إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

مدمج : الانتخابات والوضع في العراق

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مدمج : الانتخابات والوضع في العراق

    عام الاختراق الكبير
    فهمي هويدي




    لا يكن المرء شعوراً بالحنين أو الأسف حيال ذلك العام الذي نوشك أن نفارقه، لأنه لم يكن سوى شاهد جديد على زمن التراجع العربي. مع ذلك فأخشى ما أخشاه أن نترحم عليه في مقبل الأيام، لأن السُّحُب التي تلوح في الأفق توحي بأننا مقبلون على سنة <<كبيسة>> أخرى، إن لم تكن مخيفة أيضاً.
    الأحداث الجسام التي وقعت خلال العام الماضي، فاجأتنا وصدمتنا حقاً، لكن كانت لها ميزة واحدة غير مقصودة بطبيعة الحال هي أنها كانت سبباً في إشاعة الإحساس بالخطر بين مختلف الفصائل الوطنية، الغيورة على حاضر الأمة ومستقبلها، الأمر الذي رتب نتيجتين مهمتين، الأولى تمثلت في إحداث نوع من الفرز في ساحة الخطاب العام، بمقتضاه انكشفت المواقف، ومن ثم تحددت المواقع بوضوح، وعرف الكافة أين يقف كل صاحب رأي وكل تجمع سياسي، من باع منهم ومن اشترى، ومن تماسك منهم ومن انهزم وانبطح. الأمر الثاني أن الخلافات الفكرية والايديولوجية تراجعت إلى الوراء، وبرز الهمّ الوطني حاكماً ومهيمناً، بالتالي فلم يعد يهم كثيراً أين يقف كل طرف، في اليمين أو اليسار أو الوسط، بل صار الأهم هو موقف كل من هؤلاء إزاء مصير الأمة ومستقبلها، وهل هم معها أم عليها، في أحضانها أم موالون لأعدائها.
    إذا سألتني عن أهم قسمات عام 2004، فردي أن العلامة الأبرز لذلك العام تتمثل في تقدم طوابير المهزومين وارتفاع أصواتهم بشكل صريح وفج، على نحو غير مسبوق. أدري أن هؤلاء موجودون في كل مجتمع وكل زمان، لكنني أزعم أنهم في العالم العربي خلال نصف القرن الأخير كانوا يتوارون أحياناً، ويتحدثون بلغة ملفوفة وغير مباشرة في أحيان أخرى، وكانت الظروف تفرض عليهم طول الوقت الالتزام بحدود الإحتشام وممارسة ما يمكن أن نسميه بالحياء الوطني.
    هذه الصورة اختلفت أو انقلبت تماماً خلال العام الذي نودعه. فالمهزومون كشفوا الأقنعة، وتخلّوا عن الحياء والاحتشام، وأصبحوا يتحدثون بوجه مكشوف وبصراحة مدهشة. وبالتالي فإن ترويجهم للهزيمة ودفاعهم عن الاستسلام والانبطاح، أصبح جزءاً من أدبيات المرحلة. وهم لم يكتفوا بذلك، وإنما انتقلوا من التسويغ والتبرير إلى الهجوم الشرس على مختلف القيم النبيلة في مجتمعاتنا، وأهم الثوابت التي يقوم عليها بناء الأمة، هكذا جهاراً نهاراً.
    خلال كتابات عدة نشرت في الأسابيع التي خلت، أشرت إلى نماذج لهذا اللامعقول الذي طفا على سطح العام من حيث لا نحتسب، ولكن لا بأس من التذكير ببعض الرسائل التي تمثل فعلاً فاضحاً من الناحية السياسية، التي جرى بثها خلال العام.
    من كان يتصور مثلاً أن يجري الدفاع عن الاحتلال الأميركي لبلد عربي بالكامل مثل العراق، وأن يوصف ذلك الاحتلال بأنه <<تحرير>>؟ ومن كان يتصور أن يجرؤ نفر من العرب على هجاء المقاومة الوطنية، وأن تعلو بعض الأصوات متهمة إياها بأنها <<إرهاب>>، ومدعية أن المقاومين ليسوا سوى <<إرهابيين>> حيناً و<<حربجية>> في حين آخر؟ ومن كان يتخيل يوماً ما أن تدبج بعض المقالات في الكيد والازدراء بما أسماه أحدهم <<إمارة حماس>>، وأن يجري التطاول على هيئة علماء المسلمين في العراق، بحيث يوصفون بأنهم هيئة علماء الخاطفين؟ ومن يصدق أن يقول قائل في مصر أكرر في مصر إن أهم بلدين في علاقاتها الخارجية هما الولايات المتحدة وإسرائيل، أو يقول إننا يجب ألا نسمح أبداً للعلاقات العربية بأن تؤثر سلباً على العلاقات مع إسرائيل (في دعوة وقحة لرفع شعار إسرائيل أولاً) أو أن يدعو داع إلى ضرورة التخلص من النظر بشكل سلبي إلى إسرائيل ولأي علاقة معها؟ ومن كان يصدق أن يطرح للمناقشة مبدأ الاستعانة بالأميركيين لإحداث التغيير الذي ننشده إذا عجزنا عنه، في <<استهبال>> مريب، يريد لنا أن نقتنع بأن الولايات المتحدة أصبحت منظمة خيرية مشغولة بإغاثة المقهورين وتطييب خواطر المعذبين.
    حتى ثوابت الأمة، وعلى رأسها الانتماء إلى العروبة والإسلام، لم تسلم من الهجاء والازدراء، ممن أرادوا تجريح كل عناصر العافية والانقضاض عليها، احتماءً بشعار حرية الرأي والإجتهاد. إذ أراد المهزومون لموالاة أعداء الأمة وللعمالة أن تكون مجرد <<وجهة نظر>>، واجتهاداً مخالفاً لما يجري التعارف عليه؛ وهو ذات المنطق الذي يسوّغ <<الدعارة>> بحسبانها <<وجهة نظر>> مغايرة في المسألة الأخلاقية.
    في شهر تشرين الثاني الماضي صدر في بيروت كتاب بعنوان <<ثقافة الاستسلام>>، ألفه زميلنا الأستاذ بلال الحسن. وفيه قام بتعرية وفضح خمسة من الكتّاب العرب، الذين يقفون ضمن الصفوف الأولى لطوابير المهزومين، ممن يدعون إلى الانبطاح ويسوّغون موالاة أعداء الأمة والتفريط بقضاياها وحقوقها.
    في زمن الإنكسار، لا غرابة في أن تصبح <<ثقافة الاستسلام>> معلماً بارزاً في لغة الخطاب الإعلامي العربي. من ثم، ففضلاً عن اختراق مجموعة <<المارينز>> للمنابر الإعلامية المختلفة، فإن عناصرها لم يكتفوا بذلك، وإنما عمدوا إلى تأسيس منابر أخرى احتشد فيها نفر منهم، وحولوها إلى محطات إرسال لبث تلك الثقافة رفعت لافتات مختلفة، بحثية واستراتيجية وليبرالية.. الخ. وإضافة إلى بعض المراكز التي ادّعت اهتماماً بالمجتمع المدني، فإن العام المنصرم شهد تأسيس أكثر من صحيفة ومجلة (أحدثها صدر في تشرين الثاني الماضي) كانت <<ثقافة الاستسلام>> محوراً رئيسياً وقاسماً مشتركاً بينها.
    ولأن الأميركيين لا يخفون ما يفعلون ويكشفون أغلب أوراقهم ولو بعد حين، فإنهم هم الذين أعلنوا على لسان وزير دفاعهم دونالد رامسفيلد أن الإدارة الأميركية تخوض أيضاً معركة <<حرب الأفكار>> في العالم العربي والإسلامي. وهم الذين أعلنوا على لسان متحدث باسم السفارة الأميركية في القاهرة عن اتجاههم إلى إنشاء وتمويل صحف ومنابر إعلامية في بعض العواصم العربية. ولم يخفوا أنهم يموّلون قناة <<الحرة>> ! التلفزيونية، وإذاعة <<سوا>> ومجلة <<هاي>> بحسبانها ضمن الأسلحة المستخدمة لكسب تلك الحرب.
    إزاء تقدم طوابير المهزومين وتعدد المنابر التي تبنّت الترويج لثقافة الاستسلام، وبعد انضمام مصر إلى اتفاقية <<الكويز>> التي تجسد الاختراق الإسرائيلي الرسمي للاقتصاد المصري، هل نكون مبالغين إذا قلنا إن هذا العام الذي نودعه هو عام الاختراق الكبير؟
    ألا يلفت نظرك كمّ المؤتمرات والمنتديات التي عقدت خلال العام عن الإصلاح والتغيير في العالم العربي؟ ألا تلاحظون حجم الحضور الأميركي في تلك الملتقيات؟ أوليس مستغرباً أن يتجاوز الحضور الأميركي حدود المشاركة، بحيث يتولى الأميركيون تنظيم بعض تلك المؤتمرات وإعداد جدول أعمالها وتحديد المدعوين إليها والمشاركين في حواراتها؟ وهل يصدق عاقل أن الولايات المتحدة جادة في دعوتها إلى إصلاح حال العالم العربي؟ وهل يتصور مخلوق أن الأهداف الأميركية من الإصلاح يمكن أن تتطابق مع أهداف الأمة العربية والإسلامية؟
