اللهم صل و سلم على محمد و ال محمد
اخوتي في الله
السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته
هنا ساضع باذن الله كم كتاب الاسرار الفاطمية لتعم الفائدة للجميع
بارك الله فيكم
الاسرار الفاطمية
تأليف
الشيخ محمد فاضل المسعودي
تقديم آية الله
السيد عادل العلوي
--------------------------------------------------------------------------------
الاهداء
إلى مصباح الهدى وسفينة النجاة ...
إلى الموعود بشهادته قبل ولادته...
إلى الذي بكاه رسول الله حين ولادته...
إلى الذي قضى ضمآن بجنب الفرات...
إلى الذي بكت عليه ملائكة السماء...
إلى خضيب الشيبة بالدماء...
إلى ساكن طفوف كربلاء...
إلى من تطلب بدمه سيدة النساء بعرصات يوم القيامة ...
« لابدّ ان ترِدَّ القيامةَ فاطمٌ * وقميصها بدم الحسين ملطخ »
إلى خامس اصحاب حديث الكساء...
إليك يا سيدي يا أبا عبدالله الحسين بن علي ( عليه السلام ) ...
أرفع لك هذا المجهود القليل راجياً من الله القبول...
والغفران لي ولوالدي ولمن ينتفع بهذا الكتاب
يوم لا ينفع مال ولا بنون إلاّ من أتى بقلب سليم...
محمد فاضل المسعودي
--------------------------------------------------------------------------------
( 6 )
بسم الله الرحمن الرحيم
--------------------------------------------------------------------------------
( 7 )
تقريض
تزيينا لكتابنا وتبيينا لعام الطبع طلبنا من الخطيب سماحة الشيخ محمد سعيد المنصوري « حفظه الله ورعاه » ان يتفضل علينا بتوشيح لكتابنا الأسرار الفاطمية وتأريخ يعرف به زمان طبعه فاستجاب لنا سماحته بهذه المقطوعة الشعرية المشتملة على معاني لطيفة وخفيفة على الطبع والذوق امد الله في عمره الشريف ووفقنا الله واياه وصالح المؤمنين لخدمة الائمة الأطهار لا سيما فاطمة الزهراء عليها السلام أنالنا الله شفاعتها يوم القيامة وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
( محمدٌ ) بالاسرِارِ جاء ولم يجىء * اليـنـا بأســرارٍ سـواهُ مـؤلـفُ
علـى أنّهـا بالفاطميـةِ عُرّفَـت * وكلُّ الذي يُعزى لفاطمــة يُعـرفُ
وهذا كتابٌ في سليـلةِ ( احمـد ) * ومِن ذُكرُها الذكـرَ الجَميـل المُشرِّفُ
بهِ قَد جَلى بالبحثِ عَن كلّ غامضٍ * وعرّف عمّا فيـهِ حــارَ المعُـرِّفُ
ايانَ وفي « مُستودَع السر » ما به * تُقـرطُ اذانُ الــورى وتُـشـنَّـفُ
فأبوابُـهُ بابـاً فبَابــاً وبحـثُـهُ * لأبيـنُ مِـن فجـرٍ ضحَوُكٍ وألطَفُ
كتابٌ بـِهِ ما لَـيسَ يحوِيه غيرُهُ * وكلُّ علـى قـدرٍ من الـدوح يَقطفُ
وفكرتُـهُ فيمـا نرى مـن بَيانِـه * يميــلُ اليهـا العبقـَرِي المُثقَـفُ
وفاطمـةٌ مهمـا نقـوُل بشأنهــا * فتلكَ من الأقـوال اسمـى واشـرفُ
فطوبـى لمن مـالا اليها بوّدِهِـم * وويلٌ لمن قالوا وفي القوَلِ اسرفُــوا
فظـلوا طريقا كـان فيـه نجَاتهم * اظلّـم عنـهُ الهَـوى والتَـعجرفُ
فيانِعمَ ما دبجّتَ يا نَجلَ « فاضِلٍ » * بِمَن قد اتى فِيها من « الله » مصحفُ
غدا سوف يأتيكَ الجزاءُ مضـاعَفاً * فأرّخهُ « ان نعـم التقـُى والتعففُ »
51+160+541+667
= 1419 هجري
--------------------------------------------------------------------------------
( 8 )
--------------------------------------------------------------------------------
( 9 )
تقديم العلاّمة آية الله
سماحة السيّد عادل العلوي
بسم الله الرحمن الرحيم
الدرّة البهيّة
في الأسرار الفاطميّة
الحمد لله فاطر السماوات والأرضين ، خالق فاطمة الزهراء سيّدة نساء العالمين ، والصلاة والسلام على أبيها محمد الأمين ، سيد الأنبياء والمرسلين ، حبيب الله وخاتم النبيّين ، وعلى بعلها أمير المؤمنين عليّ سيّد الأوصياء وإمام المتّقين ، وعلى أولادهما الأئمة الميامين أهل البيت الطاهرين ، واللعن الدائم على أعدائهم ومنكري فضائلهم من بدء الخلق إلى قيام يوم الدين.
قال تعالى في محكم كتابه الكريم ومبرم خطابه العظيم : ( إنَّما يُريدُ اللهُ لِيُذهِبَ عَنْكُمُ الرِّجسَ أهْلَ البَيْتِ ويُطَهّركم تَطهيراً )(1).
