[color=#0000FF][size=4][align=center]
ويسألونك
عن
الموت والقبر والبرزخ
والباقيات الصالحات
تأليف
السيد محمد علي الحسيني
إلى كل السائلين عن سبب وجودهم
الموت وما يهونه
القبر وما يسهله
الحساب وما يخففه
البرزخ والباقيات الصالحات
التمسهم الدعاء
محمد علي الحسيني
الاءهداء
المقدمة
السلام علي آل يس
والحمد لله ربّ السموات والارضين، وواجب الوجودالغني عن العالمين، وباعث المصطفي الهادي الامين رحمةللعالمين، صلّي الله عليه وعلي الائمة الطاهرينالمعصومين(ع)، من علي أمير المؤمنين (ع) إلى المنتظرالمهدي الموعود (عج) ليرث الارض وينصرالمستضعفين.واللعنة علي أعدائهم أجمعين أمين يا رب آل يس.
كثير من الناس ـ بل أكثرهم ـ لا ينفك ـ ولو بينهوبين نفسه ـ عن ا لتفكير والسؤال عن سبب وجوده والغايةمنها في الحياة الدنيا، ويخوض في التفكير حتّي ينتقل إلىموته وكيفية انتقاله من الدنيا إلى القبر، وما ينتظره فيه،وكيفية الاستعداد لهذا السفر الرهيب، والعقبات الّتي تنتظرهوكيف السبيل لتسهيل وتخفيف الحساب وتهوين السؤالوالنجاة من العقاب .
إلى التساؤل عن المسكن أو البرزخ والاعمال الّتي لاينقطع الاستفسار والمنفعة منها بعد الموت المسماةبالباقيات الصالحات، كل هذه الاسئلة وجّهت لنا وطلب مناأن نجيب عليها، وتلقي' كمحاضرات صوتية.
فامتثلنا للطلب من باب كراهة رد السائل أو الطالبواستحباب قضاء حوائج المؤمنين، مع تشتت أفكاريومعاناتي من القريب أكثر من البعيد. ولي بأجدادي اُسوةحسنة. فأنا ابن علي (ع) وفاطمة (س) علي كلّ حال .
فبعد التوكّل علي الله عزّ وجلّ شرعنا في الردّ عليهذه الاسئلة، وجاءت علي الشكل التالي:
المبحث الاوّل:
سبب وجودنا.
المبحث الثاني:
الاستعداد للموت.
المبحث الثالث:
ذكر الموت وفوائده
المبحث الرابع:
الموت وما يهونه
المبحث الخامس:
القبر وسؤاله وعذاب وما يسهله
المبحث السادس :
البرزخ
المبحث السابع:
الباقيات الصالحات.
وجمعتها في هذا الكتاب الّذي سميته «ويسألونك عنالموت والقبر والبرزخ والباقيات الصالحات» عسي ان يكونفيه الاءجابة عن تسائلاتكم والفائدة المطلوبة اءن شاء الله،وأسأل الله أن يتقبل منّا هذا ا لعمل بأحسن القبول،والتمس من القاري العزيز الدعاء ليكون موتي شهادة فيسبيل الله مع مولانا قائم آل محمد ـ روحي فداه ـ مقطعاًاءربا اءرباً، منشوراً ذرة ذرة في شهر رمضان في ليلة القدر، ولايعثر علي جسدي احد ليكون ذلك مواساة لجدي الحسين(ع) المذبوح من القفافي أرض كرب وبلاء .
والسلام عليك يا ابا عبد الله (ع)
قم المقدسة
بجوار سيدتنا ومولاتنا
فاطمة بنت موسي (س)
محمد علي الحسيني
www.banihashem.org
لبنان: 009613961846
لبنان: 009613804079
www.banihashem.org
www.alhusseiny.org
للتواصل معنا
على الماسنجر:
J_b_hashem@hotmail.com
J_b_hashem@yahoo.com
المبحث الاوّل
سبب وجودنا
كثيراً منا يسأل ما هو السبب والغاية من وجودنا فيالدنيا؟ أو لماذا خلقنا الله؟، وما هي وظيفتنا؟
اءنّ الله تعالي واجب الوجود خلق الاءنسان وفضله عليغيره من جميع المخلوقات بالعقل الّذي هو منشأ الفضلوالشرف الاءنساني، فقد جاء في نهج البلاغة عن أميرالمؤمنين علي (ع) .
«شرافة الاءنسان بعلقه، لا بنسبه وحسبه».
والعقل أيضاً حجة الله الباطنة، كما جاء في الحديثالشريف، وأوّل ما خلق الله هو العقل، به يثيب ويعاقب.
والله عرّف بالعقل من حيث الاستدلال العلّي والنَّظميوغيرهما، فمعرفة الله بالحقيقة هي جزء علّة لوجودنا، وكماجاء التأكيد بالحديث القدسي:
«كنت كنزاً مخفيّاً، فاردتُ أن أُعرَف، فخلقت الخلقَلكي أعرف».
فلابدّ من معرفة الله، وهو الاصل الاوّل في الدّين،فيجب أن نعرف أنّ الله موجود، بل هو علّة العلل، ونورالانوار، وهو خالق الكون بما فيه، وهو حيُّ لا يموت، وهوواحد احد لا تدركه الابصار، وهو قادر علي ما يريد، وهوالحيّ العادل اللَّطيف، ارسل الانبياء والرُسل والحجج منأجل هدايتنا إلى السعادة في الدَّارين، والطريق القويموالصراط المستقيم، وتحذيرنا من الشّيطان والطّريقالسّقيم، وسوف يقوم الحساب بعد العمل في الدنيا، فالجنّةللمطيعين، وللعاصين النار والعذاب الاليم.
والوظيفة الثانية أو لنقل: جزء العلّة الثانية لوجودنا هيعبادة الله، والّتي تأتي بعد معرفة أُصول الدين، قال تعالي:
(وَ مَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الاءِنْسَ اءِلاَّ لِيَعْبُدُونِ) .
فمن العبادة فروع الدين، كالصَّلاة والصوم، والحجِّوالزّكاة، والجهاد والخمس، والامر بالمعروف والنَّهي عنالمنكر، وباقي الاُمور الّتي يجب علي المكلّف فعلها أوتركها؛ ولكي نكون عابدين حقيقيين لله عزّوجلّ، فلابدّ منمعرفة أحكام الدين والتكاليف الشرعية والوظائف الدينيّةمن حلال وحرام، ومكروه ومستحبّ ومباح، ومع معرفة هذاكلِّه والالتزام به، نكون من المطيعين والعابدين لله، واءلاّ فلا.
اءذا تلخّص من كلامنا المتقدم انّ للاءنسان سبباًلوجوده في الدنيا، وهو معرفة وعبادة الله تعالي من سنبلوغه إلى ساعة وفاته.
المبحث الثاني
الاستعداد للموت
قال تعالي في كتابه العزيز: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُالْمَوْتِ).
فالموت حقيقة لا وهم ولا خيال، وسوف نذوقه حتماً،وكثير من الا´يات والروايات تحدثت عنه، ولكن بعض الناستجدهم عند ذكر الموت يتنفرون وعن سماع حديثهيدبرون. ولصورته عن المخيلة يطردون ـ إلى أن يأتهمالموت بغتاً، فيقولون: ليتنا كنا مستعدين. يوم لا ينفعهمالندم. بل ينادون اخسأوا فيها ولا تكلمون.
(قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِي اَعْمَلُ صَالِحاً فِي مَا
تَرَكْتُ كَلاَّ اءِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَ مِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إلى
يَوْمِ يُبْعَثُونَ).
أما نحن المؤمنون فيجب علينا الاستعداد للموت، كماورد عن أمير المؤمنين (ع) :
«من تذكَّر بُعدَ السفر استعدَّ».
أي من تذكر سفر الموت استعدّ له بالزاد.
ويقول (ع) :
«آه من قلة الزاد، وطول الطريق، وبعد السفر،وعظيم المورد».
يا لها من كلمات تفلسف الحياة إلى الممات، وتدعوالاءنسان إلى التفكير والاستعداد للسفر الاكيد .