    كثيرة هي الأسئلة التي تثيرها <<صرعة>> المنتديات والمؤتمرات التي حلت بالعالم العربي على مدار العام، حتى أصبحت منافساً لمهرجانات السينما والغناء والطرب، التي صارت وباءً لم يستثن عاصمة في أمة العرب. وهي أسئلة ليست للاستفهام فحسب، ولكن بعضها تعبير عن الاسترابة والبعض الآخر استنكاري بامتياز. وما يشجعني على طرحها ليس توالي انعقاد تلك المؤتمرات وطبيعة المنظمين لها والمشاركين فيها، وإنما أنني كنت شاهداً عليها، وحاضراً في بعضها ومن ثم مستمعاً لما قيل في ذلك البعض على الأقل.
    لقد اعتذرت عن عدم حضور مؤتمرات كانت الرائحة الأميركية تفوح من جدول أعمالها، وشاركت فيما ظننت أنه مبرأ من تلك الشبهة، لكن تجربتي اقنعتني بأن <<الأجندة>> الأميركية مقررة على الجميع، وإنها إذا كانت قد أفصحت عن نفسها في بعض الملتقيات، فإنها حاضرة بقوة في خلفيات وأوراق وتوصيات الملتقيات الأخرى. لا أنكر أن بعض منظمي تلك المؤتمرات حسنو النية، ومخلصون في حرصهم على الإصلاح والتغيير. لكن ذلك لا ينفي أنه حتى هؤلاء كانوا يقفون على الأرضية الأميركية ربما دون أن يعلموا ويلتزمون بصورة غير مباشرة بالأجندة الخفية.
    حين يدقق المرء في أوراق وتوصيات تلك السلسلة من المؤتمرات والملتقيات يستحضر على الفور الحديث الأميركي المتكرر عن <<الشرق الأوسط الكبير>>، والخرائط التي يراد رسمها فيه، والنموذج التركي الذي يراد تعميمه عليه، ويدرك أن <<حرب الأفكار>> هي المقدمة الضرورية لمرحلة إعادة رسم الخرائط، وأننا جميعاً ندفع لكي نسير في درب محدد، له مقاصد وأهداف واضحة، يستطيع أي قارئ لمشروع <<القرن الأميركي>> أن يقف على حقيقتها دون عناء.
    عملية ترتيب الأوراق وتوفيق الأوضاع التي استمرّت طيلة عام 2004، يفترض أن تؤتي ثمارها في عام 2005. إن شئت فقل إن ما زرعناه في العام المنقضي سوف نجني حصاده في العام الجديد، وهذا بالتحديد مصدر القلق والخوف مما ستأتي به أو تسفر عنه الأشهر المقبلة، لأن الذي زرعناه في حده الأدنى ليس الذي تمنيناه، وإنما الذي تمناه غيرنا، وتحرى به مصالحه.
    من وجهة نظرهم، هي فرصة تاريخية حقاً، فالانكسار العربي بلغ مداه، والاختراق في أعلى موجاته، والشقوق تملأ جدران الأمة، ومفردات الانصياع ومشتقاته معلقة على تلك الجدران من المحيط إلى الخليج. من ثم فالظرف مؤات تماماً لإحداث التفكيك وإعادة التركيب وإنجاز الخرائط الجديدة، بدءاً بتصفية قضية فلسطين وانتهاءً ببسط الهيمنة على جنبات الشرق الأوسط الكبير.
    ومن سخريات القدر ومفارقاته أنه بينما ترفرف رايات الانصياع على جنبات العالم العربي، فإن مؤشرات التمرد على الهيمنة الأميركية تتعالى بقوة في أوروبا وفي أميركا اللاتينية، ممثلة في الحملة الشعبية الواسعة النطاق التي رفضت الحرب على العراق في البداية ثم واصلت رفضها لمجمل سياسة الهيمنة الأميركية.
    لسنا بصدد قدر مكتوب بطبيعة الحال، ولكنه مجرد <<سيناريو>> مفترض إذا قدر للأمور أن تمضي في الاتجاه الذي رسم لها. أما إذا اختلت المسيرة وتغير الموقف في العراق في غير مصلحة الاحتلال مثلاً، فإن ذلك السيناريو سوف ينقلب رأساً على عقب.
    وأقولها صراحة، إذا تمكن الأميركيون من العراق، وثبتوا فوق ربوعه رايات الانصياع والتسليم، فإن شهية رعاة الحلم الأمبراطوري الأميركي سوف تنفتح لفرض المزيد من الركوع والانبطاح على العالم العربي، والإقدام على المزيد من المغامرات في العالم الإسلامي.
    حينئذ سوف يقع المحظور، ونترحم على عام <<القرد>>!
    () كاتب مصري