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله : « لو كان الحُسن شخصاً لكان فاطمة ، بل هي أعظم . فاطمة ابنتي خير أهل الأرض عنصراً وشرفاً وكرماً »(2).
الحديث عن الزهراء عليها السلام إنّما هو حديث عمّا سوى الله سبحانه ، فهي الكون
____________
(1) الأحزاب : 33.
(2) فرائد السمطين 2 : 68.
--------------------------------------------------------------------------------
( 10 )
الجامع بل الحديث عنها حديث عن الله سبحانه لوحدة الرضا والغضب بينهما ، فإنّه سبحانه يرضى لرضاها ويغضب لغضبها ، والله المحسن وهو الجميل ومطلق الجمال والحسن ، وإنّه يحبّ الجمال ، ولو كان الحسن والجمال شخصاً لكان فاطمة ، بل هي أعظم ، فهي جمال الله وحسنه ، وإنّها الحوراء الإنسية ، فهي خير أهل الأرض عنصراً ، فإنّها نور الله جلّ جلاله اشتُقّت من نور أبيها وبعلها ، وفارقتهما في القوس النزولي ، فكان أبوها وبعلها في صلب آدم إلى عبد المطلب وأبي طالب ، وبقيت هي في العرش الإلهي في مشكاة تحت ساق العرش ، ثمّ انتقل إلى الجنّة ، وبقي في رياضها محبوراً ، ثمّ أودعه الله في شجرة من أشجارها وفي ثمارها وأغصانها ، حتى إذا عرج النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله إلى السماء ودخل الجنّة ، وأكل من تفّاحها ورطبها ، فتناول من ثمار الجنّة ومن شجرة فاطمة عليها السلام فتحوّلت نوراً في صلبه ، ثمّ هبط إلى الأرض ، فواقع خديجة الكبرى لتحمل منه فاطمة الحوراء الإنسيّة ، ومن ثمّ كان النبيّ يشمّ منها رائحة الجنّة.
ففاطمة عليها السلام من صلب خاتم النّبيّين وأشرف خلق الله أجمعين محمد المصطفى صلى الله عليه وآله مباشرة ومن دون واسطة ، دون غيرها ، فكانوا من صلب آدم عليه السلام. فهي خير أهل الأرض عنصراً ، وأشرف بعد أبيها وبعلها مقاماً ، وأكرم منزلاً.
فخلقت من نور محمّدي علويّ قبل خلق آدم بآلاف من السنين ، خلقت حوريّة في صورة إنسيّة ، ثمّ تكوّنت نطفتها في أعالي الجنّة ، ونطقت وتحدّثت في بطن أُمّها ، وقال جبرئيل عنها أنّها النسلة الطاهرة الميمونة ، وسجدت ونطقت بالشهادتين عند ولادتها ، فهي المباركة الطاهرة الصدّيقة الزكيّة الرضيّة المرضيّة المحدّثة الزهراء البتول الحرّة ، العذراء الحوراء النوريّة السماويّة الحانية ، اُمّ الحسنين ، أُمّ أبيها ، أُمّ الأئمة النجباء ، فهي الصدّيقة الكبرى ، وعلى معرفتها دارت القرون الاُولى. ومن عرفها حقيقةً فقد أدرك ليلة القدر.
والمعرفة أساس الحياة وروحها ، فمن لا معرفة له ـ كالكافر ـ فلا حياة له ، وكان ميّتاً يمشي بين الأحياء. وبالمعرفة يتمّ الإيمان ويزداد بزيادتها ، وإنّها تأخذ حيّزاً كبيراً في الحياة الإنسانيّة بكلّ أبعادها وجوانبها ، حتّى الشريعة المقّدسة التي هي عبارة عن قوانين الحياة التشريعيّة من أجل السعادة الأبديّة ، فالمعرفة لها الحظّ الأوفر على
--------------------------------------------------------------------------------
( 11 )
مستوى الاُصول والفروع والأخلاق ، وإنّما يفضّل الناس بعضهم على البعض في المقياس الإلهي بالمعرفة ولوازمها كالإيمان والتقوى والعلم النافع والعمل الصالح ، كما جاء في الحديث الشريف : « أفضلكم إيماناً أفضلكم معرفة »(1).
فلا يمكن من حطّ قيمة المعرفة والاستهانة بها مطلقاً ، بل جاء عن الإمام الصادق عليه السلام : « لا يقبل الله عملاً إلاّ بمعرفة ، ولا معرفة إلاّ بعمل ، فمن عرفت دلّته المعرفة على العمل ، ومن لم يعمل فلا معرفة له »(2).
فأصل كلّ شيء وأساسه هو المعرفة ، حتّى قال أمير المؤمنين عليّ عليه السلام لكميل ابن زياد :
« يا كميل ، ما من حركة إلاّ وأنت محتاج فيها إلى معرفة »(3).
ولا تكون المعرفة تامّة إلاّ بإدراك القضايا وفهمها ، دركاً صحيحاً وفهماً كاملاً ، بدراسات حقّه ميدانيّة وتحقيقيّة ، والتي يبتني صرحها الشامخ على ضوء البراهين الساطعة والاستدلالات العقليّة اللامعة ، والحجج العمليّة الواضحة.