فمن هنا علينا الاستعداد والتزوّد لسفر الموت الا´تي لامحالة عبر الخطوات النظرية التالية:
أوّلاً: أن يعرف الاءنسان أنّ حقيقة وجوده في هذهالدنيا هي امتحان واختبار، هي من أجل معرفة الله وعبادتهولامتثال لامره وعدم مخالفته، والعمل ليرتقي إلى الدرجاتالعليا في الجنان. وأمّا اءذا خالف اوامر الله وعمل بما يُسخطهفاءنّ له جهنّم ولبئس المصير، وايضاً فيها كما في الجناندرجات ومراتب، كطوبي للصائمين، فاءنها شجرة في الجنة،كذلك للعاصين والمخالفين في جهنم درجات، وسقر لمن لميكن من المصلّين، فعلي الاءنسان أن يستعدّ من الا´ن لنيلدرجات المؤمنين والفوز مع الصالحين، وان لا يكون معالعاصين ؛ لكي لا يدخل نار الجحيم، اعاذنا الله منها وشيعةعلي أمير المؤمنين (ع) .
ثانياً: علي الاءنسان أن يفهم ويعمل علي في الدنياعلي اساس أنها دار ممر والا´خرة دار مقرّ، فلا يعمر في الدنياالفانية ويهدم الا´خرة الباقية، بل عليه أن يعمل في الدنيا،فاءنّ الدنيا ساعة فاجعلوها طاعة. فيعمل بها عمل اءنسانراحل عنها، فيتخذها ممراً لخير مستقر، فيخرج بروحه قبلبدنه، كما جاء عن أمير المؤمنين علي(ع): «أيها الناس اءنّالدنيا دار فناء والا´خرة دار بقاء، فخذوا من ممركم لمقركم،وأخرجوا من الدنيا قلوبكم من قبل ان تخرج منها أبدانكم،ففي الدنيا مبيتم وللا´خرة خلقتم» .
ثالثاً: قال تعالي: (اعْلَمُوا اَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَ لَهْوٌ وَزِينَةٌ وَ تَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَ تَكَاثُرٌ فِي الاَمْوَالِ وَ الاَوْلاَدِ كَمَثَلِ غَيْثٍاَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَ مَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَ رِضْوَانٌ وَ مَاالْحَيَاةُ الدُّنْيَا اءِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ).
فلا تجعلكم ازواجكم واولادكم ممّن يقع ويعمل فيالحرام، ولا تلهكم أموالكم عن ذكر الله، فاءنّ الاءنسان نادراًما يتمكّن أن يجمع بين الدنيا والا´خرة، بالحلال وطاعة الله،فكما جاء في الحديث عن الاءمام علي (ع):
«مثل الدنيا والا´خرة كالمشرق والمغرب، اءذااقتربت من أحدهما بعدت عن الا´خر».
فاءنّ الاءنسان لا يستطيع أن يُقبل علي الا´خرة وهومتعلق بالدنيا؛ لانّهما لا يجتمعان، كما الكفر والاءيمان، فقدجاء عن النبي عيسي (ع): «مثل الدنيا والا´خرة كمثل رجلله ضرّتان اءن أرضي' أحداهما سخطت الاُخري» .
لذا علينا أن نختار ونعمل ونقترب من الاُخري، لنكونمع النبيّ (ص) وآله(ع) في المكان الّذي اختاره اللهلحبيبه (ص):
(وَ لَلا´خِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الاُولَي).
هذه المراحل الثلاث للاستعداد للموت نظرية، ونشرعالا´ن في المراحل العملية:
بالنسبة للاُمور العملية الّتي يجب العمل بها، وهي الناتجة عن مخالفة الاءنسان تكليفه الشرعي ، فيترك الصلاة والصيام والخمس والحج وباقي العبادات، بل منهم من ارتكب المحرمات من قتل وزنا وسرقة واءفساد وما شابه ذلك، كلّ هذا يستدعي الخطوات التالية:
أوّلاً: التوبة بشروطها وعدم العودة.
والتوبة أول ما يجب فعله، وهي طلب المغفرة من اللهتعالي علي ما اقترفه من الذنب والاءثم، أو قصّر فيه من عمل. ونحن مأمورون بالاستغفار؛ لانه واجب في التوبة منالذنب، كما قال تعالي:
(وَ لَوْ اَنَّهُمْ اءِذْ ظَلَمُوا اَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَوَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّابًا رَحِيماً).
وقال: ( وَ مَنْ يَعْمَلْ سُوءً اَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَيَجِدِ اللهَ غَفُوراً رَحِيماً).
وقال: ( وَ اسْتَغْفِرِ اللهَ اءِنَّ اللهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً).
وقال: (فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا اءِلَيْهِ اءِنَّ رَبِّي قَرِيبٌمُجِيبٌ).
وللاستعارة تأثير مهم في الدنيا والا´خرة، كما قالتعالي:
( وَ مَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ اَنْتَ فِيهِمْ وَ مَا كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْوَ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ).
وقال: ( وَ اَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا اءِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْمَتَاعاً حَسَناً إلى اَجَلٍ مُسَمًّي وَ يُوْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَاءِنْتَوَلَّوْا فَاءِنِّي اَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ).
وقال: ( وَ يَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا اءِلَيْهِ يُرْسِلِالسَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَ يَزِدْكُمْ قُوَّةً إلى قُوَّتِكُمْ وَ لاَ تَتَوَلَّوْامُجْرِمِينَ).
فيا أيها الاءنسان اءنّ الله اكرم الاكرمين، فتح لك بابالتوبة والندم والرجوع عن ما ارتكبته وخالفته، ومع هذا انظرإلى العناية الاءلهيّة والعفو الكريم الرحيم في قوله تعالي :
(كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَي نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ اَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ
سُوءً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَ اَصْلَحَ فَاَنَّهُ غَفُورٌ
رَحِيمٌ ).
وقال: ( قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ اَسْرَفُوا عَلَي اَنْفُسِهِمْ لاَتَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ اءِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا اءِنَّهُ هُوَالْغَفُورُ الرَّحِيمُ).
ومع هذا يقول لك: اءنّي اُحبّك: (اءِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَوَ يُحِبُّ الْمُتَطَِهّرِينَ).
فتب إلى ربّك وارجع كما ولدتك أُمُّك.
قال الاءمام الرضا (ع) عن رسول الله (ص) قال:
«التأئب من الذنب كمن لا ذنب له».
وقال الاءمام الصادق (ع):
«اءذا تاب العبدُ توبة نصوحاً، أحبّه الله تعالي،فستر عليه في الدنيا والا´خرة، قال الرّاوي: وكيف يستر الله عليه؟ قال: يُنسي ملكيه ما كتبا عليهمن الذنوب، ثمّ يوحي الله إلى جوارحه اكتميعليه ذنوبه، ويوحي إلى بقاع الارض اكتمي عليهما كان يعمل عليك من الذنوب، فيلقي' الله تعاليحين يلقاه، وليس شيء يشهد عليه بشيء منالذنوب».
كذلك قال الاءمام الصادق (ع):
«قال رسول الله (ص): من تاب قبل موته بسنة
قبل الله توبته، ثم قال: اءنّ السنة لكثير، من تابقبل موته بشهر قبل الله توبته. ثم قال: اءنّ الشهرلكثير، من تاب قبل موته بجمعة قبل الله توبته. ثمقال: اءنّ الجمعة لكثير، من تاب قبل موته بيوم قبلالله توبته. ثم قال: اءنّ يوماً لكثير، من تاب قبل أنيعاين قبل الله توبته».
أقول من يضمن لنفسه الحياة ولو للحظة؟ حتّييضمن التوبة؟ لذا ينبغي الاءسراع إلى التوبة وعدم التسويفوالتأخير والتهاون.
فلا تقل: غداً أتوب، لعلّ غداً يأتي وأنت تحت التراب .
بقيت شروط التوبة الّتي يجب علي' من تاب مراعاتها، وهي كما وردت عن مولانا أمير المؤمنين علي (ع) :
1. الندم علي ما مضي.