  • #2
    العراق: العزل المستحيل

    العراق: العزل المستحيل
    جوزف سماحة




    يحذر أحد منظري <<المحافظين الجدد>> من أي تهاون أميركي في العراق. فالحرب هناك، في رأيه، إقليمية وذات أبعاد دولية (مايكل ليدين). هذا تقدير قريب إلى الصحة. إن الاصطفافات حيال ما يجري في العراق، في <<الشرق الأوسط الكبير>>، توحي بوجود جبهتين (أو أكثر) لكل منهما مصلحة متعارضة مع الأخرى.
    واهم كل من يعتقد أن في الإمكان عزل <<الساحة>> العراقية عمّا حولها. ثمة معطيات موضوعية تحول دون ذلك.
    ففي الشمال العراقي، مثلاً، يتحرك أكراد هم جزء من شعب منتشر في غير دولة. ما يفعلونه أو يقدمون عليه يؤثر على عدد من الجيران. وهكذا فعندما يُقال إنه لا مجال لهم للاستقلال
    بدولة لأن تركيا تعارض ذلك يبدو الأمر بديهياً إلى أبعد حد وكأنه معطى ثابت لا نقاش فيه. وليس سراً أن استقواء أكراد العراق بالاحتلال الأميركي ساهم في تغيير مزاج بعض الأكراد السوريين ما أدى إلى حصول الإشكالات المعروفة. وليس سراً أن العيون مفتوحة على أكراد إيران. لا عجب والحالة هذه أن يراقب المحيط ما يحصل وأن يكون له رأي فيه بغض النظر عن وجهة هذا الرأي.
    لقد أقام عدد من القيادات الشيعية المعارضة، الروحية والسياسية، في إيران. وثمة مئات الآلاف من ضائعي الهوية (عراقيين أم إيرانيين؟). ومن السهل الجزم بأن التفاعلات ضمن هذه البيئة، وخياراتها، ذات مردود على السعودية والكويت والبحرين... كما أن التواصل قديم ومستمر مع شيعة لبنان. كذلك يمكن لوجهة تختارها أكثرية شيعية في العراق أن تترك آثاراً على أوضاع الشيعة في غير بلد عربي أو مسلم. نعم، ثمة صراع على شيعة العراق وثمة مواقف إجمالية ضدهم. لم نسمع استنكاراً أميركياً واضحاً لما قيل في الأردن عن <<هلال>> مزعوم.
    إن التيارات الفاعلة ضمن السنة العرب، قومية أو أصولية، موصولة بقوى ومراجع خارج العراق. فضلاً عن أن دولاً عربية رئيسية تبدي اهتماماً ملحوظاً بمصير الكتلة السنية العراقية. ولا تخفي تركيا أنها مهتمة بالأمر أيضاً.
    ويقال الأمر نفسه عن الأقليات المسيحية وغيرها. فمصيرها في العراق المحتل مؤشر إلى القدرة على التعايش في دول تنكسر مركزيتها القمعية لصالح أطروحات فدرالية، ولصالح إيكال الحماية إلى القوانين والدستور حصراً في ظل علاقات أهلية مأزومة.
    والمعروف أن العشائر العراقية جزء من تركيبات عشائرية تشمل السعودية، والكويت، والأردن، وسوريا.
    هذه العناصر، وغيرها، تشد النسيج العراقي إلى جواره وتمنع على هذا الجوار الاكتفاء بالتفرج. ولقد بدا من باب تحصيل الحاصل نشوء صيغة <<دول الجوار>> وهي دول يمكن القول إن <<المسألة العراقية>> تملك بُعداً داخلياً في كل واحدة منها.