فالمعرفة يعني الدراية الكاملة والفهم العميق والدرك الصحيح ، وقيمة الإنسان بمعرفته.
يقول الإمام الباقر لولده الصادق عليه السلام « يا بني ، إعرف منازل الشيعة على قدر روايتهم ومعرفتهم ، فإنّ المعرفة هي الدراية للرواية ».
فالرواية نقل الحديث الشريف عن المعصومين عليهم السلام ، والدراية تفقّه الحديث وفهمه :
« وبالدرايات للروايات يعلو المؤمن إلى أقصى درجات الإيمان ». و « حديث تدريه خيرٌ من ألف حديث ترويه ». و« قيمة كلّ امرىء وقدره معرفته ».
فالواحب علينا أن نفهم القرآن والروايات بتفهّم وعمق ، وتدبّر وتفكّر ، وإلاّ فهمّة السفهاء الرواية ، وهمّة العلماء الدراية.
فلا بدّ لكلّ ذي لبّ أن يعرف الأشياء على ما هي عليها بحسب الطاقة البشريّة ،
____________
(1) البحار 3 : 14.
(2) الكافي 1 : 44.
(3) ميزان الحكمة : الحديث رقم 7421.
--------------------------------------------------------------------------------
( 12 )
وأولى شيء بالمعرفة ، وإنّه مقدّم على كلّ المعراف والعلوم هو معرفة اُصول الدين بالبرهان واليقين ، وبدءاً بالمعرفة الجلاليّة ثمّ الجماليّة ثمّ الكماليّة.
ومن الاُصول معرفة الصدّيقة الكبرى فاطمة الزهراء عليها السلام ، فمن عرفها حقّ معرفتها فقد أدرك ليلة القدر التي هي خيرٌ من ألف شهر. ألا إنّها سمّيت فاطمة لأنّ الخلق فطموا عن معرفتها.
فمن يعرفها ؟! وعلى معرفتها دارت القرون الاُولى ، وما تكاملت النبوّة لنبيّ حتى اُمر بفضلها ومحبّتها(1).
ومن الواضح أنّ المعرفة الكاملة والتامّة لا تكون إلاّ بعد الإحاطة بالشيء ، ومن يقدر على أن يحيط بفاطمة الزهراء عليها السلام إلاّ من كان خالقها ومن كان كفواً لها ، فلا يعرفها ويعرف أسرارها إلاّ أمير المؤمنين عليّ عليه السلام ورسول الله محمد صلى الله عليه وآله ، فإنّ الخلق كلّهم حتّى الأنبياء والملائكة والحنّ والإنس فطموا وقطعوا عن كنه معرفتها والإحاطة بها ، فلا يعرفها حقّاً إلاّ الله ورسوله ووصيّه عليهما السلام .
ففاطمة الزهراء وديعة المصطفى وحليلة المرتضى مظهر النفس الكلّية على أتمّ الوجوه الممكنة فهي الحوراء بتعيّن إنسي ، مطلع الأنوار البهيّة ، وضياء المشكاة النبويّة ، صندوق الأسرار الإلهيّة ، ورعاء المعارف الربّانيّة ، عصمة الله الكبرى ، وآية الله العظمى.
لا ريب ولا شكّ أنّ فاطمة أحرزت مقام العصمة الإلهيّة الكبرى ، كما عليه الإجماع القطعي وذهب إليه الأعاظم من عباقرة العلم والمعرفة ، كالشيخ المفيد والسيّد المرتضى.
كما تدلّ الآيات الكريمة والروايات الشريفة على ذلك ، يكفيك شاهداً آية التطهير ، وما أدراك ما آية التطهير ، فمن أنكر ذلك فهو كالأعمى الذي ينكر نور الشمس.
والعصمة من اللطف الإلهي الخاصّ ويعني القوّة النوريّة الملكوتيّة الراسخة في نفس المعصوم عليه السلام ، تعصمه وتحفظه من كلّ شين ، كما تزيّنه بكلّ زين ، فيعصم من
____________
(1) البحار 42 : 105 ، عن تفسير الفرات.
--------------------------------------------------------------------------------
( 13 )
الذنوب والمعاصي والآثام والسهو والنسيان والغفلة ، وما شابه ذلك ، ومن كان معصوماً في دهره لا يصدر منه الشين مطلقاً.
وفاطمة الزهراء عليها السلام إنّها المعصومة بعصمة الله سبحانه ، كما عصم اولادها الأئمة الأطهار ، فإنّ عصمتهم كعصمة القرآن ، فهما الثقلان بعد رسول الله لنت يفترقا في كلّ شيء من البداية وحتّى النهاية ، ومنها العصمة.
