إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

لماذا العراق: استراتيجية الاحتلال الأميركي

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • لماذا العراق: استراتيجية الاحتلال الأميركي

    لماذا العراق: استراتيجية الاحتلال الأميركي
    ياسين سويد




    يقع العراق في قلب <<الشرق الاوسط الكبير>> الذي خططت الولايات المتحدة الاميركية لانشائه، بعد ان تكمل السيطرة على المشرق العربي، بدءا بالعراق، ثم على آسيا الاسلامية مرورا بافغانستان، وصولا الى طاجكستان وقرغيزستان وكازاجستان واوزبكستان وتركمانستان، الدول التي انشقت عن الاتحاد السوفياتي الذي <<انتهت صلاحيته>> في مطلع التسعينات من القرن المنصرم، وهي دول يحاذي بعضها الصين (قرغيزستان وطاجكستان)، وبعضها الآخر روسيا (كازاخستان)، ويمتد البعض الثالث على سواحل <<بحر قزوين>>، البحر الذي أضحى، بعد احداث 11 ايلول 2001 الشهيرة، وبعد احتلال افغانستان، بحيرة اميركية تزخر بالغاز والنفط، وهو ما تشتهيه اميركا النهمة، دوما، الى السائل الاسود الشهي.
    وهكذا اضحت ايران، البلد الاسلامي الاكبر في هذه المجموعة من الدول الاسلامية، عند متناول اليد الاميركية المتمترسة في هذه الدول، سواء عن طريق الاحتلال (افغانستان والعراق)، او عن طريق التواجد العسكري (الخليج والدول المنشقة عن الاتحاد السوفياتي).
    باحتلال العراق وافغانستان، إذن، اضحت الولايات المتحدة في قلب <<الشرق الاوسط الكبير>>، بل في قلب <<القارة الآسيوية>> كلها، من روسيا شمالا الى الخليج جنوبا، ومن الصين شرقا الى تركيا وبلدان الساحل الشرقي للبحر المتوسط غربا.
    كان العراق، قبل الاحتلال الاميركي، وبعد سقوط مصر بالضربة القاضية، في <<كامب ديفيد>>، أقوى الدول العربية جيشا وتسلحا، ومن اهمها ثروة وغنى، واغناها بالعلماء، وخصوصا علماء الذرة، وهو ما اقلق اميركا وحليفتها اسرائيل.
    تبلغ مساحة العراق 434,924 كلم2 وعدد سكانه (وفق احصاءات عام 2000) 300,000,22 نسمة، وكان عديد جيشه الفعلي 424,000 رجل، واذا اضيف الى هذا الجيش عديد الرجال الذين هم تحت السلاح في مؤسسات شبه عسكرية وفي الاحتياط، وهو 693,000 رجل، اصبح مجموع الرجال الذين يمكنهم اداء الخدمة العسكرية، في العراق 117,000,1 رجل (احصاءات عام 2000 كذلك). وقد توافر، لهذا الجيش، من الاسلحة البرية والبحرية والجوية، المتطورة والحديثة، ما جعله في مصاف الجيوش المتقدمة تجهيزا وتسليحا.
    أما الناتج المحلي الاجمالي للعراق عام 2000، فقد بلغ 15,4 بليون دولار، وبلغت موازنة الدفاع لهذا العام: 1,4 بليون دولار، اي بنسبة 9,09% من الناتج المحلي الاجمالي(1).
    وقد أمن احتلال العراق للجيوش الاميركية وصولها الى حدود <<المنطقة الملتهبة>> في الشرق الاوسط، اي الى حدود المملكة العربية السعودية والاردن وسوريا وتركيا، حيث تصبح على تماس <<عكسري>> مع هذه الدول (كما هو حاصل، اليوم، مع سوريا خصوصا)، كما أمن لها <<إطباقا شبه كامل>> على ايران.
