إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

عليّ بن أبي‏طالب رمز العدالة الشاهق، ومثال الحقّ والإيمان النابض

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • عليّ بن أبي‏طالب رمز العدالة الشاهق، ومثال الحقّ والإيمان النابض

    الإهداء



    يا بقيّة اللَّه.. يا سليل رسول‏اللَّه.. ويا حبيب فاطمة الزهراء وعليّ المرتضى.
    سيّدي.. يا من ذكرك يجعل القلب يفيض بحبّ الجمال، ويشدو صوب المكرمات، ويتطلّع إلى العدل والخير.
    إيهٍ «يا شمس المغرب»، ويا من التفكير بغاياتك الشاهقة النبيلة، مطالعَ نور تتفجّر براكينَ حماسةٍ وإيمان.
    إيهٍ «يا من يملأ الأرض عدلاً»، ويا من ظهورك تتويجٌ لغايات النبيّين، وحضورك تأسيس ل «يوم الخلاص» الموعود.
    يا آخرَ أمل أنتَ، ويا أغلى هبات السماء، يا من اسمك يملأ النفوس أملاً، وَذكرك ينثر على العاشقين عطراً روحيّاً فوّاحاً، يجذبهم صوب الشمس.
    بعد سنوات طويلة من الجهد المثابر الخاضع الدؤوب، وحيث تمّت صفحات هذا الكتاب وهي تتضوّع في كلّ جزءٍ جزءٍ باسم عليّ بن أبي‏طالب رمز العدالة الشاهق، ومثال الحقّ والإيمان النابض، هاأنا أرفع بضاعتي المزجاة، وأتطلّع إليك - يا أيّها العزيز - بكفٍّ ممدودة ملؤها الرجاء.
    أهتفُ وأقول، بخشوع آسر ودمع هطول:
    سيّدي.. أيها اللواء المنشور
    والعلم المركوز
    يا مَظهر الرحمة الفيّاضة، والحنان الكبير
    يا ملاذ أهل الضرّ والبلوى، وصريخ المكروبين‏
    يا سَطْعة نور متفجّر في وهدة الدَّيجور
    ويا شمساً طالعة في اُفق الوجود.
    تقبّل - سيّدي - هذه الهديّة المتواضعة، وحفّها منك بنظرة رعاية كريمة، واجعلنا من المشمولين بضراعاتك، وحقّق لنا أمل الوصال، وأذقنا طعم اللقاء.
    موسوعة الامام علي بن ابي طالب عليه السلام في الكتاب و السنة و التاريخ
    =====

    المدخل


    الحمد للَّه الذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا اللَّه، وصلّى اللَّه على سيّد المرسلين، وخاتم الأنبياء محمّد، وأهل بيته الطيّبين الطاهرين، الذين أذهب اللَّه عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً.
    قال رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) : عليٌّ آيةُ الحقّ، وراية الهدى.
    ماذا أقول في عليّ(عليه السلام) والحديث عنه صعب شاقّ؟! ثمّ هو أصعب إذاما رامت الكلمات أن تتسلّق صوب ذراه الشاهقة، وتطمع أن تكون خليقة بتلك الشخصيّة المتألّقة.
    النظر إلى شخصيّة الإمام أميرالمؤمنين(عليه السلام) محنة للفكر. وتملّي أبعاد هذا الرجل الشاهق يتطلّب طاقة لا تحتملها إلّا الجبال الرواسي. أمّا الحديث عن بعض عظمته الباهرة، وما تحظى به هذه الشخصيّة المتوهِّجة في التاريخ الإنساني من جلال وجمال، فهو خليق بكلام آخر، ويحتاج إلى لغة اُخرى؛ لغة تتناهى في امتدادها حتى تبلغ «الوجود» سعة، عساها - عندئذٍ - أن تُدرك شيئاً ضئيلاً من كلّ هذه الفضيلة التي تُحيط تلك الشخصيّة «العملاقة»، وما يحظى به من سموّ ومناقب لا نظير لها، ثمّ عساها أن تؤلّف كلاماً يرتقي إلى مدى هذا الإنسان الإلهي، ويكون جديراً به.
    أمّا اُولئك الذين سلّحتهم بصيرتهم بفكر نافذ عن الإمام، وأدركوا - إلى حدّما- أبعاده الوجوديّة؛ فما لبثوا أن اضطرموا بمحنة العجز وقد لاذوا بالصمت، ثمّ ما برحوا يجهرون أنّ هذا الصمت لم يكن إباءً عن إظهار فضائل الإمام بقدر ما كان ينمّ عمّا اعتورهم من عجز، وهو إلى ذلك ينبئ عن حيرة استحوذت عليهم وهم لا يدرون كيف يصبّون كلّ هذه الفضائل العَليّة في حدود الكلمات، وكيف يعبّرون عن معانيها البليغة من خلال الألفاظ!
    أجل، لم يكن قلّة اُولئك الذين اُشربوا في أعماق نفوسهم هذا المعنى الرفيع للمتنبي، وهو يصدع:

    وتركتُ مدحي للوصيّ تعمُّداً
    إذ كان نوراً مستطيلاً شاملا
    وإذا استطال الشي‏ء قام بنفسهِ
    وصفاتُ ضوء الشمس تذهبُ باطلا
    مَنْ يريد أن يتحدّث عن جلال عليّ وفضائله يستبدّ به العجز، وتطوّقه الحيرة؛ فلا يدري ما يقول!
    هي محنة كبيرة لا تستثني أحداً؛ أن ينطق الإنسان بكلام يرتفع إلى مستوى هذه «الظاهرة الوجوديّة المذهلة»؛ وهو عجز كبير مدهش يعتري الجميع مهما كانت القابليّة وبلغ الاستعداد.
    ولا ريب أنّ أباإسحاق النظّام كان قد لبث يفكِّر طويلاً، وطوى نفسه على تأمّلٍ عميق مترامي الأطراف في أبعاد هذه الشخصيّة ومكوّناتها، قبل أن يقول: «عليّ بن أبي‏طالب(عليه السلام) محنة على المتكلِّم؛ إن وفّاه حقّه غلا، وإن بخسه حقّه أساء!».
    عليٌّ(عليه السلام) في سوح القتال اللاحبة هو الأكثر جهاداً، والأمضى عزماً، والأشدّ توثّباً. وهو في مضمار الحياة الوجهُ المفعم بالاُلفة؛ حيث لا يرتقي إليه إنسان بالخلق الرفيع. وفي جوف الليل الأوّاب المتبتِّل، أعبد المتبتِّلين، وأكثر القلوب ولَهاً بربّه. وبإزاء خلق اللَّه هو أرفق إنسان على هذه البسيطة بالإنسان، يفيض بالعطوفة واللين. وهو الأصلب في ميدان إحقاق الحقّ في غير مداجاة، المنافح عنه في غير هروب.
    أمّا في البلاغة والتوفّر على بدائع الخطابة وضروب الحكمة وفنون الكلام، فليس له نظير؛ وهو فارس هذا الميدان، والأمكن فيه من كلّ أحد. وللَّه درّ الشاعر العلوي، وهو يقول في ذلك:

    كم له شمس حكمة تتمنّى
    غرّةُ الشمس أن تكون سماها
    تُرى، هل يمكن لإنسان أن يُشرِف على منعرجات التاريخ، ولا تشدّه تلك القمّة الشاهقة في مضمار الكرامة والحريّة والإنسانيّة، وهي تسمو على كلّ ما سواها!
    وهل يسوغ لإنسان أن يمدّ بصره إلى صحراء الحياة، ثمّ لا يرفرف قلبه صوب هذا المظهر المتألِّق بالحبّ والعبادة، المملوء بالجهاد والمروءة، أو لا يُبصر هذا المثال المترع بالصدق والإيثار، وبالإيمان والجلال!
    ثمّ هل يمكن لكاتب أن يخطّ صفحات بقلمه، ولا يهوى فؤاده أن يعطّر بضاعته بعبير يتضوّع بذكر عليّ، ويخلط كلماته بشذىً يفوح بنسائم حياته التي يغمرها التوثّب، ويحيط بها الإقدام من كلّ حدب، ويجلّلها الجهاد والإيثار من كلّ صوب!
    في ظنّي أنّ جميع اُولئك الذين فكّروا وتأمّلوا، ثمّ استذاقوا طعم هذه الظاهرة الوجوديّة المذهلة، إنّما يخامرهم اعتقاد يفيد: وأنّى للقطرة الوحيدة التائهة أن تُثني على البحر! وأنّى للذرّة العالقة أن تنشد المديح بالشمس!
    وأمّا كاتب هذه السطور!
    فلم يكن يدُر بخلده قطّ أن يخطّ يوماً كلاماً جديراً في وصف تلك الشمس الساطعة، كما لم يخطر بباله أبداً أن يكون له حظّ في حمل قبضة من قبس كتلة الحقّ المتوهِّجة تلك، أو أن يكون له نصيب في بثّ شي‏ءٍ من أريج بحر فضائلها الزخّار، وأن يُسهِم في نشر أثارة من مناقبها المتضوّعة بعبيرٍ فوّاح.
    هكذا دالت الحال ومرّت الأيّام بانتظار موعد في ضمير الغيب مرتقب!
    فقد قُدِّر لي وأنا أشتغل بتدوين «ميزان الحكمة» أن اُلقي نظرة من بعيد على هذا البحر الزخّار، بحكم ضرورة أملتها هيكليّة الكتاب، وساقت منهجيّاً إلى مدخلٍ بعنوان: «الإمامة».
    أجل، لم يسمح «المدخل» بأكثر من نظرةٍ من بعيد إلى البحر اللجّي، أطلّت على شخصيّة الإمام الأخّاذة عبر الكلام الإلهي والنبوي، قد سمحت بتثبيت ومضات من سيرة ذلك العظيم على أساس ما تحكيه روايات المعصومين:.
    مرّة اُخرى شاء التقدير الإلهي أن تتّسع موسوعة «ميزان الحكمة» (التي تجدّد طبعها - بفضل اللَّه - مرّات، وراحت تتخطّى الحدود وتصل إلى أقصى النقاط، وهي تستجيب بقدرها لتطلّعات الباحثين عن المعرفة الدينيّة) وتمتدّ فصولها وتزداد.
    بعد تأمّلٍ طويل انطلقت بكاتب هذه السطور همّتُه، وتبدّل العزم إلى قرار بالعمل يقضي بإضافة هذا الجزء.
    كانت الرحلة بعيدة المدى، وبدا الطريق طويلاً وأنا حديث العهد به، لولا أن تداركتني رعاية خاصّة من الإمام، ولا غَروَ وهو كهف السائرين على الحقّ وملاذهم، ثمّ اكتنفتني همم كبيرة برزت من فضلاء كرام.
    وبين هذا وذاك أينع ذلك الجهد وأثمر بعد سنوات حصيلةً تحمل عنوان: «موسوعة الإمام عليّ بن أبي‏طالب في الكتاب والسنّة والتاريخ» هي ذي التي بين أيديكم.
    ثمّ شاءت المقادير مرّة اُخرى أن يقترن طبع الموسوعة في السنة التي توشّحت باسم مولانا أميرالمؤمنين(عليه السلام) ، حيث راحت هذه المناسبة تستقطب إليها اُلوف الجهود والهمم(1).
    وها أنا ذا أتوجّه إلى اللَّه سبحانه شاكراً أنعُمَه من أعماق وجودي وقد حالفني توفيقه في المضيّ قُدماً لإنجاز هذا المشروع المهمّ؛ حيث هوّن العقبات، وذلّل الصِّعاب، ويسّر العسير.
    إنّ «موسوعة الإمام» لهي إلى هذا العاشق الوله بذكر عليّ(عليه السلام) أعذب شي‏ء في حياته وأحلاه، وأدعى حصيلة تبعث على الفخر في سنيّ عمره، حيث بلغت نهايتها بفضل اللَّه سبحانه، ومعونة خالصة أسداها عدد من الفضلاء.
    أجل؛ إنّ «موسوعة الإمام عليّ بن أبي‏طالب» تجسِّد من الاُمنيات في حياتي ما هو أرفعها وأسماها، وتستجيب من تطلّعاتي إلى ما هو أبعدها مدىً.
    وما كان ذلك يتحقّق لولا فضل اللَّه وتوفيقه، فله حمدي، وعليه ثنائي اُزجيه خاشعاً بكلّ وجودي.
    وما كان ليتمّ لولا رعاية خاصّة كنفني بها المولى أميرالمؤمنين، فله شكري، وعليه سلامي، فلولا ما فاء به من رعاية وتسديد، ولولا مدده الذي أسداه في تذليل العقبات الكؤود وتيسيرها لما رسَت «الموسوعة» على هذا الشكل.
    وحسبُ هذه الكلمات أنّها رسالة اعتذار تومئ إلى تقصير صاحبها، ثمّ حسبها ما تُبديه من ثناء عاطر مقرون بالخشوع والجلال لكلّ هذه الرعاية الحافلة من أجل بلوغ المقصد.
    إنّ «موسوعة الإمام» هي إطلالة على حياة أميرالمؤمنين(عليه السلام) ، كما هي نافذة تشرف على السيرة العلويّة، وتتطلّع إلى تاريخ حياة أكمل إنسان، وأعظم المؤمنين وأبرز شخصيّة في تاريخ الإسلام بعد رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) .
    وتهدف «موسوعة الإمام» أن تترسّم السبيل إلى أعظم تعاليم عليّ بن أبي‏طالب(عليه السلام) وأبلغها عِظة وتذكيراً. كما توفّرت على بيان أجزاء من حياة أميرالمؤمنين(عليه السلام) وسيرته البيضاء الوضّاءة.
    وتسعى «موسوعة الإمام» من خلال استجلاء المعالم الملكوتيّة لإمام الإنسانيّة؛ وتتطلّع عبر تدوين الخصائص العلميّة والأخلاقيّة والعمليّة لحياته التي تفيض بالتوثّب والإيمان؛ وتصبو عبر تبيين ما بذله «صوت العدالة الإنسانيّة» من جهود مذهلة لبسط العدل وإرساء حاكميّة الحقّ، إلى الجواب عمليّاً على السؤال التالي: لماذا جعل الكتابُ الإلهي عليَّ بن أبي‏طالب شاهداً إلى جوار اللَّه على الرسالة؟
    لقد انطلقت «الموسوعة» من خلال الاستناد إلى عرضٍ جديد، وهيكليّة مبتكرة، ومنهج مستحدَث فاعل، لتقسيم السيرة العلويّة إلى ستّة عشر قسماً، تضعها بين يدي الباحثين والمتطلِّعين إلى المعارف العلويّة، وتُقدّمها إلى الولهين بحبّ عليّ(عليه السلام) ، وإلى طلّاب الحقّ والحقيقة.
    وفيما يلي نقدِّم استعراضاً عامّاً لمحتويات هذه الأقسام:


    القسم الأوّل: اُسرة الإمام عليّ

    توفّر هذا القسم على بيان منحدر الإمام عليّ(عليه السلام) واُسرته، كما تناول المحيط الذي ترعرع به وحياته الخاصّة، ودار الحديث فيه أيضاً عن شخصيّة والديه، وعن أسماء الإمام وكُناه وألقابه وشمائله وأوصافه وزواجه وزوجاته وأولاده.
    لقد اتّضح من هذا القسم أنّ الإمام نشأ في اُسرة كريمة، وترعرع في محيط طاهر زكيّ؛ فأسلافه الكرام من الآباء والأجداد موحِّدون بأجمعهم، طاهرون لم تخالطهم أدناس الجاهليّة، مضَوا وكلّهم ثبات في سبيل اللَّه.
    كما كشف هذا القسم عن اُصول كريمة تكتنف هذا الموحِّد العظيم في تاريخ الإسلام، فلم يلوّث الشرك أحداً من أسلافه قط، ولم يكن لمواضعات البيئة وتلوّثاتها الفكريّة والعقيديّة نصيب في حياتهم. فهذا هو الإمام وقد انبثق من حضن والد مؤمن جَلِد قويّ الشكيمة منافح عن الحقّ، ووالدة كريمة المحتد صافية الفطرة مؤمنة بالمعاد.
    ثمّ مضت حياته مع زوجة هي أتقى وأطهر امرأة في نساء عصره؛ وهي سيّدة نساء العالمين. وقد كان زواجاً بدأ بأمر اللَّه سبحانه وحفّته هالة من القداسة والخشوع، فانشقّ عن ذرّيّة كريمة كان لها اليد الطولى في صنع التاريخ، وهي إلى ذلك المصداق الأسمى ل «الكوثر».
    أمّا كُناه وألقابه فقد اختارها رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) غالباً، وهي جميعاً تومئ إلى فضائله الرفيعة التي تتألّق عظمة، وإلى موضعه المنيف الشاهق في الإسلام والتاريخ.
    حياة لم تهبط عن مستوى العظمة لحظة، ولم تتعثّر بصاحبها قط.