    قد لا تكون الولايات المتحدة مهتمة بهذه التعقيدات المجتمعية. ولكن ذلك لا يمنع أنها وضعت حربها على العراق في إطار إقليمي. فهي التي تزعم أنها، انطلاقاً من بغداد، تبغي التأثير على السياسات الخارجية والداخلية لدول المنطقة كلها، وهي التي تعلن أن نجاحها في العراق هو منصة الانطلاق للضغط على إيران وسوريا ولإعادة هيكلة الشرق الأوسط وتغييره اقتصاداً، وسياسة، وثقافة، وصولاً إلى اقتراح صيغة ل<<إسلام متسامح>>. كما أنها هي التي تحمي وجودها هناك بتحميل مسؤولية التعثر لدول مجاورة. وهي، أيضاً، التي رفعت الشعار القائل بأن أمركة العراق تفتح باب التسوية للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي (حسب الشروط الشارونية). وهي التي تحمّست للقرار رقم 1559 الذي يشكّل جزءاً عضوياً من ترسانة عملها في المنطقة.
    أي إن واشنطن، الداعية إلى عزل العراق عن تأثير المحيط، هي الأكثر إدراكاً للبُعد الإقليمي لاحتلالها العراق ولما تريد بناءه فوق أنقاض العراق <<القديم>> الذي نعرفه.
    والنقاش الداخلي الأميركي بهذا الخصوص ذو مغزى. فمن المعروف أن لدى <<المحافظين الجدد>> ميلاً إلى الرهان على إنتاج أكثرية شيعية موالية لهم وقابلة للانسياق في سياستهم الإقليمية. ويتبلور تيار لدى المحافظين التقليديين (من لسلي غيلب إلى هنري كيسنجر) يدعو إلى منع الأرجحية الشيعية المرفوضة من حلفاء أميركا العرب والاستعاضة عن ذلك ب... تقسيم العراق ولكل من الخيارين الأثر الشديد على الإقليم كله ودوله وعلاقاته وتوازناته الداخلية.
    أضف إلى ما تقدم أنه لم يعد ممكناً إنكار الحضور الإسرائيلي المباشر في الشمال العراقي وغيره. إنه تدخل يستند إلى علاقات سابقة مع أقليات عرقية، وإلى علاقات استجدت في أثناء سعي بعض المعارضة إلى استجلاب تأييد أميركي للحرب والاحتلال.
    تطالب واشنطن دول العالم والهيئات الدولية بالتدخل في العراق. غير أنها تضع شروطاً. من تُرد منهم التدخل تمنع عليهم المشاركة في القرار. ومن تمنع عنهم التدخل تقل لهم إن واجبهم هو الاستكانة إلى أن يستتب الأمر لها في العراق فتتدخل، هي، ضدهم!
    لا تتردد الولايات المتحدة في تحمّل أعباء هذا التناقض. فهي تعتبر أنه لا معنى لكونها القوة الوحيدة العظمى إن لم تسمح لنفسها بسياسات متناقضة شكلاً وملتقية عند تحقيق مصالحها الوطنية.
    والواضح أن الإدارة تحقق نجاحات جزئية في تنظيمها العلاقة الرسمية لبعض الدول مع الأزمة العراقية. غير أن القوى غير الرسمية هي في حل من أي التزام. ومن المفيد لها، ولشعوبها، أن تمضي في إنهاك الاحتلال الأميركي. إن في هذا الإنهاك مصلحة عربية وعراقية بالتأكيد، وهو مساهمة في مزاج دولي يملك أشكالاً متنوعة لإظهار ضيقه بالعنجهية الأميركية.

