إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

الأسرارُ الفاطِمَيةُ

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الأسرارُ الفاطِمَيةُ

    اللهم صل و سلم على محمد و ال محمد

    اخوتي في الله

    السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته

    هنا ساضع باذن الله كم كتاب الاسرار الفاطمية لتعم الفائدة للجميع

    بارك الله فيكم



    الاسرار الفاطمية


    تأليف
    الشيخ محمد فاضل المسعودي


    تقديم آية الله
    السيد عادل العلوي


    --------------------------------------------------------------------------------

    الاهداء
    إلى مصباح الهدى وسفينة النجاة ...
    إلى الموعود بشهادته قبل ولادته...
    إلى الذي بكاه رسول الله حين ولادته...
    إلى الذي قضى ضمآن بجنب الفرات...
    إلى الذي بكت عليه ملائكة السماء...
    إلى خضيب الشيبة بالدماء...
    إلى ساكن طفوف كربلاء...
    إلى من تطلب بدمه سيدة النساء بعرصات يوم القيامة ...
    « لابدّ ان ترِدَّ القيامةَ فاطمٌ * وقميصها بدم الحسين ملطخ »
    إلى خامس اصحاب حديث الكساء...
    إليك يا سيدي يا أبا عبدالله الحسين بن علي ( عليه السلام ) ...
    أرفع لك هذا المجهود القليل راجياً من الله القبول...
    والغفران لي ولوالدي ولمن ينتفع بهذا الكتاب
    يوم لا ينفع مال ولا بنون إلاّ من أتى بقلب سليم...
    محمد فاضل المسعودي



    --------------------------------------------------------------------------------

    ( 6 )


    بسم الله الرحمن الرحيم


    --------------------------------------------------------------------------------

    ( 7 )


    تقريض
    تزيينا لكتابنا وتبيينا لعام الطبع طلبنا من الخطيب سماحة الشيخ محمد سعيد المنصوري « حفظه الله ورعاه » ان يتفضل علينا بتوشيح لكتابنا الأسرار الفاطمية وتأريخ يعرف به زمان طبعه فاستجاب لنا سماحته بهذه المقطوعة الشعرية المشتملة على معاني لطيفة وخفيفة على الطبع والذوق امد الله في عمره الشريف ووفقنا الله واياه وصالح المؤمنين لخدمة الائمة الأطهار لا سيما فاطمة الزهراء عليها السلام أنالنا الله شفاعتها يوم القيامة وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.


    ( محمدٌ ) بالاسرِارِ جاء ولم يجىء * اليـنـا بأســرارٍ سـواهُ مـؤلـفُ
    علـى أنّهـا بالفاطميـةِ عُرّفَـت * وكلُّ الذي يُعزى لفاطمــة يُعـرفُ
    وهذا كتابٌ في سليـلةِ ( احمـد ) * ومِن ذُكرُها الذكـرَ الجَميـل المُشرِّفُ
    بهِ قَد جَلى بالبحثِ عَن كلّ غامضٍ * وعرّف عمّا فيـهِ حــارَ المعُـرِّفُ
    ايانَ وفي « مُستودَع السر » ما به * تُقـرطُ اذانُ الــورى وتُـشـنَّـفُ
    فأبوابُـهُ بابـاً فبَابــاً وبحـثُـهُ * لأبيـنُ مِـن فجـرٍ ضحَوُكٍ وألطَفُ
    كتابٌ بـِهِ ما لَـيسَ يحوِيه غيرُهُ * وكلُّ علـى قـدرٍ من الـدوح يَقطفُ
    وفكرتُـهُ فيمـا نرى مـن بَيانِـه * يميــلُ اليهـا العبقـَرِي المُثقَـفُ
    وفاطمـةٌ مهمـا نقـوُل بشأنهــا * فتلكَ من الأقـوال اسمـى واشـرفُ
    فطوبـى لمن مـالا اليها بوّدِهِـم * وويلٌ لمن قالوا وفي القوَلِ اسرفُــوا
    فظـلوا طريقا كـان فيـه نجَاتهم * اظلّـم عنـهُ الهَـوى والتَـعجرفُ
    فيانِعمَ ما دبجّتَ يا نَجلَ « فاضِلٍ » * بِمَن قد اتى فِيها من « الله » مصحفُ
    غدا سوف يأتيكَ الجزاءُ مضـاعَفاً * فأرّخهُ « ان نعـم التقـُى والتعففُ »



    51+160+541+667
    = 1419 هجري


    --------------------------------------------------------------------------------

    ( 8 )


    --------------------------------------------------------------------------------

    ( 9 )


    تقديم العلاّمة آية الله
    سماحة السيّد عادل العلوي


    بسم الله الرحمن الرحيم

    الدرّة البهيّة
    في الأسرار الفاطميّة

    الحمد لله فاطر السماوات والأرضين ، خالق فاطمة الزهراء سيّدة نساء العالمين ، والصلاة والسلام على أبيها محمد الأمين ، سيد الأنبياء والمرسلين ، حبيب الله وخاتم النبيّين ، وعلى بعلها أمير المؤمنين عليّ سيّد الأوصياء وإمام المتّقين ، وعلى أولادهما الأئمة الميامين أهل البيت الطاهرين ، واللعن الدائم على أعدائهم ومنكري فضائلهم من بدء الخلق إلى قيام يوم الدين.
    قال تعالى في محكم كتابه الكريم ومبرم خطابه العظيم : ( إنَّما يُريدُ اللهُ لِيُذهِبَ عَنْكُمُ الرِّجسَ أهْلَ البَيْتِ ويُطَهّركم تَطهيراً )(1).
    وقال رسول الله صلى الله عليه وآله : « لو كان الحُسن شخصاً لكان فاطمة ، بل هي أعظم . فاطمة ابنتي خير أهل الأرض عنصراً وشرفاً وكرماً »(2).
    الحديث عن الزهراء عليها السلام إنّما هو حديث عمّا سوى الله سبحانه ، فهي الكون
    ____________
    (1) الأحزاب : 33.
    (2) فرائد السمطين 2 : 68.
    --------------------------------------------------------------------------------

    ( 10 )

    الجامع بل الحديث عنها حديث عن الله سبحانه لوحدة الرضا والغضب بينهما ، فإنّه سبحانه يرضى لرضاها ويغضب لغضبها ، والله المحسن وهو الجميل ومطلق الجمال والحسن ، وإنّه يحبّ الجمال ، ولو كان الحسن والجمال شخصاً لكان فاطمة ، بل هي أعظم ، فهي جمال الله وحسنه ، وإنّها الحوراء الإنسية ، فهي خير أهل الأرض عنصراً ، فإنّها نور الله جلّ جلاله اشتُقّت من نور أبيها وبعلها ، وفارقتهما في القوس النزولي ، فكان أبوها وبعلها في صلب آدم إلى عبد المطلب وأبي طالب ، وبقيت هي في العرش الإلهي في مشكاة تحت ساق العرش ، ثمّ انتقل إلى الجنّة ، وبقي في رياضها محبوراً ، ثمّ أودعه الله في شجرة من أشجارها وفي ثمارها وأغصانها ، حتى إذا عرج النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله إلى السماء ودخل الجنّة ، وأكل من تفّاحها ورطبها ، فتناول من ثمار الجنّة ومن شجرة فاطمة عليها السلام فتحوّلت نوراً في صلبه ، ثمّ هبط إلى الأرض ، فواقع خديجة الكبرى لتحمل منه فاطمة الحوراء الإنسيّة ، ومن ثمّ كان النبيّ يشمّ منها رائحة الجنّة.
    ففاطمة عليها السلام من صلب خاتم النّبيّين وأشرف خلق الله أجمعين محمد المصطفى صلى الله عليه وآله مباشرة ومن دون واسطة ، دون غيرها ، فكانوا من صلب آدم عليه السلام. فهي خير أهل الأرض عنصراً ، وأشرف بعد أبيها وبعلها مقاماً ، وأكرم منزلاً.
    فخلقت من نور محمّدي علويّ قبل خلق آدم بآلاف من السنين ، خلقت حوريّة في صورة إنسيّة ، ثمّ تكوّنت نطفتها في أعالي الجنّة ، ونطقت وتحدّثت في بطن أُمّها ، وقال جبرئيل عنها أنّها النسلة الطاهرة الميمونة ، وسجدت ونطقت بالشهادتين عند ولادتها ، فهي المباركة الطاهرة الصدّيقة الزكيّة الرضيّة المرضيّة المحدّثة الزهراء البتول الحرّة ، العذراء الحوراء النوريّة السماويّة الحانية ، اُمّ الحسنين ، أُمّ أبيها ، أُمّ الأئمة النجباء ، فهي الصدّيقة الكبرى ، وعلى معرفتها دارت القرون الاُولى. ومن عرفها حقيقةً فقد أدرك ليلة القدر.
    والمعرفة أساس الحياة وروحها ، فمن لا معرفة له ـ كالكافر ـ فلا حياة له ، وكان ميّتاً يمشي بين الأحياء. وبالمعرفة يتمّ الإيمان ويزداد بزيادتها ، وإنّها تأخذ حيّزاً كبيراً في الحياة الإنسانيّة بكلّ أبعادها وجوانبها ، حتّى الشريعة المقّدسة التي هي عبارة عن قوانين الحياة التشريعيّة من أجل السعادة الأبديّة ، فالمعرفة لها الحظّ الأوفر على


    --------------------------------------------------------------------------------

    ( 11 )

    مستوى الاُصول والفروع والأخلاق ، وإنّما يفضّل الناس بعضهم على البعض في المقياس الإلهي بالمعرفة ولوازمها كالإيمان والتقوى والعلم النافع والعمل الصالح ، كما جاء في الحديث الشريف : « أفضلكم إيماناً أفضلكم معرفة »(1).
    فلا يمكن من حطّ قيمة المعرفة والاستهانة بها مطلقاً ، بل جاء عن الإمام الصادق عليه السلام : « لا يقبل الله عملاً إلاّ بمعرفة ، ولا معرفة إلاّ بعمل ، فمن عرفت دلّته المعرفة على العمل ، ومن لم يعمل فلا معرفة له »(2).
    فأصل كلّ شيء وأساسه هو المعرفة ، حتّى قال أمير المؤمنين عليّ عليه السلام لكميل ابن زياد :
    « يا كميل ، ما من حركة إلاّ وأنت محتاج فيها إلى معرفة »(3).
    ولا تكون المعرفة تامّة إلاّ بإدراك القضايا وفهمها ، دركاً صحيحاً وفهماً كاملاً ، بدراسات حقّه ميدانيّة وتحقيقيّة ، والتي يبتني صرحها الشامخ على ضوء البراهين الساطعة والاستدلالات العقليّة اللامعة ، والحجج العمليّة الواضحة.
    فالمعرفة يعني الدراية الكاملة والفهم العميق والدرك الصحيح ، وقيمة الإنسان بمعرفته.
    يقول الإمام الباقر لولده الصادق عليه السلام « يا بني ، إعرف منازل الشيعة على قدر روايتهم ومعرفتهم ، فإنّ المعرفة هي الدراية للرواية ».
    فالرواية نقل الحديث الشريف عن المعصومين عليهم السلام ، والدراية تفقّه الحديث وفهمه :
    « وبالدرايات للروايات يعلو المؤمن إلى أقصى درجات الإيمان ». و « حديث تدريه خيرٌ من ألف حديث ترويه ». و« قيمة كلّ امرىء وقدره معرفته ».
    فالواحب علينا أن نفهم القرآن والروايات بتفهّم وعمق ، وتدبّر وتفكّر ، وإلاّ فهمّة السفهاء الرواية ، وهمّة العلماء الدراية.
    فلا بدّ لكلّ ذي لبّ أن يعرف الأشياء على ما هي عليها بحسب الطاقة البشريّة ،
    ____________
    (1) البحار 3 : 14.
    (2) الكافي 1 : 44.
    (3) ميزان الحكمة : الحديث رقم 7421.
    --------------------------------------------------------------------------------

    ( 12 )

    وأولى شيء بالمعرفة ، وإنّه مقدّم على كلّ المعراف والعلوم هو معرفة اُصول الدين بالبرهان واليقين ، وبدءاً بالمعرفة الجلاليّة ثمّ الجماليّة ثمّ الكماليّة.
    ومن الاُصول معرفة الصدّيقة الكبرى فاطمة الزهراء عليها السلام ، فمن عرفها حقّ معرفتها فقد أدرك ليلة القدر التي هي خيرٌ من ألف شهر. ألا إنّها سمّيت فاطمة لأنّ الخلق فطموا عن معرفتها.
    فمن يعرفها ؟! وعلى معرفتها دارت القرون الاُولى ، وما تكاملت النبوّة لنبيّ حتى اُمر بفضلها ومحبّتها(1).
    ومن الواضح أنّ المعرفة الكاملة والتامّة لا تكون إلاّ بعد الإحاطة بالشيء ، ومن يقدر على أن يحيط بفاطمة الزهراء عليها السلام إلاّ من كان خالقها ومن كان كفواً لها ، فلا يعرفها ويعرف أسرارها إلاّ أمير المؤمنين عليّ عليه السلام ورسول الله محمد صلى الله عليه وآله ، فإنّ الخلق كلّهم حتّى الأنبياء والملائكة والحنّ والإنس فطموا وقطعوا عن كنه معرفتها والإحاطة بها ، فلا يعرفها حقّاً إلاّ الله ورسوله ووصيّه عليهما السلام .
    ففاطمة الزهراء وديعة المصطفى وحليلة المرتضى مظهر النفس الكلّية على أتمّ الوجوه الممكنة فهي الحوراء بتعيّن إنسي ، مطلع الأنوار البهيّة ، وضياء المشكاة النبويّة ، صندوق الأسرار الإلهيّة ، ورعاء المعارف الربّانيّة ، عصمة الله الكبرى ، وآية الله العظمى.
    لا ريب ولا شكّ أنّ فاطمة أحرزت مقام العصمة الإلهيّة الكبرى ، كما عليه الإجماع القطعي وذهب إليه الأعاظم من عباقرة العلم والمعرفة ، كالشيخ المفيد والسيّد المرتضى.
    كما تدلّ الآيات الكريمة والروايات الشريفة على ذلك ، يكفيك شاهداً آية التطهير ، وما أدراك ما آية التطهير ، فمن أنكر ذلك فهو كالأعمى الذي ينكر نور الشمس.
    والعصمة من اللطف الإلهي الخاصّ ويعني القوّة النوريّة الملكوتيّة الراسخة في نفس المعصوم عليه السلام ، تعصمه وتحفظه من كلّ شين ، كما تزيّنه بكلّ زين ، فيعصم من
    ____________
    (1) البحار 42 : 105 ، عن تفسير الفرات.
    --------------------------------------------------------------------------------

    ( 13 )

    الذنوب والمعاصي والآثام والسهو والنسيان والغفلة ، وما شابه ذلك ، ومن كان معصوماً في دهره لا يصدر منه الشين مطلقاً.
    وفاطمة الزهراء عليها السلام إنّها المعصومة بعصمة الله سبحانه ، كما عصم اولادها الأئمة الأطهار ، فإنّ عصمتهم كعصمة القرآن ، فهما الثقلان بعد رسول الله لنت يفترقا في كلّ شيء من البداية وحتّى النهاية ، ومنها العصمة.


    مفطومة من زلل الأهواءِ * معصومةٌ من وصمة الخطاءِ


    فهذا من عقيدتنا الحقّة في الزهراء عليها السلام ، ولمّا كان الأذان والأقامة للصلوات اليوم إعلان وإعلام في بيان العقيدة ، ولمّا كانت الحياة عقيدة وجهاد ، فلا مانع ، بل من الراجح أن يعلن الشيعي المخلص عن عقائده الصحيحة في أذانه وإقامته للصلاة ، فيعلن للعالم في كلّ يوم إنّه يؤمن بتوحيد الله ، كما يؤمن برسول الله ونبوّته ، ويؤمن بولاية عليّ أمير المؤمنين حجّة الله ويؤمن بإمامته وإمامة أولاده الطاهرين ، كما يشهد بعصمة الزهراء وطهارتها ، أي في أذانه وإقامته ، يخبر عن معتقده في المعصومين الأربعة عشر عليهم السلام . فيقول في أذانه وإقامته بعد الشهادة الثالثة ، الشهادة الرابعة لا بقصد الجزئيّة ، فتقول فيها ما تقول في الشهادة الثالثة ، ولا أظنّ أن يخالفني في ذلك واحد من الفقهاء والعلماء إلاّ من يجهل المباني الفقهيّة ، وما جاء وراء الفقه من المعاني الدقيقة.
    فيجوز أن يقول المؤذّن والمقيم بعد الشهادة الثالثة : ( أشهد أنّ فاطمة الزهراء عصمة الله )(1) مرّتان أو مرة واحدة أو يلحق ذلك بالشهادة الثالثة بعد قوله : ( أشهد أنّ عليّاً وليّ الله وأنّ فاطمة الزهراء عصمة الله ) ، فتدبّر.
    وممّا يدلّ على مقامها الشامخ وعصمتها الذاتيّة الكلّية كما في الأنبياء
    ____________
    (1) لقد سبقني في هذا المعنى والفتوى شيخنا الاُستاذ آية الله الشيخ حسن زاده الآملي دام ظلّه في ( حكمة عصمتيّة في كلمة فاطميّة : 14 ) قائلاً : كانت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله ذات عصمة بلا دغدغة ووسوسة ، وقد نص ّ كبار العلماء كالمفيد والمرتضى وغيرهما بعصمتها عليها السلام بالآيات والروايات ، والحقّ معهم ، والمكابر محجوج ومفلوج ، وكانت عليها السلام جوهرة قدسيّة في تعيّن إنسيّ ، فهي إنسيّة حوراء ، وعصمة الله الكبرى ، وحقيقة العصمة ، إنّها قوّة نوريّة ملكوتيّة تعصم صاحبها عن كل ما يشينه من رجس الذنوب والادناس والسهو النسيان ونحوها من الرذائل النفسانيّة ... وإذا دريت أنّ بقيّة النبوّة وعقيلة الرسالة ووديعة المصطفى وزوجة وليّ الله وكلمة الله التامّة فاطمة عليها السلام ذات عصمة ، فلا بأس بأن تشهد في فصول الأذان والإقامة بعصمتها وتقول مثلا أشهد أنّ فاطمة بنت رسول الله عصمة الله الكبرى ) ، ونحوها.
    --------------------------------------------------------------------------------

    ( 14 )

    والأوصياء عليهم السلام أنّ الله يغضب لغضبها ويرضى لرضاها ـ كما ورد مستفيضاً عند الفريقين السنّة والشيعة ـ فإنّ الله سبحانه لم يغضب لنبيّ من أنبيائه : ( وذا النون اذ ذهبا مُغاضِباً فَظَنَّ أنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ ).
    ولكن يغضب لغضب فاطمة عليها السلام.
    ثمّ لا تجد معصوماً تروّج بمعصومة إلاّ أمير المؤمنين عليّ عليه السلام ، ولولا عليّ لما كان لفاطمة كفوّ آدم ومن دونه ، فإنّ المعصومة لا يتزوّجها إلاّ المعصوم ، فإنّ الرجال قوّامون على النساء ، فلا يكون غير معصوم قوّاماً على المعصومة ، ومن خصائص أمير المؤمنين التي لا يشاركه فيها أحد حتّى رسول الله محمّد صلى الله عليه وآله هو زواجه من المعصومة فاطمة الزهراء عليها السلام ، وهو الزواج المبارك في عالمي التكوين والتشريع ، وإنّه من زواج النور من النور ، كما ورد في الأخبار ، فالمعصومة لا يتزوّجها إلاّ المعصوم عليها السلام.
    وفاطمة الزهراء سيّدة نساء العالمين من الأوّلين والآخرين في الدنيا والآخرة ، كما تشهد بذلك آية التطهير والمباهلة وحديث الكساء وأصحابه الخمسة المصطفى والمرتضى وابناهما وفاطمة عليهم السلام.
    وربّما قدّم المباهلة النساء والأبناء على الأنفس للإشارة إلى أنّ الأنفس فداها.
    « فداها أبوها ».
    وإنّما يعرف هذا وأمثاله بالمعرفة المعنويّة الذوقيّة التي يحصل عليها العارف بالشهود والكشف بعد صيقلة الروح والقلب ، لا بالمعرفة المفهوميّة الاستدلاليّة من البرهان والكسب وحسب ، وليس العيان كالبيان.
    وما يسطّر القلم في معرفة فاطمة إلاّ وشحات من بحر معرفتها ، وإنّما عرفناها وعرفنا الأئمة الأطهار بما نطق به الثقلان القرآن وأهله ، وإلاّ فقد فطم الخلق عن كنه معرفتها ، فمن يعرفها ويعرف اسرارها ؟ وما يقال في هذا المضمار ليس إلاّ ما عند الكاتب ، لا ما عند المكتوب عنه ، فالاسرار الفاطميّة ليس إلاّ من سرّ الكاتب وسريرته لا من أسرارها وحقيقتها ، فإنّ حقيقة فاطمة عليها السلام حقيقة ليلة القدر ، حقيقة


    --------------------------------------------------------------------------------

  • #2
    ( 15 )

    الكون وما فيه.
    والله سبحانه خلق عالم الملك ـ وهو عالم الناسوت ـ على وزان عالم الملكوت ـ وهو عالم الأرواح ـ ، والملكوت على وزان الجبروت ـ وهو عالم العقول ـ ، حتّى يستدلّ بالملك على الملكوت ، وبالملكوت على الجبروت.
    ثمّ بين العالم العلوي والعالم السفلي قوساً نزوليّاً وصعوديّاً ، وقد عبّر عن القوس النزولي في نزول فيض الله ورحمته على الكون بالليل والليالي ، كما عُبّر عن القوس الصعودي باليوم والايام.
    وعصمة الله فاطمة الزهراء عليها السلام كما عبّر عنها بليلة القدر ، كذلك هي يوم الله. والإنسان الكامل هو القرآن الناطق ، ففي ليلة القدر نزل القرآن ، ونزل أحد عشر قرآناً ناطقاً في فاطمة الزهراء فهي الكوثر ، وهي الليلة المباركة ، وليلة القدر خيرٌ من ألف شهر ، أي ألف مؤمن ، فإنّها أُم الأئمة الأبرار واُمّ المؤمنين الأخيار ، والملائكة من المؤمنين الذين حملوا علوم آل محمد عليهم السلام وأسرارهم ، وروح القدس فاطمة يتنزّلون في ليلة القدر بإذن ربّهم من كلّ أمرٍ سلامٌ هي حتى مطلع الفجر قائم آل محمد عليه السلام(1).
    وليلة القدر قلب الإنسان الكامل الذي هو عرش الرحمان ، وإنّه أوسع القلوب ، فروح الأمين في ليلة مباركة يتنزّل بالقرآن فينشرح صدره ، فليلة القدر الصدر النبويّ الوسيع ، ومثله يحمل القرآن العظيم دفعةً واحدةً في ليلةٍ واحدة ، ثمّ طيلة ثلاث وعشرين عاماً ينزل تدريجاً.
    فليلة القدر الذي حمل القرآن دفعة واحدة في معارفه وحقائقه ولطائفه هي فاطمة الزهراء عليها السلام ، وما من حرف في القرآن إلاّ وله سبعون ألف معنى ، وإنّ فاطمة عليها السلام لتعرف كلّ هذه المعاني فمن عرفها حقّ معرفتها فقد أدرك ليلة القدر ، فهي القلب اللامع الذي يتجلّى فيه الغيب الجامع.
    فهي درّة التوحيد وحقيقة القرآن المجيد ، بل وحقيقة النبوّة والإمامة ، وما يجمع بينهما وبين التوحيد ، أي حقيقة الولاية.
    ____________
    (1) إذا أردت تفصيل ذلك فراجع ( حكمة عصمتية في كلمة فاطميّة ).
    --------------------------------------------------------------------------------

    ( 16 )

    فمن يقدر على الإحاطة بمعرفة فاطمة الزهراء عليها السلام بما هي هي ، وبما تحمل في ذاتها وصفاتها من الأسرار وسرّ السرّ ، هيهات هيهات ، لا يعرفها حقيقة إلاّ مصوّرها وبارؤها وابوها وبعلها عليهما السلام ، ولمثلها يقوم خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله إجلالاً ويقبّل صدرها ويدها ، ويشمّ منها رائحة الجنّة ، ولا يخرج من المدينة حتّى يودّعها ولا يدخل حتّى يسلّم عليها أوّلاً.
    وليس كلّ هذا باعتبار العاطفة الأبويّة ، بل لما تحمل من الفضائل النبويّة والأسرار العلويّة.
    فمن هي؟
    هي التي كانت مفروضة الطاعة على جميع الخلق من الجنّ والإنس والطير والوحوش.
    هي التي لا يذكر الله الحور العين في كتابه وفي سورة الدهر عندما يذكر منقبة من مناقبها إجلالاً وتكريماً وتعظيماً لها.
    هي الكوثر التي خصّها الله بالخلق النوري من بين النساء ، وبالمهدي من آل محمد صلى عليهم السلام ، وبالذرّية المباركة الطاهرة ، بالحسن والحسين و الأئمة المعصومين عليهم السلام.
    هي التي اشتقّ اسمها من اسم الله فكان فاطراً وكانت فاطمة ، وإنّها صاحبة السرّ المستودع ، ولها من المناقب والفضائل ما لايمكن للبشر أن يحصيها ، وإذا كانت ضربة عليّ عليه السلام يوم الخندق تعدل عبادة الثقلين أو افضل ، فمن يقدر أن يعدّ عبادتهم ؟ وفاطمة كفو لعليّ عليهما السلام ، فلها ما لعليّ في كلّ شيء إلاّ الإمامة ، كما كان لعليّ ما لرسول الله إلاّ النبوّة.
    والمرأة إذا لم تكن نبيذة ، فإنّ لها أن تصل إلى مقام الولاية العظمى ، فتكون أفضل من الأنبياء كفاطمة الزهراء عليها السلام ، فهي حلقة وصل بين النبوّة والإمامة ، فهي نور المُهج وحجّة الحجج...
    وهي بضعة المصطفى وبهجة قلبه ، من سرّها فقد سرّ رسول الله ، ومن آذاها فقد آذى رسول الله ، ومن آذى رسول الله فقد آذى الله ، ومن آذى الله ورسوله ، فعليه لعنة الله أبد الآبدين ، وكذلك لمن أغضبها وغضبت عليه ، فارجع إلى التأريخ لتعرف على

    --------------------------------------------------------------------------------

    ( 17 )

    من غضبت فاطمة ؟ وماتت وكانت واجدة عليهم ؟
    أصفاها الله وطهّرها تطهيراً ، فهي سيّدة نساء العالمين من الأوّلين والآخرين ، وإنّها أوّل من تدخل الجنّة ، وتمرّ على الصراط ، ومعها سبعون ألف جارية من الحور العين.
    هي زينة العرش الإلهي كزوجها الوليّ والوصيّ ، وهي أعبد الناس ، حبّها ينفع في مئة موطن من المواطن ، أيسرها الموت والقبر والميزان والمحشر والصراط والمحاسبة ، ومن أحبّها فهو في الجنّة ، ومن أبغضها وآذاها فهو في النار.
    فالويل كلّ الويل لمن ظلمها وظلم بعلها وذرّيتها وشيعتها ، الويل كلّ الويل لمن غصب حقّها وكسر ضلعها وأسقط جنينها ولطم خدّها وأنكر فضلها ومناقبها ومثالب أعدائها.
    ثم لو تلونا وقرأنا زيارة الجامعة الكبيرة(1) الواردة بسند صحيح عن الإمام الهادي عليه السلام ، والتي تعدّ في مضامينها من أفضل وأعظم الزيارات ، لوجدنا أنّها تذكر وتبيّن شؤون الإمامة بصورة عامّة ، لنعرف الإمام المعصوم عليه السلام بمعرفة مشتركة لكلّ الأئمة الأطهار عليهم السلام ، فكلّ واحد منهم ينطبق عليه ما جاء في فقرات الزيارة ومفرداتها.
    إلاّ أنّ فاطمة الزهراء عليها السلام لا تزار بهذه الزيارة ، فلا يقال في شأنها أنّها موضع سرّ الله وخزانة علمه وعيبته ، فهذا كلّه من شؤون حجّة الله على الخلق ، وفاطمة الزهراء عليها السلام هي حجّة الله على حجج الله ، كما ورد عن الإمام العسكري عليه السلام :
    « نحن حجج الله على الخلائق ، واُمّنا فاطمة حجّة الله علينا ».
    ولهذا يقول صاحب الزمان عجّل الله فرجه الشريف :
    « ولي اُسوةٌ باُمّي فاطمة ».
    فالأئمة اُسوة الخلق وقادتهم ، وفاطمة اُسوة الأئمة عليهم السلام .
    إنّها عليها السلام تساوي أبيها في خلقه النوري ، وقال في حقّها : « فاطمة روحي التي بين جنبيّ ».
    وربما الجنبان إشارة إلى جنب العلم وجنب العمل ، فهي تحمل روح النبيّ بعلمه
    ____________
    (1) وردت في مفاتيح الجنان ، في قسم الزيارات ، فراجع.
    --------------------------------------------------------------------------------

    ( 18 )

    وعمله ، وكلّ كمالاته العلميّة والعمليّة إلاّ النبوّة ، فهي الأحمد الثاني ، وهي روحه التي بين جنبيه.
    ويحتمل أن يكون إشارة الجنبين إلى النبوّة المطلقة والولاية العامّة ، فقد ورد في الخبر النبويّ الشريف :
    « ظاهري النبوّة ، وباطني الولاية ».
    مطلقاً التكوينية والتشريعية على كلّ العوالم العلوية والسفلية ، السماوية والأرضية ، كما ورد :
    « ظاهري النبوذة ، وباطني غيبٌ لا يدرك ».
    وأنفسنا في آية المباهلة تجلّت وظهرت وكان مصداقها الخارجي أمير المؤمنين عليّ عليه السلام فالزهراء عليها السلام يعني رسول الله وأمير المؤمنين ، فهي مظهر النبوّة والولاية ، وهي مجمع النورين : النور المحمّدي والنور العلويّ ، وكما ورد في تمثيل نور الله في سورة النور وآيته : ( اللهُ نورُ السَّماوات وَالأرضِ مَثَلُ نورِهِ كَمِشْكاةٍ ).
    بأنّه كالمشكاة ، وورد في تفسيرها وتأويلها أنّ المشكاة فاطمة ، وفي هذا المشكاة نور رسول الله وأمير المؤمنين عليهما السلام ، ثمّ نور على نور وإمام بعد إمام ، يهدي الله لنوره من يشاء.
    فالنبوّة والإمامة في وجودها النوري ، وهذا من معاني ( السرّ المستودع فيها )(1) ، فهي تحمل أسرار النبوّة والإمامة ، كما تحمل أسرار الكون وما فيه ، تحمل أسرار الأئمة الأطهار وعلومهم ، تحمل أسرار الخلقة وفلسفة الحياة ، ولولا مثل هذا المعلول المقدّس لما خلق الله النبيّ والوصيّ كما ورد في الحديث الشريف المعراجي :
    « يا أحمد ، لولاك لما خلقت الأفلاك ، ولولا عليّ لما خلقتك ، ولو لا فاطمة لما خلقتكما ».
    ____________
    (1) كما من معانيه سيّدنا محسن الشهيد بقرينة ( وبنيها ) ، كما جاء في الدعاء : ( اللهمّ إنّي أسألك بفاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسرّ المستودع فيها ) ، فكان المراد من البنين الحسن والحسين لولادتهما وظهورهما في الدعاء ، والسرّ المستودع سيّدنا المحسن الشهيد عليه السلام الذي سقط بين الباب والجدار. وليت الكاتب الجليل أشاره إلى هذا المعنى في فصل بيان أسرار الدعاء.
    --------------------------------------------------------------------------------

    ( 19 )

    ولا فرق بين الأحد والأحمد إلاّ ميم الممكنات التي غرق فيها كلّ شيء... والاُمّ تحمل جنينها وولدها ، وفاطمة اُمّ أبيها ، فهي تحمل النبيّ في أسرار نبوّته وودائعها ، كما تحمل أسرار الممكنات في جواهرها وأعراضها ، وبنورها الزاهر ازدهرت السماوات والأرض ، فالله الفاطر فطر الخلائق بفاطمة الزهراء وبنورها الأزهر...
    ولمثل هذه الخصائق القدسيّة كان النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله يقول : فداها أبوها.
    مشكاة نــور الله جـلّ جلالــه * زيتونة عـمّ الورى بـركـاتهـا
    هي قطب دائــرة الوجود ونقطة * لمّــا تنزّلت أكثـر كثراتــها
    هي أحمد الثانـي وأحمد عصرها * هي عنصر التوحيد في عرصاتها
    ________ فاطمـةً خيــرَ نســاء البشـر * ومن لها وجـــه كوجـه القمـرِ
    فضـّلك الله علــى كـلّ الورى * بفضل من خــصّ بـآيّ الزمـرِ
    زوّجــك الله فــتىً فاضــلاً * أعني عليّــاً خير من في الحضرِ
    _________
    وأخيراً عن رسول الله صلى الله عليه وآله ، قال « فاطمة بهجة قلبي ، وابناها ثمرة فؤادي ، وبعلها نور بصري ، والأئمة من ولدها اُمناء ربّي ، وحبله الممدود بينه وبين خلقه ، من اعتصم به نجا ، ومن تخلّف عنه هوى »(1).
    هذا وقد غمرتني الفرحة والبهجة عندما لمست أناملي الداثرة ما خطّه يراع فضيلة مروّج الأحكام حجّة الأسلام الكاتب المعتمد المؤلف السند الخطيب الكامل الشيخ محمد فاضل المسعودي دام وفّقاً.
    وقد أبدع سماحته في سفره هذا القيّم ( الأسرار الفاطميّة ) ، وملأ فراغاً في المكتبة الإسلامية العربية ، من معرفة نورانية حول السيّدة فاطمة الزهراء عليها السلام ، بقلم سلس وبيان جميل ، وتصوير رائع ، وقد حاول أن يؤدّي ما هو الحقّ في كلّ فصل من فصوله ، فللّه درّه وعليه أجره وكثّر الله من أمثاله.
    ____________
    (1) فرائد السمطين 2: 66.
    --------------------------------------------------------------------------------

    ( 20 )

    كان سماحته يحضر عندي كفاية الاُصول وأبحاثنا الفقهيّة ـ خارج الفقه ( الاجتهاد والتقليد ) ـ ولا يزال بحمد الله يحضر حضور تفهّم واستيعاب في جمع من طلبة العلوم الإسلامية في حوزة قم العلمية من جاليات مختلفة.
    وقد سألت الله في سنين من حياتي في ليالي القدر أن يوفّق جميع أهل العلم ، لا سيّما أولئك الذي حضروا عندي دروسهم الحوزوية ، أن يوفّقهم لخدمة الدين والمذهب في كلّ المجالات العلمية والعملية ، بأقلامهم وألسنتهم ، بالتأليف والتصنيف والتدريس والتبليغ والخطابة والإمامة في المحاريب ، وغير ذلك من المسؤوليات الدينية والاجتماعية الملقاة على عاتق علماء الدين ورجال العلم ، أعزّهم الله في الدارين.
    وأرى اليوم مرّةً اُخرى قد أثمرت الجهود ، ولم تذهب الأنعاب ضياعاً ، بل بين حين وحين تؤتي الشجرة الطيّبة اُكلُها ، بل الحوزة المباركة هي البركة والخير المستمرّ والمستقرّ ، وإنّها الكوثر العذب والمنهل الصافي والينبوع المتدفّق...
    والشيخ الكاتب قد أجاد في هذا الكتاب الرائع بتعريف جملة من أسرار سيّدة النساء فاطمة الزهراء علهيا السلام ، وما أروع ما كتب وما أجمل ما اختار ، لاسيّما وهذه الهجمات المدسوسة بين حين وحين تتغلغل في صفوفنا ، من قبل الاستعمار والاستكبار العالمي ، ضدّ مقامات أهل البيت عليهم السلام ، وفاطمة الزهراء عليها السلام ، والعجب أنّها تصدر تارةً من أبناء المذهب ، وممّن ينتسب إلى الذرّية الطاهرة !! ليفرّق بيننا ويمزّقنا كي يسود علنيا وينهب خيرات بلادنا ومآرب اُخرى.
    ألا أنّهم أرادوا أن يطفئوا نور الله ، والله متمّ نوره ولو كره المشركون والكافرون ، وإنّه يؤيّد دينه برجال تطفح من أقلامهم الإسلامية عبقات الولاء والإخلاص ، ويتدفّق منها المودّة الخالصّة في قربى الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله.
    أسأل الله سبحانه أن يسدّد خطاهم ، ويبارك لهم في حياتهم العلمية والعملية ، ويوفّقهم لما فيه من الخير من طلب العلم النافع والعمل الصالح وخدمة الدين ونشر معارف الإسلام وحقائق المذهب الناصعة.
    عهدي إليهم أن لا أنساهم من الدعاء وأملي بهم أن لا ينسوني من صالح دعواتهم الطيبة.