مفطومة من زلل الأهواءِ * معصومةٌ من وصمة الخطاءِ
فهذا من عقيدتنا الحقّة في الزهراء عليها السلام ، ولمّا كان الأذان والأقامة للصلوات اليوم إعلان وإعلام في بيان العقيدة ، ولمّا كانت الحياة عقيدة وجهاد ، فلا مانع ، بل من الراجح أن يعلن الشيعي المخلص عن عقائده الصحيحة في أذانه وإقامته للصلاة ، فيعلن للعالم في كلّ يوم إنّه يؤمن بتوحيد الله ، كما يؤمن برسول الله ونبوّته ، ويؤمن بولاية عليّ أمير المؤمنين حجّة الله ويؤمن بإمامته وإمامة أولاده الطاهرين ، كما يشهد بعصمة الزهراء وطهارتها ، أي في أذانه وإقامته ، يخبر عن معتقده في المعصومين الأربعة عشر عليهم السلام . فيقول في أذانه وإقامته بعد الشهادة الثالثة ، الشهادة الرابعة لا بقصد الجزئيّة ، فتقول فيها ما تقول في الشهادة الثالثة ، ولا أظنّ أن يخالفني في ذلك واحد من الفقهاء والعلماء إلاّ من يجهل المباني الفقهيّة ، وما جاء وراء الفقه من المعاني الدقيقة.
فيجوز أن يقول المؤذّن والمقيم بعد الشهادة الثالثة : ( أشهد أنّ فاطمة الزهراء عصمة الله )(1) مرّتان أو مرة واحدة أو يلحق ذلك بالشهادة الثالثة بعد قوله : ( أشهد أنّ عليّاً وليّ الله وأنّ فاطمة الزهراء عصمة الله ) ، فتدبّر.
وممّا يدلّ على مقامها الشامخ وعصمتها الذاتيّة الكلّية كما في الأنبياء
____________
(1) لقد سبقني في هذا المعنى والفتوى شيخنا الاُستاذ آية الله الشيخ حسن زاده الآملي دام ظلّه في ( حكمة عصمتيّة في كلمة فاطميّة : 14 ) قائلاً : كانت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله ذات عصمة بلا دغدغة ووسوسة ، وقد نص ّ كبار العلماء كالمفيد والمرتضى وغيرهما بعصمتها عليها السلام بالآيات والروايات ، والحقّ معهم ، والمكابر محجوج ومفلوج ، وكانت عليها السلام جوهرة قدسيّة في تعيّن إنسيّ ، فهي إنسيّة حوراء ، وعصمة الله الكبرى ، وحقيقة العصمة ، إنّها قوّة نوريّة ملكوتيّة تعصم صاحبها عن كل ما يشينه من رجس الذنوب والادناس والسهو النسيان ونحوها من الرذائل النفسانيّة ... وإذا دريت أنّ بقيّة النبوّة وعقيلة الرسالة ووديعة المصطفى وزوجة وليّ الله وكلمة الله التامّة فاطمة عليها السلام ذات عصمة ، فلا بأس بأن تشهد في فصول الأذان والإقامة بعصمتها وتقول مثلا
أشهد أنّ فاطمة بنت رسول الله عصمة الله الكبرى ) ، ونحوها.
--------------------------------------------------------------------------------
( 14 )
والأوصياء عليهم السلام أنّ الله يغضب لغضبها ويرضى لرضاها ـ كما ورد مستفيضاً عند الفريقين السنّة والشيعة ـ فإنّ الله سبحانه لم يغضب لنبيّ من أنبيائه : ( وذا النون اذ ذهبا مُغاضِباً فَظَنَّ أنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ ).
ولكن يغضب لغضب فاطمة عليها السلام.
ثمّ لا تجد معصوماً تروّج بمعصومة إلاّ أمير المؤمنين عليّ عليه السلام ، ولولا عليّ لما كان لفاطمة كفوّ آدم ومن دونه ، فإنّ المعصومة لا يتزوّجها إلاّ المعصوم ، فإنّ الرجال قوّامون على النساء ، فلا يكون غير معصوم قوّاماً على المعصومة ، ومن خصائص أمير المؤمنين التي لا يشاركه فيها أحد حتّى رسول الله محمّد صلى الله عليه وآله هو زواجه من المعصومة فاطمة الزهراء عليها السلام ، وهو الزواج المبارك في عالمي التكوين والتشريع ، وإنّه من زواج النور من النور ، كما ورد في الأخبار ، فالمعصومة لا يتزوّجها إلاّ المعصوم عليها السلام.
وفاطمة الزهراء سيّدة نساء العالمين من الأوّلين والآخرين في الدنيا والآخرة ، كما تشهد بذلك آية التطهير والمباهلة وحديث الكساء وأصحابه الخمسة المصطفى والمرتضى وابناهما وفاطمة عليهم السلام.
وربّما قدّم المباهلة النساء والأبناء على الأنفس للإشارة إلى أنّ الأنفس فداها.
« فداها أبوها ».
وإنّما يعرف هذا وأمثاله بالمعرفة المعنويّة الذوقيّة التي يحصل عليها العارف بالشهود والكشف بعد صيقلة الروح والقلب ، لا بالمعرفة المفهوميّة الاستدلاليّة من البرهان والكسب وحسب ، وليس العيان كالبيان.
وما يسطّر القلم في معرفة فاطمة إلاّ وشحات من بحر معرفتها ، وإنّما عرفناها وعرفنا الأئمة الأطهار بما نطق به الثقلان القرآن وأهله ، وإلاّ فقد فطم الخلق عن كنه معرفتها ، فمن يعرفها ويعرف اسرارها ؟ وما يقال في هذا المضمار ليس إلاّ ما عند الكاتب ، لا ما عند المكتوب عنه ، فالاسرار الفاطميّة ليس إلاّ من سرّ الكاتب وسريرته لا من أسرارها وحقيقتها ، فإنّ حقيقة فاطمة عليها السلام حقيقة ليلة القدر ، حقيقة
--------------------------------------------------------------------------------
اخوتي في الله
السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته
هنا ساضع باذن الله كم كتاب الاسرار الفاطمية لتعم الفائدة للجميع
بارك الله فيكم
الاسرار الفاطمية
تأليف
الشيخ محمد فاضل المسعودي
تقديم آية الله
السيد عادل العلوي
--------------------------------------------------------------------------------
الاهداء
إلى مصباح الهدى وسفينة النجاة ...