    تعليق


    • #3
      المقاطعة والمشاركة من المعهد الراشدي إلى العراق

      المقاطعة والمشاركة من المعهد الراشدي إلى العراق
      هاني فحص




      من أبهى المواقف النموذجية المسؤولة في المعارضة العاقلة التي ترتب اولوياتها بدقة، وفي مقدمتها اولوية العام على الخاص، موقف علي بن أبي طالب، الذي لم يشارك في انتخابات السقيفة إثر وفاة الرسول، لكنه عاد فالتزم بالنتائج العملية للعملية السياسية الدينية، من دون ان يجامل في تنازله عن موقفه النظري، فقدم موقفا وموقعا عمليا تقوائيا مسؤولا حدد خلفيته بقوله <<لأسلمن ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن فيها جور إلا علي خاصة>>... وهنا لا بد من تقييم ايجابي لسلوك الانصار بعد السقيفة وانخراطهم في هموم المسلمين بعيدا عن النتائج، وتحويل المعارضة الى مشاركة... وما أثر عن علي أنه لم يكن موافقا على استخلاف عمر بن الخطاب، ولكن ذلك لم يمنع شراكته الكاملة في المسؤولية عن الامة حتى قال عمر: <<لا عشت لمعضلة لا أبا حسن لها>>. وحتى بيعة عثمان في الشورى لم ترق لعلي ولكنه راق له كما هو ديدنه ان يشارك وان ينصح وان يرسل ولده لحماية حياة عثمان من سيوف الثوار.
      هذا في الماضي البعيد، ماضي المسلمين، حين كانت خلافة الرسول أهم بما يشبه المسافات الضوئية من حكم اي بلد عربي من العراق الى موريتانيا..
      وعلي في هذا مثال لكل المسلمين لأنه امام كل المسلمين باتفاق كل المسلمين.. والكلام عنه في هذا الصدد ليس كلاما شيعيا بمعنى الشيعية السياسية التي تبلورت لاحقا، بل هو كلام اسلامي جامع بما هو الاسلام جامع... وفي الماضي القريب جدا.. أرى أني قد أتهم بالجرأة الزائدة عن اللزوم، اذا ما تفهمت الموقف الذي تفهم ان يُنتخب بشير الجميل رئيسا للبنان تحت ظل دبابات الاحتلال، لأنه أدرك، خاطئا او مصيبا، ان عدم انتخاب رئيس وبالشروط الرديئة والمرة المتوفرة سوف يؤدي الى فراغ دستوري هائل يضع كيان لبنان ووجوده تحت السؤال.. ومات بشير الجميل، فهل كانوا مخطئين في حق لبنان، الذين عارضوا بشدة الاحتلال، والذين امتنعوا عن المشاركة في انتخاب امين الجميل رئيسا في ظل ذات الظروف الرديئة، عندما تعاملوا مع واقعة الانتخاب بمرونة وموضوعية وآثروا المشاركة على القطيعة؟ لم يكونوا خونة.. ولو اعتبرناهم خونة لما بقي في لبنان مخلص، لأنهم كانوا يمثلون الاكثرية اللبنانية من دون تناقض مع الأفق العربي من دون موافقتي على اتفاق 17 ايار وانحيازي الى المقاومة.
      وقد كانوا على صواب اولئك الذين رعوا ودعوا الى المقاطعة في انتخابات عام 1992 في لبنان، عندما عادوا الى المشاركة في انتخابات عام 1996 بعدما عاينوا وعانوا الخسائر الكبرى جراء المقاطعة.
      ولقد أتيح لي شخصيا ان أدخل في حوار شفاف مع اطراف سياسية في البحرين قاطعت الانتخابات النيابية، وحكيت لهم عن تجربة لبنان وما آلت اليه، من المقاطعة الى المشاركة، اي من الخطأ الى الصواب، وهم بدورهم مارسوا على مسمع مني نقدا ذاتيا شفافا، بدا لي انه لم يكن مرتجلا، بل هو نتيجة حوارات وقراءات داخلية في صفوفهم، أوصلتهم الى قناعة بأنهم كانوا مخطئين في مقاطعتهم، وأنهم يفكرون من الآن بالمشاركة في الانتخابات القادمة، من دون ان يمنعوا ان تبقى اصوات من داخلهم ومن خارجهم على حالها من الاصرار على المقاطعة.