2. العزم علي ترك العود إلى الذنب ابداً.
3. أن تؤدّي إلى المخلوقين حقوقهم حتّي تلقي الله أملس، ليس عليك تبعة.
4. أن تعمد علي كلّ فريضة عليك ضيّعتها تؤدّي حقّها.
5. أن تعمد إلى اللحم الّذي نبت علي السحت فتذيبه بالاحزان حتّي يلصق الجلد بالعظم وينشأ لحم جديد.
6. أن تذيق الجسم ألم الطاعة كما أذقته حلاوة المعصية، فعند ذلك تقول:
«استغفر الله» .
فمن خلال الا´يات والروايات المتقدّمة يعرف من يريد الاستعداد للموت أنّ للتوبة أهمّيّة كبيرة، وهي الخطوة الاساسية للاستعداد السليم والمنجي والمسهل للموت .
أعاننا الله عليه ووفّقنا للتوبة، وعصمنا من الذنوب إلى آخر عمرنا.
ثانياً: اءعطاء المخلوقين حقوقهم، أي ما يسمي بردّالمظالم بأنواعها، كالاموال الّتي جمعت بالباطل والخيانةوالتلبيس، وكذلك ردّ الديون فاءنها فيها رواية مخصوصةحتّي الشهيد فاءنّ الله يغفر له اءلاّ الدين، كماجاء عن أبيجعفر الباقر (ع) قال:
«كلّ ذنب يكفّره القتل في سبيل الله اءلاّ الدين، فاءنّهلا كفّارة له اءلاّ أداؤه أيقصي صاحبه، أو يغفر الّذيله الحق».
علي أي حال فالاءنسان لم يخلق معصوماً، لكنه مخيّروله عقل وشهوة واءرادة، فنري أكثر الناس قبل التزامهمالديني وحتّي بعده قد يظلمون الا´خرين، كرجل يظلم زوجتهمثلاً، والابن يعقّ والديه، والاخ قد يأخذ حصة أخيه، والجاريغصب حقّ جاره إلى ما هناك من أنواع الابتلاءات والمظالمالّتي يرتكبها الاءنسان، وهو يظن أنه زكي أو لا يراه احدوعنده من القوة الّتي تعصمه عن الحساب في الدنيا، ولديهمن الفتوة الّتي يخوّف بها الا´خرين، أو المال يتسلط به عليالفقراء، وقد يحتال علي المساكين يقرض باختلاس وماشابهه، كلّ هذه المظالم يعملها الاءنسان في الدنيا ؛ لانها دارعمل لا دار حساب، ولكنه سوف يراها عند الموت، وحقوقالا´خرين سوف تكون عائقاً له امام المحاسبين، ولو كانمثقال ذرة، فكل هذا يا مسكين عليك أن تعي أنّ الله لاينسي ظلمك للا´خرين.
فمن هنا عليك بعد التوبة ردّ المظالم واءعطاء كلّالناس حقوقهم، وتحاسب نفسك قبل أن يحاسبك ملائكةربّ العالمين.
فيا أخي ما أهون المحاسبة في الدنيا، وما أسهلها وماأصعب المحاسبة في القبر وما أعظمها، فعجّل بذلك لتنتهيمن الخطوة الثانية واستغفر للا´خرين.
ثالثاً: حقوق الله عليك، كقضاء الصلاة الواجبة اليوميةوالا´يات، وقضاء الصوم وحج بيت الله الحرام مع الاستطاعةبالاءضافة إلى الخمس وغيره من الواجبات الّتي اوجبها اللهعليك بالشرع.
فكما أنّ الدَّين يجب قضاؤه كذلك الصلاة الواجبةعليك، اءنّما الدين حقّ الناس والصلاة حقّ الله، وكلاهمايجب عليك قضاؤهما؛ لكي تستعد لسفر الا´خرة، وتكونبأمن وأمان من السؤال والعذاب.
الوصية:
وهي من المستحبات الاكيدة، وقد ورد أنّها حقّ عليكلّ مسلم، وأنّه لا ينبغي أن يبيت اءلاّ ووصيته عند رأسه.
وعلي الاءنسان أن يوصي بماله عند الناس، وما عليهمن دين وصلاة وصوم وغيره وتركة وباقي الاُمور المذكورةفي الوصية.
النفس المطمئنّة:
بعد أن تاب الاءنسان إلى ربه وردّ حقوق العباد وادّي'عليه ممّا أوجبه الرحمان وادّي' الفرض والواجب فله كما جاءعن الاءمام علي(ع) :
«طوبي ـ أي شجرة في الجنة ـ لنفس ادّت إلىربّها فرضها وواجبها» .
وبهذا تصبح نفسه مطمئنّة، وتكون مصداقاً لهذه الا´يةالكريمة:
(يَا اَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إلى رَبِّكِ رَاضِيَةًمَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي).
سوء وحسن العاقبة:
لسوء عاقبة الاءنسان أسباب أذكر منها:
أ. كما نعلم أنّ الحج واجب علي كلّ مسلم مكلّف مستطيع، كما قال تعالي :
(وَ للهِ عَلَي النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ اءِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَاءِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ).
ولكن نري بعض الناس لتسلّط حبّ الدنيا علي قلوبهم والحرص علي مالهم يتذرّعون ويعتذرون من عدم ذهابهم للحج بأعذار شيطانية، وهم يمتلكون ذخيرة مالية تحقق بشأنهم الاستطاعة الشرعية.
فعدم ذهابهم للحج بسبب سوء عاقبتهم كما ورد عن الاءمام الصادق (ع):
«من مات ولم يحج حجّة الاءسلام، لم يمنعه من ذلك حاجة تجحف به، أو مرض لا يطيق فيه الحج،أو سلطان يمنعه، فليمت يهودياً أو نصرانياً».
والاءنسان يبعث علي ما مات عليه، أي بعدما حجه فاءنه يموت يهوديّاً أو نصرانيا خارجاً عن الاءسلام المحمدي، يا لها من سوء عاقبة.
ب. عدم أداء الحقوق الشرعية من أسباب سوء العاقبة:
الحقوق الشرعية من خمس وزكاة من فروع الدين، قد اوجبها الله سبحانه وتعالي علينا، كالصلاة والصيام.
ولكن من الناس يتحجج بحجج لكي لا يدفع شيئاًمع وجوبه عليه والله يقول :
(اَفَتُوْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَ تَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ
مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ اءِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَ يَوْمَ الْقِيَامَةِيُرَدُّونَ إلى اَشَدِّ الْعَذَابِ وَ مَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ).
وقد جاء حول الاءنفاق ودفع الزكاة:
( اَلَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَوةَ وَ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ).
(الَّذِينَ يُوْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَ يُقِيمُونَ الصَّلَوةَ وَ مِمَّارَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ).
(وَ قَالَ اللهُ اءِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ اَقَمْتُمُ الصَّلَوةَ وَ آتَيْتُمُ الزَّكَاةَوَ آمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَ عَزَّرْتُمُوهُمْ وَ اَقْرَضْتُمُ اللهَ قَرْضًا حَسَناًلاُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَ لاُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَاالاَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ ).
وعن رسول الله (ص):
«اءنّ الله تبارك وتعالي قد فرض عليكم الزكاة كمافرض عليكم الصلاة».
فلا يبخل أحد ولا يخاف علي ماله اءذا دفع منه حقَّالله.
(الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَ يَاْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَ اللهُيَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَ فَضْلاً وَ اللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ).
وأما سوء العاقبة لمن منع الزكاة فهو ما روي' أبو بصيرعن الاءمام الصادق (ع) :
«من منع قيراطاً من الزكاة فليمت اءن شاء يهوديّاًأو نصرانيّاً» .
أي لا يموت علي الاءسلام، وهو ارتداد عن الحقّ،والموت علي الباطل.