    القسم الثاني: الإمام عليّ مع النبيّ

    يوم قرع صوت السماء فؤاد رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) ، وهبط إليه أمر الرسالة، ثمّ أعلن دعوته التاريخيّة، كانت الجزيرة العربيّة تغطّ في ظلام دامس، ويحيطها الجهل من كلّ حدب وصوب.
    لقد واجه القوم بعثة نبيّ الحرّيّة والكرامة بالرفض والتكذيب، ثمّ اشتدّت عليه سفاهات القوم وتكالب الطغاة.
    وهاهو ذا عليّ اختار موقفه إلى جوار النبيّ منذ الأيّام الاُولى لهذه النهضة الربّانيّة. وقد صحب أميرالمؤمنين(عليه السلام) رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) ولم ينفصل عنه لحظة، بل راح ينافح ويتفانى في الدفاع عنه دون تعب أو كلل.
    وما توفّر عليه هذا القسم هو بيان الموقع الرفيع الذي تبوّأه الإمام في إرساء النهضة الإسلاميّة، والدور البنّاء الذي اضطلع به في دوام هذه الحركة الربّانيّة على عصر رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) .
    يكشف هذا القسم أنّ عليّاً(عليه السلام) كان إلى جوار النبيّ لم يفارقه منذ البعثة حتى الوفاة، باذلاً نفسه وأقصى ما يستطيع في سبيل تحقيق حاكميّة الإسلام في المجتمع. فهو مع رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) في المشاهد جميعاً وعند المنعطفات الخطرة، وهو السبّاق الذي يثب مبادراً في المواطن الصعبة كلّها وعند العقبات الكؤود التي تعتري حركة الإسلام.
    يُسفر هذا القسم عن أنّ عليّاً(عليه السلام) لم يوفِّر من جهده الدؤوب لحظة، ولم يدّخر من تفانيه المخلص شيئاً إلّا وقد بذله دفاعاً عن هذا الدين، وذوداً عن نبيّه الكريم(صلى اللّه عليه وآله وسلم) ، وصوناً لهذه الدعوة الربّانيّة الفتيّة، من أجل أن يمتدّ الإسلام وتبلغ هذه الحركة الإلهيّة مداها.


    القسم الثالث: جهود النبيّ لقيادة الإمام عليّ

    الإسلام خاتم الأديان، ورسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) خاتم النبيّين، والقرآن الحلقة الأخيرة في الكتب السماويّة.
    والنبيّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم) مبلِّغ لدينٍ اكتسى لون الأبديّة، ولن يقوى الزمان على طيّ سجلِّ حياته؛ فماذا فعل رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) لتأمين مستقبل هذا الدين، وضمان مستقبل اُمّته؟ وما هو التدبير الإلهي في هذا المضمار؟
    أوضح هذا القسم الرؤية المستقبليّة التي انطوى عليها الدين الإلهي، وموقع الإمام أميرالمؤمنين(عليه السلام) في المخطّط الربّاني الذي حملته السماء في هذا المجال.
    بكلام آخر، ما عني به هذا الفصل هو الولاية العلويّة، وإمامة عليّ بن أبي‏طالب(عليه السلام) التي جاءت في إطار جهود رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) في رسم مستقبل الاُمّة.
    وفي هذا الاتّجاه استفاض هذا القسم في حشد مجموعة الأدلّة العقليّة والنقليّة لإثبات أنّ النبيّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم) لم يدَع الاُمّة بعده هملاً دون راعٍ، ولم يعلّق مستقبلها على فراغ من دون برنامج محدّد للقيادة من بعده، بل حدّد مسار المستقبل بدقّة وجلاء من خلال جهد مثابر بذله طوال ثلاث وعشرين سنة، وعبر تهيئة الأجواء المناسبة لتعاليم مكثّفة أدلى بها على نحو الإشارة مَرّة، وعلى نحو صريح أغلب المرّات.
    كما بيَّن هذا القسم صراحة أنّ «الغدير» لم يكن إلّا نقطة الذروة على خطّ هذا الجهد المتواصل الطويل. ثمّ عاد يؤكِّد بوضوح أنّ النبيّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم) لم يتوانَ بعد ذلك عن هذا الأمر الخطير، بل دأب على العناية به والتركيز عليه حتى آخر لحظات عمره المبارك.
    ومع أنّ الحلقات الأخيرة في التدبير النبوي؛ كمَيلِه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) إلى تدوين ما كان قد ركّز على ذكره مرّات خلال السنوات الطويلة الماضية في إطار وصيّة مكتوبة، لم يأت بالنتيجة المطلوبة إثر الفضاء المخرّب الذي اُثير من حوله. وكذلك انتهت إلى المآل نفسه حلقة اُخرى على هذا الخطّ تمثّلت بإنفاذ بعث اُسامة. إلّا أنّ ما يُلحظ أنّ رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) لم يُهمل هاتين الواقعتين، بل راح يُدلي بكلمات وإشارات ومواضع تُزيل الستار عن سرّ هذه الحقيقة ورمزها.
    وهذا أيضاً ممّا اضطلع به هذا القسم مشيراً إلى نتائج مهمّة استندت إلى وثائق ثابتة عند الفريقين.


    القسم الرابع: الإمام عليّ بعد النبيّ

    أسفاً أن لا يكون قد تحقّق ما ارتجاه رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) وما اختطّه لمستقبل الاُمّة، وقد ارتدى سرابيل الخلافة آخرٌ هو غير من اختُصّ به الأمر الإلهي.
    أما وقد أسفر المشهد عن هذا، فهاهو ذا عليّ يواجه واقعاً كاذباً مريراً مدمِّراً قلَبَ الحقيقة، وهاهو مباشرة أمام لوازم الدين الجديد ومصالحه، وبإزاء اُناس حديثي عهد بالإسلام؛ فماذا ينبغي له أن يفعل؟ وما هو تكليفه الإلهي؟ ما الذي يقتضيه واقع ذلك العصر بما يكتنفه من أوضاع خاصّة على المستويين الداخلي والخارجي؟
    لقد نهض هذا القسم بالجواب على هذه الأسئلة وغيرها ممّا حفَّ السيرة العلويّة في الفترة التي امتدّت بين وفاة رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) حتى تسنّم الإمام لأزمّة الحكم. كما سلّط أضواءً كاشفة على عوامل إهمال تعاليم النبيّ حيال مستقبل الاُمّة، وأسباب الإغضاء عن توجيهاته(صلى اللّه عليه وآله وسلم) حول قيادة عليّ(عليه السلام) .
    وفي إطار متابعة الحوادث التي عصفت بالحياة الإسلاميّة بعد النبيّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم) حتى خلافة عثمان وقيام الناس ضدّه، تكفّل هذا القسم أيضاً ببيان الأجواء التي أحاطت بالمواقف الحكيمة لإمام الحكماء، وتفصيل ملابسات ذلك.


    القسم الخامس: سياسة الإمام عليّ

    خمسة وعشرون عاماً مضت على خلافة الخلفاء، وقد اتّسعت الانحرافات، وتفشّى الاعوجاج الذي كان قد بدأ بعد رحيل رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) ، حتى بلغت الأوضاع في مداها حدّاً أملى على الإمام عليّ(عليه السلام) أن يصف ما جرى بأنّه «بليّة»(2) كتلك التي كانت قبل الإسلام، وذلك في خطاب حماسي خطير ألقاه بدء الخلافة.
    في هذه البرهة العصيبة ثار الناس ضدَّ الخليفة وضدّ سلوكه ونهجه في الحكم، حتى إذا ما قُتل انثالوا على الإمام بشكل مذهل، وهم يطالبونه باستلام الحكم.
    لقد كان الإمام يُدرك تماماً أنّ ما ذهب لن يعود؛ إذ قلّما عاد شي‏ء أدبر. وعلى ضوء تقديره للأوضاع التي تناهت في صعوبتها امتنع في بادئ الأمر عن الاستجابة لهم، بيدَ أنّه لم يجد محيصاً عن إجابتهم بعد أن تعاظم إصرار المسلمين، وكثر التفافهم حوله.
    كان أوّل ما طالعهم به في أوّل خطبة له حديثه عن التغييرات الواسعة التي يزمع القيام بها في المجتمع، كما أوضح في الحديث ذاته اُصول منهجه ومرتكزاته.
    هذا القسم يبدأ رحلته مع الإمام، فيسجِّل في البدء الأجواء التي لابست وصوله إلى السلطة وتسنّمه للحكم، ثمّ يتابع تفصيليّاً انطلاق حركته الإصلاحيّة، متوفّراً على رصد اُصول نهج الإمام ومرتكزات سياسته في التغييرات الواسعة التي قادها، والحركة الإصلاحيّة التي تزعّمها، وما أثارت من أصداء في المجتمع، وما خلّفته من تبعات عليه.
    من بين البحوث الأساسيّة الاُخرى في هذا القسم رصد أبرز الاُصول التي اعتمدها الإمام في الإصلاح على مختلف الصُّعد الثقافيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والقضائيّة والأمنيّة. كما سعى هذا القسم من الكتاب إلى متابعة رؤى الإمام(عليه السلام) في مجال السياسة، وعوامل استقرار الدول، وعوامل انحطاطها وزوالها، وطبيعة تعاون الدول بعضها مع بعض وغير ذلك ممّا له صلة بهذه الدائرة.


    القسم السادس: حروب الإمام عليّ

    يوم أن مسك الإمام أميرالمؤمنين(عليه السلام) زمام الحكم بيده، وراح يطبّق ما كان قد تحدّث عنه ووعد الناس به، برز أمامه تدريجيّاً ما كان قد توقّعه؛ فالوضع لم يحتمل بسط العدل، ولم يُطِق حركة الإصلاح والمساواة وإلغاء الامتيازات الوهميّة، فأخذت الفتن تطلّ برأسها، وبدأت أزمات الحكم.
    ما يبعث على الدهشة أنّ أوّل من استجاش الفتنة وأرباها هُم اُولئك النفر الذين كان لهم الدور الأكبر في إسقاط الحكم السابق، وإرساء قواعد الحكم الجديد!
    ميزة هذا القسم من الموسوعة أنّه تناول بالبحث والتحليل مناشئ هذه الفتن وجذورها، وتابع مساراتها وما ترتّب عليها من تبعات. كما رصد بالتفصيل فتن «الناكثين» و«القاسطين» و«المارقين» التي تعدّ في حقيقتها انعكاساً لحركة الإمام الإصلاحيّة، وردّ فعل على مواضعه المبدئيّة الصُّلبة بإزاء الحقوق الإلهيّة، ودفاعه عن قيم الناس وحقوقها.
    من النقاط المبدعة اللامعة في هذا القسم تسليط الضوء على بعض الزوايا الفكريّة والنفسيّة والمواقف السياسيّة لمثيري الفتنة، ومتابعة تجلّيات ذلك بعمق ودقّة في حركة خوارج النهروان.
    إنّ هذا البحث - في الصيغة التي اكتسبتها هذه الدراسة من خلال معرفة الوثائق التاريخيّة، وتحرّي التوجيهات الروائيّة التي احتوت هذه الخصائص - لهو حديث مبتكر وتحليل بكر بديع.
    على أنّ هذا القسم برمّته هو أكثر أقسام الكتاب عِظة، وأعظمها درساً.