      ومن منا لا يرى في الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين واقعة أقسى وأبشع من الاحتلال الاميركي البشع للعراق؟ وهل هو خائن فعلا عزمي بشارة وأحمد الطيبي وأمثالهما من الاعضاء العرب في الكنيست الاسرائيلي؟ قطعا هناك من هم مشبوهون من هذا الرعيل، ولا أدري من هم بالضبط، ولكن من قال ان المحطات الاشكالية المعقدة، بناء الدولة في ظل الاحتلال مثلا، يمكن ان تبنى بصفاء كامل؟ من يشترط الصفاء الكامل والطهارة التامة، لا يحقق شيئا، تذهب فكرة الدولة والعملية السياسية هباء في ريح الثورية، وتبقى نجاسة الاحتلال جاثمة على تفاصيل الحياة.
      والآن الآن.. في غزة وفي الضفة، ماذا يفعل الفلسطينيون، يعطون الاحتلال ما يريد من تعطيل الحياة السياسية انتظارا لنهايته وكأنها سوف تحدث غدا، أم يمارسون هذه الحياة بالحدود المتاحة حتى لا يذهبوا الى الفراغ وتختنق الاصوات والبنادق في صمت الموت السياسي!!!
      قد نختلف او نتفق على جدوى العمليات العسكرية ضد الاحتلال في الضفة والقطاع في الظروف العادية، أما الآن فالأقرب الى الصواب ان نتفق على ان جدواها قليلة جدا وربما كانت الى الضرر اقرب منها الى النفع.. لأنها يمكن ان تؤدي الى تعقيد المسيرة الانتخابية الديموقراطية في فلسطين.. على ان أهل فلسطين جميعا عقلاء كما أثبتوا.. والخوف عليهم قليل.. والخوف الشديد هو الخوف على العراق الذي يتعرض لعبث ثوري مضى زمانه وانكشفت اضراره وثبت عدم جدواه.. واسألوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون من بكين الى جنوب افريقيا وفنزويلا وطوكيو، وماذا لو رفعت البنادق عن رؤوس السنة والشيعة في العراق؟ ماذا لو كان جو من الأمن والسلام الوطني سائدا ولو موقتا لإتاحة فرصة لحرية الاختيار والديموقراطية الشعبية؟ هل يؤدي ذلك الى انتخاب مجلس وطني اميركي ام انه ترجيح للصف الوطني العراقي الوحدوي على اي صف آخر؟ ام ترجيح لنسيج عراقي تعددي يتمظهر فيه العراق ويتموضع ويستقوي على المحتل؟ أليس العراق هو الذي يبقى؟ وقديما، وفي دمشق وفي القصر الملكي الذي كان يقيم فيه فيصل، خاطب الجنرال اللنبي فارس الخوري مستكبرا قال: هذا قصر ملككم فيصل؟ قال: بلى يا حضرة الجنرال، هذا القصر بناه مدحت باشا وأقام فيه ثم رحل عنه، وأقام فيه جمال باشا ثم رحل، وبعده جاء الملك فيصل ورحل، وأنت الآن في القصر، وسوف ترحل ويبقى القصر.. نذكر هذا مع تحية مكثفة للشهيد يوسف العظمة ورفاقه الشهداء... ولكن بعض الوطنيين الكبار في سوريا من رفاق العظمة قالوا بأنه كان حماسيا وقليل الحسابات، علما بأنه لم يقتل وطنيا يختلف معه، ولكن دولنا القطرية انبنت في ظل الانتداب، بالصح والغلط، ولكن الغلط لم يمنع ان يأتي الاستقلال ويترسخ ليتذكر الجميع ثوارهم من سلطان باشا الى ابراهيم هنانو الى الشيخ صالح العلي وغيرهم بحب شديد، مستلهمين جهادهم في الحفاظ على الاستقلال ودولة الاستقلال تماما تماما.. كما قاتل العراقيون من موقع وطني جامع، وإن كان اللون الشيعي طاغيا فيه، قاتلوا المحتل الانكليزي في العشرين، وبحماسة شديدة ومن دون حسابات، ثم عادوا لينخرطوا في بناء الدولة على نسب من المشاركة والمقاطعة، حيث كانت المقاطعة اوسع في صفوف الشيعة تحت تأثيرات ثورة العشرين وتداعياتها ومترتباتها لديهم ولدى الانكليز، ليلتفتوا لاحقا الى ان الدولة قد اصبحت واقعا وهم ليسوا فيها على ما ينبغي ويُرضي طموحاتهم، فعادوا الى الاعتراض والاحتجاج لتعويض النقص ودفعوا أثمانا باهظة على الطريق.. أليس الأجدى الآن ان يبادر عقلاء العراق من دعاة المقاطعة الى المشاركة؟ حتى لا يأخذهم أهل الحماسة الموروثة من عهد المكابرات والمبالغات والعنتريات والمستوردة من اصقاع عربية يدور في خلدها الآن وبعد الخسائر والانكشافات الايديولوجية الباهظة ان تعيدنا الى شمولية دموية لا تبقي ولا تذر لا وطنا ولا مواطنين ولا أديانا ولا متدينين!!!