    وتعتبر <<ايران>> كبرى الدول الاسلامية في آسيا، و<<الدولة المتمردة>> الثانية، على الارادة الاميركية، بعد كوريا الشمالية، تليها، في التمرد <<سوريا>>. ومن المهم، جدا، في نظر الادارة الاميركية الجالية، إخضاع هاتين الدولتين: ايران وسوريا، وذلك لسببين:
    الاول: منع هاتين الدولتين من مد المقاومة العراقية، الشيعية خصوصا، في جنوب العراق المحاذي لايران، والسنية خصوصا، في المثلث السني المحاذي لسوريا، وهما الدولتان الجارتان المؤهلتان، بحكم الجغرافيا والقومية او الدين، لمساعدة تلك المقاومة في وجه قوات الاحتلال الاميركي، نظرا لرفضهما هذا الاحتلال اساسا، ثم لاعتبارهما اياه، وعن حق، دعما واضحا واكيدا للدولة العبرية، الحليفة الاستراتيجية للولايات المتحدة الاميركية. والثاني: <<تقليم اضافر>> هاتين الدولتين، بغية منعهما من الوقوف في وجه ارهاب الدولة الصهيونية في فلسطين، ومنعهما من تقديم اية مساعدة للشعب الفلسطيني في محنته.
    بقي ان نشير الى ان اعتبار <<العراق>> هدفا اساسيا للولايات المتحدة الاميركية، بعد افغانستان، تبرره اسباب عديدة اميركية صهيونية مشتركة، نذكر منها:
    1 اسقاط <<القوة العراقية>> من المعادلة العربية الاسرائيلية، ولأجل ذلك رأينا الاحتلال يقدم، منذ الايام الاولى لدخوله العراق، على حل الجيش العراقي وجميع التنظيمات العسكرية وشبه العسكرية في هذا البلد، وها هو يسعى، اليوم، الى تشكيل جيش <<حرس وطني>> وشرطة، يدربهما ضباطه، ويعملان بامرته، بحيث يكونان في خدمة هذا الاحتلال، وفي مواجهة شعبهما العراقي.
    ولم يتورع الاحتلال عن ان يقضي على العلماء العراقيين، اغتيالا ام سجنا، أم إكراها لبعضهم على الهروب من البلاد، أم شراء لضعفاء النفوس منهم، مما جعله <<يتوهم>> انه قضى على العقل العلمي، المنتج والمتوهج، في هذا البلد العربي.
    2 الرغبة الاميركية الجامحة في الاستيلاء على النفط العراقي، هذه الرغبة التي أشهرها الرئيس جورج بوش الاب عام 1990 بذريعة احتلال صدام للكويت (ولعمري، ما كان بوش الاب ليتحمس للكويت لو كان هذا البلد ينتج جزرا وليس نفطا، كما قال الرئيس الحص)، ولا يخفى ان لدى العراق ثاني اكبر احتياط نفطي في العالم، اذ يختزن، في ارضه، ما يقدر ب 112,5 مليار برميل، كاحتياط ثابت وهو ما نسبته 11% من مخزون النفط العالمي(2). ومن الطبيعي ان لا تسمح الولايات المتحدة الاميركية، الدولة الاقوى في العالم، ان يسيطر العراق على هذه النسبة العالية من الاحتياط العالمي للنفط، وهي القوة الطامحة لان يكون نفط العالم كله بتصرفها.
    في مطلع الثمانينات من القرن المنصرم، بدأت مظاهر التقدم العلمي تتجلى في العراق، فكان مفاعل <<تموز>> او (اوزيراك) النووي، مما اثار خشية الكيان الصهيوني الذي سارع الى مهاجمته وتدميره عام 1981، كما اثار حفيظة اميركا التي اخذت تخلق الذرائع لضرب العراق (للاسباب التي سبق ان اشرنا اليها) فتتحدث تارة عن اقتنائه <<لمدفع عملاق>> وطورا عن امكانات متوافرة لديه لانتاج قنبلة نووية. لقد اضحى العراق، لكل من اسرائيل واميركا، الهدف الاول الذي يجب تدميره.
