تمارين ذهنية لمرحلة ما بعد إقدام دمشق على اتخاذ قرار كبير في لبنان
ماذا عن <<حزب الله>> والأصوليات والمخيمات و<<الفوضى>> بعد الانسحاب السوري؟
حسين أيوب
عندما يطرح موضوع الوجود العسكري والأمني السوري في لبنان، تتجمع رزمة كبيرة من الأسئلة ويصبح الجواب عليها امتحاناً تجريبياً يختلط فيه التحليل بالمعلومة أو بالرغبة أو بالنوايا الخ...
ثمة قائل ان بعض الأسئلة والسيناريوهات تم التداول بها مع كبار المسؤولين السوريين في دمشق، ولم يكن هناك تصور واحد، بل تصورات يبدو معها من الصعب صياغة فرضية واحدة في طريقة التعامل مع موضوع الوجود العسكري السوري في لبنان، خاصة إذا تم قياس الأمور نسبة لطبيعة العقل العقائدي والسياسي والأمني للحكم السوري لا على طريقة ما يتمناه بعض السياسيين أو المحللين اللبنانيين.
يستشهد مسؤول لبناني كبير بمقالات إسرائيلية ملخصها الآتي: <<نحن نشهد مع <<حزب الله>> وللمرة الأولى في تاريخ الصراع اللبناني الإسرائيلي، حالة ضبط نوعي للحدود مع لبنان، فمن يستطيع أن يوفر هكذا معادلة؟ الجيش اللبناني؟ لقد تم تجريبه سابقاً وأعطى الرهان مفاعيل سلبية. ثم ماذا إذا انسحب السوري وبقي <<حزب الله>> ممسكاً بسلاحه؟ ألا يشكل ذلك مدعاة للخوف من عدم قدرة أحد على لجم <<جنونه>> مع أي تطور سياسي محلي أو إقليمي؟ وفي حال التوصل إلى تسوية من يضمن نزع سلاح <<حزب الله>>: الدولة اللبنانية (حتماً الجواب سلبي) أم استمرار الوجود العسكري السوري في لبنان>>؟
لعل العبرة التي قدمتها <<مرصاد 1>> تفوق ما علق في أذهان بعض اللبنانيين. فالنقاش في إسرائيل راح أبعد مما يتصور كثيرون. ماذا يعني أن يكون <<حزب الله>> قادراً على إطلاق جسم طائر محمل بالعبوات الناسفة فوق أضخم المعامل العسكرية والكيميائية الإسرائيلية في مدينة حيفا؟ في الحد الأدنى يسقط آلاف القتلى الإسرائيليين، وهناك من القادة الإسرائيليين من رسم سيناريوهات أبشع من ذلك وتعامل مع الطائرة على هذا الأساس لا على أساس مدة التحليق أو التوقيت الخ... لنفترض أن هذا هو التمرين الأول وهو متصل بإسرائيل والولايات المتحدة وبمصلحتهما في بقاء الجندي السوري في لبنان، ربطاً ب<<ربط النزاع>> القائم في الجنوب اللبناني وباحتجاجات <<الصوت الناعم>> داخل المؤسسة العسكرية في اسرائيل حول توازن الرعب الحاصل مع <<حزب الله>>.
التمرين الثاني: ثمة أصوليات حقيقية في لبنان وهي ليست فقط ذريعة للاستخدام على شاكلة بعض المجموعات الصغيرة في <<مخيم الطوارئ>> (عين الحلوة)، بل هي مجموعات تعبر عن امتدادات سلفية ترصدها الأجهزة الاستخباراتية الإقليمية والدولية وتعي خطورتها، وهي طالما عبرت عن نفسها في أكثر من مناسبة. ولو أخذنا مثال أحداث الضنية مطلع العام 2000، لأمكن استخلاص الكثير من العبر في ضوء الوقائع الميدانية، وأقلها انه لم يكن بمقدور الجيش اللبناني حسم الموقف إلا بعد أكثر من أربعة أيام وبمساندة سورية عسكرية مباشرة، فماذا لو تكرر المشهد، وهناك قابلية للتكرار، فضلا عن وقائع تقول بمناخات و<<مخيمات>> في جرود الضنية وغيرها، في هكذا حالة من يبادر إلى حماية المسيحيين؟ حتماً سيقول كثيرون إن <<حزب الله>> أعقل العقلاء ربطاً بتجربة تحرير الجنوب في العام 2000 عندما انهالت التمنيات الدولية على المقاومة لحقن الدماء ومنع الفوضى فكان التحرير بلا نقطة دماء واحدة.
