحميدة في حارس السجن بحيث اعتزل الحارس من حراسة السجن. بعد ذلك حمل الإمام عليه السلام بأمر هارون إلى بغداد و سجن عند فضل بن الربيع ثم عند الفضل بن عيسى. و أخيرا نقل إلى سجن السندي بن شاهك.
و سبب التنقل بين هذه السجون هو أن هارون كان يأمر صاحب السجن بقتل الإمام عليه السلام، لكن لم يقدم بل و لم يقدر أحد من هؤلاء على هذا العمل الشنيع و أبى كل منهم عنه. إلى أن سمه السندي بن شاهك بأمر من هارون.
كان هارون يعرف أن الناس إذا علموا بقتل الإمام عليه السلام على يديه ستكون له عواقب خطيرة. فبدا له مكر بأن يأتي بجماعة من الشيعة قبل استشهاد الإمام عليه السلام، لكي يشهدوا أن الإمام عليه السلام مريض و يجوز أن يتوفى بمرضه و لا يكون موته مستندا بقتله من أحد.
لكن يقظة الإمام و معرفته بعواقب الامور قد فضحت هارون، فإنه عليه السلام مع شدة تأثير السم في بدنه الشريف قال لمن حوله: «لقد سمني هذا الرجل بتسع تمرات و سيخضر بدني غدا و سأقضي بعد غد».
و أخيرا بعد يومين من كلام الإمام عليه السلام في الخامس و العشرين من شهر رجب سنة 183 ه.ق. قضى الإمام الكاظم عليه السلام نحبه مسموما مستشهدا، و لحق إمام آخر من أئمة الشيعة بآبائه الطاهرين.
عندما سمعت الشيعة خبر استشهاد إمامهم الكاظم عليه السلام لبسوا ثوب الحزن و بعيون عبرى نصبوا مآتم العزاء، فإنهم فقدوا قائدهم الذي عشقوه بكل وجودهم و لا شيء يمكن أن يسكن افئدتهم الحزينة. و من بينهم من لا يسكن عبرته و هو السيدة المعصومة و كانت في حداثة سنها و قد أوجعها خبر استشهاد أبيها عليه السلام. حيث انتظرت سنين لعل أباها العزيز يرجع يوما و يعتنقها، و لكنها الآن لا بد أن تتصبر على مصيبة فقدانه و تتجرع الحزن و الآلام.
سفر الرضا (ع) إلى مرو..
بعد استشهاد الإمام الكاظم(ع) انتقلت الإمامة إلى ابنه على بن موسى الرضا عليه السلام الذي كان في الخامسة و الثلاثين من عمره الشريف. و كان عليه السلام بالإضافة إلى إمامته الإلهية و هداية الامة الإسلامية الوصي الوحيد لأبيه الكاظم (ع) الذي يتولى مسئولية أبناء الإمام الكاظم عليه السلام إخوانه و أخواته.
و بالرغم من استمرار ضغط حكومة هارون كان الإمام الرضا(ع) مشغولا بمهمته الإلهية من دون أي خوف و رهبة، و لم يتوان لحظة عن نشر الحق و الهدى. مع كل ذلك لم تكن الظروف تسمح لهارون بالتعرض للإمام (ع) أو إظهار العداوة له.
ثم في سنة 193 ه.ق. مرض هارون و مات بمرضه، و تخلص المسلمون من شر واحد من السفاكين . و بعد هارون ارتقى «الأمين» منصة الخلافة و لم تدم خلافته أكثر من أربع سنوات، حيث وقعت أحداث دامية بين «الأمين» و أخيه «المأمون» على منصب الخلافة، و أخيرا في سنة 198 ه.ق. قتل الأمين بيد أخيه و تسنم المأمون منصب الخلافة.
اغتنم الإمام الرضا عليه السلام فرصة اشتغال الحكام بالحروب و استطاع من دون أي مزاحم تربية أتباعه و تعليمهم.
في هذه المدة لم يتفرغ العباسيون من جهة النزاع في الحكومة لإيذاء الإمام عليه السلام و شيعته. و بعد ما استقام أمر الحكومة للمأمون قام بتقوية أركان حكمه بالحيلة و الإغراء . و من مكره و خدعته لعامة الناس جمع العلماء حوله و أسس مجالس علمية و حاول أن يظهر نفسه بأنه حاكم خبير و محب للعلم و أهله. و من جهة أخرى و لأجل جلب حماية الشيعة كان يظهر حبه لأمير المؤمنين علي عليه السلام و يلعن معاوية.
و نظرا لإتساع رقعة البلاد الإسلامية و وجود المخالفين في أطرافها كان المأمون ـ لحفظ إمارته ـ مضطرا و محتاجا إلى جلب حماية الشيعة و إلا فلو انضم الشيعة إلى صفوف المعارضين فإن الأمر سيصعب عليه، و لهذا و لكي يخدع العلويين و الشيعة عزم على انتخاب الإمام الرضا عليه السلام لولاية عهده.
و لو قبل الإمام عليه السلام ولاية العهد فلا شك أن الشيعة سيكفوا عن مخالفة الدولة التي إمامهم ولي عهد فيها. و من هنا تبادلت رسائل كثيرة بين المأمون و الإمام الرضا (ع)، و الإمام كان يرفض ولاية العهد و يمتنع عن قبولها. لكن الخليفة يصر عليها.
الرسائل المتوالية لم تثمر شيئا، و الإمام(ع) من خلال موقفه الواعي أحبط مؤامرة الخليفة الشيطانية و ذهبت محاولاته إدراج الرياح، و صرح عليه السلام في رسائله برفض طلب المأمون .
لكن المأمون لم يكف و لتحقيق هدفه أرسل «رجاء بن أبىالضحاك» إلى المدينة و ذلك سنة 200 ه.ق. لكي يشخص بالإمام عليه السلام من المدينة إلى «مرو» التي كانت مركز حكومته، و المأمون كان يأمل أنه يستطيع أن يحصل على موافقة الإمام عليه السلام لقبول ولاية العهد . و بعد إجبار الإمام و إكراهه على الخروج من المدينة، قام إلى زيارة قبر جده(ص) و الأئمة الأربعة في البقيع(ع)، ثم ودع أولاده و إخوانه و أخواته و منهن أخته الكريمة السيدة فاطمة المعصومة(ع)، و غادر متجها إلى مرو.
و بلوعة و حزن شديد ودع الإمام عليه السلام من قبل عائلته و أقربائه، و رجعوا إلى بيوتهم مهمومين مغمومين، لأنهم فقدوا أعز ملجأ لهم.
و مع مغادرة الإمام الرضا عليه السلام انتهت اللحظات السعيدة في حياة السيدة فاطمة المعصومة عليها السلام، فإنها بعد استشهاد أبيها الإمام الكاظم(ع) وجدت الرحمة و الحنان في كنف أخيها الرضا(ع) و الآن و قد سافر مضطرا، و بعد هذا الأخ الشفيق مستصعب جدا على جميع عائلة الإمام الكاظم(ع) و خاصة السيدة المعصومة.