اءذاً فاعلموا أنّ الرزق من عند الله فأنفقوا منه حقه منقبل أن يأتي اءليكم الموت، كما قال :
(يَا اَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُلْهِكُمْ اَمْوَالُكُمْ وَلاَ اَوْلاَدُكُمْ
عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَاُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ *
وَاَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ اَنْ يَاْتِيَ اَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَرَبِّ لَوْلاَ اَخَّرْتَني إلى اَجَلٍ قَرِيبٍ فَاَصَّدَّقَ وَ اَكُنْ مِنَالصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللهُ نَفْساً اءِذَا جَاءَ اَجَلُهَا وَاللهُ خَبِيرٌ بِمَاتَعْمَلُونَ).
ج. صحبة الاشرار تسبب سوء العاقبة:
فالمثل يقول: قل لي من تعاشر أقل لك من أنت».
فالاءنسان يتأثر بخليله وقرينه، فاءذا كان من أهل الشرّوالفساد والفسق والفجور، فتكون عاقبتك كما جاء في كتابالله :
(لَقَدْ اَضَلَّني عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ اءِذْ جَاءَني وَ كَانَ الشَّيْطَانُلِلاءِنْسَانِ خَذُولاً ) .
لحسن العاقبة أيضاً أسباب أذكر منها:
أ. المحافظة علي أوقات الصّلاة فقد قال رسولالله (ص) :
«اءنّما يصنّفهم في ـ ملك الموت ـ مواقيت الصلاة،
فاءن كان ممّن يواظب عليها عند مواقيتها، لقّنه شهادة أن
لا اءله اءلاّ الله، وأنّ محمّداً رسول الله، ونحّي عنه
اءبليس» .
ب. المداومة علي تسبيح الزهراء (ع) :
عن الاءمام الصادق (ع): قال: «يا أبا هارون، اءنّا نأمرصبياننا بتسبيح الزهراء (ع) كما نأمرهم بالصلاة، فالزمه، فاءنّهلم يلزمه عبد فشقي».
فمفهومه انّ المداومة علي تسبيح الزهراء (س)
يؤمن العبد من الشقاء، ويدخله في السعداء ذوي العواقبالحسنة.
ج. التختم بالعقيق:
فعن أبي عبد الله الصادق (ع): قال رسول الله (ص):
«تختموا بالعقيق فاءنّه مبارك، ومن تختمبالعقيق يوشك ان يُقضي له بالحسني'».
وعن الاءمام زين العابدين (ع) :
«من صاغ خاتماً من عقيق، فنقش فيه محمد نبيّالله، وعلي وليّ الله، وقاه الله ميتة السوء، ولم يمتاءلاّ علي الفطرة».
المداومة علي دعاء الحزين الوارد في مفاتيح الجنانوالتسبيحات الاربعة كثيراً بعد كلّ صلاة، وصلاة يوم الاحدمن ذي القعدة كلها من شأنها أن تسبب حسن العاقبة.
أختم بقول لامير المؤمنين (ع) عندما سئل: ماالاستعداد للموت؟
قال (ع):
«أداء الفرائض، واحتناب المحارم، والاشتغالعلي المكارم، ثمّ لا يبالي أوقع علي الموت أم وقعالموت عليه، ثم قال (ع): والله ما يبالي ابن أبيطالب أوقع علي الموت أم وقع الموت عليه».
فلمثل هذا فليعمل العاملون ويتنافس المتنافسون.
المبحث الثالث
ذكر الموت وفوائده
كما عرفت أنّ الموت هو أمر وجودي حقيقي، وهومصير كلّ نفس، ونهاية هذه الحياة الدنيوية، وكما قالالشاعر:
الموت باب وكل الناس تدخلهوالموت كأس وكلّ الناس تشربه
يقول أمير المؤمنين (ع) :
«ما رأيت يقيناً أقرب إلى الشكّ من الموت».
فكلّ الناس يعترفون ويقولون: اءننا سنموت، ولكنّأغلبهم لا يتعضون ولا يستعدون، بل أكثر الناس عندماتفتح لهم سيرة الموت يسدون ويقفلون الموضوع فوراً،والبعض كأنه يشمّ رائحة نتنة، وهذا صحيح لانه يشمّرائحته الحقيقية .
علي العموم فقد وردت نصوص كثيرة حول الحثّعلي ذكر الموت انقل لكم منها:
روي انّ النبي (ص) سُئل، أي المؤمنين أكيس؟ فقال:
«أكثرهم ذكراً للموت، وأشدّهم أستعداداً له».
وروي أيضاً أنّه قال (ص):
«اذكروا هادم اللّذات، قيل: وما هو يا رسول الله؟فقال: الموت...».
وخرج (ص) إلى المسجد فاءذا قومه يتحدّثونويضحكون، فقال:
«اذكروا الموت، أما والّذي نفسي بيده لو تعلمونما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً» .
وروي عن الاءمام عليّ (ع) أنه قال:
«أكثروا ذكر الموت، عندما تنازعكم اءليه انفسكممن الشهوات، وكفي بالموت واعظاً...».
وفي وصية لقمان الحكيم لابنه: «... يا بني اثنان لاتسنهما، الله والموت».
وقال (ص):
«شوبوا ـ أي ادفعوا ـ مجالسكم بذكر مكّدراللذات، قالوا: وما مكدّر اللذات؟ قال (ص):الموت».
وقد ذُكر عند النبيّ (ص) رجل فأحسنوا الثناء عليه،فقال (ص):
«كيف كان ذكرُ صاحبكم للموت، قالوا: ما كنّا نكادنسمعه يذكر الموت، قال (ص): فاءنّ صاحبكمليس هنالك».
فكل هذه الروايات تدلُّ علي الحثّ والاهتمام بذكرالموت.
وكذا يروي' انّ بعض علمائنا حفر قبراً في داره، وكانينام في اللّحد من حين لا´خر كي يستديم ذكر الموت.
ومن المستحبات الاكيدة وضع الكفن في البيتوالنظر اءليه .
فعن الاءمام الصادق (ع):
«من كان كفنه معه في بيته لم يكتب من الغافلين،وكان مأجوراً كلّما نظر اءليه».
فمحصّل الكلام انّ الاءسلام اهتم كثيراً بذكر الموت،وحثّ علي الاستعداد والتهيؤ وشراء الكفن والنظر اءليه. فهذامن شأنه أن يعمّق الاءيمان بالغيب المؤدّي إلى التزوّدوالاستعداد للموت، وعدم الانحراف عن الطريق القويم،والانتباه للمستقبل القريب، فمن دعاء الاءمام زينالعابدين (ع) :
«لو لم يكن اءلاّ الموت لكفي، كيف وما بعد الموت أعظم وأدهي'».
عن عباية بن ربعي قال: «اءنّ شاباً من الانصار كانيأتي عبد الله بن عباس، وكان عبد الله يكرمه ويدنيه، فقيلله: اءنك تكرم هذا الشاب وتدنيه وهو شاب سوء؛ يأتي القبورفينبشها بالليالي.
قال عبد الله بن عباس : اءذا كان ذلك فأعلموني، قال:فخرج الشاب في بعض الليالي يتخلل القبور فأُعلم عبد اللهبذلك، فخرج لينظر ما يكون من أمره، ووقف ناحية ينظراءليه من حيث لا يراه الشاب، قال: فدخل قبراً قد حفر، ثماضطجع في اللحد ونادي بأعلي صوته: يا ويحي اءذا دخلتلحدي وحدي، ونطقت الارض من تحتي فقالت: لا مرحباًبك ولا أهلاً، قد كنتُ أبغضك وأنت علي ظهري، فكيف وقد صرت في بطني، بل ويلي اءذا نظرت إلى الانبياء وقوفاً
والملائكة صفوفاً، فمن عدلك غداً من يخلّصني، ومنالمظلومين من يستنقذني، ومن عذاب النار من يجيرني،عصيتُ مَن ليس بأهلٍ أن يعصي'؛ عاهدت ربّي مرة بعدأُخري فلم يجد عندي صدقاً ولا وفاءً.
وجعل يردد هذا الكلام ويبكي. فلمّا خرج من القبرالتزمه ابن عباس وعانقه ثم قال له: نعم النباش نعم النباش.ما أنبشك للذنوب والخطايا! ثم تفرقا .
