لماذا العراق: استراتيجية الاحتلال الأميركي
ياسين سويد
يقع العراق في قلب <<الشرق الاوسط الكبير>> الذي خططت الولايات المتحدة الاميركية لانشائه، بعد ان تكمل السيطرة على المشرق العربي، بدءا بالعراق، ثم على آسيا الاسلامية مرورا بافغانستان، وصولا الى طاجكستان وقرغيزستان وكازاجستان واوزبكستان وتركمانستان، الدول التي انشقت عن الاتحاد السوفياتي الذي <<انتهت صلاحيته>> في مطلع التسعينات من القرن المنصرم، وهي دول يحاذي بعضها الصين (قرغيزستان وطاجكستان)، وبعضها الآخر روسيا (كازاخستان)، ويمتد البعض الثالث على سواحل <<بحر قزوين>>، البحر الذي أضحى، بعد احداث 11 ايلول 2001 الشهيرة، وبعد احتلال افغانستان، بحيرة اميركية تزخر بالغاز والنفط، وهو ما تشتهيه اميركا النهمة، دوما، الى السائل الاسود الشهي.
وهكذا اضحت ايران، البلد الاسلامي الاكبر في هذه المجموعة من الدول الاسلامية، عند متناول اليد الاميركية المتمترسة في هذه الدول، سواء عن طريق الاحتلال (افغانستان والعراق)، او عن طريق التواجد العسكري (الخليج والدول المنشقة عن الاتحاد السوفياتي).
باحتلال العراق وافغانستان، إذن، اضحت الولايات المتحدة في قلب <<الشرق الاوسط الكبير>>، بل في قلب <<القارة الآسيوية>> كلها، من روسيا شمالا الى الخليج جنوبا، ومن الصين شرقا الى تركيا وبلدان الساحل الشرقي للبحر المتوسط غربا.
كان العراق، قبل الاحتلال الاميركي، وبعد سقوط مصر بالضربة القاضية، في <<كامب ديفيد>>، أقوى الدول العربية جيشا وتسلحا، ومن اهمها ثروة وغنى، واغناها بالعلماء، وخصوصا علماء الذرة، وهو ما اقلق اميركا وحليفتها اسرائيل.
تبلغ مساحة العراق 434,924 كلم2 وعدد سكانه (وفق احصاءات عام 2000) 300,000,22 نسمة، وكان عديد جيشه الفعلي 424,000 رجل، واذا اضيف الى هذا الجيش عديد الرجال الذين هم تحت السلاح في مؤسسات شبه عسكرية وفي الاحتياط، وهو 693,000 رجل، اصبح مجموع الرجال الذين يمكنهم اداء الخدمة العسكرية، في العراق 117,000,1 رجل (احصاءات عام 2000 كذلك). وقد توافر، لهذا الجيش، من الاسلحة البرية والبحرية والجوية، المتطورة والحديثة، ما جعله في مصاف الجيوش المتقدمة تجهيزا وتسليحا.
أما الناتج المحلي الاجمالي للعراق عام 2000، فقد بلغ 15,4 بليون دولار، وبلغت موازنة الدفاع لهذا العام: 1,4 بليون دولار، اي بنسبة 9,09% من الناتج المحلي الاجمالي(1).
وقد أمن احتلال العراق للجيوش الاميركية وصولها الى حدود <<المنطقة الملتهبة>> في الشرق الاوسط، اي الى حدود المملكة العربية السعودية والاردن وسوريا وتركيا، حيث تصبح على تماس <<عكسري>> مع هذه الدول (كما هو حاصل، اليوم، مع سوريا خصوصا)، كما أمن لها <<إطباقا شبه كامل>> على ايران.
وتعتبر <<ايران>> كبرى الدول الاسلامية في آسيا، و<<الدولة المتمردة>> الثانية، على الارادة الاميركية، بعد كوريا الشمالية، تليها، في التمرد <<سوريا>>. ومن المهم، جدا، في نظر الادارة الاميركية الجالية، إخضاع هاتين الدولتين: ايران وسوريا، وذلك لسببين:
الاول: منع هاتين الدولتين من مد المقاومة العراقية، الشيعية خصوصا، في جنوب العراق المحاذي لايران، والسنية خصوصا، في المثلث السني المحاذي لسوريا، وهما الدولتان الجارتان المؤهلتان، بحكم الجغرافيا والقومية او الدين، لمساعدة تلك المقاومة في وجه قوات الاحتلال الاميركي، نظرا لرفضهما هذا الاحتلال اساسا، ثم لاعتبارهما اياه، وعن حق، دعما واضحا واكيدا للدولة العبرية، الحليفة الاستراتيجية للولايات المتحدة الاميركية. والثاني: <<تقليم اضافر>> هاتين الدولتين، بغية منعهما من الوقوف في وجه ارهاب الدولة الصهيونية في فلسطين، ومنعهما من تقديم اية مساعدة للشعب الفلسطيني في محنته.