وكان المأمون قد خطط أن لا يكون مسير الإمام من المدن التي يسكنها الشيعة خصوصا الكوفة و قم. لانه كان يخشى أن يؤدى حضور الإمام عليه السلام إلى ثورة الناس و استنهاضهم و تمردهم على عمال المأمون، بحيث يفلت زمام الامور من السلطة.
التاريخ المشرق للكوفة و قم يشهد بحب و ولاء أهلهما لآل بيت الرسول(ع)، و هذا معلوم للخليفة كالشمس فى رابعة النهار، لذلك كان يمانع من مرور الإمام الرضا(ع) بتلك المدن الشيعية.
وبالرغم من تدبير المأمون فإن المسلمين في بقية المدن الواقعة في مسير حركة الإمام عليه السلام استقبلوا ابن النبي الأكرم(ص) بحفاوة لا مثيل لها، و حال دخول مدنهم كانوا ينهلون من غزارة علمه(ع). و في بعض المدن الايرانية استقبل الناس ابن رسول الله(ص) بما لا مثيل و لا نظير له في التاريخ، فكان يأتي جميع أهل المدينة و يحيطون براحلة الإمام و أخذوا يستفيدون من وجوده الشريف.
نيسابور أحد تلك المدن، فإن أهلها عندما استشعروا بوصول الإمام عليه السلام إلى قرب ديارهم خرجوا من البيوت و أحاطوا بقافلته، و اجتمعوا حول محمله كي يتعلموا العلم من معدنه، و قالوا: «يابن رسول الله نريد أن نأخذ من علمك و نسمع كلامك» فاستجاب عليه السلام طلبهم و ذكر لهم حديث سلسلة الذهب و هو ما رواه عن أبيه عن آبائه عليهم السلام عن النبى (ص) أنه قال: «إن الله سبحانه و تعالى يقول: كلمة لا إله إلا الله حصني فمن دخل حصني أمن من عذابي». و بعد أن تقدم مركب الإمام خطوات أخرج الإمام(ع) رأسه الشريف من المحمل و قال: «بشروطها، و أنا من شروطها». يقصد الإمام عليه السلام أن قول لا إله إلا الله خاصة لا يكفي لدخول الجنة، بل القائل لا بد و أن يعتقد بإمامة الأئمة الحق و منهم الإمام الرضا(ع). أو يريد الإمام (ع) أنه لا يمكن لأحد أن يصل إلى حقيقة التوحيد إلا من طريق أهل البيت(ع)، و هذا هو الطريق الوحيد لمعرفة الله جل جلاله.
و بعد ذلك السفر الطويل وصل الإمام(ع) إلى مرو. و عند الوصول استقبل المأمون للإمام الرضا و أصر عليه بقبول ولاية العهد. لكن الإمام (ع) كان مقيما على رأيه مظهرا عدم قبوله لها. فاستمر النزاع بين الإمام و الخليفة حول مسألة ولاية العهد لمدة شهرين، و في النهاية اجبر الإمام بسبب تهديدات المأمون على القبول، و في السابع من شهر رمضان المبارك سنة 201 ه.ق. مع حزن عميق و قلب كئيب قبل ولاية العهد، لكنه شرط أن لا يتدخل في أي قرار من قرارات السلطة. و المأمون قبل منه الشرط.
حركة السيدة المعصومة (ع) من المدينة إلى مرو..
مضت سنة على سفر الإمام الرضا(ع) إلى مرو، و أهل بيت النبى(ص) في المدينة حرموا من عزيزهم الذي كانوا يستشعرون الرحمة و اليمن بجواره، و لم يكن يسكن رويهم شيء سوى رؤيتهم للإمام المعصوم(ع).
السيدة فاطمة المعصومة(ع) كبقية إخوتها و أخواتها قل صبرها و كانت كل يوم تجزع لفراق أخيها الرضا(ع).
في هذه الأيام كتب الإمام عليه السلام رسالة مخاطبا أخته السيدة المعصومة(ع)، و أرسل الرسالة بيد أحد خدامه إلى المدينة المنورة، و أمره أن لا يتوقف وسط الطريق كي يوصل الكتاب إلى المدينة المنورة بأقصر زمان ممكن، و كذلك فإنه (ع) دل الرسول على منزل أبيه حيث تسكن أخته المعصومة لكي لا يسأل من شخص آخر عن منزل الإمام الكاظم عليه السلام.
وصل مبعوث الإمام إلى المدينة المنورة و امتثالا لأمر الإمام(ع) سلم الكتاب إلى السيدة المعصومة. و على الرغم من أننا لا نعرف شيئا من محتوى ذلك الكتاب، لكنه مهما كان فقد أشعل نار الشوق في أهله و أقربائه. و من هنا قررت السيدة المعصومة و بعض إخوة الإمام و أبناء إخوته أن يتحركوا نحو مرو ليلتحقوا بالإمام(ع).
و بسرعة جهزت عدة السفر و تهيأ القافلة للسير و بعد أخذ الماء و المتاع خرجوا من المدينة قاصدين مرو.
كان في هذه القافلة السيدة فاطمة المعصومة و يرافقها خمسة من إخوتها، هم: فضل، جعفر، هادى، قاسم و زيد. و معهم بعض أبناء إخوة السيدة المعصومة و عدة من العبيد و الجوارى .
تحركت قافلة عشاق الإمام الرضا(ع)، و بغير المنازل الضرورية للصلاة و الغذاء و الإستراحة لم تتوقف لحظة عن المسير، مخلفة هضاب الحجاز و صحاريه وراءها مبتعدة يوما فيوما عن مدينة الرسول(ص).
السفر في صحاري الحجاز كان صعبا للغاية حتى أن الإبل أحيانا تستسلم للعجز و تتقاعس عن المسير، فكيف بالمسافرين الذين لا بد لهم أن يذهبوا إلى مرو. لكن نور الأمل و لقاء الإمام كان يشرق في قلوب أهل القافلة و يحثهم على إدامة السير وسط رمال و أعاصير الصحراء.
في تلك الأيام، كان خطر اللصوص و قطاع الطريق يهدد كل مسافر، و يخلق له مشاكل كثيرة . و إذا هجموا على قافلة لا يبقى لأحد أمل في إدامة السفر، و أقل ما يفعلونه نهب الأموال و المجوهرات و الدواب. و إلا ففي كثير من الحالات يقتلون أعضاء القافلة لسرقة أموالهم . و هذا الخطر كان يهدد فاطمة المعصومة(ع) و مرافقيها، لكنهم توكلوا على الله تعالى و استمروا بالسير و يوما فيوما كانوا يقتربون من المقصد.
مرت الأيام و الليالي و قافلة قاصدي الإمام الرضا(ع) خلفت صحراء الحجاز وراءها و لم يبق لها شيء دون الوصول إلى أرض إيران.
