تويت
متاهة أميركا .. مع إيران .. ومع أوروبا
سوزان رايس *
هل توصل جورج بوش في نهاية الأمر الى نتيجة مفادها ان أميركا يمكن ان تعيش مع ايران المسلحة نوويا؟ اذا بدا هذا الأمر غير معقول، او مخالفا للصواب، فيجب ان نتذكر كلمات الرئيس بوش في مؤتمره الصحافي بمناسبة نهاية العام. فعندما سئل حول سياسة أميركا تجاه ايران، أجاب قائلا: «نحن نعتمد على الآخرين لأنه لم يعد لنا نفوذ نمارسه ضد ايران.....».
هذا التصريح الغريب لا ينسجم، كما هو واضح، مع تحول الرئيس صوب نهج العمل الفردي واتخاذ الخطوات من جانب واحد. ما يمكن قوله هنا هو ان تصريح جورج بوش لا يعدو ان يكون تقييما زائفا لنفوذ أميركا ووصفة قاتلة لاستسلام أميركا أمام إيران النووية.
ويقول الرئيس بوش ان وقوع سلاح نووي في ايدي الارهابيين يعتبر اكبر مهدد للأمن القومي الاميركي. لذا فإن ايران النووية، وليس عراق صدام حسين، هي التجسيد الحقيقي لهذا الخطر الذي يتهدد أميركا.
والسؤال الآن: ما الذي فعلته ادارة بوش لحمايتنا في ظل انتشار عشرات الآلاف من الجنود الاميركيين في العراق، فضلا عن الشلل الذي تعاني منه بسبب الخلافات الداخلية، جاء رد الادارة الاميركية في شكل تهديد بأخذ ايران الى مجلس الأمن بدون ان تكون هناك سياسة فاعلة تجاه ايران.
يمكن القول ان استجابة بوش على المخاطر الملحة التي تهدد الأمن القومي الأميركي آثرت ان يوكل أمن أميركا للاوروبيين. فقد أكد على هذا النهج بحجة ان لا خيار سواه أمام أميركا ، وهو تكرار لحديث مشابه ادلى به نائبه ديك تشيني، الذي كان يضغط عندما كان مديرا تنفيذيا لشركة هاليبيرتون لرفع العقوبات المفروضة على ايران.
شاركت بريطانيا وفرنسا وألمانيا في الآونة الاخيرة في مفاوضات جرى التوصل من خلالها الى تعليق الانشطة المتعلقة بتخصيب اليورانيوم. بعض المسؤولين الاميركيين وصفوا جهد الاتحاد الاوروبي في هذا الشأن بأنه سلبي، فيما اعتبره آخرون حجر الزاوية للنهج الاميركي في هذا الاتجاه. المنطق وراء هذا التناقض يكمن في ان الرئيس يتوقع فشل الجانب الاوروبي ، لكنه يرفض مساعدته على تحقيق النجاح او تقديم خيار خاص به.
أميركا على صواب فيما يتعلق بفرض عقوبات من جانب واحد على ايران في وقت يحجم فيه حلفاؤنا عن المضي قدما في هذا الأمر. فالعقوبات الاميركية لا تلغي بأية حال النفوذ الاميركي على ايران. لأن النفوذ يمكن ان يتخذ شكل الترهيب والترغيب معا. فأميركا مارست نفوذها على العديد من الدول التي كانت خاضعة للعقوبات بغرض تغيير توجهها بصورة عامة.
لا ينبغي ان يستبعد الرئيس بوش أي خيار، بما في ذلك استخدام القوة. لكنه يجب ان يبدأ بتجريب امكانية التفاوض حول وقف برنامج ايران النووي. ولا يمكن بالطبع التوصل لاتفاق مع إيران بدون ان تقدم أميركا لطهران محفزات كبيرة ، فيما لن تقدم ايران تنازلات بدون تهديد حقيقي بفرض عقوبات اوروبية ويابانية اقتصادية جماعية متشددة في حال فشل المفاوضات.