    --------------------------------------------------------------------------------

    ( 21 )

    بطوبى لك يا قرّة العين بما كتبت يراعك المباركة ، وستلقى الأجر من اُمّنا فاطمة الزهراء عليها السلام ، يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون ، إلاّ من أتى الله بقلبٍ سليم ، والسلام عليك وعلى أعزّائي طلاّب العلوم الدينية ورجال العلم والفضيلة ، وعلى كلّ مؤمن ومؤمنة ، ودمتم بخير وسعادة ، وتقبّلوا تحيّات(1).


    العبد
    عادل العلوي
    قم المقدّسة ـ الحوزة العلميّة




    ____________
    (1) سماحة آية الله العلاّمة الأستاذ السيّد عاجل العلوي.
    ولد في مدينة الكاظميّة المقدّسة بين الطلوعين في السادس من شهر رمضان المبارك عام 1955 م ـ 1375هـ ويتصل نسبه بـ ( 38 ) واسطة إلى مولانا الإمام علي بن الحسين ( زين العابدين عليه السلام ).
    والده العلاّمة آية الله السيد علي بن الحسين العلوي ، من علماء الكاظميّة والنجف وبغداد ، تلقّى دروسه في العراق على يد والده المرحوم وعلى غيره ، وفي قم المقدّسة على يد كبار المراجع العظام والعلماء الأجلاء أمثال السيّد المرعشي النجفي قدس سره والسيّد محمد رضا الكلبايكاني قد سره والشيخ محمد فاضل اللنكراني ( دام ظله ) والشيخ جواد التبريزي ( دام ظله ) وغيرهم.
    يُعد اليوم من المدرسين الكبار في حوزة قم المقدّسة ، يقوم بتدريس الكفاية إضافة إلى دروسه في خارج الفقه وكذلك المكاسب والفلسفة والكلام ، مضافاً إلى محاضرات في التفسير والأخلاق ، وكتب رسالته ( زبدة الأفكار في نجاسة أو طهارة أهل الكتاب ) التي نال عليها درجة الدكتوراه في الشريعة الإسلامية ، مضافاً إلى شهادات الاعلام باجتهاده في الفقه والأصول ، وقد اشتهر بكثرة تأليفاته المتنوعة ، فهو يسعى إلى تأسيس موسوعة إسلاميّة بقلمه الشريف في شتّى العلوم والفنون تقع في ( 120 ) كتاب ورسالة ، وقد طبع منها ( 64 ) كتاب ورسالة ، فضلاً عن المقالات ، هذا وقد عُرف بخدماته الثقافية والإجتماعيّة ، مثل تأسيس مستوصف الإمام السجاد الخيري والمؤسسة الإسلاميّة العامّة للتبليغ والإرشاد ، وجماعه العلماء والخطباء في الكاظمية وبغداد ، ومكتبات عامّة ، وحسينيّات كحسينيّة الإمامين الجوادين عليها السلام في مشهد الإمام الرضا عليه السلام ، ولقد أجازه في الرواية ما يقرب عن عشرين من مشايخ الرواية كالآيات العظام : السيد المرعشي النجفي قدس سره والسيد الكلبايكاني قدس سره والشيخ الاراكي قدس سره والشيخ اللنكراني ( حفظه الله ) والسيد عبدالله الشيرازي ( حفظه الله ) والسيد محمد الشاهرودي ( حفظه الله ) وغيرهم.

    تعليق


    • #3
      ( 27 )


      البحث الأول

      حقيقة التوسل والإستغاثة

      بالزهراء عليها السلام
      -------------------------------------



      (28)
      --------------------------------------------------------------------------------

      ( 29 )


      التوسل بفاطمة عليها السلام


      للخطيب الشيخ محسن الفاضلي
      [poem font="Simplified Arabic,4,black,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]


      توسَّلـت بالحـوراء فاطمةَ الزّهــرا * لتلهمني حتـى أقــولَ بهـا شِعــرا
      فجاء بحمــدِ الله ما كنـت أبتـغـي * فأبديـتُ للمعبـودِ خالقـي الشّـكــرا
      أجل هي روح المصطفى كُـفءُ حيدرٍ * وأمُّ أبيهـا هـل تـرى مثلَــه فـخرا
      أول المثلِ الأعلـى بكــلَّ خصالهـا * جـلالاً كمـالاً عفّــةً شرفـاً قــدرا
      حوت مَكوُماتٍ قطُّ لم يحـو غيـرُهـا * فمن بالثّنا منهـا ألا قُـلْ لَنـا أحـرى
      وسيلـتُــنا والله خيــرُ وسيـلــةٍ * بحقًّ كما وهـي الشفيعـةُ فـي الأخرى
      أيــا قاتـَلَ اللهُ الـذي راعهـا وقـد * عليها قسـى ظلمـاً وروّعها عصْــرا
      وســوّد متـنيهـا وأحـرقَ بابَهــا * وأسقطهـا ذاكَ الجنيـنَ على الغبــرا
      أيــا مَن تواليهـا أتنسـى مُصـابَها * وتَسلو وقـد أمسـت ومقلتُهــا حمـرا
      من الضّربِ ضرِب الرّجس يومِ تمانعت * بأن يذهبوا بالمرتـضـى بعلِهـا قَسـرا
      وعـادت تعانـي هظمَهـا ومصابَهـا * بفقـدِ أبيـهـا وهي والهفـتـا عَبـرى
      الى أن قضت روحي فداهـا ولا تَسـل * عن أحوالهــا واللهُ مـن كلّنــا أدرى [/poem]--------------------------------------------------------------------------------

      ( 30 )


      --------------------------------------------------------------------------------

      ( 31 )


      البحث الأوّل
      حقيقة التوسل والاستغاثة بالزهراءعليها السلام

      منذ أن خلق الله البشرية وبالتحديد منذ أن خلق أدم وحواء جعل لهم وسيلة يتوسلون بها إليه لقضاء حوائجهم خصوصا أن ابينا آدم عليه السلام عندما أذنب بترك الأولى قد توسّل إلى الله تعالى بغفران ذنبه « تركه الاولى » وكان من جملة ما توسل به الكلمات التي تلقاها من الله تعالى وتاب بها عليه تبارك وتعالى ولقد فسرت هذه الكلمات بأصحاب الكساء الخمسة محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين كما جاء ذلك في تفسير قوله تعالى ( فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنّهُ هو التواب الرحيم )(1) ، إن آدم رأى مكتوباً على العرش أسماء معظمة مكرمة ، فسأل عنها فقيل له : هذه أسماء أجل الخلق منزلة عند الله تعالى والأسماء هي : محمد وعلي وفاطمة والحسين عليهم السلام فتوسل آدم عليه السلام إلى ربه بهم في قبول توبته ورفع منزلته.
      به قد أجاب الله آدم إذ دعا * ونثجي في بطن سفينة نُوحُ
      قومُ بهم غفرت خطيئة آدم * وهُمُ الوسيلة والنجوم الطُلّع(2)

      وعلى هذا الأساس كان التوسل بأولياء الله وأحبائه من الأمور المتعارفة والمتسالمة عليها عند المسلمين بل يتعدى ذلك إلى غير المسلمين فنحن نجد ان الكثير من الديانات الأخرى غير الأسلامية تتوسل بشيء ما للتقرب إلى الله تعالى أو إلى الآلهة التي يعتقدون بها وهذا ما وجدنا في مشركي قريش حيث كانوا يعبدون اللات والعزى ليقربونهم إلى الله زلفى وكما صرح بذلك القرآن الكريم في بعض آياته ، وعلى كل حال فقد وردت عدة آيات قرآنية تؤكد هذه المسألة في القرآن الكريم منها قوله تعالى :
      ____________
      (1) البقرة : 37.
      (2) البرهان : 1 | 86 ، مجمع البيان 1 | 89.
      --------------------------------------------------------------------------------

      ( 32 )

      ( وابتغوا إليه الوسيلة )(1) ، حيث كان القرآن موافقاً في هذه المسألة لعقلاء أنفسهم وهذا ما نجده في طلب حوائجهم من الذين هم في موضع القيادة أو المسؤولية فيسألونهم قضاء حوائجهم وهم أما زعيم أو رئيس أو حتى رجل كريم ... وهذا ليس من الشرك في شيء ، فهذا مما يساعد عليه العرف العقلائي فنحن عندما نذهب إلى الطبيب نلتمس لديه الشفاء والعلاج وصولاً إلى الصحة والسلامة ، وما الطبيب الحقيقي إلاّ الله تعالى فهل هذا يعتبر شركاً بالله عز وجل ؟ ويدل على هذا الأمر ماروي في قصة أبناء يعقوب على لسان القرآن الكريم عندما أدركوا انهم قد ارتكبوا ذنوباً كثيرة بحق أخيهم يوسف حيث جاءوا أباهم يعقوب قائلين : ( يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنِّا كنِّا خاطئين )(2) على أساس أن أباهم هو وسيلة الغفران لهم من قبل رب العالمين ( وابتغوا إليه الوسيلة ).
      وعلى هذا الأساس كان التوسل أمراً دينياً قد تعارف عليه الناس منذ أن خلق الله البشرية وقد جاء الأسلام ليؤكد على ضرورة هذا الأمر وذلك من خلال إتخاذ الوسيلة التي نتوسل بها إلى الله تعالى ، ولم نجد من وقف ضد هذا الأمر ـ أي التوسل ـ إلاّ ما أسسه ابن تيمية وتلاميذه في القرن الثامن الهجري ، وتلاه في عقائده الباطلة والتي لا تتملك دليل منطقي برهاني محمد بن عبد الوهاب الذي أسس أضل واطغى جماعة على الدين الأسلامي ألا وهي الوهابية العمياء فأعتبر التوسل بأولياء الله تعالى من الأنبياء والأوصياء وعباد الله الصالحين بدعة ـ تارة ـ وعبادة للأولياء أنفسهم تارة أخرى.
      وقد خالفت الوهابية كل المرتكزات العقلائية في هذا المضمار وخصوصاً نحن نؤمن بأن القرآن الكريم قد أكد على حقيقة اتخاذ الوسيلة وبأشكال متعددة ، وليس هذا على ما يدعيه محمد بن عبد الوهاب نوعاً من أنواع الشرك بالله تعالى ، والقرآن الكريم نفسه أكد على ضرورة اتخاذ الوسيلة إلى الله تعالى.
      والتوسل يكون على قسمين أو صورتين :
      ____________
      (1) المائدة : 25.
      (2) يوسف : 97.
      --------------------------------------------------------------------------------

      ( 33 )

      1ـ التوسل بالأولياء أنفسهم ، كأن نقول : ( اللهم أني أتوسل إليك بنبيك محمد صلى الله عليه وآله وسلم أن تقضي حاجتي ).
      2ـ التوسل بمنزلة الأولياء وجاههم عند الله تعالى كأن نقول ( اللهم أني أتوسل إليك بجاه محمد وحرمته وحقه أن تقضي حاجتي ).
      أما الوهابية فإنهم يُحرمون الصورتين معاً ، في حين أن الأحاديث الشريفة وسيرة المسلمين تشهدان بخلاف ما تدعيه الوهابية وتؤكدان جواز الصورتين معاً (1). فلقد جاء الحديث الشريف عن عثمان بن حنيف ليؤكد على هذه الحقيقة حقيقة جواز التوسل بأولياء الله تعالى حيث يقول : « إن رجلاً ضريراً أتى إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال : أُدُع الله يعافيني.
      فقال صلى الله عليه وآله وسلم : إن شئتَ دعوت ، وأن شئت صبرت وهو خير؟
      فقال : فادعُه ـ فأمره ـ ان يتوضأ فيحسن وضوءه ويصلي ركعتين ويدعوا بهذا الدعاء : اللهم أني اسئلك واتوجّه إليك بنبيك نبي الرحمة ، يا محمد إني أتوجه بك إلى الله في حاجتي لتقضى ! ، اللهم شفعه فيَّ.
      قال ابن حنيف : فوالله ما تفرقنا وطال بنا الحديث حتى دخل علينا كأن لم يكن به ضرّ.
      ويعتبر هذا الحديث من الأحاديث الصحيحة السند وقد أثبتته كتب العامة قبل الخاصة حتى ابن تيمية نفسه اعتبر ناقل هذا الحديث ثقة(2).
      أن هذا الحديث من خلال التأمل الدقيق في ألفاظه يظهر معناه واضحاً جلياً. حيث دل على ان الإنسان له أن يتوسل إلى الله تعالى بالذين جعلهم أدلاء على مرضاته وسبل نجاته ألا وهم الأنبياء وأفضلهم وأحسنهم خاتمهم نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته ، والتوسل يكون بجرمتهم وكرامتهم وحقهم على الله تعالى. أما التوسل بالأنبياء وبحقهم فهذا ما جاء على لسان الحديث المروي في وفاة فاطمة أُمّ أمير المؤمنين حيث يقول الحديث « لما ماتت فاطمة بنت أسد دخل عليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فجلس عند رأسها
      ____________
      (1) الوهابية في الميزان : 163.
      (2) سنن ابن ماجة : 1 | 441 ، الوهابية في الميزان 164.
      --------------------------------------------------------------------------------

      ( 34 )

      فقال : رحمك الله يا أمي بعد أمّي ثم دعا رسول الله أسامَة بن زيد وأبا أيوب الأنصاري وعمر بن الخطاب وغلاماً أسود يحفرون ، فحفروا قبرها ، فلما بلغوا اللحد حفر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيده وأخرج ترابه فلما فرغ دخل رسول الله فاضطجع فيه ، ثم قال : والله الذي يُحي ويميت وهو حيُّ لا يموت إغفر لأمي فاطمة بنت أسد ، ووسع عليها مدخلها بحق نبيك والأنبياء الذين من قبلي(1).
      أما ما ورد في التوسل بالنبي نفسه ، فقد روى جمع من المحدثين ان اعرابياً دخل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال : « لقد أتيناك ومالنا بعيرٌ يئط ـ أي مثل صوت البعير ـ ولا صبي يغط ـ وهو صوت النائم ـ ثم أنشأ يقول :
      أتيناك والعــذراء تدمـى لبانُها * وقد شغلت أم الصبـيّ عـن الطفلِ
      ولا شيء ممـا يأكل الناس عندنا * سوى الحنظل العامي والعلهز الفسْلِ
      وليس لنــا إلا إليـك فرارُنـا * وأين فرارُ النـاس إلا إلى الرسـلِ
      فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يَجُر رداءه ، حتى صعد المنبر فرفع يديه وقال : اللهم اسقنا غيثاً ... فما ردا النبي حتى ألقت السماء...
      ثم قال : لله دَرُّ أبي طالب لو كان حياً لقرت عيناه من ينشدنا قولَهُ ؟
      فقام علي بن أبي طالب عليهما السلام وقال : كأنك تريدُ يا رسول الله ـ قَولَهُ :
      وأبيض يُستسقى الغمامُ بوجهه * ثِمال اليتـامى عصمَةُّ للأراملِ
      يطوف به الُهلاك من آل هاشم * فهم عنـده في نعمـةٍ وفواضل

      فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم أجل فانشد علي عليه السلام أبياتاً من القصيدة ، والرسول يستغفر لأبي طالب على المنبر ، ثُم قام رجل من كنانة وأنشد يقول :
      لك الحمد والحمد ممن شكر * سقينا بوجه النبي المَطَر(1)

      ولنعم ما قال سواد بن قارب في القصيدة التي يتوسل بها بالنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم
      وأشهـد أن الله لا ربًّ غيـرُه * وانك مأمـون على كل غائـب
      وانك أدنـى المرسلين وسيلـة * إلى الله يابن الأكرمين الاطائب

      ____________
      (1) كشف الأرتياب : 312 ، حلية الأولياء : 121 ، وفاء الوفا 3 : 899
      (2) شرح نهج البلاغة 15 | 80 ، السيرة الحلبية : 3 | 263.
      --------------------------------------------------------------------------------

      ( 35 )


      فمرنا بما يأتيـك يا خيــر مُرسلٍ * وان كان فيما فيه شيـبُ الدوائــب
      وكن لـي شفيعـاً يوم لا ذو شفاعةٍ * بِمُضض فتيلاً عن سواد بن قاربِ(1)

      أما التوسل بأولياء الله تعالى فهذا ما اثبتته الكتب الكثيرة وخاصة الموجودة في كتب العامة حيث ورد في كيفية استقساء المسلمون بعم النبي « العباس » واستسقى عمر بن الخطاب بالعباس عام الرمادة ، لما اشتَدّ القحط فسقاهم الله تعالى به ، وأخصبت الأرض ـ فقال عمر هذا ـ والله ـ الوسيلة إلى الله والمكان منه.
      وقال حسّان :
      سأل الأمام وقـد تتابع جد بنا * فسقى الغمام بغُرّة العَّبـاسِ
      عم النبي وصفـو والِدهِ الذي * وَرث النبي بذاك دون الناس
      أحيى الأله به البلاد فأصبحت * مخضرة الأجانب بعد اليأس

      ولما سقي الناس طفقوا يتمسحون بالعباس ويقولون هنيئاً لك ساقي الحرمين(2).
      اقول : بعد هذا البيان يظهر لنا ان التوسل بالأولياء الصالحين مما جرت به السنة الشريفة فضلا عن القرآن الكريم نفسه ، وعلى هذا الأساس جاء هذا الدعاء المروي عن علمائنا الأفاضل :
      « اللهم إني أسألك بحق فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها ... والذي يظهر من خلال استقراء الروايات المأثورة في حق الزهراء أن هذا الدعاء وارد في حق التوسل بالصديقة الطاهرة الزهراء عليها السلام فتارة نجد بعض الأحاديث تبين كيفية التوسل بالزهراء وتارة أخرى تبين كيفية الاستغاثة بالصديقة الشهيدة سلام الله عليها.
      فقد ورد عن لسان العلامة المتبحر المجلسي ما نصه : وجدت نسخة قديمة من مؤلفات بعض أصحابنا رضي الله عنهم ما هذا لفظه :
      هذا الدعاء رواه محمد بن بابويه رحمه الله ، عن الأئمة عليهم السلام وقال : ما دعوت في أمر إلاّ رأيت سرعة الإجابة وهو ...
      ( يا فاطمة الزهراء يا بنت محمد ، يا قرة عين الرسول ، يا سيدتنا ومولاتنا ، إنّا
      ____________
      (1) الدرر السنية : 27 زميني دحلان ، التوصل إلى حقيقة التوسل : 300.
      (2) تاريخ اُسد الغاية في معرفة الصحابة : 3 | 111.
      --------------------------------------------------------------------------------

      ( 36 )

      توجهنا واستشفعنا ، وتوسلنا بك إلى الله ، وقدمناك بين يدي حاجتنا ، يا و جيهة عند الله أشفعي لنا عند الله ...)(1).
      وروي في كيفية التوسل بالزهراء ، أن تصلي ركعتين ، فاذا سلمت فكبر الله ثلاثاً ، وسبح تسبيح الزهراء عليها السلام واسجد وقل مائة مرة : يا مولاتي ، يافاطمة أغيثيني ، ثم ضع خدّك الأيمن ، وقل كذلك ، ثم عد إلى السجود وقل كذلك ، ثم خدك الأيسر على الارض وقل كذلك ، ثم عد إلى السجود وقل كذلك مائة مرة وعشر مرات ، أذكر حاجتك تقضى(2). أما صلاة الاستغاثة بالبتول فهو نفس العمل السابق إضافة إلى ذلك تقول في السجود :
      ( يا آمناً من كلّ شيء وكل شيء منك خائف حذر ، أسألك بأمنك من كل شيء وخوف كلّ شيء منك ، أن تصلي على محمد وآل محمد ، وأن تعطيني أماناً لنفسي وأهلي ومالي وولدي حتى لا أخاف أحداً ولا أحذر من شيء أبداً ، إنك على كل شيء قدير ).
      والدعاء الذي افتتحنا به البحث يؤكد على مسألة مهمة أخرى وهي حق فاطمة عليها السلام والذي يهمنا في هذا المقام هو معرفة حق فاطمة وما المقصود منه ، والذي نراه بعد تتبع بعض روايات أهل البيت عليهم السلام أنّ حق أهل البيت عظيم وحقوقهم كثيرة ، ولكن الأهم من هذا كله هو معرفة الحق الأكبر ، والذي عبرت عنه الروايات حق المعرفة ، وبعبارة أخرى أهم حق هو معرفة كونهم عليهم السلام مفترضوا الطاعة وهذا ما أشارت إليه الكثير من الروايات المروية في المقام.
      حيث فسرت حق الأئمة تارة بأنهم حجة الله على الخلق والباب الذي يؤتى منه والمأخوذ عنه ، وأنهم مفترضوا الطاعة ، وهكذا بالنسبة للأئمة عليهم السلام ، أمّا الصديقة الشهيدة ، فحقها كبير على الناس وخصوصاً الأنبياء ، حيث ورد أنه ما تكاملت نبوة نبي من الأنبياء حتى أقر بفضلها ومحبتها وهي الصديقة الكبرى وعلى معرفتها دارت القرون الأولى ، وكذلك ورد أنها مفترضة الطاعة على جميع البشر وهذا حقها الأكبر
      ____________
      (1) البحار : 12 | 247.
      (2) البلد الأمين : 159 ، البحار : 102 | 254 ح 13 ، مستدرك الوسائل : 6 | 331 ح 3 مثله.
      --------------------------------------------------------------------------------

      ( 37 )

      على الناس حيث يقول الحديث :
      « ولقد كانت عليها السلام مفروضة الطاعة ، على جميع من خلق الله من الجن والأنس والطير ، والوحش ، والأنبياء ، والملائكة »(1). على أنه كلما ثبت من حقوق للأئمة عليهم السلام فهو ثابت للصديقة الطاهرة فاطمة عليها السلام وخصوصا نحن نعلم انه ورد عن الإمام الحسن العسكري عليه السلام انه قال : ( نحن حجج الله على الخلق وجدتنا فاطمة حجة الله علينا ).
      اذن من خلال هذا الموضوع نفهم ان لحقيقة التوسل بالصديقة الشهيدة عليها السلام لقضاء الحاجات بوجاهات عند الله دوراً مهماص في ترسيخ عقيدة الإنسان المؤمن بها حيث بعد قضاء الحاجة على يديها يجد المؤمن ايماناً راسخاً بها هذا من جهة ، وان حقيقة التوسل بها يضعناً أمام جملة من الحقائق لابد من الوقوف معها والتأمل في مغزاها من جهة اُخرى.
      وأوَّل هذه الحقائق المنزلة العظيمة والجليلة والفريدة التي كانت تتمتع بها بضعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم مما جعلها موثلاً لكل مستغيث ومقصداً لكل طالب حاجة ضاق بحاجته ذرعاً وهو لا يدري باب من يطرق حتى تقضى حاجته وتجاب استغاثته ، فاذا بالإمام الصادق عليه السلام يقول لنا : عليكم بالزهراء ، استغيثوا بأسمها ونادوا مولاتكم فاطمة ، وحينئذ تقضى حاجتكم ، وتنالون مطلبكم ويكفي في مقام بيان منزلتها انها كانت المرجع لأبيها حيث كنّاها النبي صلى الله عليه وآله وسلّم باُمّ أبيها ، وانها كانت بضعة منه فمن أغضبها فقد أغضبه صلى الله عليه وآله وسلم ويكفي في منزلتها أيضاً أنها سيدة نساء أهل الجنة ،بل سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين في الدنيا والآخرة ، وأنها أم الأئمة المعصومين وانها حليلة سيد الأوصياء علي بن أبي طالب عليه السلام.
      وأما الحقيقة الثانية التي أثبتتها أحاديث التوسل بالصديقة الشهيدة ، هو مسألة الشفاعة ، ولما لها من الأهمية الكبرى في حياة الفرد المؤمن ، حيث نجد مسألة الشفاعة لها دور كبير في بعث الأمل في روح المذنبين وأن لهم أملاً يظهر خلال الدنيا على نحو التوسل وفي الآخرة على نحو الشفاعة وهذا ما أكده القرآن الكريم في كثير من آياته
      ____________
      (1) دلائل الإمامة : 28.
      --------------------------------------------------------------------------------

      ( 38 )

      حيث يقول سبحانه وتعالى : ( يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن )(1) ، ( ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن اذن له )(3) ، ( لا يمكلون الشفاعة إلاّ من اتخذ عند الرحمن عهداً )(3). فإذا كان الله سبحانه وتعالى يأذن لبعض عباده بأن يشفعوا لغيرهم من الناس فمن أولى من بضعة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم بهذه الخصوصية.
      والحقيقة الأخرى التي كشفت عنها روايات التوسل والأستغاثة بالصديقة الشهيدة هي مسألة تسبيح الزهراء عليها السلام ، ذلك التسبيح الذي علمه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لأبنته بأن تكبر الله سبحانه أربعاً وثلاثين وتحمده ثلاثاً وثلاثين وتسبحه ثلاثاً وثلاثين ، عندما جاءته والإمام علي بن أبي طالب عليه السلام تشكو له صلى الله عليه وآله وسلم إجهادها ونصبها ومعاناتها في عمل البيت ، فطلبت منه صلى الله عليه وآله وسلم أن يعينها بخادمة تكون معواناً لها ، فكان أن علمها هذا التسبيح الذي عملت به سلام الله عليها وعنها أخذ المؤمنون يسبحون به ويتعبدون بعد كل صلاة ، وكأنه صلى الله عليه وآله وسلم أراد ان تصبح الزهراء عليها السلام حاضرة في كل صلاة يؤديها مؤمن ، إذ كلما تَعَبدَّ بهذا التسبيح متعَبِد تذَكرّ الزهراء ومكانتها من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ومن الله سبحانه وتعالى.
      ____________
      (1) طه آية 109.
      (2) سبأ آية 23.
      (3) مريم آية 87.
      التعديل الأخير تم بواسطة حسينية الأقصى; الساعة 22-12-2004, 10:29 AM.

      تعليق


      • #4
        ( 39 )


        البحث الثاني
        حقيقة السر المستودع في
        فاطمةعليها السلام


        -------------------------------------

        ( 40 )


        --------------------------------------------------------------------------------

        ( 41 )


        عبد الحسين صادق العاملي
        [poem font="Simplified Arabic,4,black,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]


        أنائحة مثلي على العرصـةِ القَفـرا * تعالى أُقاسمكِ المناحـةَ والذكــرى
        حديث الجوى ياورقُ يرويه كلُّـنا * عن العَبرةِ الوطفاءِ والكبـدِ الحـرّى
        كلانا كئيبٌ يُتبعُ النـــوحَ أنّــةً * إذا ماوعاها الصخرُ صدّعتِ الصخرا
        خذي لك شطـراً من رسيـسٍ مبّرح * ولي منُهُ ياذاتَ الجناحِ ذري شطـرا
        خلا إنّها تبكي ومافــاضَ دمْعُهـا * وأرسلتُها من ذمقلتـي أدمعـاً حمرا
        فلا جمرُ أحشائي يجـفـفُ عبرتي * ولا عبرتي في صوبها تثخمد الجمرا
        وقائلةٍ وهـيَّ الخليــةَ من جـوىً * معرّسُهُ أضحى في الحيازَم والصدرا
        رويدكَ نهنْهْ عن غـرامِـكَ واتخـذْ * شعاريكَ في الخطبِ التجلدَ والصبرا
        فقلـتُ ولكـنْ فاتـني الصبـرُ كلّهُ * لرزءٍ أُصيبـتْ فيهِ فاطمـةُ الزهرا
        غـداةَ تبـدْت مستـباحـاً خباؤهـا * ومهتوكةً حـُـب الخفارةِ والستـرا
        على حينَ لاعيـنُ النـبـي أمامهـا * لنُبصـر ماعانتـهُ بضعتـهُ قَسـرا
        على حينَ لا يفُ الرسـولِ بمنتضى * الغرارِ ولـم تنـظر لرايتـهِ نشـرا
        بنحلتها جائـتْ تطـالُـب معشـراً * بدا كفرهمْ من بعدِ ما أضمروا الكفرا
        عَموُا عنْ هواها ثمّ صمّـوا كثيرُهم * كأنّ بسمع القوم من قولِهـا وَقــرا
        لقدْ أرعشت بالوعظِ صـلَّ ضغونِهمْ * فثاروا لها والصلُّ إنْ يرتعشْ يضرا
        فلو أنهـمْ أوصـى النبـي بظلمـهمْ * لها ما استطاعوا غيرَ ما ارتكبوا أمرا
        وأنّـى وهمْ طوراً عليها تراثَهـــا * أبوا وأبوا منها البُكــا تـارةً أُخرى
        وهـمْ وشموها تـارةً بسياطهـــمْ * وآونةً قدْ أوسعوا ضلعَهـا كســرا
        وخلـي حديـثَ البابِ ناحيةً فـمـا * تمثلتُــهُ جرتْ مقلتـي نهــرا
        بنفسـي التـي ليلاً توارتْ بلحدهـا * وكـان بعيـنِ الله أنْ دُفنـتْ سـّرا
        بنفسي التـي أوصتْ باخفاءِ قبرهـا * ولولاهُم كانـتْ بأظهـارِهِ أحــرى [/poem]




        البحث الثاني
        حقيقة السر المستودع

        * كتمان الأسرار :
        أكد القرآن الكريم في كثير من آياته المباركة على اطلاع الباري عزّ وجل على خائنة العين وما تخفي الصدور ، ويعني هذا أن الله يعلم السر وما أخفى ، وهو ما أضمره الإنسان وأسرّه ثمّ نسيه ( والله يعلم ما تسرون وما تعلنون )(1) ، وايضاً جاء قوله تعالى ( وأسروا قولكم أو اجهروا به ، أنه عليم بذات الصدور )(2). ليؤكد هذه الحقيقة ، حقيقة السر الذي يكتمه الأنسان على غيره ولكن لا يخفى على الله تعالى أي سرٌ لأنّ الله تعالى خالق الإنسان في هذا العالم وإلى ذلك أشار القرآن ( قل أنزله الذي يعلم السر في السموات والأرض ، إنه كان غفوراً رحيما )(3) ، فيعلم الله تعال حقيقة أسرار الناس وما يكتمون ، إلاّ أنّه هناك اسرار مودعة من قبل الله تعالى عند كثير من الأولياء وخصوصاً الأنبياء والمرسلين وعباد الله الصالحين حيث أمرهم بحفظها ولا يظهروها إلا لمن هو أهل لها ، ولنعم ما قيل في الشعر المنسوب الى مولى الموحدين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام حيث قال :
        لا تَفْشِ سِرَّا ما استطعت الى امرىءٍ * يُفشِي اليك سَرَ سَرَائر يُستودَعُ
        فكمـا تـراه بِسِرّ غيـرك صانعـاً * فكذا بِسِرّكَ لا محالـة يصنـع

        وإلى ذلك أشار الفرزدق :
        لا يكْتُم السّرَّ إلا من له شَرفُ * والسِّرُّ عند كرام الناس مكتُومُ

        ____________
        (1) النحل : 19.
        (2) الملك 13.
        (3) الفرقان 6.
        --------------------------------------------------------------------------------

        ( 44 )


        السِّرُّ عندي في بيت له غلقٌ * ضلت مفاتيحه والباب مَردُومُ

        اذن الأسرار المودعة من قبل الله تعالى عند الأنبياء والمرسلين وعباد الله الصالحين هي أمانات وكما ورد في المثل الذي يقول « السر أمانة فانظر عند من تضع أمانتك ».
        وقال الله تعالى : ( ان الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها )(1).
        وأسرار الله تعالى كلها أماناته في أرضه وقلوب أوليائه ولا إجازة لهتكها وكشف قناعها إلا بين يدي صاحبها الذي هو أهلٌ لها وهذا أمرٌ أمر الله تعالى به عباده المخلصين من الأنبياء والأولياء ـ عليهم السلام ـ وبالغ معهم ، وأمرهم ايضاً ان يأمروا بذلك المؤمنين ويبالغوا فيه ، حتى قالوا « افشاء سر الربوبية كفر وهتك استار الألوهية زندقة » وقالوا « لا تضعوا الحكمة عند غير أهلها ، فتظلموها ، ولا تمنعوها من أهلها فتظلموهم كونوا كالطبيب الشفيق يضع الدواء موضع الداء ».
        وقالوا في الشعر المنسوب الفارسي « فمن منع الجهال علماً أضاعه ومن منع المستوجبين فقد ظلم » ، وأقوالهم الشاهدة بذلك واشاراتهم الدالة عليه أشهر وأظهر من أن تخفى على أحد ، ومع ذلك نحن نذكر بعض ذلك استظهاراً لك ولغيرك لئلا يهمله أحد ويوقع نفسه في الهلاك الأبدي والشقاء السرمدي ، حيث جاء قوله تعالى تعليماً لعباده وتأكيداً لهم في أداء الأمانة التي هي أسراره إلى أهلها ( أنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها ، وحملها الإنسان أنه كان ظلوماً جهولاً )(2).
        والمراد انه يقول : الذي هم الملائكة والجن والحيوانات والوحوش الطيور وغير ذلك ـ أو على استعداد كل واحد من السماوات والأرض والجبال بنفسها ، لانها عند الأكثرين شاعرة بذاتها ـ لاجل ايداع أمانتنا التي هي أسرارنا فما وجدنا أهلاً لها ومستعدين لحملها لعدم قابليتهم وضعف استعدادهم لأن حمل الشيء وقبوله موقوف على قابليه ذلك الشيء واسعداده ووجدنا الإنسان أهلاً لها ومستعداً لحملها فأمرناه بحملها وأشرنا إليه بقبولها لأنّه كان « ظلوما جهولاً » أي بسبب أنه كان مستعداً لها ومستحقاً لحملها « بظلوميته وجهوليته ».
        ____________
        (1) النساء : آية 58.
        (2) الأحزاب : آية 72.
        --------------------------------------------------------------------------------

        ( 45 )