عناء السفر كانت تؤذي السيدة المعصومة كثيرا، و مع أن قطع هذا الطريق الوعر كان شاقا على شابة مثلها و لكنها لشدة ولهها و شوقها إلى زيارة أخيها كانت مستعدة لتحمل أضعاف هذا العناء.
كانت السيدة في طريقها دائما تتصور الوجه المشرق للإمام الرضا(ع) و تتذكر الأيام التي قضتها في المدينة، و لأنها ترى أن عينها ستقر برؤيته، فإنها كانت مسرورة جدا.
انتهت المرحلة الصعبة من هذا السفر، و أخيرا وصلت القافلة إلى أراضي إيران، و لا بد أيضا من السفر و اجتيازت المدن و القرى واحدة بعد اخرى.
القافلة في ساوة...
وأخيرا وصلت القافلة إلى مدينة ساوة. و هناك مرضت السيدة المعصومة مرضا شديدا بحيث لم تقدر على إدامة المسير. هذا السفر الطويل المتعب من المدينة المنورة إلى ساوة و إن كان أضعف بدنها، إلا أن شدة المرض أنحلت جسمها و أشحبت لونها.
هل إن اخت الإمام الرضا(ع) تستطيع في هذا الحال أن تكمل سفرها لتزور أخاها العزيز في مرو؟ و هل تستعيد عافيتها و تديم السفر لتلتقي أخاها؟ هذه أسئلة كانت تشغل فكرة السيدة المعصومة و تزيد من قلقها.
و على أية حال، قررت السيدة بعد ذلك الذهاب إلى «قم»، و سألت من معها: «كم بيني و بين قم؟» أجابوها: عشرة فراسخ. و عند ذلك أمرتهم بالتوجه إلى قم.
كانت قم في خلال الوقت ملجأ الشيعة، مع أن مذهب التشيع لم يكن شايعا في إيران، لكن بسبب هجرة الأشعريين العرب من الكوفة إلى قم فهذه المدينة كانت مدينة شيعية و جميع ساكنيها من محبي أهل بيت الرسول(ع).
الأشعريون ـ و بسبب ظلم عمال بني أمية الذين تجاوزوا الحد في عداوتهم لأهل بيت النبي (ص) و لشيعة أمير المؤمنين عليه السلام ـ قد هاجروا من الكوفة و سكنوا هنا و بنوا مدينة قم و أسسوها. و لما بلغ خبر وصول السيدة المعصومة إلى ساوة و مرضها هناك، إلى أهل قم، أجمع كل أهل المدينة أن يذهبوا إلى السيدة و يطلبوا منها الإقامة في قم. و لكن ذهب «موسى بن خزرج» ممثلا من أهل قم إلى بنت الإمام الكاظم(ع) و أخبرها برغبة القميين و فرط اشتياقهم بزيارتها، و أجابت السيدة المعصومة طلبهم و أمرت بالحركة نحو قم.
أخذ موسى بن خزرج زمام ناقة السيدة المعصومة(ع) مفتخرا، و قادها إلى المدينة التي كانت تنتظر قدوم أخت الإمام الرضا(ع) حتى وصلت القافلة إلى بداية مدينة قم. (1)
وفاة السيدة المعصومة(ع)..
في 23 ربيع الأول سنة 201 ه.ق. وصلت قافلة السيدة المعصومة إلى مدينة قم، و استقبلها الناس بحفاوة بالغة، و كانوا مسرورين لدخول السيدة ديارهم.
و كان موسى بن خزرج ذا يسر و بيت وسيع، و أنزل السيدة في داره و تكفل لضيافة السيدة المعصومة(ع) و مرافقيها. و استشعر موسى بن خزرج فرط السعادة بخدمته لضيوف الرضا(ع) القادمين من مدينة الرسول(ص). و هيأ لهم كل ما يحتاجونه بسرعة.
ثم اتخذت السيدة فاطمة المعصومة معبدا لها في منزل موسى بن خزرج لكي تبتهل إلى الله و تعبده و تناجيه و تشكو إليه آلامها و تستعينه على ما ألم بها. و هذا المعبد باق إلى الآن و يسمى ب«بيت النور».
أقلق مرض بنت الإمام الكاظم مرافقيها و أهالي قم كثيرا، مع أنهم لم يبخلوا عليها بشيء من العلاج، إلا أن حالها يزداد سوءا يوما بعد يوم. لأن المرض قد تجذر في بدنها الشريف .
و في العاشر من ربيع الثاني 201 ه.ق. توفيت السيدة المعصومة(ع) دون أن ترى أخاها. و دمعة عينها و غم فؤادها لم تسكن و لم تنقض لفراقه.
أفجع أهل قم بتلك المصيبة و في غاية الحزن لوفاتها أقاموا العزاء عليها.
مراسم الدفن...
تكفلت نساء الشيعة و محبات أهل البيت(ع) باحترام كبير غسل الجسد المطهر للسيدة المعصومة و كفنوها. و عندما حان وقت الدفن رأى زعماء الأشعريين و وجوههم أن يدفن الجسد الطاهر في مكان مناسب غير المقبرة العامة. و إنما عزموا هذا الأمر لما يهمهم من شدة الإحترام لبنت الإمام الكاظم(ع) و لم يرغبوا أن تدفن بجنب الآخرين.
موسى بن خزرج الذي كان صاحب قصب السبق في هذا الأمر خصص بستانا كبيرا له في منطقة يقال لها: «بابلان» عند نهر قم (مساحة الحرام الحالية) لدفن الجسد الطاهر. و الآن كل شيء جاهز، و لكن من الشخص الذي يباشر و يتولى دفن السيدة المعصومة(ع)؟ تبادل الحاضرون الرأي، و أخيرا اتفقوا أن يوكلوا هذا العمل إلى شيخ كبير صالح اسمه «قادر»، و أرسلوا شخصا لإحضار «قادر»، و لكنه لم يجده. و إذا براكبين متوجهين من جهة النهر و اقتربا إلى محل الدفن . و عندما وصلا إلى الجسد الشريف للسيدة نزلا من المركب و صلاها على الجنازة، ثم توليا دفن الجسد الطاهر. و مع تعجب الحاضرين ركبا راحلتهما و ابتعدا بسرعة.
انتهت مراسم الدفن بكل احترام بين حزن الشيعة و بكائهم، و أصبحت مدينة قم التي سميت بحق «عش آل محمد (ع)» مزار بضعة الإمام الكاظم(ع).
ثم إن موسى بن خزرج أوقف بستانه ـ احتراما لمزار السيدة ـ للمسلمين، كى يدفن شيعة علي (ع) موتاهم حول المرقد الشريف.
المزار الشريف السيدة المعصومة(ع)..
بنى أهل قم كوخا من الحصر على مرقد السيدة المعصومة(ع)، و بعد مضي خمسين سنة و باهتمام من السيدة زينب بنت الإمام الجواد(ع) بنيت أول قبة على قبر السيدة المعصومة.