إلى الموعود بشهادته قبل ولادته...
إلى الذي بكاه رسول الله حين ولادته...
إلى الذي قضى ضمآن بجنب الفرات...
إلى الذي بكت عليه ملائكة السماء...
إلى خضيب الشيبة بالدماء...
إلى ساكن طفوف كربلاء...
إلى من تطلب بدمه سيدة النساء بعرصات يوم القيامة ...
« لابدّ ان ترِدَّ القيامةَ فاطمٌ * وقميصها بدم الحسين ملطخ »
إلى خامس اصحاب حديث الكساء...
إليك يا سيدي يا أبا عبدالله الحسين بن علي ( عليه السلام ) ...
أرفع لك هذا المجهود القليل راجياً من الله القبول...
والغفران لي ولوالدي ولمن ينتفع بهذا الكتاب
يوم لا ينفع مال ولا بنون إلاّ من أتى بقلب سليم...
محمد فاضل المسعودي
--------------------------------------------------------------------------------
( 6 )
بسم الله الرحمن الرحيم
--------------------------------------------------------------------------------
( 7 )
تقريض
تزيينا لكتابنا وتبيينا لعام الطبع طلبنا من الخطيب سماحة الشيخ محمد سعيد المنصوري « حفظه الله ورعاه » ان يتفضل علينا بتوشيح لكتابنا الأسرار الفاطمية وتأريخ يعرف به زمان طبعه فاستجاب لنا سماحته بهذه المقطوعة الشعرية المشتملة على معاني لطيفة وخفيفة على الطبع والذوق امد الله في عمره الشريف ووفقنا الله واياه وصالح المؤمنين لخدمة الائمة الأطهار لا سيما فاطمة الزهراء عليها السلام أنالنا الله شفاعتها يوم القيامة وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
( محمدٌ ) بالاسرِارِ جاء ولم يجىء * اليـنـا بأســرارٍ سـواهُ مـؤلـفُ
علـى أنّهـا بالفاطميـةِ عُرّفَـت * وكلُّ الذي يُعزى لفاطمــة يُعـرفُ
وهذا كتابٌ في سليـلةِ ( احمـد ) * ومِن ذُكرُها الذكـرَ الجَميـل المُشرِّفُ
بهِ قَد جَلى بالبحثِ عَن كلّ غامضٍ * وعرّف عمّا فيـهِ حــارَ المعُـرِّفُ
ايانَ وفي « مُستودَع السر » ما به * تُقـرطُ اذانُ الــورى وتُـشـنَّـفُ
فأبوابُـهُ بابـاً فبَابــاً وبحـثُـهُ * لأبيـنُ مِـن فجـرٍ ضحَوُكٍ وألطَفُ
كتابٌ بـِهِ ما لَـيسَ يحوِيه غيرُهُ * وكلُّ علـى قـدرٍ من الـدوح يَقطفُ
وفكرتُـهُ فيمـا نرى مـن بَيانِـه * يميــلُ اليهـا العبقـَرِي المُثقَـفُ
وفاطمـةٌ مهمـا نقـوُل بشأنهــا * فتلكَ من الأقـوال اسمـى واشـرفُ
فطوبـى لمن مـالا اليها بوّدِهِـم * وويلٌ لمن قالوا وفي القوَلِ اسرفُــوا
فظـلوا طريقا كـان فيـه نجَاتهم * اظلّـم عنـهُ الهَـوى والتَـعجرفُ
فيانِعمَ ما دبجّتَ يا نَجلَ « فاضِلٍ » * بِمَن قد اتى فِيها من « الله » مصحفُ
غدا سوف يأتيكَ الجزاءُ مضـاعَفاً * فأرّخهُ « ان نعـم التقـُى والتعففُ »
51+160+541+667
= 1419 هجري
--------------------------------------------------------------------------------
( 8 )
--------------------------------------------------------------------------------
( 9 )
تقديم العلاّمة آية الله
سماحة السيّد عادل العلوي
بسم الله الرحمن الرحيم
الدرّة البهيّة
في الأسرار الفاطميّة
الحمد لله فاطر السماوات والأرضين ، خالق فاطمة الزهراء سيّدة نساء العالمين ، والصلاة والسلام على أبيها محمد الأمين ، سيد الأنبياء والمرسلين ، حبيب الله وخاتم النبيّين ، وعلى بعلها أمير المؤمنين عليّ سيّد الأوصياء وإمام المتّقين ، وعلى أولادهما الأئمة الميامين أهل البيت الطاهرين ، واللعن الدائم على أعدائهم ومنكري فضائلهم من بدء الخلق إلى قيام يوم الدين.
قال تعالى في محكم كتابه الكريم ومبرم خطابه العظيم : ( إنَّما يُريدُ اللهُ لِيُذهِبَ عَنْكُمُ الرِّجسَ أهْلَ البَيْتِ ويُطَهّركم تَطهيراً )(1).