بقي ان نشير الى ان اعتبار <<العراق>> هدفا اساسيا للولايات المتحدة الاميركية، بعد افغانستان، تبرره اسباب عديدة اميركية صهيونية مشتركة، نذكر منها:
1 اسقاط <<القوة العراقية>> من المعادلة العربية الاسرائيلية، ولأجل ذلك رأينا الاحتلال يقدم، منذ الايام الاولى لدخوله العراق، على حل الجيش العراقي وجميع التنظيمات العسكرية وشبه العسكرية في هذا البلد، وها هو يسعى، اليوم، الى تشكيل جيش <<حرس وطني>> وشرطة، يدربهما ضباطه، ويعملان بامرته، بحيث يكونان في خدمة هذا الاحتلال، وفي مواجهة شعبهما العراقي.
ولم يتورع الاحتلال عن ان يقضي على العلماء العراقيين، اغتيالا ام سجنا، أم إكراها لبعضهم على الهروب من البلاد، أم شراء لضعفاء النفوس منهم، مما جعله <<يتوهم>> انه قضى على العقل العلمي، المنتج والمتوهج، في هذا البلد العربي.
2 الرغبة الاميركية الجامحة في الاستيلاء على النفط العراقي، هذه الرغبة التي أشهرها الرئيس جورج بوش الاب عام 1990 بذريعة احتلال صدام للكويت (ولعمري، ما كان بوش الاب ليتحمس للكويت لو كان هذا البلد ينتج جزرا وليس نفطا، كما قال الرئيس الحص)، ولا يخفى ان لدى العراق ثاني اكبر احتياط نفطي في العالم، اذ يختزن، في ارضه، ما يقدر ب 112,5 مليار برميل، كاحتياط ثابت وهو ما نسبته 11% من مخزون النفط العالمي(2). ومن الطبيعي ان لا تسمح الولايات المتحدة الاميركية، الدولة الاقوى في العالم، ان يسيطر العراق على هذه النسبة العالية من الاحتياط العالمي للنفط، وهي القوة الطامحة لان يكون نفط العالم كله بتصرفها.
في مطلع الثمانينات من القرن المنصرم، بدأت مظاهر التقدم العلمي تتجلى في العراق، فكان مفاعل <<تموز>> او (اوزيراك) النووي، مما اثار خشية الكيان الصهيوني الذي سارع الى مهاجمته وتدميره عام 1981، كما اثار حفيظة اميركا التي اخذت تخلق الذرائع لضرب العراق (للاسباب التي سبق ان اشرنا اليها) فتتحدث تارة عن اقتنائه <<لمدفع عملاق>> وطورا عن امكانات متوافرة لديه لانتاج قنبلة نووية. لقد اضحى العراق، لكل من اسرائيل واميركا، الهدف الاول الذي يجب تدميره.
وفي مطلع التسعينات، بدأت مسيرة تدمير العراق تنفيذا لرغبة هاتين الدولتين، وذلك عندما أقدم صدام حسين (سواء بخديعة اميركية ام بدونها) على ارتكاب <<الخطأ المصيري القاتل>> وهو <<غزو الكويت واحتلالها>>، فكان الحصار الظالم الذي استمر اكثر من عقد من الزمن، والذي بدأ في عهد بوش الاب وانتهى، في عهد بوش الابن، الى احتلال العراق وتدميره.
وهكذا خرج العراق من معادلة الصراع العربي الاسرائيلي، كدولة قوية وقادرة ومجهزة بكل الوسائل الناجعة لمواجهة الكيان الصهيوني (رغم ان صدام لم يكن عازما على ذلك).
ويبدو ان الطموح الاميركي في الحكم والسيطرة قد تجاوز النفط والعراق والشرق الاوسط الكبير، بل وآسيا كلها... وفي نظر <<النبي بوش>> (هكذا يحلو للرئيس الاميركي ان يتصور نفسه)، اصبح العالم كله هو الميدان الرحب لطموحه الرسولي، فهو مكلف نشر <<الاصلاح والديموقراطية الاميركيين>> في هذا الكون، بدءا بالعالم العربي والاسلامي، ولهذا رأيناه يستخدم عبارات <<توراتية>> مثل: محور الشر، والدول المارقة، والارهاب، دلالة على تمسكه بما نشأ عليه وتأثر به من توجه ديني توراتي متشدد. تلك هي <<الاستراتيجية الاميركية الجديدة>> التي رسمتها الادارة الاميركية في العهد الاول <<لبوش الابن>> والتي ستسعى الى احكام تطبيقها في <<العهد الثاني>> له(3)، وقد بدأها، فعلا، باخراج كل المعتدلين من ادارته الثانية، وتقريب كل المتشددين، لإحكام قبضته على العالم.