ثم جدد بناء الحرم المطهر من قبل محبى و شيعة أهل البيت(ع) و توسع حتى أصبح بالشكل الذى هو عليه الآن.
و بعد سنوات من وفاة السيدة المعصومة دفنت عدة من بنات الأئمة بجوار المزار الشريف ما يوجب مزيد أهمية هذه التربة المباركة الطاهرة.
على طول التاريخ كان الحرم المنور للسيدة المعصومة ملاذا للشيعة و سبب خير و بركة لأهل قم.
و كم من المحتاجين يسرت حاجاتهم، و كم من المرضى نالوا الشفاء بفضل كريمة أهل البيت (ع)، و يوم القيامة ستأخذ إن شاء الله بأيدي زوارها إلى شاطىء النجاة، «يا فاطمة اشفعى لنا في الجنة...».
و روي عن الإمام الصادق(ع) أنه قال: «إنها تدخل كل شيعتنا الجنة بشفاعتها».
و في هذه القرون الأخيرة تربى الكثير من العلماء المجاهدون من جوار هذه التربة المباركة و متوسلا بها. هؤلاء الفقهاء الذين كانوا منشأ خير و بركة في العالم الإسلامي و منهم العالم المجاهد الإمام السيد روح الله الموسوي الخميني يرون جميعا توفيقهم رهنا لزيارة السيدة المعصومة(ع)، و يفتتحون عظائم أمورهم في جوار الحرم المبارك، هذا الإمام الخميني بدأ ثورته المباركة من جوار الحرم.
و في هذه الأيام يزهر الحرم المقدس للسيدة المعصومة كأنه جوهرة وسط مدينة قم.
و كل يوم تأتي القوافل من مختلف نقاط إيران و العالم لزيارة هذا الحرم الشريف، إظهارا للمحبة الخالصة لنبي الإسلام و لأهل بيته(ع).
و السلام عليها يوم ولدت و يوم ماتت و يوم تبعث حيا.
الهامش:
1) لا بأس بأن نتبرك بذكر بعض الروايات الواردة في فضل قم و أهله:
الف: عن أبى الحسن الأول(ع) قال: «قم عش آل محمد و مأوى شيعتهم...». «بحار الأنوار»، ج 57، ص .214
ب: عن الصادق(ع): «إذا أصابتكم بلية و عناء فعليكم بقم، فإنه مأوى الفاطميين و مستراح المؤمنين...». «بحار الأنوار»، ج 57، ص .215
ج: عن الصادق(ع) قال: «ستخلو كوفة من المؤمنين و يأزر عنها العلم كما تأزر الحية في جحرها، ثم يظهر العلم ببلدة يقال لها قم. و تصير معدنا للعلم و الفضل حتى لا يبقى في الأرض مستضعف في الدين حتى المخدرات في الجبال. و ذلك عند قرب ظهور قائمنا، فيجعل الله قم و أهله قائمين مقام الحجة، و لولا ذلك لساخت الأرض بأهلها و لم يبق في الأرض حجة، فيفيض العلم منه إلى سائر البلاد في المشرق و المغرب، فيتم حجة الله على الخلق حتى لا يبقى أحد على الأرض لم يبلغ إليه الدين و العلم». «بحار الانوار»، ج 57، ص .213
المصدر: نظرة إلى حياة السيدة فاطمة المعصومة(ع).
المؤلف: غلام رضا حيدرى ابهري.
المترجم: احمد العابدى.
*****
منقول قربةً إلى الله سبحانه وتعالى
*
الحمد والشكر لله رب العالمين على كل حال
اللهمَّ صَلِّ على محمدٍ وآل محمد الطيبين الطاهرين وعَجِّلْ فرجهم وفرجنا بهم وارحمنا بهم والعن أعداءهم
والرحمة واللطف والكرم والكرامة على محبيهم الى يوم الدين
الكرام الأفاضل
رعاكم الله وحفظكم ووفقكم وقضى حوائجكم وأسعدكم
ســـــــلام الله عليكم ورحمته وبركاته
وبعد
أجمل التهاني و أطيب التبريكات
لمقام مولانا العظيم الحبيب العزيز الحجة بن الحسن المهدي(عج/ص)
ولعلمائنا الاعلام
ولأهل الولاء قاطبة أحياءاً و أمواتا
ولكم
بمناسبة عيد الميلاد الأغر ..
أعاده الله على إمامنا (عج/ص) وعلمائنا وعلينا جميعاً بكل خير وسـرور وأرانا بركة الميلاد اليوم وكل يوم ببركة فاطمة المعصومة (عليها وآلها الصلاة والسلام) كريمة أهل البيت (عليهم الصلاة والسلام) وببركة الصلاة على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
القارئ الكريم
صَلِّ على محمدٍ وآل محمد (ثلاثاً) وبصوت عال رحمكم الله
*نظرة إلى حياة السيدة فاطمة المعصومة عليها السلام*
*****
عاشت السيدة المعصومة في كنف والديها الكريمين، تكتسب منهما الفضائل و المكارم، إذ كان أبوها إماما معصوما و ليس له في الفضائل و التقى كفوا أحد، و امها «نجمة» أيضا من النساء الصالحات المؤمنات التي تعلمت في مدرسة زوجة الإمام الصادق(ع). و كانت معروفة بالتقوى في ذلك الزمان. و من هنا فقد أشارت «حميدة» أم الإمام الكاظم عليه السلام على ابنها الإمام بالزواج من «نجمة».
كانت السيدة المعصومة تستفيد كل يوم من والدها و أخيها المعصومين (عليهما السلام) و امها التقية العالمة بحيث وصلت إلى مقام رفيع من العلم و الفضيلة و صارت عارفة بالكثير من العلوم و المسائل الإسلامية في أيام صباها.
في أحد تلك الأيام أتى جمع من الشيعة إلى المدينة لكي يعرضوا بعض أسئلتهم الدينية على الإمام الكاظم(ع) و يأخذوا العلم من معدنه، و لكن كان الإمام الكاظم و كذلك الإمام الرضا (ع) مسافرين، و لم يكونا حاضرين في المدينة. فاغتم الجمع، لأنهم لم يجدوا حجة الله و من يقدر على جواب مسائلهم، و اضطروا للتفكير بالرجوع إلى بلدهم. و عندما رأت السيدة المعصومة(ع) حزن هؤلاء النفر أخذت منهم أسئلتهم التي كانت مكتوبة، و أجابت عليها، و عندئذ تبدل حزن الجماعة بفرح شديد و رجعوا ـ مع ظفرهم بجواب مسائلهم ـ إلى ديارهم راجحين مفلحين. و لكنهم في الطريق و في خارج المدينة التقوا بالإمام الكاظم(ع) و حدثوه بما جرى عليهم. و بعد ما رآى الإمام جواب ابنته على تلك المسائل أثنى على بنته بعبارة مختصرة قائلا: «فداها أبوها».