    وفي مطلع التسعينات، بدأت مسيرة تدمير العراق تنفيذا لرغبة هاتين الدولتين، وذلك عندما أقدم صدام حسين (سواء بخديعة اميركية ام بدونها) على ارتكاب <<الخطأ المصيري القاتل>> وهو <<غزو الكويت واحتلالها>>، فكان الحصار الظالم الذي استمر اكثر من عقد من الزمن، والذي بدأ في عهد بوش الاب وانتهى، في عهد بوش الابن، الى احتلال العراق وتدميره.
    وهكذا خرج العراق من معادلة الصراع العربي الاسرائيلي، كدولة قوية وقادرة ومجهزة بكل الوسائل الناجعة لمواجهة الكيان الصهيوني (رغم ان صدام لم يكن عازما على ذلك).
    ويبدو ان الطموح الاميركي في الحكم والسيطرة قد تجاوز النفط والعراق والشرق الاوسط الكبير، بل وآسيا كلها... وفي نظر <<النبي بوش>> (هكذا يحلو للرئيس الاميركي ان يتصور نفسه)، اصبح العالم كله هو الميدان الرحب لطموحه الرسولي، فهو مكلف نشر <<الاصلاح والديموقراطية الاميركيين>> في هذا الكون، بدءا بالعالم العربي والاسلامي، ولهذا رأيناه يستخدم عبارات <<توراتية>> مثل: محور الشر، والدول المارقة، والارهاب، دلالة على تمسكه بما نشأ عليه وتأثر به من توجه ديني توراتي متشدد. تلك هي <<الاستراتيجية الاميركية الجديدة>> التي رسمتها الادارة الاميركية في العهد الاول <<لبوش الابن>> والتي ستسعى الى احكام تطبيقها في <<العهد الثاني>> له(3)، وقد بدأها، فعلا، باخراج كل المعتدلين من ادارته الثانية، وتقريب كل المتشددين، لإحكام قبضته على العالم.
    لقد اقتنصت الولايات المتحدة وحليفتها اسرائيل الفرصة، في الحادث الدموي الرهيب الذي اصاب نيويورك وواشنطن في 11 ايلول عام 2001، لكي تنفذا البرنامج الذي كانتا قد وضعتاه، اصلا، لضرب العالمين العربي والاسلامي. ألم نسمع، بعد سقوط الاتحاد السوفياتي وسقوط الشيوعية معه، في مطلع التسعينات، وبروز اميركا كقطب أوحد لا مثيل له، على مساحة هذه الكرة، ببروز نظرية المفكر الاميركي <<هنتنغتون>> التي تتحدث عن صراع الحضارات؟ ثم، أولم يبدأ الهمس بعد ذلك، بان العدو الذي سيحل محل الشيوعية، في نظر اميركا والغرب، هو الاسلام؟... لقد تحقق ذلك، ولكن انفردت اميركا واسرائيل بتطبيق هذه النظرية، بينما حيد الغرب نفسه وظل بعيدا، الى حد ما، عن الانسياق خلف اميركا في هذا المجال.
    () لواء ركن متقاعد
    (1) راجع كتابنا: الوجود العسكري الاجنبي في الخليج، الصادر عن مركز دراسات الوحدة العربية ببيروت، ص 193192.
    (2) مركز دراسات الوحدة العربية بيروت، احتلال العراق وتداعياته عربيا واقليميا ودوليا، ص927 (تعقيب لعصام الجلبي على مداخلة لرمزي سليمان عن <<السياسة النفطية>> العراقية).
    (3) انظر بحثين، بهذا الصدد، في: مركز دراسات الوحدة العربية، احتلال العراق وتداعياته عربيا واقليميا ودوليا، القسم الاول: الرواية الاستراتيجية الاميركية، وهما لمايكل هدسون وعماد فوزي شعيبي، وتعقيبات، ص 16065.