      من دون الدخول في الرعاية لايران وللإمام الخميني، لا بد ان نتذكر انه اصر على اجراء الانتخابات وايران كلها تحت نيران صدام حسين، ويكاد كل شيء فيها يتوقف أصر على الانتخابات بين القذائف، لأن تعطيلها هو انهاء للثورة وتحقيق لأهداف الحرب الاميركية الصدامية على ايران والعراق... وكان رده صاعقا على عدد من أعوانه المخلصين عندما دعوه الى تعيين اعضاء مجلس النواب بإرادته ومن دون انتخابات.. إذاً فالانتخاب معادل لوجود الدولة وعدمه عدم لها.
      إن بإمكان الثوريين العرب والمصريين ان يسجلوا ألف اعتراض واحتجاج على كل المجالس النيابية والحكومات التي انتخبها الشعب المصري تحت الاحتلال الانكليزي وان يعددوا مساوئها ويلتمسوا الخيانات لبعض اعضائها او كثير منهم، ولكن الخيانة لم تكن في اصل الانتخابات وتشكيل الدولة، ومع حماستنا للثورة التي لا بد من التدقيق فيها، لا يمكن ان نضع سعد زغلول ومصطفى النحاس في عداد الخونة.. ولو لم تحصل الانتخابات والاخطاء والتواطؤات الخيرة والشريرة، ما كان بإمكان الكيان المصري ان يصمد امام العصف والعسف الانكليزي الذي كان يريد احد امرين؛ فإما اللادولة وإما الدولة اللاغية.. ولكن الدولة انبنت بما ومن حضر، بالنقاء والانقياء وأنصاف الانقياء وفاقدي النقاء.. ولو لم تنبن الدولة لما كان للثورة ان تكون او تبدأ من حيث بدأت. حتى كانت الثورة.. وكنا نتمنى لو ان منسوب الديموقراطية الذي كان متحققا قبل حدوثها، استمر في نموه واتساعه وعمقه بعد حدوثها، إذن لكنا تجنبنا خسارة الثورة والثوار على طريق اليمن وسيناء.. ولا داعي لاستذكار الخيبات.. ولكن هناك داعيا الى التذكير بأن الدولة العراقية قد تأسست واستمرت بالانتخابات وبنسبة اقل من الديموقراطية المتوقعة في العراق... في ظل الاحتلال الانكليزي وفي لحظة هزيمة معروفة وشاملة.
      وأخيرا لا آخرا.. نحن ندعي ومعنا كل اللبنانيين وكل العقلاء من العرب والمسلمين والشرقيين والغربيين ان المقاومة في لبنان، والتي كانت منذ بداياتها اوضح وأفعل وأقل خطأ، لم تكن لتصبح مقاومة تنتج تحريرا، لو لم يدخل مشروع الدولة في عقلها وسلوكها وخطابها، وعندما دخلت مشروع الدولة جعلت الدولة جزءا من مشروع المقاومة، وجعلت كثيرا من القوى التي كانت تعارضها بشدة تعاضدها بقوة، لأنها تحولت فعلا الى مشروع وطني وحدوي، وطبيعي ان يكون من يقاتل اسرائيل وحدويا وطنيا فإذا كان عمله في لحظة لا يصب في طاحونة الوحدة كان عليه ان يعيد النظر في ذاته. وهذا ما حدث.. ولو لم تترسخ الدولة في لبنان وبمساعدة المقاومة لتحول مشروع المقاومة الى مشروع استشهاد مجاني ومن دون ثمرة، لأن الثمرة الحقيقية هي التي يقطفها الوطن كل الوطن.. ولو انتصرت المقاومة وحدها جدلا، لما كان بإمكان الدولة الواحدة في لبنان ان تقوم، لأن منطق القوة سيفرض نفسه ليحول القوة بالفوضى والغلبة الى ضعف دائم.

      تعليق

      المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
      حفظ-تلقائي
      x

      رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

      صورة التسجيل تحديث الصورة

      اقرأ في منتديات يا حسين

      تقليص

      المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
      أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, 02-05-2025, 07:21 AM
      ردود 2
      13 مشاهدات
      0 معجبون
      آخر مشاركة ibrahim aly awaly
      بواسطة ibrahim aly awaly
       
      أنشئ بواسطة ibrahim aly awaly, 02-05-2025, 09:44 PM
      استجابة 1
      12 مشاهدات
      0 معجبون
      آخر مشاركة ibrahim aly awaly
      بواسطة ibrahim aly awaly
       
      يعمل...
      X