بداية المحنة و شهادة الإمام الكاظم(ع)..
كان حكام ذلك الزمان يؤذون أبناء النبي(ص) كثيرا. و خاصة الإمام الكاظم(ع)، فإنه عليه السلام لاقى من الخلفاء الجور و الآلام و الأقاسي كثيرة. و هذه الآلام و المحن كانت تؤلم القلب الطاهر للسيدة المعصومة (ع)، و كان المسلي الوحيد لها و للعائلة هو أخوها المفدى الإمام الرضا(ع).
صادفت أيام حياة الإمام الكاظم عليه السلام عهد خمسة من حكام العباسيين الظلمة، و هم : أبو العباس السفاح و المنصور الدوانيقي و الهادي و المهدي و هارون. و كل واحد من هؤلاء الطواغيت أذاق الإمام عليه السلام و سائر العلويين المتقين أنواع العذاب و التنكيل.
عندما ولدت السيدة المعصومة (ع) كانت قد مضت ثلاث سنوات من خلافة هارون العباسي الذي كان له قصب السبق في ميدان الظلم و البطش و نهب أموال المسلمين. و كان تابعا للهوى معجبا بالدنيا.
و لم يتيسر للإمام الكاظم(ع) السكوت على ظلم هارون و خيانته للإسلام و الامة الإسلامية لقول رسول الله(ص): «إذا ظهرت البدع فعلى العالم أن يظهر علمه و إلا فعليه لعنة الله»، و أخذ الإمام(ع) بأن ينهى عن المنكر، و قام في وجه سياسة هارون الماحقة للدين.
و هارون ـ لعلمه بتشدد آل علي(ع) و خاصة الإمام الكاظم(ع) في مقاومة الطواغيت و الإستنكار عليهم ـ استنفد كل الوسائل لإخماد صوتهم و أنفق الكثير من أموال المسلمين على الشعراء لكي ينتقصوا منهم. و كان يسجن العلويين أو يبعدهم و يقتل بعضا منهم بعد التعذيب الكثير في السجن.
و بعد ما استحكمت حكومته الظالمة على البلاد الإسلامية أمر بإعتقال الإمام الكاظم(ع) و سجنه. و من هنا حرمت السيدة المعصومة(ع) من والدها و الإستفادة من معينه الصافي و ذلك في أواخر حياته الشريفة، و شعرت بالحزن الشديد على فقده.
و كان عمر السيدة المعصومة حينذاك أقل من عشر سنوات، و كانت تحترق لفراق أبيها و تطيل البكاء عليه.
و كذلك كان يصعب على الإمام الكاظم(ع) فراق أولاده البررة كالإمام الرضا(ع) و السيدة المعصومة، فصبر جميل.
كان الإمام الكاظم(ع) قد بدل ظلمة السجن نورا بذكر الله، و بدل تلك الأيام الصعبة بالسبحات الطويلة إلى أجمل الأيام. و لكن قلبه كان يخفق في السجن عندما يتذكر ابنته المعصومة و يشتاق إلى لقائها.
في السنتين الأخيرتين من حياة الإمام الكاظم عليه السلام كان ينقل من سجن إلى سجن. بقي عليه السلام في سجن عيسى بن جعفر والي البصرة سنة، و قد أثرت صفاته الحميدة في حارس السجن بحيث اعتزل الحارس من حراسة السجن. بعد ذلك حمل الإمام عليه السلام بأمر هارون إلى بغداد و سجن عند فضل بن الربيع ثم عند الفضل بن عيسى. و أخيرا نقل إلى سجن السندي بن شاهك.
و سبب التنقل بين هذه السجون هو أن هارون كان يأمر صاحب السجن بقتل الإمام عليه السلام، لكن لم يقدم بل و لم يقدر أحد من هؤلاء على هذا العمل الشنيع و أبى كل منهم عنه. إلى أن سمه السندي بن شاهك بأمر من هارون.
كان هارون يعرف أن الناس إذا علموا بقتل الإمام عليه السلام على يديه ستكون له عواقب خطيرة. فبدا له مكر بأن يأتي بجماعة من الشيعة قبل استشهاد الإمام عليه السلام، لكي يشهدوا أن الإمام عليه السلام مريض و يجوز أن يتوفى بمرضه و لا يكون موته مستندا بقتله من أحد.
لكن يقظة الإمام و معرفته بعواقب الامور قد فضحت هارون، فإنه عليه السلام مع شدة تأثير السم في بدنه الشريف قال لمن حوله: «لقد سمني هذا الرجل بتسع تمرات و سيخضر بدني غدا و سأقضي بعد غد».
و أخيرا بعد يومين من كلام الإمام عليه السلام في الخامس و العشرين من شهر رجب سنة 183 ه.ق. قضى الإمام الكاظم عليه السلام نحبه مسموما مستشهدا، و لحق إمام آخر من أئمة الشيعة بآبائه الطاهرين.
عندما سمعت الشيعة خبر استشهاد إمامهم الكاظم عليه السلام لبسوا ثوب الحزن و بعيون عبرى نصبوا مآتم العزاء، فإنهم فقدوا قائدهم الذي عشقوه بكل وجودهم و لا شيء يمكن أن يسكن افئدتهم الحزينة. و من بينهم من لا يسكن عبرته و هو السيدة المعصومة و كانت في حداثة سنها و قد أوجعها خبر استشهاد أبيها عليه السلام. حيث انتظرت سنين لعل أباها العزيز يرجع يوما و يعتنقها، و لكنها الآن لا بد أن تتصبر على مصيبة فقدانه و تتجرع الحزن و الآلام.
سفر الرضا (ع) إلى مرو..
بعد استشهاد الإمام الكاظم(ع) انتقلت الإمامة إلى ابنه على بن موسى الرضا عليه السلام الذي كان في الخامسة و الثلاثين من عمره الشريف. و كان عليه السلام بالإضافة إلى إمامته الإلهية و هداية الامة الإسلامية الوصي الوحيد لأبيه الكاظم (ع) الذي يتولى مسئولية أبناء الإمام الكاظم عليه السلام إخوانه و أخواته.
و بالرغم من استمرار ضغط حكومة هارون كان الإمام الرضا(ع) مشغولا بمهمته الإلهية من دون أي خوف و رهبة، و لم يتوان لحظة عن نشر الحق و الهدى. مع كل ذلك لم تكن الظروف تسمح لهارون بالتعرض للإمام (ع) أو إظهار العداوة له.
ثم في سنة 193 ه.ق. مرض هارون و مات بمرضه، و تخلص المسلمون من شر واحد من السفاكين . و بعد هارون ارتقى «الأمين» منصة الخلافة و لم تدم خلافته أكثر من أربع سنوات، حيث وقعت أحداث دامية بين «الأمين» و أخيه «المأمون» على منصب الخلافة، و أخيرا في سنة 198 ه.ق. قتل الأمين بيد أخيه و تسنم المأمون منصب الخلافة.