        فكأنه يقول : ان السبب الأعظم والمُمَد الأعلى في أهليته لهذه الأمانة المعروضة على السماوات والأرض والجبال ومافيها من المخلوقات كان « ظلوميته وجهوليته » لانه لو لم يكن مستحقا لحملها ومستعداً لقبولها لكان كغيره من الموجودات لعدم هاتين الصفتين فيه ، وعلى هذا التقدير تكون صفتا « الظلومية والجهولية » مدحاً له « يعني للإنسان » لا مذمة كما ذهب إليه أكثر المفسرين(1) ، ولا شك انه كذلك واللام في « لانه » لام التعليل لا غير ، ليعرف به هذا المعنى والمراد بالإنسان نوعه وبالحمل استعداده للحمل وقابليته له. وهذا هو المعنى المطابق للامانة والعرض والحمل والقبول والإباء اجمالاً لاغير ، وإلاّ الأمانة ما كانت شيئاً محسوساً معروضاً على كل واحد من الموجوادات حساً وشهادة ولا كان آباؤهم عنها قولاً وفعلاً ، كما يرسخ في اذهان المحجوبين عنها . اذن بما أنه تعالى مع عظمة شأنه وجلالة قدره لم يضع ويدع الأمانة إلا عند أهلها ، ولم يأذن بها إلا إلى صاحبها فلا ينبغي ان يفعل غيره بخلاف ذلك وإلا يكون مخالفاً لأمره سالكاً غيره طريقه وايضاً لو لم تكن رعاية الأمانة عنده عظيمة ما مدح بنفسه للراغبين أمانته ، وما سلكهم في سلك المصلين الصلاة الحقيقية ، وما جعلهم من الوارثين ( قد افلح المؤمنون الذي هم في صلاتهم خاشعون ، والذين هم عن اللغو معرضون ، والذين هم للزكاة فاعلون ) إلى قوله تعالى ( اولئك هم الوارثون الذي هم يرثون الفردوس هم فيها خالدون ) فحيث مدحهم على ذلك وسلكهم في سلك هؤلاء المعظمين بل قدمهم عليهم وجعلهم من الوارثين « الذين يرثون الفردوس » فعرفنا ان رعايتها « يعني رعاية الأمانة » معتبرة وقدرها جليل وشأنها عظيم وبالجملة الخيانة في هذه الأمانة هي أيداعها عند غير أهلها ، وامساكها عن أهلها ، وكلاهما غير جائز وإليه أشار جل ذكره في قوله ( يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وانتم تعلمون ) أي « لا تخونوا الله والرسول » بأيداع أسرارهم عند غير أهلها « وأنتم تعلمون » عاقبة الخائن وصعوبة عذابه وشدة عقوبته : ( ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون ) اي ذلك القول « وصاكم به
        ____________
        (1) راجع تفسير الميزان : 16 | 356 ، حيث فيه القول الفصل لهذا الموضوع.
        --------------------------------------------------------------------------------

        ( 46 )

        لعلكم تتقون » عنها أي تحتزرون عن الخيانة بعد ذلك وتعظمون مكانتها . جعلنا الله من الحاملين أمانته والراعين عهده ، الموفين به الوارثين جنته ، بمحمد وآله أجمعين.
        واذ فرغنا من كلام الله تعالى ، فلنشرع في كلام الأنبياء عليهم السلام ومنها قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم « من وضع الحكمة في غير أهلها جهل ، ومن منع عن أهلها ظلم » « ان للحكمة حقاً ، وان لها أهلاً : فأعط كل ذي حق حقه » وقوله صلى الله عليه وآله وسلم « ان من العلم كهيئة المكنون ، لا يعلمه غلا أهل المعرفة بالله ، فاذا نطقوا به لم يجهله إلا أهل الاغترار بالله » وغير ذلك من الأقوال المعلومة لأهلها.
        والغرض انه صلى الله عليه وآله وسلم أمر بذلك وفعل بنفسه ، لأنه إذا أراد إيداع مثل هذه الأسرار في قلوب أصحابه وخواصه كان يخلو بهم ويقول في آذانهم ، كما فعل بأمير المؤمنين علي عليه السلام وأخبر عنه أمير المؤمنين بقوله « تعلمت من رسول الله ألف باب من العلم ، وفتح الله تعالى لي بكل باب ألف باب » وإلى كتمانه واخفائه بنفسه عن الأغيار أشار أيضاً بقوله « اندمجت على مكنون علم ، لو أبحث به لا ضطربتم اضطراب الارشية في الطوى البعيدة ». والى ثمرة أظهاره ـ أعني من الفساد ـ أشار أيضاً وقال « والله لو شئت أن أخبر بكل رجل منكم بمخرجه ومولجه وجميع شأنه لفعلت ولكني أخاف أن يكفروا برسول الله » وهذا أمر منه بأخفاء اسرار الله وكتمانها وكناية عن أخفائها ولهذا لما قال له الخصم « أنت تتكلم بالغيب » قال ويحك ! ان هذا ليس بغيب ، ولكنّه علم تعلمتُ من ذي علم » أراد به النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
        وكما فعل بسلمان ايضاً ، أي جعله صاحب سّر وقال فيه : « سلمان منّا أهل البيت » أي من أهل بيت التوحيد والعلم والمعرفة والحكمة لا من أهل بيت النسوان والصبيان والاهل والاولاد ، وقال تأكيداً لهذا المعنى « لو علم أبو ذر ما فيبطن سلمان من الحكمة لكفره ! » وروي « لقتله! » وكلاهما صحيح فأنظر إلى عظمة السر المودع عند سلمان ، وعلى المبالغة في كتمان أسرار الله تعالى حيث عرفت أنّ كبار الصحابة كانوا يخفون بعضهم عن بعض حتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولعظمة أن سلمان وقربه إلى حضرة الرحمان قال عليه السلام « الجنة أشوق الى سلمان من سلمان الى الجنة » وكذلك لجلالة قدر أويس القرني رحمه الله لا طلاعه على أسرار الله تعالى كشفا وذوقا ، قال صلى الله عليه وآله وسلم في حقه حيث كان


        --------------------------------------------------------------------------------

        ( 47 )

        يستنشق من طرف اليمن روائح أنفاسه الشريفة من حيث الباطن أو الظاهر : « أني لأستنشق روح الرحمن من طرف اليمن » وورد « من ناحية اليمن » و « من قبل اليمن » وقد سأله سلمان عن هذا الشخص فقال له عليه السلام : « ان باليمن لشخصاً يقال له : « أويس القرني يحشر يوم القيامة أمة وحده يدخل في شفاعته مثل ربيعة ومضر ، ألا من رآه منكم فليقرأه عني السلام ، ليأمره أن يدعو لي ».
        وإلى غلبة هذه الأسرار بالنسبة إليه في بعض الأوقات قال :
        « لي مع الله وقت لا يسعني فيه مقرب ولا نبي مرسل » والمراد أنّ لي مع الله حالات وأوقات لا يمكن ان يطلع عليها أحد ، لا ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا غيرهم من المخلوقات ، وكأنه يشير الى أنه ما تنكشف عليه هذه الاسرار ولا تتجلى له هذه الأنوار إلاّ عنده تجرده عن جميع التعلقات الروحانية والجسمانية ـ حتى النبوة والرسالة ـ وعن جبرئيل وابلاغه أيضاً لقوله عليه السلام : « لو دنوت أنملة لا حترقت » وبالحقيقة المعراج عبارة عن هذا المقام ، إن اُريد به العراج المعنوي ، وإن اُريد به المعراج الصوري فهو ظاهر وقد عبر عليه السلام عن شدة تعلقه بالنبوة والرسالة ومنعهما من الوصول إلى حضرة الحق جل جلاله وقال حين خلاصه عنهم لحظة « لا يسعني فيه ملك مقرب أي جبرئيل وابلاغه « ولا نبي مرسل » أي النبوة ورسالتهما لأن الرسالة ابلاغ ما حصل عن النبوة وإلى هذا المقام أشار ـ جل ذكره ـ « ولن أجد من دونه ملحداً إلاّ بلاغاً من الله ورسالاته » وأمثال ذلك كثيرة. والغرض منه أنّ إخفاء أسرار الله تعالى ـ خصوصاً الأسرار المتعلقة بهم ـ واجب من غير أهلها لأنها لا زالت كذلك أي مخفية عن غير أهلها ، مودعة عند أهلها ، وإذا عرفت هذا فلنرجع إلى قول الأولياء عليهم السلام أعني اكتفينا منهم بأعظمهم وأكملهم الذي هو نبينا صلى الله عليه وآله وسلم ومنها قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وأقواله في هذا الباب كثيرة نذكر منها أحسنها وألطفها ، وهو ما جرى بينه وبين كميل بن زياد النخعي رحمه الله الذي كان من أخص تلامذته وأعظم أصحابه وإليه تنسب خرقة الموحدين وطريقة المتحققين حين سأله عن « الحقيقة » بقوله « ما الحقيقة ! » فقال له عليه السلام : « مالك والحقيقة ؟ » يعني من أنت


        --------------------------------------------------------------------------------

        ( 48 )

        والسؤال عن الحقيقة ولست بأهلها ! فقال كميل : « أولست بصاحب سرك ؟ » قال : « بلى ولكن يرشح عليك ما يطفح منّي » يعني أنت صاحب سري ومن أخص تلامذتي ولكن لست بأهل لمثل هذا السر والإطلاع عليه لأنه « يرشح عليك ما يطفح من » و « إلاّ كان الأمر » يضرك ويضرني لأن ظرفك لا يحتمل فوق قدرك ، وأنا مأمور بوضع الشيء في موضعه ، فقال كميل : « أومثلك يخيب سائلاً ؟ » أي مثلك في العلوم والحقائق والإطلاع على استعداد كل سائل « يخيب سائلاً » أي يمنعه عن حقه ويجعله محروماً عن مراده ، خائباً عن مقصوده ، ساكتاً عن جوابه ؟ لا والله بل يجب عليك وعلى مثلك جواب كل واحد منهم بقدر استعداده وفهمه وادراكه مطاوعة لقوله تعالى : ( أما السائل فلا تنهر وأما بنعمة ربك فحدّث ) وأسوة نبيك صلى الله عليه وآله وسلم لقوله « كلموا الناس على قدر عقولهم » فشرع الإمام عليه السلام بعد ذلك في بيانه وقال : الحقيقة كشف سبحات الجلال من غير إشارة ، فقال كميل : زدني فيه بياناً ، قال الإمام عليه السلام : صحو الموهوم مع محو الملعوم.
        قال كميل : زدني فيه بياناً ، قال الإمام عليه السلام : هتك السر لغلبة الستر. قال كميل : زدني فيه بياناً. قال الإمام عليه السلام : نور يشرق من صبح الأزل ، فيلوج على هياكل التوحيد آثاره . قال كميل : زدني فيه بياناً ، قال الإمام عليه السلام : أطف السراج ، فقد طلع الصبح.
        وهذا الكلام يحتاج إلى شرح طويل وبسط عظيم ، ولكن معنى الكلام الأخير انه يقول : اسكت بعد ذلك أي بعد هذا البيان التام والإظهار الكامل والكشف الجلي ، عن السؤال من لسان العقل ومقام القلب ومرتبة السلوك ، لأنه قد طلع تباشير شمس الحقيقة وظهر شعاعها في الآفاق ، ولست أنت بعد ذلك ، محتاجاً إلى السؤال من لسان العقل الذي كالسراج بالنسبة للشمس.
        والمراد أن الشخص إذا وصل إلى مقام المشاهدة والكشف فلا ينبغي له أن يطلب المقصود من طريق المجادلة والمباحثة لأنّ الكشفيات والذوقيات غير قابلة للعبارة والاشارة والسؤال والجواب كما أشار إليه أولا : « كشف سبحات الجلال من غير اشارة » فكأنه أمره بالسكوت والصمت والتوجه إلى حضرته تعالى حتى يدرك مقصوده بالذوق الذي هو أعلى مراتب الوصول إلى الله تعالى ، وعن هذا المقام قال


        --------------------------------------------------------------------------------

        ( 49 )

        العارف : « من عرف الله كلَّ لسانه » أي « من عرف الله » على سبيل المشاهدة والذوق « كلَّ لسانه » عن العبارة والاشارة والغرض من هذا كله ان الإمام عليه السلام اذا كان بأفشاء الأسرار اللهية من أعظم خواصه وأكبر تلامذته بهذه المثابة ، فلا يجوز لغيره افشاؤها مع كل أحد من العوام والجهال ، فاذن عليك بكلتمانها واخفائها عن غير أهلها اتباعاً لله تعالى ولرسوله ولإمام المسلمين كافة.
        ويروى عن كميل رضي الله عنه مثل ذلك أيضاً وأبلغ في كتمان الأسرار واخفائها ، كما هو مذكور في نهج البلاغة ، وهو أنه قال رضي الله عنه : « أخذ بيدي أمير المؤمنين علي عليه السلام فأخرجني الى الجبّابة فلمّا أصحر ، تنفس الصعداء ، ثم قال لي : يا كميل بن زياد! « إنّ هذه القلوب أوعية فخيرها أوعاها فأحفظ عنّي ما أقول لك : الناس ثلاثة : فعالم رباني ومتعلم على سبيل نجاة ، وهمج رعاع أتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح لم يستضيؤا بنور العلم ، ولم يلجأ وإلى ركن وثيق.
        يا كميل : العلم خير من المال ، العلم يحرسك وأنت تحرس المال ، والمال تنقصه النفقة ، والعلم يزكو على الإنفاق وصنيع المال يزول بزواله ، يا كميل ! معرفة العلم دين يدان به ، به يكسب الإنسان الطاعة في حياته وجميل الاحدوثة بعد وفاته ، العلم حاكم والمال محكوم عليه ، يا كميل بن زياد : هلك خزان الاموال وهم أحياء والعلماء باقون ما بقي الدهر ، أعيانهم مفقودة وأمثالهم في القلوب موجودة ؟ إنّ ههنا لعلّماً جماً ـ وأشار بيده إلى صدره ـ لو أصبت له حملة ! بلى ! أصبت لقناً غير مأمون عليه ، مستعملاً آلة الدين للدنيا ، ومستظهراً بنعم الله تعالى على عباده ، وبحججه على أوليائه ، أو منقاداً لحملة الحقّ لا بصيرة له في أحنائه ، ينقدح الشك في قلبه لاول عارض من شبهة : ألا ! لاذا ولاذاك ، أو منهوماً باللذة ـ سلس القيادة للشهوة ، أو مغرماً بالجمع والادخار ليس من رعاة الدين في شيء أقرب شيء شبهاً بهما الانعام السائمة ، كذلك يموت العلم بموت حامليه ، اللهم بلى : لا تخلو الأرض من قائم الله بحججه ، إمّا ظاهراً مشهوراً أو خائفاً مغموراً ، لئلا تبطل حجج الله وبيّناته ، ولم ذا ؟ وأين أولائك ـ لا والله ـ الاقلون عدداً . والاعظمون عند الله قدراً ، يهم يحفظ الله تعالى حججه وبيناته ، حتى يودعوها نظراءهم ، ويزرعوها في قلوب أشباهههم ، هجم بهم العلم على حقيقة البصيرة ،


        --------------------------------------------------------------------------------

        ( 50 )

        وباشروا ردح اليقين ، واستلانوا ما استوعره المترفون ، وانسوا بما استوحش منه الجاهلون ، وصحبوا الدنيا بأدبانٍ أرواحها معلقة بالمحل الاعلى أولائك خلفاء الله في أرضه ، والدعاة إلى دينه ، آه ، آه ! شوقاً الى رؤيتهم ».
        واذ فرغنا من كلامه في كتمان الأسرار والمبالغة فيه بقدر هذا المقام ، فلنشرع فيه من كلام الأئمة المعصومين من أولاده عليهم السلام ومبالغة في هذه المقدمة ، وان قيل : يكفي في هذه المقدمة ما قدمتم من آية أو آيتين ، وخبر أو خبرين لأنّ المقصود يحصل منهما ، فلا فائدة في التطويل وزيادة في الكلام ؟ أجيب عنه بأن المراد ليس نفس الاخفاء ولا الكتمان ، بل هناك غرض آخر يفهم من البحث الاتي في آخر هذه العجالة وهو معرفة حقيقة السر المستودع في فاطمة وهل هو ظاهر أم مستور ستره الله عن جميع البشر إلا الأولياء الخلص ، وبقية الأغراض سوف تظهر من بعد ذلك.
        ومنها قول الأئمة المعصومين من أهل بيت النبي ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ وهو أنّه مرويٌّ برواية صحيحة عن احدهم عليهم السلام قال : « أن أمرنا صعب مستعصب ، لا يحتمله إلاّ ملك مقرب ، أو نبي مرسل ، أو مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان » ، وقال : « خالطوا الناس بما يعرفون ودعوهم بما ينكرون ،ولا تحملوا على أنفسكم وعلينا ، أنّ أمرنا صعب مستعصب ، لا يحتمله إلا ملك مقرب أو نبي مرسل ، أو مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان »(1).
        وروى محمد بن عبدالجبار عن الحسين بن الحسين اللؤلؤي عن محمد بن الهيثم ، عن ابيه ، عن أبي حمزة الثمالي ، قال : « سمعت أبا جعفر « يعني الإمام الباقر » ـ يقول : أمرنا صعب مستصعب لا يحتمله إلا ملك مقرب ، أو نبي مرسل ، أو مؤمن امتحنه الله قلبه للإيمان. ثم قال : يا أبا حمزة ! ألست تعلم أنّ من الملائكة مقرباً وغير مقرب ؟ ومن النبيين مرسلاً ، وغير مرسل ؟ وفي المؤمنين ممتحناً وغير ممتحن ؟ قال : قلب بلى ؟ ألا ترى صعوبة أمرنا ؟ ان الله تعالى أختار له من الملائكة المقرب ومن النبيين المرسل ومن المؤمنين الممتحن ».
        ____________
        (1) بصائر الدرجات : 1 | 48.
        --------------------------------------------------------------------------------

        ( 51 )

        وروى محمد بن الحسين ، عن محمد بن سنان ، عن عمار بن مروان ، عن جابر عن أبي عبدالله يعني الإمام جعفر الصادق عليه السلام ـ أنه قال : « أمرنا سرٌّ مستور في سّر ، وسرّ مستسّر ، وسرّ لا يفيده إلا سرّ وسرّ على سرّ ، مقنّع بسّر » وروي ايضاً أنّه قال : « أمرنا سرّ مستور في سرّ ، مقنع بالميثاق : من هتكه أذله الله »(1). وروى ابن محبوب ، عن مرازم ، قال « قال لي أبو عبدالله عليه السلام : « أمرنا هو الحق وحقّ الحقّ ، وهو الظاهر ، وباطن الباطن ، وهو السرّ ، وسرّ السرّ ، والسر المستتر ، وسرّ مقنع بسّر ». وإلى كتمان هذا السر ، أشار بقوله عليه السلام : « التقية ديني ودين آبائي ، فمن لا تقية له ، لا دين له »(2) يعني : الإتقاء والإحتراز من افشاء الأسرار الإلهية ، « ديني ودين آبائي » من الأنبياء والأولياء عليهم السلام « فمن لا تقية له » في إخفائها « لا دين له » وإلى هذا أشار علماؤنا في كتبهم وقالوا : التقية واجبة لا يجوز رفعها إلى أن يخرج الإمام القائم الذي يظهر الدين كله ويكون من المشرق إلى المغرب على ملّة واحدة كما كان الشأن في زمان آدم عليه السلام ، فمن تركها « يعني التقية » قبل خروجه فقد خرج مندين الإمامية ، وخالف الله تعالى ورسوله والأئمة عليهم السلام وهذا الكلام منقول من « اعتقادات ابن بابويه رحمه الله ».
        وروى عمران بن موسى عن محمد بن علي وغيره ، عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة عن جعفر عن أبيه عليهما السلام قال : « ذكر عليّ عليه السلام التقية في يوم عيد ».
        قال والله لو علم أبو ذر ماذا في قلب سلمان ، لقتله ! » ، ولقد آخي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بينهما ، فما ظنك بسائر الخلق ؟ « ان علم العلماء صعب مستصعب ، لا يحتمله إلا ملك مقرب أو نبي مرسل ، أو عبد مؤمن ، امتحن الله قلبه للإيمان . قال : « وإنما صار سلمان من العلماء ، لأنه أمرؤ منّا أهل البيت ». فلذلك نسبته الينا(3). وإلى هذا كله أشار الإمام المعصوم زين العابدين عليه السلام في أبيات منسوبة إليه ، وهو قوله :
        اني لاكتم مـن علمـي جـواهــره * كيلا يـرى الحـقَّ ذو جهـل فيفتتنا
        وقــد تقدمّنـا فيهـا أبــو حسـن * مع الحسين ووصّى بها قبلها الحسنا


        ____________
        (1) بصائر الدرجات : 1 | 48.
        (2) راجع التقية بين الأعلام ، بقلم سيّد عادل العلوي.
        (3) بصائر الدرجات 1 | 45.
        --------------------------------------------------------------------------------

        ( 52 )


        يا رب جوهـر علم لو أبوح به * لقيل لي : أنت ممن يعبد الوثنا!
        ولا ستحل رجال مسلمون دمي * يرون أقبـح ما يأتونـه حسنـا

        وعلى هذا الاساس نجد ان الأئمة من آل محمد ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ كانوا يحملون الأسرار الربانية التي أفاضها الباري عليهم منذ أن خلقهم أنواراً وجعلهم بعرشه محدقين وإلى أن مَنَّ بهم علينا ، ولكن لا يظهرون هذه الأسرار إلا لمن وجدوه أهلاً لحمل الأمانة ، ومستودعاً لها ، وإلى هذا الأمر ـ أعني حمل الأسرار ـ ورد في الزيارة الجامعة الكبيرة لأئمة المؤمنين عليهم السلام ما نصهُ : ( ... السلام على محال معرفة الله ومساكن بركة الله ومعادن حكمة الله وحفظه سر الله ... اصطفاكم بعلمه ، وارتضاكم لغيبه ، واختاركم لسره ... وأنصاراً لدينه ، وحفظة لسره ... ومستودعاً لحكمته ... ).
        وغير ذلك من الاقوال والزيارات الواردة والتي تصفهم عليهم السلام بأنهم المستودع لسّر الله ، وان هذه الاسرار لا يعطوها إلا إلى أهلها وإلى ذلك أشار الحديث المروي عن أبي بصير قال : « قال أبو عبدالله عليه السلام : يا أبا محمد ، إن عندنا والله سراً منسّر الله وعلماً من علم الله ، والله لا يحتمله ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا مؤمن امتحن الله قلبه للايمان ، والله ما كلف الله ذلك ، أحداً غيرنا ولا استعبد بذلك أحداً غيرنا ، وان عندنا سراً من سر الله ، وعلما من علم الله أمرنا بتبليغه فبلغنّا عن الله عزّ وجل ما أمرنا بتبليغه ، فلم نجد موضعاً ولا أهلاً ولا حمالة يحتملونه حتى خلق الله لذلك أقواماً ، خلقوا من طينة خلق منها محمد وآله وذريته عليهم السلام ، ومن نور خلق الله منه محمداً وذريته وضعهم بفضل صنع رحمته التي صنع منها محمداً وذّريتَهُ ، فبلّغنا عن الله ما أمرنا بتبليغه فقبلوه واحتملوا ذلك « فبلغهم ذلك عنا فقبلوه واحتملوه » وبلغهم ذكرنا فمالت قلوبهم إلى معرفتنا ، وحديثنا فلولا أنهم من هذا لما كانوا كذلك ، لا والله ما احتملوه ، ثم قال : إنّ الله خلق أقواماً لجهنم والنار ، فأمرنا أن نبلغهم كما بلغناهم ، وأشمأزوا من ذلك ونفرت قلوبهم وردوه علينا ولم يحتملوه ، وكذبوا به وقالوا ساحرٌ كذاب ، فطبع الله على قلوبهم وأنساهم ذلك ، ثم أطلق الله لسانهم ببعض الحق فهم ينطقون به وقلوبهم منكرة ، ليكون ذلك دفعاً عن أوليائه وأهل طاعته ، ولو لا ذلك ما عُبدَ الله في أرضه ، فأمرنا بالكف عنهم والستر والكتمان ، فاكتموا عمّن أمر الله بالكف عنه واستروا عمن أمر الله


        --------------------------------------------------------------------------------

        ( 53 )

        بالستر والكتمان عنه ، قال : ثمّ رفع يده وبكى وقال : اللهم إن هؤلاء لشر ذمة قليلون ، فاجعل محيانا محياهم ومماتنا مماتهم ولا تسلط عليهم عدواً لك فتفجعنا بهم ، فأنك إن أفجعتنا بهم لم تعبد أبداً في أرضك وصلى الله على محمد وآله وسلم تسليماً(1) ».
        أقول : يظهر من هذا الحديث عدة أمور أهمها :
        إنّ أهل البيت عليهم السلام عندهم أسرار قد آمنهم عليها رب العزة لا يتحملها غيرهم ولا يخرجونها إلى أحد منهم مكلفون بها وبحملها والحفاظ عليها وهذا هو معنى « حفظة سرّ الله » الوارد في الزيارة الجامعة الكبيرة ، وايضاً قوله عليه السلام ان عندنا ... وعلماً من علم الله يعني حكمة الله تعالى انهم هم الودائع لها وهذا معنى قوله في الزيارة ومستودعاً لحكمته ، وعلى هذا تكون هذه الأسرار خاصة بهم لا يخرجونها إلى غيرهم فهم أولى بحملها من غيرهم لانهم فقط الذين يحتملونها. وكذلك عندهم سّر من أسرار الله تعالى وعلماً من علم الله تعالى احتمله نبيٌ مرسل وملك مقرب وعبد امتحن الله قلبه للايمان وقد عبر الرواية ان هذه الأسرار والعلوم لا يحتملها إلا من هو مخلوق من طينتهم وهم الشيعة الحقيقيين ، الذي بشرهم هذا الحديث بالدعاء من قبل الإمام عليه السلام لهم بأن تكون حياتهم مثل حياة أهل البيت عليهم السلام.
        إذن يظهر من هذا الحديث وأحاديث مأثورة عنهم عليهم السلام أنهم كانوا يحملون أسرار الله تعالى قد أودعها البارى عز وجل فيهم وكما بينت ذلك الفقرات الواردة في الزيارة الجامعة ، وبما أنهم ذرية الصديقة الشهيدة فاطمة الزهراء صلوات الله وسلامه عليها والتي قد أُقر بفضلها ومحبتها جميع الأنبياء والبشر وانها كانت مفروضة الطاعة وعلى معرفتها دارت القرون الاولى ، تكون عندئذ ايضاً حاملة للاسرار الالهية لانه كيف تكون حجة الله على الأئمة وكما ورد ذلك في الحديث المأثور عن الإمام الحسن العسكري « نحن حجج الله على خلقه وجدتنا فاطمة حجة الله علينا » وهم حاملين للاسرار وهي تكون غير حاملة له ؟ ولكن السؤال الذي ينقدح في المقام هو كيف كانت مستودعاً للسر الالهي وما هو حقيقة هذا السر المستودع ؟ كل هذه الأسئلة لابد
        ____________
        (1) اصول الكافي : 1 | 467 ح 5.
        --------------------------------------------------------------------------------

        ( 54 )

        من ادراكها وعلى ما تحتمله لكي نعرف فاطمة ولو معشار عُشر المعرفة التي فُطمنا عنها ـ أي عن معرفة فاطمة عليها السلام.
        اقول : قبل أن ندخل في تفاصيل السر المستودع وحقيقة ماهيته لابد أن نرى كيف إقتضت ات الزهراء لحمل الأمانة الالهية التي جعلها مستودعاً لها ، وهذا يظهر لنا من خلال مراجعة واستقراء الاحاديث المأثورة فيها والزيارات الواردة في علو مقامها وشأنها ونستنطقها الحال ونستقرئها الجواب لكي نفهم كيف اقتضت المشيئة الربانية ذلك ، وان أول ما يظهر من الجواب على ذلك من خلال الزيارة الواردة في شأنها في يوم الاحد والتي تقول الزيارة : « السلام عليك يا ممتحنة إمتحنك الذي خلقك قبل أن يخلقك وكنت لما امتحنك صابرة ».
        والذي يظهر من هذه الزيارة المخصوصة للصديقة الشهيدة انها أُمتحنت من قبل الباري عز وجل وقبل خلقها أي عندما كانت نوراً من الانوار التي خلقها الله تعالى قبل الخلق بالف عام والتي كانت بعرشه محدقة ، والامتحان كان لها لاجل أظهار مقامها السامي ومنزلتها الحقيقية حيث كانت نتيجة الامتحان صابرة ، والمعروف عند العرف العقلائي ان الامتحان يمتحن فيه الشخص لُيعرف مدى استعداداته وقابلياته « عند الامتحان يكرم المء أو ... » ، لذا نجد من باب ان الباري عز وجل الذي هو سيد العقلاء بل هو خالق العقل أجرى الامتحان الرباني للزهراء حيث امتحنها ، ونحن نعرف ان الامتحان يكون للمرء إما لزيادة منزلة ومقام أو لأجل شيء آخر ، ولكن الزهراء عليها السلام إمتحنها الله تعالى لكي تكون حاملة للأسرار الالهية وذلك ما إقتضته المشيئة الربانية فيها ، لذا كانت ناجحة في الامتحان الرباني قبل خلقها حيث استحقت لقب الصابرة ، اما ماهية هذا الامتحان وفي أي موضوع كان ، وكيف أجراه الله تعالى عليها ؟ فهذا ما أشارت إليه بعض الروايات والتي نستفيد من خلال التمعن فيها والتدقيق في مدلولاتها انها امتحنت في حمل الأمانة الربانية فوجدها الباري عز وجل صابرة على حمل العلم والأمانة الربانية ، لذا استحقت حمل الأسرار الربانية ، ولكن ينقدح السؤال المهم في المقام ما هو حقيقة هذا السر المستودع في فاطمة ؟.
        أقول : قبل الاجابة على حقيقة هذا السر ، أود أن أشير إلى مسألة مهمة تظهر لنا من


        --------------------------------------------------------------------------------

        ( 55 )

        خلال عرض الروايات التي تقول ان الاسرار التي اكن يحملها أهل البيت لا يتحملها إلا نبي مرسل أو ملك مقرب أو عبد أمتحن الله قلبه للايمان ، أي من خلال عرض هذه الروايات الواردة في حمل أسرار الأئمة وانه لا يحملها إلا الممتحن ومطابقتها مع الزيارة الخاصة بالصديقة الطاهرة والتي تقول « السلام عليك يا ممتحنة » يظهر لنا من خلال هذه المطابقة ان العبد الممتحن هو الوحيد الذي يستطيع حمل الأسرار والعلوم الربانية فأفهم تغنم فان في الأمر اشارات لا يسع المقام أن يُظهرها من خلال القلم أو الكتاب.
        أما حقيقة السر المستودع فيظهر لنا من خلال عدة احتمالات نحتملها في كونها هي مفاد السر المستودع ، ولا تقصد من ان ظهور هذه الاحتمالات يكون بالقطع اليقيني ، كلا فان الأمر أعلى وأجل من أن يظهره قلم أو يحظر على ذهن كاتب ، أو عالم ، وأنما الأمر يتجاوز المقام ، فان من الأسرار التي يمتلكها أهل البيت عليهم السلام ما لم يخطر على بال بشر، وكيف لا وهم الذين اصطفاهم الله تعالى ليكونوا الدالين على مرضاته وهم الصراط الاقوم ، اما هذه الاحتمالات فلها شواهد ولها قرائن تدل عليها ولا يعني انها هي السر المستودع في فاطمة عليها السلام بل نترك ذلك للمؤمن لكي يتبحر في عرفان الصديقة الطاهرة سلام الله عليها عسى ولعل يصل الى حقيقة الأمر ، اما هذه الاحتمالات مع بعض القرائن والشواهد عليها :
        1ـ السر المستودع هو المهدي ( عج ) : قد يكون السر هو صاحب الزمان عج الذي سوف يُظهِر الله الدين كله على يديه في آخر الزمان ، لكون ان الزهراء عليها السلام جدّته ، وخصوصا نحن نعلم أن الأئمة من ولدها ، فعليه قد يكون السر الذي سوف يُظهِرهُ الله في وقته هو الإمام الحجة ، ويدل على كون المهدي هو من ولد فاطمة عليها السلام ، في الحديث المروي عن أبي أيوب الأنصاري والذي من جملته كان الخطاب لفاطمة عليها السلام ... عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ... « ومنا سبطا هذه الأمة وسيّدا شباب أهل الجنة الحسن والحسين وهما أبناك ، والذي نفسي بيده منا مهديّ هذه الأمة وهو من ولدك »(1).
        ____________
        (1) ينابيع المودة : 436 ، منتخب الاثر : 192.
        --------------------------------------------------------------------------------

        ( 56 )

        وعن أُم سلمة ، قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : « المهدي من عترتي من ولد فاطمة »(1).
        وقد يرد على هذا الاحتمال بأنه اذا كان المهدي ( عج ) سراً من الأسرار المستودعة في فاطمة في ذلك الزمان ولم يعرف ولم يُظهر لأ؛دنا فان هذا القول الآن يصبح منتفي لكون مسألة الإمام المهدي والوعد الالهي فيه أصبحت من المتسالمات عند أكثر المسلمين ، هذا من جهة ، وكون الدعاء يقول أي أتوسل بفاطمة وأبيها وبعلها وبنيها ... ولفظة بنيها تشمل كل أبناء الزهراء المعصومين والدعاء في ختامه يقول والسر المستودع ، فانه لا معنى ان يتوسل المؤمن بالسر المستودع الذي يكون المهدي ( عج ) وفي نفس الوقت يتوسل ببنيها ، الذي هو منهم ومشترك معهم ، وربما يجاب أنّه من باب ذكر الخاص بعد العام ليفيد الحصر أو الإختصاص ؟!!!
        2ـ وقد يكون السر المستودع أشارة الى ان ولاية الله تعالى سوف تكون في ولد فاطمة وان الأئمة المعصومين منها سلام الله عليها ، وقد وردت عدة شواهد روائية تدل على أن الأئمة من ولد فاطمة عليها السلام وان الولاية فيهم والإمامة منحصرة في وجودهم المبارك وهذا ما اثبته القرآن الكريم والسنة الشريفة ويكفي في اثبات ولايتهم ما جاء في كتاب الغدير للعلامة الاميني ، ولكن ننقل لك بعض الشواهد في هذا الأمر المهم والتي كان منها ما جاء عن أمير المؤمنين عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديث طويل قال : « إن الله عز وجل نظر إلى الأرض ثالثة فاختار منها أحد عشر إماماً ... وأمّهم فاطمة ابنتي(2).
        وفي حديث آخر عن جابر بن عبدالله الانصاري قال : « أشهد بالله لقد دخلت على فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأهنئها بولدها الحسين ، فاذا بيدها لوح أخضر من زبرجدة خضراء فيه كتاب أنور من الشمس ... فقلت : ما هذا يا بنت رسول الله ؟ فقالت : هذا لوح أهداه الله عز وجل إلى أبي ، فيه اسم ابي وأسم الاوصياء
        ____________
        (1) من سنن أبي داود عن العوالم : 1031.
        (2) احقاق الحق 5 | 40.
        --------------------------------------------------------------------------------

        ( 57 )

        بعدي من ولدي ، فسألتها ان تدفعه إلي لأنسخه ففعلت ...(1) ».
        وهذا الاحتمال يرد عليه بكون الدعاء ، يقول بفاطمة ... وبنيها والسر المستودع فيكون تكرار للقسم بالأئمة الذين هم بنيها وكذلك بالسر المستودع الذي هو الأئمة.
        3ـ السر المستودع هو أمرهم كما في بصائر الدرجات عن الصادق عليه السلام : « إن أمرنا سّر مستتر وسّر لا يفيده إلا سّر وسّر على سّر وسرّ مقنع بسر ».
        وعنه عليه السلام أيضاً : « إن أمرنا هذا مستور مقنع بالميثاق من هتكه أذله الله ».
        وعنه عليه السلام : « أن أمرنا هو الحق وحق الحق وهو الظاهر وباطن الظاهر وباطن الباطن وهو السّر وسّر السّر وسّر مستسر وسّر مقنع بالسر ».
        فالزهراء بما أنها أم الأئمة وهي حجة الله عليهم وانها مفروضة الطاعة على جميع البشر كما ورد ذلك في الاحاديث المأثورة تكون الأسرار التي مودعة فيها معروفة عند الأئمة وهم يحافظون عليها وقائمون بمقتضاها ، أو تعلقاتها أو تبليغ دواعيها ومحافظين على هذه الأسرار ولا يظهرونها لأحد إلا من كان محتملاً لعلمهم واسرارهم ولذلك ظهر الشيء القليل منها ، لسلمان وكميل وأبي ذر وغيرهم من المؤمنين الممتحنين ، فامرهم هو سر الله تعالى المودع في فاطمة عليها السلام والأئمة يحافظون على اسرار هذا الأمر وان كان تفسير الأمر في الروايات المأثورة هو أمر الولاية ، « السلام على محال معرفة اله ومساكن بركة الله ومعادن حكمة الله وحفظة سر الله »(2).
        4ـ السر المستودع هو العلوم الربانية المودعة في فاطمة عليها السلام ، وهذا ما نستطيع فهمه من خلال الأحاديث المروية في شأنها سلام الله عليها حيث كانت المحدّثة من قبل الملائكة وكان لها مصحف يتوارثه الأئمة واحداص بعد واحد وفيه كل ما يحتاجونه من الذي يجري على البشر وفيه أسماء الحكام الذي يحكمون وحكموا من زمن آدم الى آخر يوم من الدنيا ، وعليه نحتمل ان يكون المصحف هو السر المودع في فاطمة وهذا فيه من الأمور التي لم يطلع عليها سوى ابناء الزهراء الأئمة المعصومين الذين يتوارثون هذا المصحف وينظرون فيه وهو من املاء رسول الله وربما من املاء الإمام علي بن
        ____________
        (1) النصوص على الأئمة الأثني عشر : 67 ، ح 5 عن أمالي الطوسي ، وعيون أخبار الرضا عليه السلام.
        (2) الزيارة الجامعة الكبيرة.