    القسم السابع: أيّام التّخاذل

    اتّسمت السنوات الاُولى لحكم الإمام أميرالمؤمنين(عليه السلام) بأنّها سنوات مواجهة وصِدام مع مثيري الفتنة. هكذا مضت بتمامها، وقد تعب الناس من دوام هذه الفتن وأصابتهم الملالة من المواجهة والاضطراب وعدم الاستقرار. على صعيد آخر دأب أرباب الفتنة - خاصّة مركزها الأساس في الشام - على إيجاد الأزمات على الدوام، وإثارة الفتن باستمرار، وزرع العقبات أمام الحكومة المركزيّة.
    ويجي‏ء القسم السابع هذا حديثاً عن ذلك العهد. فهذه كلمات الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) تفيض من ألم الوحدة وحرقتها، وتبثّ شكواها من مصائب الزمان ودواهيه.
    في تلك البرهة الحالكة من الزمان سقطت مصر؛ فغاب عن الإمام مالك الأشتر؛ أطهر الرجال، وأكفأ القادة، وأشجع الخلّان، وأوفاهم بعد أن ارتوى بشُهد الشهادة. فانكمش قلب الإمام، واُصيبت روحه الطهور، والألم يعتصره من كلّ جانب.
    هذا القسم رحلة تسجِّل وحدة الإمام، وهو منظومة رثاء تعزف لظلامة عليّ، كما هو انعكاس لأصوات غربته المتوجِّعة التي راحت تندّ عن نفسه الطهور.
    وهذا القسم يُسفر عن مشهدٍ آخر ليس له شبهٌ بالمشهد الأوّل الذي رافق بداية عهد الإمام. فالناس لم تعد على استعدادها الأوّل لحضور الجبهات، كما لم تعُد تستجيب لنداءات الإمام وهتافاته للجهاد والنفير. والذي يتفحّص ما كان يبثّه الإمام مراراً من شكوى، يرى فيه خصائص لأهل ذلك العصر وقد آثروا حبَّ الحياة، وراحت أنفسهم ترنو إلى الدنيا، وتصبو إليها.
    في أوضاع كالحة كهذه استعرت بالإمام أميرالمؤمنين(عليه السلام) عواطفه النبيلة، وثارت بين جوانحه أحاسيسه الطهور؛ فملأت نفسه ألماً وغضاضة وهو ينظر إلى جند معاوية تغير على المدن المَرّة تلو الاُخرى؛ تُزهِق أرواح الأبرياء، وتُمارِس النهب والسلب، وتبثّ بين الآمنين الرعب والدمار.
    راحت أخبار الظلم المرير تصل الإمام، وتنهال عليه وقائع غارات معاوية وتهوّر جنده واستهتارهم وضحكاتهم المجنونة، فاهتاجته هذه الحال، والتاعت نفسه وفاضت لها غصصاً وهو يتأوّه من الأعماق، ولكن لا من مجيب!
    وهكذا مضى الإمام أميرالمؤمنين(عليه السلام) وهو يتمنّى الموت مرّات ومرّات!
    بيد أنّه لم يهُن ولم تضعف عزيمته لهذه الرزيئة، ولم يذعن إلى الواقع المرير، بل مضى قَويّاً شامخاً مقداماً لم يتخلّ عن المقاومة حتى آخر لحظة من عمره.
    أجل، هذا أميرالمؤمنين يثبُ كالمنار المضي‏ء آخر أيّام حياته وهو يهيب بالناس العودة إلى صفّين مجدّداً، وقد استنفر بكلماته المفعمة بالحماس جيشاً عظيماً إلى هذه المهمّة. فما أن انتهى من خطبته - وكانت الأخيرة - إلّا وعقد للحسين بن عليّ(عليه السلام)ولقيس بن سعد وأبي‏أيّوب الأنصاري لكلّ واحدٍ في عشرة آلاف مقاتل.
    لكن واأسفاً! فقد أودت واقعة استشهاد الإمام(عليه السلام) واغتياله من قِبل شقيّ «متنسّك» بقواعد هذا البرنامج، فانهار ما دبّره الإمام لاستئصال فتنة الشام واجتثاثها من الجذور؛ إذ ما لبثت أن تداعت الجيوش بعد مقتل الإمام وتفرّقت.
    لقد توفّر هذا القسم على تفصيل هذه اللمحات التي جاءت هنا مختصرة، وغاص بالبحث والتحليل مع جذور هذه الوقائع وأجوائها ومساراتها وما كان قد اكتنفها من أسباب وعوامل.

    يتبع........

  • #2
    القسم الثامن: استشهاد الإمام عليّ

    كان رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) هو الذي أخبر باستشهاد الإمام أميرالمؤمنين عليّ(عليه السلام) . أمّا الإمام نفسه فقد كان وجوده ينمّ عن صبغة وتكوين خاص يشدّه إلى السماء أكثر ممّا يجرّه إلى الأرض ويربطه بها. كان دائماً يتطلّع صوب الملكوت، تهفو روحه إلى هناك بانتظار اللحظة التي يعرج بها إلى السماء.
    كم كانت عظيمة هذه الرحلة صوب الملكوت وهي تحمل عليّاً مضرَّجاً بدم الجراح، ومضمَّخاً بالنقيع الأحمر.
    ما كان أعظم شوقه للمنيّة! فهاهو ذا عليّ والسيف الغادر المسموم يرقد على مفرقه ويشقّ رأسه، يتطلّع إلى الملأ الأعلى، ويهتف في وصف رحلته ويقول: «كطالبٍ وجد، وغاربٍ ورد».
    القسم الثامن هذا اختصّ بمتابعة ما كان ذكره رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) عن استشهاد عليٍّ(عليه السلام) ، وما كان يحكيه عليّ عن شهادته. كما تابع بقيّة مكوّنات المشهد؛ إذ وقف في البدء مع واقعة الاغتيال يصفها عن قرب، ثم انتقل مع الإمام المسجّى مع جراحه راصداً جميع ما نطق به من تعاليم ووصايا وحِكَم مذ هوى على رأسه سيف الغدر حتى لحظة استشهاده، ثمّ انتقل إلى الجانب الآخر متقصّياً ردّفعل ألدّ أعداء عليّ‏ (عليه السلام) وما نطق به عند ما بلغه خبر شهادة الإمام.
    كما لم يهمل واقعة تجهيز أميرالمؤمنين(عليه السلام) ودفنه وإخفاء قبره.
    واختُتم هذا القسم بذكر زيارة مرقد الإمام أميرالمؤمنين(عليه السلام) وبركات ذلك وما يتّصل بروضته الشريفة.


    القسم التاسع: الآراء حول شخصيّة الإمام

    تؤلّف تجلّيات شخصيّة الإمام أميرالمؤمنين(عليه السلام) على لسان الرجال وفي كلمات الرموز الكبيرة، بل وحتى على لسان أعدائه، أحد أهمّ فصول معرفة أبعاد شخصيّته.
    ربّما لا نبالغ إذا قلنا إنّ ما حفَّ شخصيّة عليّ بن أبي‏طالب، وما قيل فيه وعنه من كلام وأحكام وتجليل وتكريم وخطب وقصائد ومدائح، وما أحاط به من ذهول وحيرة وهتاف وصمت، فاق الجميع بحيث لا يمكن مقارنته بأيّ شخصيّة اُخرى في تاريخ الإسلام.
    في هذا القسم يطلّ القارئ على شخصيّة عليّ بن أبي‏طالب(عليه السلام) من خلال ما نطق به القرآن، وما جاء على لسان النبيّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم) والإمام عليّ نفسه، وسيّدة النساء فاطمة الزهراء(عليها السلام)، وصحابة النبيّ، وأهل البيت(عليهم السلام) ، وزوجات النبيّ، كما يتطلّع إلى اُفقها العريض عبر ما خطّه عدد كبير من الرموز العلميّة والثقافيّة والسياسيّة البارزة، وما جادت به قرائح الشعراء والاُدباء والخطباء؛ حتى أعداؤه.
    ويمضي القارئ في هذا القسم مع رجال قالوا في عليّ(عليه السلام) كلمات مسفرة كضوء الفجر، انطلقت من قلوب مفعمة بالشوق والحبّ.
    وقد ترك بعضهم شهادة صريحة للتاريخ في أنّ فضائل عليّ بن أبي‏طالب(عليه السلام) ومناقبه تعظم على الإحصاء، ولا تقوى الصحف المكتوبة بأجمعها على استيفائها.
    وقالوا: إنّ الصمت أقوى من كلّ حديث عن عليٍّ(عليه السلام) ، وأمضى من كلّ الكلمات.
    فهذه كلماتهم تخطّ لعليّ أنّه الأعلم، وهو الأعرف من الجميع بكتاب‏اللَّه، وعليّ الأشجع في سوح الوغى، وهو أكثر الناس إخلاصاً وتبتّلاً وطاعة.
    علىٌّ الهيّن الليّن أكرم الناس خلقاً، وقلبه الشاخص إلى ربّه أبداً.
    عليٌّ في مضمار البلاغة بحر لا يُنزَف، وهو سيّد البلَغاء، وأفصح الخطباء.
    عليٌّ المجاهد الذي تَثِبُ به بصيرته، وهو الصلب الذي لا تلين له عريكة، ولا تُوهنه الصعاب، ملؤه إقدام ومضاء.
    وعليٌّ أعرف الاُمّة بالحقّ، وأنفذ الرجال بصيرة.
    هذه بعض كلماتهم في عليّ. ولعليّ بعد ذلك كلّ فضيلة وكمال، فله وحده ما كان للصالحين جميعاً.
    كان علي وِتراً التقت فيه جميع خصال الجمال، وتألّقت في ذراه الفضائل بأكملها، وحطّت عنده المكارم. وهو في الفتوّة وِتر لا ندّ له ولا نظير.
    هذه الحقيقة نلحظها تتوهّج بين ثنايا هذا القسم عبر شهادة وأقوال عشرات المفكّرين، تتوزّعهم مختلف الاتّجاهات والرؤى، بل نرى بعضها متضادّاً أحياناً!
    ولاريبَ أنّ قراءة كلّ هذه الشهادات والأقوال، والاطّلاع على هذه القطوف الدانية من كلمات المدح والإطراء، لهو أمر خليق أن يشدّ إليه القارئ ويجذبه إلى دائرة نفوذه.


    القسم العاشر: خصائص الإمام عليّ

    عليّ بعد النبيّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم) هو اللوحة الفريدة الوحيدة التي تتجلّى بها خصائص الإنسان الكامل. وهذه الحقيقة الناصعة الكريمة كانت قد أفصحت عن نفسها خلال القسم السابق عبر ما جاء عن المعصومين(عليهم السلام) ، وما نطق به الصحابة والعلماء والفلاسفة والمتكلّمون والباحثون.
    ماينهض به القسم العاشر هو إبانة خصائص الإمام أميرالمؤمنين(عليه السلام) وتسليط أضواء مكثّفة على ماتحظى به شخصيّته الفذّة من أبعاد ومكوّنات. انطلاقاً من هذا طاف القسم مع الإمام في خصائصه العقيديّة والأخلاقيّة والعلميّة والسياسيّة والاجتماعيّة والفكريّة، التي تتلاقى فيما بينها لتؤلّف صرح هذا الرجل التاريخي الشامخ والمنار المضي‏ء الذي لا نظير له.
    يالروعته وتفرّده! فلم يكفر باللَّه طرفة عين، وهو في ثبات إيمانه، ورسوخ يقينه أمضى من الجبال الرواسي، لا يرقى إلى قمّته أحد قطّ. يعمر الخلق الكريم جنبات وجوده، وتفوح حياته بالإخلاص والإيثار، وتمتلئ أرجاؤها بالمكرمات.
    في محراب العبادة هو الأوّاه المتبتّل أعبد العابدين، وقلبه المجذوب إلى ربّه أبداً، وهو في الصلاة أخشع المصلّين.
    ومن يمعن في ميدان السياسة يجده الأصلب، شاهقاً يفوق الجميع، ذكيّاً لا تضارعه الرجال، أدرى الناس بملابسات الزمان.
    للمظلومين نصيراً لا يكلّ عن الانتصاف لهم ولا يملّ، وهو على الظالمين كنارٍ اشتدّت في يوم عاصف.
    علمه الأكمل، وبصيرته الأنفذ، ورؤيته إلى اللَّه وإلى عالم الوجود والخليقة شفيفة رائقة، سليمة نقيّة، لا تضارعها نظرة ولا يضاهيها نقاء.
    أجل؛ حسبُ عليّ أنّه كان عليّاً وحسب، خالصاً للَّه من دون شَوب، شاهداً على الرسالة، مجسّداً لقيمها الرفيعة ومُثلها العليا.
    وهذا القسم يقدّم هذا جميعاً إلى طلابّ الحقّ والنفوس الظمأى للحقيقة، ويحمله إلى العقول المتلهّفة لمعرفة عليّ، عبر مرآة متألّقة بنور الآيات الكريمة، ومن خلال النصوص والوقائع التاريخيّة.


    القسم الحادي عشر: علوم الإمام عليّ
    عليّ(عليه السلام) أعظم تلميذ بزغ في مدرسة محمّد(صلى اللّه عليه وآله وسلم) . أبصر فيه رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) من الجدارة والاستعداد ما يفوق به كلّ إنسان، ومن القدرة على التعلّم ما لا مدى له، ففاض على روحه علماً غزيراً لا ينضب، وأراه الحقائق الكبرى الناصعة؛ وبتعبير النصوص الروائيّة والتاريخيّة لقّنه «ألف باب»، و«ألف حرف»، و«ألف كلمة»، و«ألف حديث»(3) في مضمار معرفة الحقائق وتحرّي العلوم.
    عليّ(عليه السلام) باب حكمة النبيّ، ومدخل علم رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) ، وهو خزانة علمه، ووارث علوم جميع النبيّين.
    عليّ المؤتمن على حكمة النبيّ الحافظ لعلمه، ومن ثَمَّ هو أعلم الاُمّة.
    أميرالمؤمنين(عليه السلام) اُذن واعية، لذا فهو لا ينسى ما يقرع فؤاده من العلم، وبذلك راحت الحكمة تتفجّر من بين جوانحه، وتفيض نفسه الطهور بحقائق المعرفة.
    لكن أسفاً وما أعظمها لوعة أن تكون مقادير الحياة قد غيّبت اُولئك الرجال الذين يهيب بهم استعدادهم الوجودي لتلقّي المعرفة العلويّة الناصعة. ولو كانوا هناك لفاض عليهم الإمام بقبضة من شعاع علمه الباهر، ولأشرق الوجود بقبسٍ من نور معرفته.
    كان عليّ(عليه السلام) يحظى من «علم الكتاب» بعلمه الكامل كلّه، في حين لم يكن لآصف بن برخيا من «علم الكتاب» إلّا بعضه، فأهّله أن يأتي إلى سليمان(عليه السلام) بعرش بلقيس في طرفة عين أو أقلّ(4).
    لم يعرف علم عليّ(عليه السلام) مدىً، ولم يوقفه حدّ، بل امتدّ سعةً حتى تخطّى كلّ العلوم. فهو في الذروة القصوى في علوم القرآن، وفي معارف الشريعة، وعلوم الدين، وعلم البلايا والمنايا، وهو السنام الأعلى في كلّ معرفة.
    هل تجد لعليّ نظيراً في معرفة اللَّه، وهو ذا رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) يقول: «ما عرف اللَّه إلّا أنا وأنت»؟
    أجل؛ هو ذا كما يقول النبيّ الأقدس؛ فهذا كلامه في التوحيد ومراتبه، وفي إثبات الصانع وطرق الاستدلال عليه، وفي معرفة اللَّه وصفاته يقف في الذروة العليا، وله في نظر الفلاسفة والمتكلِّمين مرتبة سامقة لا تُضاهى.
    إنّ ما نطق به الإمام عليّ(عليه السلام) حول الوجود، وما ذكره عن المخلوقات، وما توفّر على إظهاره من نقاط بديعة حيال الخليقة لهو ينمّ عن إحاطة علميّة بضروب المعرفة البشريّة.
    فكلمات الإمام أميرالمؤمنين(عليه السلام) عن بدء الخليقة، وخلق الملائكة والسماوات والأرضين والحيوان، وما فاض به عن المجتمع والنفس وحركة التاريخ، وما أدلى به من إشارات عن الرياضيّات والفيزياء وعلم الأرض (الجيولوجيا) وغير ذلك ممّا يعدّ في حقيقته تنبّؤات علميّة، ويدخل في المعجزات العلميّة للإمام، لهو قمين بالإعجاب، وخليق أن يملأ النفس خضوعاً ودهشة.
    لم يعرف التاريخ على امتداده رجلاً، عالماً كان أم فيلسوفاً أم مفكِّراً، ينهض بعلوّ قامته، ويقول بثبات: سلوني ما تشاؤون. ثمّ لم يعجزه الجواب أبداً، ولم يلبث حتى لحظة واحدة كي يتأمّل بما يجيب.
    وهذا القسم ليس أكثر من إيماءة إلى علوم عليّ بن أبي‏طالب(عليه السلام) ، وهو إشارة على استحياء إلى بحره الزخّار، ونظرة عابرة تومض من بعيد إلى اُفق المعرفة العلويّة.