اغتنم الإمام الرضا عليه السلام فرصة اشتغال الحكام بالحروب و استطاع من دون أي مزاحم تربية أتباعه و تعليمهم.
في هذه المدة لم يتفرغ العباسيون من جهة النزاع في الحكومة لإيذاء الإمام عليه السلام و شيعته. و بعد ما استقام أمر الحكومة للمأمون قام بتقوية أركان حكمه بالحيلة و الإغراء . و من مكره و خدعته لعامة الناس جمع العلماء حوله و أسس مجالس علمية و حاول أن يظهر نفسه بأنه حاكم خبير و محب للعلم و أهله. و من جهة أخرى و لأجل جلب حماية الشيعة كان يظهر حبه لأمير المؤمنين علي عليه السلام و يلعن معاوية.
و نظرا لإتساع رقعة البلاد الإسلامية و وجود المخالفين في أطرافها كان المأمون ـ لحفظ إمارته ـ مضطرا و محتاجا إلى جلب حماية الشيعة و إلا فلو انضم الشيعة إلى صفوف المعارضين فإن الأمر سيصعب عليه، و لهذا و لكي يخدع العلويين و الشيعة عزم على انتخاب الإمام الرضا عليه السلام لولاية عهده.
و لو قبل الإمام عليه السلام ولاية العهد فلا شك أن الشيعة سيكفوا عن مخالفة الدولة التي إمامهم ولي عهد فيها. و من هنا تبادلت رسائل كثيرة بين المأمون و الإمام الرضا (ع)، و الإمام كان يرفض ولاية العهد و يمتنع عن قبولها. لكن الخليفة يصر عليها.
الرسائل المتوالية لم تثمر شيئا، و الإمام(ع) من خلال موقفه الواعي أحبط مؤامرة الخليفة الشيطانية و ذهبت محاولاته إدراج الرياح، و صرح عليه السلام في رسائله برفض طلب المأمون .
لكن المأمون لم يكف و لتحقيق هدفه أرسل «رجاء بن أبىالضحاك» إلى المدينة و ذلك سنة 200 ه.ق. لكي يشخص بالإمام عليه السلام من المدينة إلى «مرو» التي كانت مركز حكومته، و المأمون كان يأمل أنه يستطيع أن يحصل على موافقة الإمام عليه السلام لقبول ولاية العهد . و بعد إجبار الإمام و إكراهه على الخروج من المدينة، قام إلى زيارة قبر جده(ص) و الأئمة الأربعة في البقيع(ع)، ثم ودع أولاده و إخوانه و أخواته و منهن أخته الكريمة السيدة فاطمة المعصومة(ع)، و غادر متجها إلى مرو.
و بلوعة و حزن شديد ودع الإمام عليه السلام من قبل عائلته و أقربائه، و رجعوا إلى بيوتهم مهمومين مغمومين، لأنهم فقدوا أعز ملجأ لهم.
و مع مغادرة الإمام الرضا عليه السلام انتهت اللحظات السعيدة في حياة السيدة فاطمة المعصومة عليها السلام، فإنها بعد استشهاد أبيها الإمام الكاظم(ع) وجدت الرحمة و الحنان في كنف أخيها الرضا(ع) و الآن و قد سافر مضطرا، و بعد هذا الأخ الشفيق مستصعب جدا على جميع عائلة الإمام الكاظم(ع) و خاصة السيدة المعصومة.
وكان المأمون قد خطط أن لا يكون مسير الإمام من المدن التي يسكنها الشيعة خصوصا الكوفة و قم. لانه كان يخشى أن يؤدى حضور الإمام عليه السلام إلى ثورة الناس و استنهاضهم و تمردهم على عمال المأمون، بحيث يفلت زمام الامور من السلطة.
التاريخ المشرق للكوفة و قم يشهد بحب و ولاء أهلهما لآل بيت الرسول(ع)، و هذا معلوم للخليفة كالشمس فى رابعة النهار، لذلك كان يمانع من مرور الإمام الرضا(ع) بتلك المدن الشيعية.
وبالرغم من تدبير المأمون فإن المسلمين في بقية المدن الواقعة في مسير حركة الإمام عليه السلام استقبلوا ابن النبي الأكرم(ص) بحفاوة لا مثيل لها، و حال دخول مدنهم كانوا ينهلون من غزارة علمه(ع). و في بعض المدن الايرانية استقبل الناس ابن رسول الله(ص) بما لا مثيل و لا نظير له في التاريخ، فكان يأتي جميع أهل المدينة و يحيطون براحلة الإمام و أخذوا يستفيدون من وجوده الشريف.
نيسابور أحد تلك المدن، فإن أهلها عندما استشعروا بوصول الإمام عليه السلام إلى قرب ديارهم خرجوا من البيوت و أحاطوا بقافلته، و اجتمعوا حول محمله كي يتعلموا العلم من معدنه، و قالوا: «يابن رسول الله نريد أن نأخذ من علمك و نسمع كلامك» فاستجاب عليه السلام طلبهم و ذكر لهم حديث سلسلة الذهب و هو ما رواه عن أبيه عن آبائه عليهم السلام عن النبى (ص) أنه قال: «إن الله سبحانه و تعالى يقول: كلمة لا إله إلا الله حصني فمن دخل حصني أمن من عذابي». و بعد أن تقدم مركب الإمام خطوات أخرج الإمام(ع) رأسه الشريف من المحمل و قال: «بشروطها، و أنا من شروطها». يقصد الإمام عليه السلام أن قول لا إله إلا الله خاصة لا يكفي لدخول الجنة، بل القائل لا بد و أن يعتقد بإمامة الأئمة الحق و منهم الإمام الرضا(ع). أو يريد الإمام (ع) أنه لا يمكن لأحد أن يصل إلى حقيقة التوحيد إلا من طريق أهل البيت(ع)، و هذا هو الطريق الوحيد لمعرفة الله جل جلاله.
و بعد ذلك السفر الطويل وصل الإمام(ع) إلى مرو. و عند الوصول استقبل المأمون للإمام الرضا و أصر عليه بقبول ولاية العهد. لكن الإمام (ع) كان مقيما على رأيه مظهرا عدم قبوله لها. فاستمر النزاع بين الإمام و الخليفة حول مسألة ولاية العهد لمدة شهرين، و في النهاية اجبر الإمام بسبب تهديدات المأمون على القبول، و في السابع من شهر رمضان المبارك سنة 201 ه.ق. مع حزن عميق و قلب كئيب قبل ولاية العهد، لكنه شرط أن لا يتدخل في أي قرار من قرارات السلطة. و المأمون قبل منه الشرط.
حركة السيدة المعصومة (ع) من المدينة إلى مرو..