لقد اقتنصت الولايات المتحدة وحليفتها اسرائيل الفرصة، في الحادث الدموي الرهيب الذي اصاب نيويورك وواشنطن في 11 ايلول عام 2001، لكي تنفذا البرنامج الذي كانتا قد وضعتاه، اصلا، لضرب العالمين العربي والاسلامي. ألم نسمع، بعد سقوط الاتحاد السوفياتي وسقوط الشيوعية معه، في مطلع التسعينات، وبروز اميركا كقطب أوحد لا مثيل له، على مساحة هذه الكرة، ببروز نظرية المفكر الاميركي <<هنتنغتون>> التي تتحدث عن صراع الحضارات؟ ثم، أولم يبدأ الهمس بعد ذلك، بان العدو الذي سيحل محل الشيوعية، في نظر اميركا والغرب، هو الاسلام؟... لقد تحقق ذلك، ولكن انفردت اميركا واسرائيل بتطبيق هذه النظرية، بينما حيد الغرب نفسه وظل بعيدا، الى حد ما، عن الانسياق خلف اميركا في هذا المجال.
() لواء ركن متقاعد
(1) راجع كتابنا: الوجود العسكري الاجنبي في الخليج، الصادر عن مركز دراسات الوحدة العربية ببيروت، ص 193192.
(2) مركز دراسات الوحدة العربية بيروت، احتلال العراق وتداعياته عربيا واقليميا ودوليا، ص927 (تعقيب لعصام الجلبي على مداخلة لرمزي سليمان عن <<السياسة النفطية>> العراقية).
(3) انظر بحثين، بهذا الصدد، في: مركز دراسات الوحدة العربية، احتلال العراق وتداعياته عربيا واقليميا ودوليا، القسم الاول: الرواية الاستراتيجية الاميركية، وهما لمايكل هدسون وعماد فوزي شعيبي، وتعقيبات، ص 16065.
ياسين سويد
يقع العراق في قلب <<الشرق الاوسط الكبير>> الذي خططت الولايات المتحدة الاميركية لانشائه، بعد ان تكمل السيطرة على المشرق العربي، بدءا بالعراق، ثم على آسيا الاسلامية مرورا بافغانستان، وصولا الى طاجكستان وقرغيزستان وكازاجستان واوزبكستان وتركمانستان، الدول التي انشقت عن الاتحاد السوفياتي الذي <<انتهت صلاحيته>> في مطلع التسعينات من القرن المنصرم، وهي دول يحاذي بعضها الصين (قرغيزستان وطاجكستان)، وبعضها الآخر روسيا (كازاخستان)، ويمتد البعض الثالث على سواحل <<بحر قزوين>>، البحر الذي أضحى، بعد احداث 11 ايلول 2001 الشهيرة، وبعد احتلال افغانستان، بحيرة اميركية تزخر بالغاز والنفط، وهو ما تشتهيه اميركا النهمة، دوما، الى السائل الاسود الشهي.
وهكذا اضحت ايران، البلد الاسلامي الاكبر في هذه المجموعة من الدول الاسلامية، عند متناول اليد الاميركية المتمترسة في هذه الدول، سواء عن طريق الاحتلال (افغانستان والعراق)، او عن طريق التواجد العسكري (الخليج والدول المنشقة عن الاتحاد السوفياتي).
باحتلال العراق وافغانستان، إذن، اضحت الولايات المتحدة في قلب <<الشرق الاوسط الكبير>>، بل في قلب <<القارة الآسيوية>> كلها، من روسيا شمالا الى الخليج جنوبا، ومن الصين شرقا الى تركيا وبلدان الساحل الشرقي للبحر المتوسط غربا.
كان العراق، قبل الاحتلال الاميركي، وبعد سقوط مصر بالضربة القاضية، في <<كامب ديفيد>>، أقوى الدول العربية جيشا وتسلحا، ومن اهمها ثروة وغنى، واغناها بالعلماء، وخصوصا علماء الذرة، وهو ما اقلق اميركا وحليفتها اسرائيل.