  • #2
    لماذا العراق: استراتيجية الاحتلال الاميركي (2)
    ياسين سويد




    من يستطيع ان يؤكد ان احداث 11 ايلول كانت من صنع بن لادن لوحده، وانها نتيجة عبقريته الفذة؟ وكيف استطاع هذا الرجل، الهارب من العالم بأسره، ان ينجح نجاحا منقطع النظير في ضربته تلك، وان ينتصر، فيها، على نظرية <<الامن الذاتي الاميركي>> فيهز اميركا ويزعزع ثقتها بنفسها؟
    واين كانت تلك القوة الجبارة التي تضاهي قوة الكون كله، والتي استطاعت ان تسقط، بالضربة القاضية، اقوى منافس لها في هذا الكون: الاتحاد السوفياتي؟ أين كان <<الأمن الذاتي الاميركي>> الذي غاب غيابا مطلقا يومذاك، فبدت اميركا كأنها صحراء قاحلة، لا حياة فيها ولا ناس، يوم 11 ايلول؟
    ولماذا كان <<العراق>> في طليعة الدول التي تعرضت للغزو، بعد احداث ايلول؟ ويبدو ان غزوها كان معدا قبل ذلك، فكل الدلائل تشير الى ان احتلال العراق كان مقررا سلفا، وبأية ذريعة، وان احداث ايلول 2001 شكلت <<الذريعة>> المناسبة لهذا الاحتلال:
    في الاول من كانون الثاني عام 2001، نشر <<ويرمزر>> وهو أحد <<رموز>> المحافظين الجدد (الذين وصلوا الى السلطة، في الولايات المتحدة، مع <<بوش الابن>>) مقالا طالب فيه بوضع مخطط لحرب، في الشرق الاوسط، تقضي على <<الانظمة الراديكالية المتطرفة>>، مسميا، بالتحديد، <<بغداد ودمشق وطهران وغزة>>، الا ان <<ويرمزر>> رأى انه لا بد من انتظار <<ازمة>> ما تتيح الفرصة لمثل هذه الحرب (1)، وجاءت الفرصة سريعا، بعد نحو 8 شهور من نشر هذا المقال، اي في 11 ايلول، فهل جاءت هذه الفرصة صدفة، ام بتدبير ما؟
    بعد اربعة ايام فقط من هذه الاحداث، وفي 15 ايلول اقترح <<بول وولفويتز>> (نائب وزير الدفاع الاميركي وأحد اقرب المسؤولين اليهود الاميركيين من الجيش الاسرائيلي) على الرئيس بوش القيام بضرب العراق، معللا اقتراحه بأن خطأ فادحا ارتكب يوم لم تسع اميركا الى اسقاط صدام حسين في حربها عليه عام 1991، وان <<احداث 11 ايلول تفتح النافذة، من جديد، للخلاص منه>>، وانه <<مستمر في تطوير اسلحة التدمير الشامل، بغية امتلاكها، ثم استخدامها>> (2).
    في العشرين من ايلول نفسه (2001) وجه اربعون شخصية <<سياسية واعلامية>> من المحافظين الجدد كتابا مفتوحا الى رئيس الولايات المتحدة يطالبونه <<بقلب نظام صدام حسين في العراق>> وبضرب <<حزب الله، في لبنان>> وضرب <<سوريا وايران>>، وقد حفزت هذه المطالبة، المرشح للرئاسة الاميركية <<بات يوكانان>> الى التعليق عليها بقوله <<ما دخل حزب الله وسوريا وصدام حسين وايران في احداث 11 ايلول؟ فهل ان هدف هؤلاء المحافظين الجدد هو الحفاظ على مصالح اميركا ومحاربة الارهاب، ام تنفيذ مصالح اسرائيل عبر السياسة الخارجية الاميركية؟>>(3).
    وفي الحادي والعشرين من تشرين الثاني من العام نفسه (2001)، اي بعد 72 يوما من احداث ايلول، قرر بوش ضرب العراق وإسقاط صدام حسين، وفي احد اجتماعات <<مجلس الامن القومي>>، اقترب بوش من وزير دفاعه <<رامسفيلد>>، وأحاطه بذراعه قائلا له: <<اريد ان اراك>>. وعندما اجتمع الرجلان، قال بوش لرامسفيلد <<اي نوع من الخطط الحربية لديك لاجل العراق؟>>، ولما لم يكن لدى رامسفيلد اية خطة لذلك، قال له <<بوش>>: <<ادرس خطة حربية لهذا الغرض>> وطلب اليه ان <<لا تتحدث، بهذا الامر، الى اي أحد آخر>>، الا ان رامسفيلد قال للرئيس: <<سيكون مهما ان اتحدث مع جورج تينيت>> (مدير المخابرات المركزية) فوافق بوش على ذلك، ثم انه عاد فوافق على ان يستعين رامسفيلد، كذلك، بالجنرال <<تومي فرانكس>> في اعداد الخطة(4). وهكذا، قضي الامر، واتخذ الرئيس القرار باحتلال العراق.