مضت سنة على سفر الإمام الرضا(ع) إلى مرو، و أهل بيت النبى(ص) في المدينة حرموا من عزيزهم الذي كانوا يستشعرون الرحمة و اليمن بجواره، و لم يكن يسكن رويهم شيء سوى رؤيتهم للإمام المعصوم(ع).
السيدة فاطمة المعصومة(ع) كبقية إخوتها و أخواتها قل صبرها و كانت كل يوم تجزع لفراق أخيها الرضا(ع).
في هذه الأيام كتب الإمام عليه السلام رسالة مخاطبا أخته السيدة المعصومة(ع)، و أرسل الرسالة بيد أحد خدامه إلى المدينة المنورة، و أمره أن لا يتوقف وسط الطريق كي يوصل الكتاب إلى المدينة المنورة بأقصر زمان ممكن، و كذلك فإنه (ع) دل الرسول على منزل أبيه حيث تسكن أخته المعصومة لكي لا يسأل من شخص آخر عن منزل الإمام الكاظم عليه السلام.
وصل مبعوث الإمام إلى المدينة المنورة و امتثالا لأمر الإمام(ع) سلم الكتاب إلى السيدة المعصومة. و على الرغم من أننا لا نعرف شيئا من محتوى ذلك الكتاب، لكنه مهما كان فقد أشعل نار الشوق في أهله و أقربائه. و من هنا قررت السيدة المعصومة و بعض إخوة الإمام و أبناء إخوته أن يتحركوا نحو مرو ليلتحقوا بالإمام(ع).
و بسرعة جهزت عدة السفر و تهيأ القافلة للسير و بعد أخذ الماء و المتاع خرجوا من المدينة قاصدين مرو.
كان في هذه القافلة السيدة فاطمة المعصومة و يرافقها خمسة من إخوتها، هم: فضل، جعفر، هادى، قاسم و زيد. و معهم بعض أبناء إخوة السيدة المعصومة و عدة من العبيد و الجوارى .
تحركت قافلة عشاق الإمام الرضا(ع)، و بغير المنازل الضرورية للصلاة و الغذاء و الإستراحة لم تتوقف لحظة عن المسير، مخلفة هضاب الحجاز و صحاريه وراءها مبتعدة يوما فيوما عن مدينة الرسول(ص).
السفر في صحاري الحجاز كان صعبا للغاية حتى أن الإبل أحيانا تستسلم للعجز و تتقاعس عن المسير، فكيف بالمسافرين الذين لا بد لهم أن يذهبوا إلى مرو. لكن نور الأمل و لقاء الإمام كان يشرق في قلوب أهل القافلة و يحثهم على إدامة السير وسط رمال و أعاصير الصحراء.
في تلك الأيام، كان خطر اللصوص و قطاع الطريق يهدد كل مسافر، و يخلق له مشاكل كثيرة . و إذا هجموا على قافلة لا يبقى لأحد أمل في إدامة السفر، و أقل ما يفعلونه نهب الأموال و المجوهرات و الدواب. و إلا ففي كثير من الحالات يقتلون أعضاء القافلة لسرقة أموالهم . و هذا الخطر كان يهدد فاطمة المعصومة(ع) و مرافقيها، لكنهم توكلوا على الله تعالى و استمروا بالسير و يوما فيوما كانوا يقتربون من المقصد.
مرت الأيام و الليالي و قافلة قاصدي الإمام الرضا(ع) خلفت صحراء الحجاز وراءها و لم يبق لها شيء دون الوصول إلى أرض إيران.
عناء السفر كانت تؤذي السيدة المعصومة كثيرا، و مع أن قطع هذا الطريق الوعر كان شاقا على شابة مثلها و لكنها لشدة ولهها و شوقها إلى زيارة أخيها كانت مستعدة لتحمل أضعاف هذا العناء.
كانت السيدة في طريقها دائما تتصور الوجه المشرق للإمام الرضا(ع) و تتذكر الأيام التي قضتها في المدينة، و لأنها ترى أن عينها ستقر برؤيته، فإنها كانت مسرورة جدا.
انتهت المرحلة الصعبة من هذا السفر، و أخيرا وصلت القافلة إلى أراضي إيران، و لا بد أيضا من السفر و اجتيازت المدن و القرى واحدة بعد اخرى.
القافلة في ساوة...
وأخيرا وصلت القافلة إلى مدينة ساوة. و هناك مرضت السيدة المعصومة مرضا شديدا بحيث لم تقدر على إدامة المسير. هذا السفر الطويل المتعب من المدينة المنورة إلى ساوة و إن كان أضعف بدنها، إلا أن شدة المرض أنحلت جسمها و أشحبت لونها.
هل إن اخت الإمام الرضا(ع) تستطيع في هذا الحال أن تكمل سفرها لتزور أخاها العزيز في مرو؟ و هل تستعيد عافيتها و تديم السفر لتلتقي أخاها؟ هذه أسئلة كانت تشغل فكرة السيدة المعصومة و تزيد من قلقها.
و على أية حال، قررت السيدة بعد ذلك الذهاب إلى «قم»، و سألت من معها: «كم بيني و بين قم؟» أجابوها: عشرة فراسخ. و عند ذلك أمرتهم بالتوجه إلى قم.
كانت قم في خلال الوقت ملجأ الشيعة، مع أن مذهب التشيع لم يكن شايعا في إيران، لكن بسبب هجرة الأشعريين العرب من الكوفة إلى قم فهذه المدينة كانت مدينة شيعية و جميع ساكنيها من محبي أهل بيت الرسول(ع).
الأشعريون ـ و بسبب ظلم عمال بني أمية الذين تجاوزوا الحد في عداوتهم لأهل بيت النبي (ص) و لشيعة أمير المؤمنين عليه السلام ـ قد هاجروا من الكوفة و سكنوا هنا و بنوا مدينة قم و أسسوها. و لما بلغ خبر وصول السيدة المعصومة إلى ساوة و مرضها هناك، إلى أهل قم، أجمع كل أهل المدينة أن يذهبوا إلى السيدة و يطلبوا منها الإقامة في قم. و لكن ذهب «موسى بن خزرج» ممثلا من أهل قم إلى بنت الإمام الكاظم(ع) و أخبرها برغبة القميين و فرط اشتياقهم بزيارتها، و أجابت السيدة المعصومة طلبهم و أمرت بالحركة نحو قم.
أخذ موسى بن خزرج زمام ناقة السيدة المعصومة(ع) مفتخرا، و قادها إلى المدينة التي كانت تنتظر قدوم أخت الإمام الرضا(ع) حتى وصلت القافلة إلى بداية مدينة قم. (1)
وفاة السيدة المعصومة(ع)..
في 23 ربيع الأول سنة 201 ه.ق. وصلت قافلة السيدة المعصومة إلى مدينة قم، و استقبلها الناس بحفاوة بالغة، و كانوا مسرورين لدخول السيدة ديارهم.