وفي المناسبة، ثمة من أتى مؤخراً إلى قيادة <<حزب الله>> سائلاً عن إمكانية تسهيل عودة مجموعات من الفارين إلى فلسطين المحتلة، بينهم بعض أصحاب <<الملفات الدسمة>>، وكان جواب قيادة المقاومة: <<فليعودوا... لا مشكلة عندنا، قد توقف الدولة المتورطين وأقصى محكومية لن تتجاوز السنة، وعندما ينهون العقوبة نقول بصراحة اننا لن نكون مسرورين لرؤيتهم يصولون ويجولون في القرى. هذا موقف نفسي وسياسي لا أكثر ولا أقل لكن لا تبعات أخرى له>>. يطرح المثل للقول هل بالضرورة لهكذا سلوك تلقائي أن يكون سلوكاً معمماً لدى كل الإسلاميين، <<خاصة اننا أمام ظواهر تكفّر الآخر في الدين الواحد لا بل المذهب الواحد، فكيف مع الآخرين>>؟
التمرين الثالث: لا يجوز الاستهتار بأمر الكتلة الفلسطينية في لبنان. ثمة نجاح سوري حقيقي، قبل رحيل ياسر عرفات وبعده، في تطويع هذه الكتلة، لا سيما عصبها الفتحاوي، في الفلك السوري. الوقائع كثيرة في هذا الصدد، بعيداً عن بعض المبالغات في ضوء نتائج زيارة <<أبو مازن>> الأخيرة إلى بيروت. من يستطيع إبقاء هذه الكتلة ضمن حدود السقوف الإقليمية المتعارف عليها، إذا أخرج السوري قسراً من لبنان؟ ما هي قدرة السلطة اللبنانية على الضبط (طبعاً ليس المقصود هنا <<ابو محجن>> أو غيره من <<الامراء>>)، وفي المقابل، ما هي قدرة الآخرين على التوظيف والكسب (بالمناسبة، فإن موضوع <<التوظيف>> أخذ حيزاً أساسياً من النقاش بين <<أبو مازن>> والنائب وليد جنبلاط)؟
التمرين الرابع: إذا كان الاستقرار اللبناني النسبي منذ مدريد حتى اليوم، قد أفاد السوري في التوظيف الإقليمي ولم يخرج عن المسار الإقليمي العام، فإن السؤال المطروح: هل ثمة موجب في المعطى الاميركي يقتضي تبدلا في الاولويات، فيصبح معه الاستقرار اللبناني عبئاً على الاميركيين وبالتالي يدفع لبنان إلى الفوضى طمعاً بإفقاد سوريا كل ما تملك من أوراق فيه؟ ما هي مصلحة فرنسا والمسيحيين في ذلك؟ وإذا حصلت الفوضى، كيف ستنعكس على موازين القوى الداخلية وعلى الوضع في الجنوب وعند الحدود وعلى الكتلة الفلسطينية، وفي المحصلة من يربح ومن يخسر من هذه الفوضى؟
سؤال تمرين على الهامش: قيل للرئيس السوري، <<هل ترغب بتكرار المشهد السياسي ل<<حرب تفاهم نيسان 1996>>، عندما جاء كل وزراء خارجية العالم إلى دمشق وطلبوا من والدك الراحل حافظ الأسد أن يضبط <<حزب الله>>، إذاً إليك بورقة جيشك في لبنان>>!
قد يقال ان في الأمر تهويلاً وان اللبنانيين بلغوا سن الرشد. قد يقول آخر إن واشنطن لا تريد من سوريا أن تسحب جنودها من لبنان وحسب بل أن تكون مسؤولة عن كل الأمن فيه تفصيلياً بعد انسحابها. قد يقول ثالث إن مصلحة سوريا في إبقاء جنودها في لبنان باتت تعادل مسألة بقاء أو عدم بقاء النظام السوري نفسه. هناك رابع يقول بأن على اللبنانيين أن يقولوا لسوريا نحن معك استراتيجياً حتى استعادة الجولان كما كنت للمقاومة عوناً في تحرير الجنوب، لكن حتى ذلك الحين، هل هناك من فرصة للحوار حول عناوين الخلاف بين البلدين وأكثرها لا يمس بالخيارات الاستراتيجية، إلا إذا كان هناك من يدفع بلبنان إلى مرحلة إعادة نقاش خياراته الاستراتيجية، وحتماً لا ينطبق ذلك على دعاة <<الخيار الثالث>> وهم القلة القليلة حتى الآن.