ويسألونك
عن
الموت والقبر والبرزخ
والباقيات الصالحات
تأليف
السيد محمد علي الحسيني
إلى كل السائلين عن سبب وجودهم
الموت وما يهونه
القبر وما يسهله
الحساب وما يخففه
البرزخ والباقيات الصالحات
التمسهم الدعاء
محمد علي الحسيني
الاءهداء
المقدمة
السلام علي آل يس
والحمد لله ربّ السموات والارضين، وواجب الوجودالغني عن العالمين، وباعث المصطفي الهادي الامين رحمةللعالمين، صلّي الله عليه وعلي الائمة الطاهرينالمعصومين(ع)، من علي أمير المؤمنين (ع) إلى المنتظرالمهدي الموعود (عج) ليرث الارض وينصرالمستضعفين.واللعنة علي أعدائهم أجمعين أمين يا رب آل يس.
كثير من الناس ـ بل أكثرهم ـ لا ينفك ـ ولو بينهوبين نفسه ـ عن ا لتفكير والسؤال عن سبب وجوده والغايةمنها في الحياة الدنيا، ويخوض في التفكير حتّي ينتقل إلىموته وكيفية انتقاله من الدنيا إلى القبر، وما ينتظره فيه،وكيفية الاستعداد لهذا السفر الرهيب، والعقبات الّتي تنتظرهوكيف السبيل لتسهيل وتخفيف الحساب وتهوين السؤالوالنجاة من العقاب .
إلى التساؤل عن المسكن أو البرزخ والاعمال الّتي لاينقطع الاستفسار والمنفعة منها بعد الموت المسماةبالباقيات الصالحات، كل هذه الاسئلة وجّهت لنا وطلب مناأن نجيب عليها، وتلقي' كمحاضرات صوتية.
فامتثلنا للطلب من باب كراهة رد السائل أو الطالبواستحباب قضاء حوائج المؤمنين، مع تشتت أفكاريومعاناتي من القريب أكثر من البعيد. ولي بأجدادي اُسوةحسنة. فأنا ابن علي (ع) وفاطمة (س) علي كلّ حال .
فبعد التوكّل علي الله عزّ وجلّ شرعنا في الردّ عليهذه الاسئلة، وجاءت علي الشكل التالي:
المبحث الاوّل:
سبب وجودنا.
المبحث الثاني:
الاستعداد للموت.
المبحث الثالث:
ذكر الموت وفوائده
المبحث الرابع:
الموت وما يهونه
المبحث الخامس:
القبر وسؤاله وعذاب وما يسهله
المبحث السادس :
البرزخ
المبحث السابع:
الباقيات الصالحات.
وجمعتها في هذا الكتاب الّذي سميته «ويسألونك عنالموت والقبر والبرزخ والباقيات الصالحات» عسي ان يكونفيه الاءجابة عن تسائلاتكم والفائدة المطلوبة اءن شاء الله،وأسأل الله أن يتقبل منّا هذا ا لعمل بأحسن القبول،والتمس من القاري العزيز الدعاء ليكون موتي شهادة فيسبيل الله مع مولانا قائم آل محمد ـ روحي فداه ـ مقطعاًاءربا اءرباً، منشوراً ذرة ذرة في شهر رمضان في ليلة القدر، ولايعثر علي جسدي احد ليكون ذلك مواساة لجدي الحسين(ع) المذبوح من القفافي أرض كرب وبلاء .
والسلام عليك يا ابا عبد الله (ع)
قم المقدسة
بجوار سيدتنا ومولاتنا
فاطمة بنت موسي (س)
محمد علي الحسيني
www.banihashem.org
لبنان: 009613961846
لبنان: 009613804079
www.banihashem.org
www.alhusseiny.org
للتواصل معنا
على الماسنجر:
J_b_hashem@hotmail.com
J_b_hashem@yahoo.com
المبحث الاوّل
سبب وجودنا
كثيراً منا يسأل ما هو السبب والغاية من وجودنا فيالدنيا؟ أو لماذا خلقنا الله؟، وما هي وظيفتنا؟
اءنّ الله تعالي واجب الوجود خلق الاءنسان وفضله عليغيره من جميع المخلوقات بالعقل الّذي هو منشأ الفضلوالشرف الاءنساني، فقد جاء في نهج البلاغة عن أميرالمؤمنين علي (ع) .
«شرافة الاءنسان بعلقه، لا بنسبه وحسبه».
والعقل أيضاً حجة الله الباطنة، كما جاء في الحديثالشريف، وأوّل ما خلق الله هو العقل، به يثيب ويعاقب.
والله عرّف بالعقل من حيث الاستدلال العلّي والنَّظميوغيرهما، فمعرفة الله بالحقيقة هي جزء علّة لوجودنا، وكماجاء التأكيد بالحديث القدسي:
«كنت كنزاً مخفيّاً، فاردتُ أن أُعرَف، فخلقت الخلقَلكي أعرف».
فلابدّ من معرفة الله، وهو الاصل الاوّل في الدّين،فيجب أن نعرف أنّ الله موجود، بل هو علّة العلل، ونورالانوار، وهو خالق الكون بما فيه، وهو حيُّ لا يموت، وهوواحد احد لا تدركه الابصار، وهو قادر علي ما يريد، وهوالحيّ العادل اللَّطيف، ارسل الانبياء والرُسل والحجج منأجل هدايتنا إلى السعادة في الدَّارين، والطريق القويموالصراط المستقيم، وتحذيرنا من الشّيطان والطّريقالسّقيم، وسوف يقوم الحساب بعد العمل في الدنيا، فالجنّةللمطيعين، وللعاصين النار والعذاب الاليم.
والوظيفة الثانية أو لنقل: جزء العلّة الثانية لوجودنا هيعبادة الله، والّتي تأتي بعد معرفة أُصول الدين، قال تعالي:
(وَ مَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الاءِنْسَ اءِلاَّ لِيَعْبُدُونِ) .
فمن العبادة فروع الدين، كالصَّلاة والصوم، والحجِّوالزّكاة، والجهاد والخمس، والامر بالمعروف والنَّهي عنالمنكر، وباقي الاُمور الّتي يجب علي المكلّف فعلها أوتركها؛ ولكي نكون عابدين حقيقيين لله عزّوجلّ، فلابدّ منمعرفة أحكام الدين والتكاليف الشرعية والوظائف الدينيّةمن حلال وحرام، ومكروه ومستحبّ ومباح، ومع معرفة هذاكلِّه والالتزام به، نكون من المطيعين والعابدين لله، واءلاّ فلا.
اءذا تلخّص من كلامنا المتقدم انّ للاءنسان سبباًلوجوده في الدنيا، وهو معرفة وعبادة الله تعالي من سنبلوغه إلى ساعة وفاته.
المبحث الثاني
الاستعداد للموت
قال تعالي في كتابه العزيز: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُالْمَوْتِ).
فالموت حقيقة لا وهم ولا خيال، وسوف نذوقه حتماً،وكثير من الا´يات والروايات تحدثت عنه، ولكن بعض الناستجدهم عند ذكر الموت يتنفرون وعن سماع حديثهيدبرون. ولصورته عن المخيلة يطردون ـ إلى أن يأتهمالموت بغتاً، فيقولون: ليتنا كنا مستعدين. يوم لا ينفعهمالندم. بل ينادون اخسأوا فيها ولا تكلمون.
(قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِي اَعْمَلُ صَالِحاً فِي مَا
تَرَكْتُ كَلاَّ اءِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَ مِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إلى
يَوْمِ يُبْعَثُونَ).
أما نحن المؤمنون فيجب علينا الاستعداد للموت، كماورد عن أمير المؤمنين (ع) :
«من تذكَّر بُعدَ السفر استعدَّ».
أي من تذكر سفر الموت استعدّ له بالزاد.
ويقول (ع) :
«آه من قلة الزاد، وطول الطريق، وبعد السفر،وعظيم المورد».
يا لها من كلمات تفلسف الحياة إلى الممات، وتدعوالاءنسان إلى التفكير والاستعداد للسفر الاكيد .