        تعليق


        • #5
          أبي طالب عليه السلام ، وهذا ما أشارت إليه جملة من الروايات الواردة في المقام ومنها :
          * « ما رواه الحسين بن أبي العلاء قال سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول عندي الجفر الأبيض قال قلنا وأي شيء فيه ، قال : فقال لي زبور داود ، وتورة موسى ، وانجيل عيسى ، وصحف ابراهيم والحلال والحرام ومصحف فاطمة ما أعم أن فيه قرآنا وفيه ما يحتاج الناس الينا ولا نحتاج إلى أحد حتى أنّ فيه الجلدة ونصف الجلدة وثلث الجلدة ... »(1).
          وأيضاً ما رواه أبو بصير بالسند المتصل قال دخلت على أبي عبدالله عليه السلام فقلت له إني أسئلك جعلت فداك عن مسئلة ليس هيهنا أحد يسمع كلامي فرفع أبو عبدالله عليه السلام ستراً ... « وساق الحديث »... حتى أجابه الإمام قائلاً : « وان عندنا لمصحف فاطمة عليها السلام وما يدريهم ما مصحف فاطمة قال مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد انما هو شيء املاها الله وأوحى اليها قال قلت هذا والله هو العلم انه لعلم وليس بذاك قال ثم سكت ساعة ثم قال : انّ عندنا لعلم ما كان وما هو كائن إلى أن تقوم الساعة قال قلت جعلت فداك هذا والله هو العلم قال انه العلم وما هو بذاك ، قال قلت جعلت فداك ، فأي شيء هو العلم ، قال ما يحدث باللّيل والنهار الأمر بعد الأمر والشيء بعد الشيء إلى يوم القيامة (2).
          * وفي حديثٍ عن حمّاد بن عثمان قال سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول : « تظهر الزنادقة في سنة ثمانية وعشرين ومائة وذلك لأني نظرت في مصحف فاطمة قال فقلت : وما مصحف فاطمة عليها السلام ؟ فقال : ان الله تبارك وتعالى لما قبض نبيه صلى الله عليه وآله وسلم دخل على فاطمة من وفاته من الحزن مالا يعلمه إلا الله عز وجل فأرسل اليها ملكا يسّلي عنها غمها ويحدثها ، فشكت ذلك الى أمير المؤمنين عليه السلام فقال لها إذا أحسست بذلك فسمعت الصوت فقولي لي فاعلمته فجعل يكتب كلما سمع حتى أثبت من ذلك مصحف قال : ثم قال اما انه ليس فيه من الحلال والحرام ولكن فيه علم ما يكون.
          ____________
          (1) بصائر الدرجات : 3 | 170 ح1.
          (2) بصائر الدرجات : 3 | 172 ح3.
          (3) بصائر الدرجات : 3 | 177 ح 18.

          --------------------------------------------------------------------------------

          ( 59 )

          أقول : يظهر من هذا الحديث وأحاديث أخرى مأثورة عن أهل بيت العصمة عليهم السلام ان مصحف فاطمة متوارث من قبل الأئمة وفيه علم ما كان ويكون إلى آخر الزمان ، وفيه الحكام الذين يحكمون والفرق التي تظهر وتبتدع في كل زمان ، ويظهر من هذا المصحف انه من إملاء الإمام علي عليه السلام حيث كانت الملائكة تحدث الصديقة الشهيدة عليها السلام بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتملي على عليّ عليه السلام ويكتبه ، وعلى هذا الاساس يكون المصحف متأخر رتبة في الوجود والظهور عن الاساس الذي اسسناه في كون السر المستودع في فاطمة كان بعد امتحانها قبل الخلق وكما بيّناه في مقدمة البحث ، فعليه يكون هذا الاحتمال في كون المصحف هو السر المستودع في فاطمة عليها السلام بعيد وعلى ضوء الاساس الذي بيناه ، لذا تكون العلوم الربانية ليست هي السر المستودع وخصوصا نحن نعلم ان ورد في الرواية الشريفة عن أبي عبدالله عليه السلام حيث يقول : ( إن عندنا والله سرّاً من سرّ الله ، وعلماً من علم الله ، والله ما يحتمله ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا مؤمن امتحن الله قلبه للأيمان والله ما كلّف الله ذلك أحداً غيرنا ، ولا استعبد بذلك أحداً غيرنا ... )(1).
          فيتبين من هذه الرواية ان عند أهل البيت بما فيهم فاطمة عليها السلام عندهم سراً من سر الله تعالى وهذا غير العلم وإلا لكان الإمام يقول العلم نفسه السر بل انه فصّل بين السر والعلم فعليه العلم غير السر المستودع فيهم عليهم السلام.
          5ـ قد يكون السر هو ما أشارت الرواية المروية في شأن الحديث القدسي المروي عن لسان جابر بن عبدالله الاصناري عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الله تبارك وتعالى أنّه قال : « يا أحمد لولاك لما خلقت الافلاك ، ولولا علي لما خلقتك ولولا فاطمة لما خلقتكما »(2).
          أي إنه العلة الغائيّة لخلقكما كما يظهر من الحديث القدسي هو وجود فاطمة عليها السلام ، أما كيف يكون هذا الأمر فهذا ما سيتبين لنا من خلال بحث هذا الحديث في موضوع
          ____________
          (1) الكافي : 1 | 467 ح 5.
          (2) الجنة العاصمة : 148 | كشف اللآلي : 5 ، مستدرك سفينة البحار : 3 | 334 عن مجمع النورين : 14 عن العوالم : 1 | 44.
          --------------------------------------------------------------------------------

          ( 60 )

          مستقل انشاء الله.
          6ـ السر المستودع هو اسم الله الأعظم.
          عندما نراجع الروايات الواردة في شأن أهل البيت عليهم السلام نجد أن مما حظي به الأئمة عليهم السلام ، دون غيرهم هو أنهم يحملون اسم الله الأعظم وهذا ما صرحت به الاحاديث المأثورة عنهم ، حيث خصهم الباري عز وجل بهذا الكرامة العظيمة ، وكما تبين لنا من الرواية المتقدمة ان السر الذي بحوزة أهل البيت هو غير العلم والحكمة التي يتملكها أهل البيت عليهم السلام ، فقد يكون السر الذي يملكونه هو نفسه الاسم الاعظم لله تعالى الذي إذا دعي به أجاب ، والذي يدل على أنهم عندهم اسم الله الاعظم جملة من الروايات الواردة في المقام منها ما ورد عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال : « ان اسم الله الاعظم على ثلاثة وسبعين حرفاً وانما كان عند آصف منها حرف واحد فتكلم به فُخسف بالأرض ما بينه وبين سرير بلقيس حتى تناول السير بيده ، ثم عادت الأرض كما كانت أسرع من طرفة عين ، ونحن عندنا من الأسم الاعظم اثنان وسبعون حرفاً ، وحرف واحد عند الله استأثر به في علم الغيب عنده ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم(1). وعن النوفلي ، عن أبي الحسن صاحب العسكري عليه السلام قال : سمعته يقول « اسم الله الاعظم ثلاثة وسبعون حرفاً ، كان عند آصف حرف فتكلم به فأنخرقت له الأرض فيما بينه وبين سبأ ـ أي مملكة سبأ او مدينة سبأ حيث كان عرش بلقيس ـ فتناول عرش بلقيس حتى صيره إلى سليمان ، ثم انبسطت الأرض في أقل من طرفه عين ، وعندنا منه اثنان وسبعون حرفاً ، وحرف عند الله مستأثر به في علم الغيب(2).
          أقول : وكثيرةٌ هي الأحاديث المأثور عنهم عليهم السلام في هذا الباب حيث خصهم الله تبارك وتعالى بهذه الخصوصية والذي يظهر من هذه الأحاديث انهم افضل مقاماً ومنزلةً من الأنبياء السابقين ، بدلالة هذه الاحاديث ، وكل ما ثبت للأئمة عليهم السلام فهو ثابت للصديقة الشهيدة عليها السلام من حيث كونها أُم الأئمة الاطهار ومن كونها حجة الله على الأئمة وكما
          ____________
          (1) الكافي : 1 | 286 ح 1 ، بصائر الدرجات : 4 | 228.
          (2) نفس المصدر السابق.
          --------------------------------------------------------------------------------

          ( 61 )

          سيمر بنا ذلك في شرح هذا الحديث ، وكذلك هناك عدة اشارات في الروايات إلى مسألة أسم الله الأعظم وكيف ان الإمام علي عليه السلام الذي هو كفؤ الزهراء عليها السلام كان يحمل اسم الله الاعظم الذي اذا دعي به أجاب وهذا ما وجدناه في قضية رده الشمس التي غابت في أرض بابل حيث سأله أحد أصحابه يا أمير المؤمنين كيف رددت هذه الشمس ، فقال له سئلت الله تعالى بأسمه الاعظم ان يردها عليها فردها ، وكما ورد في سورة الواقعة ( فسبح باسم ربك العظيم )(1). وعلى هذا الأساس فان كل ما أعطاه الله تبارك وتعالى وخص به أهل البيت عليهم السلام فهو ثابت للزهراء عليها السلام ، فعليه تكون الصديقة الطاهرة حامل لاسم الله الاعظم الذي خصه الله تبارك وتعالى بأهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ، فيكون وعلى ما احتمله بل أرجحه على بقية الاحتمالات الاخرى ان السر المستودع في فاطمة هو اسم الله الاعظم ، والذي يدل عليه على ما استفيده من الدعاء الذي بدأنا به البحث « اللهم اني أسألك بحق فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها ... » حيث يظهر من هذا الدعاء أولاً التوسل بحق فاطمة... وكذلك التوسل إلى الله تعالى بالسر المستودع ، والتوسل لا يكون إلى الله تعالى إلا بالذي يكون له شأن عند الله عز وجل ، ونبتغي إليه الوسيلة ، فعليه نحتمل أن يكون السر هو اسم الله الاعظم المستودع عند فاطمة عليها السلام ، وأبناؤها وخصوصا هناك شواهد تدلل على ان هذا الاسم لا يخرجونه أهل البيت عليهم السلام الى أحد وكما ورد في الحديث المروي في شأن عمر بن حنظلة حيث قال لأبي جعفر عليه السلام : « إني أظنّ أنّ لي عندك منزلة ، قال : أجل ، قال : قلت فإنّ لي إليك حاجة قال وما هي ؟ قال : قلت تعلمني الأسم الأعظم قال وتطبيقه قلت نعم قال : فادخل البيت قال : فدخل البيت فوضع أبو جعفر عليه السلام يده على الأرض فأظلم البيت فارعدت فرايص عمر فقال : ما تقول اعلمك فقال لا قال : فرفع يده فرجع البيت كما كان »(2).
          ويوجد أيضاً شاهد آخر يدل على كون فاطمة عليها السلام تمتلك الاسم الاعظم وذلك عندما قادوا علياً عليه السلام في يوم سقيفة بني ساعدة للبيعة فخرجت نفسي لها الفداء تجر أذيالها
          ____________
          (1) راجع بصائر الدرجات : 5 | 237.
          (2) بصائر الدرجات : 4 | 230.
          --------------------------------------------------------------------------------

          ( 62 )

          خلف ابن عمها وهي تقول خلو ابن عمي أو لاكشفن رأسي للدعاء ، حيث يقول سلمان « فخرجت فاطمة عليها السلام فقالت : يا أبا بكر أتريد أن ترملني من زوجي ـ والله ـ لئن لم تكف عنه لأنشرن شعري ولأشقن جيبي ، ولآتين قبر أبي ، ولأصيحن الى ربي : فأخذت بيد الحسن والحسين عليهما السلام ، وخرجت تريد قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال علي عليه السلام لسلمان : أدرك أبنة محمد صلى الله عليه وآله وسلم فإني أرى جنبتي المدينة تكفيان ، والله ان نشرت شعرها ، وشقت جيبها ، وأتت قبر أبيها ، وصاحت الى ربها لا يناظر بالمدينة أن يخسف بها ( وبمن فيها ) ، فادركها سلمان رضي الله عنه فقال ، يا بنت محمد ، أن الله بعث أباك رحمة فارجعي فقال : يا سلمان ، يريدون قتل علي ، ما على عليَّ صبر ، فدعني حتى آتي أبي فأنشر شعري ، وأشق جيبي ، وأصبح إلى ربي ، فقال سلمان أني أخاف ان تخسف بالمدينة ، وعلي عليه السلام بعثني إليك ويأمرك ان ترجعي الى بيتك وتنصر في. فقالت : إذا أرجع وأصبر ، وأسمع له وأطيع »(1).
          ويظهر من هذه الرواية ان الصديقة الزهراء عليها السلام لو أنها دعت الله تعالى لاستجاب الله دعائها ، فان الإمام علي عليه السلام عندما قال : ( فاني أرى جنبتي المدينة تكفيان ) يعني إشارة إلى أنّها كانت عندها الولاية التكوينية وكما سنقف مع هذا البحث انشاء الله تعالى ، وعلى كل حال فان الصديقة كانت تحمل الاسم الاعظم ، ولا ضير في ذلك فهي أم أبيها وأم الأئمة الاطهار الذين يحملون الأسم الاعظم الذي إذا دعي به أجاب ، وهناك اشارة لطيفة في كون فاطمة الزهراء عليها السلام لها أسم مشتق من أسماء الله الحسنى حيث وَرَدَ ذلك في حديث الاشتقاق « هذه فاطمة وأنا فاطر السموات والأرض ، فاطم أعدائي من رحمتي يوم فصل قضائي ، وفاطم أوليائي عما يعيرهم ويشينهم ، فشققت لها أسماً من أسمي ».
          وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « أن الله شق لك يا فاطمة اسماً من اسمائه وهو الفاطر وأنت فاطمة » وعليه فان فاطمة وديعة المصطفى ، فاطمة الانسية ، الحوراء مطلع الانوار العلوية ومشكاة الولاية وأم الأئمة وعيبة العلم ووعاء المعرفة . واختتم هذا البحث في
          ____________
          (1) تفسير العياشي : 2 | 66 ح 76 ، البرهان : 2 | 93 ح 4 ، الاختصاص : 181.
          --------------------------------------------------------------------------------

          ( 63 )

          أمرٍ قد أستفدته واستنتجته من خلال بعض الروايات الواردة في كتب الحديث كأمثال الكافي والبصائر وغيرهما ، حيث يظهر من خلال الروايات أن أمر آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم أمر جسيم مقنع بالميثاق لا يستطاع فهمه وادراكه وذكره وهذا الأمر هو ( كما عبرت عنه الرواية ـ « أمرنا » سر في سر وسر مستتر في سر ولا يفيده إلا سر وسر على سّر وسّر مقنع بسر وهو الحق وحق الحق وهو الظاهر وباطن الظاهر وباطن الباطن وهو السر وسر السر وكذلك ورد في الحديث الشريف انه لو قد قام قائمنا لتكلم بهذا الأمر وصدقه القرآن ، وكذلك وجدت ان هذا الأمر ـ وكما ورد في الرواية ـ هو الذي جعل الملائكة مقربين وغيرُ مقربين والأنبياء مرسلين وغير مرسلين والمؤمنين ممتحنين وغير ممتحنين ، وعليه يكون الأمر هو السر، فما هو السر ؟؟؟...
          ( إنما أمره إذا اراد شيء ان يقول له كن فيكون فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون ).

          تعليق


          • #6


            البحث الثالث
            فاطمة عليها السلام حجة الله الكبرى



            ------------------

            ( 66 )


            --------------------------------------------------------------------------------

            ( 67 )


            السيد محمد جمال الهاشمي

            [poem font="Simplified Arabic,4,black,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]

            أي خطبٍ يبكي عليـه خطابــي * ومصابُ قدْ شـابَ شهديْ بصابِ(1)
            آهِ(2) يـومُ الزهــراء أيٌّ فـؤادٍ * علــويًّ عليـك غيـرُ مــذابِ
            لكَ في الدهـــرِ رنّةٌ رددتْـهـا * بخشـوع أجيـالـُـهُ واكـتـئاب
            فهي تارٌ تذكــي القرونَ ونـورٌ * رفَّ لألأؤُهُ علــى الأحـقــاب
            وهيّ للمـجـدِ فيــه للســـا * لكِ تبدوْ الصعـابُ غيــرَ صعاب
            غابَ نورُ النبـي وانقطعَ الوحـيُ * وخــارتْ عـزائــــمُ الآراب
            وارتمى موكب الحيــاةِ وجاشـتْ * نـزعاتُ النفـاقِ فـي الاحـزاب
            فانطوى النورُ في ظـلامٍ كثيـفٍ * نشرتْـهُ جـرائـــمُ الأنقــلاب
            وانمحى الحقُّ والصـراحـةُ لمـا * سـادَ عهـدُ الضـلالِ والإرتيـاب
            موقـفٌ أربـكَ العصـورَ فأخفتْ * رأيهـا في القلــوبِ والأهــداب
            غضبـةُ الحقّ ثورةٌ تجرفُ الباطلَ * فـي مـوجِ عزمهـــا الوثّـاب
            عجـبٌ أمرُهــا وأعجـبُ منُهُ * أنهـا تنتـمي لـذات نقــاب(3)
            واذا اللبــرة الجريحـة ثـارت * لهـث المـوت بيـن ظفر ونـاب
            شمـرت للجهـاد سيـدة الاسلام * عن ذيــل عزمهــا الصخّـاب
            وأتـتْ ساحـةَ الجهـادِ بايمـانٍ * يردُّ السيـوفَ وهــي نوابـي(4)
            حاكمـت عهـدّها المدمى بقلـبٍ * واغـرٍ مـن شجونهــا لَهــابِ
            لم تـدْع للمهاجريـنَ وللانصـارِ * رأيــاً إلاّ انمحــى كاضبــاب [/poem]
            ____________
            (1) الشهد : العسل والصاب : شجر مر.
            (2) آه : اسم فعل للتوجع بمعنى المضارع أي اتوجع من هذا الأمر.
            (3) سادة القوم.
            (4) نوابي : غير قاطعة.
            --------------------------------------------------------------------------------

            ( 68 )


            [poem font="Simplified Arabic,4,black,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
            واســتعانــتْ بالحـــقِّ درعٌ * من أمـانٍ وصـارمٌ منْ صـوابِ
            رجمتهــمْ بالمخـزيـاتِ فآبـوا * وهـم يحملـونَ سـوءَ المــآب
            حجـجٌ كالنجــمِ ينثُـرها الحـقُّ * ويرمـي الشهابَ إثــرَ الشهـاب
            فهي إمـا عقــلٌ وإمـا حديـثٌ * جاءَ عن نـصِ سنـةٍ أو كتــاب
            فتهـاوتْ احلامُهــمْ كـصـروحٍ * شادها الوهمُ عاليـاً في السـراب
            آهِ لولا ضَعْـفُ النفـــوسِ لمـا * استرجعَ ركبُ الهدى على الأعقاب
            ولمــا عادتِ الامــارةُ للقــومِ * وحــازوا امامــةَ المحــراب
            واستقرتْ هـوجُ العواصـفِ لَّمـا * قابلـتهـا سياســةُ الأرهــاب
            لأخطـابُ مــن عاذلٍ لا جـوابٌ * عـن سـؤالٍ لاهجمـةٌ من عتاب
            ومنـذ انهـارتْ الرجـالُ وعادوا * بتلــولٍ من خزيـهـمْ وروابـي
            واختـفـى النـصُّ بالولايـةِ لّمـا * أشهـرَ الكيـدُ فكـرةَ الانتخـاب
            أوقـدَ الغـدرُ في السقيفـةِ نــاراً * علُقـتْ في مواكـبِ الأحقــاب
            وتلاشــى الغديــرُ إلاّ بقـايـا * تترامـى بهـا بطـونُ الشِعـاب
            وتـوالــتْ مناظـرٌ مـؤلمـاتٌ * مثـلتهــا عــداوةُ الأصحـاب
            مـن هجـومِ الأرجـاسِ بالنارِ كيْ * تحـرقَ بيتَ الاكـارمِ الاطيـاب
            وانكسـارِ الضلعِ المقدس بالضغطِ * وسقـطِ الجنيـنِ عنـدَ البــاب
            وانتـزاع الوصـيّ سحباً من الدارِ * بتيــارِ ثـــورةِ الأعصـاب
            واغتصابِ الحـقُ الصريـحِ جهاراً * باختلاف الأعــذارِ للإغتصـابِ [/poem]

            --------------------------------------------------------------------------------

            ( 69 )


            البحث الثالث
            فاطمة عليها السلام حجة الله الكبرى
            عن الإمام الحسن العسكري عليه السلام أنه قال
            « نَحْنُ حُجج الله على خلقه ، وجّدتنا فاطمة عليها السلام حُجّة الله علينا »(1)

            يعتبر هذا الحديث من الاحاديث المهمة التي وردت عن الإمام الحسن العسكري عليه السلام ، لذا ونحن نقف نستلهم الدروس العقائدية من سلالة بيت النبوة ومعدن الرسالة لابد لنا ان نتأمل في هذا الحديث ونرى مدى مصداقيته في عالم الواقع والثبوت ، وبعبارة اخرى هل لهذا الحديث وجه للاستدلال به في المحاورات العقائدية التي تخص حياة الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام ام لا؟ وهل هناك وجه من الصحة بحيث تكون الصديقة الطاهرة عليها السلام الحجة على الأئمة أم يتجاوز الأمر الى أبعد من ذلك ؟ وما هي الثمرة لهذا الحديث إذا ثبت له الواقعية والمصداقية ومدى تأثيره على الجانب العقائدي للفرد المؤمن ؟ كل هذه الأسئلة نحتاج الوقوف عليها والتأمل فيها واستجلاء حقائقها وادراك مغازي هذا الحديث العقائدي. وهذا ما سيتبين لنا من خلال البحث الذي سنقسمه الى ثلاث امور اساسية وهي :
            الأمر الأوّل : معنى الحجة ؟
            الأمر الثاني : شرعية الحجة.
            الأمر الثالث : كيف كانت فاطمة عليها السلام حجة الله على الأئمة ؟
            ____________
            (1) تفسير أطيب البيان : 13 | 226.
            --------------------------------------------------------------------------------

            ( 70 )


            الأمر الأوّل
            معنى الحجة ؟

            وردت عدة تعاريف للحجة وماهيتها ولها عدة معاني لابد لنا من الوقوف عليها وعلى المعنى الذي يهمنا في المقام والذي من شأنه ان يبين معنى الحديث الشريف بحيث لا يبقى فيه أي اجمال وفي كل الجهات المبحوث عنها في المقام وجرت عادة أهل العلوم عندما يأتون إلى موضوع ما ويريدون أن يعرفوه بأي تعريف كان فانهم يعرفونه بالتعريف اللغوي وتعاريف الحجة.
            1ـ الحجة لغة ؛ كل شيء يصلح ان يحتج به على الغير وذلك بأن يكون به الظفر على الغير عند الخصومة معه والظفر على الغير على نحوين : « أحدهما » إما بأسكاته وقطع عذره وباطاله. « والآخر » واما بأن يلجئه على عذر صاحب الحجة فتكون الحجة معذرة لدى الغير والحجة هي الدليل والبرهان. وقال الازهري : انما سميت حجة لانها تُحَج أي تقصد لأن القصد لها واليها وكذلك معنى المحجة أي محجة الطريق وهي المقصد والمسلك(1).
            2ـ واما الحجة في الاصطلاح العلمي فلها معنيان أو اصطلاحان :
            * ما عند المناطقة : ومعناها « كل ما يتألف من قضايا تنتج مطلوباً » أي مجموع القضايا المترابطة التي يتوصل بتأليفها وترابطهما إلى العلم بالمجهول سواء كان في مقام الخصومة مع أحد أم لم يكن ، وبحثنا من جهة هذا التعريف المنطقي سوف يكون بربط مجموعة من القضايا وتأليفها لكي تصل إلى العلم بالمجهول وهو كيف أصبحت فاطمة حجة على الأئمة بل على الأنبياء فضلاً عن الخلق كما سيتبين من خلال البحث.
            * وهنالك معنى للحجة لدى الاصوليين وهو « كل شيء يثبت متعلقه يثبت متعلقه ولا يبلغ درجة
            ____________
            (1) لسان العرب مادة حجة.
            --------------------------------------------------------------------------------

            ( 71 )

            القطع » أي لا يكون سبباً للقطع بمتعلقه ، وإلاّ القطع يكون القطع هو الحجة ولكن هو حجة بمعناها اللغوي أو قل بتعبير آخر « الحجة » كل شيء يكشف عن شيء آخر ويحكي عنه على وجه يكون مثبتاً له »(1). ونعني بكونه مثبتاً له : ان اثباته يكون بحسب الجعل من الشارع لا بحسب ذاته فيكون معنى اثباته له حينئذ انه يثبت الحكم الفعلي في حق المكلف بعنوان انه هو الواقع ، وانما يصح ذلك ويكون مثبتاً له فبضميمة الدليل على اعتبار ذلك الشيء الكاشف الحاكي وعلى انه حجة من قبل الشارع.
            كما تنقسم الحجة في المنطق إلى قياس وتمثيل واستقراء ، والحجة ما يصح الاحتجاج به وما يحتج به المولى على العبد في مقام المنجزية ويحتج به العبد على المولى في مقام المعذرية ، ثم الحجة تنقسم بالتقسيم الاولي إلى عقلية وشرعية ، والاولى هي التي يصح التعويل عليها بصورة عامة في كل سؤال عن السبب ، والثانية هي التي يصح التعويل عليها بصورة عامة في كل سؤال عن السبب ، والثانية هي التي يصح الاحتجاج بها في الامور الشرعية ، أي ما يصح التعويل عليها في الفتاوى للفقيه ، فهي بصورة خاصة وبين الحجتين نسبة العموم المطلق ، فكل شرعية عقلية ولا عكس فان الحاكم بصحة الحجة هو العقل وكل واحد من القسمين ينقسم إلى حجة الزامية وإلى حجة ارشادية والاولى بمعنى ما يجب عند العقل التعويل عليه والالزام بما تقتضيه نفس الحجة والثانية ما يجوز التعويل عليه والارشاد ويكون من خواصها.
            فالحجج الالزامية العقلية كالبراهين الدالة على المبدأ والمعاد والنبوة الخ والحجج الإرشادية العقلية كاخبار العالم ورأى المتخصص وقول الخبير وتصير الزامية عند الرجوع اليها والتعويل عليها والحجج الالزامية الشرعية كالانبياء واوصيائهم المعصومين فانهم حجج الله ويجب الاخذ باقوالهم وافعالهم وتقريرهم والذي يعبر عنها القول والفعل والتقرير بالسنة(2) ، وفيما نحن فيه من معرفة معنى الحجة يفيدنا في المقام الحجة لغة ومنطقا لكونها يوصلان بالقطع بامر بحيث يصلح ان يحتج به على الغير سواء في الدنيا أو الآخرة ، وعلى ضوء الاستدلالات العقلية البرهانية. وعلى
            ____________
            (1) اُصول المظفر : 2 | 18.
            (2) هذا التقسيم استفدناه من درس استاذنا اية الله السيد عادل العلوي حفظه الله ( خارج الفقه ) ـ الاجتهاد والتقليد.
            --------------------------------------------------------------------------------

            ( 72 )

            ضوء التعاريف المتقدمة يكون قد لاح لنا مفهوم آخر غير الحجة وهو المحجة ، والحجة تبين لك معناها من التعارف المتقدمة ، أما المحجة فهي المسلك والطريق الذي يتوصل به إلى الغير والمحجة هي الطريق السليم الذي لا إعوجاج فيه ، فلقد ورد في هذا المعنى عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام انه قال وسمع كثيراً يردد هذا القول :
            علمُ الحجة واضـح لمريــده * وأرى القلوب عن المحجة في عمى
            وقـد عجبـت لهالك ونجاتـه * موجـودة ولقد عجبـت لمن نجى



            الأمر الثاني
            شرعية الحجة

            هناك عدة احتجاجات وردت في القرآن الكريم قد اثبتها الله تبارك وتعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم لانبياءه المرسلين من الاولين والاخرين لكي يحتجوا بها على للناس المشككين أو الناكرين للرسالة أو النبوة أو النبي ومعاجزه وكراماته ، ولقد بين الله تعالى في كتابه الشريف بعض الايات التي نستفيد من خلالها ان الله تعالى يحتج يوم القيامة بالانبياء على الناس وهذا ما ما أشار إليه القرآن الكريم في قوله تعالى ( إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده ... إلى قوله تعالى... رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون الناس على الله حجة بعدَ الرسل وكان الله عزيزاً حكيما )(1). ومن جهة اخرى ورد في القرآن الكريم بعض الاحتجاجات بين الكافرين في ما بينهم في النار حيث جاء قوله تعالى ( وإذ يتحاجون في النار فيقول الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعاً فهل أنت مُغنون عنا نصيبنا من النار )(2).
            وكذلك نجد قوله تعالى ( فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبنائنا وأبناءكم ونساءنا ونساؤكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على
            ____________
            (1) النساء : آية 163 ـ 165.
            (2) غافر : آية 47.
            --------------------------------------------------------------------------------

            ( 73 )

            القوم الكافرين )(1). جاء ليؤكد حقيقة النصارى وطلبهم من الرسول الاحتجاج حول مسألة عيسى ابن مريم وكيف واجههم الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم بقضية المباهلة التي خسروا فيها والقي ما في أيديهم من الحجة التي كانوا يحتجون بها على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
            وكثيرةٌ هي الاحتجاجات الموجودة في القرآن الكريم والتي جاءت بعضها لكي تثبت اعجاز القرآن الكريم واخرى لتبين احتجاجات ابراهيم مع قومه واخرى تثبت احتجاجات الرسول مع قومه وهكذا لئلا يكون للناس على الرسول المرسل الحجة البالغة ، ولذا نجد أمير المؤمنين علي عليه السلام يقول في معرض بيان ان العباد لابد لهم ان يتعظوا وينتفعوا بحجج الله تعالى فانه لا ينفع أي شيء يوم القيامة إلا الإيمان المقرون بالولاية والعمل الصالح.
            « انتفعوا ببيان الله واتعظوا بمواعظ الله واقبلوا نصيحة الله فان الله قد أعذر إليكم بالجلية وأخذ عليكم الحجة وبين لكم محابّه من الاعمال ومكاره منها لتبتغوا هذه وتجتنبوا هذه ».
            ويعني هذا ان العباد لابد لهم من الانتفاع من العلم المقرون بالعمل الصالح وإلاّ العلم وحده ليس فيه فائدة ولابد للعباد أن يستفيدوا من المواعظ ليتعظوا بها في مقام العمل ، ومع ذلك نجد في كثير من الروايات الشريفة مسألة الاحتجاج البالغ من الله تعالى حيث سئل الإمام الصادق عليه السلام عن قوله تعالى « فلله الحجة البالغة » فأجاب عليه السلام : « قال إذا كان يوم القيامه قال الله تعالى للعبد أكنت عالماً ؟ فان قال نعم . قال : أفلا عملت بما علمت وان قلت كنت جاهلاً قال له : أفلا تعلمت ؟ فتلك الحجة البالغة لله تعالى ». وهنا ينقدح سؤال مهم قد يرد في ذهن الكثير من المؤمنين وهو هل كل الناس يحتج عليهم الله تعالى يوم القيامة على ضوء هذا الحديث الشريف ؟ والجواب على ذلك أنه ليس كل الناس يحتج عليهم الله تبارك وتعالى يوم القيامة بل هناك عنق من الناس لا يسئلون ولا يحاسبون ومنهم المجنون الفاقد عقله ، أما الأطفال الذين لم يبلغوا سن التكليف الشرعي وماتوا فانهم يلحقون بأبائهم وعلى ما ورد في قوله تعالى
            ____________
            (1) آل عمران : آية 61.
            --------------------------------------------------------------------------------

            ( 74 )

            ( والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بأيمان الحقنا بهم ذريتهم وما التناهم من عملهم من شيء ). حيث قال العلامة المجلسي حول هذه الآية المباركة :
            « اعلم انه لاخلاف بين أصحابنا في أن الأطفال المؤمنين يدخلون الجنة وذهب المتكلمون منا الى أن أطفال الكفار لا يدخلون النار فهم إما يدخلون الجنة أو يسكنون الاعراف وذهب أكثر المحدثين منا الى ما دلت عليه بعض الأخبار الصحيحة من تكليفهم في القيامة بدخول النار المؤججة لهم ؟ فيكون من يستجيب يدخل الجنة ومن لا يستجيب يدخل النار ».
            وعلى ضوء الإحتجاجات الواردة في الكتب المعتبرة روي ان هناك احتجاج لطيف بين أمير المؤمنين وأحد اليهود حيث قال للامام علي عليه السلام ، ما صبرتم بعد نبيكم إلا خمس وعشرين سنة حتى قتل بعضكم بعضاً.
            فقال له عليه السلام : بلى ولكن ما جفّ ـ جفّت ـ أقدامكم من البحر حتى قلتم : يا موسى ادعل لنا إلهاً كما لهم آلهة. وهناك الكثير من الاحتجاجات المهمة التي وردت في القرآن الكريم وفي الكتب المعتبرة كل ذلك لما للحجة من امر مهم في اثبات المدعى على الخصم الناكر مثلا او السالب للحق ، والثمرة في ذلك كله من القرآن الكريم ومن الكتب الصحيحة لكي يستنير البشر بنور الحجة الربانية وليستفيدوا منها ويتعظوا بالمواعظ الربانية هذا معنى الحجة وماهية الاحتجاجات والتاكيد عليها من قبل الله تعالى.
            وعلى هذا الأساس تكون شرعية الحجّة ثابتة على ضوء القرآن الكريم والسنة والعقل ولا نريد الدخول كثيراً في هذا الأمر بل اشرنا في بعض موارده فلقد جعل الله تعالى للحجة شرعية ذاتية تلزم الغير على ضوء مقتضاها العمل بها حيث جاء قوله تعالى ( وجعلناهم ائمة يهدون بأمرنا ) أي جعلنا لهم بالجعل التكويني ان يكونوا ائمة يقصدون في كل شيء والإمام المعصوم هو الذي يحتج به على الغير فهو حجة على الناس جميعاً وإلاّ كيف يكون امام يقصد ويحتج به ومن هذا المنطلق تكون فاطمة الزهراء عليها السلام حجة على الأئمة عليهم السلام كحجية الزامية شرعية فيجب من جهة الله تعالى الأخذ باقوالها وافعالها والله تبارك وتعالى هو الذي جعل لها الحجية على الخلق بما فيهن الأئمة عليهم السلام وهذا القول بصورة اجمالية اما كيف كانت حجة بالمعنى التفصيلي فهذا

            تعليق


            • #7
              ما يحتاج بيان مقدمات وامور توصلنا إلى هذه النتيجة وهذا ما سنبحثه في الأمر الثالث انشاء الله.