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله : « لو كان الحُسن شخصاً لكان فاطمة ، بل هي أعظم . فاطمة ابنتي خير أهل الأرض عنصراً وشرفاً وكرماً »(2).
الحديث عن الزهراء عليها السلام إنّما هو حديث عمّا سوى الله سبحانه ، فهي الكون
____________
(1) الأحزاب : 33.
(2) فرائد السمطين 2 : 68.
--------------------------------------------------------------------------------
( 10 )
الجامع بل الحديث عنها حديث عن الله سبحانه لوحدة الرضا والغضب بينهما ، فإنّه سبحانه يرضى لرضاها ويغضب لغضبها ، والله المحسن وهو الجميل ومطلق الجمال والحسن ، وإنّه يحبّ الجمال ، ولو كان الحسن والجمال شخصاً لكان فاطمة ، بل هي أعظم ، فهي جمال الله وحسنه ، وإنّها الحوراء الإنسية ، فهي خير أهل الأرض عنصراً ، فإنّها نور الله جلّ جلاله اشتُقّت من نور أبيها وبعلها ، وفارقتهما في القوس النزولي ، فكان أبوها وبعلها في صلب آدم إلى عبد المطلب وأبي طالب ، وبقيت هي في العرش الإلهي في مشكاة تحت ساق العرش ، ثمّ انتقل إلى الجنّة ، وبقي في رياضها محبوراً ، ثمّ أودعه الله في شجرة من أشجارها وفي ثمارها وأغصانها ، حتى إذا عرج النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله إلى السماء ودخل الجنّة ، وأكل من تفّاحها ورطبها ، فتناول من ثمار الجنّة ومن شجرة فاطمة عليها السلام فتحوّلت نوراً في صلبه ، ثمّ هبط إلى الأرض ، فواقع خديجة الكبرى لتحمل منه فاطمة الحوراء الإنسيّة ، ومن ثمّ كان النبيّ يشمّ منها رائحة الجنّة.
ففاطمة عليها السلام من صلب خاتم النّبيّين وأشرف خلق الله أجمعين محمد المصطفى صلى الله عليه وآله مباشرة ومن دون واسطة ، دون غيرها ، فكانوا من صلب آدم عليه السلام. فهي خير أهل الأرض عنصراً ، وأشرف بعد أبيها وبعلها مقاماً ، وأكرم منزلاً.
فخلقت من نور محمّدي علويّ قبل خلق آدم بآلاف من السنين ، خلقت حوريّة في صورة إنسيّة ، ثمّ تكوّنت نطفتها في أعالي الجنّة ، ونطقت وتحدّثت في بطن أُمّها ، وقال جبرئيل عنها أنّها النسلة الطاهرة الميمونة ، وسجدت ونطقت بالشهادتين عند ولادتها ، فهي المباركة الطاهرة الصدّيقة الزكيّة الرضيّة المرضيّة المحدّثة الزهراء البتول الحرّة ، العذراء الحوراء النوريّة السماويّة الحانية ، اُمّ الحسنين ، أُمّ أبيها ، أُمّ الأئمة النجباء ، فهي الصدّيقة الكبرى ، وعلى معرفتها دارت القرون الاُولى. ومن عرفها حقيقةً فقد أدرك ليلة القدر.
والمعرفة أساس الحياة وروحها ، فمن لا معرفة له ـ كالكافر ـ فلا حياة له ، وكان ميّتاً يمشي بين الأحياء. وبالمعرفة يتمّ الإيمان ويزداد بزيادتها ، وإنّها تأخذ حيّزاً كبيراً في الحياة الإنسانيّة بكلّ أبعادها وجوانبها ، حتّى الشريعة المقّدسة التي هي عبارة عن قوانين الحياة التشريعيّة من أجل السعادة الأبديّة ، فالمعرفة لها الحظّ الأوفر على
--------------------------------------------------------------------------------
( 11 )
مستوى الاُصول والفروع والأخلاق ، وإنّما يفضّل الناس بعضهم على البعض في المقياس الإلهي بالمعرفة ولوازمها كالإيمان والتقوى والعلم النافع والعمل الصالح ، كما جاء في الحديث الشريف : « أفضلكم إيماناً أفضلكم معرفة »(1).
فلا يمكن من حطّ قيمة المعرفة والاستهانة بها مطلقاً ، بل جاء عن الإمام الصادق عليه السلام : « لا يقبل الله عملاً إلاّ بمعرفة ، ولا معرفة إلاّ بعمل ، فمن عرفت دلّته المعرفة على العمل ، ومن لم يعمل فلا معرفة له »(2).
فأصل كلّ شيء وأساسه هو المعرفة ، حتّى قال أمير المؤمنين عليّ عليه السلام لكميل ابن زياد :
« يا كميل ، ما من حركة إلاّ وأنت محتاج فيها إلى معرفة »(3).
ولا تكون المعرفة تامّة إلاّ بإدراك القضايا وفهمها ، دركاً صحيحاً وفهماً كاملاً ، بدراسات حقّه ميدانيّة وتحقيقيّة ، والتي يبتني صرحها الشامخ على ضوء البراهين الساطعة والاستدلالات العقليّة اللامعة ، والحجج العمليّة الواضحة.