    هناك نظريات عديدة ظهرت، بعد تلك الاحداث، تشير الى ان تواطؤا ما، لتدبيرها، بين بن لادن و<<بعض>> الادارة الاميركية، من المخابرات المركزية (CIA) ومكتب التحقيقات الفدرالي (FBI) وكذلك <<الموساد>> الاسرائيلي، ويكاد غموض التحقيقات التي جرت بشأن تلك الاحداث، وخصوصا مع اجهزة الامن الاميركية، يشير الى ذلك. ويحاول الكاتب الفرنسي <<تيري ميسان>> تأكيد هذه الظنون ببراهين تكاد تكون دامغة، حيث ينتهي الى النتائج التالية:
    << تمتع الارهابيون (القراصنة الجويون الذين قاموا بتدمير البرجين في نيويورك) بسند لوجستي من ارهاط كانت على الارض، اذ قامت هذه الارهاط باعطاء اشارة، او اثنتين، لتحذير العاملين في الابراج، بغية الحد من الفاجعة البشرية، ثم فجرت، بالديناميت، ثلاثة مباني. كل ذلك جرى تحت اعين اجهزة الاستخبارات (الاميركية) التي كانت يقظة بقدر ما كانت سلبية.
    <<فهل ان هكذا عملية يمكن ان تخطط وتقاد من مغارة في افغانستان، ثم تحقق من قبل قبضة من الاسلاميين؟>>(5). والجدير بالذكر ان صحيفة <<هآرتس>> الاسرائيلية قد كشفت، في عددها الصادر بتاريخ 26/11/2001، عن ان انذارا الكترونيا وجه، من مجهول، الى عدد من العاملين بالابراج، قبل ساعتين من حصول الاعتداء، ينبئهم بان اعتداء سيقع، مما دفع العديد منهم الى مغادرة مكان عملهم، وهو ما دفع بأحد المعلقين، في قناة <<الجزيرة>> بقطر، الى الاعتقاد أن <<الموساد>> الاسرائيلي هو من اقدم على توجيه ذلك <<الانذار الالكتروني>>، وقد خسر ذلك المعلق وظيفته لاجل ذلك(6). وربما تكون الشائعة التي سرت، في ذلك الحين، بان اليهود العاملين، في البرجين، قد نجوا جميعهم، حقيقة (وعندها تكون التهمة الموجهة الى الموساد حقيقة كذلك).
    براهين كثيرة جهد <<ميسان>> في عرضها وتقديمها (ومعظمها، في نظرنا، ان لم يكن كلها، منطقي ومعقول) كي يستنتج ان <<مكتب التحقيقات الفدرالي FBI قد أخفى الأدلة وتكتم على الشهادات>> كما انه <<دعم رواية الهجوم الخارجي وحاول تغليبها، وذلك بنشره لائحة، لقراصنة الجو، تفتقر الى الاثبات، وبفبركته اوراقا ثبوتية مزورة (مثل: جواز سفر محمد عطا، وتعليمات الطيارين الانتحاريين)>>. ثم يتساءل <<ميسان>> <<هل ان هذا التحقيق المختلق (او الوهمي) قد أنجز لكي يقدم قضية عادلة، ام لكي يخفي المسؤوليات الاميركو اميركية، ويبرر العمليات العسكرية المستقبلية؟>>(7).
    <<يبرر العمليات العسكرية المستقبيلية؟>>، اوليس ذلك ما يحدث في افغانستان والعراق، وربما سيحدث في بلدان اخرى غيرهما؟
    ربما يقول قائل: وما الذي ربحته اميركا، وكذلك اسرائيل، من هذا العمل؟ والجواب واضح وبسيط:
    قبل احداث ايلول، كانت الولايات المتحدة الاميركية متقوقعة في عقر دارها، يكاد نفوذها يصبح صوريا، او شكليا، في معظم ارجاء هذه الكرة، الى ان جاءت احداث ايلول، فاعطت كلا من اميركا واسرائيل الدفع اللازم لتغيير مسار الاحداث في العالم، وخصوصا في آسيا الاسلامية، وفي العراق وفلسطين بالذات.