              الأمر الثالث
              كيف كانت فاطمة عليها السلام حجة على الأئمة

              وهذا يتوقف على بيان أمرين :
              الأوّل : إن من أهم المسائل الأساسية في العقيدة الاسلامية والتي تؤخذ حيزا كبيراً ، على المستوى الدراسي سواء النظري أو الفكري هي مسألة ضرورة بعثة الأنبياء ، وهذه المسألة العقائدية المهمة تأخذ ضروريتها من عدة عوامل تكون الحجر الأساسي لهذه الضرورة ، فالإنسان لم يخلق عبثاً ( أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وانكم إلينا لا ترجعون ) بل خلق الأنسان لهدف وهو السير في طريق تكامله من خلال ممارسة الأفعال الاختيارية القادر عليها وكل ذلك لاجل التوصل إلى كماله النهائي هذا الكمال الذي لا يتوصل إليه إلاّ باختياره وانتخابه. على ان الاختيار الصحيح والواعي بكل ما يمتلكه الإنسان من شعور وقدرة على إدائه يحتاج أيضاً إلى المعرفة الصحيحة للاعمال الحسنة والاعمال القبيحة والطرق الصالحة وغير الصالحة ، وانما تمكن الإنسان من اختيار طريق تكامله بكل حرية ووعي فيما لو كان يعرف الهدف وطريق الوصول إليه ، وكان عرافاً بكل العقبات والعراقيل والانحرافات والمزالق. اذن فمقتضى الحكمة الالهية ان توفر للبشر الوسائل والمستلزمات الضرورية للحصول على مثل هذه المعارف والمدركات وإلاّ فيكون حاله مثل الشخص الذي يدعوا ضيفاً إلى داره ثم لا يدله على موضعه ولا على الطريق المؤدي إليه ومن البديهي ان مثل هذا العمل مخالف للحكمة. على ان المعارف والمدركات البشرية العادية والمتعارفة والتي يحصل عليها الإنسان نتيجة التعارف بين الحس والعقل وان كان لها الدور الفاعل في توفير ما يحتاج إليه في حياته ولكنها لا تكفي في التعرف على طريق الكمال والسعادة


              --------------------------------------------------------------------------------

              ( 76 )

              الحقيقية في جميع المجالات الفردية والاجتماعية والمادية والمعنوية والدنيوية والاخروية ، واذا لم يوجد طريق آخر لسد النقائص والفجوات فلن يتحقق الهدف الإلهي من خلق الإنسان ، وبملاحظة هذه الامور المهمة من هدف خلق الإنسان ومعرفته لطريق الخير والشر ومحدودية مداركه الحسية والعقلية ، نتوصل الى نتيجة مفادها : ان الحكمة الالهية تقتضي وضع طريق آخر للبشر ـ غير الحس والعقل ـ من أجل التعرف على مسار الكمال في كل المجالات حتى يستطيع البشر من الاستفادة منه مباشرة أو بواسطة فرد آخر أو أفراد آخرين وهذا الطريق هو أرسال الأنبياء والمرسلين عبر طريق الوحي الذي يستفيد منه البشر ويتعلموا منه كل ما يحتاجون إليه من أجل الوصول إلى السعادة والكمال النهائي. وعلى هذا الاساس شاءت قدرة الباري عز وجل ومن جهة اللطف الرباني ومن جهة اللاعبثية في خلق البشر أن يرسل الأنبياء والمرسلين الى البشر لهدايتهم وتوضيح معالم طريق التكامل لهم وعلى ما تتحمله قدرتهم في التكليف الرباني كل ذلك لئلا يقول الناس يوم القيامة لولا أرسلت الينا رسولاً فتتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى.
              ولكن قبل أرسال الأنبياء لابد من طريق لاختيارهم من البشر عامة ، وهذا الاختيار أو ما يعبر عنه بالاصطفاء أو الاستخلاص لا يكون إلا عن حكمة اقتضت ذلك فان الحكيم لا يفعل إلا ما تقتضي الحكمة لوجود ذلك الشيء ، فالاصطفاء والاختيار من قبل الله تعالى تارة يكون للانبياء ، واخرى للأوصياء وللاولياء والصلحاء والعلماء وهكذا اما كيفية الاصطفاء والاختيار ، فذلك ما يكون عن طريق الاختبار والامتحان الذي يتعرض له الأنبياء لأصطفائهم للنوة وتحمل مشاقها ، فالامتحان والاختبار يخرج الطاقات الكامنة في النفس البشرية ، ونضرب مثال على ذلك من الحياة العرفية للبشر ، فانت عندما تريد أن تختار أو ترسل من ينوب عنك في قضية معينة فانه يقيناً لا تختار ولا ترسل إلا من كانت له القابلية والاستعداد على تحمل ما تؤديه إليه وله الاستعداد وايضاً على تمثيلك في تلك القضية ولا ترسل أياً كان فأن المردود يكون عليك سلبياً إذا كان الشخص المختار سلبياً في تصرفاته وايجابياً اذا كان المختار ايجابياً في تصرفاته وأفعاله ما يؤديه عنك ، اما كيفية هذا الاخيار في الشخص الذي سوف


              --------------------------------------------------------------------------------

              ( 77 )

              يمتلك فهذا ما سيكون عن طريق التجربة والامتحان والاختيار خلال مسيرة حياتك مع ذلك الشخص الذي سينوبك في المهام والذي تريد ان تؤهله للقيام بأعمالك مثلا أو التبليغ لك فأنت ترى من خلال معاشرة ذلك الشخص مدى التزامه بتعليماتك وبعد النجاح في هذه الامور تستخلصه لنفسك وتختاره وكيلا عنك ينوب عنك في هذه الامور المهمة ، كذلك الحال مع الله تعالى بأعتباره سيد العقلاء بل هو خالق العقل والعقلاء فهو عندما يريد ارسال رسول أو نبي لابد له من الامتحان قبل الاصطفاء والاختيار وهذا ما نجده من خلال استقراء آيات القرآن الكريم حيث يوجد عدة شواهد على هذه المسألة كما في قضية نبي الله ابراهيم عندما اختاره الله أولا نبياً وبعد ذلك خليلاً وبعد ذلك اماماً فانه لم ينال الإمامة إلا بعد التعرض للامتحانات والاختبارات من قبل الله تعالى وفي ذلك يقول الله تعالى في قصة أبراهيم ( واذا ابتلى ابراهيم ربه بكلمات فاتمهن قال اني جاعلك للناس اماماً ... ) حيث كلف الله سبحانه وتعالى نبيه ابراهيم عليه السلام بتكاليف شتى فكانت النتيجة ان ابراهيم أتم هذه التكاليف وامتثلها واطاع الله تعالى ومن هذه التكاليف قضية ذبحه لولده اسماعيل ( يا بني أني أرى في المنام أني أذبحك ) وقد وصف الله تعالى ابراهيم عليه السلام بالوفاء حيث قال تعالى ( وابراهيم الذي وفى ). والخلاصة على ما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام انه قال « إن الله ابتلى ابراهيم بذبح ولده اسماعيل فعزم على ذلك .. اما معنى قوله فاتمهن ـ فهو يعني الاستجابة والطاعة لأوامر الله تعالى ولذا استحق الإمامة التي هي منزلة عظيمة ، جزاءً لاخلاصه ونجاحه في الامتحانات التي تعرض لها.
              وهكذا الحال مع جميع الأنبياء حيث اختبرهم الله تعالى قبل اصطفائهم وكان الباري عز وجل عالماً بالانبياء أنهم أوفياء له وملتزمين لأوامره وشروطه لذلك اصطفاهم.
              الثاني : إنّ الله تعالى عندما اصطفى واستخلص الأنبياء كان ذلك بعد أن شرط عليهم الزهد في درجات هذه الدنيا الدنية وزخرفها وزبرجها فشرطوا لله تعالى ذلك وعلم الله تعالى منهم الوفاء بذلك. اما السؤال الذي يطرح في ما نحن فيه هو لماذا طلب وشرط الله تعالى من الأنبياء الزهد حب الدنيا ؟ والجواب على ذلك : انه من الملازمات العقلية لحب الدنيا هو إمال السيئات والذنوب وذلك للارتباط الوثيق بين


              --------------------------------------------------------------------------------

              ( 78 )

              حب الدنيا والذنوب فكلما ازداد حب الإنسان للدنيا إزدادت ذنوبه وكما ورد في الحديث الشريف ان « حب الدنيا رأس كل خطيئة » فاذا لم يكن حب الدنيا له وجود في حياة الإنسان فسوف تكون النتيجة مفادها : ان الإنسان سوف يبتعد عن الذنوب بقدر ابتعاده عن حب الدنيا ، وما نحن فيه فان إعمال الشرط من الله تعالى على الأنبياء بالزهد في حب الدنيا سوف تكون من نتائجه ان يتركوا الدنيا والتعلق بها كذلك لا يعملون الذنوب والمعاصي وبالنتيجة النهائية سيكونون معصومين بالعصمة الذاتية التي تكون ملازمة لهم من جهة لطف الله تبارك وتعالى اضافة الى الضرورة الربانية اقتضت ذلك ايضاً. اما لماذا إشترط الزهد في حب الدنيا وما حاجة العصمة للانبياء ، فهذا ما يكون الاحياج إليه بصورة ضرورية ومؤكد ولإحتياج الأنبياء العصمة في مقام التبليغ للرسالة السماوية بل مطلق العصمة لهم ، ولئلا يكون للناس الحجة البالغة على الله تعالى ، والعصمة لا تأتي مع حب الدنيا. اما الدليل على هذا الكلام فناهيك عن القرآن الكريم والروايات الواردة في المقام التي تدل على المطلب بل هناك الدليل العقلي على ذلك ، اما الدليل الذي تقوم بالاستدلال به فهذا ما أثبته دعاء الدبة الشريف حيث ورد فيه. « اللهم لك الحمد على ما جرى به قضاؤك في أولياؤك الذين استخلصتهم لنفسك ودينك إذ أخترت لهم جزيل ما عندك من النعيم المقيم الذي لا زوال له ولا أضمحلال بعد أن شرطت عليهم الزهد في درجات الدنية وزخرفها وزبرجها فشرطوا لك ذلك وعلمت منهم الوفاء به فقبلتهم وقربتهم وقدمت لهم الذكر العلي والثناء الجلي واهبطت عليهم ملائكتك وكرمتهم بوحيك ورفدتهم بعلمك وجعلتهم الدريعة اليك والوسيلة الى رضوانك ... الخ ».
              اذن بعد الإمتحان والاختيار والمشارطة من الله تعالى بترك حب الدنيا والزهد فيها وبعد العلم من الله بهم بأنهم أوفياء كانت النتيجة النهائية لهذا الامتحان والإختبار وهي :
              1ـ الاستخلاص والاصطفاء.
              2ـ القبول من الله تعالى لهم.
              3ـ الذكر العلي والثناء الجلي للأنبياء « أي قدم اليهم ذلك ».


              --------------------------------------------------------------------------------

              ( 79 )

              4ـ انزال الوحي عليهم.
              5ـ كانوا الحجج على الخلق من قبل الله تعالى.
              اما لماذا الاستخلاص والاصطفاء وتقديم هذه الامور للانبياء عليهم السلام ؟ فنقول :
              ان هذا كله لكي يكون :
              * إقامة للدين « إقامة لدينك » أي تقديم واقامة النظام والاكمل للبشرية.
              * ولئلا يزول الحق عن مقره ويغلب الباطن على أهله.
              * ولئلا يقول أحد لولا أرسلت الينا رسولا منذراً واقمت لنا علماً هادياً نتبع آياتك من قبل ان نذل ونخزى.
              هكذا كان الامتحان والاختبار بالنسبة للانبياء بحيث زهدوا في حب الدنيا فكانوا من المقربين لدى الله تعالى.
              أما ما علاقة هذه الامور بكون فاطمة حجة على الأئمة ؟
              فنقول : نحن عندما نزور الأئمة عليهم السلام بالزيارة الجامعة الكبيرة المروي عن الإمام الهادي عليه السلام بأعتبار انها جامعة لكل الفضائل والدرجات والمقامات للأئمة عليهم السلام لا تزور بها فاطمة عليها السلام ؟ لماذا ؟ لانها لها زيارة مخصوصة وهي زيارتها يوم الاحد من كل أسبوع حيث تقول هذه الزيارة « السلام عليك يا ممتحنة امتحنك الذي خلقك قبل ان يخلقك وكنت لما إمتحنك صابرة ».
              اذ نفهم من هذه الزيارة الخصوصة امتحان الزهراء عليها السلام قبل خلقها ، لأظهار مقامها حيث امتحنها فكان لها المقام السامي فأصبحت الصابرة ، والمعروف ان الامتحان يُمتحن به الإنسان ليعرف مدى استعدادته وقابلياته « عند الامتحان يكرم المرء أو يهان » وكذلك عرف الامتحان ليكون لزيادة منزلة ولاسباب أخرى ، وهذا ما جرى مع فاطمة الزهراء عليها السلام حيث امتحنها الله تعالى لكي تكون حاملة لشيء إقتضت إرادة السماء وذلك نتيجة لنجاحها في الامتحان حيث اسحقت لقب الصابرة ، اما ماهية هذا الامتحان وعلى أي موضوع جرى امتحان الزهراء عليها السلام من قبل الله تعالى فهذا ما نتركه الى بحث آخر انشاء الله.
              ولكن المهم فيما نحن فيه هو ان الله تعالى وجدها صابرة وهذا من المقامات العالية


              --------------------------------------------------------------------------------

              ( 80 )

              فنحن نعلم ، ان من ألقابها الصابرة ، والصبر مقام سامي ، اما معرفة علو شأن هذا المقام فهذا نراه من خلال القرآن الكريم ، حيث أثبت الله تعالى الثواب لكثير من الفضائل الموجودة في القرآن أما الصبر والصابر فأن اجرهم غير محدود وهذا ما نجده في قوله تعالى ( انما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ) يعني أنه لا يوجد أجر محدود للصابر وللصبر بل أجره مفتوح وهذا يؤدي الى ان الصبر يكون في اعلى مقامات الفضائل الاخلاقية ، ومن هنا كان الصبر أم الاخلاق بل هو أفضلها واحسنها في كل شيء فما من شيء إلاّ ومقرون الصبر معه فالصلاة مقرون بالصبر عليها والطاعة كذلك والإيمان لابد من الصبر عليه لاثباته على النفس الانسانية ولذلك جعل الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد كما ورد في الحديث الشريف ذلك ، فاذا كان الصبر هكذا مقامه فانه سوف يكون الاساس لكثير من الاخلاق ، فلذا كان الزهد فرع من الاصل والام الذي هو الصبر وليس العكس صحيح فالزاهد لا يكون زاهداً حتى يصبر ويُصبر نفسه على ترك الدنيا وزخرفها واموالها وكل شيء يؤدي به الى الزهد ، ومن هنا كان بيت القصيد وهو ان الزهراء حجة على الأنبياء من جهة صبرها في عالم الغيب والشهادة وصبرها في الدنيا على ما جرى عليها من المحن والظلم ، وكذلك كانت الحجة على الأنبياء كما شهدت الكثير من الروايات الشريفة ، وكما سيأتي بعد قليل رواية مهمة تثبت هذه الفضيلة للزهراء ، وهذا أيضاً ما أثبتته الشواهد فنحن نجد ان الكثير من الأنبياء كانوا يدعون الله تعالى أن يطّول عمرهم وهذا بخلاف فاطمة الزهراء عليها السلام حيث كانت مستبشرة عندما أخبرها النبي الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم انها أول أهله لحوقاً به وهذا ما ذكره العلامة الاردبيلي رحمه الله في فضيلتها من جهة كونها تحب الموت ولاتكرهه حث قال العلامة الاردبيلي ما نصه :
              ان الطباع البشرية مجبولة على كراهة الموت مطبوعة على النفور منه ، محبة للحياة ، مايلة اليها ، حتى الأنبياء عليهم السلام على شرف مقاديرهم وعظم أخطارهم ومكانتهم من الله تعالى ومنازلهم من محال قدسه وعلمهم بما تؤول إليه أحوالهم وتنتهي إليه أمورهم أحبوا الحياة ومالوا إليها وكرهوا الموت ونفروا منه. وقصة آدم عليه السلام مع طول عمره وامتداد أيام حياته معلومة.


              --------------------------------------------------------------------------------

              ( 81 )

              قيل : انه وهب داود عليه السلام حيث عرضت عليه ذريته أربعين سنة من عمره فلما استوفى أيّامه وحانت منّيته وانقضت مدة أجله وحّم حمامه جاءه ملك الموت يقبض نفسه التي هي وديعة عنده فلم تطب بذلك نفسه وجزع وقال : أن الله عرفني مدة عمري وقد بقيت منه أربعون سنة ، فقال : إنك وهبتها ابنك داود فأنكر أن يكون ذلك ، قال النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم : فجد فجهدت ذرّيتّه.
              ونوح عليه السلام كان أطول الأنبياء ، أخبر الله تعالى عنه أنه لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً فلما دنا أجله قيل له : كيف رأيت الدنيا ؟ فقال : كدار ذات بابين دخلت في باب وخرجت من باب. وهذا يدل بمفهومه على انه لم يرد الموت ولم يؤثر مفارقته.
              وابراهيم عليه السلام : روي أنه سأل الله تعالى أن لا يميتهُ حتى يسأله عليه السلام فلما استكلمل ايامه التي قُدرّت له خرج فرأى ملكاً على صورة شيخ فانٍ كبير قد أعجزه الضعف وظهر عليه الخراف « أي فساد العقل من الكبير » ولعابه يجري على لحيته وطعامه وشرابه يخرجان من سبيله عن غير اختياره ، فقال له : يا شيخ كم عمرك ؟ فأخبره بعمر يزيد على عمر ابراهيم بسنة ، فاسترجع وقال : أنا أصير بعد سنة الى هذه الحال فسأل الموت. فهؤلاء الانبياء ممن عرفت شرفهم وعَلاء شأنهم وارتفاع مكانهم ومحلهم في الآخرة وقد عرفوا ذلك وابت طباعهم البشرية إلا الرغبة في الحياة. وفاطمة عليها السلام امرأة حديثة عهد بصبى ذات أولاد صغار وبعل كريم لم تقض من الدنيا إرباً « أي حاجة » وهي في غضارة عمرها وعنفوان شبابها يعرّفها أبوها أنها سريعة اللحاق به فتسلوا موت أبيها صلى الله عليه وآله وسلم وتضحك طيّبة نفسها بفراق الدنيا وفراق بنيها وبعلها ، فرحة بالموت مايلة إليه مستبشرة بهجومه مسترسلة عند قدومه وهذا أمر عظيم لا تحيطه الالسن بصفته ولا تهتدي القلوب الى معرفته وما ذاك إلا لأمر علّمه الله من أهل البيت الكريم وسراً وجب لهم مزّية التقديم فخصهم بباهر معجزاته وأظهر عليهم آثار علائمه وسماته وايدهم ببراهينه والصادقة ودلالاته ، والله أعلم حيث يجعل رسالته(1).
              ____________
              (1) كشف الغمة : 1 | 355.
              --------------------------------------------------------------------------------

              ( 82 )


              [poem font="Simplified Arabic,4,black,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
              جوهرةُ القدس من الكنز الخفي * بدت فأبَدتْ عاليات الأحرف
              وقد تجلى في سماء العَظَمـة * من عالم الاسماء أسمى كلمة
              بل هي أمُ الكلمات المحكمـة * في غيب ذاتها نكاتٌ مبهمة
              أمُّ الأئمة العقـول الغُرِّ بــلْ * أُمُّ أبيها وهو علـةُ العللْ(1)[/poem]

              أليس ذلك من الفضائل العالية حيث كانت الزهراء عليها السلام حجة على الأنبياء بأعتبار صبرها وفضلها . أما كونها عليها السلام حجة على الأئمة كما هي حجة على الأنبياء فهذا ما يتبين لنا من خلال عدة أحاديث مأثورة عن أهل بيت العصمة عليهم السلام ، منها ما ورد عن جابر بن عبدالله الأنصاري ، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، عن الله تبارك وتعالى انه قال : « يا أحمد ، لولاك ما خلقت الأفلاك ، ولولا عليّ لما خلقتك ، ولولا فاطمة لما خلقتكما(2) ».
              أمّا الدليل الثاني : فنقول انه ورد في الحديث الشريف المأثور عن أهل بيت العصمة عليهم السلام ما نصه « انه ما تكاملت نبوة نبي من الأنبياء حتى أقر بفضلها ومحبتها وهي الصديقة الكبرى وعلى معرفتها دارت القرون الاولى »(3).
              يعني ما تكاملت نبوة نبي ـ والنبوة خلاصة التوحيد ـ إلا لمن أقر بفضلها ومحبتها والإقرار هو الشهادة على النفس والاعتراف منها للغير واقرار العقلاء على انفسهم جائز ، فهذه شهادة من الأنبياء لها بالفضل والمحبة والفضل يعني انها كانت لها زيادة في الفضائل على الأنبياء بل هي صاحبة الفضل عليهم بانه لم تكتمل نبوة نبي إلا بها عليها السلام.
              وفي ذيل هذا الحديث اعلاه يقول المحقق البارع أبو الحسن النجفي ما نصه : ان المراد من القرون هي قرون جميع الأنبياء والأوصياء وأمم من ادم فمن دونه حتى نفس خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم أجمعين ، يعني ما بعث الله عز وجل أحداً من الأنبياء والأوصياء حتى أقروا بفضل الصديقة الكبرى ومحبتها. ويؤيده ما ذكره السيد هاشم البحراني صاحب تفسير البرهان في مدينة المعاجز عنه عليه السلام ما تكاملت النبوة لنبي حتى أقر بفضلها
              ____________
              (1) الانوار القدسية : للمرحوم الشيخ محمد حسين الاصفهاني.
              (2) الجنة العاصمة : 148 ، مستدرك سفينة البحار : 3 | 334 ، عن مجمع النورين : 14.
              (3) البحار : 43 | 105.
              --------------------------------------------------------------------------------

              ( 83 )

              ومحبتها(1).
              وأيضاً ما ورد عن جاب بن عبدالله الأنصاري عن ابي عبدالله عليه السلام قال : قلت لم سميت فاطمة الزهراء « زهراء » ؟ فقال : لأنّ الله عز وجل خلقها من عظمته ... الى ان يقول الله تعالى للملائكة في ماهية نور فاطمة ما نصه .. فأوحى الله إليهم : هذا نور من نوري اسكنته في سمائي ، خلقته من عظمتي ، أُخرجه من صلب نبي من انبيائي أفضله على جميع الأنبياء وأخرج من ذلك النور أئمة يقومون بأمرني يهدون الى حقي واجعلهم خلفائي في أرضي بعد انقضاء وحي(2). وعن أبي عبدالله عليه السلام انه قال : لولا ان أمير المؤمنين عليه السلام تزوجها لما كان لها كفوء الى يوم القيامة على وجه الأرض آدم فمن دونه(3). ولقد علق على هذا الحديث الشريف صاحب كتاب البحار العلامة المجلسي رحمه الله حيث قال : يمكن ان يستدل به ـ أي بالحديث أعلاه على كون علي وفاطمة عليهما السلام أشرف من سائر أولي العزم سوى نبينا صلى الله عليهم أجمعين. لا يقال : لا يدل على فضلهما على نوح وابراهيم عليهما السلام لاحتمال كون عدم كونهما كفوءين لكونها من أجدادها عليها السلام. لأنا نقول : ذكر آدم عليه السلام يدل على أن المراد عدم كونهم أكفاءها مع قطع النظر عن الموانع الأخر على انه يمكن أن يتشبث بعدم القول بالفصل(4). وايضاً هناك حديث يدل على أفضلية فاطمة الزهراء على الأنبياء وعلى جميع البشر حيث ذكر المحدث الكبير العلامة الخبير الطبرسي رضي الله عنه :عن أبي جعفر عليه السلام : ولقد كانت عليها السلام مفروضة الطاعة على جميع من خلق الله من الجن والنس والطير والوحوش والأنبياء والملائكة(5). ونقف مع وجه آخر قد يمكن أن نثبت من خلاله حجية فاطمة عليها السلام على الأئمة ، وهو ما نستفيده من خلال الحديث المذكور في كون علي عليه السلام كفواً لفاطمة الزهراء عليها السلام ، حيث ورد في الحديث المذكور عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم « لولا علي لم يكن لفاطمة
              ____________
              (1) ملتقى البحرين : 40.
              (2) البحار : 43 | 19.
              (3) البحار : 43 | 10 و11.
              (4) البحار : 43 | 10 ـ 11.
              (5) دلائل الإمامة : 28.
              --------------------------------------------------------------------------------

              ( 84 )

              كفو »(1).
              وأيضاً ورد عن أم سلمة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : « لولا يخلق عليّاً لما كان لفاطمة كفو(2). وهذا يعني أن أكثر المقامات التي كانت للامام أمير المؤمنين علي عليه السلام هي ثابتة للصديقة الشهيدة فاطمة الزهراء عليها السلام ، فهما في منزلة واحدة من الإيمان والتقوى ، وإلاّ لما كان كل منهما كفواً للأخر ؟ وعليه تكون فاطمة حجة على الأئمة عليهم السلام كما كان أمير المؤمنين عليه السلام الحجة على الأئمة عليهم السلام ، فلقد ورد في عدة أحاديث ان علي عليه السلام سيد الأوصياء وخيرهم وأفضلهم لذا كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول : « منا خير الأنبياء وهو أبوك ـ والكلام مع فاطمة عليها السلام ـ ومنا خير الأوصياء وهو بعلك(3) ». وفي حديث آخر عن أمير المؤمنين أنه قال : « والله لأتكلمن بكلام لا يتكلم به غيري إلا كذاب : ورثت نبي الرحمة ، وزوجتي خير نساء الأمة ، وأنا خير الوصيين »(4). والذي نريد القول به من هذا الكلام أن الإمام علي عليه السلام كان خير الأوصياء وافضلهم فلقد ورد في شرح نهج البلاغة في أن أمير المؤمنين كان يصلي في اليوم والليلة الف ركعة. قال ابن أبي الحديد : وما ظنك برجل يبلغ من محافظته على ورده ان يبسط له نطع بين الصفين ليلة الهرير فيصلي عليه ورده والسهام تقع بين يديه ، وتمر على صماخيه يميناً وشمالاً فلا يرتاع لذلك فلا يقوم حتى يفرغ من وظيفته ، وما ظنك برجل كانت جبهته كثفته بعير لطول سجوده ، وإذا تأملت دعواته ومناجاته وقفت على ما فيها من تعظيم الله سبحانه واجلاله وما يتضمنه من الخضوع ليبته ، والخشوع لعزته والاستخذاء له ، عرفت ما ينطوي عليه من الاخلاص ، وفهمت من أي قلب خرجت وعلى أي لسان جرت ، وقيل لعلي بن الحسين عليهما السلام وكان الغاية في العبادة : أين عبادتك من عبادة جدك ؟ قال : عبادتي من عبادة جدي كعبادة جدي من عبادة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم(5). فيظهر من هذا الحديث أحاديث أخرى أن الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام كان متميز عن باقي
              ____________
              (1) مصباح الانوار : 133 ، كشف الغمة 1 | 472 ، فردوس الأخبار : 3 | 418 ح 517.
              (2) ينابيع المودة : 177 ، 181.
              (3) ينابيع المودة : 436 ، منتخب الاثر : 192.
              (4) البحار : 43 | 143.
              (5) شرح نهج البلاغة : 1 | 10.
              --------------------------------------------------------------------------------

              ( 85 )

              الأئمة عليهم السلام من ناحية مدى تصديه لشؤون الإمامة والولاية وتحمل المشاق للدفاع عن حريم الرسالة المحمدية ، وإلاّ فالأئمة عليهم السلام جميعاً من ناحية الانوار متحدين فهم كلهم نور واحد ولكن الاختلاف كان من جهة تصديهم لشؤون الخلافة والمشاق التي تحملوها ، وعليه تكون الصديقة الزهراء عليها السلام كفو للامام أمير المؤمنين فهي أم الأوصياء وروح النبوة وبضعة الرسول ، وزوجة خير الأوصياء. وعلى ضوء هذه الاحاديث وعلى أساس أحاديث أخرى اغمضنا النظر عليها لئلا يطول المقام بنا ، كانت فاطمة الزهراء وبدليل الاولوية وفحوى الخطاب الحجة على الأنبياء والأئمة ، ونقول ليس فقط ما تكاملت نبوة نبي فحسب بل ما تكاملت الإمامة في امامتها ولا تكامل العلماء في علمائها وإلاّ الادباء في أدبهم والحكماء في حكمهم والاتقياء في تقواهم وكل كامل في كمال حتى يقر بفضلها ويؤمن بمحبتها فهي الصديقة الكبرى وعلى معرفتها دارت القرون الاولى والاخرى(1). فاذاً كانت فاطمة حجة وما تزال حجة على الأئمة عليهم السلام.
              [poem font="Simplified Arabic,4,black,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
              وحبها من الصفـات العالية * عليه دارت القـرون الخالية
              بابي فاطم وقــد فطمـت * بأسمها نار حشرها ولظاها
              هي والله كوثـر قد اعدت * لبنيها وكـــل من والاها
              هي عند الله اعـظـم خلق * وبها دار في القرون رحاها [/poem]
              وهكذا كانت فاطمة الزهراء عليها السلام بهذه الوجوه وادلة اخرى الحجة على الأنبياء والأوصياء وبهذا المعنى الذي وضحناه تبين لنا عِظم مقام فاطمة عليها السلام وعلو قدرها عند الباري عز وجل ونكتفي بهذا البيان حول الوقوف على قول الإمام الحسن العسكري « فاطمة حجة علينا ».
              ____________
              (1) فاطمة الزهراء ليلة القدر « للسيّد عادل العلوي ».

              تعليق


              • #8
                ( 87 )


                البحث الرابع
                أصل يوم العذاب
                في ظلامات فاطمة عليها السلام



                ---------------------

                ( 88 )


                --------------------------------------------------------------------------------

                ( 89 )


                الشيخ حبيب شعبان*

                [poem font="Simplified Arabic,4,black,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]

                أيا منزلَ الاحبـاب مـا لكَ موحشــاً * بزهرتكَ الأرياحُ أودت بمـــا تسفـي
                تَعفيتَ يا ربـــعَ الاحبــةِ بعدهـم * فذكرتنـي قبـرَ البتـــولةِ إذ عفَــي
                رمتها سهـامُ الدهـرِ وهـيَ صوائبٌ * بشجوٍ إلى أن جُرّعت غصصَ الحنــفِ
                شجاها فراقُ المصطفى واحتفارُهــا * لدى كلِّ رجـسٍ من صحابتهِ جِلـــفِ
                لقد بالغــوا في هضمِهـا وتحالفـوا * عليها وخانوا الله فـي محكـمِ الصحـفِ
                فآبت وزنــدُ الغيظِ يقـدحُ في الحشا * تعثــرُ بالأذيـالِ مثـنيـة العطــف
                وجائت إلى الكرارِ تشكو اهتضامَهــا * ومدت اليــهِ الطرفَ خائعـةَ الطـرف
                أبا حسنٍ يا راسخ العلمِ والحجــى(1) * إذا فرت الابطالُ رعباً مـن الزحــف
                ويا واحداً أفنى الجمـوعَ ولم يــزل * بصيحته يسومونني مالا اطيق من الخسف
                ويلطم وجهي نَصبَ عينيكَ ناصــبُ * العداوةِ لي بالضــرب منـي يستشفـي
                فتُغضي ولا تُنضي حسامَـكَ آخــذاً * بحقي ومنهُ اليــومَ قد صفـرت كفَـي
                لمن أشتـكي إلاّ اليـكَ ومَـن بــهِ * الوذُ وهل لي بعـدَ بيتـكَ مـن كهــف
                وقد أضرمـوا النيـرانَ فيـهِ وأسقطوا * جنيني فوا ويــلاهُ منهـم ويا لهفــي
                وما برحـت مهضومـةً ذاتَ علــةٍ * تأرقُهــا البلـوى وظالمهــا مُغـفـي
                إلى أن قضت مكسورةَ الضلعِ مسقِطـاً * جنينٌ لها بالضربِ مسـودّة الكـتــف [/poem]____________
                (*) الشيخ حبيب شعبان من شعراء أهل البيت يمتاز شعره بالمتانة والسلاسة. ولد في النجف سنة 1290 هـ تقريباً.
                أما وفاته فقد سافر إلى الهند في سنة 1325 وانقطعت اخباره إلى سنة 1336هـ وردت اخبار وفاته هناك. ترجمه السيد جواد شبر في ادب الطف وعلي الخاقاني في شعراء الغري.
                (1) الحجى : العقل والفطنة.
                --------------------------------------------------------------------------------

                ( 90 )


                --------------------------------------------------------------------------------

                ( 91 )


                البحث الرابع
                أصل يوم العذاب
                في ظلامات فاطمة الزهراءعليها السلام

                * لماذا هذا البحث ( أصل يوم العذاب ...).
                قال المفضل للإمام الصادق عليه السلام : يا مولاي ما في الدموع ثواب ؟ قال : ما لا يحصى إذا كان من محقّ. فبكى المفضل ( بكاءاً ) طويلاً ويقول : يا ابن رسول الله إنَّ يومكم في القصاص لأعظم من يوم محنتكم ، فقال له الصادق عليه السلام : ولا كيوم محنتنا بكربلاء وإن كان يوم السقيفة واحراق النار على باب أمير المؤمنين والحسن والحسين وفاطمة وزينب وأم كلثوم وفضة وقتل محسن بالرفسة أعظم وأدهى وأمرّ ، لأنّه أصل يوم العذاب(1).
                من منطلق هذه الرواية التي رواها المفضل عن الإمام الصادق عليه السلام ، واستناداً إلى كلام الإمام المعصوم الذي هو معصوم الكلام ، والذي لا يأتيه الباطل لا من بين يديه ولا من خلفه ، حيث يعتبر كلام الإمام المعصوم من الادلة الشرعية الاربعة : القرآن الكريم والسنة والعقل والاجماع فهو داخل ضمن السنة النبوية الشريفة ، باعتباره يمثل الامتداد الحية لها كان عنوان هذا البحث مستمداً من هذه الرواية والتي تروي قصة مظلومية فاطمة الزهراء سلام الله عليها والذي بَيّن فيه الإمام الصادق عليه السلام عِظم ومرارة مصيبة أهل البيت عليهم السلام عند هجوم القوم على دار أمير المؤمنين سلام الله عليه بأعظم تعبير يجعل المؤمن الباحث عن الحقيقة والعقيدة والصحيحة يقف عنده كثيراً
                ____________
                (1) نوائب الدهور : 3 | 194 ، الهداية الكبرى : 417.
                --------------------------------------------------------------------------------

                ( 92 )

                ويدقق فيه طويلاً ليرى لماذا عبّر عنه الإمام عليه السلام بهذا القول العظيم بأنه أصل يوم العذاب ، لا شك ولا ريب ان كلام الإمام الصادق عليه السلام لا يأتي اعتباطا وعبثاً دون أن تكون هناك مقدمات أولية يقينية عنده بحيث تؤدي بالأمر إلى أن تصل فيه النتيجة النهائية وعلى ضوء هذه المقامات المهمة أن تكون المظلومية العظمى لأهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة وبالخصوص اُم أبيها فاطمة الزهراء سلام الله عليها هي الاساس والاصل ليوم الحسرة أو كما عبر عنه الإمام عليه السلام بيوم العذاب.
                لذا جاء هذا البحث أصل يوم العذاب في ظلامات فاطمة الزهراء سلام الله عليها باعتبارها قطب الرحى الي تدور حوله محورية أهل البيت عليهم السلام والذي اعتمدنا في تسميته هذه على رواية المفضل عن لسان الإمام الصادق عليه السلام لكي لا نخرج حتى في تسميتنا لأي شيء عن تسميات وتعبيرات أهل البيت عليهم السلام.
                وسيكون بحثنا في هذا الموضوع عن مقدمات مهمة ، وخصوصيات قيمة مرتبطةٌ بصميم البحث وتكون هي المحور والاساس للنتيجة النهائية للبحث ، وخصوصاً ما يتعلق بمقامات فاطمة الزهراء سلام الله عليها لما لها من الأثر الكبير على عظم ومرارة مظلوميتها سلام الله عليها فانه كلما كان المقام سامي وعظيم للانسان المؤمن فانه بالنتيجة والقطع اليقيني سوف تكون ظلامته ومظلوميته عظيمة وكبيرة وعلى قدر ايمانه ومقامه الرفيع.
                وكذلك سوف يكون هناك بحث مهم وعلى ضوء القرآن والسنة لبيان هذه المقامات وكذلك اظهار مظلومية أهل البيت وبالأخص الزهراء سلام الله عليها على ضوء السنة الشريفة وآراء ومعتقدات العلماء الأبرار إلى أن نصل إلى مسألة ارتباط هذه المظلوميات بصميم عقائدنا وبالنتيجة كيفية تعبير الاماما الصادق عليه السلام بأن مظلومية أهل البيت عليهم السلام في ذلك الوقت وحتى وقتنا هذا هي الأصل ليوم العذاب.