ماذا عن <<حزب الله>> والأصوليات والمخيمات و<<الفوضى>> بعد الانسحاب السوري؟
حسين أيوب
عندما يطرح موضوع الوجود العسكري والأمني السوري في لبنان، تتجمع رزمة كبيرة من الأسئلة ويصبح الجواب عليها امتحاناً تجريبياً يختلط فيه التحليل بالمعلومة أو بالرغبة أو بالنوايا الخ...
ثمة قائل ان بعض الأسئلة والسيناريوهات تم التداول بها مع كبار المسؤولين السوريين في دمشق، ولم يكن هناك تصور واحد، بل تصورات يبدو معها من الصعب صياغة فرضية واحدة في طريقة التعامل مع موضوع الوجود العسكري السوري في لبنان، خاصة إذا تم قياس الأمور نسبة لطبيعة العقل العقائدي والسياسي والأمني للحكم السوري لا على طريقة ما يتمناه بعض السياسيين أو المحللين اللبنانيين.
يستشهد مسؤول لبناني كبير بمقالات إسرائيلية ملخصها الآتي: <<نحن نشهد مع <<حزب الله>> وللمرة الأولى في تاريخ الصراع اللبناني الإسرائيلي، حالة ضبط نوعي للحدود مع لبنان، فمن يستطيع أن يوفر هكذا معادلة؟ الجيش اللبناني؟ لقد تم تجريبه سابقاً وأعطى الرهان مفاعيل سلبية. ثم ماذا إذا انسحب السوري وبقي <<حزب الله>> ممسكاً بسلاحه؟ ألا يشكل ذلك مدعاة للخوف من عدم قدرة أحد على لجم <<جنونه>> مع أي تطور سياسي محلي أو إقليمي؟ وفي حال التوصل إلى تسوية من يضمن نزع سلاح <<حزب الله>>: الدولة اللبنانية (حتماً الجواب سلبي) أم استمرار الوجود العسكري السوري في لبنان>>؟
لعل العبرة التي قدمتها <<مرصاد 1>> تفوق ما علق في أذهان بعض اللبنانيين. فالنقاش في إسرائيل راح أبعد مما يتصور كثيرون. ماذا يعني أن يكون <<حزب الله>> قادراً على إطلاق جسم طائر محمل بالعبوات الناسفة فوق أضخم المعامل العسكرية والكيميائية الإسرائيلية في مدينة حيفا؟ في الحد الأدنى يسقط آلاف القتلى الإسرائيليين، وهناك من القادة الإسرائيليين من رسم سيناريوهات أبشع من ذلك وتعامل مع الطائرة على هذا الأساس لا على أساس مدة التحليق أو التوقيت الخ... لنفترض أن هذا هو التمرين الأول وهو متصل بإسرائيل والولايات المتحدة وبمصلحتهما في بقاء الجندي السوري في لبنان، ربطاً ب<<ربط النزاع>> القائم في الجنوب اللبناني وباحتجاجات <<الصوت الناعم>> داخل المؤسسة العسكرية في اسرائيل حول توازن الرعب الحاصل مع <<حزب الله>>.
التمرين الثاني: ثمة أصوليات حقيقية في لبنان وهي ليست فقط ذريعة للاستخدام على شاكلة بعض المجموعات الصغيرة في <<مخيم الطوارئ>> (عين الحلوة)، بل هي مجموعات تعبر عن امتدادات سلفية ترصدها الأجهزة الاستخباراتية الإقليمية والدولية وتعي خطورتها، وهي طالما عبرت عن نفسها في أكثر من مناسبة. ولو أخذنا مثال أحداث الضنية مطلع العام 2000، لأمكن استخلاص الكثير من العبر في ضوء الوقائع الميدانية، وأقلها انه لم يكن بمقدور الجيش اللبناني حسم الموقف إلا بعد أكثر من أربعة أيام وبمساندة سورية عسكرية مباشرة، فماذا لو تكرر المشهد، وهناك قابلية للتكرار، فضلا عن وقائع تقول بمناخات و<<مخيمات>> في جرود الضنية وغيرها، في هكذا حالة من يبادر إلى حماية المسيحيين؟ حتماً سيقول كثيرون إن <<حزب الله>> أعقل العقلاء ربطاً بتجربة تحرير الجنوب في العام 2000 عندما انهالت التمنيات الدولية على المقاومة لحقن الدماء ومنع الفوضى فكان التحرير بلا نقطة دماء واحدة.