فمن هنا علينا الاستعداد والتزوّد لسفر الموت الا´تي لامحالة عبر الخطوات النظرية التالية:
أوّلاً: أن يعرف الاءنسان أنّ حقيقة وجوده في هذهالدنيا هي امتحان واختبار، هي من أجل معرفة الله وعبادتهولامتثال لامره وعدم مخالفته، والعمل ليرتقي إلى الدرجاتالعليا في الجنان. وأمّا اءذا خالف اوامر الله وعمل بما يُسخطهفاءنّ له جهنّم ولبئس المصير، وايضاً فيها كما في الجناندرجات ومراتب، كطوبي للصائمين، فاءنها شجرة في الجنة،كذلك للعاصين والمخالفين في جهنم درجات، وسقر لمن لميكن من المصلّين، فعلي الاءنسان أن يستعدّ من الا´ن لنيلدرجات المؤمنين والفوز مع الصالحين، وان لا يكون معالعاصين ؛ لكي لا يدخل نار الجحيم، اعاذنا الله منها وشيعةعلي أمير المؤمنين (ع) .
ثانياً: علي الاءنسان أن يفهم ويعمل علي في الدنياعلي اساس أنها دار ممر والا´خرة دار مقرّ، فلا يعمر في الدنياالفانية ويهدم الا´خرة الباقية، بل عليه أن يعمل في الدنيا،فاءنّ الدنيا ساعة فاجعلوها طاعة. فيعمل بها عمل اءنسانراحل عنها، فيتخذها ممراً لخير مستقر، فيخرج بروحه قبلبدنه، كما جاء عن أمير المؤمنين علي(ع): «أيها الناس اءنّالدنيا دار فناء والا´خرة دار بقاء، فخذوا من ممركم لمقركم،وأخرجوا من الدنيا قلوبكم من قبل ان تخرج منها أبدانكم،ففي الدنيا مبيتم وللا´خرة خلقتم» .
ثالثاً: قال تعالي: (اعْلَمُوا اَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَ لَهْوٌ وَزِينَةٌ وَ تَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَ تَكَاثُرٌ فِي الاَمْوَالِ وَ الاَوْلاَدِ كَمَثَلِ غَيْثٍاَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَ مَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَ رِضْوَانٌ وَ مَاالْحَيَاةُ الدُّنْيَا اءِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ).
فلا تجعلكم ازواجكم واولادكم ممّن يقع ويعمل فيالحرام، ولا تلهكم أموالكم عن ذكر الله، فاءنّ الاءنسان نادراًما يتمكّن أن يجمع بين الدنيا والا´خرة، بالحلال وطاعة الله،فكما جاء في الحديث عن الاءمام علي (ع):
«مثل الدنيا والا´خرة كالمشرق والمغرب، اءذااقتربت من أحدهما بعدت عن الا´خر».
فاءنّ الاءنسان لا يستطيع أن يُقبل علي الا´خرة وهومتعلق بالدنيا؛ لانّهما لا يجتمعان، كما الكفر والاءيمان، فقدجاء عن النبي عيسي (ع): «مثل الدنيا والا´خرة كمثل رجلله ضرّتان اءن أرضي' أحداهما سخطت الاُخري» .
لذا علينا أن نختار ونعمل ونقترب من الاُخري، لنكونمع النبيّ (ص) وآله(ع) في المكان الّذي اختاره اللهلحبيبه (ص):
(وَ لَلا´خِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الاُولَي).
هذه المراحل الثلاث للاستعداد للموت نظرية، ونشرعالا´ن في المراحل العملية:
بالنسبة للاُمور العملية الّتي يجب العمل بها، وهي الناتجة عن مخالفة الاءنسان تكليفه الشرعي ، فيترك الصلاة والصيام والخمس والحج وباقي العبادات، بل منهم من ارتكب المحرمات من قتل وزنا وسرقة واءفساد وما شابه ذلك، كلّ هذا يستدعي الخطوات التالية:
أوّلاً: التوبة بشروطها وعدم العودة.
والتوبة أول ما يجب فعله، وهي طلب المغفرة من اللهتعالي علي ما اقترفه من الذنب والاءثم، أو قصّر فيه من عمل. ونحن مأمورون بالاستغفار؛ لانه واجب في التوبة منالذنب، كما قال تعالي:
(وَ لَوْ اَنَّهُمْ اءِذْ ظَلَمُوا اَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَوَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّابًا رَحِيماً).
وقال: ( وَ مَنْ يَعْمَلْ سُوءً اَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَيَجِدِ اللهَ غَفُوراً رَحِيماً).
وقال: ( وَ اسْتَغْفِرِ اللهَ اءِنَّ اللهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً).
وقال: (فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا اءِلَيْهِ اءِنَّ رَبِّي قَرِيبٌمُجِيبٌ).
وللاستعارة تأثير مهم في الدنيا والا´خرة، كما قالتعالي:
( وَ مَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ اَنْتَ فِيهِمْ وَ مَا كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْوَ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ).
وقال: ( وَ اَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا اءِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْمَتَاعاً حَسَناً إلى اَجَلٍ مُسَمًّي وَ يُوْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَاءِنْتَوَلَّوْا فَاءِنِّي اَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ).
وقال: ( وَ يَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا اءِلَيْهِ يُرْسِلِالسَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَ يَزِدْكُمْ قُوَّةً إلى قُوَّتِكُمْ وَ لاَ تَتَوَلَّوْامُجْرِمِينَ).
فيا أيها الاءنسان اءنّ الله اكرم الاكرمين، فتح لك بابالتوبة والندم والرجوع عن ما ارتكبته وخالفته، ومع هذا انظرإلى العناية الاءلهيّة والعفو الكريم الرحيم في قوله تعالي :
(كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَي نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ اَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ
سُوءً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَ اَصْلَحَ فَاَنَّهُ غَفُورٌ
رَحِيمٌ ).
وقال: ( قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ اَسْرَفُوا عَلَي اَنْفُسِهِمْ لاَتَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ اءِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا اءِنَّهُ هُوَالْغَفُورُ الرَّحِيمُ).
ومع هذا يقول لك: اءنّي اُحبّك: (اءِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَوَ يُحِبُّ الْمُتَطَِهّرِينَ).
فتب إلى ربّك وارجع كما ولدتك أُمُّك.
قال الاءمام الرضا (ع) عن رسول الله (ص) قال:
«التأئب من الذنب كمن لا ذنب له».
وقال الاءمام الصادق (ع):
«اءذا تاب العبدُ توبة نصوحاً، أحبّه الله تعالي،فستر عليه في الدنيا والا´خرة، قال الرّاوي: وكيف يستر الله عليه؟ قال: يُنسي ملكيه ما كتبا عليهمن الذنوب، ثمّ يوحي الله إلى جوارحه اكتميعليه ذنوبه، ويوحي إلى بقاع الارض اكتمي عليهما كان يعمل عليك من الذنوب، فيلقي' الله تعاليحين يلقاه، وليس شيء يشهد عليه بشيء منالذنوب».
كذلك قال الاءمام الصادق (ع):
«قال رسول الله (ص): من تاب قبل موته بسنة
قبل الله توبته، ثم قال: اءنّ السنة لكثير، من تابقبل موته بشهر قبل الله توبته. ثم قال: اءنّ الشهرلكثير، من تاب قبل موته بجمعة قبل الله توبته. ثمقال: اءنّ الجمعة لكثير، من تاب قبل موته بيوم قبلالله توبته. ثم قال: اءنّ يوماً لكثير، من تاب قبل أنيعاين قبل الله توبته».
أقول من يضمن لنفسه الحياة ولو للحظة؟ حتّييضمن التوبة؟ لذا ينبغي الاءسراع إلى التوبة وعدم التسويفوالتأخير والتهاون.
فلا تقل: غداً أتوب، لعلّ غداً يأتي وأنت تحت التراب .
بقيت شروط التوبة الّتي يجب علي' من تاب مراعاتها، وهي كما وردت عن مولانا أمير المؤمنين علي (ع) :
1. الندم علي ما مضي.