    القسم الثاني عشر: قضايا الإمام عليّ

    القضاء صعب، وأصعب منه القضاء الراسخ الذي يستند إلى الصواب والحقّ.
    يستند القضاء من جهة إلى علم راسخ، ويتطلّب من جهة اُخرى روحاً كبيرة وشخصيّة ثابتة لا تخشى التهديد ولا تميل إلى التطميع، ولا تطوح بها العلائق والأهواء عن جادّة الحقّ والصواب.
    وأقضية عليّ بن أبي‏طالب(عليه السلام) هي منارات مضيئة في الحياة، وأكاليل رفيعة في رحاب الحياة السياسيّة، وأحرى بها أن تكون من أعاجيب التاريخ القضائي.
    لقد تناول هذا القسم أقضية الإمام في أربعة فصول توفّر كلّ واحد منها على بُعد. فقد مرَّ في البدء على الموقع القضائي الذي يحظى به الإمام، وأنّه «أقضى الاُمّة» بمقتضى صريح كلام رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) .
    ثمّ انعطف إلى بيان أمثلة لأقضية عليّ(عليه السلام) على عهد النبيّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم) ، متابعاً لها وهي تتوالى في عهد خلافته الراشدة، لتكشف بأجمعها عن علم واسع عميق، وصلابة ماضية في السلوك، وثبات راسخ، وإيثار الحقّ على ما سواه، والدفاع عن الحقيقة في خضمّ الحياة.


    القسم الثالث عشر: آيات الإمام عليّ

    الإنسان خليفة اللَّه في الأرض. والأبعاد المعنويّة هي أسمى مظهر باهر يتألّق في شخصيّة الإنسان، وإذا ما ارتقى الإنسان على هذا الخطّ وصار قريباً إلى اللَّه عبر السلوك المعنوي، فسيكون كلّ ما يصدر عنه مذهلاً عجيباً، وتصير حياته وتعاطيه مع الوجود «تجلّيات» للقدرة الإلهيّة.
    حين تُبصر عليّاً(عليه السلام) في هذا المجال تجده «ممسوساً في ذات اللَّه» على حدّ ما نصّ عليه رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) في وصفه، وهو أدرى الناس به، وعليّ ثمرة لتربية الرسول. ومن ثَمَّ كان حريّاً بحياته أن تكون - ولا تزال - مشرقة بأكثر تجلّيات هذا «الخليفة الربّاني» نوراً ووضاءة.
    لقد توفّرت فصول هذا القسم على الإيماء إلى أمثلة للقدرة المعنويّة الباهرة، والولاية التكوينيّة التي يحظى بها الإمام، ومرّت على بعض تجلّيات هذا «الخليفة الربّاني»، وما يشعّ به وجوده من مظاهر القدرة والعظمة الإلهيّة.
    كان من بين المحطّات التي لبثت عندها فصول هذا القسم أمثلة لإجابة الدعوات، وإخبار الإمام بالمغيّبات، وبعض ما له من كرامات مثل «ردّ الشمس» التي تعدّ منقبة تختصّ به وحده، وفضيلة تبعث على الدهشة، وتدعو إلى العجب.
    هذا القسم في حقيقة الإمام أميرالمؤمنين(عليه السلام) رحلة تطوف معه لتبرز بُعده المعنوي في التعامل مع اُفق الوجود، وتؤشّر إلى موقعه المنيف في معارج الصعود، وما يحظى به هذا الإنسان الربّاني من مكانةٍ عظيمة على مهاد الأرض، كما تكشف عن دوره ك «خليفة إلهي».


    القسم الرابع عشر: حبّ الإمام عليّ

    الجمال حبيب إلى الإنسان، والإنسان يهفو إلى الجمال، ولن تجد إنساناً يصدّ عن الجمال أو تنكفئ نفسه عن المكرمات والفضائل السامقة أو يُشيح عن المُثل العليا.
    هو ذا عليّ(عليه السلام) مصدر جميع ضروب الجمال، يتفجّر وجوده بالكمال، وتحتشد فيه جميع الفضائل والمكارم والقيم؛ فأيّ إنسان يبصر كلّ هذا التألّق ولا يشدو قلبه إلى عليّ حبّاً وإيماناً؟ وأيّ إنسان له عين بصيرة ويعمى عن ضوء الشمس؟
    دعْ عنك اُولئك النفر الذين ادلهمّت نفوسهم بظلمة حالكة، فعميت أبصارهم عن رؤية هذا الجمال الباهر الممتد، ولم يُبصروا مظاهره الخلّابة.
    وإلّا لو خُلّي الإنسان وإنسانيّته لاُلفي باحثاً عن الجمال أبداً متطلّعاً إليه على الدوام.
    كذلك هو عليّ أحبُّ الخلق إلى اللَّه خالق الجمال وواهب العظمة. كما هو الأحبّ عند الملائكة وعند رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) . وهل يكون هذا إلاّ لجوهر الذات العلويّة، وللمكانة المكينة التي يحظى بها هذا الإنسان الملكوتي الذي تتقرّب الملائكة - أيضاً - إلى اللَّه بمحبّته؟
    إنّ لحبّ عليّ في ثقافتنا الدينيّة شأناً عظيماً يُبهِر العقول، ويبعث على التأمّل.
    وما نهض به هذا القسم أنّه وثَّقَ لهذه الحقيقة نصوصَها. وقد جاءت النصوص تفصح دون مواربة ولُبْس أنّ حبّ عليّ حبٌّ للَّه ولرسوله، وتسجِّل بنصاعة وضّاءة أنّ حبّ عليّ «نعمة» و«فريضة» و«عبادة»، وهو «العروة الوثقى» و«أفضل العمل» و«عنوان صحيفة المؤمن».
    فحبّه إذاً من دين اللَّه بالصميم.
    ومع أنّ هذا القسم لا يدّعي أنّه قد استقصى كلّ النصوص الروائيّة التي لها مساس بعليّ(عليه السلام) في هذا المجال، إلّا أنّ ما توفّر على ذكره أسفر بوضوح: أنّ حبّ عليّ هو السبيل إلى بلوغ حقائق المعرفة الدينيّة، وهو الذي يشيع السكينة في أرجاء الحياة، وبحبّ عليّ يكتمل الإيمان والعمل، وبه تُرفع أعمالنا مقبولة إلى اللَّه سبحانه، وبحبّ عليّ يستجاب الدعاء وتُغفر الذنوب.
    وبحبّ عليّ(عليه السلام) تنتشر نسائم السرور على الإنسان عند الموت، وحبّ عليّ لُقيا يُبصِر بها المحتضر وجه المولى عند الممات، وحبّ عليّ جواز لعبور الصراط وللثبات عليه، وهو الجُنّة التي تقي نار جهنّم.
    ومسك الختام: أنّ حبّ عليّ هو الحياة الطيّبة في جنّة الخُلد.
    إنّ كلّ ذلك لا يكون إلّا بحبّ عليّ، وفي ظلال حبّ عليّ(عليه السلام) .
    لم تتردّد النصوص الروائيّة لحظة وهي تسجّل بثبات راسخ أنّ حبّ عليّ(عليه السلام) هو دليل طهارة المولد، وعلامة على الإيمان والتقوى، وهو عنوان شهرة الإنسان ومعروفيّته في السماوات وعند الملأ الأعلى، وهو رمز السعادة.
    وبعدُ؛ فإنّ كلّ هذا الحشد من التأكيد على الحبّ العلوي، ووصله برباط وثيق مع الحبّ الإلهي، وبحبّ رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) لهو دليل شاخص على أنّ الحبّ المحمّدي الصحيح لن يكون ممكناً من دون الحبّ العلوي. وما ادّعاء حبّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم)من دون حبّ عليّ(عليه السلام) إلّا عبث جزاف ودعوة باطلة.
    على أنّ هذا القسم يعود ليكشف في جوانب اُخرى على أنّ حبّ عليّ(عليه السلام) ما كان شعاراً يُرفع وحديثاً يُفترى، بل هو اُسوة يقتدي فيها المحبّ بحياة عليّ، يلتمس هديه في خطاه، يعيش كما يعيش، ويفكّر كما يفكّر، ويمارس معايير عليّ في الحبّ والولاء، وفي البغض والبراءة، ويحثّ خطاه صوب قيَمه دائماً وأبداً، وإلّا كيف يجتمع حبّ عليّ مع حياة سفيانيّة ونهج اُموي؟
    آخر ما يشدّ إليه الانتباه في مادّة هذا القسم هو التحذير من الغلوّ؛ فمع كلّ هذا التركيز المكثّف العريض على حبّ الإمام أميرالمؤمنين(عليه السلام) ، وإلى جوار هذه الإشادة بالآثار العظيمة التي يُغدقها هذا الحبّ على الحياة الماديّة والمعنويّة، جاءت التعاليم النبويّة والعلويّة والدينيّة تشدّد النكير، وتُعلن التحذير الكبير من الغلو بهذا الحبّ. فهاهي ذي النصوص الحديثيّة تنهى عن الإفراط وتذمّه، وتعدّه انحرافاً يهيّئ الأجواء إلى انحرافات أكبر.



    يتبع.........

    تعليق


    • #3
      القسم الخامس عشر: بغض الإمام عليّ

      على قدر ما تكون شخصيّة عليّ الطالعة المهيبة بالغة الروعة والجمال لذوي النفوس الزكيّة، موحية أخّاذة لذوي الأفكار الرفيعة، محبوبة خلاّبة لذوي الفِطَر النقيّة والطباع الكريمة، فهي تثير الغيظ في النفوس المدلهمّة المظلمة، وتستجيش عداوة الوصوليّين النفعيّين، وبغضاء ذوي الأغراض الدنيئة الهابطة، والنوازع المنحطّة.
      إنّ التاريخ يجهر أنّ أعداء عليّ بن أبي‏طالب كانوا من حيث التكوين الروحي سقماء غير أسوياء نفسيّاً، ومن حيث التكوين الفكري كانوا منحرفين بعيدين عن الصواب. أمّا من حيث مكوّنات الشخصيّة فقد كانوا اُناساً تستحوذ عليهم الأنانيّة والأثَرة، يُنبئ باطنهم عن الفساد والأغراض الهابطة.
      هذا رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) يستشرف مستقبل الإسلام عبر مرآة الزمان، يعلم بالفتن ويعرف مثيريها وأصحابها. وهو ذا يؤكّد في كلّ موقعٍ موقعٍ من أشواط حياته المملوءة عزماً وتوثّباً والتزاماً على حبّ عليّ بن أبي‏طالب، ويحذّر الناس من بغضه، وينهاهم عن عداوته وشنآنه.
      يسجّل رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) بصراحةٍ لا يشوبها لبسٌ أنّ بغض عليّ بن أبي‏طالب كفر، وأنّ مَن آذى عليّاً فقد آذاه.
      ليس هذا وحده، بل مضى رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) يرسم ثغور الجبهة الاجتماعيّة ويحدّد اصطفافاتها العامّة بما يُظهر أنّ مَن هو مع عليّ وعلى حبّ عليّ فهو مع النبيّ نفسه، ومَن يناهض عليّاً ويعاديه فموقعه في الجبهة التي تعادي النبيّ وتُناهض رسالته.
      لقد أفصحت النصوص المعتبرة عند الفريقين ممّا تقصّاها هذا القسم، على أنّ أعداء عليّ بن أبي‏طالب بعيدون عن رحمة اللَّه سبحانه، وأنّ خسرانهم وسوء منقلبهم أمر قطعي لا ريب فيه. فمن يمُت على بغض عليّ(عليه السلام) يمُت ميتة جاهليّة، وبغض عليّ علامة تُجهر بنفاق صاحبها وفسقه وشقائه.
      وإذا كان بغض عليّ(عليه السلام) يستتبع ميتة جاهليّة؛ فإنّ إنساناً كهذا لن ينتفع شيئاً من تظاهره بالإسلام، وهو يُحشر في القيامة أعمى، ليس من مصير يؤول إليه سوى نار جهنّم.
      يضع هذا القسم بين يدي القارئ نصوصاً حديثيّة وروائيّة كثيرة، فيها دلالة على ما سلفت الإشارة إليه. وهو - علاوة على ذلك - يعرّف بعدد من ألدّ أعداء الإمام وأعنف المبغضين له، كما يمرّ على جماعة من المنحرفين عنه، وعلى القبائل التي كانت تكنُّ له البغضاء، ولا غرابة فقد قيل: «تُعرف الأشياء بأضدادها».
      هذا عليٌّ، ولا يلحق به لاحق، واسمه الآن يصدح عبر اُفق المكان والزمان، ويعلو شاهقاً على ذرى التاريخ، وهذه تعاليمه وكلماته مسفرة كضوء الفجر متألّقة على مدار الزمان.
      أما والأمر كذلك؛ فقد كان حريّاً بهذا القسم أن يلبث عند تلك الجهود المحمومة كاللهب، وعند تلك الصدور الموبوءة بالحقد، وقد نفثت أحقادها علّها تُطفئ الشعلة المتوقّدة، أو عساها تنال من وهجها شيئاً، حتى تستيقن النفوس بوعد اللَّه الذي وعَده، وكي لا يستريب أحد بقوله سبحانه: يُرِيدُونَ لِيُطْفُِواْ نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ‏ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ(5). وهكذا كان.