عند الجلوس حول طاولة التفاوض يمكن ان تقدم أميركا العديد من المحفزات التي ربما تجدها ايران مشجعة. يمكن، على سبيل المثال، ان تعرض واشنطن على طهران رفع العقوبات لقاء إيقافها لبرنامجها النووي ودعمها للارهاب وللعناصر المعادية لأميركا، ومن الممكن ان تعرض واشنطن إمكانية ترقية التعاون التجاري والاستثماري بين الجانبين ، والسماح لإيران بالانضمام لمنظمة التجارة العالمية مع ضمان استفادة ايران من الطاقة النووية ذات الاغرض المدنية، او تقديم ضمانات أمنية اقليمية.
هذا المجهود يتطلب ما هو اكثر من مجرد تنازل أميركا وخضوعها للدبلوماسية الاوروبية، اذ تتطلب هذه المجهودات في المقام الاول قيادة اميركية لمفاوضات عاجلة وملحة مع ايران ، على اساس شراكة مع الجانب الاوروبي. ولا شك في ان أميركا تواجه واقعا صعبا وخيارات سياسات اكثر صعوبة. فإيران ربما تكون مصممة على حيازة سلاح نووي، وفي هذه الحالة فإن أي مفاوضات ستفشل، لكننا لا يمكن ان نعرف ذلك إلا اذا جربنا، والمفاوضات تتطلب تقديم تنازلات.
وفيما يرى المحافظون الجدد ان مثل هذه التنازلات ستساعد في بقاء واستمرارية الحكومة الإيرانية الحالية ، يرى غالبية المحللين ان النظام الايراني ظل يعمل على تحصين نفسه جيدا. ويبقى القول ان البديل للتفاوض هو ان تواصل أميركا عدم اتخاذ أي خطوة. إلا ان عدم الإقدام على اتخاذ الخطوات اللازمة لا يعني سوى ان بوش يؤكد انه ليس هناك ما يمكن اتخاذه من خطوات ازاء تحول ايران وكوريا الشمالية الى قوتين نوويتين بالكامل.
نقلا عن صحيفه الشرق الاوسط
سوزان رايس *
هل توصل جورج بوش في نهاية الأمر الى نتيجة مفادها ان أميركا يمكن ان تعيش مع ايران المسلحة نوويا؟ اذا بدا هذا الأمر غير معقول، او مخالفا للصواب، فيجب ان نتذكر كلمات الرئيس بوش في مؤتمره الصحافي بمناسبة نهاية العام. فعندما سئل حول سياسة أميركا تجاه ايران، أجاب قائلا: «نحن نعتمد على الآخرين لأنه لم يعد لنا نفوذ نمارسه ضد ايران.....».
هذا التصريح الغريب لا ينسجم، كما هو واضح، مع تحول الرئيس صوب نهج العمل الفردي واتخاذ الخطوات من جانب واحد. ما يمكن قوله هنا هو ان تصريح جورج بوش لا يعدو ان يكون تقييما زائفا لنفوذ أميركا ووصفة قاتلة لاستسلام أميركا أمام إيران النووية.
ويقول الرئيس بوش ان وقوع سلاح نووي في ايدي الارهابيين يعتبر اكبر مهدد للأمن القومي الاميركي. لذا فإن ايران النووية، وليس عراق صدام حسين، هي التجسيد الحقيقي لهذا الخطر الذي يتهدد أميركا.
والسؤال الآن: ما الذي فعلته ادارة بوش لحمايتنا في ظل انتشار عشرات الآلاف من الجنود الاميركيين في العراق، فضلا عن الشلل الذي تعاني منه بسبب الخلافات الداخلية، جاء رد الادارة الاميركية في شكل تهديد بأخذ ايران الى مجلس الأمن بدون ان تكون هناك سياسة فاعلة تجاه ايران.
يمكن القول ان استجابة بوش على المخاطر الملحة التي تهدد الأمن القومي الأميركي آثرت ان يوكل أمن أميركا للاوروبيين. فقد أكد على هذا النهج بحجة ان لا خيار سواه أمام أميركا ، وهو تكرار لحديث مشابه ادلى به نائبه ديك تشيني، الذي كان يضغط عندما كان مديرا تنفيذيا لشركة هاليبيرتون لرفع العقوبات المفروضة على ايران.