2. العزم علي ترك العود إلى الذنب ابداً.
3. أن تؤدّي إلى المخلوقين حقوقهم حتّي تلقي الله أملس، ليس عليك تبعة.
4. أن تعمد علي كلّ فريضة عليك ضيّعتها تؤدّي حقّها.
5. أن تعمد إلى اللحم الّذي نبت علي السحت فتذيبه بالاحزان حتّي يلصق الجلد بالعظم وينشأ لحم جديد.
6. أن تذيق الجسم ألم الطاعة كما أذقته حلاوة المعصية، فعند ذلك تقول:
«استغفر الله» .
فمن خلال الا´يات والروايات المتقدّمة يعرف من يريد الاستعداد للموت أنّ للتوبة أهمّيّة كبيرة، وهي الخطوة الاساسية للاستعداد السليم والمنجي والمسهل للموت .
أعاننا الله عليه ووفّقنا للتوبة، وعصمنا من الذنوب إلى آخر عمرنا.
ثانياً: اءعطاء المخلوقين حقوقهم، أي ما يسمي بردّالمظالم بأنواعها، كالاموال الّتي جمعت بالباطل والخيانةوالتلبيس، وكذلك ردّ الديون فاءنها فيها رواية مخصوصةحتّي الشهيد فاءنّ الله يغفر له اءلاّ الدين، كماجاء عن أبيجعفر الباقر (ع) قال:
«كلّ ذنب يكفّره القتل في سبيل الله اءلاّ الدين، فاءنّهلا كفّارة له اءلاّ أداؤه أيقصي صاحبه، أو يغفر الّذيله الحق».
علي أي حال فالاءنسان لم يخلق معصوماً، لكنه مخيّروله عقل وشهوة واءرادة، فنري أكثر الناس قبل التزامهمالديني وحتّي بعده قد يظلمون الا´خرين، كرجل يظلم زوجتهمثلاً، والابن يعقّ والديه، والاخ قد يأخذ حصة أخيه، والجاريغصب حقّ جاره إلى ما هناك من أنواع الابتلاءات والمظالمالّتي يرتكبها الاءنسان، وهو يظن أنه زكي أو لا يراه احدوعنده من القوة الّتي تعصمه عن الحساب في الدنيا، ولديهمن الفتوة الّتي يخوّف بها الا´خرين، أو المال يتسلط به عليالفقراء، وقد يحتال علي المساكين يقرض باختلاس وماشابهه، كلّ هذه المظالم يعملها الاءنسان في الدنيا ؛ لانها دارعمل لا دار حساب، ولكنه سوف يراها عند الموت، وحقوقالا´خرين سوف تكون عائقاً له امام المحاسبين، ولو كانمثقال ذرة، فكل هذا يا مسكين عليك أن تعي أنّ الله لاينسي ظلمك للا´خرين.
فمن هنا عليك بعد التوبة ردّ المظالم واءعطاء كلّالناس حقوقهم، وتحاسب نفسك قبل أن يحاسبك ملائكةربّ العالمين.
فيا أخي ما أهون المحاسبة في الدنيا، وما أسهلها وماأصعب المحاسبة في القبر وما أعظمها، فعجّل بذلك لتنتهيمن الخطوة الثانية واستغفر للا´خرين.
ثالثاً: حقوق الله عليك، كقضاء الصلاة الواجبة اليوميةوالا´يات، وقضاء الصوم وحج بيت الله الحرام مع الاستطاعةبالاءضافة إلى الخمس وغيره من الواجبات الّتي اوجبها اللهعليك بالشرع.
فكما أنّ الدَّين يجب قضاؤه كذلك الصلاة الواجبةعليك، اءنّما الدين حقّ الناس والصلاة حقّ الله، وكلاهمايجب عليك قضاؤهما؛ لكي تستعد لسفر الا´خرة، وتكونبأمن وأمان من السؤال والعذاب.
الوصية:
وهي من المستحبات الاكيدة، وقد ورد أنّها حقّ عليكلّ مسلم، وأنّه لا ينبغي أن يبيت اءلاّ ووصيته عند رأسه.
وعلي الاءنسان أن يوصي بماله عند الناس، وما عليهمن دين وصلاة وصوم وغيره وتركة وباقي الاُمور المذكورةفي الوصية.
النفس المطمئنّة:
بعد أن تاب الاءنسان إلى ربه وردّ حقوق العباد وادّي'عليه ممّا أوجبه الرحمان وادّي' الفرض والواجب فله كما جاءعن الاءمام علي(ع) :
«طوبي ـ أي شجرة في الجنة ـ لنفس ادّت إلىربّها فرضها وواجبها» .
وبهذا تصبح نفسه مطمئنّة، وتكون مصداقاً لهذه الا´يةالكريمة:
(يَا اَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إلى رَبِّكِ رَاضِيَةًمَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي).
سوء وحسن العاقبة:
لسوء عاقبة الاءنسان أسباب أذكر منها:
أ. كما نعلم أنّ الحج واجب علي كلّ مسلم مكلّف مستطيع، كما قال تعالي :
(وَ للهِ عَلَي النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ اءِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَاءِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ).
ولكن نري بعض الناس لتسلّط حبّ الدنيا علي قلوبهم والحرص علي مالهم يتذرّعون ويعتذرون من عدم ذهابهم للحج بأعذار شيطانية، وهم يمتلكون ذخيرة مالية تحقق بشأنهم الاستطاعة الشرعية.
فعدم ذهابهم للحج بسبب سوء عاقبتهم كما ورد عن الاءمام الصادق (ع):
«من مات ولم يحج حجّة الاءسلام، لم يمنعه من ذلك حاجة تجحف به، أو مرض لا يطيق فيه الحج،أو سلطان يمنعه، فليمت يهودياً أو نصرانياً».
والاءنسان يبعث علي ما مات عليه، أي بعدما حجه فاءنه يموت يهوديّاً أو نصرانيا خارجاً عن الاءسلام المحمدي، يا لها من سوء عاقبة.
ب. عدم أداء الحقوق الشرعية من أسباب سوء العاقبة:
الحقوق الشرعية من خمس وزكاة من فروع الدين، قد اوجبها الله سبحانه وتعالي علينا، كالصلاة والصيام.
ولكن من الناس يتحجج بحجج لكي لا يدفع شيئاًمع وجوبه عليه والله يقول :
(اَفَتُوْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَ تَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ
مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ اءِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَ يَوْمَ الْقِيَامَةِيُرَدُّونَ إلى اَشَدِّ الْعَذَابِ وَ مَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ).
وقد جاء حول الاءنفاق ودفع الزكاة:
( اَلَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَوةَ وَ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ).
(الَّذِينَ يُوْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَ يُقِيمُونَ الصَّلَوةَ وَ مِمَّارَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ).
(وَ قَالَ اللهُ اءِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ اَقَمْتُمُ الصَّلَوةَ وَ آتَيْتُمُ الزَّكَاةَوَ آمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَ عَزَّرْتُمُوهُمْ وَ اَقْرَضْتُمُ اللهَ قَرْضًا حَسَناًلاُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَ لاُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَاالاَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ ).
وعن رسول الله (ص):
«اءنّ الله تبارك وتعالي قد فرض عليكم الزكاة كمافرض عليكم الصلاة».
فلا يبخل أحد ولا يخاف علي ماله اءذا دفع منه حقَّالله.
(الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَ يَاْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَ اللهُيَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَ فَضْلاً وَ اللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ).
وأما سوء العاقبة لمن منع الزكاة فهو ما روي' أبو بصيرعن الاءمام الصادق (ع) :
«من منع قيراطاً من الزكاة فليمت اءن شاء يهوديّاًأو نصرانيّاً» .
أي لا يموت علي الاءسلام، وهو ارتداد عن الحقّ،والموت علي الباطل.