فالمعرفة يعني الدراية الكاملة والفهم العميق والدرك الصحيح ، وقيمة الإنسان بمعرفته.
يقول الإمام الباقر لولده الصادق عليه السلام « يا بني ، إعرف منازل الشيعة على قدر روايتهم ومعرفتهم ، فإنّ المعرفة هي الدراية للرواية ».
فالرواية نقل الحديث الشريف عن المعصومين عليهم السلام ، والدراية تفقّه الحديث وفهمه :
« وبالدرايات للروايات يعلو المؤمن إلى أقصى درجات الإيمان ». و « حديث تدريه خيرٌ من ألف حديث ترويه ». و« قيمة كلّ امرىء وقدره معرفته ».
فالواحب علينا أن نفهم القرآن والروايات بتفهّم وعمق ، وتدبّر وتفكّر ، وإلاّ فهمّة السفهاء الرواية ، وهمّة العلماء الدراية.
فلا بدّ لكلّ ذي لبّ أن يعرف الأشياء على ما هي عليها بحسب الطاقة البشريّة ،
____________
(1) البحار 3 : 14.
(2) الكافي 1 : 44.
(3) ميزان الحكمة : الحديث رقم 7421.
--------------------------------------------------------------------------------
( 12 )
وأولى شيء بالمعرفة ، وإنّه مقدّم على كلّ المعراف والعلوم هو معرفة اُصول الدين بالبرهان واليقين ، وبدءاً بالمعرفة الجلاليّة ثمّ الجماليّة ثمّ الكماليّة.
ومن الاُصول معرفة الصدّيقة الكبرى فاطمة الزهراء عليها السلام ، فمن عرفها حقّ معرفتها فقد أدرك ليلة القدر التي هي خيرٌ من ألف شهر. ألا إنّها سمّيت فاطمة لأنّ الخلق فطموا عن معرفتها.
فمن يعرفها ؟! وعلى معرفتها دارت القرون الاُولى ، وما تكاملت النبوّة لنبيّ حتى اُمر بفضلها ومحبّتها(1).
ومن الواضح أنّ المعرفة الكاملة والتامّة لا تكون إلاّ بعد الإحاطة بالشيء ، ومن يقدر على أن يحيط بفاطمة الزهراء عليها السلام إلاّ من كان خالقها ومن كان كفواً لها ، فلا يعرفها ويعرف أسرارها إلاّ أمير المؤمنين عليّ عليه السلام ورسول الله محمد صلى الله عليه وآله ، فإنّ الخلق كلّهم حتّى الأنبياء والملائكة والحنّ والإنس فطموا وقطعوا عن كنه معرفتها والإحاطة بها ، فلا يعرفها حقّاً إلاّ الله ورسوله ووصيّه عليهما السلام .
ففاطمة الزهراء وديعة المصطفى وحليلة المرتضى مظهر النفس الكلّية على أتمّ الوجوه الممكنة فهي الحوراء بتعيّن إنسي ، مطلع الأنوار البهيّة ، وضياء المشكاة النبويّة ، صندوق الأسرار الإلهيّة ، ورعاء المعارف الربّانيّة ، عصمة الله الكبرى ، وآية الله العظمى.
لا ريب ولا شكّ أنّ فاطمة أحرزت مقام العصمة الإلهيّة الكبرى ، كما عليه الإجماع القطعي وذهب إليه الأعاظم من عباقرة العلم والمعرفة ، كالشيخ المفيد والسيّد المرتضى.
كما تدلّ الآيات الكريمة والروايات الشريفة على ذلك ، يكفيك شاهداً آية التطهير ، وما أدراك ما آية التطهير ، فمن أنكر ذلك فهو كالأعمى الذي ينكر نور الشمس.
والعصمة من اللطف الإلهي الخاصّ ويعني القوّة النوريّة الملكوتيّة الراسخة في نفس المعصوم عليه السلام ، تعصمه وتحفظه من كلّ شين ، كما تزيّنه بكلّ زين ، فيعصم من
____________
(1) البحار 42 : 105 ، عن تفسير الفرات.
--------------------------------------------------------------------------------
( 13 )
الذنوب والمعاصي والآثام والسهو والنسيان والغفلة ، وما شابه ذلك ، ومن كان معصوماً في دهره لا يصدر منه الشين مطلقاً.
وفاطمة الزهراء عليها السلام إنّها المعصومة بعصمة الله سبحانه ، كما عصم اولادها الأئمة الأطهار ، فإنّ عصمتهم كعصمة القرآن ، فهما الثقلان بعد رسول الله لنت يفترقا في كلّ شيء من البداية وحتّى النهاية ، ومنها العصمة.