وفي المناسبة، ثمة من أتى مؤخراً إلى قيادة <<حزب الله>> سائلاً عن إمكانية تسهيل عودة مجموعات من الفارين إلى فلسطين المحتلة، بينهم بعض أصحاب <<الملفات الدسمة>>، وكان جواب قيادة المقاومة: <<فليعودوا... لا مشكلة عندنا، قد توقف الدولة المتورطين وأقصى محكومية لن تتجاوز السنة، وعندما ينهون العقوبة نقول بصراحة اننا لن نكون مسرورين لرؤيتهم يصولون ويجولون في القرى. هذا موقف نفسي وسياسي لا أكثر ولا أقل لكن لا تبعات أخرى له>>. يطرح المثل للقول هل بالضرورة لهكذا سلوك تلقائي أن يكون سلوكاً معمماً لدى كل الإسلاميين، <<خاصة اننا أمام ظواهر تكفّر الآخر في الدين الواحد لا بل المذهب الواحد، فكيف مع الآخرين>>؟
التمرين الثالث: لا يجوز الاستهتار بأمر الكتلة الفلسطينية في لبنان. ثمة نجاح سوري حقيقي، قبل رحيل ياسر عرفات وبعده، في تطويع هذه الكتلة، لا سيما عصبها الفتحاوي، في الفلك السوري. الوقائع كثيرة في هذا الصدد، بعيداً عن بعض المبالغات في ضوء نتائج زيارة <<أبو مازن>> الأخيرة إلى بيروت. من يستطيع إبقاء هذه الكتلة ضمن حدود السقوف الإقليمية المتعارف عليها، إذا أخرج السوري قسراً من لبنان؟ ما هي قدرة السلطة اللبنانية على الضبط (طبعاً ليس المقصود هنا <<ابو محجن>> أو غيره من <<الامراء>>)، وفي المقابل، ما هي قدرة الآخرين على التوظيف والكسب (بالمناسبة، فإن موضوع <<التوظيف>> أخذ حيزاً أساسياً من النقاش بين <<أبو مازن>> والنائب وليد جنبلاط)؟
التمرين الرابع: إذا كان الاستقرار اللبناني النسبي منذ مدريد حتى اليوم، قد أفاد السوري في التوظيف الإقليمي ولم يخرج عن المسار الإقليمي العام، فإن السؤال المطروح: هل ثمة موجب في المعطى الاميركي يقتضي تبدلا في الاولويات، فيصبح معه الاستقرار اللبناني عبئاً على الاميركيين وبالتالي يدفع لبنان إلى الفوضى طمعاً بإفقاد سوريا كل ما تملك من أوراق فيه؟ ما هي مصلحة فرنسا والمسيحيين في ذلك؟ وإذا حصلت الفوضى، كيف ستنعكس على موازين القوى الداخلية وعلى الوضع في الجنوب وعند الحدود وعلى الكتلة الفلسطينية، وفي المحصلة من يربح ومن يخسر من هذه الفوضى؟
سؤال تمرين على الهامش: قيل للرئيس السوري، <<هل ترغب بتكرار المشهد السياسي ل<<حرب تفاهم نيسان 1996>>، عندما جاء كل وزراء خارجية العالم إلى دمشق وطلبوا من والدك الراحل حافظ الأسد أن يضبط <<حزب الله>>، إذاً إليك بورقة جيشك في لبنان>>!
قد يقال ان في الأمر تهويلاً وان اللبنانيين بلغوا سن الرشد. قد يقول آخر إن واشنطن لا تريد من سوريا أن تسحب جنودها من لبنان وحسب بل أن تكون مسؤولة عن كل الأمن فيه تفصيلياً بعد انسحابها. قد يقول ثالث إن مصلحة سوريا في إبقاء جنودها في لبنان باتت تعادل مسألة بقاء أو عدم بقاء النظام السوري نفسه. هناك رابع يقول بأن على اللبنانيين أن يقولوا لسوريا نحن معك استراتيجياً حتى استعادة الجولان كما كنت للمقاومة عوناً في تحرير الجنوب، لكن حتى ذلك الحين، هل هناك من فرصة للحوار حول عناوين الخلاف بين البلدين وأكثرها لا يمس بالخيارات الاستراتيجية، إلا إذا كان هناك من يدفع بلبنان إلى مرحلة إعادة نقاش خياراته الاستراتيجية، وحتماً لا ينطبق ذلك على دعاة <<الخيار الثالث>> وهم القلة القليلة حتى الآن.
تعليق