      القسم السادس عشر: أصحاب الإمام عليّ وعمّاله

      مع هذا القسم يُختَتم الكتاب ويبلُغ نهايته. بعد أن لبث القارئ مع خمسة عشر قسماً من الموسوعة، وصار على معرفة واسعة ممتدّة بمختلف أبعاد حياة الإمام أميرالمؤمنين(عليه السلام) المملوءة بالتعاليم الواعية البنّاءة التي تُنير الحياة وتفتح المغاليق؛ بعد هذا كلّه آن له أن يرحل في هذا القسم مع جولة تطوف به على عدّة من أصحاب عليّ(عليه السلام) وعمّاله، يتعرّف عليهم وينظر إليهم عن كثب.
      في هذا القسم يخرج القارئ بحصيلة معرفيّة معطاءة عن اُولئك الرادة الذين تربّوا في كنف عليّ، وتخرّجوا من مدرسته، وفي الوقت ذاته تتكشّف له معالم الحكم العلوي وما كان يعانيه من قلّة الطاقات الرياديّة الملتزمة الرشيدة، وما يكابده الحكم من نقص في القوى الفاعلة المطيعة المسؤولة. وهذا الواقع يُسهم إلى حدّ في الإفصاح عن السرّ الكامن وراء بعض النواقص التي بدت في الحكم العلوي، ويُعين القارئ على إدراك ذلك، كما تمنحه معطيات هذا القسم موقعاً أفضل للتوفّر على تحليل واقعي لحكومة الإمام.
      من الجليّ أنّ أصحاب الإمام لم يكونوا على مستوى واحد، كما لم يكن عمّاله كذلك. لقد كانت ضرورات الحكم ومتطلّبات الإدارة العامّة تُملي على الإمام أن يلجأ أحياناً إلى استعمال اُناس ثابتين في العقيدة بيدَ أنّهم غير منضبطين في العمل. لكن الإمام لم يكن يغفل لحظة عن تنبيه هؤلاء وتحذيرهم المرّة تلو الاُخرى، كما لم يُطق مطلقاً انحرافاتهم وما يصدر عنهم واضطراب سلوكهم مع الناس.
      إنّ عليّاً الذي أمضى عمراً مديداً يضرب بسيفه دفاعاً عن الحقّ؛ وعليّاً الذي اختار الصمت سنوات طويلة من أجل الحقّ «وفي العين قذى، وفي الحلق شجا»؛ عليٌّ هذا لا يُطيق المداهنة - وحاشاه - في تنفيذ الحقّ، ولا يعرف المجاملة في إحقاقه، ولا يتحمّل المساومة أبداً.
      تتضاعف أهميّة هذا القسم من الموسوعة، وهو حريّ بالقراءة أكثر، ونحن نبصر - فيه - مواقف الإمام من الأصحاب والعمّال مملوءة دروساً وعبراً.
      ومع القسم السادس عشر يشرف الكتاب على نهايته، ليكون القارئ قد خرج من الموسوعة بسيل متدفّق من المعرفة، وبفيض من التحاليل والرؤى والأفكار والأخبار، تستحوذ عليها جميعاً شخصيّة الإمام عليّ بن أبي‏طالب(عليه السلام) .


      خصائص الموسوعة

      انتهى للتوّ استعراض وجيز قدّمناه لأقسام «الموسوعة» الستّة عشر دون خوض لما احتوته فصولها من تفاصيل، وما ضمّته من مداخل صغيرة كانت أم كبيرة، وقد آن الأوان للحديث عمّا تحظى به من خصائص.
      بيد أنّا نعتقد أنّ السبيل إلى معرفة خصائص الموسوعة - وربّما ما تحمله من مزايا ونقاط بارزة - يُملي علينا أن نُلقي نظرة إلى ما كُتب عن الإمام أميرالمؤمنين(عليه السلام) حتى الآن، كي تتّضح من جهةٍ ضرورات التعاطي مع هذه المجموعة، وتستبين من جهة اُخرى نقاط قوّتها وما قد تكون حقّقته من مكاسب ومعطيات على هذا الصعيد.


      غزارة المدوّنات وكثرتها عن الإمام

      يحظى الإمام أميرالمؤمنين(عليه السلام) بشخصيّة هي في المدى الأقصى من الجاذبيّة؛ ومن ثَمّ فتَملّي سيرة هذا العظيم، والتطلّع إلى حياته العبقة الفوّاحة هو ممّا لا يختصّ باتّجاه دون آخر. فهاهم الجميع من كافّة الاتّجاهات والأفكار يكتبون عن الإمام، وهاهي ذي شخصيّته المتوهّجة تجذب كلّ المسالك والميول، وتستقطب لدائرتها كافّة القرائح والأقلام.
      هكذا تمثّلت واحدة من خصائص عليّ بن أبي‏طالب بغزارة ما كُتب عنه، وكثافة التآليف التي أطلّت على حياته وسيرته، وتناولت بالبحث إمامته وخلافته، واندفعت تُعنى بحِكمه وتعاليمه، وبآثاره ومآثره.
      فتاريخ الإسلام بدون اسم عليّ بن أبي‏طالب ومن دون مآثره وبطولاته التي بلغت أعلى ذروة، هو تاريخ أجوف مشوّه، وكتلة هامدة بلا حراك ولا روح، وهو بعد ذلك لا يمتّ إلى حقيقة التاريخ الإسلامي بصلة.
      فهاهي ذي قمم تاريخ صدر الإسلام تتضوّع باسم عليّ، وتفوح بذكراه، وهاهو ذا ظلّه يمتدّ ويطول فلا يغيب عن واقعة قط.
      وما خطّته الأقلام عن الإمام أميرالمؤمنين(عليه السلام) يفوق الحصر عدّاً، فهذا رصد واحد قدّم خمسة آلاف عنوان كتاب بعضها في عدّة مجلدات، دون أن يستوفي الجميع.


      تصنيف الكتابات

      ما جادت به القرائح والأقلام عن عليّ بن أبي‏طالب يقع في جهات متعدّدة، ويمتدّ محتواه على مواضيع مختلفة. مع ذلك يمكن تصنيف الحصيلة في رؤوس العناوين التالية:
      أ - تاريخ حياة الإمام.
      ب - خلافة الإمام.
      ج - خصائص الإمام وفضائله.
      د - مواضيع لها صلة بالإمام أو تدور حوله مثل الغدير، وآية التطهير، والولاية، وما إلى ذلك.
      ه - تفسير الآيات النازلة بشأن الإمام.
      و - أقضية الإمام.
      ز - أدعية الإمام.
      ح - الأحاديث والنصوص النبويّة عن الإمام.
      ط - كلام الإمام، ولهذا صيغ مختلفة كالأحاديث ذات الصيغة البلاغيّة، والاُخرى رُتّبت على أساس الحروف الهجائيّة.
      ي - الشروح؛ وتشمل شرح خطبة واحدة، أو كتاب واحد أو رسالة واحدة، وإلى غير ذلك من الصيغ.
      ك - ما جادت به القرائح والأقلام نظماً ونثراً عن فضائل الإمام ومناقبه ومراثيه.
      ل - كرامات الإمام ومعاجزه في حياته وبعد استشهاده.
      يفصح هذا التصنيف بموضوعاته المختلفة أنّ الأقلام قد تبارت متحدّثة عن الإمام عليّ(عليه السلام) من زوايا مختلفة، كلّ واحد يعزف على حياته وآثار عظمته من بُعده الخاص.
      أما وقد اتّضح ذلك على وجه الإجمال، تعالوا ننعطف إلى خصائص هذه «الموسوعة» وما قد تحظى به من مزايا، نجملها من خلال العناوين التالية:


      1 - الشمول ومبدأ الانتخاب

      في الوقت الذي حرصت «الموسوعة» على تجنّب التكرار(6)، والإحالة إلى النصوص المتشابهة، فقد سعت إلى الجمع بين الشمول والاختصار معاً، متحاشية الزوائد والفضول، من خلال التأكيد على مبدأ الانتخاب.
      لقد انطلقت «الموسوعة» تجمع النصوص والأحاديث والنقول من مصادر الفريقين، مع التركيز على ما له مساس بالإمام أميرالمؤمنين(عليه السلام) .
      هكذا تطمئنّ نفس الباحث الذي يراجع هذه المجموعة إلى أنّه قد اطّلع على حصيلة ما جادت به الأقلام حيال الإمام عليّ(عليه السلام) ، كما ينفتح أمامه الطريق ممهّداً لاختيار الموضوع أو المواضيع التي يصبو إلى دراستها، عبر الكثافة المعلوماتيّة التي يوفّرها له حشد كبير من المصادر والهوامش والإيضاحات التي جاء ذكرها في الهوامش.


      2 - الاستناد الواسع إلى مصادر الفريقين

      حقّقت «الموسوعة» لأوّل مرّة أوسع عمليّة استعراض لمصادر الفريقين التاريخيّة والحديثيّة، حيث استنطقت ما حوَته صحفاتها من ذكرٍ لمختلف جوانب شخصيّة الإمام عليّ(عليه السلام) .
      بِلغة الأرقام؛ لم تبلغ هذه «الموسوعة» نهايتها، ولم تكتسب هذه الصيغة إلّا بعد مراجعة ما ينوف على الأربعمائة وخمسين كتاباً أربت مجلّداتها على الألفين، منها مئتا كتاب من مصادر الشيعة، ومئتان وخمسون كتاباً من مصادر أهل السنّة.
      ثمّ لكي ترتاد بالباحثين صوب آفاق معرفيّة ممتدّة، وحتى تفتح لهم السبيل واسعاً للدراسة والتحليل، فقد أحالت في هوامشها إلى ما يناهز الثلاثين ألف موضع من مصادر الفريقين، ويكفي هذا وحده للكشف عن المدى الأقصى الذي بلغه البحث.


      3 - وثاقة المصادر

      في تدوين هذه الموسوعة عمدنا في البدء إلى جمع المعطيات على جذاذات (بطاقات) مستقلّة من المصادر مباشرة، مع الاستعانة بأنظمة الحاسوب الآلي وأقراص الخزن باللغتين الفارسيّة والعربيّة على قدر ما تسمح به الإمكانات، ثمّ جمعنا النصوص المتشابهة حيال الموضوع الواحد، وسعينا بعدئذٍ إلى انتخاب أكثر هذه النصوص وثاقة، وفرز ما هو أقدمها وأكثرها شمولاً.
      لقد حرصنا على أن تأتي النصوص المنتخبة من أوثق الكتب الحديثيّة والتاريخيّة وأهمّها. لكن ينبغي أن نسجّل أنّ وثاقة النصوص والنقول في البحث التاريخي تختلف اختلافاً بيّناً عمّا هي عليه في النصوص والنقول الفقهيّة؛ فمن الواضح أنّ ذلك التمحيص الذي ينصبّ على سند الرواية الفقهيّة، لا يجري بنفسه على البحوث التاريخيّة.
      فما يستدعيه البحث التاريخي أكثر؛ هو طبيعة النصّ (الوثيقة) ومدى ثباته وسلامته، وهذه غاية يبلغها الباحث باستخدام قرائن متعدّدة.
      في رؤيتنا أنّ النصّ أو النقل الموثّق - فقهيّاً كان أم تاريخيّاً - هو الذي يكون موثوقاً يبعث على الاطمئنان، حتى لو لم يحظَ بسند ثابت وصحيح. نسجّل ذلك رغم انتباهنا لأهميّة السند الصحيح والموثّق في إيجاد الاطمئنان.
      وينبغي أن نُضيف أيضاً إلى أنّ الوثوق السندي في النصوص التي تستند إلى المصادر الحديثيّة والتاريخيّة للفريقين (الشيعة والسنّة) لا يمكن أن يكون ملاكاً كاملاً وتامّاً؛ إذ من الواضح أنّ لكلّ فريق رؤيته الخاصّة في تعيين «الثقة» و«غير الثقة»، كما له مساره الخاصّ ونهجه الذي يميّزه في الاُصول الرجاليّة.
      الكلمة الأخيرة على هذا الصعيد تتّجه إلى طبيعة الملاك الذي انتخبناه؛ ففي عمليّة جمع النصوص وفرزها عمدنا بالإضافة إلى ما بذلناه من جهد في توثيق المصدر والاهتمام بالسند، إلى مسألة نقد النصّ كي يكون هو الملاك الأهمّ في عملنا. وفي هذا الاتّجاه سعينا إلى بلوغ ضرب من الاطمئنان من خلال تأييد مضمون النصّ بالقرائن النقليّة والعقليّة، كي يتحوّل ذلك إلى أساس نطمئنّ إليه في ثبات النصّ.
      على هذا لم نلجأ إلى الأحاديث المنكرة حتى لو كان لها أسانيد صحيحة. وإذاما اضطرّتنا مواضع خاصّة لذكر نصّ غير معتبر؛ فإنّنا نعطف ذلك بإيضاح ملابسات الموضوع.


      4 - التحليل والتصنيف

      يلتقي الباحثون على صفحات هذه الموسوعة، والمتشوّفون إلى سيرة عليّ(عليه السلام) ومعارفه مع سبعة آلاف نصّ تاريخي وحديثي تدور كلّها حول الإمام.
      لقد سعى هذا المشروع إلى أن يقدّم عبر الأقسام والفصول مجموعة من التحليلات والنظريّات التي تتناسب مع المادّة، وأن يخرج من خلال تقويم النصوص بإلماعات مهمّة في مضمار التاريخ والحديث.
      إن القارئ سيواجه على هذا الصعيد نقولاً مكثّفة تصحب فقه الحديث نأمل أن تأتي نافعة مفيدة.


      5 - رعاية متطلّبات العصر وفاعليّة المحتوى

      ليست «موسوعة الإمام عليّ» كتاباً تاريخيّاً محضاً يُعني بالنصوص والوثائق التاريخيّة التي ترتبط بحياة الإمام أميرالمؤمنين(عليه السلام) ، كمالم نكن نهدف أن نقدّم ترجمة صرفة نزيد بها رقماً جديداً على التراجم الكثيرة الموجودة. بل أمعنّا النظر إلى الواقع المُعاش، وركّزنا على المتطلّبات المعاصرة ونحن ننتخب العناوين ونملأ النصوص التي جاءت تحتها.
      وحرصنا على أن تأتي هذه «الموسوعة» مجموعة متكاملة موحية، تهَب الدروس، وتبثّ العبر من حولها، وتلامس حاجات العالم الإسلامي، وتؤثّر في عقول الباحثين، وتُعين الشباب، وتمنح اُولئك الذين يرغبون أن تكون لهم في سيرة عليّ(عليه السلام) اُسوة في واقع الحياة؛ تمنحهم المثال المنشود.
      كما أردنا ل «الموسوعة» من خلال سيرة الإمام أميرالمؤمنين(عليه السلام) أن تفتح أمام البصر الإنساني مغالق الطريق، وأن تُعين في تذليل العُقَد الفكريّة والعقيديّة والسياسيّة.
      على أنّ أكثر أقسام هذا المشروع نفعاً وتأثيراً هي تلك التي أضاءت النهج العلوي، وأسفرت عن مرتكزاته في مختلف مجالات إدارة الاجتماع السياسي، وتسيير الحكم والتعامل مع المجتمع. فهذه الأقسام هي في صميم حاجة قادة البلدان الإسلاميّة، بالأخصّ العاملين في نطاق نظام الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران.
      فهذه الأقسام جسّدت على منصّة الواقع الحياةَ السياسيّة والاجتماعيّة للإمام، وأومأت ببنانٍ لا تخطئه عين إلى الواقع الحقيقي لكفاءة ذلك السياسي الواقعي، الذي ليس له مأرب من تنفيذ السياسة غير الحقّ.
      ف «الموسوعة» إذاً ليست صفحات في بطون الكتب، بل هي من الحاضر في الجوهر، ومن الواقع اليومي في الصميم. من هذه الزاوية هي خليقة بالقراءة والتفكير والتأمّل، وجديرة بالعمل.