تبلغ مساحة العراق 434,924 كلم2 وعدد سكانه (وفق احصاءات عام 2000) 300,000,22 نسمة، وكان عديد جيشه الفعلي 424,000 رجل، واذا اضيف الى هذا الجيش عديد الرجال الذين هم تحت السلاح في مؤسسات شبه عسكرية وفي الاحتياط، وهو 693,000 رجل، اصبح مجموع الرجال الذين يمكنهم اداء الخدمة العسكرية، في العراق 117,000,1 رجل (احصاءات عام 2000 كذلك). وقد توافر، لهذا الجيش، من الاسلحة البرية والبحرية والجوية، المتطورة والحديثة، ما جعله في مصاف الجيوش المتقدمة تجهيزا وتسليحا.
أما الناتج المحلي الاجمالي للعراق عام 2000، فقد بلغ 15,4 بليون دولار، وبلغت موازنة الدفاع لهذا العام: 1,4 بليون دولار، اي بنسبة 9,09% من الناتج المحلي الاجمالي(1).
وقد أمن احتلال العراق للجيوش الاميركية وصولها الى حدود <<المنطقة الملتهبة>> في الشرق الاوسط، اي الى حدود المملكة العربية السعودية والاردن وسوريا وتركيا، حيث تصبح على تماس <<عكسري>> مع هذه الدول (كما هو حاصل، اليوم، مع سوريا خصوصا)، كما أمن لها <<إطباقا شبه كامل>> على ايران.
وتعتبر <<ايران>> كبرى الدول الاسلامية في آسيا، و<<الدولة المتمردة>> الثانية، على الارادة الاميركية، بعد كوريا الشمالية، تليها، في التمرد <<سوريا>>. ومن المهم، جدا، في نظر الادارة الاميركية الجالية، إخضاع هاتين الدولتين: ايران وسوريا، وذلك لسببين:
الاول: منع هاتين الدولتين من مد المقاومة العراقية، الشيعية خصوصا، في جنوب العراق المحاذي لايران، والسنية خصوصا، في المثلث السني المحاذي لسوريا، وهما الدولتان الجارتان المؤهلتان، بحكم الجغرافيا والقومية او الدين، لمساعدة تلك المقاومة في وجه قوات الاحتلال الاميركي، نظرا لرفضهما هذا الاحتلال اساسا، ثم لاعتبارهما اياه، وعن حق، دعما واضحا واكيدا للدولة العبرية، الحليفة الاستراتيجية للولايات المتحدة الاميركية. والثاني: <<تقليم اضافر>> هاتين الدولتين، بغية منعهما من الوقوف في وجه ارهاب الدولة الصهيونية في فلسطين، ومنعهما من تقديم اية مساعدة للشعب الفلسطيني في محنته.
بقي ان نشير الى ان اعتبار <<العراق>> هدفا اساسيا للولايات المتحدة الاميركية، بعد افغانستان، تبرره اسباب عديدة اميركية صهيونية مشتركة، نذكر منها:
1 اسقاط <<القوة العراقية>> من المعادلة العربية الاسرائيلية، ولأجل ذلك رأينا الاحتلال يقدم، منذ الايام الاولى لدخوله العراق، على حل الجيش العراقي وجميع التنظيمات العسكرية وشبه العسكرية في هذا البلد، وها هو يسعى، اليوم، الى تشكيل جيش <<حرس وطني>> وشرطة، يدربهما ضباطه، ويعملان بامرته، بحيث يكونان في خدمة هذا الاحتلال، وفي مواجهة شعبهما العراقي.
ولم يتورع الاحتلال عن ان يقضي على العلماء العراقيين، اغتيالا ام سجنا، أم إكراها لبعضهم على الهروب من البلاد، أم شراء لضعفاء النفوس منهم، مما جعله <<يتوهم>> انه قضى على العقل العلمي، المنتج والمتوهج، في هذا البلد العربي.
2 الرغبة الاميركية الجامحة في الاستيلاء على النفط العراقي، هذه الرغبة التي أشهرها الرئيس جورج بوش الاب عام 1990 بذريعة احتلال صدام للكويت (ولعمري، ما كان بوش الاب ليتحمس للكويت لو كان هذا البلد ينتج جزرا وليس نفطا، كما قال الرئيس الحص)، ولا يخفى ان لدى العراق ثاني اكبر احتياط نفطي في العالم، اذ يختزن، في ارضه، ما يقدر ب 112,5 مليار برميل، كاحتياط ثابت وهو ما نسبته 11% من مخزون النفط العالمي(2). ومن الطبيعي ان لا تسمح الولايات المتحدة الاميركية، الدولة الاقوى في العالم، ان يسيطر العراق على هذه النسبة العالية من الاحتياط العالمي للنفط، وهي القوة الطامحة لان يكون نفط العالم كله بتصرفها.