                ما معنى أصل يوم العذاب ؟
                وأصل الشيء الاساس الذي يُبني عليه ذلك الشيء وقد يكون أصل الشيء المنطلق له أو أسفله وحسب التعريفات اللغوية التي وردت في تعريفه ، ومن هنا نقف مع رواية


                --------------------------------------------------------------------------------

                ( 93 )

                المفضل التي رواها عن الإمام الصادق عليه السلام لكي نفهم كيف يجري الحال مع هذه الرواية ، فالسؤال المطروح فيما نحن فيه يقتضي أن نفهم أن أصل يوم العذاب هل يقصد به الاساس الذي بني عليه ظلم أهل البيت عليهم السلام من ذلك الحين أو أنه يقتضي ـ الاصل ـ معناه يوم القيامة الذي سوف يكون فيه الاساس لعذاب الذين ظلموا أهل البيت عليهم السلام فيكون الجزاء جهنم خالدين فيها أبداً ؟ أما الشق الأوّل الذي يقصد به ويقول ان أصل يوم العذاب هو ذلك اليوم الذي سُلبت فيه الخلافة من أمير المؤمنين عليه السلام ـ يوم السقيفة ـ وإضرام النار على باب بيت أمير المؤمنين وفاطمة عليهما السلام ... وقتل محسن بالرفسة ، حيث أسس الظلم والعذاب على أهل البيت عليهم السلام ولم يروّ الراحة والاطمئنان من يوم ظلم فاطمة إلى واقعة كربلاء وقتل أهل البيت وتشريدهم إلى ظهور الإمام المهدي ( عجل الله تعالى فرجه الشريف ) فان العذاب موجوع والاذى مبثوث لكل من ولاهم واتبعهم من شيعتهم وعلى هذا الاساس يكون أصل يوم العذاب هو اليوم الذي أسس الظلم على أهل البيت عليهم السلام في هذه الحياة الدنيا ، وهذا القول الذي يقول ان يوم العذاب هو يوم الظلم الذي جرى على أهل بيت النبوة بعيد عن المتفاهم العرفي ولا يساعد عليه الحال لأنّ هناك فرق بين أن نقول يوم الظلم ويوم العذاب لانه الظلم وارد في الحياة الدنيا أما العذاب فيكون له يوم خاص وكما عبر عنه القرآن يوم التغابن ويوم القيامة .... فلذا الظاهر من خلال الرواية ان يوم العذاب ليس هو يوم الظلم الذي جرى على أهل بيت النبوة عليهم السلام لأن العذاب لا يطلق على هكذا حالٍ وانما يطلق على يوم القيامة الذي سوف يكون فيه العذاب للظالمين أما ما الذي يصح ان يعبر منه فهذا ما يمكن ان نقول به هو يوم المصائب ويوم المحن الابتلاءات والظلامات اذن يكون هذا القول منتفي في كون يوم العذاب هو اليوم الذي أسس فيه الظلم لأهل بيت النبوة.
                وعلى الشق الثاني من معنى الأصل ليوم العذاب يكون معناه ان يوم القيامة سوف يكون فيه العذاب والخزي للذين أخذوا الخلافة من أصحابها الحقيقيين وظلموا الزهراء عليها السلام وأضرموا النار على بيت أمير المؤمنين وقتلوا المحسن بن علي عليه السلام بالرفسة ، فتكون هذه الظلامات هي الاساس والاصل ليوم العذاب في نار جهنم

                --------------------------------------------------------------------------------

                ( 94 )

                للذين فعلوا ذلك الظلم العظيم وكما عبر القرآن الكريم عن ذلك بقوله تعالى ( ان الظالمين لهم عذاب أليم ).
                وعليه الذي على ما احتمله ان الصحيح عندي هو المعنى الوارد في تفسير الاصل ليوم العذاب يعني ان أساس يوم العذاب في القيامة سوف يكون بسبب هذا الظلامات من ظلامة يوم السقيفة واحراق النار وقتل محسن بالرفسة وغير ذلك من الظلامات ذلك لأن هناك عدة أدلة وشواهد تثبت هذه المسئلة وايضاً نفهم هذا من خلال عدة روايات شريفة وشواهد تاريخية بينت هذه المسألة ، وهناك قرينة في المقام تثبت هذا المعنى وهي الرواية نفسها حيث نستفيد منها ان المفضل يسأل الإمام عليه عليه السلام ويقول ان يومكم في القصاص لاعظم من يوم محنتكم ... حيث عبر عن يوم القيامة بيوم القصاص الذي سوف تكون فيه جهنم عذاباً للظالمين ، واضافة إلى ذلك قال المفضل ان يوم محنتكم وهذا يدل على ان هناك فرق بين ان نقول يوم العذاب ويوم المحنة .. وايضاً هناك قرينة متصلة في الرواية الشريفة نفسها حيث توجد تكملة لهذه الرواية التي يرويها المفضل حيث تقول : « ويأتي محسن مخضباً محمولاً تحمله خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت أسد أُم أمير المؤمنين علي عليه السلام وهما جدتاه ... وفاطمة تبكي وتصيح وتقول : هذا يومكم الذي كنتم توعدون ... فيأخذ رسول الله محسناً على يديه رافعاً له إلى السماء وهو يقول : إلهي وسيدي صبرنا في الدنيا احتساباً وهذا اليوم الذي تجد كل نفس ما عملت من خيراً محضراً وما عملت من سوءٍ لو أن بينها وبينه أمداً بعيداً ».
                فعلى أساس هاتين القرينتين نحتمل احتمالاً قويا ان أصل يوم العذاب المقصود به هو يوم القيامة الذي سوف يكون فيه نار جهنم للظالمين أشد عذاباً وأكبر تنكيلاً.
                وربما يرد علينا في ما نحن فيه اشكال وهو اذا كانت ظلامات أهل البيت عليهم السلام من السقيفة واحراق بيت فاطمة وقتل محسن ... الخ هو الاساس وأصل يوم العذاب في القيامة فماذا تقول في الذين كانوا قبل هذه الظلامات وقبل زمن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ـ أي الامم الاخرى ـ فانهم ما كانوا يعلمون ذلك فكيف توجه هذه المسألة ؟
                نقول : انه لا ضيرَ في ذلك ولا يقدح فيما نحن فيه ذلك لكون عندنا رواية تقول انها ـ


                --------------------------------------------------------------------------------

                ( 95 )

                أي الصديقة الطاهرة فاطمة عليها السلام ـ كانت مفروضة الطاعة على جميع من خلق الله من الجن والانس والطير والوحش والأنبياء والملائكة(1) ، فاذا كان هكذا حالها فبالنتيجة تكون الحجة على جميع من خلق الله تعالى وخصوصاً انه ما تكاملت نبوة نبي من الأنبياء حتى أقر بفضلها ومحبتها وهي الصديقة الكبرى وعلى معرفتها دارت القرون الاولى ـ أي المتقدمة على هذا الزمان ـ وعليه لو كان الأنبياء والمؤمنين قبل بعثة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حاضرين في زمن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لكانوا قسمين إما راضين بما فعل القوم من الظلم بحق فاطمة وبعلها وبنيها وإما لم يكونوا راضين . فان كانوا راضين كانت لهم جهنم مقراً ومقاما وان لم يكونوا راضين بظلمها كانت لهم الجنة دار سرور ونعيم وعلى هذا الاساس يتضح كيف يكون ظلم أهل البيت وخصوصا الصديقة الشهيدة فاطمة عليها السلام الاساس ليوم العذاب هذا من جهة. ومن جهة أخرى نحن نعلم ان هناك أحاديث وردت على لسان أهل بيت العصمة مفادها ان الله يرضى لرضا فاطمة ويغضب لغضبها فمن كانت فاطمة راضية عنه رضا عنه الله تبارك وتعالى ولا شك ولا ريب ولا شك أن رضا الله يرضاه الأنبياء والمؤمنين السابقين على زمن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فيكونوا عندئذ راضين عمن رضيت عنه فاطمة وغاضبين على من غضبت عليه لانها مظهر رضا الله تعالى وغضبه وعليه يكون الاصل ثابت.
                اذن ونحن نقف مع هذا البحث ومدى ثبوتيته لا بد لنا من أن نقدم بعض الأمور التي يتوقف عليها عِظَم هذه المسئلة التي نحن بصددها ، وهذه الامور هي :


                الأمر الأول : مقامات الزهراء عليها السلام.
                الأمر الثاني : ظلامات الزهراء عليها السلام.

                ____________
                (1) دلائل الإمامة : 28 .

                تعليق


                • #9
                  الأمر الأول
                  مقامات الزهراء عليها السلام وفيه :


                  أـ مقامها عند الله تعالى
                  ب ـ مقامها عند الملائكة
                  ج ـ مقامها عند الأنبياء والنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم
                  مقامها عند الأئمة عليهم السلام
                  هـ ـ مقامها عند العلماء والمحدثين
                  ت ـ مقامها يوم القيامة.


                  --------------------------------------------------------------------------------

                  ( 97 )


                  1 ـ مقامها عليها السلام عند الله تعالى

                  إنّ من المقامات التي خصت بها فاطمة الزهراء عليها السلام هو مقام الرضا أي ان الله يرضى لرضاها ويغضب لغضبها ، حيث جاءت الكثير من الروايات الشريفة المأثورة عن الرسول وأهل بيته عليهم السلام لتؤكد هذه المنقبة العظيمة للصديقة الشهيدة.
                  وهذا مما يدل على كونها ذو مقام عالي وشريف سامي لها عند الله تعالى : إذ لا معنى ان يرضى الله لشخص من دون أن يكون له عند الله منزلةً وكرامةً عليه ، وهذا مما يساعد عليه العرف العقلائي إضافة إلى الشواهد القرآنية الكثيرة على هذه المسألة ، فنحن نجد من خلال الممارسات الحياتية ان الكثير من الاصدقاء مثلاً يرضون لرضا شخص معين بالحق ويقبلون شفاعته وتوسطه أو رضاه عن شخص معين لحل مشكلة ما ، وكذلك الحال في الغضب ، وعلى هذا الاساس تكون فاطمة كريمة عند الله تعالى لعلو شأنها ومنزلتها عنده لذلك يرضى لرضاها ويغضب لغضبها.
                  عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : « يا فاطمة ان الله ليغضب لغضبك ويرضى لرضاك »(1).
                  وكذلك ما ورد عنه صلى الله عليه وآله وسلم انه قال : « يا فاطمة أبشري فلك عند الله مقامٌ محمودٌ تشفعين فيه لمحبيك وشيعتك فتُشفعين »(2).
                  ويظهر أيضاً مقامها عند الباري عز وجل من خلال الحديث الطويل الذي يروى عن أهل بيت العصمة عن الله تعالى حيث يقول الباري عز وجل :
                  « يا فاطمة وعزتي وجلالي وارتفاع مكاني لقد آليت على نفسي من قبل أن أخلق السموات والأرض بألفي عام أن لا أعذب محبيك ومحبي عترتك بالنار »(3).
                  فأي منزلة ومقام لها عند الله تعالى بحيث يقسم الله تعالى بعزته وجلاله أن لا يعذب بالنار شيعة الزهراء ومحبيها ، وهذا الحديث له مقام عالي يثبته حديث آخر
                  ____________
                  (1) المناقب : 3 | 106.
                  (2) كنز الفوائد : 1 | 150.
                  (3) سفينة البحار : 2 | 375.
                  --------------------------------------------------------------------------------

                  ( 98 )

                  ورد في شفاعة الزهراء عليها السلام في يوم القيامة واعطاء الكرامة العظمى لها آنذاك.
                  ومن المقامات الأخرى لها عليها السلام هو علة الايجاد أي أنها كانت علة الموجودات التي خلقها الباري عز وجل وكما ورد في الحديث الذي يقول فيه الباري عز وجل : « يا أحمد ! لولاك لم خلقت الأفلاك ، ولولا علي لم خلقتك ولولا فاطمة لما خلقتكما »(1).
                  ولا نريد الوقوف مع هذا الحديث الآن بل نترك بحثه إلى الفصول القادمة من هذا الكتاب ، وكثيرة هي المناقب والمقامات التي لها عند الله تعالى.


                  ب ـ مقامها عليها السلام عند الملائكة

                  في حديث طويل .. « ... فقالت الملائكة : إلهنا وسيدنا لمن هذا النور الزاهر ، الذي قد أشرقت به السموات والأرض ؟ فأوحى الله إليها : هذا نور اخترعته من نور جلالي لأمتي فاطمة ابنة حبيبي ، وزوجة وليّي وأخو نبيّي وأبو حججي على عبادي ، أُشهدكم ملائكتي أنّي قد جعلت ثواب تسبيحكم وتقديسكم لهذه المرأة وشيعتها ومحبيها إلى يوم القيامة »(2).
                  وهذا يعني انها عليها السلام لها مقام النور الزاهر عند الملائكة فهم يعرفونها في السماء بالنور الزاهر الذي أزهرت السماوات والأرض بنورها ولأجل ذلك سميت بالزهراء.


                  جـ مقامها عليها السلام عند الأنبياء والنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم

                  أما عند الأنبياء فهذا ما يدل عليه الحديث المأثور عن أهل بيت العصمة عليهم السلام الذي يقول : ما تكاملت نبوة نبي من الأنبياء حتى أقر بفضلها ومحبتها وهي الصديقة الكبرى وعلى معرفتها دارت القرون الاولى ، حيث يظهر من هذا الحديث ان لها مقام سامي عند الأنبياء لأنه ما تكاملت نبوتهم حتى أقروا بمنزلتها ومقامها وفضلها
                  ____________
                  (1) ملتقى البحرين : 14 ، فاطمة بهجة قلب المصطفى : 9 ، عن كشف اللآلي.
                  (2) تأويل الآيات : 1 | 137 | ح 16 ، البرهان : 1 | 392 ح 5.
                  --------------------------------------------------------------------------------

                  ( 99 )

                  ومحبتها ، واللطيف هنا انما الأقرار يكون عند من له الحق على الآخرين ، وعليه يكون الأنبياء أقروا لله تعالى ـ لأنه هو صاحب الحق عليهم ـ بفضلها ومحبتها ، أما عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم فان مقامها رفيع ولو أردنا أن نكتب عن مقامها عند الرسول لاحتجنا إلى مجلدات في هذا الأمر ولكن على ما يسعنا المقام نقول : ان مقامها يظهر من خلال أحاديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم نفسه حيث تارة يقول فداك أبوك ومرة أخرى يقول لها اُم أبيها ، وأخرى بضعة مني ولحمها لحمي ودمها دمي ولكن الأهم من هذا كله فإنها عليها السلام يكفي من مقامها ومنزلتها عند الرسول صلى الله عليه وآله انه قال في حقها : « من عرف هذه فقد عرفها ، ومن لم يعرفها فهي فاطمة بنت محمد وهي بضعة مني وهي قلبي الذي بين جنبي فمن آذاها فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله »(1).
                  وأيضاً قوله صلى الله عليه وآله وسلم : « ومن أنصفك فقد أنصفني ، ومن ظلمك فقد ظلمني ، لأنك منّي وأنا منك ، وأنت بضعة من وروحي التي بين جنبيّ ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم : « إلى الله أشكو ظالميك من امتي »(2).


                  د ـ مقامهاعليها السلام عند الأئمةعليهم السلام

                  ورد عن الإمام الحسن العسكري عليه السلام أنه قال :
                  « نحن حجج الله على خلقه وجدتنا فاطمة حجة الله علينا »(3) وهذا الحديث من الأحاديث العظيمة الذي أعطى لفاطمة عليها السلام وعلى لسان حفيدها الحسن العسكري عليه السلام أكبر شهادة عظمى بحقها ، وسيأتي مفصلاً البحث حول هذا الحديث الشريف.
                  ويظهر من خلال حديث أخر عظم منزلة ومقام فاطمة عند الأئمة عليهم السلام حيث
                  ____________
                  (1) كشف الغمة : 1 | 467 ، الفصول المهمة : 128 ، نور الأبصار : 52 ، ونزهة المجالس : 2 | 228.
                  (2) كشف الغمة : 1 | 498.
                  (3) تفسير أطيب البيان : 3 | 226.
                  --------------------------------------------------------------------------------

                  ( 100 )

                  خرج من الناحية الشريفة عن الإمام المهدي ( عجل الله تعالى فرجه الشريف ) أنه قال : « وفي ابنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لي أسوة حسنة... »(1) فأي مقام يظهر لنا من خلال هذا التوقيع الشريف والذي بين فيه الإمام ( عجل الله تعالى فرجه الشريف ) أن له اسوة حسنة بفاطمة أي اتخذها قدوة له يتأسى بها في المعضلات والمصائب.
                  وهناك الكثير من المقامات التي اشتركت الزهراء عليها السلام مع الأئمة فيها من حديث كونهم الصراط المستقيم واشتراكها معهم فيه وكذلك كونهم الكلمات التي تلقاها آدم عليه السلام لتوبته واشتراكها معهم في المباهلة مع وفد نجران والذي تدل على أنها كانت قطب الرحى الذي دار في المباهلة وكونها الشجرة الطيبة واشتراكها في النور معهم والتطهير في آية التطهير ... الخ من المناقب والمقامات العالية لها عليها السلام ولقد تظافرت الروايات الشريفة على هذه المقامات.


                  هـ مقامها عليها السلام عند العلماء والمحدثين

                  1ـ قال ابن صبّاغ المالكي : ولنذكر طرفاً من مناقبها التي تشرف هذا النّسب من نسبها ، واكتسى فخراً ظاهراً من حسبها ، وهي فاطمة الزهراء بنت مَنْ أنزل عليه : سبحان الذي أسرى ، ثالثة الشمس والقمر ، بنت خير البشر ، الطاهرة الميلاد ، السيّدة بإجماع أهل السّداد(2).
                  2ـ قال الاُستاذ عبد الزهراء : ونحن حين نتناول الحديث عن الزهراء عليها السلام بصفتها غرس النبوّة ، وشجرة الإمامة ، فإنّما تنكشفُ لنا أبعادُ الرّسالة الإسلامية بطابع تجسيدي نلمسه في كل جانب من جوانب شخصيّتها عليها السلام ونحن نتابعها ، ففي قرانها بعليِّ بن أبي طالب عليه السلام تنجلي لنا الصورة الحيّة التي رسمها الإسلام للقرآن الذي ارتضاه خالق هذا الوجود ، وفي مواقفها البطولية بعد وفاة أبيها يتكشّف لنا المدى
                  ____________
                  (1) البحار : 53 | 179 و 180 ، غيبة الطوسي : 172 ، الاحتجاج : 2 | 277 ، الزام المناصب : 1 | 439.
                  (2) الفصول المهمة : 143.
                  --------------------------------------------------------------------------------

                  ( 101 )

                  البعيد الذي رسمه الإسلام للمرأة من حقوق وواجبات ، ومدى فاعليتها في بناء المجتمع الإسلامي. وعلى هذا الأساس تقاس سائر جوانب شخصية الزهراء عليها السلام(1).
                  3ـ قال العلامة محمد بن طلحة الشافعي : اعلم ـ أيّدك الله بروح منه ـ أن الأئمة الأطهار المعدودة مزاياهم في هذا المؤلّف ، والهداة الأبرار المقصودة سجاياهم بهذا الصنّف لهم برسول الله زيادة على اتصالهم به بواسطة فاطمة عليها السلام. فبواسطتها زادهم الله تعالى فضل شرف وشرف فَضْل ، ونيل قدر وقدر نيل ، ومحلَّ علوّ وعلوّ محلّ ، وأصل تطهير وتطهير أصل ... فانظر بنُور بصيرتك ـ أمدّك الله بهدايتها ـ إلى مدلول هذه الآية(2) وترتيب مراتب عباراتها وكيفيّة إشارتها إلى علوّ مقام فاطمة الزهراء في منازل الشرف وسمو درجتها ، وقد بيّن ذلك وجعلها بينه وبين عليًّ تنبيهاً على سرّ الآية وحكمتها ، فإن الله عزَّ وجل جعلها مُكتَفةً من بين يديها ومن خلفها ليظر بذلك الاعتناء بمكانتها . وحيث كان المراد من قوله « وأنفسَنا » نفس عليًّ مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم جعلها بينهما إذا الحراسة بالأحاطة بالأنفس أبلغ منها بالأنباء في دلالتها(3).
                  4ـ قال الحافظ أبو نعيم الإصفهاني : ومن ناسكات الأصفياء وصفيّات الأتقياء فاطمة ـ رضي الله تعالى عنها ـ السيّدة البتول ، البضعة الشبيهة بالرسول ، وأوّلهم بعد وفاته به لحوقاً ، كانت عن الدنيا ومُتعتها عازفةً ، وبغوامض عيوب الدنيا وآفاتها عرافة(4).
                  5ـ قال عبد الحميد ابن أبي الحديد : وأكرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة إكراماً عظيماً أكثر مما كان الناس يظنُّونه وأكثر من إكرام الرجال لبناتهم ، حتى خرج بها عن حدّ حبّ الآباء للأولاد ، فقال بمحضر الخاصّ والعامّ مراراً لا مرّة واحدة ، وفي مقامات مختلفة لا في مقام واحد : « انها سيدة نساء العالمين ، وإنها عديلة مريم بنت عمران ، وإنها إذا مرّت في الموقف في الموقف نادى مناد من جهة العرش : يا أهل الموقف غضُّوا أبصاركم
                  ____________
                  (1) الزهراء : 12 ـ 13.
                  (2) يعني قوله تعالى : قل تعالوا نَدْع أبناءنا وأبناءَكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكُم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين : ( آل عمران : 61 ).
                  (3) مطالب السؤول : 6 و 7.
                  (4) حلية الأولياء : 2 | 49.
                  --------------------------------------------------------------------------------

                  ( 102 )

                  لتعبر فاطمة بنت محمد ». وهذا من الأحاديث الصحيحة ، وليس من الأخبار المستضعفة. وإنّ إنكاحه عليّاً إيّاها ما كان إلا بعد أن أنكحه الله تعالى إيّاها في السماء بشهادة الملائكة ؛ وكم قال لا مرّة : « يؤذيني ما يؤذيها ، ويغضبني ما يغضبها ، وإنها بضعة مني ، يريبني ما رابها »(1).
                  6ـ قال الاُستاذ توفيق أبو علم : كانت ـ رضي الله عنها ـ كريمة الخليفة ، شريفة الملكة ، نبيلة النفس ، جليلة الحس ، سريعة الفهم ، مرهفة الذهن ، جزلة المروءَة ، غرّاء المكارم ، فيّاحة نفّاحة ، جرئية الصدر ، رابطة الجأش ، حميّة الأنف ، نائية عن مذاهب العجب ... وكانت في الذروة العالية من العفاف والتصادق ، طاهرة الذيل ، عفيفة المئزر ، عفيفة الطرف ... إنّها سليلة شرف لا منازع لها فيه من واحدة من بنات حوّاء فمن تراه ... واكتفائها بشرفها كأنّها في عزلة بين أبناء آدم وحوّاء(2).
                  7ـ قال الاُستاذ عباس محمود العقاد المصري : في كل دين صورةُ الاُنوثية الكاملة المُدّسة يتخشّع بتقديسها المؤمنون ، كأنّما هي آية الله فيما خلق من ذكر واُنثى ؛ فإذا تقدّست في المسيحية صورة مريم العذراء ، ففي الإسلام لا جرم تتقدّس صورةُ فاطمة البتول(3).
                  8 ـ قال الدكتور علي إبراهيم حسن : وحياة فاطمة هي صفحة فذّة من صفحات التاريخ ، نلمس فيها ألوان العظمة ، فهي ليست كبلقيس أو كليو بطرة ، استمدّت كلٌّ عظمتها من عرش كبير وثروة طائلة وجمال نادر. وهي ليست كعائشة نالت شهوتها لما انّصفت به من جرأة جعلتها تقود الجيوش ، وتتحدّى الرجال ، ولكنّا أمام شخصية استطاعت أن تخرج إلى العالم وحولها هالة من الحكمة والجلال ، حكمة ليس مرجعها الكتب والفلاسفة والعلماء ، وإنما تجارب الدهر المليء بالتقلبات والمفاجأت ، وجلال ليس مستمداً من ملك أو ثراء ، وانما من صميم النفس ...(4).
                  ____________
                  (1) شرح نهج البلاغة : 9 | 193.
                  (2) أهل البيت : 132 ، 133.
                  (3) أهل البيت لتوفيق أبو علم : 128.
                  (4) فاطمة الزهراء عليها السلام للعلامة دخيل : 171.
                  --------------------------------------------------------------------------------

                  ( 103 )

                  9ـ قال العلامة الإربلي : فنلبدأ الآن بذكر فاطمة عليها السلام التي زاد إشراق هذا النسب بإشراق أنوارها ، واكتسب فخراً ظاهراً من فخارها ، واعتلى على الأنساب بعلوّ منارها ، وشرف قدره بشرف محلّها ومقدارها ، فهي مشكاة النبوة التي أضاء لألاؤها ، وتشعشع ضياؤها ، وسحت بسحب الغرّ أنواؤها ، وعقيلة الرسالة التي علت السبع الشداد مراتب علا وعلاء ، ومناصب آل وآلاء ، ومناسب سناً وسناء ، الكريمة الكريمة الأنساب ، الشريفة الشريفة الأحساب ، الطاهرة الظاهرة الميلاد ، الزهراء الزهراء الأولاد ، السيدة باجماع أهل السداد ، الخيرة من الخير : ثالثة الشمس والقمر ، بنت خير البشر ، اُم الأئمة الغرر ، الصافية من الشوب والكدر ، الصفوة على رغم من ججد أو كفر ، الحالية بجواهر الجلال ، الحالّة في أعلى رتب الكمال ، المختارة على النساء والرجال ، صلى الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبينها السادة الأنجاب ، وارثي النبوة والكتاب ، وسلّم وشرّف وكرّم وعظّم(1).
                  10ـ وقال أيضاً : إن فاطمة عليها السلام هي سليلة النبوة ورضيعة درّ الكرم والاُبوة ، ودرّة صدف الفخار ، وغرّة شمس النهار ، وذُبالة(2) مشكاة الأنوار ، وصفوة الشرف والجود ، وواسطة قلادة الوجود ، نقطة دائرة المفاخر ، قمر هالة المآثر ، الزهرة الزهراء ، والغُرَّة الغرّاء ، العالية المحل ، الحالّة في رتبة آل عُلاء السامية ، المكانة المكينة في عالم السماء ، المضيئة النور ، المنيرة الضياء ، المستغنية باسمها عن حدِّها ووَسمها ، قُرّة عين أبيها ، وقرار قلب أُمِّها ، الحالية بجواهر عُلاها ، العاطلة من زخرف دنياها ، أمة الله وسيدة النساء ، جمال الآباء وشرف الأبناء ، يفخر آدم بمكانها ، ويبوح نوح بشدّة شأنها ، ويسموا إبراهيم بكونها من نسله ، وينجحُ إسماعيل على إخوته إذ هي فرع أصله ، وكانت ريحانة محمد صلى الله عليه وآله وسلم من بين أهله ، فما يجاريها في مَفْخر إلا مغلّب(3) ، ولا يباريها في مجد إلا مؤنّب(4) ، ولا يجحد حقّها إلا مأفون(5) ، ولا يصرف عنها وجه
                  ____________
                  (1) كشف الغمة : 1 | 484.
                  (2) الذُّبالة : الفتيلة.
                  (3) علّبه : أثّر فيه وخدشه.
                  (4) التأنيب : المبالغة في التوبيخ.
                  (5) المأفون : الضعيف الرأي.
                  --------------------------------------------------------------------------------

                  ( 104 )

                  إخلاصه إلا مغبون (1) .
                  11 ـ قال العلامة الخبير ابن شهر آشوب ( ره ) : وقلنا الصدّيقة بالأقوال ، والمباركة بالأحوال ، والطاهرة بالأفعال ، الزكية بالعدالة ، والرضية بالمقالة ، والمرضية بالدلالة ، المحدثة بالشفقة ، والحرّة بالنفقة ، والسيّدة بالصدقة ، الحصان بالمكان ، والبتول في الزمان ، والزهراء بالإحسان ، مريم الكبرى في الستر ، وفاطم بالسرّ . وفاطمة بالبرّ ، النوريّة بالشهادة ، والسماوية بالعبادة ، والحانية بالزهادة ، والعذراء بالولادة ، الزاهدة الصفيّة ، العابدة الرضيّة ، الراضية المرضيّة ، المتهجّدة الشريفة ، القانتة العفيفة ، سيدة النسوان ، وحبيبة حبيب الرحمن ، المحتجبة عن خزّان الجنان ، وصفيّة الرحمن ، ابنة خير المرسلين ، وقرّة عين سيّد الخلائق أجمعين ، وواسطة العقد بين سيّدات نساء العالمين ، والمتظلّمة بين يدي العرش يوم الدين ، ثمرة النبوّة ، وام الأئمة وزهرة فؤاد شفيع الامة ، الزهراء المحترمة ، والغرّاء المحتشمة ، المكرّمة تحت القبّة الخضراء ، والإنسيّة الحوراء ، والبتول العذراء ، ستّلا النساء (2) ، وارثة سيد الأنبياء ، وقرينة سيد الأوصياء ، فاطمة الزهراء ، الصدّيقة الكبرى ، راحة روح المصطفى ، حاملة البلوى من غير فزع ولا شكوى ، وصاحبة شجرة طوبى ، ومن أنزل في شأنها وشأن زوجها وأولادها سورة هل أتى ، ابنة النبي ، وصاحبة الوصي ، وام السبطين ، وجدّة الأئمة ، وسيدة نساء الدنيا والآخرة ، زوجة المرتضى ، ووالدة المجتبى ، وابنة المصطفى ، السيدة المفقودة ، الكريمة المظلومة الشهيدة ، السيدة الرشيدة ، شقيقة مريم ، وابنة محمد الأكرم ، المفطومة من كل شرّ . المعلومة بكل خير ، المنعوتة في الإنجيل ، الموصوفة بالبرّ والتبجيل ، درّة صاحب الوحي والتنزيل ، جدّها الخليل ، ومادحها الجليل ، وخاطبها المرتضى بأمر المولى جبرئيل (3) .
                  12 ـ قال المحقق الشهير الحاج ملاّ محمد باقر صاحب الخصائص الفاطمية : سبحانك اللهم فاطر السموات العلى ، وفالق الحب والنوّى ، أنت الذي فطرت اسماً من
                  ____________
                  (1) المصدر : 454 .
                  (2) أي سيّدتهنّ .
                  (3) المناقب : 3 | 357 ، 358 .
                  --------------------------------------------------------------------------------

                  ( 105 )

                  اسمك ، واشتققته من نورك ، فوهبت اسمك بنورك حتى يكون هو المظهر لظورك ، فجعلت ذلك الاسم جرثومة لجملة أسمائك ، وذلك النور ارومة (1) لسيّدة إمائك ، وناديت في الملأ الأعلى : أنا الفاطر وهي فاطمة ، وبنورها ظهرت الأشياء من الفاتحة إلى الخاتمة . فاسمها اسمك ، ونورها نورك ، وظهورها ظهورك ، ولا إليه غيرك ، وكل كمالٍ ظلّك ، وكل وجودٍ ظلّ وجودك ، فلما فطرتها فطمتها عن الكدورات البشرية ، واختصصتها بالخصائص الفاطمية ، مفطومة عن الرعونات (2) العنصريّة ، ونزّهتها عن جميع النقائص ، مجموعة من الخصائل المرضيّة بحيث عجزت العقول عن إدراكها ، والناس فطموا عن كنه معرفتها ، فدعا الأملاك في الأفلا ك بالنوريّة السماوية ، وبفاطمة المنصورة ... ام السبطين وأكبر حجج الله على الخافقين ، ريحانه سدرة المنتهى ، وكلمة التقوى ، والعروة الوثقى ، وستر الله المرخى ، والسعيدة العظمى ، والمريم الكبرى ، والصلواة الوسطى ، والإنسيّة الحوراء التيم بمعرفتها دارت القرون الاولى .
                  وكيف احصي ثناها وإنّ فضائلها لا تحصى ، وفواضلها لا تقضى ؟! البتول العذراء ، والحرّة البيضاء ، ام أبيها ، وسيدة شيعتها وبنيها ، ملكة الأنبياء ، الصدّيقة فاطمة الزهراء ، نعم ما قال :

                  خجلاّ من نور بهجتها تتوارى الشمس في الافق * وحياءً من شمائلها يغطّى الغصن في الورق (3)

                  13 ـ قال المحقق البارع السيد كاظم القزويني : فاطمة ، وما أدراك من فاطمة ! شخصية إنسان تحمّل طابع الانوثة لتكون آية على قدرة الله البالغة واقتداره البديع العجيب ، فإن الله تعالى خلق محمداً صلى الله عليه وآله وسلم ليكون آية قدرتة في الأنبياء ، ثم خلق منه بضعته وابنته فاطمة الزهراء لتكون علامةً وآيةً على قدرة الله في إيداع مخلوق أنثى تكون كتلة من الفضائل ، ومجموعة من المواهب فلقد أعطى الله تعالى فاطمة الزهراء أوفر حظ من العظمة ، وأوفى نصيب من الجلالة بحيث لا يمكن لأيّة أنثى لأيّة أنثى أن تبلغ تلك
                  ____________
                  (1) الارومة : أصل الشجرة .
                  (2) الرّعونة : الاسترخاء ، الحمق ، والمراد هنا الأول .
                  (3) الخصائص الفاطمية : 1 .
                  --------------------------------------------------------------------------------

                  ( 106 )

                  المنزلة ، فهي من فصيلة أولياء الله الذين اعترفت لهم السماء بالعظمة قبل أن يعرفهم أهل الأرض ، ونزلت في حقّهم آيات محكمات في الذكر الحكيم تتلى آناء الليل وأطراف النهار منذ نزولها إلى يومنا هذا وإلى أن تقوم القيامة . شخصية كلما ازداد البشر نضجاً وفهماً للحقائق واطّلاعاً على الأسرار ظهرت عظمة تلك الشخصية بصورة أوسع ، وتجلت معانيها ومزاياها بصورٍ أوضح . إنّها فاطمة الزهراء الله يثني عليها , ويرضى لرضاها ، ويغضب لغضبها ، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينوّه بعظمتها وجلالة قدرها ، وأمير المؤمنين عليه السلام ينظر إليها بنظر الإكبار والإعظام ، وأئمة أهل البيت عليه السلام ينظرون إليها نظر التقديس والإحترام (1) .