      6 - الإبداع في التدوين والتنظيم

      لقد صُمّمت مطالب «الموسوعة» وموضوعاتها في إطار هيكليّة هندسيّة خاصّة، بحيث يكون بمقدور الباحث أن يكون في صميم السياق العام للكتاب بمجرّد إلقاء نظرة عابرة، وبشي‏ء من التأمّل يعثر على ما يريد.
      فقد اختيرت العناوين بحيث تُسفر عن محتوى الأقسام والفصول، وتستوعب جميع النصوص الموجودة. بيد أنّ الأهمّ من ذلك أنّها حرصت على أن تجي‏ء تلك العناوين حول السيرة العلويّة البنّاءة، وهي تعبّر عن مثال يُحتذى وتعكس اُسوة يمكن الاقتداء بها.
      بهذا جاءت العناوين واقعيّة وليست انتزاعيّة محضة، كمالم تأتِ مغلقة مبهمة.


      7 - إيضاحات الهوامش ومزايا اُخرى

      لكي يستغني الباحث الذي يراود هذه «الموسوعة» عن العودة إلى المصادر الاُخرى في المسائل الفرعيّة، وحتّى يشقّ طريقه إلى مبتغاه بيسر، جاءت إيضاحات الهوامش تضمّ ترجمة للأشخاص وتعريفاً بالأماكن وبياناً للنقاط الغامضة التي تكتنف النصوص، مع شرح موجز للمفردات الصعبة. وقد تمّ تعزيز ذلك كلّه بخرائط مؤدّية تعكس الأمكنة والمواقع التاريخيّة بدقّة، عكف على تصميمها متخصّصون.


      8 - أدب التكريم

      عند نقل النصوص؛ إذا ماكانت تلك النصوص مسندة إلى رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) وأهل بيته(عليهم السلام) يُذكر الاسم مع النقل، وعند ذكر النبيّ يُشفع بصيغة (صلى اللّه عليه وآله وسلم) ، في حين يشفع ذكر كلّ واحد من أئمة أهل البيت(عليهم السلام) بصيغة (عليهم السلام) تكريماً لهذه الأسماء المقدّسة والذوات المعصومة، حتى لو لم تحوِ النصوص في مصادرها الأصليّة هذا التكريم.
      أمّا إذا كانت النصوص عن غير النبيّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم) وأهل بيته(عليهم السلام) فعندئذٍ نكتفي بذكر المصدر فقط في بدء النصّ.


      9 - أخلاقيّة الكتابة

      حرصت «الموسوعة» على أن تلتزم في كتاباتها الأدب العلمي بدقّة، وتراعى اُصول البحث في مداها الأقصى.
      إنّ من يتأمّل تاريخ الإسلام بعمق، ويرمي ببصره تلقاء مصنّفات مختلف علماء النِّحَل في دائرة الثقافة الإسلاميّة، يلمس كم احتوى ميراث اُولئك - قدماء ومحدثين - من ظلم للتشيّع، وأيّ حيف أصاب قمّته العلياء الشاهقة!
      كما يدرك الصدود الذي أحاط إمام المجاهدين، وما نزل بصحبه الأبرار الذين أخلصوا له الولاء، سواء عن طريق كتمان الحقائق أو من خلال قلب وقائع التاريخ.
      هذه اُمور جليّة لم تخف على أحدٍ، يعرفها جميع باحثي التاريخ الإسلامي، كما نعرفها نحن أيضاً، وقد تبدّت أمامنا بأبعاد مهولة عند كتابة «الموسوعة».
      بيد أن ذلك كلّه لم يجرّنا إلى موقف مماثل عند تدوين «الموسوعة» لا بدءاً، وتأسيساً، ولا بصيغة الردّ بالمثل. فهاهي ذي التحليلات والإيضاحات ووجهات النظر والمداخل نقيّة لم يشبْها لوث، وهاهو ذا القلم عفّ ولم يهبط قط إلى الشتيمة ولغة التجريح والكلام النابي وكَيل التُّهم والمطاعن.
      وفي الحقيقة جعلنا المشروع يفي‏ء بجميع أجزائه في ظلال «الأدب العلوي»؛ هذا الأدب الذي يأخذ مثاله الرفيع مما علّمه الإمام أميرالمؤمنين(عليه السلام) صاحبيه حجر بن عدي وعمرو بن الحمق. فهذان الحواريّان يتوقّدان عزماً، ويفيضان رسوخاً، وهما مملوءان حماساً وغيرة؛ فأنّى لهما أن يصبرا على أباطيل العدوّ وزخرفه، وما صار يستجيشه من ضوضاء هائجة؟
      لقد راحا يدمدمان بألسنتهما ضدَّ العدو، فما كان من أميرالمؤمنين(عليه السلام) إلّا أن علّمهما أدب المواجهة، فقال لهما بعد أن ذكّرهما بأنّهم على الحقّ وأن عدوّهم على الباطل:
      «كرهت لكم أن تكونوا لعّانين؛ تشتمون وتتبرّؤون، ولكن لو وصفتم مساوئ أعمالهم فقلتم: مِن سيرتهم كذا وكذا، ومِن عملهم كذا وكذا، كان أصوب في القول، وأبلغ في العذر»(7).
      واضح إذن أنّ ذِكر شخص وفعاله وتحليل سلوكه، أو تسليط أضواء كاشفة على ما يلفّ فعال بعضِ مَن تنكّب عن الحقّ والصواب وما صدر عنه من سلوك شائن- لا يمكن أن يُعدّ إساءة نابية، بل هو من الوعي التاريخي والدفاع عن الحقّ بالصميم. ومن ثَمّ إذاما احتوت «الموسوعة» شيئاً من هذا فهو تعبير عن واقعٍ لا أنّه ينمّ عن إساءة جارحة.
      ومع ذاك سعينا أن ننظر إلى المسائل برؤية الاُسلوب التحليلي والبحث العلمي وليس من خلال العناد والتعصّب الأعمى المقيت. ومِن ثَمّ لم يتمّ التوهين بمقدّسات أيّ نحلة، ولم نطعن بشخص قط.
      على هذا نأمل أن تجي‏ء «الموسوعة» خطوة على طريق التقريب بين المذاهب، وأن يكون شخوص «الأدب العلوي» وتبلوره فيها سبباً لانتفاع الجميع، ويهيّئ الأجواء لوحدة كلمة المؤمنين.


      شكر وتقدير

      حيث شارف هذا المدخل على نهايته، ولمّا يُمسِك القلم بعدُ نبتهل - مرّة اُخرى - إلى اللَّه سبحانه ضارعين بقلوب مفعمة، بالشكر والثناء على ما أنعم به من تيسير كريم وفضل جسيم، وما امتنّ به من توفيق عظيم لهذه الخدمة العلويّة الجليلة.
      كما نوجّه شكرنا وثناءنا إلى كلّ جهد كريم شارك في هذا المشروع في إطار مختلف المجاميع، وكان له سهم في التأليف والتحقيق والتخريج، وفي الطباعة والتصحيح والتدقيق، ونخصّ بالذكر الباحثَين الكريمَين الجليلين السيّد محمّد كاظم الطباطبائي والسيّد محمود الطباطبائي نژاد، اللذين بذلا جهوداً مخلصة مشكورة في تدوين هذه المجموعة، وكانا معنا رفيقَي درب في هذه الرحلة الممتدّة من عام 1413 ه'. كما نشكر الاُستاذ الفاضل الشيخ محمّد علي مهدوي‏راد الذي أعاننا على تهيئة البيانات والتحليلات.
      وأتقدّم بشكري الخالص وثنائي الجزيل أيضاً إلى مسؤول قسم تدوين الموسوعة في مركز دراسات دار الحديث المحقّق العزيز الشيخ عبد الهادي المسعودي، الذي بذل جهداً محموداً في تنظيم الصيغة الأخيرة وإعداد العمل وإنجازه في الموعد المقرّر.
      إلهي..
      اجعلنا في حزب عليّ(عليه السلام) الذي هو حزب رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) ، واكتبنا في المفلحين الفائزين.
      واجعلنا في صفّ جنودك المحبّين لك الوالهين بك، وفي عداد حماة دينك، المنافحين عن نقاء الفكر الإسلامي، و صُن ألسنتنا وأقلامنا من الزلل، وأقِلْها من العثرات والباطل، واجعل ما نكتب ونقول خدمة لغايات الحكم العلوي، وأرضاً صلبة توطئ إلى الحكومة العالميّة لوليّ اللَّه الأعظم الإمام المهدي(عليه السلام) .
      وآخر دعوانا أن الحمد للَّه ربّ العالمين، وصلّى اللَّه على سيّدنا ونبيّنا محمدٍ وآله الطاهرين.
      محمد محمّدي الرَّيشَهري‏
      ربيع الثاني 1421 ه

      --------------------------------------------------------------------------------
      1) أطلق قائد الثورة الإسلاميّة آية اللَّه السيّد الخامنئي - حفظه اللَّه تعالى - على العام الإيراني الحالي (1379 ه'.ش) «عام الإمام عليّ(عليه السلام) » و «عام الولاية»؛ وذلك لحلول عيد الغدير فيه مرّتين؛ فبداية العام الحالي في 13 ذي الحجّة 1421 ه'. ق، ونهايته في 24 ذي الحجّة 1422 ه'. ق، فيكون يوم الغدير (18 ذي الحجّة) قد حلّ في الشهرين الأوّل والأخير من هذا العام.
      2) نهج البلاغة: الخطبة 17، الكافي: 8/67/23
      3) جاءت هذه الألفاظ في نصوص مختلفة، ويمكن أن يكون المقصود فيها واحداً.
      4) قوله سبحانه: (قَالَ الَّذِى عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَبِ أَنَا ءَاتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَءَاهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّى) (النمل: 40).
      5) الصفّ: 8.
      6) باستثناء النصوص التي يقع بينها اختلاف أساسي، أو أن يكون النصّ المكرّر حاوياً لنقطة مهمّة، أو متضمّناً فكرة جديرة بالذكر.
      7) وقعة صفين: 103.

      تعليق


      • #4
        اسره الامام علي عليه السلام

        الولادة




        النسب

        إنّ اُرومة الناس دليل على شخصيّتهم وفكرهم وثقافتهم. فاُولو النزاهة والصلاح والعقل والحكمة ينحدرون-في الغالب-من اُسَر كريمة طيّبة مهذّبة، وذوو السوء والقبح والشرّ غالباً هم ممّن نشأ في أحضان غير سليمة، وانحدر من اُصول لئيمة. ويتجلّى القسم الأوّل في الأنبياء-الذين هم عِلْية وجوه التاريخ، وقمم الشرف والكرامة والعزّة - ومَنْ تفرّع من دوحاتهم، ورسخت جذوره في بيوتاتهم الرفيعة.
        وكانت لأمير المؤمنين عليّ بن أبي‏طالب(عليه السلام) جذور ضاربة في سلالة طاهرة كريمة هي سلالة إبراهيم(عليه السلام) ، فهو كرسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) في ذلك. وإبراهيم(عليه السلام) هو بطل التوحيد، الراغب إلى اللَّه، المغرم بحبّه، وهو الواضع سنّة الحجّ؛ رمز العبودية ومقارعة الشرك. وهكذا فالحديث عن جُدود النبيّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم) حديث عن جدود عليّ(عليه السلام) ، والكلام عن سلالته(صلى اللّه عليه وآله وسلم) هو بعينه الكلام عن سلالة أخيه ووصيّه‏ (عليه السلام) ، قال(صلى اللّه عليه وآله وسلم) في أسلافه:
        «إنّ اللَّه اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل، واصطفى من ولد إسماعيل بني كِنانة، واصطفى من بني كنانة قريشاً، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم»(1).
        وهكذا فبنو هاشم هم صفوة اختيرت من بين صفوة الاُسر، ورسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) وعليّ(عليه السلام) هما صفوة هذه الصفوة، قال الإمام(عليه السلام) واصفاً سلالة النبيّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم) :
        «اُسرته خير الاُسر، وشجرته خير الشجر؛ نَبَتت في حرَم، وبَسَقت في كَرَم، لها فروع طوال، وثمر لا يُنال»(2).
        وهذا الثناء - بحقّ - هو ثناء على سلالته(عليه السلام) أيضاً، حيث قال رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) :
        «أنا وعليّ من شجرة واحدة»(3).
        وقال:
        «لحمه لحمي، ودمه دمي»(4).
        وعلى هذا يكون بيت رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) وبيت عليّ هو بيت النبوّة، واُرومتهما اُرومة النور والكرامة، وهما المصطفيان من نسل إبراهيم وبني هاشم، مع خصائص ومزايا سامقة؛ كالطهارة، والفصاحة، والسماحة، والشجاعة، والذكاء، والحياء، والعفّة، والحلم، والصبر وأمثالها(5). ناهيك عن منزلتهما المرموقة العليّة بين قبائل العرب بأجمعها.
        1 - المناقب لابن المغازلي عن مُصعب بن عبداللَّه: هو عليّ بن أبي‏طالب بن عبدالمطَّلب بن هاشم بن عبدمَناف بن قُصَيّ بن كِلاب بن مُرّة بن كَعْب بن لُؤَيّ ابن غالب بن فِهْر بن مالك بن النَّضْر بن كِنانة بن خُزَيْمة بن مُدْرِكة بن إلياس بن مُضَر بن نَزار بن معدّ بن عَدنان. واسم أبي‏طالب عبدمَناف‏ (6).
        2 - شرح نهج‏البلاغة: هو أبوالحسن عليّ بن أبي‏طالب - واسمه عبدمناف- ابن عبدالمطّلب - واسمه شَيْبة - ابن هاشم - واسمه عمرو - ابن عبدمناف بن قصيّ(7).
        3 - الإمام عليّ(عليه السلام) - من كلام له على منبر البصرة -: اسم أبي: عبدمناف، فغلبت الكنية على الاسم، وإنّ اسم عبدالمطّلب: عامر، فغلب اللقب على الاسم، واسم هاشم: عمرو، فغلب اللقب على الاسم، واسم عبدمناف: المغيرة، فغلب اللقب على الاسم، وإنّ اسم قصيّ: زيد، فسمّته العرب مجمعاً؛ لجمعه إيّاها من البلد الأقصى إلى مكّة، فغلب اللقب على الاسم(8).
        4 - رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) : خُلقت أنا وعليّ من نور واحد... فلم يزل ينقلنا اللَّه عزّوجلّ من أصلاب طاهرة إلى أرحام طاهرة حتى انتهى بنا إلى عبدالمطّلب‏ (9).
        راجع: القسم التاسع / عليّ عن لسان النبيّ / الخلقة.