اءذاً فاعلموا أنّ الرزق من عند الله فأنفقوا منه حقه منقبل أن يأتي اءليكم الموت، كما قال :
(يَا اَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُلْهِكُمْ اَمْوَالُكُمْ وَلاَ اَوْلاَدُكُمْ
عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَاُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ *
وَاَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ اَنْ يَاْتِيَ اَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَرَبِّ لَوْلاَ اَخَّرْتَني إلى اَجَلٍ قَرِيبٍ فَاَصَّدَّقَ وَ اَكُنْ مِنَالصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللهُ نَفْساً اءِذَا جَاءَ اَجَلُهَا وَاللهُ خَبِيرٌ بِمَاتَعْمَلُونَ).
ج. صحبة الاشرار تسبب سوء العاقبة:
فالمثل يقول: قل لي من تعاشر أقل لك من أنت».
فالاءنسان يتأثر بخليله وقرينه، فاءذا كان من أهل الشرّوالفساد والفسق والفجور، فتكون عاقبتك كما جاء في كتابالله :
(لَقَدْ اَضَلَّني عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ اءِذْ جَاءَني وَ كَانَ الشَّيْطَانُلِلاءِنْسَانِ خَذُولاً ) .
لحسن العاقبة أيضاً أسباب أذكر منها:
أ. المحافظة علي أوقات الصّلاة فقد قال رسولالله (ص) :
«اءنّما يصنّفهم في ـ ملك الموت ـ مواقيت الصلاة،
فاءن كان ممّن يواظب عليها عند مواقيتها، لقّنه شهادة أن
لا اءله اءلاّ الله، وأنّ محمّداً رسول الله، ونحّي عنه
اءبليس» .
ب. المداومة علي تسبيح الزهراء (ع) :
عن الاءمام الصادق (ع): قال: «يا أبا هارون، اءنّا نأمرصبياننا بتسبيح الزهراء (ع) كما نأمرهم بالصلاة، فالزمه، فاءنّهلم يلزمه عبد فشقي».
فمفهومه انّ المداومة علي تسبيح الزهراء (س)
يؤمن العبد من الشقاء، ويدخله في السعداء ذوي العواقبالحسنة.
ج. التختم بالعقيق:
فعن أبي عبد الله الصادق (ع): قال رسول الله (ص):
«تختموا بالعقيق فاءنّه مبارك، ومن تختمبالعقيق يوشك ان يُقضي له بالحسني'».
وعن الاءمام زين العابدين (ع) :
«من صاغ خاتماً من عقيق، فنقش فيه محمد نبيّالله، وعلي وليّ الله، وقاه الله ميتة السوء، ولم يمتاءلاّ علي الفطرة».
المداومة علي دعاء الحزين الوارد في مفاتيح الجنانوالتسبيحات الاربعة كثيراً بعد كلّ صلاة، وصلاة يوم الاحدمن ذي القعدة كلها من شأنها أن تسبب حسن العاقبة.
أختم بقول لامير المؤمنين (ع) عندما سئل: ماالاستعداد للموت؟
قال (ع):
«أداء الفرائض، واحتناب المحارم، والاشتغالعلي المكارم، ثمّ لا يبالي أوقع علي الموت أم وقعالموت عليه، ثم قال (ع): والله ما يبالي ابن أبيطالب أوقع علي الموت أم وقع الموت عليه».
فلمثل هذا فليعمل العاملون ويتنافس المتنافسون.
المبحث الثالث
ذكر الموت وفوائده
كما عرفت أنّ الموت هو أمر وجودي حقيقي، وهومصير كلّ نفس، ونهاية هذه الحياة الدنيوية، وكما قالالشاعر:
الموت باب وكل الناس تدخلهوالموت كأس وكلّ الناس تشربه
يقول أمير المؤمنين (ع) :
«ما رأيت يقيناً أقرب إلى الشكّ من الموت».
فكلّ الناس يعترفون ويقولون: اءننا سنموت، ولكنّأغلبهم لا يتعضون ولا يستعدون، بل أكثر الناس عندماتفتح لهم سيرة الموت يسدون ويقفلون الموضوع فوراً،والبعض كأنه يشمّ رائحة نتنة، وهذا صحيح لانه يشمّرائحته الحقيقية .
علي العموم فقد وردت نصوص كثيرة حول الحثّعلي ذكر الموت انقل لكم منها:
روي انّ النبي (ص) سُئل، أي المؤمنين أكيس؟ فقال:
«أكثرهم ذكراً للموت، وأشدّهم أستعداداً له».
وروي أيضاً أنّه قال (ص):
«اذكروا هادم اللّذات، قيل: وما هو يا رسول الله؟فقال: الموت...».
وخرج (ص) إلى المسجد فاءذا قومه يتحدّثونويضحكون، فقال:
«اذكروا الموت، أما والّذي نفسي بيده لو تعلمونما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً» .
وروي عن الاءمام عليّ (ع) أنه قال:
«أكثروا ذكر الموت، عندما تنازعكم اءليه انفسكممن الشهوات، وكفي بالموت واعظاً...».
وفي وصية لقمان الحكيم لابنه: «... يا بني اثنان لاتسنهما، الله والموت».
وقال (ص):
«شوبوا ـ أي ادفعوا ـ مجالسكم بذكر مكّدراللذات، قالوا: وما مكدّر اللذات؟ قال (ص):الموت».
وقد ذُكر عند النبيّ (ص) رجل فأحسنوا الثناء عليه،فقال (ص):
«كيف كان ذكرُ صاحبكم للموت، قالوا: ما كنّا نكادنسمعه يذكر الموت، قال (ص): فاءنّ صاحبكمليس هنالك».
فكل هذه الروايات تدلُّ علي الحثّ والاهتمام بذكرالموت.
وكذا يروي' انّ بعض علمائنا حفر قبراً في داره، وكانينام في اللّحد من حين لا´خر كي يستديم ذكر الموت.
ومن المستحبات الاكيدة وضع الكفن في البيتوالنظر اءليه .
فعن الاءمام الصادق (ع):
«من كان كفنه معه في بيته لم يكتب من الغافلين،وكان مأجوراً كلّما نظر اءليه».
فمحصّل الكلام انّ الاءسلام اهتم كثيراً بذكر الموت،وحثّ علي الاستعداد والتهيؤ وشراء الكفن والنظر اءليه. فهذامن شأنه أن يعمّق الاءيمان بالغيب المؤدّي إلى التزوّدوالاستعداد للموت، وعدم الانحراف عن الطريق القويم،والانتباه للمستقبل القريب، فمن دعاء الاءمام زينالعابدين (ع) :
«لو لم يكن اءلاّ الموت لكفي، كيف وما بعد الموت أعظم وأدهي'».
عن عباية بن ربعي قال: «اءنّ شاباً من الانصار كانيأتي عبد الله بن عباس، وكان عبد الله يكرمه ويدنيه، فقيلله: اءنك تكرم هذا الشاب وتدنيه وهو شاب سوء؛ يأتي القبورفينبشها بالليالي.
قال عبد الله بن عباس : اءذا كان ذلك فأعلموني، قال:فخرج الشاب في بعض الليالي يتخلل القبور فأُعلم عبد اللهبذلك، فخرج لينظر ما يكون من أمره، ووقف ناحية ينظراءليه من حيث لا يراه الشاب، قال: فدخل قبراً قد حفر، ثماضطجع في اللحد ونادي بأعلي صوته: يا ويحي اءذا دخلتلحدي وحدي، ونطقت الارض من تحتي فقالت: لا مرحباًبك ولا أهلاً، قد كنتُ أبغضك وأنت علي ظهري، فكيف وقد صرت في بطني، بل ويلي اءذا نظرت إلى الانبياء وقوفاً
والملائكة صفوفاً، فمن عدلك غداً من يخلّصني، ومنالمظلومين من يستنقذني، ومن عذاب النار من يجيرني،عصيتُ مَن ليس بأهلٍ أن يعصي'؛ عاهدت ربّي مرة بعدأُخري فلم يجد عندي صدقاً ولا وفاءً.
وجعل يردد هذا الكلام ويبكي. فلمّا خرج من القبرالتزمه ابن عباس وعانقه ثم قال له: نعم النباش نعم النباش.ما أنبشك للذنوب والخطايا! ثم تفرقا .
تعليق