    <<الارهاب>> تلك هي الوصفة السحرية التي استخدمتها الولايات المتحدة تجاه اي بلد او اية قوة تقاومها، مهما كانت هذه القوة شرعية، وهكذا، هاجمت افغانستان، واقامت قواعد عسكرية لها في قرغيزستان وطاجكستان وكازاخستان، ومدت يدها الى نفط قزوين وغازه، ثم التفتت الى العراق فاحتلته ودمرت قوته واقتصاده ونهبت ثرواته، متذرعة، لذلك، بذرائع ثبت انها، كلها، كاذبة وملفقة، وقد جرى كل ذلك باسم <<محاربة الارهاب>>، بينما هاجمت اسرائيل، في الوقت نفسه، الشعب الفلسطيني في الضفة وغزة، ودمرت مدنه وقراه، واقتلعت اشجاره، زاعمة، كذلك، انها <<تحارب الارهاب>>. ومتى كانت مقاومة المحتل ارهابا؟ وهل ان جورج واشنطن وشارل ديغول ارهابيين؟ والغريب العجيب اننا، نحن العرب والمسلمين، صرنا نتحدث اللغة ذاتها، تقليدا لاميركا او خوفا منها.
    إلا ان نظرة سريعة الى تشكيل الادارة الاميركية، التي وضعت هذا المخطط العدواني، ترينا كم هو خطير ذلك التحالف القائم بين القوى الرئيسية الثلاث المشكلة لتلك الادارة، وبين القوى الحاكمة في اسرائيل، ففي اميركا: تحالف اليمين المتشدد (المحافظون الجدد) مع المسيحية الصهيونية، ومع كارتل <<الصناعات العسكرية>> اي انه: تحالف اليمين المتطرف مع الديني المتطرف مع تجمع رأسماليي صناعة الاسلحة، يقابله، في اسرائيل، تحالف مماثل استطاع شارون ان يشكله من الاحزاب اليمينية والدينية المتطرفة. واستطاع هذان التحالفان، في البلدين، ان يشكلا تحالفا واحدا رمزه <<محاربة الارهاب>> وهدفه الاساسي: محاربة العرب والمسلمين. والغريب ان قادة العرب والمسلمين، في غالبيتهم انساقوا خلف هذه الدعاية الاضحوكة (الارهاب) وصاروا يرددونها خلف اعدائهم كالببغاوات.
    أين تقف دول الجوار الفاعلة من مأساة العراق؟
    ودول الجوار الفاعلة، هنا: تركيا، وسوريا، والمملكة العربية السعودية، وايران، ولن نتطلع الى دول الخليج العربي، فقد اضحت، خلال الحرب وبعدها، قاعدة للجيوش الاميركية، شاءت ذلك ام أبت.
    ولن نتطلع الى تركيا والمملكة العربية السعودية، فللأولى مشاغلها واستراتيجيتها وسياستها الخارجية الخاصة بها، خصوصا ان لا صلة (قومية على الاقل) لها مع العراق. اما المملكة العربية السعودية، فهي غير قادرة على ان تقف موقف الداعم للعراق في مقاومته للاحتلال الاميركي، خصوصا ان يد ما اصطلح على تسميته <<بالارهاب>> بدأت تمتد اليها، كيف؟ ومن؟ ولماذا؟ ذلك بحث آخر.
    يبقى، اذاً:
    إيران، المتصلة بالعراق على طول حدوده الشرقية، وخصوصا بجنوبه حيث <<الاكثرية الشيعية>> التي قام فيها <<مقتدى الصدر>> ثم اكره على الغياب.
    وسوريا، المتصلة بالعراق على حدوده الغربية، وخصوصا بوسطه، حيث المثلث السني>> الذي اشتهر بمقاومة الاحتلال منذ بدئه، ولا يزال يقاوم.
    إلا ان اية مقاومة مسلحة، ضد عدو محتل، تحتاج الى توافر شروط ثلاثة:
    1 بحر تسبح فيه (ويقصد بالبحر: شعب الارض المحتلة نفسها).
    2 وعمق تكتيكي يشكل لها خلفية مساندة (ويقصد بالعمق التكتيكي: الشعب بأسره، مع حكومته).
    3 وعمق استراتيجي يشكل امتدادا للعمق التكتيكي (ويقصد بالعمق الاستراتيجي: السند الخارجي، والعمق الاستراتيجي للمقاومة في العراق هما، وبالتحديد: ايران وسوريا).
    وقد توافرت الشروط الثلاثة لحزب الله، في لبنان، خلال مقاومته للمحتل الاسرائيلي، وتمكن، بفضل ذلك، من الانتصار، بينما لم تتوافر هذه الشروط، كلها او بعضها، لكل من المقاومتين: الفلسطينية والعراقية.