و كان موسى بن خزرج ذا يسر و بيت وسيع، و أنزل السيدة في داره و تكفل لضيافة السيدة المعصومة(ع) و مرافقيها. و استشعر موسى بن خزرج فرط السعادة بخدمته لضيوف الرضا(ع) القادمين من مدينة الرسول(ص). و هيأ لهم كل ما يحتاجونه بسرعة.
ثم اتخذت السيدة فاطمة المعصومة معبدا لها في منزل موسى بن خزرج لكي تبتهل إلى الله و تعبده و تناجيه و تشكو إليه آلامها و تستعينه على ما ألم بها. و هذا المعبد باق إلى الآن و يسمى ب«بيت النور».
أقلق مرض بنت الإمام الكاظم مرافقيها و أهالي قم كثيرا، مع أنهم لم يبخلوا عليها بشيء من العلاج، إلا أن حالها يزداد سوءا يوما بعد يوم. لأن المرض قد تجذر في بدنها الشريف .
و في العاشر من ربيع الثاني 201 ه.ق. توفيت السيدة المعصومة(ع) دون أن ترى أخاها. و دمعة عينها و غم فؤادها لم تسكن و لم تنقض لفراقه.
أفجع أهل قم بتلك المصيبة و في غاية الحزن لوفاتها أقاموا العزاء عليها.
مراسم الدفن...
تكفلت نساء الشيعة و محبات أهل البيت(ع) باحترام كبير غسل الجسد المطهر للسيدة المعصومة و كفنوها. و عندما حان وقت الدفن رأى زعماء الأشعريين و وجوههم أن يدفن الجسد الطاهر في مكان مناسب غير المقبرة العامة. و إنما عزموا هذا الأمر لما يهمهم من شدة الإحترام لبنت الإمام الكاظم(ع) و لم يرغبوا أن تدفن بجنب الآخرين.
موسى بن خزرج الذي كان صاحب قصب السبق في هذا الأمر خصص بستانا كبيرا له في منطقة يقال لها: «بابلان» عند نهر قم (مساحة الحرام الحالية) لدفن الجسد الطاهر. و الآن كل شيء جاهز، و لكن من الشخص الذي يباشر و يتولى دفن السيدة المعصومة(ع)؟ تبادل الحاضرون الرأي، و أخيرا اتفقوا أن يوكلوا هذا العمل إلى شيخ كبير صالح اسمه «قادر»، و أرسلوا شخصا لإحضار «قادر»، و لكنه لم يجده. و إذا براكبين متوجهين من جهة النهر و اقتربا إلى محل الدفن . و عندما وصلا إلى الجسد الشريف للسيدة نزلا من المركب و صلاها على الجنازة، ثم توليا دفن الجسد الطاهر. و مع تعجب الحاضرين ركبا راحلتهما و ابتعدا بسرعة.
انتهت مراسم الدفن بكل احترام بين حزن الشيعة و بكائهم، و أصبحت مدينة قم التي سميت بحق «عش آل محمد (ع)» مزار بضعة الإمام الكاظم(ع).
ثم إن موسى بن خزرج أوقف بستانه ـ احتراما لمزار السيدة ـ للمسلمين، كى يدفن شيعة علي (ع) موتاهم حول المرقد الشريف.
المزار الشريف السيدة المعصومة(ع)..
بنى أهل قم كوخا من الحصر على مرقد السيدة المعصومة(ع)، و بعد مضي خمسين سنة و باهتمام من السيدة زينب بنت الإمام الجواد(ع) بنيت أول قبة على قبر السيدة المعصومة.
ثم جدد بناء الحرم المطهر من قبل محبى و شيعة أهل البيت(ع) و توسع حتى أصبح بالشكل الذى هو عليه الآن.
و بعد سنوات من وفاة السيدة المعصومة دفنت عدة من بنات الأئمة بجوار المزار الشريف ما يوجب مزيد أهمية هذه التربة المباركة الطاهرة.
على طول التاريخ كان الحرم المنور للسيدة المعصومة ملاذا للشيعة و سبب خير و بركة لأهل قم.
و كم من المحتاجين يسرت حاجاتهم، و كم من المرضى نالوا الشفاء بفضل كريمة أهل البيت (ع)، و يوم القيامة ستأخذ إن شاء الله بأيدي زوارها إلى شاطىء النجاة، «يا فاطمة اشفعى لنا في الجنة...».
و روي عن الإمام الصادق(ع) أنه قال: «إنها تدخل كل شيعتنا الجنة بشفاعتها».
و في هذه القرون الأخيرة تربى الكثير من العلماء المجاهدون من جوار هذه التربة المباركة و متوسلا بها. هؤلاء الفقهاء الذين كانوا منشأ خير و بركة في العالم الإسلامي و منهم العالم المجاهد الإمام السيد روح الله الموسوي الخميني يرون جميعا توفيقهم رهنا لزيارة السيدة المعصومة(ع)، و يفتتحون عظائم أمورهم في جوار الحرم المبارك، هذا الإمام الخميني بدأ ثورته المباركة من جوار الحرم.
و في هذه الأيام يزهر الحرم المقدس للسيدة المعصومة كأنه جوهرة وسط مدينة قم.
و كل يوم تأتي القوافل من مختلف نقاط إيران و العالم لزيارة هذا الحرم الشريف، إظهارا للمحبة الخالصة لنبي الإسلام و لأهل بيته(ع).
و السلام عليها يوم ولدت و يوم ماتت و يوم تبعث حيا.
الهامش:
1) لا بأس بأن نتبرك بذكر بعض الروايات الواردة في فضل قم و أهله:
الف: عن أبى الحسن الأول(ع) قال: «قم عش آل محمد و مأوى شيعتهم...». «بحار الأنوار»، ج 57، ص .214
ب: عن الصادق(ع): «إذا أصابتكم بلية و عناء فعليكم بقم، فإنه مأوى الفاطميين و مستراح المؤمنين...». «بحار الأنوار»، ج 57، ص .215
ج: عن الصادق(ع) قال: «ستخلو كوفة من المؤمنين و يأزر عنها العلم كما تأزر الحية في جحرها، ثم يظهر العلم ببلدة يقال لها قم. و تصير معدنا للعلم و الفضل حتى لا يبقى في الأرض مستضعف في الدين حتى المخدرات في الجبال. و ذلك عند قرب ظهور قائمنا، فيجعل الله قم و أهله قائمين مقام الحجة، و لولا ذلك لساخت الأرض بأهلها و لم يبق في الأرض حجة، فيفيض العلم منه إلى سائر البلاد في المشرق و المغرب، فيتم حجة الله على الخلق حتى لا يبقى أحد على الأرض لم يبلغ إليه الدين و العلم». «بحار الانوار»، ج 57، ص .213
المصدر: نظرة إلى حياة السيدة فاطمة المعصومة(ع).
المؤلف: غلام رضا حيدرى ابهري.
المترجم: احمد العابدى.
*****
منقول قربةً إلى الله سبحانه وتعالى
*
تعليق