السيستاني وموقف حكيم
عبدالله خليفة
رجلٌ كان وحده، في غرفته الصغيرة، مع كتبه ودفاتره، وحوله الدبابات وعصابات القتل الشرسة، فانتصرت قراطيسه الصغيرة وهُزمت الدبابات! كيف يستطيع الرجلُ الكهلُ أن يبقى وينتصر وكل الحشود المصفقة والذليلة والزاحفة تحت أحذية الدكتاتور تتبخر وكأنها لم تكن؟!
أين المثقفون المسطرون للكتب وللمجلات التي تدبج المقالات والدراسات عن حفاظات صدام الطفولية المليئة بنار النضال القومي المقدس؟ أين الكتبة؟ أين المهرجانات الرخيصة؟ أين الذين باعوا أنفسهم بحفنة من الدنانير المتهاوية القيمة؟ أين حشود الباصات الزاحفة نحو تماثيل الطاغية تمرغ شموخ الأمة على فوطة لصوص بغداد؟ أين المسدسات المعلقة لقتل العصافير والفراشات؟ أين الفجور والجحور لعجن عظام المناضلين؟ أين الممثلون والدعاة والشعراء الذين يدبجون الملاحم لرجل اُنتزع من بين جحر فئران؟ كان السيستاني في غرفته ولا حشود ولا مهرجانات، ولا أحد يعرفه من شعراء الأمة الكذبة المداحين لمستنقع الدم، ومثقفيها الذين لا يساوون قشرة بصل! لا بد أن هذا الرجل اختزن الكثير من الحكمة كي يعبر بين عواصف الدم، ويدعو شعبه للصبر وتشكيل أجهزة نظام جديد منتخب، فلا للاحتلال ولا للدكتاتورية، ونعم للتمثيل النيابي، ولوحدة الشعب العراقي العظيم وهو يعبر من جمهورية الموت إلى جمهورية الحياة! السيستاني اتخذ موقفاً حكيماً، لم يغامر بشعبه، حقن دماء الجميع، لم يحطم مصباحاً، لم يدعُ لقتل، كان بإمكانه وهو في شعبيته الطاغية أن يدعو للنزول إلى الشوارع وإلى الصراع اللامتكافئ وأن يؤكد ذاتاً متعملقة في الفراغ ومغرورة وأنانية! لكنه ارتبط بتراث المقهورين والصابرين والمتواضعين، تراث الإمام علي، تراث الشهداء والمناضلين من أجل الإنسان المظلوم والمضطهد. أي إنسان مهما كان لونه وجنسه، نهرٌ من الدم والتضحيات وراءه وأمامه مستقبل الإنسان المنفتح والمتآخي. في حقن الدماء هذا، في كبت الكراهية البغيضة، في التطلع إلى التسامح وإعادة بناء ما خربه السابقون، في الصبر على الاحتلال، وتأسيس بنى سياسية وطنية، تكمن إنجازات سياسته، التي نرجو أن يتواصل تعضيدها للحمة الوطنية، وتضميد جراح العراق العميقة، بدلاً من التكالب على السلطات الفانية، وتشكيل سلطة الشعب الباقية. فأي تهاون في مراقبة الجلادين الجدد والانتهازيين العسكريين والإمبرياليين الشرهين، سيظهر صداما آخر، بثياب دينية طائفية، أو من خلال دهاليز العسكريين والموظفين الصقور. وحينئذٍ لن يفرق هذا الصدام الجديد بين ديني وتقدمي، بين شيعي وسني، بين كردي واشوري، بين شمالي ووسطي وجنوبي، سيضعكم أيها العراقيون زيتاً لدباباته، لتطحن عظامكم التي لم يبق منها، فاتعظوا من تاريخكم الدامي ومن استمرار نبوخذ نصر والحجاج ونوري السعيد وقاسم وصدام، فكفاكم من هذه النماذج. استريحوا قليلاً.. من عبارة لا زعيم سوى عبدالكريم! وشكلوا تجربة الديمقراطية مستمرة.. الزعيم فيها هو الشعب!