شاركت بريطانيا وفرنسا وألمانيا في الآونة الاخيرة في مفاوضات جرى التوصل من خلالها الى تعليق الانشطة المتعلقة بتخصيب اليورانيوم. بعض المسؤولين الاميركيين وصفوا جهد الاتحاد الاوروبي في هذا الشأن بأنه سلبي، فيما اعتبره آخرون حجر الزاوية للنهج الاميركي في هذا الاتجاه. المنطق وراء هذا التناقض يكمن في ان الرئيس يتوقع فشل الجانب الاوروبي ، لكنه يرفض مساعدته على تحقيق النجاح او تقديم خيار خاص به.
أميركا على صواب فيما يتعلق بفرض عقوبات من جانب واحد على ايران في وقت يحجم فيه حلفاؤنا عن المضي قدما في هذا الأمر. فالعقوبات الاميركية لا تلغي بأية حال النفوذ الاميركي على ايران. لأن النفوذ يمكن ان يتخذ شكل الترهيب والترغيب معا. فأميركا مارست نفوذها على العديد من الدول التي كانت خاضعة للعقوبات بغرض تغيير توجهها بصورة عامة.
لا ينبغي ان يستبعد الرئيس بوش أي خيار، بما في ذلك استخدام القوة. لكنه يجب ان يبدأ بتجريب امكانية التفاوض حول وقف برنامج ايران النووي. ولا يمكن بالطبع التوصل لاتفاق مع إيران بدون ان تقدم أميركا لطهران محفزات كبيرة ، فيما لن تقدم ايران تنازلات بدون تهديد حقيقي بفرض عقوبات اوروبية ويابانية اقتصادية جماعية متشددة في حال فشل المفاوضات.
عند الجلوس حول طاولة التفاوض يمكن ان تقدم أميركا العديد من المحفزات التي ربما تجدها ايران مشجعة. يمكن، على سبيل المثال، ان تعرض واشنطن على طهران رفع العقوبات لقاء إيقافها لبرنامجها النووي ودعمها للارهاب وللعناصر المعادية لأميركا، ومن الممكن ان تعرض واشنطن إمكانية ترقية التعاون التجاري والاستثماري بين الجانبين ، والسماح لإيران بالانضمام لمنظمة التجارة العالمية مع ضمان استفادة ايران من الطاقة النووية ذات الاغرض المدنية، او تقديم ضمانات أمنية اقليمية.
هذا المجهود يتطلب ما هو اكثر من مجرد تنازل أميركا وخضوعها للدبلوماسية الاوروبية، اذ تتطلب هذه المجهودات في المقام الاول قيادة اميركية لمفاوضات عاجلة وملحة مع ايران ، على اساس شراكة مع الجانب الاوروبي. ولا شك في ان أميركا تواجه واقعا صعبا وخيارات سياسات اكثر صعوبة. فإيران ربما تكون مصممة على حيازة سلاح نووي، وفي هذه الحالة فإن أي مفاوضات ستفشل، لكننا لا يمكن ان نعرف ذلك إلا اذا جربنا، والمفاوضات تتطلب تقديم تنازلات.
وفيما يرى المحافظون الجدد ان مثل هذه التنازلات ستساعد في بقاء واستمرارية الحكومة الإيرانية الحالية ، يرى غالبية المحللين ان النظام الايراني ظل يعمل على تحصين نفسه جيدا. ويبقى القول ان البديل للتفاوض هو ان تواصل أميركا عدم اتخاذ أي خطوة. إلا ان عدم الإقدام على اتخاذ الخطوات اللازمة لا يعني سوى ان بوش يؤكد انه ليس هناك ما يمكن اتخاذه من خطوات ازاء تحول ايران وكوريا الشمالية الى قوتين نوويتين بالكامل.
نقلا عن صحيفه الشرق الاوسط