        الأب

        عبدمناف بن عبدالمطّلب، المشهور بأبي‏طالب، أحد العشرة من أولاد عبدالمطّلب(10). وكان عبدالمطّلب الوجه المتألِّق في قريش، وله منزلته السامقة في أوساطها. ثمّ جاء بعده ولده أبوطالب فورث تلك المكانة الاجتماعيّة العليّة (11).
        وكانت اُسرة أبي‏طالب أوّل الاُسر التي اجتمع فيها زوجان هاشميّان(12).
        تولّى أبوطالب رعاية النبيّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم) الذي فقد أبويه في طفولته، ثمّ فقد جدّه(13). ولمّا بُعث أمين قريش(صلى اللّه عليه وآله وسلم) لم يدّخر أبوطالب وسعاً في دعمه ومؤازرته على ما هو بسبيله في مسيرته الجهادية الشاقّة.
        وآمن به أرسخ الإيمان(14)، وأصحر بذلك في شِعره(15). وكانت منزلته الاجتماعيّة السامية بين قريش وأهل مكّة، ودعمه السخيّ لرسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) ، حائلَين أصليّين دون وصول الأذى إليه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) من قريش(16).
        رافقه في حصار الشِّعب، وتحمّل مصائب المقاطعة الاقتصاديّة على كبر سنّه، ولم يتنازل عن معاضدته ومواساته(17).
        وكان له حقّ عظيم على الإسلام والمسلمين في غربة الدين يومئذٍ. وبعد خروجه من الشعب فارق الحياة حميداً. ففقد النبيّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم) بوفاته ووفاة خديجة (عليهما السلام) عضدَين وفيّين مضحّيين. واشتدّ أذى قريش وتعذيبها للمؤمنين عقب ذلك(18).
        5 - كمال الدين عن الأصبغ بن نباتة: سمعت أميرالمؤمنين صلوات اللَّه عليه يقول: واللَّه ما عبد أبي ولا جدّي عبدالمطّلب ولا هاشم ولا عبدمناف صنماً قطّ! قيل له: فما كانوا يعبدون؟ قال: كانوا يصلّون إلى البيت على دين إبراهيم(عليه السلام) ، متمسّكين به‏ (19).
        6 - الإمام الصادق(عليه السلام) : إنّ أباطالب أظهر الكفر وأسرّ الإيمان. فلمّا حضرته الوفاة أوحى اللَّه عزّوجلّ إلى رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) : اُخرج منها؛ فليس لك بها ناصر. فهاجر إلى المدينة (20).
        7 - عنه(عليه السلام) : كان أميرالمؤمنين(عليه السلام) يعجبه أن يُروى شعر أبي‏طالب وأن يُدوَّن، وقال: تعلَّموه وعلِّموه أولادكم؛ فإنّه كان على دين اللَّه، وفيه علم كثير(21).
        8 - إيمان أبي‏طالب عن عليّ بن محمّد الصوفي العلوي العمري: أنشدني أبوعبداللَّه بن منعية(22) الهاشمي - معلّمي بالبصرة - لأبي طالب:

        لقد أكرم اللَّه النبيّ محمّداً
        فأكرمُ خَلق اللَّه في الناس أحمدُ
        وشقّ له من اسمه لِيُجلَّه
        فذو العرش محمودٌ وهذا محمّدُ(23)
        9 - إيمان أبي‏طالب عن ضوء بن صلصال: كنت أنصر النبيّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم) مع أبي‏طالب قبل إسلامي، فإنّي يوماً لجالس بالقرب من منزل أبي‏طالب في شدّة القيظ، إذ خرج أبوطالب إليّ شبيهاً بالملهوف، فقال لي: يا أباالغضنفر، هل رأيت هذين الغلامين؟ -يعني النبيّ وعليّاً صلوات اللَّه عليهما - فقلت: ما رأيتهما مذ جلست، فقال: قم بنا في الطلب لهما؛ فلست آمَنُ قريشاً أن تكون اغتالتهما.
        قال: فمضينا حتى خرجنا من أبيات مكّة، ثمّ صرنا إلى جبل من جبالها فاستَرْقيناه إلى قلّته، فإذا النبيّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم) وعليّ(عليه السلام) عن يمينه وهما قائمان بإزاء عين الشمس يركعان ويسجدان. قال: فقال أبوطالب لجعفر ابنه: صِل جناح ابن عمّك، فقام إلى جنب عليّ، فأحسّ بهما النبيّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم) فتقدّمهما، وأقبلوا على أمرهم حتى فرغوا ممّا كانوا فيه، ثمّ أقبلوا نحونا، فرأيت السرور يتردّد في وجه أبي‏طالب، ثمّ انبعث يقول:

        إنّ عليّاً وجعفراً ثقتي
        عند مُلِمّ الزمان والنُّوَبِ
        لا تخذلا وانصرا ابن عمّكما
        أخي لاُمّي من بينهم وأبي
        واللَّه لا أخذل النبيّ ولا
        يخذله من بنيَّ ذو حَسَبِ(24)
        10 - الفصول المختارة-في ذكر ما جرى في شعب أبي‏طالب-: لمّا نامت العيون، جاء أبوطالب ومعه أميرالمؤمنين(عليه السلام) فأقام رسول‏اللَّه‏ (صلى اللّه عليه وآله وسلم) وأضجع أميرالمؤمنين(عليه السلام) م‏كانه، فقال أميرالمؤمنين(عليه السلام) : يا أبتاه، إنّي مقتول، فقال أبوطالب:

        اصبِرنْ يا بُنيّ فالصبر أحجى
        كلّ حيّ مصيره لشعوبِ
        قد بذلناك والبلاء شديدٌ
        لفداء النجيب وابن النجيبِ
        لفداء الأغرّ ذي الحسب الثا
        قب والباع والفناء الرحيبِ
        إن تُصبْك المنون فالنبل يبرى
        فمصيبٌ منها وغير مصيبِ
        كلّ حيٍّ وإن تملى بعيشٍ
        آخذٌ من سهامها بنصيبِ
        قال: فقال أميرالمؤمنين(عليه السلام) :

        أتأمرني بالصبر في نصر أحمدٍ
        وواللَّه ما قلت الذي قلت جازعا
        ولكنّني أحببت إظهارَ نصرتي
        وتعلمَ أنّي لم أزل لك طائعا
        وسعيي لوجه اللَّه في نصر أحمدٍ
        نبيّ الهدى المحمود طفلاً ويافعا(25)
        11 - الكافي عن إسحاق بن جعفر عن الإمام الصادق(عليه السلام) : قيل له: إنّهم يزعمون أنّ أباطالب كان كافراً؟ فقال: كذبوا، كيف يكون كافراً وهو يقول:

        ألم تعلموا أنّا وجدنا محمّداً
        نبيّاً كموسى خُطّ في أوّل الكتبِ
        وفي حديث آخر: كيف يكون أبوطالب كافراً وهو يقول:

        لقد علموا أنّ ابننا لا مكذَّبٌ
        لدينا ولا يعبا بقِيل الأباطلِ
        وأبيض يُستسقى الغمامُ بوجههِ
        ثمال اليتامى عصمة للأراملِ(26)
        12 - إيمان أبي‏طالب عن الحسن بن جمهور العمي يرفعه: قيل لتأبّط شرّاً الشاعر-واسمه ثابت بن جابر-: من سيّد العرب؟ فقال: اُخبرُكم: سيّد العرب أبوطالب بن عبدالمطّلب. وقيل للأحنف بن قيس التميمي(27): من أين اقتبست هذه الحكم، وتعلّمت هذا الحلم؟ قال: من حكيم عصره وحليم دهره؛ قيس بن عاصم المنقري(28). ولقد قيل لقيس: حلمَ من رأيتَ فتحلّمت؟ وعلمَ من رويتَ فتعلّمت؟ فقال: من الحليم الذي لم تحلّ قطّ حبْوته، والحكيم الذي لم تنفد قطّ حكمته؛ أكْثَم بن صَيْفيّ التميمي(29). ولقد قيل لأكثم: ممّن تعلّمت الحكم والرئاسة والحلم والسياسة؟ فقال: من حليف الحلم والأدب، سيّد العجم والعرب؛ أبي‏طالب بن عبدالمطّلب(30).
        راجع: كتاب «بحارالأنوار»: 35/68، نسبه وأحوال والديه.
        كتاب «إيمان أبي‏طالب» لفخار بن معدّ.
        كتاب «الغدير»: 7/550-445.


        الاُمّ

        فاطمة بنت أسد، وكانت امرأة لبيبة، صلبة العقيدة، فتيّة القلب، بَرّة، مبجَّلة. احتضنت النبيّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم) في طفولته(31)، فكان يحبّها حبّاً شديداً، حتى قال فيها: «كانت اُمّي بعد اُمّي التي ولدتني» (32).
        وكان يُثني على حنانها وشفقتها عليه قائلاً: «لم يكن بعد أبي‏طالب أبرّ بي منها»(33).
        وكانت أوّل امرأة بايعت النبيّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم) (34). وهاجرت إلى المدينة مع عليّ وفاطمة (عليهما السلام) مشياً على الأقدام. ولمّا توفّيت هذه المرأة العظيمة كفّنها رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) بقميصه(35)، وشارك في تشييعها، وصلّى عليها، ثمّ وضعها في قبرها بعدما اضطجع فيه(36).
        وكان عليّ(عليه السلام) رابع ولدٍ لهذين الوجهين المتألِّقين في التاريخ الإسلامي، إذ زيّن حياتهما بهاءً وسناءً بعد طالب وعقيل وجعفر(37).
        13 - فضائل الصحابة عن مصعب الزبيري: إنّ اُمّ عليّ بن أبي‏طالب فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبدمناف بن قصيّ. وهي أوّل هاشميّة ولدت هاشميّاً. وهاجرت إلى النبيّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم) وماتت، وشهدها النبيّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم) (38).
        14 - المناقب لابن شهرآشوب: خطب أبوطالب في نكاح فاطمة بنت أسد: الحمد للَّه ربّ العالمين ربّ العرش العظيم، والمقام الكريم، والمشعر والحطيم، الذي اصطفانا أعلاماً وسَدَنة، وعرفاء وخلصاء، وحجّته بَهاليل(39)، أطهار من الخَنا(40) والريب، والأذى والعيب، وأقام لنا المشاعر، وفضّلنا على العشائر، نخب آل إبراهيم وصفوته، وزرع إسماعيل، في كلام له.
        ثمّ قال: وقد تزوّجتُ بنت أسد، وسقتُ المهر، ونفّذتُ الأمر، فاسألوه واشهدوا. فقال أسد: زوّجناك ورضينا بك(41).
        15 - الكافي عن عبداللَّه بن مسكان عن الإمام الصادق(عليه السلام) : إنّ فاطمة بنت أسد جاءت إلى أبي‏طالب لتبشّره بمولد النبيّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم) ، فقال أبوطالب: اصبري سبتاً اُبشّرك بمثله إلّا النبوّة. وقال: السبت ثلاثون سنة، وكان بين رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) وأميرالمؤمنين(عليه السلام) ‏ثلاثون سنة (42).
        16 - الإمام عليّ(عليه السلام) : لمّا ماتت فاطمة بنت أسد بن هاشم، كفّنها رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) في قميصه، وصلّى عليها، وكبّر عليها سبعين تكبيرة، ونزل في قبرها؛ فجعل يومي في نواحي القبر كأنّه يوسّعه ويسوّي عليها، وخرج من قبرها وعيناه تذرفان، وحثا(43) في قبرها.
        فلمّا ذهب قال له عمر بن الخطّاب: يا رسول‏اللَّه، رأيتك فعلت على هذه المرأة شيئاً لم تفعله على أحد! فقال: يا عمر، إنّ هذه المرأة كانت اُمّي [بعد اُمّي‏](44) التي ولدتني، إنّ أباطالب كان يصنع الصنيع، وتكون له المأدبة، وكان يجمعنا على طعامه، فكانت هذه المرأة تفضل منه كلّه نصيباً، فأعود فيه، وإنّ جبريل(عليه السلام) أخبرني عن ربّي عزّوجلّ أنّها من أهل الجنّة، وأخبرني جبريل(عليه السلام) أنّ اللَّه تعالى أمر سبعين ألفاً من الملائكة يصلّون عليها(45).
        17 - الإمام الصادق(عليه السلام) : إنّ فاطمة بنت أسد اُمّ أميرالمؤمنين كانت أوّل امرأة هاجرت إلى رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) من مكّة إلى المدينة على قدميها. وكانت من أبرّ الناس برسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) ، فسمعتْ رسول‏اللَّه وهو يقول: إنّ الناس يحشرون يوم القيامة عراة كما وُلدوا، فقالت: واسوأتاه! فقال لها رسول‏اللَّه‏ (صلى اللّه عليه وآله وسلم) : فإنّي أسأل اللَّه أن يبعثك كاسية. وسمعته يذكر ضغطة القبر، فقالت: واضعفاه! فقال لها رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) : فإنّي أسأل اللَّه أن يكفيك ذلك.
        وقالت لرسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) يوماً: إنّي اُريد أن اُعتق جاريتي هذه، فقال لها: إن فعلت أعتق اللَّه بكلّ عضو منها عضواً منك من النار.
        فلمّا مرضت أوصت إلى رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) ، وأمرت أن يعتق خادمها، واعتقل لسانها، فجعلت تومي إلى رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) إيماءً، فقبل رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) وصيّتها.
        فبينما هو ذات يوم قاعد إذ أتاه أميرالمؤمنين(عليه السلام) وهو يبكي، فقال له رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) : ما يبكيك؟ فقال: ماتت اُمّي فاطمة، فقال رسول‏اللَّه: واُمّي واللَّه! وقام مسرعاً حتى دخل، فنظر إليها وبكى. ثمّ أمر النساء أن يغسِّلنها، وقال(صلى اللّه عليه وآله وسلم) : إذا فرغتنّ فلا تُحْدثن شيئاً حتى تُعْلمنني، فلمّا فرغن أعلمنه بذلك، فأعطاهنّ أحد قميصيه الذي يلي جسده وأمرهنّ أن يكفّنّها فيه، وقال للمسلمين: إذا رأيتموني قد فعلت شيئاً لم أفعله قبل ذلك فسلوني: لِمَ فعلته؟ فلمّا فرغن من غسلها وكفنها، دخل(صلى اللّه عليه وآله وسلم) فحمل جنازتها على عاتقه، فلم يزل تحت جنازتها حتى أوردها قبرها، ثمّ وضعها ودخل القبر فاضطجع فيه، ثمّ قام فأخذها على يديه حتى وضعها في القبر، ثمّ انكبّ عليها طويلاً يناجيها...(46).