في مطلع الثمانينات من القرن المنصرم، بدأت مظاهر التقدم العلمي تتجلى في العراق، فكان مفاعل <<تموز>> او (اوزيراك) النووي، مما اثار خشية الكيان الصهيوني الذي سارع الى مهاجمته وتدميره عام 1981، كما اثار حفيظة اميركا التي اخذت تخلق الذرائع لضرب العراق (للاسباب التي سبق ان اشرنا اليها) فتتحدث تارة عن اقتنائه <<لمدفع عملاق>> وطورا عن امكانات متوافرة لديه لانتاج قنبلة نووية. لقد اضحى العراق، لكل من اسرائيل واميركا، الهدف الاول الذي يجب تدميره.
وفي مطلع التسعينات، بدأت مسيرة تدمير العراق تنفيذا لرغبة هاتين الدولتين، وذلك عندما أقدم صدام حسين (سواء بخديعة اميركية ام بدونها) على ارتكاب <<الخطأ المصيري القاتل>> وهو <<غزو الكويت واحتلالها>>، فكان الحصار الظالم الذي استمر اكثر من عقد من الزمن، والذي بدأ في عهد بوش الاب وانتهى، في عهد بوش الابن، الى احتلال العراق وتدميره.
وهكذا خرج العراق من معادلة الصراع العربي الاسرائيلي، كدولة قوية وقادرة ومجهزة بكل الوسائل الناجعة لمواجهة الكيان الصهيوني (رغم ان صدام لم يكن عازما على ذلك).
ويبدو ان الطموح الاميركي في الحكم والسيطرة قد تجاوز النفط والعراق والشرق الاوسط الكبير، بل وآسيا كلها... وفي نظر <<النبي بوش>> (هكذا يحلو للرئيس الاميركي ان يتصور نفسه)، اصبح العالم كله هو الميدان الرحب لطموحه الرسولي، فهو مكلف نشر <<الاصلاح والديموقراطية الاميركيين>> في هذا الكون، بدءا بالعالم العربي والاسلامي، ولهذا رأيناه يستخدم عبارات <<توراتية>> مثل: محور الشر، والدول المارقة، والارهاب، دلالة على تمسكه بما نشأ عليه وتأثر به من توجه ديني توراتي متشدد. تلك هي <<الاستراتيجية الاميركية الجديدة>> التي رسمتها الادارة الاميركية في العهد الاول <<لبوش الابن>> والتي ستسعى الى احكام تطبيقها في <<العهد الثاني>> له(3)، وقد بدأها، فعلا، باخراج كل المعتدلين من ادارته الثانية، وتقريب كل المتشددين، لإحكام قبضته على العالم.
لقد اقتنصت الولايات المتحدة وحليفتها اسرائيل الفرصة، في الحادث الدموي الرهيب الذي اصاب نيويورك وواشنطن في 11 ايلول عام 2001، لكي تنفذا البرنامج الذي كانتا قد وضعتاه، اصلا، لضرب العالمين العربي والاسلامي. ألم نسمع، بعد سقوط الاتحاد السوفياتي وسقوط الشيوعية معه، في مطلع التسعينات، وبروز اميركا كقطب أوحد لا مثيل له، على مساحة هذه الكرة، ببروز نظرية المفكر الاميركي <<هنتنغتون>> التي تتحدث عن صراع الحضارات؟ ثم، أولم يبدأ الهمس بعد ذلك، بان العدو الذي سيحل محل الشيوعية، في نظر اميركا والغرب، هو الاسلام؟... لقد تحقق ذلك، ولكن انفردت اميركا واسرائيل بتطبيق هذه النظرية، بينما حيد الغرب نفسه وظل بعيدا، الى حد ما، عن الانسياق خلف اميركا في هذا المجال.
() لواء ركن متقاعد
(1) راجع كتابنا: الوجود العسكري الاجنبي في الخليج، الصادر عن مركز دراسات الوحدة العربية ببيروت، ص 193192.
(2) مركز دراسات الوحدة العربية بيروت، احتلال العراق وتداعياته عربيا واقليميا ودوليا، ص927 (تعقيب لعصام الجلبي على مداخلة لرمزي سليمان عن <<السياسة النفطية>> العراقية).
(3) انظر بحثين، بهذا الصدد، في: مركز دراسات الوحدة العربية، احتلال العراق وتداعياته عربيا واقليميا ودوليا، القسم الاول: الرواية الاستراتيجية الاميركية، وهما لمايكل هدسون وعماد فوزي شعيبي، وتعقيبات، ص 16065.
تعليق