    وفيما يختص بالعراق:
    1 تسبح المقاومة العراقية في بحرها، حيث الشعب، بكل اطيافه، مساند لها. إلا ان عمليتي <<العمق التكتيكي>> و<<العمق الاستراتيجي>> تظلان موضع نظر، بل وتساؤل عن مدى نجاح الاحتلال في حجبهما عن مساندة المقاومة في العراق.
    2 ففيما يتعلق <<بالعمق التكتيكي>>، حرص الاحتلال، منذ البدء، على القيام باجراءات حرمت المقاومة من العمق التكتيكي الطبيعي لها، باستثناء التعاطف الشعبي العام، وتلك الاجراءات هي:
    حل الجيش وكل القوى العسكرية الرديفة، كالشرطة وسواها.
    تشكيل حكومة تابعة له، تأتمر بأوامره، وإن كانت، في المظهر الخارجي، هي التي تتحمل مسؤولية اعطاء الاوامر بالقتل والتدمير الذي يقع في كل انحاء العراق، وخصوصا لما جرى في النجف والفلوجة، وما سيجري، بعدها، في العديد من المدن والقرى العراقية.
    تشكيل <<حرس وطني وشرطة>> عراقيين يقاتلان، جنبا الى جنب، مع قوات الاحتلال وضد اهلهما المقاومين للاحتلال.
    لذا لم يعد <<العمق التكتيكي>> بكامله مؤمنا للمقاومة، خصوصا ان جزءا كبيرا من <<الشعب العراقي>> قد خرج من المعادلة، فاكراد الشمال انحازوا الى الاحتلال، وشيعة الجنوب وقفوا، بعد تغييب مقتدى الصدر، على الحياد، وسيكون <<الحل الفدرالي>> ناضجا وجاهزا للتطبيق ان استمر الوضع على ما هو عليه.
    يبقى ان يتنبه العراقيون، بكل طوائفهم واجناسهم، الى هذه اللعبة، فيتلافوا الوقوع في شرك التقسيم الطائفي والعرقي للبلاد.
    3 أما ما يتعلق بالعمق الاستراتيجي، فهو ما تسعى اميركا، جاهدة، لحرمان المقاومة العراقية منه، وقد نجحت، في ذلك، ايما نجاح، إذ إنها بدأت <<حربا وقائية>> ضد كل من ايران وسوريا، وذلك بأن:
    أ أعلنت الوقوف في وجه ايران لمنعها من التوصل الى صنع <<القنبلة النووية>>، مثيرة، لاجل ذلك، ضجة دولية وعالمية لا لزوم لها، في الاصل، لولا انها مطلب اميركي واسرائيلي معا، فتارة ترسل مبعوثها <<المخلص جدا>> محمد البرادعي مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وطورا تساوم (ومعها الدول الاوروبية)، طهران لاجل التوقف عن <<تخصيب اليورانيوم>>، مهددة باحالة الامر الى <<مجلس الأمن>>، ومعلوم ان هذا المجلس ليس اكثر من <<حظيرة اميركية>>، كل هذا بهدف الضغط على ايران كي تمتنع عن مد يد العون للمقاومة في العراق. ونقر بان الولايات المتحدة نجحت في هذا المضمار، وإلا، فبماذا نفسر ان يترك السيد مقتدى الصدر لمصيره، بعد ان استطاع ان يحشد حوله، لمقاومة المحتل الاميركي، عشرات الآلاف من الانصار، شيعة، وغير شيعة، وبماذا نفسر موقف السيد السيستاني من مقاومة الصدر هذه؟
    ان اية مقاومة، في العراق لا يكون الشيعة احد جناحيها، والسنة الجناح الآخر، وما بين الجناحين، في القلب، الطائفتان: السنية والشيعية، مع باقي الاعراق جميعا، في العراق، لا يمكن ان تحرر ارضا، او تطرد محتلا، خصوصا في زمن اضحى العرب، كل العرب، والمسلمون، كل المسلمين، جثثا تتحرك على هامش التاريخ والاحداث. والواقع المؤلم هو ان الشمال الكردي والجنوب الشيعي قد خرجا من المعركة، وبقي القلب الذي سيظل يقاوم ولكن الى أمد. ولن تستقيم الامور وتستمر المقاومة الا اذا انضم الشمال والجنوب الى القلب في مقاومة ذات قيادة موحدة تقود الحرب مع الاحتلال الى نتائجها المؤلمة.