دعائي .
عبدالله خليفة
رجلٌ كان وحده، في غرفته الصغيرة، مع كتبه ودفاتره، وحوله الدبابات وعصابات القتل الشرسة، فانتصرت قراطيسه الصغيرة وهُزمت الدبابات! كيف يستطيع الرجلُ الكهلُ أن يبقى وينتصر وكل الحشود المصفقة والذليلة والزاحفة تحت أحذية الدكتاتور تتبخر وكأنها لم تكن؟!
أين المثقفون المسطرون للكتب وللمجلات التي تدبج المقالات والدراسات عن حفاظات صدام الطفولية المليئة بنار النضال القومي المقدس؟ أين الكتبة؟ أين المهرجانات الرخيصة؟ أين الذين باعوا أنفسهم بحفنة من الدنانير المتهاوية القيمة؟ أين حشود الباصات الزاحفة نحو تماثيل الطاغية تمرغ شموخ الأمة على فوطة لصوص بغداد؟ أين المسدسات المعلقة لقتل العصافير والفراشات؟ أين الفجور والجحور لعجن عظام المناضلين؟ أين الممثلون والدعاة والشعراء الذين يدبجون الملاحم لرجل اُنتزع من بين جحر فئران؟ كان السيستاني في غرفته ولا حشود ولا مهرجانات، ولا أحد يعرفه من شعراء الأمة الكذبة المداحين لمستنقع الدم، ومثقفيها الذين لا يساوون قشرة بصل! لا بد أن هذا الرجل اختزن الكثير من الحكمة كي يعبر بين عواصف الدم، ويدعو شعبه للصبر وتشكيل أجهزة نظام جديد منتخب، فلا للاحتلال ولا للدكتاتورية، ونعم للتمثيل النيابي، ولوحدة الشعب العراقي العظيم وهو يعبر من جمهورية الموت إلى جمهورية الحياة! السيستاني اتخذ موقفاً حكيماً، لم يغامر بشعبه، حقن دماء الجميع، لم يحطم مصباحاً، لم يدعُ لقتل، كان بإمكانه وهو في شعبيته الطاغية أن يدعو للنزول إلى الشوارع وإلى الصراع اللامتكافئ وأن يؤكد ذاتاً متعملقة في الفراغ ومغرورة وأنانية! لكنه ارتبط بتراث المقهورين والصابرين والمتواضعين، تراث الإمام علي، تراث الشهداء والمناضلين من أجل الإنسان المظلوم والمضطهد. أي إنسان مهما كان لونه وجنسه، نهرٌ من الدم والتضحيات وراءه وأمامه مستقبل الإنسان المنفتح والمتآخي. في حقن الدماء هذا، في كبت الكراهية البغيضة، في التطلع إلى التسامح وإعادة بناء ما خربه السابقون، في الصبر على الاحتلال، وتأسيس بنى سياسية وطنية، تكمن إنجازات سياسته، التي نرجو أن يتواصل تعضيدها للحمة الوطنية، وتضميد جراح العراق العميقة، بدلاً من التكالب على السلطات الفانية، وتشكيل سلطة الشعب الباقية. فأي تهاون في مراقبة الجلادين الجدد والانتهازيين العسكريين والإمبرياليين الشرهين، سيظهر صداما آخر، بثياب دينية طائفية، أو من خلال دهاليز العسكريين والموظفين الصقور. وحينئذٍ لن يفرق هذا الصدام الجديد بين ديني وتقدمي، بين شيعي وسني، بين كردي واشوري، بين شمالي ووسطي وجنوبي، سيضعكم أيها العراقيون زيتاً لدباباته، لتطحن عظامكم التي لم يبق منها، فاتعظوا من تاريخكم الدامي ومن استمرار نبوخذ نصر والحجاج ونوري السعيد وقاسم وصدام، فكفاكم من هذه النماذج. استريحوا قليلاً.. من عبارة لا زعيم سوى عبدالكريم! وشكلوا تجربة الديمقراطية مستمرة.. الزعيم فيها هو الشعب!
دعائي .
تعليق