                  ت ـ مقامها عليها السلام يوم القيامة

                  إن أفضل مقام تعطى فاطمة عليها السلام يوم القيامة هو مقام الشفاعة الكبرى والذي من خلال هذه المنزلة يظره قدر ومقام فاطمة عند الله تعالى يوم القيامة وأمام الخلائق جميعاً ، فلقد ورد في تفسير فرات ... فإذا صارت عند باب الجنة تلتفت فيقول الله عزوجل : يا بنت حبيبي ، ما التفاتك وقد أمرت بك إلى جنتي ؟
                  فتقول : يا رب ! أحببت أن يعرف قدري في مثل هذا اليوم ، فيقول الله : يا بنت حبيبي ارجعي فانظري من كان في قلبه حب لك أو لأحد من ذريتك خذي بيده فأدخليه الجنة .
                  قال أبو جعفر عليه السلام ـ والله ـ يا جابر إنها ذلك اليوم لتلتقط شيعتها ومحبيها كما يلتقط الطير الحب الجيد من الحب الرديء . فاذا صار شيعتها معها عند باب الجنة يلقي الله في قلوبهم أن يلتفتوا فإذا التفتوا فيقول الله عز وجل :
                  يا أحبائي ما التفاتكم وقد شفعت فيكم فاطمة بنت حبيبي ؟
                  فيقولون : يا رب أحببنا أن يعرف قدرنا في مثل هذا اليوم ؛ فيقول الله : يا أحبائي
                  ____________
                  (1) فاطمة الزهراء من المهد إلى اللحد : 13 و 14 .
                  --------------------------------------------------------------------------------

                  ( 107 )

                  ارجعوا وانظروا من أحبكم لحب فاطمة ، انظروا من أطعمكم لحب فاطمة انظروا من كساكم لحب فاطمة ، انظروا من سقاكم شربة في حب فاطمة ، انظروا من ردّ عنكم غيبة في حب فاطمة ، خذوا بيده وأدخلوه الجنة .
                  قال أبو جعفر عليه السلام : ـ والله ـ لا يبقى في الناس إلا شاك أو كافر أو منافق ، فإذا صاروا بين الطبقات ، نادوا كما قال الله تعالى : ( فما لنا من شافعين * ولا صديق حميم ) فيقولون : ( فلو أنّ لنا كرة فنكون من المؤمنين ) .
                  قال أبو جعفر عليه السلام : هيهات هيهات منعوا ما طلبوا ( ولو ردّوا لعادوا لما نهوا عنه وانهم لكاذبون ) .


                  --------------------------------------------------------------------------------

                  ( 108 )


                  الأمر الثاني
                  ظلامات فاطمة الزهراء عليها السلام
                  [poem font="Simplified Arabic,4,black,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]

                  نـبذوا العــهد والكــتاب ومـا جـا * ء بـه فـي الوصـيّ خـلف الظـهور
                  عـدلوا عـن أبـي الهــداة المـياميـ * ن إلى بـــيعة الأثــيم الكـــفور
                  قــدموا الرجس بــالولاية للأمـــر * عـــلى أهــل آيــة التــطهير
                  لست تـدري لم أحـرقوا البـاب بـالنا * ر أرادوا إطـــفاء ذاك النــــور
                  لست تدري ما صـدر فاطم مـا المسـ * ـمار مـا حـال ضــلعها المكسـور
                  ما سقوط الجـنين مـا حـمره العـين * ومــا بـال قـرطـــها المـنثور
                  دخـلوا الـدار وهـي حسـرى بمرأى * مـن عــليّ ذاك الأبـي الغــيور
                  واســتداروا بغــياً عـلى أسـد الله * فأضــحى يــقاد قــود البعــير
                  يـنظر النـاس مـا بـهم مـن مـعين * ويــنادي ومــاله مــن نــصير
                  والبـتول الزهــراء فـي إثرهم تعـ * ـثر فــي ذيــل بـردها المجرور
                  بأنــينٍ يــوهيم الصــفا بشـجاه * وحـنين يـذيب صــمّ الصــخور
                  ودعــتهم : خـلّوا ابـن عـمي عليّاً * أو لأشكــو إلى السـميع البــصير
                  مـا رعـوها بـل روعـوها ومـرّوا * بـــعلي مـــلبّباً كـــالأسير
                  بــعض هــذا يـريك ممّن تـولّى * بــارز الكــفر ليس بــالمستور [/poem]
                  --------------------------------------------------------------------------------

                  ( 109 )

                  تمهيد :

                  جاء الدين الإسلامي الحنيف ليمثل عصارة الأديان السماوية المتعددة وخلال الفترات المتعاقبة حيث قدم النظام الأشمل والأكمل للحياة وعلى كافة المستويات سواء الإجتماعية أو الإقتصادية أو السياسية وهذا ما نراه واضحاً جلياً في أدنى تأمل للنظرية الإسلامية المتمثلة في طرفي العقيدة والشريعة ، وكان من جملة ما أكدت عليه الرسالة السماوية المتمثلة في بعثة نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم هو حرمة الظلم ومعاونة الظالمين ذلك ان الله تبارك وتعالى قد حرم على نفسه الظلم وكما ورد في الحديث القدسي : « يا عبادي اني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا » .
                  فالإسلام دين المساواة والعدل ولا يرضى بالظلم والبغي ، حيث أنزل الله تعالى في كتابه الكريم الكثير من الآيات القرآنية المباركة التي تدل دلالة قطعية واضحة البراهان على ضرورة العدل بين الرعية وعدم البغاء والظلم فيما بينهم ، حيث اعتبرت هذه الضرورة من الواجبات المهمة على كافة الأصعدة والمجالات الحياتية ، فنرى من خلال الضرورة من الواجبات المهمة على كافة الأصعدة المجالات الحياتية ، فنرى من خلال مراجعة الأحكام الشرعية التي أقرتها الشريعة الإسلامية أن الكثير منها قد لوحظ فيه عدم الظلم للآخرين والتعدي على حقوقهم ، كل هذه التأكيد لكي تسير الإنسانية في الطريق الذي ارتضاء الله تبارك وتعالى لها ولكي تصل إلى شاطيء الأمان والكمال وضمن الأهداف المحددة من خلال الرسالة المحمدية السمحاء .
                  ونجد من خلال استقراء القرآن الكريم أن أكثر الآيات القرآنية الواردة في المقام قد تكون صريحة في تحريم الظلم سواء كان ذلك بذكر لفظة الظلم بصورة مباشرة أو عن طريق ذكر نقيضه الذي هو العدل وكما سيتبين من خلال مطالعة الآيات القرآنية التالية :


                  --------------------------------------------------------------------------------

                  ( 110 )

                  * حيث جاء قوله تعالى ( ان الله لا يظلم مثقال ذرة ) (1) ليؤكد على حقيقة اختصت لها الشيعة مع بعض الفرقة الدينية الآخرى ألا وهي مسألة العدل حيث أقرت الشيعة بأن من أصول الدين هو العدل وهو أن الله ليس بظالم ولا يظلم أحداً فهو العدل لهذا نجد في هذه الآية القرآنية أن الله قد حرم على نفسه الظلم فلا يظلم عباده بل هو المفيض عليهم رحمته الربانية ونعمته الالهية .
                  * وجاء قوله تعالى ( ما للظالمين من نصير ) (2) ليؤكد على مسألة أخرى بحيث انها من الأهمية قد ذكرها الله تعالى ليذكر بها البشرية بأن الظالمين ليس لهم نصير ولا تنصرهم السماء وبنفس الوقت قد أكد الله في آية أخرى وطلب من المؤمنين بأن لا ينصروا الظالمين باي شكل من الأشكال ( ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار ) (3) .
                  وهكذا جاءت الكثير من الآيات القرآنية الكريمة حاملة بين طياتها التأكيد على هذا الأمر المهم والضروري لتكامل البشرية .
                  وقد يرد وينقدح سؤال مهم في ذهن كل إنسان واعي وفاهم للأمور الإسلامية أنه إذا كان هذا الحال في حرمة الظلم وعدم معونة الظالمين فما المفهوم من الظلم وأي ضابطة نرجع اليها في معرفة الظلم وتعريفه معناه ؟
                  فنقول ان الظلم من الأمور التي يدرك الذهن ويفهمها بأدنى تأمل ذلك أنه من الأمور الفطرية والعقلية هو قبح الظلم وأنه يأباه العقل والناس جميعاً مشتركين في هذه المسألة أعني قبح الظلم ، ومع ذلك كله نعطي بعض التعاريف للظلم لكي لا يرد أي استيضاح حوله في حالة عدم فهم معناه .
                  * الظلم لغة : أما لغة فقد جاء في لسان العرب (4) : الظلم وضع الشيء في غير موضعه . وأصل الظلم الجور ومجاوزة الحد ، ويقال ظلمه يظلمه ظلماً ومظلمة ، فالظلم
                  ____________
                  (1) النساء : 40 .
                  (2) الحج : 71 .
                  (3) هود : 113 .
                  (4) لسان العرب لابن منظور : 15 | 226 .
                  --------------------------------------------------------------------------------

                  ( 111 )

                  مصدر حقيقي وهو ظالم وظلوم والظلمة هم المانعون أهل الحقوق حقوقهم ، والظلامة ما تظلمه وهي المظلمة . وتظالم القوم : ظلم بعضهم بعضاً وفي المفردات للراغب الاصفهاني (1) : والظلم عند أهل اللغة وكثيرون أهل العلم : وضع الشيء في غير موضعه المختص به إما بنقصان أو بزيادة وإما بعدول عن وقته أو مكانه .
                  وقال الفيروز آبادي (2) والظلم يقال في مجاوزة الحق ويقال في الكثير والقليل .
                  أما عرفاً : فالظلم معناه بخس النسا أشياءهم وحقوقهم والاعتداء على الغير باي صورة كانت سواء قولاً أو عملاً .
                  وأما شرعاً : الظلم وضع الشيء في غير موضعه الشرعي (3) والظلم أصله الجور ومجاوزة الحد ومعناه الشرعي وضع الشيء في غير موضعه الشرعي (4) وهكذا يتبين لمن يقصد السؤال في معرفة الظلم ويدقق في مقولات علماء اللغة وغيرهم من أهل الشرع واللغة وأهل المعرفة في هذا المقام ، ولنعم ما قال الحكيم أرسطو في هذا المقام حيث أطلق هذه الكلمات ليعبر عن طبيعة الفطرة الإنسانية في هذه المسألة ( الظلم من طبع النفوس ، وانما يصدها عن ذلك إحدى علتين : إما علة دينية لخوف معاد أو علة سياسية لخوف سيف ) . فيكون مقال القائل أن النفوس لا تظهر هذا الظلم للعلتين المتقدمتين ، ولكن نقول إذا فقدتا هاتين العلتين فماذا سيكون الحال ، قطعاً عند ذلك يسقط الواعز النفسي للإنسان فيكون من أعتى الظالمين .
                  إذن بعد هذه المقدمة التي ارتأينا أن نقدمها لكي يتضح الحال والمقام في الظلم وقبحه وحرمته ندخل في هذا الفصل لكي نعيش القصة والحديث التأريخي الذي لا يزال يأكل بنفوس المسلمين وإلى وقتنا الحاضر ألا وهو حدث ظلامات فاطمة الزهراء بضعة النبي الهادي المختار تلك التي لم يترك في المسلمين آنذاك من أهله ومن ذريته إلا هذه الميمونة الطاهرة ذو النسل المبارك ام الحسنين عليهما السلام .
                  ____________
                  (1) المفردات في غريب القرآن للراغب الاصفهاني : 315 .
                  (2) بصائر ذوي التمييز للفيروز ابادي : 4 | 230 .
                  (3) صحيح البخاري بشرح العسقلاني : 5 | 95 .
                  (4) عمدة القاري شرح صحيح البخاري للعيني : 12 | 238 .
                  --------------------------------------------------------------------------------

                  ( 112 )

                  فتعال معي أيها القاري العزيز لنروي لك تلك الظلامات ونغوص في أعماق التاريخ لنجد ما يطالعنا به القوم من الظلامات التي أطبقت عليها الخاصة والعامة على ثبوتها وصدورها ولكن اتباع الأهواء والصدود عن الحق هو الذي جعل الكثير منهم يأخذ هذه الأحداث مأخذاً تاريخياً ليس فيه أي فائدة وليس له أي علاقة لا بأصول الدين ولا بالعقيدة وانما هو مجرد حدث لا يضر من عرفه ولا ينفع من جهله ، وأنى لهم بالمعرفة الحقة والنور المستبين ذلك أن ( ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور ) فهلم بنا لكي نقف مع هذه الدراسة التي أفاضها لنا التاريخ ونحققها بعمق وتركيزعلى كل جوانبها وحسب ما تسعنا قابليتنا المحدودة في معرفة كوامن الأسرار ونزيح ما استتار في ظلم التاريخ عن هذه الظلامات عن غبار جعل الكثير من أبصار وبصائر الذين يدعون الصلة بالرسول الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم من جهة الإسلام انهم يحبون ويوالون الرسول في كل شيء ولكن ... ؟!!
                  ولنقف بدقة متناهية مع هذه الظلامات ونعرض جميع الأسئله الواردة في المقام ونعرضها على كتاب الله الغريز باعتباره المصدر الأول لكل سؤال ولكل استفهام من أي من كان ، ونعرضها على سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فهو الذي ( لا ينطق عن الهوى ... إلا وحي يوحى علمه شديد القوى ذو مرة فاستوى ) .
                  ونستنطق بهذه الأسئلة العقل ليكون القاريء العزيز على ثقة بما يتطلع إليه ويصل إلى مقام الإطمئنان الذي تصبو إليه النفس الإنسانية .
                  وقبل كل شيء ينقدح سؤال مهم ألا وهو هل أخبر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بما سيجري على أهل بيته من بعده أم لم يخبر ؟
                  والجواب نجده واضحاً من خلال مطالعة كتب التأريخ والحديث حيث ورد عن أبي عبدالله عليه السلام في حديث طويل أنه قال في قضية الإسراء والمعراج لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من قبل الله تعالى « إن الله مختبرك ـ أي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ـ في ثلاث ينظر كيف جدك ؛ قال : أسلم لأمرك يا رب ولا قوة لي على الصبر إلا بك ، فما هن ؟
                  إلى أن يقول الإمام الثالثة ...
                  وأما الثالثة : فما يلقى أهل بيتك من بعدك من القتل : أما أخوك علي فيلقى من امتك


                  --------------------------------------------------------------------------------

                  ( 113 )

                  الشتم والتضعيف والتوبيخ والحرمات والجهد والظلم وآخر ذلك القتل .
                  فقال : يا رب ، سلمت وقبلت ، ومنك التوفيق والصبر . وأما ابنتك فتظلم ، وتحرم ، ويؤخذ حقها غصباً الي تجعله لها ، وتصرب وهي حاملة ، ويدخل على حريمها ومنزلها بغير إذن ، ثم يمسها هوان وذل ثم لا تجد مانعاً وتطرح ما بطنها من الضرب وتموت من ذلك الضرب ، قلت إنا لله وإنّا إليه راجعون قبلت يا رب وسمك ومنك التوفيق والصبر (1) .
                  إذن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يعلم ما سيجري على بضعته الطاهرة وما يكون مآل الأمور من بعده ، ويعلم من الذي سوف يكون الظالم لها ولبعلها ولذلك نجده في أكثر من مرة يوصي الزهراء وأمير المؤمنين بالصبر بما سيجري عليهم من بعده ، ولقد جاء في المأثور الروائي أنه طالما أخبرهم بذلك وخصوصاً عند قرب وفاته حيث أخبر الصديقة الشهيدة عليها السلام بأنها ستظلم من بعده وانها أول الناس لحوقاً به من أهل بيته بعد أربعين يوماً من وفاته وقيل بإثنين وسبعين يوماً ، وهكذا تظافرت الروايات الكثيرة في إثبات هذه المأساة للزهراء من بعد أبيها ، أما من الذي يظلمها حقها ؟ فهذا ما ترويه قصة سقيفة بني ساعدة وإليك ما جرى في تلك الواقعة الأليمة لأهل بيت النبوة والتي كانت مفتاح الظلم الذي سنه الخليفة الأول والثاني على أهل البيت عليهم السلام .
                  * عن عبدالله بن عبد الرحمان قال : ثم إن عمر احتزم بإزاره وجعل يطوف بالمدينة وينادي : ألا إن أبا بكر قد بويع له فهلموا إلى البيعة ، فينثال الناس يبايعون ، فعرف أن جماعة في بيوت مسترون ، فكان يقصدهم في جمع كثير ويكبسهم ويحضرهم المسجد فيبايعون ، حتى إذا مضت أيام أقبل في جمع كثير إلى منزل علي عليه السلام فطالبه بالخروج فأبى ، فدعا عمر بحطب ونار وقال : والذي نفس عمر بيده ليخرجنّ ، أو لأحرقنّه على ما فيه .
                  فقيل له : إنّ فاطمة بنت رسول الله ،وولد رسول الله ، وآثار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيه ؛ وانكر الناس ذلك من قوله ، فلما عرف إنكارهم قال : ما بالكم أتروني فعلت ذلك ؟!
                  ____________
                  (1) الدمعة الساكبة : 69 ، كامل الزيارات : 332 ، البحار : 28 | 61 .
                  --------------------------------------------------------------------------------

                  ( 114 )

                  إنما أردت التهويل ؛ قال : وخرجت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إليهم فوقفت خلف الباب ثم قالت : « لا عهد لي بقوم أسوأ محضراً منكم ، تركتم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جنازةً بين أيدينا وقطعتم أمركم فيما بينكم ، ولم تؤمّرونا ، ولم تروا لنا حقّاً ، كأنّكم لم تعلموا ما قال يوم غدير خم ؛ والله ، لقد عقد له يؤمئذ الولاء ليقطع منكم بذلك منها الرجاء ولكنكم قطعتم الأسباب بينكم وبين نبيّكم ، والله حسيب بيننا وبينكم في الدنيا والآخرة (1) .
                  * عن سلمان الفارسي رضى الله عنه أنه قال : وكان علي بن أبي طالب عليه السلام لما رأى خذلان الناس له ، وتركهم نصرته ، واجتماع كلمة الناس منع أبي بكر ، طاعتهم له ، وتعظيمهم له ، جلس في بيته ؛ فقال عمر لأبي بكر : ما يمنعك أن تبعث إليه فيبايع ، فإنّه لم يبق أحد إلا وقد بايع ، غيره وغير هؤلاء الأربعة معه ؛ وكان أبو بكر أرقّ الرجلين ، وارفقهما ، وادهاهما ، وأبعدهما غوراً ؛ والآخر أفظّهما وأغلظهما ، وأخشنهما ، وأجفاهما ، فقال : من نرسل إليه ؟
                  فقال عمر : أرسل إليه قنفذاً ـ وكان رجلاً فظّاً غليظا جافياً من الطلقاء ، أحد بني تيم ـ فأرسله وأرسل معه أعواناً ، فانطلق فاستأذن ، فأبي عليّ عليه السلام أن يأذن له .
                  فرجع أصحاب قنفذ إلى بي بكر وعمر ، وهما في المسجد والناس حولهما فقالوا : لم يأذن لنا ، فقال عمر : هو إن أذن لكم وإلا فادخلوا عليه بغير إذنه .
                  فانظلقوا ، فاستأذنوا ، فقالت فاطمة عليها السلام : أخرّج عليكم أن تدخلوا بيتي بغير إذنٍ ؛ فرجعوا ، فثبت قنفذ ، فقالوا : إنّ فاطمة قالت : كذا وكذا ، فحرجتنا أن ندخل عليه البيت بغير إذن منها ، فغضب عمر ، وقال : ما لنا وللنساء ؛ ثم أمر أناساً حوله ، فحملوا حطباً وحمل معهم فجعلوه حول منزله ، وفيه علي وفاطمة وابناهما عليهم السلام ، ثم نادى عمر حتى اسمع علياً : والله لتخرجنّ ولتبايعنّ خليفة رسول الله ، أو لأضر منّ عليك بيتك ناراً ، ثم رجع فقعد إلى أبي بكر ، وهو يخاف أن يخرج علي بسيفه ، لما قد عرف من بأسه وشدّته .
                  ____________
                  (1) الاحتجاج : 1 | 105 ، الإمامة والسياسة : 12 ، بلاغات النساء : 4 | 114 .
                  --------------------------------------------------------------------------------

                  ( 115 )

                  ثم قال لقنفذ : إن خرج وإلاّ فاقتحم عليه ، فإن امتنع فاضرم عليهم بيتهم ناراً : فانطلق قنفذ ، فاقتحم هو وأصحابه بغير إذن ، وبادر علي إلى سفيه ليأخذه ، فسبقوه إليه فتناول بعض سيوفهم فكثّروا عليه فضبطوه ، وألقوا في عنقه حبلاً أسود ؛ وحالت فاطمة عليها السلام بين زوجها وبينهم عند باب البيت ، فضربها قنفذ بالسوط على عضدها ، فبقي أثره في عضدها من ذلك مثل الدملج من ضرب قنفذ إيّاها ؛ فأرسل أبو بكر إلى قنفذ : اضربها ؛ فالجأها إلى عضادة باب بيتها ، فدفعها فكسر ضلعاً من جنبها ، وألقت جنيناً من بطنها ، فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت من ذلك شهيدة صلوات الله عليها (1) .
                  * وفي كتاب سليم بن قيس ، في حديث طويل ، قال : فلما كان الليل حمل علي فاطمة عليهما السلام على حمار وأخذ بيدي إبنيه الحسن والحسين عليهما السلام فلم يدع أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا أتاه في منزله ، فناشدهم الله حقه ودعاهم إلى نصرته ، فما استجاب منهم رجل غبرنا الأربعة ، فإنّا حلقنا رؤوسنا ، وبذلنا له نصرتنا ، وكان الزبير أشدّنا بصيرة في نصرته ؛ فلما رأى علي عليه السلام خذلان الناس إيّاه وتركهم نصرته ، واجتماع كلمتهم مع أبي بكر ، وطاعتهم له ، وتعظيمهم إياه لزم بيته ، فقال عمر لأبي بكر : ما يمنعك أن تبعث إليه فيبايع ، فإنه لم يبق أحد إلا وقد بايع ، غيره وغير هؤلاء الاربعة ، وكان أبو بكر أرقّ الرجلين وأرفقهما وآدهاهما وأبعدهما غوراً ، والآخر أفظّهما وأغلظهما وأجفاهما ؛ فقال [ له ] أبوبكر : من نرسل إليه ؟
                  فقال عمر : نرسل إليه قنفذاً ، وهو رجل فظّ غليظ جافّ من الطلقاء ، أحد بني عديّ بن كعب ، فأرسله إليه ، وأرسل معه أعواناً ، فانطلق فاستأذن على علي عليه السلام ، فأبى أن يأذن لهم .
                  فرجع أصحاب قنفذ إلى أبي بكر وعمر ، وهما جالسان في المسجد والناس حولهما ، فقالوا : لم يؤذن لنا ؛ فقال عمر : اذهبوا فإن أذن لكم ، وإلاّ فادخلوا [ عليه ] بغير إذن !!
                  فانطلقوا فاستأذنوا ؛ فقالت فاطمة عليها السلام : أحرّج عليكم أن تدخلوا على بيتي بغير
                  ____________
                  (1) 1 | 106 الاحتجاج عن سليم بن قيس الهلالي .
                  --------------------------------------------------------------------------------

                  ( 116 )

                  إذن ، فرجعوا ، وثبت قنفذ الملعون ، فقالوا : إنّ فاطمة قالت : كذا وكذا ، فتحرّجنا أن ندخل بيتها بغير إذن ، فغضب عمر ، وقال : ما لنا وللنساء !! ثم أمر اناساً حوله أن يحملوا الحطب ؛ فحملوا الحطب ، وحمل معهم عمر فجعلوه حول منزل علي وفاطمة وابناها عليهم السلام ثم نادى عمر ـ حتى اسمع علياً وفاطمة عليهما السلام : ـ والله ـ لتخرجنّ يا علي ولتبايعنّ خليفة رسول الله ، وإلا أضرمت عليك [ بيتك ] النار .
                  فقالت فاطمة عليها السلام : يا عمر ، ما لنا ولك ؟
                  فقال : افتحي الباب ، وإلاّ أحرقنا عليكم بيتكم ؛
                  فقالت : يا عمر ،أما تتقي الله تدخل علي بيتي ؟ فأبى أن ينصرف ، ودعا عمر بالنار فأضرمها في الباب ، ثم دفعه فدخل ، فاستقبلته فاطمة عليها السلام وصاحت : يا أبتاه ، يا رسول الله فرفع عمر السيف ـ وهو في عمده ـ فوجأ به جنبها ، فصرخت يا أبتاه ! فرفع السوط فضرب به ذراعها ... (1) .
                  * وروي عن زيد بن أسلم أنه قال : كنت ممّن حمل الحطب مع عمر إلى باب فاطمة حين امتنع علي وأصحابه عن البيعة ، فقال عمر لفاطمة : أخرجي من في البيت وإلا أحرقته ومن فيه ، قال : وفي البيت علي وفاطمة والحسن والحسين وجماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
                  فقالت فاطمة : أتحرق علياً وولدي ؟ قال : إي ـ والله ـ أو ليخرجنّ وليبايعنّ (2) .
                  * وروي عن عمرو بن أبي المقدام ، عن أبيه ، عن جدّه : ما أتى عليّ يوم قطّ أعظم من يومين أتيا عليّ : فأمّا اليوم الأول : فيوم قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : وأمّا اليوم الثاني : فوالله إنّي لجالس في سقيفة بني ساعدة عن يمين أبي بكر والناس يبايعونه ، إذ قال له عمر : يا هذا ، ليس في يديك شيء مهما لم يبايعك عليّ ؛ فابعث إليه حتى يأتيك يبايعك ، فإنّما هؤلاء رعاع .
                  فبعث إليه قنفذ ، فقال له : اذهب فقل لعليّ : أجب خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فذهب قنفذ فما لبث أن رجع ، فقال لأبي بكر : قال لك : ما خلّف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحداً
                  ____________
                  (1) كتاب سليم بن قيس : 3 | 583 .
                  (2) نهج الحق وكشف الصدق : 271 .
                  --------------------------------------------------------------------------------

                  ( 117 )

                  غيري .
                  قال : ارجع إليه فقل : أجب فإنّ الناس قد أجمعوا على بيعتهم إيّاه ، وهؤلاء المهاجرين والأنصار يبايعونه وقريش ، وإنما أنت رجل من المسلمين ، لك ما لهم ، وعليك ما عليهم ؛ فذهب إليه قنفذ فما لبث أن رجع ، فقال : قال لك : إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لي وأوصاني أن ـ إذا واريته في حفرته ـ لا أخرج من بيتي حتى اؤلّف كتاب الله ، فإنّه في جرائد النخل ، وفي أكتاف الإبل ، قال عمر : قوموا بنا إليه .
                  فقام أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وخالد بن الوليد ، والمغيرة بن شعبة ، وأبو عبيدة بن الجرّاح ، وسالم مولى أبي حذيفة ، وقنفذ ، وقمت معهم .
                  فلمّا انتهينا إلى الباب فرأتهم فاطمة ( صلوات الله عليها ) أغلقت الباب في وجوههم ، وهي لا تشكّ أن لا يدخل عليها إلا باذنها ، فضرب عمر الباب برجله فكسره ـ وكان من سعف ـ ثم دخلوا فأخرجوا عليّاً عليه السلام ملبّباً .
                  فخرجت فاطمة عليها السلام فقالت : يا أبابكر ، أتريد أن ترمّلني من زوجي ـ والله ـ لئن لم تكفّ عنه لأنشرنّ شعري ولأشقّنّ جيبي ، ولآتينّ قبر أبي ، ولأصيحنّ إلى ربّي ؛
                  فأخذت بيد الحسن والحسين عليهما السلام فإنّي أرى جنبتي المدينة تكفيان ؛ والله إن نشرت شعرها ، وشقّت جيبها ، وأتت قبر أبيها ، وصاحت إلى ربّها لا يناظر بالمدينة أن يخسف بها [ وبمن فيها ] ، فأدركها سلمان رضى الله عنه ، فقال :
                  يا بنت محمد ، إنّ الله إنّما بعث أباك رحمة ، فارجعي .
                  فقالت : يا سلمان ، يريدون قتل عليّ ، ما على عليّ صبر ، فدعني حتى آتي قبر أبي فأنشر شعري ، وأشقّ جيبي ، وأصيح إلى ربّي ، فقال سلمان : إنّي أخاف أن تخسف بالمدينة ، وعليّ عليه السلام بعثني إليك ، ويأمرك أن ترجعي إلى بيتك ، وتنصرفي .
                  فقالت : إذاً أرجع ، وأصبر ، وأسمع وأطيع .
                  قال : فأخرجوه من منزله ملّبا ، ومرّوا به على قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : فسمعته يقول :

                  تعليق


                  • #10
                    يـ ( ابن أمّ إنّ القوم استضعفوني ) (1) إلى آخر الآية .
                    وجلس أبو بكر في في سقيفة بني ساعدة ، وقدم عليّ ، فقال له عمر : بايع .
                    فقال له عليّ عليه السلام : فإن أنا لم أفعل ، فمه ؟ فقال له عمر : إذاً أضرب والله عنقك .
                    فقال له عليّ عليه السلام : إذاً ـ والله ـ أكون عبدالله المقتول ، وأخا رسول الله ؛
                    فقال عمر : أمّا عبدالله المقتول فنعم ، وأمّا أخو رسول الله فلا ـ حتّى قالها ثلاثاً ـ .
                    فبلغ ذلك العباس بن عبد المطّلب فأقبل مسرعاً يهرول ، فسمعته يقول :
                    ارفقوا بابن أخي ، ولكم عليّ ان يبايعكم ، فأقبل العبّاس وأخذ بيد عليّ ، فمسحها على يد أبي بكر ، ثم خلّوه مغضباً ، فسمعته يقول ـ ورفع رأسه إلى السماء ـ :
                    اللهمّ إنّك تعلم أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قد قال لي : إن تمّوا عشرين فجاهدهم ، وهو قولك في كتابك ( إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مأتين )(2) .
                    قال : وسمعته يقول : اللهمّ وإنّهم لم يتمّوا عشرين ـ حتّى قالها ثلاثاً ـ ثم انصرف (3) .
                    * ولقد ورد عن عبد الرحمان بن عوف عن أبيه ، قال : دخلت على أبي بكر أعوده ـ في احتضاره ـ فاستوى جالساً ... فقال إنّي لا آسى علي شيء إلا على ثلاث وددت أنّي لم أفعلهنّ : وددت أنّي لم أكشف بيت فاطمة وتركته ، وأن اغلق على الحرب ، وددت أنّي يوم السقيفة كنت قذفت الأمر في عنق أبي عبيدة أو عمر ، فكان أميراً وكنت وزيراً ... (4) .
                    ويؤيد هذا المعنى ما روي في حديث احتضار أبي بكر عن كتاب سليم بن قيس الهلالي .. حيث يقول :
                    فلقيت محمد بن أبي بكر فقلت : هل شهد موت أبيك غير أخيك عبدالرحمان وعائشة وعمر ؟ [ قال : لا . قلت : ] وهل سمعوا منه ما سمعت ؟!
                    قال : سمعوا منه طرفاً فبكوا ، وقالوا : يهجر ! فأمّا كلمّا سمعت أنا فلا .
                    ____________
                    (1) الأعراف : 150 .
                    (2) الأنفال : 65 .
                    (3) تفسير العياشي : 2 | 66 ح 76 ، البرهان : 2 | 93 ح 4 ، الاختصاص : 181 .
                    (4) لسان الميزان : 4 | 189 ، 17 ج 28 ، الإمامة والسياسة : 1 | 18 مثله .
                    --------------------------------------------------------------------------------

                    ( 119 )

                    قلت : والذي سمعوا منه ما هو ؟ قال : دعا بالويل والثبور ؟!
                    فقال له عمر : يا خليفة رسول الله ، مالك تدعو بالويل والثبور ؟ قال : هذا محمد وعلي يبشّراني بالنار ، بيده الصحيفة التي تعاهدنا عليها في الكعبة ، وهو يقول « [ لعمري ] لقد وفيت بها فظاهرت على وليّ الله أنت وأصحابك ، فأبشر بالنار في أسفل السافلين » . فلمّا سمعها عمر خرج وهو يقول : إنّه ليهجر !
                    قال : لا ـ والله ـ لا أهجر [ أين تذهب ] قال عمر : أنت ثاني اثنين إذ هما في الغار ! قال : الآن أيضاً ؟!
                    أولم احدثك أنّ محمّداً ـ ولم يقل رسول الله ـ قال لي وأنا معه في الغار : إنّي أرى سفينة جعفر وأصحابه تعوم في البحر »، قلت : فأرنيها ، فمسح وجهي ، فنظرت إليها ، فاستيقنت عند ذلك أنّه ساحر ! [ فذكرت لك ذلك بالمدينة فاجتمع رأيي ورأيك على أنّه ساحر ! ] .
                    فقال عمر : يا هؤلاء إنّ أباكم يهجر ! واكتموا ما تسمعون منه ، لا يشمت بكم أهل هذا البلد ثم خرج وخرج أخي [ وخرجت عائشة ] ليتوضأ وللصلاة ، فأسمعني من قوله ما لم يسمعوا . فقلت له ـ لمّا خلوت به ـ : يا أبه ، قل : لا إله إلاّ الله ، قال : لا أقولها أبداً ، ولا أقدر عليها حتّى [ أرد النار ] فأدخل التابوت . فلمّا ذكر التابوت ظننت أنه يهجر . فقلت له : أيّ تابوت ؟! فقال : تابوت من نار ، مقفّل من نار ، فيه اثنا عشر رجلاً : أنا وصاحبي هذا ، قلت : عمر ؟! قال نعم [ فمن أعني ] ، وعشرة ، في جبّ في جهنّم عليه صخرة ، إذا أراد الله أن يسعّر جهنّم رفع الصخرة ، قلت : تهذي ؟! قال : لا والله ، ما أهذي ، لعن الله ابن صهّاك ، هو الذي صدّني عن الذكر بعد إذ جاءني فبئس القرين ، لعنه الله ، ألصق خدّي بالأرض ، فألصقت خدّه بالأرض فما زال يدعو بالويل والثبور حتّى غمّضته ... (1) .
                    أما حديث إسقاط الجنين ـ محسن عليه السلام ـ فهناك عدة كتب تروي لنا هذه القصة إضافة إلى كسر الضلع وإضرام النار فلقد روي عن محمد بن عمار بن ياسر قال :
                    ____________
                    (1) كتاب سليم بن قيس : 2 | 820
                    --------------------------------------------------------------------------------

                    ( 120 )