مفطومة من زلل الأهواءِ * معصومةٌ من وصمة الخطاءِ
فهذا من عقيدتنا الحقّة في الزهراء عليها السلام ، ولمّا كان الأذان والأقامة للصلوات اليوم إعلان وإعلام في بيان العقيدة ، ولمّا كانت الحياة عقيدة وجهاد ، فلا مانع ، بل من الراجح أن يعلن الشيعي المخلص عن عقائده الصحيحة في أذانه وإقامته للصلاة ، فيعلن للعالم في كلّ يوم إنّه يؤمن بتوحيد الله ، كما يؤمن برسول الله ونبوّته ، ويؤمن بولاية عليّ أمير المؤمنين حجّة الله ويؤمن بإمامته وإمامة أولاده الطاهرين ، كما يشهد بعصمة الزهراء وطهارتها ، أي في أذانه وإقامته ، يخبر عن معتقده في المعصومين الأربعة عشر عليهم السلام . فيقول في أذانه وإقامته بعد الشهادة الثالثة ، الشهادة الرابعة لا بقصد الجزئيّة ، فتقول فيها ما تقول في الشهادة الثالثة ، ولا أظنّ أن يخالفني في ذلك واحد من الفقهاء والعلماء إلاّ من يجهل المباني الفقهيّة ، وما جاء وراء الفقه من المعاني الدقيقة.
فيجوز أن يقول المؤذّن والمقيم بعد الشهادة الثالثة : ( أشهد أنّ فاطمة الزهراء عصمة الله )(1) مرّتان أو مرة واحدة أو يلحق ذلك بالشهادة الثالثة بعد قوله : ( أشهد أنّ عليّاً وليّ الله وأنّ فاطمة الزهراء عصمة الله ) ، فتدبّر.
وممّا يدلّ على مقامها الشامخ وعصمتها الذاتيّة الكلّية كما في الأنبياء
____________
(1) لقد سبقني في هذا المعنى والفتوى شيخنا الاُستاذ آية الله الشيخ حسن زاده الآملي دام ظلّه في ( حكمة عصمتيّة في كلمة فاطميّة : 14 ) قائلاً : كانت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله ذات عصمة بلا دغدغة ووسوسة ، وقد نص ّ كبار العلماء كالمفيد والمرتضى وغيرهما بعصمتها عليها السلام بالآيات والروايات ، والحقّ معهم ، والمكابر محجوج ومفلوج ، وكانت عليها السلام جوهرة قدسيّة في تعيّن إنسيّ ، فهي إنسيّة حوراء ، وعصمة الله الكبرى ، وحقيقة العصمة ، إنّها قوّة نوريّة ملكوتيّة تعصم صاحبها عن كل ما يشينه من رجس الذنوب والادناس والسهو النسيان ونحوها من الرذائل النفسانيّة ... وإذا دريت أنّ بقيّة النبوّة وعقيلة الرسالة ووديعة المصطفى وزوجة وليّ الله وكلمة الله التامّة فاطمة عليها السلام ذات عصمة ، فلا بأس بأن تشهد في فصول الأذان والإقامة بعصمتها وتقول مثلا

--------------------------------------------------------------------------------
( 14 )
والأوصياء عليهم السلام أنّ الله يغضب لغضبها ويرضى لرضاها ـ كما ورد مستفيضاً عند الفريقين السنّة والشيعة ـ فإنّ الله سبحانه لم يغضب لنبيّ من أنبيائه : ( وذا النون اذ ذهبا مُغاضِباً فَظَنَّ أنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ ).
ولكن يغضب لغضب فاطمة عليها السلام.
ثمّ لا تجد معصوماً تروّج بمعصومة إلاّ أمير المؤمنين عليّ عليه السلام ، ولولا عليّ لما كان لفاطمة كفوّ آدم ومن دونه ، فإنّ المعصومة لا يتزوّجها إلاّ المعصوم ، فإنّ الرجال قوّامون على النساء ، فلا يكون غير معصوم قوّاماً على المعصومة ، ومن خصائص أمير المؤمنين التي لا يشاركه فيها أحد حتّى رسول الله محمّد صلى الله عليه وآله هو زواجه من المعصومة فاطمة الزهراء عليها السلام ، وهو الزواج المبارك في عالمي التكوين والتشريع ، وإنّه من زواج النور من النور ، كما ورد في الأخبار ، فالمعصومة لا يتزوّجها إلاّ المعصوم عليها السلام.
وفاطمة الزهراء سيّدة نساء العالمين من الأوّلين والآخرين في الدنيا والآخرة ، كما تشهد بذلك آية التطهير والمباهلة وحديث الكساء وأصحابه الخمسة المصطفى والمرتضى وابناهما وفاطمة عليهم السلام.
وربّما قدّم المباهلة النساء والأبناء على الأنفس للإشارة إلى أنّ الأنفس فداها.
« فداها أبوها ».
وإنّما يعرف هذا وأمثاله بالمعرفة المعنويّة الذوقيّة التي يحصل عليها العارف بالشهود والكشف بعد صيقلة الروح والقلب ، لا بالمعرفة المفهوميّة الاستدلاليّة من البرهان والكسب وحسب ، وليس العيان كالبيان.
وما يسطّر القلم في معرفة فاطمة إلاّ وشحات من بحر معرفتها ، وإنّما عرفناها وعرفنا الأئمة الأطهار بما نطق به الثقلان القرآن وأهله ، وإلاّ فقد فطم الخلق عن كنه معرفتها ، فمن يعرفها ويعرف اسرارها ؟ وما يقال في هذا المضمار ليس إلاّ ما عند الكاتب ، لا ما عند المكتوب عنه ، فالاسرار الفاطميّة ليس إلاّ من سرّ الكاتب وسريرته لا من أسرارها وحقيقتها ، فإنّ حقيقة فاطمة عليها السلام حقيقة ليلة القدر ، حقيقة
--------------------------------------------------------------------------------
تعليق