    وهكذا رأينا ايران تضطر الى الانكفاء عن مقارعة عدوها اللدود، الولايات المتحدة لتأمن شره، وفي ميدان القتال الاكثر التصاقا بحدودها، والاكثر تهديدا لها، في العراق، فيتخلى الجميع عن المقاومة الشيعية، في الجنوب، مما يضطر الصدر الى الانكفاء، بينما كانت جذوة المقاومة لا تزال مشتعلة في بقية انحاء العراق، ما عدا كردستان.
    ب واعلنت (اميركا) الوقوف في وجه سوريا لمنعها من التواصل مع المقاومة في العراق، وذلك عن طريق إثارة امور عديدة شملها <<قانون محاسبة سوريا>> ثم <<القرار 1559>> واهمها (وهو المطلوب) مطالبة سوريا بمراقبة حدودها ومنع تسلل المقاتلين منها الى العراق. وفهمت سوريا الرسالة، واضطرت، مرغمة، لتلبية المطالب الاميركية، في هذا المجال، وزيادة مراقبة حدودها مع العراق، رغم ان ذلك يناقض التوجهات الوحدوية القومية التي تؤمن بها سوريا، وتناضل لاجلها.
    وسيظل السيف الاميركي مسلطا على ايران، كما على سوريا، وسيظل العراق، كما فلسطين، مستفردا لوحش كاسر لا يرحم، يلعق دماء ابنائه ويأكل لحومهم، ويحتل ارضهم، في غفلة من زمن صار فيه العرب والمسلمون اصفارا، لا يحسب لهم حساب، بسبب تشتتهم وتفرقهم، بل وتناحرهم، في وقت نرى اوروبا، المختلفة اللغات، والمتباينة الاعراق والاجناس، والغارق بعضها، الى زمن ليس ببعيد، في دماء بعض، نراها تتحد فيما سمي <<الاتحاد الاوروبي>> فتقوى وتتعزز وتتحصن في وجه عاديات عاتيات ربما تحملها الرياح الآتية نحوها، عبر الاطلسي.
    أما نحن، العرب والمسلمين، فسلام علينا، أمة ممزقة واوطانا هزيلة، ضعيفة، سلام على تضامننا المفقود وتوحدنا المستحيل الوجود، سلام على جامعتنا المسماة عربية، وعلى دفاعنا المسمى مشتركا، كما على المؤتمر الاسلامي والوحدة الاسلامية، هباء في هباء، لم يشهد تاريخ العرب والمسلمين له مثيلا.
    () لواء ركن متقاعد
    (1) محاضرة للنائب اللبناني الدكتور باسم يموت بعنوان <<الوضع العربي في ضوء المتغيرات الدولية>>، ألقيت في مركز توفيق طبارة ببيروت: بتاريخ 26/6/2003.
    (2) Woodward, Bob, Bush s'en va-t- en guerre, pp. 49-501
    (3) محاضرة النائب يموت نفسها.
    (4) Woodward, Bob, plan of attack, pp. 1-3
    (5) Meyssan, Thierry, 11 Sep. 1002, L'effroyable imposture, pp. 93-04، وراجع، لتفاصيل وافية عن هذا التحليل: Ibid, pp. 11-04
    (6) Ibid, p.73.
    (7) Meyssan, Ibid, pp. 36-46 وللاطلاع على البراهين والادلة التي يأتي بها <<ميسان>> لتأكيد نظريته، لا بد من الرجوع الى الكتاب نفسه.

    تعليق

    المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
    حفظ-تلقائي
    x

    رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

    صورة التسجيل تحديث الصورة

    اقرأ في منتديات يا حسين

    تقليص

    المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
    أنشئ بواسطة مروان1400, 03-04-2018, 09:07 PM
    ردود 13
    2,141 مشاهدات
    0 معجبون
    آخر مشاركة مروان1400
    بواسطة مروان1400
     
    أنشئ بواسطة وهج الإيمان, 31-08-2019, 08:51 AM
    ردود 2
    343 مشاهدات
    0 معجبون
    آخر مشاركة وهج الإيمان
    بواسطة وهج الإيمان
     
    يعمل...
    X