                    سمعت أبي يقول ـ في حديث ـ :
                    قال : وحملت بالحسن عليه السلام فلمّا رزقته ، حملت بعد أربعين يوماً بالحسين عليه السلام ، ثم رزقت زينب ، وام كلثوم ، وحملت بمحسن .
                    فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجرى ما جرى في يوم دخول القوم عليها دارها ، وإخراج ابن عمّها أمير المؤمنين عليه السلام وما لحقها من الرجل :
                    أسقطت بن ولداً تماماً ، وكان ذلك أصل مرضها ووفاتها ( صلوات الله عليها ) (1) .
                    وقال المجلسي في البحار ... عن المفضل بن عمر عن الصادق عليه السلام في حديث طويل :
                    وجمعهم الجزل والحطب على الباب لإحراق بيت أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين وزينب وأمّ كلثوم وفضّة ، وإضرامهم النار على الباب ، وخروج فاطمة عليها السلام إليهم ، وخطابها لهم من وراء الباب وقولها : ويحك يا عمر ، ما هذه الجرأة على الله وعلى رسوله ؟ تريد أن نقطع نسله من الدنيا وتفنيه وتطفىء نور الله ؟ والله متمّ نوره ، وانتهاره لها ، وقوله : كفّي يا فاطمة ، فليس محمد حاضراً ، ولا الملائكة آتية بالأمر والنهي والزجر من عند الله ، وما عليّ إلا كأحدٍ من المسلمين ، فاختاري إن شئت خروجه لبيعة أبي بكر ، أو إحراقكم جميعاً .
                    فقالت وهي باكية : اللهمّ إليك نشكو فقد نبيّك ورسولك وصفيّك ، وارتداد امّته علينا ، ومنعهم إيّانا حقّنا الذي جعلته لنا في كتابك المنزل على نبيك المرسل :
                    فقال لها عمر : دعي عنك يا فاطمة ، حمقات النساء ، فلم يكن الله ليجمع لكم النبوّة والخلافة وأخذت النار في خشب الباب ، وإدخال قنفذ يده ( لعنه الله ) يروم فتح الباب ؛ وضرب عمر لها بالسوط على عضدها حتى صار كالدملج الأسود ؛ وركل الباب برجله ، حتى أصاب بطنها وهي حاملة بالمحسن لستّة أشهر ، وإسقاطها إيّاه ، وهجوم عمر وقنفذ وخالد بن الوليد ؛ وصفقه خدّها حتى بدا قرطاها تحت خمارها ، وهي تجهر بالبكاء ، وتقول : واأبتاه ، وارسول الله ابنتك فاطمة تكذّب ، وتضرب ، ويقتل جنين في بطنها .
                    ____________
                    (1) دلائل الإمامة : 26 .
                    --------------------------------------------------------------------------------

                    ( 121 )

                    وخروج أمير المؤمنين عليه السلام من داخل الدار محمرّ العين حاسراً ، حتى ألقى ملاءته عليها وضمّها إلى صدره وقوله لها : يا بنت رسول الله ، قد علمت أنّ أباك بعثه الله رحمة للعالمين ، فالله الله أن تكشفي خمارك ، وترفعي ناصيتك ، فوالله يا فاطمة ، لئن فعلت ذلك لا أبقى الله على الأرض من يشهد أنّ محمداً رسول الله ، ولا موسى ولا عيسى ولا إبراهيم ولا نوح ولا آدم ، [ ولا ] دابّة تمشي على الأرض ، ولا طائراً في السماء إلا أهلكه الله .
                    ثم قال : يابن الخطّاب ، لك الويل من يومك هذا وما بعده وما يليه ، اخرج قبل أن اشهر سيفي فافني غابر الامّة ، فخرج عمر وخالد بن الوليد وقنفذ وعبد الرحمان بن بي بكر ، فصاروا من خارج الدار .
                    وصاح أمير المؤمنين بفضّة يا فضّة ، مولاتك فاقبلي منها ما تقبله النساء ، فقد جاءها المخاض من الرفسة ، وردّ الباب ، فأسقطت محسناً .
                    فقال أمير المؤمنين عليه السلام : فإنّه لا حق بجدّه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيشكو إليه الحديث (1) .
                    وفي علم اليقين في اصول الدين : ثم إنّ عمر جمع جماعة من الطلقاء والمنافقين وأتى بهم إلى منزل أمير المؤمنين عليه السلام فوافوا بابه مغلقاً
                    فصاحوا به : اخرج يا عليّ ، فإنّ خليفة رسول الله يدعوك ، فلم يفتح لهم الباب ؛ فأتوا بحطب فوضعوه على الباب ، وجاؤوا بالنار ليضرموه ، فصاح عمر ، وقال : والله ، لئن لم تفتحوا لنضرمنّه بالنار ، فلمّا عرفت فاطمة عليها السلام أنّهم يحرقون منزلها قامت وفتحت الباب ، فدفعها القوم قبل أن تتوارى عنهم ، فاختبت فاطمة عليها السلام وراء الباب والحائط .
                    ثم إنّهم تواثبوا على أمير المؤمنين عليه السلام وهو جالس على فراشه ، واجتمعوا عليه حتى أخرجوه سحباً من داره ، ملبّباً بثوبه يجرّونه إلى المسجد .
                    فحالت فاطمة عليها السلام بينهم وبين بعلها ، وقالت :
                    والله ، لا أدعكم تجرّون ابن عمّي ظلماً ، ويلكم ما أسرع ما خنتم الله ورسوله فينا
                    ____________
                    (1) البحار : 53 | 18 ، بهجة قلب المصطفى : 528 ح 23 ، اعلموا أني فاطمة : 8 | 716 .
                    --------------------------------------------------------------------------------

                    ( 122 )

                    أهل البيت ، وقد أوصاكم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم باتّباعنا ومودّتنا والتمسّك بنا !
                    وقال الله تعالى : ( قل لا أسئلكم عليه أجراً إلا المودّة في القربى ) .
                    قال : فتركه أكثر القوم لأجلها ، فأمر عمر قنفذ بن عمّ أن يضربها بسوطه .
                    فضربها قنفذ بالسوط على ظهرها وجنبيها إلى أن أنهكها وأثّر في جسمها الشريف وكان ذلك الضرب أقوى ضرراً في إسقاط جنينها ، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سماّه محسناً ، وجعلوا يقودون أمير المؤمنين عليه السلام إلى المسجد حتى أوقفوه بين يدى أبي بكر ، فلحقته فاطمة عليها السلام إلى المسجد لتخلّصه ، فلم تتمكّن من ذلك ؛ فعدلت إلى قبر أبيها فأشارت إليه بحزنة ونجيب ، وهي تقول :

                    نفسي على زفراتها محبوسة * يا ليتها خرجت من الزفرات
                    لا خير بعدك في الحياة وإنّما * أبكي مخافة أن تطول حياتي


                    ثم قالت : وااسفاه عليك يا أبتاه ، وأثكل حبيبك أبو الحسن المؤتمن ، وأبو سبطيك الحسن والحسين ، ومن ربّيته صغيراً ، وآخيته كبيراً ، أجلّ أحبّائك لديك وأحبّ أصحابك عليك ، أوّلهم سبقاص إلى الإسلام ، ومهاجرة إليك يا خير الأنام ؛ فها هو يساق في الأسر كما يقاد البعير .
                    ثم إنّها أنّت أنّةً وقالت : وامحمّداه ، واحبيباه ، واأباه ، واأبا القاسماه ، واأحمداه ، واقلّة ناصراه ، واغوثاه ، واطول كربتاه ، واحزناه ، وامصيبتاه ، واسوء صباحاه ؛ وخرّت مغشيّة عليها ، فضجّ الناس بالبكاء والنجيب ، وصار المسجد مأتماً .
                    ثم إنّهم أوقفوا أمير المؤمنين عليه السلام بين يدي أبي بكر ، وقالوا له : مدّ يدك فبايع ، فقال : ـ والله ـ لا ابايع ، والبيعة لي في رقابكم .
                    فروي عن عديّ بن حاتم أنّه قال : ـ والله ـ ما رحمت أحداً قطّ رحمتي عليّ بن أبي طالب عليه السلام حين اتي به ملبّباً بثوبه ، يقودونه إلى أبي بكر ، وقالوا : بايع .
                    قال : فإن لم أفعل ؟ قالوا : نصرب الذي فيه عيناك .
                    قال : فرفع رأسه إلى السماء وقال : اللهم إنّي اشهدك أنّهم أتوا أن يقتلوني ، فإنّي عبدالله وأخو رسول الله ، فقالوا له : مدّ يدك فبايع ، فأبي عليهم فمدّوا يده كرهاً فقبض عليّ عليه السلام أنامله ، فراموا بأجمعهم فتحها فلم يدورا ، فمسح عليها أبو بكر ، وهي


                    --------------------------------------------------------------------------------

                    ( 123 )

                    مضمومة ، وهو عليه السلام يقول وينظر إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ( يابن أمّ إنّ القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني ) .
                    قال الراوي : إنّ علياً عليه السلام خاطب أبا بكر بهذين البيتين :
                    [poem font="Simplified Arabic,4,black,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]

                    فـإن كـنت بـالشورى مـلكت امـورهم * فكــيف بــهذا والمشــيرون غــيّب
                    وإن كنت بـالقربى حــججت خـصيمهم * فـــغيرك أولى بـــالنبيّ وأقـــرب [/poem]

                    وكان عليه السلام كثيراً ما يقول : واعجباه تكون الخلافة بالصحابة ، ولا تكون بالقرابة والصحابة ؟! (1) .
                    وفي الملل والنحل : إنّ عمر ضرب بطن فاطمة عليها السلام يوم البيعة حتى ألقت الجنين من بطنها وكان يصيح : أحرقوا دارها بمن فيها .
                    وما كان في الدار غير عليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام (2) .
                    وعن الوافي بالوفيات : قال صلاح الدين الصفدي الشافعي المتوفّى 764 في ترجمة « النظام » في ذكر أقواله :
                    وقال : إنّ عمر ضرب بطن فاطمة يوم البيعة ، حتى ألقت المحسن من بطنها (3) .
                    وعن لسان الميزان : إنّ عمر رفس فاطمة عليها السلام حتى أسقطت بمحسن (4) .
                    وعن العقد الفريد : الذين تخلّفوا عن بيعة أبي بكر ، عليّ عليه السلام والعباس والزبير وسعد ابن عبادة ، فأمّا عليّ عليه السلام والعبّاس والزبير فقعدوا في بيت فاطمة عليها السلام حتى بعث إليهم أبوبكر عمر بن الخطاب ليخرجوا من بيت فاطمة ، وقال له :
                    إن أبوا فقاتلهم ، فأقبل بقبس من نار على أن يضرم عليهم الدار ؛ فلقيته فاطمة فقالت : يابن الخطّاب ، أجئت لتحرق دارنا ؟! قال : نعم ... (5) .
                    وعن معارف القتيبي : إنّ محسناً فسد من زخم قنفذ العدوي (6) .
                    ____________
                    (1) علم اليقين في اصول الدين : 686 للفيض الكاشاني .
                    (2) 1 | 57 للشهرستاني .
                    (3) 5 | 347 ، عنه اعلموا أني فاطمة : 8 | 715 .
                    (4) 1 | 268 .
                    (5) 5 | 12 ، عنه البحار : 28 | 339 .
                    (6) عنه المناقب لابن شهر اشوب : 3 | 132 .
                    --------------------------------------------------------------------------------

                    ( 124 )

                    وعن إثبات الوصية : ... فأقام أمير المؤمنين عليه السلام ومن معه من شيعته في منزله بما عهد إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فوجّهوا إلى منزله ، فهجموا عليه ، وأحرقوا بابه واستخرجوه منه كرهاً ، وضغطوا سيّدة النساء بالباب حتى أسقطت محسناً ، وأخذوه بالبيعة فامتنع وقال : لا أفعل ، فقالوا : نقتلك ، فقال : إن تقتلوني فإنّي عبدالله وأخو رسوله ... (1) .
                    وعن بيت الأحزان : قال المحدّث القمّي ( ره ) : وكان سبب وفاتها أنّ قنفذاً مولى عمر نكزها بنعل السيف (2) .
                    وعن ملتقى البحرين : أخذت فاطمة عليها السلام باب الدار ولزمتها عن ورائها ، فمنعتهم عن الدخول ، ضرب عمر برجله على الباب ؛ فقلعت فوقعت على بطنها ( سلام الله عليها ) ، فسقط جنينها المحسن (3) .
                    وروي في علة وفاة الصديقة الطاهرة عليها السلام : ان عمر بن الخطاب هجم مع ثلاثمائة رجلٍ على بيتها سلام الله عليها (4) .
                    أقول : إنّ هذا الهجوم الشرس الذي قاده عمر وعصابته الأوباش والطلقاء والمنافقين على بيت الوحي والرسالة وهم الذين قال الله تعالى في حقهم : ( في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه ) :
                    وقال عز ذكره : ( إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً ) :
                    وكان النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم لا يدخله حتى يستأذن من أهله ، ولكن الأوغاد دخلوه عنوة وبغير استئذان وكان عددهم « 300» نفراً كما في الرواية ، وكان في مقدّمتهم عمر ومعه الفتيلة ، أبو بكر ، عثمان ، خالد بن الوليد ، المغيرة بن شعبة ، أبو عبيدة بن الجرّاح ، سالم مولى أبي حذيفة ، قنفذ أن عمّ عمر ـ وكان رجل فظاً ، غليظا ، جافياً من الطلقاء
                    ____________
                    (1) 143 ، عنه البحار : 28 | 308 ضمن ح 50 .
                    (2) 160 .
                    (3) 418 .
                    (4) العوالم : 2 | 58 .
                    --------------------------------------------------------------------------------

                    ( 125 )

                    ـ اسيد بن خضير ، وسلمة بن سلامة بن وقش وكانا من بني عبدالله الأشل ، ورجل من الأنصار ، زياد بن لبيد ، وزيد بن اسلم ، وكان ممّن حمل الحطب مع عمر .
                    وكانت بداية هذا الهجوم كما جمعته من الروايات : ادخال قنفذ لعنه الله يده يروم فتح الباب ثمّ دعا عمر بالنار فأضرمها في الباب ، ثمّ دفعها برجله فكسرها ودخل .
                    أرسل أبو بكر إلى قنفذ : أن اضربها فألجأها إلى عضادة باب بيتها ، فدفعها فكسر ضلعاً من أضلاعها ونبت مسمار الباب في صدرها ، ثمّ لطم عمر خدّها حتّى احمرّت عينها ، كما صرّح بهذا نفسه « صفقت خدّها حتى بدا قرطاها تحت خمارها » . في رواية اخرى : « قال عمر : فصفقت صفقة على خدّها من ظاهر الخمار ، فانقطع قرطها وتناثر إلى الأرض » .
                    ثمّ عمر رفس فاطمة عليها السلام ، ثمّ رفع السيف وهو في غمده فوجأ به جنبها ، ورفع السوط فضرب بها ذراعها ، ثمّ ضربها بالسوط عل يعضدها حتى صار كالدملج الأسود ، ثمّ أخذ من خالد بن الوليد سيفاً فجعل يضرب على كتفها ، ثمّ ضرب المغيرة بن شعبة فاطمة عليها السلام حتّى أدماها ، ثمّ سلّ خالد بن الوليد السيف ليضرب فاطمة عليها السلام ، ثمّ لكزها قنفذ بنعل السيف بأمر عمر ، ثمّ ضرب قنفذ فاطمة بالسوط على ظهرها وجنبيها إلى أن أنهكها وأثّر في جسمها الشريف ، ثمّ ضرب عمر بطن فاطمة عليها السلام حتّى ألقت الجنين من بطنها وكان يصيح : أحرقوا دارها بمن فيها .
                    وهذا المشهد الدامي الذي تتفطّر منه السماوات والأرض ، وساعد الله قلب صاحب الأمر عجّل الله تعالى فرجه الشريف بما جرى لاُمّه فاطمة عليها السلام يذكرنا أيضاً بما جرى على ولدها الإمام الشهيد الحسين عليه السلام حين داست خيول بني اميّة لعنهم الله على جسده وصدره الشريف يوم عاشوراء .
                    وأخيراً كما قالت الزهراء عليها السلام الشهيدة المظلومة المضطهدة في ذلك اليوم : « أخذ عمر السوط من يد قنفذ مولى أبي بكر فضرب به عضدي ، فالتوى السوط على عضدي حتى صار كالدملج ، وركل الباب برجله فردّه عليّ وأنا حامل ، فسقطت لوجهي والنار تسعر وتسفع وجهي ، فضربني بيده حتى انتثر قرطي من اذني وجاءني المخاض فأسقطت محسناً قتيلاً بغير جرم » .


                    --------------------------------------------------------------------------------

                    ( 126 )

                    هذا ما استطعنا أن نثبته من خلال الكتب التي روت لنا قصة السقيفة وظلم الزهراء عليها السلام ، أمام ظلمها في فدك فسوف يأتينا في بحثنا حول فدك وندعوا الله تعالى ونتوسل إليه عن المظلومة أن يوفقنا لخدمتها ونيل شفاعنها والسير على هداها ، واللعنة الدائمة على ظالميها وقاتليها .
                    أمّا مصادر ما جرى على الصديقة فاطمة عليها السلام من الظلامات ، فهي : 1 ـ تاريخ اليعقوبي : 2 | 116 .
                    3 ـ الإمامة والسياسة : 1 | 19 ، 20 .
                    5 ـ الملل والنحل للشهرستاني : 1 | 57 .
                    7 ـ الوافي بالوفيّات : 5 | 347 .
                    9 ـ تاريخ أبو الفداء : 1 | 164 .
                    11 ـ أعلام النساء : 4 | 114 .
                    13 ـ قرّة العين للدهلوي : 78 .
                    15 ـ ابن خيزران في غرره : 271 .
                    2 ـ العقد الفريد : 4 | 259 ، 5 | 13 .
                    4 ـ لسان الميزان : 1 | 268 ، 4 | 189 .
                    6 ـ انساب الأشراف : 1 | 586 .
                    8 ـ الكنى والألقاب : 3 | 219 .
                    10 ـ تاريخ الطبري : 3 | 202 .
                    12 ـ إثبات الوصيّة : 123 .
                    14 ـ السيرة الحلبيّة : 3 | 362 .
                    16 ـ تلخيص الشافي : 3 | 76 .
                    17 ـ صحيح البخاري : 4 | 96 ، 5 | 177 .
                    18 ـ شرح نهج البلاغة : 2 | 45 و46 و 50 و 56 ، 6 | 10 ، 11 | 113 ، 14 | 193 .
                    لقد تفجّرت قرائح شعراء أهل البيت عليهم السلام من خبر المسمار وآلمهم المصاب الجلل ، على مصيبة الزهراء عليها السلام عامّة ، وفي خبر المسمار خاصّة ، وظلّ خبر المسمار الدامي الذي نبت في صدر الزهراء البتول تتذاكره الشيعة جيلاً بعد جيل فبقيت ناراً في قلوبهم لا ينطفىء أوارها إلى يوم القيامة ومن الفقهاء العظام الذين ذكروا خبر المسمار :
                    السيد صدرالدين الصدر رحمه الله المتوفى سنة 1373 هـ ق حيث قال ضمن قصيدته :
                    مـن سعى في ظلمها مـن راعـها * من عـلا فـاطمة الزهـراء جـارا
                    من غدا ظـلماً عـلى الدار التـي * اتـخذتها الإنــس والجنّ مـزارا
                    طـالما الأمـلاك فـيها أصـبحت * تـلثم الأعــتاب فـيها والجـدارا


                    --------------------------------------------------------------------------------

                    ( 127 )


                    [poem font="Simplified Arabic,4,black,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
                    ومـن النـار بـها يـنجو الورى * مـن عـلى أعـتابها أضـرم نـارا
                    والنـبيّ المـصطفى كـم جـاءها * يطلب الإذن مـن الزهـراء مـرارا
                    وعـــليها هــجم القــوم ولم * تـك لاذت لا وعـــلياها الخـمارا
                    لست أنســاها ويـا لهـفي لهـا * إذ وراء البــاب لاذت كـي تـوارا
                    فـتك الرجس عــلى البـاب ولا * تسألن عــمّا جـرى ثـم وصـارا
                    لا تسلني كـيف رضّـوا ضـلعها * واسألنّ البــاب عـنها والجــدارا
                    وسألـن لؤلؤ قـــرطيها لمــا * انتثرت والعــين لم تشكو إحمـرارا
                    وهـل المسـمار مــوتور لهـا * فغدا فـي صــدرها يـطلب ثـارا [/poem] وقال الشيخ الفقيه المحقّق محمد حسين الاصفهانى الغروي النجفي ( ره ) المتوفى سنة 1361 هـ :
                    [poem font="Simplified Arabic,4,black,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
                    أيــضرم النـار بـباب دارهــا * وآيــة النـور عــلى مــنارها
                    وبــابها بـاب نــبيّ الرحــمة * وبــاب أبــواب نــجاة الامّـة
                    بـل بـابها بـاب العـليّ الأعـلى * فــثم وجــه الله قــد تــجلّى
                    مـا اكـتسبوا بـالنار غـير العـار * ومــن ورائـه عــذاب النــار
                    مـا أجـهل القـوم فـإنّ النـار لا * تـطفيء نـور الله جـلّ وعـــلا
                    لكـنّ كسـر الضـلع لـيس ينجبر * إلا بـصمصام عــزيز مـــقتدر
                    إذ رضّ تـلك الأضـلع الزكــيّة * رزيّـــة لا مـــثلها رزيّـــة
                    ومــن نـبوع الدم مـن ثـدييها * يـعرف عـظم مـا جـرى عـليها
                    وجــاوزوا الحـدّ بـلطم الخـدّ * شـلّت يـد الطــغيان والتــعدّي
                    فـاحمرّت العـين وعـين المعرفة * تذرف بالدمع عـلى تـلك الصــفة
                    ولا تـزيل حـمرة العـين سـوى * بيض السيوف يـوم يـنشر اللـوى
                    وللســياط رنّـة صــداهــا * في مسـمع الدهـر فـما أشــجاها
                    والأثـر البـاقي كـمثل الدمـلج * في عضد الزهـراء أقـوى الحـجج
                    ومـن سـواد متنها اسـودّ الفضا * يـا سـاعد الله الإمــام المـرتضى [/poem]

                    --------------------------------------------------------------------------------

                    ( 128 )


                    [poem font="Simplified Arabic,4,black,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
                    ووكـز نـعل الســيف فـي جـنبيها * أتـى بكــلّ مــا أتــى عـليها
                    ولست أدري خـــبر المســــمار * سـل صـدرها خـزانـة الأسـرار
                    وفـي جـنين المجد مـا يدمي الحشى * وهل لهـم اخـفاء أمـر قـد فشـى
                    والبــاب والجـــدار والدمـــاء * شــهود صــدق مـا بـه خـفاء
                    لقـد جـنى الجـاني عــلى جـنينها * فـاندكّت الجـبال مــن حــنينها
                    أهكــذا يــصنع بــابنة النــبّي * حرصاً عـلى المـلك فـيا للـعجب
                    أتــمنع المكـــروبة المــفروحة * عن البكـاء خـوفاً مـن الفـضيحة
                    تــالله يـنبغي لهــا تبكي دمـــا * مــا دامت الأرض ودارت السـما
                    لفــقد عــزّها أبـــيها السـامي * ولاهـــتضامها وذل الحـــامي
                    أتســـتباح نـــحلة الصـــدّيقة * وارثـها مــن أشـرف الخــليقة
                    كــيف يـــردّ قــولها بــالزور * اذ هـــو ردّ أيــة التـــطهير
                    أيــؤخذ الديــن مـن الأعـرابـي * ويـنبذ المـنصوص فــي الكـتاب
                    فـاستلبوا مـــا مــلكت يــداهـا * وارتكــبوا الخـــزية مــنتهاها
                    يـا ويـلهم قــد سألوهــا البــيّنة * عـلى خـــلاف الســنّة المـبيّنة
                    وردّهـــم شـــهادة الشــــهود * أكـبر شــاهد عــلى المــقصود
                    ولم يكــن سـدّ الثـغور غـــرضا * بـل سـدّ بـابها وبـاب المـرتضى
                    صـدّوا عـن الحـقّ وسـدّوا بــابه * كأنّــهم قـد آمنـــوا عــذابـه
                    أبـضعة الطـهر العــظيم قــدرها * تــدفن ليـلاً ويـعفى قــــبرها
                    مــا دفـنت ليــلاً بســتر وخـفا * إلا لوجــدها عــلى أهـل الجـفا
                    مــا ســمع السـامع فـيما سـمعا * مـــجهولة بــالقدر والقـبر مـعا
                    يـا ويـلهم مـــن غـضب الجـبّار * بـــظلمـهم ريــحانة المــختار [/poem] إذن بعد معرفة بعض مقامات الزهراء عليها السلام وظلاماتها ، يأتي بيان قضية أصل يوم العذاب ، فالذي يرد على ذهن القاري قبل كل شيء كيف كان هذا التعبير من الإمام الصادق عليه السلام بأن ظلاماتهم عليهم السلام هي ألاصل ليوم الغذاب في الآخرة ؟ ولقد قلنا سابقاً ان الإمام عليه السلام باعتباره يمثل الإمتداد الطبيعي لخلافة الرسول الأكرم فهو إذن لا يتكلم


                    --------------------------------------------------------------------------------

                    ( 129 )

                    دون وجود مقدمات أولية يقينية عنده بحيث على ضوء هذه المقدمات يحكم بهذا الحكم العقائدي المهم .
                    أما ما ورد من القرآن الكريم وبيان كيف أن ظلمهم صار الأصل ليوم العذاب فهو على ما جاء في قوله تعالى ( ان الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والاخرة وأعد لهم عذاباً مهيناً ) (1) حيث أثبتت هذه الآية المباركة ان كل من تسول نفسه في أذية رسول اله صلى الله عليه وآله وسلم أو أذية أولياء الله تعالى ( حيث قالت الآية يؤذون الله أي أن الله تعالى لا تصل إليه الأذية وإنما تكون الأذية لأولياءه فيتأذى لهم ) سوف تكون له اللعنة في الدنيا وهي الطرد من رحمة الله تعالى وفي الآخرة إعداد العذاب الإلهي له وأذية رسو الله لها عدة صور فتارة تكون عبر سبه أجارنا الله تعالى وتارة أخرى عن طريق أذية ذريته وخاصة الصديقة الشهيدة فاطمة عليها السلام ، حيث ورد عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : من آذى فاطمة فقد آذاني ومن طلمها فقد ظلمني ... الخ الأحاديث الواردة في أذى الزهراء وغضبها ، فلا شك عندئذ يكون كل من ظلمها وآذاها فقد آذى الله تعالى وآذى رسوله تكون النتيجة في ذلك اللعنة على ذلك الظلم والعذاب الأليم والمهين يوم القيامة ، وهذا معناه أنه كل من ظلمهم فهو في النار وتكون عندئذ ظلاماتهم الأصل ليوم العذاب في الآخرة .
                    وأما ما ورد من السنة الشريفة فلقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « يا فاطمة ان الله ليغضب لغضبك ويرضى لرضاك » .
                    وهذا يعني أن غضب الله تعالى له عدة صور فمرة يكون غضبة تعالى على انسان معين في الدنيا فيظهر نقمته عليه ، ومرة أخرى في الآخرة وهو ما يعبر عنه بيوم العذاب في جهنم ، وعليه كل من غضبت عليه الزهراء عليها السلام فهو خالد في النار لا محالة بدليل الحديث فعليه تكون ظلامة الزهراء عليها السلام وأذيتها هو نوع من الأعمال التي تؤدي إلى غضبها وبالنتيجة سوف يكون الظالمين لها في النار فتكون عندئذ ظلامتها الأصل ليوم العذاب ، أما لماذا أن رضاها هو رضا الله تعالى وغضبها هو غضب الله تعالى
                    ____________
                    (1) الأحزاب : 57 .
                    --------------------------------------------------------------------------------

                    ( 130 )

                    وكيف أصبحت بهذا المقام ما نجده عزيزي القاريء في البحث الذي يثبت كيفية أن الزهراء مر تبطة بأصول الدين وخاصة بالعدل فراجع بحثنا فيه .
                    ومن هنا انقدح في المقام السئوال المهم الذي يقول : ماذا تقولون في الأمم السابقة الذين كانوا قبل فترة رسول الله فانه لا شك أن لهم إما الجنة أو النار فكيف صارت ظلامات الزهراء عليها السلام وأهل بيتها هم الأصل ليوم العذاب ونحن نعلم أن الأمم السابقة لم تكن موجودة في زمن الرسول وما بعده ؟
                    الجواب : وبيان ذلك يمكن أن يستفاد من الذي استنبطه بعض محققي علمائنا من حديث المفضل بن عمر عن الصادق عليه السلام ولننقل ملاحظة كلامه مع الحديث المذكور قال رحمه الله (1) : إن أحكام الله تعالى إنما تجري على الحقائق الكلية والمقامات النوعية فحيث ما خوطب قوم بخطاب ونسب اليهم فعل دخل في ذلك الخطاب وذلك الفعل عند العلماء واولي الألباب كل من كان من سنخ اولئك القوم وطينتهم ، فصفوة الله حيث ما خوطبوا بمكرمة أو نسبوا إلىأنفسهم مكرمة يشمل ذلك كل من كان من سنخهم وطينتهم من الأنبياء والاولياء وكل من كان من المقربين إلا بمكرمة خصوا بها دون غيرهم وكذلك إذا خوطبت شيعتهم ومحبوهم بخير أو نسب اليهم خير أو خوطب أعداؤهم ومخالفوهم بسوء أو نسب اليهم سوء يدخل في الأول كل من كان من سنخ شيعتهم وطينة محبيهم وفي الثاني كل من كان من سنخ أعدائهم وطينة مبغضيهم من الأولين والآخرين وذلك لأن كل من أحبه الله ورسوله أحبه كل مؤمن من ابتداء الخلق إلى انتهائه وكل من أبغضه الله ورسوله أبغضه كل مؤمن كذلك وهو يبغض كل من أحبه الله ورسوله فكل مؤمن في العالم قديماً أو حديثاً إلى يوم القيامة فهو من شيعتهم ومحبيهم وكل جاحد في العالم قديماً أو حديثاً إلى يوم القيامة فهو من مخالفيهم ومبغضيهم ، قال رحمة الله وقد وردت الإشارة إلى ذلك في كلام الإمام الصادق عليه السلام في حديث المفضل بن عمرو وهو الذي رواه الصدوق في كتاب العلل بإسناده عن المفضل ، قال : قلت لأبي عبدالله عليه السلام : بما صار علي بن أبي طالب صلوات الله عليه
                    ____________
                    (1) البرهان : 1 | 8 .
                    --------------------------------------------------------------------------------

                    ( 131 )

                    قسيم الجنة والنار ؟ قال : لأن حبّه إيمان وبغضه كفر وإنما خلقت الجنة لأهل الإيمان وخلقت النار لأهل الكفر الكفر فهو عليه السلام قسيم الجنة والنار لهذه العلة ، فالجنة لا يدخلها إلا أهل محبته والنار لا يدخلها إلا أهل بغضه .
                    قال المفضل : قلت يا بن رسول الله فالأنبياء والأوصياء هل كانوا يحبونه وأعدائهم يبغضونه ؟
                    فقال : نعم .
                    قلت : فكيف ذلك ؟ قال : أما علمت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال يوم خيبر لأعطين الراية غداً رجلاً يحبه الله ورسوله لا يرجع حتى يفتح الله على يده ؟ قلت : بلى قال : اما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما أتى بالطائر المشوي قال : اللهم ائتني بأحب خلقك اليك يأكل معي هذ الطير وعنى به علياً ؟ قلت : بلى قال : أيجوز أن لا يحب أنبياء الله ورسله وأوصيائهم من يحبه الله ورسوله ويحب الله وحبيب الله وحبيب رسوله وأنبيائه؟ قلت : لا . قل : فقد ثبت أن جميع أنبياء الله ورسله وجميع المؤمنين كانوا لعلي بن أبي طالب محبين وثبت أن المخالفين لهم كانوا له ولجميع أه لامحبته مبغضين قلت : نعم ، قال : فلا يدخل الجنة إلا ما أحبه من الأولين والآخرين فهو إذن قسيم الجنة والنار ، قال المفضل : فقلت له : يا بن رسول الله فعلي بن أبي طالب يدخل محبه الجنة ومبغضه النار أو رضوان ومالك ؟ فقال : يا مفضل أما علمت أن الله تبارك وتعالى بعث رسوله وهو روح إلى الأنبياء عليهم السلام وهم أرواح قبل خلاق الخلق بالفي عام ؟
                    قلت : بلى قال : أما علمت أنه دعاهم إلى توحيد الله وطاعته واتباع أمره ووعدهم الجنة على ذلك وأوعد من خالف ما أجاب إليه وأنكره النار ؟
                    قال : بلي . قال : فليس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ضامناً لما وعد وأوعد عن ربه عز وجل ؟ قلت : بلى قال : أوليس علي بن أبي طالب خليفته وإمام منه ؟ قلت : بلى قال : أوليس رضوان ومالك من جملة الملائكة والمستغفرين لشيعته الناجين بمحبته ؟ قلت : بلى .
                    قال : فعلي بن أبي طالب إذن قسيم الجنة والنار عن رسول الله ورضوان ومالك


                    --------------------------------------------------------------------------------

                    ( 132 )

                    صادران عن أمره بأمر الله تعالى . يا مفضل خذها فإنه من مخزون العلم ومكنونه لا تخرجه إلا إلى أهله .
                    فعليه كل الذي يجري في حق أمير المؤمنين يجري في الزهراء عليها السلام لأنهما كل واحد كفو للآخر وأضف إلى ذلك أن هناك الكثير من الروايات تفيد هذا المضمون ، وأيضاً موجود في الآثار الشريفة أنه لو اجتمع الناس على ولاية علي عليه السلام ـ أو حبه ـ لم خلق الله النار ، فيكون مضمون هذا الحديث إضافة إلى أحاديث أخرى بهذا المضمون أن أصل يوم العذاب مثلما هو ثابت في ظلامات فاطمة عليها السلام كذلك هو ثابت في حق غصب الخلافة من أمير المؤمنين ، والذي نريد القول به من خلال هكذا مبحث أنه الناس منقسمون في قضية الصديقة الشهيدة إلى قسمين إما اشتراكهم في نصرتها وإما اشتراكهم في ظلمها ، فمن نصرها فهو من الفائزن برضا الله تعالى لأن نصرتها هو رضاً لها ورضاها رضا الله تبارك وتعالى ، وإما من لم ينصرها فهو مع الظالمين ومشترك في ظلمهم للصديقة الشهيدة ويكون بالنتيجة خالد في النار .
                    فكانت ظلاماتها ( سلام الله عليها ) هي الأصل والأساس الذي جعله الله تعالى في يوم القيامة لورود الظالمين إلى نار جهنم ، وكما بينا ذلك من خلال الحديث المتقدم ، وكذلك غصب خلافة أمير المؤمنين أيضاً هي الأصل ليوم العذاب لأنه كما ورد أنه لو اجتمع النس على ولاية أمير المؤمنين على بن أبي طالب لما خلق الله النار ، ولكن لما انه لم يجتمع الناس على ولاية أمير المؤمنين فالنار موجودة ولها وقود من الناس والحجارة اعدت للظالمين ومن ولاهم ونصرهم .

                    تعليق


                    • #11
                      ادام الله عز الموالين

                      تعليق


                      • #12
                        السلام عليك يا مولاتي يا فاطمة





                        لتحميل الكتاب (exe) اضغط هنا

                        موقع رافد هنا نسخة مصصحة ومقروئة على الاصل

                        موقع المكتبة الشيعية (هنا)

                        موقع السراج (هنا)

                        مركز القائمية باصفهان (هنا)

                        تعليق

                        المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                        حفظ-تلقائي
                        x

                        رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

                        صورة التسجيل تحديث الصورة

                        اقرأ في منتديات يا حسين

                        تقليص

                        لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

                        يعمل...
                        X