        المولد

        ولد الإمام عليّ(عليه السلام) في يوم الجمعة(47) الثالث عشر من شهر رجب(48) بعد ثلاثين سنة من عام الفيل(49) في الكعبة المكرّمة (50).
        قال العلّامة الأميني في مولد الإمام(عليه السلام) وفي فضيلته التي لا بديل لها: «وهذه حقيقة ناصعة أصفق على إثباتها الفريقان، وتضافرت بها الأحاديث، وطفحت بها الكتب، فلا نعبأ بجلبة رماة القول على عواهنه بعد نصّ جمع من أعلام الفريقين على تواتر حديث هذه الأثارة»(51).
        18 - المستدرك على الصحيحين: قد تواترت الأخبار أنّ فاطمة بنت أسد ولدت أميرالمؤمنين عليّ بن أبي‏طالب(عليه السلام) في جوف الكعبة (52).
        19 - روضة الواعظين عن جابر بن عبداللَّه الأنصاري: سألت رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) عن ميلاد أميرالمؤمنين عليّ بن أبي‏طالب(عليه السلام) ، فقال: آه، آه! لقد سألتني عن خير مولود وُلد بعدي على سنّة المسيح(عليه السلام) ؛ إنّ اللَّه تبارك وتعالى خلقني وعليّاً من نور واحد... ثمّ نقلنا من صلبه [آدم(عليه السلام) ] في الأصلاب الطاهرات إلى الأرحام الطيّبة، فلم نزَل كذلك حتى أطلعني اللَّه تبارك وتعالى من ظهرٍ طاهر وهو عبداللَّه بن عبدالمطّلب، فاستودعني خير رحم وهي آمنة، ثمّ أطلع اللَّه تبارك وتعالى عليّاً من ظهرٍ طاهر وهو أبوطالب، واستودعه خير رحم وهي فاطمة بنت‏أسد (53).
        20 - الإرشاد: وُلد بمكّة في البيت الحرام، يوم الجمعة الثالث عشر من رجب سنة ثلاثين من عام الفيل. ولم يولد قبله ولا بعده مولود في بيت اللَّه تعالى سواه؛ إكراماً من اللَّه تعالى له بذلك، وإجلالاً لمحلّه في التعظيم(54).
        21 - علل الشرائع عن سعيد بن جبير: قال يزيد بن قَعْنَب: كنت جالساً مع العبّاس بن عبدالمطّلب وفريق من عبدالعُزّى بإزاء البيت الحرام، إذ أقبلت فاطمة بنت أسد اُمّ أميرالمؤمنين(عليه السلام) وكانت حاملة به تسعة أشهر وقد أخذها الطلق، فقالت: ربّ، إنّي مؤمنة بك وبما جاء من عندك من رسل وكتب، وإنّي مصدّقة بكلام جدّي إبراهيم الخليل(عليه السلام) وإنّه بنى البيت العتيق، فبحقّ الذي بنى هذا البيت، وبحقّ المولود الذي في بطني، لمّا يسّرت عليَّ ولادتي.
        قال يزيد بن قعنب: فرأينا البيت وقد انفتح عن ظهره، ودخلت فاطمة وغابت عن أبصارنا، والتزق الحائط، فرمنا أن ينفتح لنا قفل الباب فلم ينفتح، فعلمنا أنّ ذلك أمر من أمر اللَّه تعالى.
        ثمّ خرجت بعد الرابع وبيدها أميرالمؤمنين(عليه السلام) ، ثمّ قالت: إنّي فُضّلت على من تقدّمني من النساء؛ لأنّ آسية بنت مزاحم عبدت اللَّه سرّاً في موضع لا يحبّ أن يُعبد اللَّه فيه إلّا اضطراراً، وأنّ مريم بنت عمران هزّت النخلة اليابسة بيدها حتى أكلت منها رطباً جنيّاً، وإنّي دخلت بيت اللَّه الحرام وأكلت من ثمار الجنّة وأرزاقها(55).
        22 - الإمام الباقر عن الإمام زين العابدين (عليهما السلام)- :كنت جالساً مع أبي‏ونحن زائرون قبر جدّنا(عليه السلام) وهناك نسوان كثيرة، إذ أقبلت امرأة منهنّ، فقلت لها: من أنت يرحمك اللَّه؟ قالت: أنا زيدة بنت قَريبة بن العَجْلان من بني ساعدة، فقلت لها: فهل عندك شي‏ء تحدّثينا؟ فقالت: إي واللَّه؛ حدّثتني اُمّي اُمّ‏عُمارة بنت عُبادة بن نَضْلة بن مالك بن العَجلان الساعدي أنّها كانت ذات يوم في نساء من العرب، إذ أقبل أبوطالب كئيباً حزيناً، فقلت له: ما شأنك يا باطالب؟ قال: إنّ فاطمة بنت أسد في شدّة المخاض ثمّ وضع يديه على وجهه.
        فبينا هو كذلك، إذ أقبل محمّد(صلى اللّه عليه وآله وسلم) ، فقال له: ما شأنك يا عمّ؟ فقال: إنّ فاطمة بنت أسد تشتكي المخاض، فأخذ بيده وجاء وهي معه، فجاء بها إلى الكعبة فأجلسها في الكعبة، ثمّ قال: اجلسي على اسم اللَّه، قال: فطلقت طلقة فولدت غلاماً مسروراً نظيفاً مُنظفاً لم أرَ كحسن وجهه، فسمّاه أبوطالب عليّاً، وحمله النبيّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم) حتى أدّاه إلى منزلها.
        قال عليّ بن الحسين (عليهما السلام) : فواللَّه ما سمعتُ بشي‏ء قطّ إلّا وهذا أحسن منه!(56)
        23 - شرح نهج‏البلاغة: روي أنّ السنة التي ولد فيها عليّ(عليه السلام) هي السنة التي بُدئ فيها برسالة رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) ، فاُسمع الهتاف من الأحجار والأشجار، وكُشف عن بصره، فشاهد أنواراً وأشخاصاً، ولم يخاطَب فيها بشي‏ء.
        وهذه السنة هي السنة التي ابتدأ فيها بالتبتّل والانقطاع والعزلة في جبل حراء، فلم يزل به حتى كُوشِف بالرسالة، واُنزل عليه الوحي.
        وكان رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) يتيمّن بتلك السنة وبولادة عليّ(عليه السلام) فيها، ويسمّيها سنة الخير وسنة البركة.
        وقال لأهله ليلة ولادته - وفيها شاهد ما شاهد من الكرامات والقدرة الإلهيّة، ولم يكن من قبلها شاهد من ذلك شيئاً-: «لقد وُلد لنا الليلة مولود يفتح اللَّه علينا به أبواباً كثيرة من النعمة والرحمة».
        وكان كما قال صلوات اللَّه عليه؛ فإنّه(عليه السلام) كان ناصره، والمحامي عنه، وكاشف الغمّاء عن وجهه، وبسيفه ثبت دين الإسلام، ورست دعائمه، وتمهّدت قواعده(57).
        24 - ديوان السيّد الحميري - من قصيدة له في ولادة أميرالمؤمنين(عليه السلام) -:

        ولدته في حرم الإلهِ وأمنهِ
        والبيتِ حيث فناؤه والمسجدُ
        بيضاءُ طاهرةُ الثيابِ كريمةٌ
        طابت وطابَ وليدُها والمولدُ
        في ليلة غابت نحوس نجومها
        وبدت مع القمر المنير الأسعَدُ
        ما لُفَّ في خِرَقِ القوابلِ مثلُه
        إلّا ابنُ آمنةَ النبيُّ محمّدُ(58)
        راجع: كتاب «الغدير»: 6/22 - 38.


        الأسماء

        لمّا ولد الإمام(عليه السلام) ، اختارت له اُمّه فاطمة بنت أسد اسم «حيدرة»(59) تيمّناً باسم أبيها «أسد»، ثمّ اتّفقت هي وأبوه - وبإلهام ربّاني - على تسميته «عليّاً»(60).
        وكانت له أسماء اُخرى أيضاً ستأتي في سياق النصوص التاريخيّة والروائيّة لهذا الفصل.
        25 - علل الشرائع عن فاطمة بنت أسد: إنّي دخلت بيت اللَّه الحرام، وأكلت من ثمار الجنّة وأرزاقها، فلمّا أردت أن أخرج هتف بي هاتف: يا فاطمة! سمّيه عليّاً، فهو عليّ، واللَّه العليّ الأعلى يقول: إنّي شققت اسمه من اسمي، وأدّبته بأدبي، ووقفته على غامض علمي، وهو الذي يكسّر الأصنام في بيتي، وهو الذي يؤذّن فوق ظهر بيتي، ويقدّسني ويمجّدني، فطوبى لمن أحبّه وأطاعه، وويلٌ لمن عصاه وأبغضه‏ (61).
        26 - ينابيع المودّة عن العبّاس بن عبدالمطّلب: لمّا ولدت فاطمة بنت أسد عليّاً سمّته باسم أبيها(62) أسد، ولم يرضَ أبوطالب بهذا، فقال: هلمّ حتى نعلو أباقبيس ليلاً، وندعو خالق الخضراء، فلعلّه أن ينبئنا في اسمه.
        فلمّا أمسيا، خرجا وصعدا أباقبيس ودعيا اللَّه تعالى، فأنشأ أبوطالب شعراً:

        يا ربَّ الغَسق الدجيِّ
        والفلَق المبتلج المُضيِّ
        بيِّن لنا عن أمرك المقضيِّ
        بما نسمّي ذلك الصبيِّ
        فإذا خشخشة من السماء، فرفع أبوطالب طرفه، فإذا لوحٌ مثل زبرجد أخضر فيه أربعة أسطر، فأخذه بكلتا يديه وضمّه إلى صدره ضمّاً شديداً، فإذا مكتوب:

        خُصِّصتما بالولد الزكيِّ
        والطاهر المنتجب الرضيِّ
        وإسمه من قاهر العليِّ(63)
        عليٌّ اشتُقّ من العليِّ
        فسُرّ أبوطالب سروراً عظيماً، وخرّ ساجداً للَّه تبارك وتعالى، وعقّ بعشرة من الإبل.
        وكان اللوح معلّقاً في بيت [اللَّه‏](64) الحرام يفتخر به بنو هاشم على قريش، حتى غاب زمان قتال الحجّاج ابنَ الزبير(65).
        27 - الإمام زين العابدين(عليه السلام) : كان رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) ذات يوم جالساً وعنده عليّ وفاطمة والحسن والحسين(عليهم السلام) ، فقال: والذي بعثني بالحقّ بشيراً، ما على وجه الأرض خلق أحبّ إلى اللَّه عزّوجلّ ولا أكرم عليه منّا. إنّ اللَّه تبارك وتعالى شقّ لي اسماً من أسمائه؛ فهو محمود وأنا محمّد، وشقّ لك يا عليّ اسماً من أسمائه؛ فهو العليّ الأعلى وأنت عليّ...(66).
        28 - الإمام عليّ(عليه السلام)-: أنا اسمي في الإنجيل إليا، وفي التوراة بري‏ء، وفي الزبور أريّ، وعند الهند كبكر، وعند الروم بطريسا، وعند الفرس جبتر، وعند الترك بثير، وعند الزنج حيتر، وعند الكهنة بوي‏ء، وعند الحبشة بثريك، وعند اُمّي حيدرة، وعند ظئري ميمون، وعند العرب عليّ، وعند الأرمن فريق، وعند أبي‏ظهير(67).
        29 - رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) : إذا كان يوم القيامة، ينادون عليّ بن أبي‏طالب بسبعة أسماء: يا صدّيق، يا دالّ، يا عابد، يا هادي، يا مهديّ، يا فتى، يا عليّ؛ اُدخل أنت وشيعتك الجنّة بغير حساب(68).
        30 - شرح نهج‏البلاغة: كان اسمه الأوّل الذي سمّته به اُمّه: حَيْدَرة، باسم أبيها أسد بن هاشم - والحيدرة: الأسد - فغيّر أبوه اسمه، وسمّاه عليّاً.
        وقيل: إنّ حيدرة اسمٌ كانت قريش تسمّيه به.
        والقول الأوّل أصحّ؛ يدلّ عليه خبرُه يوم برز إليه مَرْحب، وارتجز عليه فقال:

        أنا الذي سمّتني اُمّي مَرْحَبا

        فأجابه(عليه السلام) رجزاً:

        أنا الذي سمّتني اُمّي حَيْدَرَه(69)



        الكنى

        كانت لأمير المؤمنين(عليه السلام) كنى عديدة، أشهرها: أبوالحسن(70)، وثمّة كنى اُخرى ذُكرت له(عليه السلام) ، منها: أبوالحسين، وأبوالسبطين‏ (71)، وأبوالريحانتين(72)، وأبوتراب، وإن كان التعريف الاصطلاحي للكنية لا ينطبق على بعضها.
        ويتراءى من الروايات أنّ كنية «أبوتراب» كانت أحبّ الكنى إليه(عليه السلام) ، وأنّه كان يُسرّ إذا نودي بها؛ لاُمور منها: أنّه كان يجد فيها نوعاً من التواضع والتذلّل للَّه سبحانه. ومنها: أنّها كانت تذكّره بملاطفة النبيّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم) معه في غزوة ذات العشيرة حيث كان متوسّداً التراب بصحبة عمّار بن ياسر وقد أصابه شي‏ء منه، ولذا كان له(عليه السلام) انشداد وتعلّق خاصّ بتلك الكنية.
        31 - الإمام عليّ(عليه السلام) : كان الحسن في حياة رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) يدعوني أباالحسين، وكان الحسين يدعوني أباالحسن، ويدعوان رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) أباهما. فلمّا توفّي رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) دعواني بأبيهما(73).
        32 - عنه(عليه السلام) : ما سمّاني الحسن والحسين يا أبة حتى توفّي رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) ، كانا يقولان لرسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) : يا أبة، وكان الحسن يقول لي: يا أباالحسين، وكان الحسين يقول لي: يا أباالحسن(74).
        33 - الطبقات الكبرى - في ذكر غزوة ذي العُشَيرة -: بذي العشيرة كنى رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) عليّ بن أبي‏طالب أباتراب؛ وذلك أنّه رآه نائماً متمرّغاً في البَوْغاء(75) فقال: اجلس، أباتراب، فجلس(76).
        34 - مسند ابن حنبل عن عمّار بن ياسر: كنت أنا وعليّ رفيقين في غزوة ذات العُشَيرة، فلمّا نزلها رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) وأقام بها رأينا ناساً من بني مُدلج يعملون في عين لهم في نخل، فقال لي عليّ: يا أبااليقظان، هل لك أن نأتي هؤلاء فننظر كيف يعملون؟ فجئناهم فنظرنا إلى عملهم ساعة، ثمّ غشينا النوم، فانطلقت أنا وعليّ فاضطجعنا في صَوْر(77) من النخل في دَقْعاء(78) من التراب فنمنا، فواللَّه ما أهبَّنا(79) إلّا رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) يحرّكنا برجله وقد تترّبنا من تلك الدقعاء، فيومئذٍ قال رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) لعليّ: يا أباتراب؛ لما يرى عليه من التراب.
        قال: ألا اُحدّثكما بأشقى الناس رَجُلين؟ قلنا: بلى يا رسول‏اللَّه، قال: اُحيمر ثمود الذي عقر الناقة، والذي يضربك يا عليّ على هذه - يعني قرنه - حتى تبلّ منه هذه - يعني لحيته- (80).
        35 - المعجم الأوسط عن أبي‏الطفيل: جاء النبيّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم) وعليّ(عليه السلام) نائم في التراب، فقال: إنّ أحقّ أسمائك أبوتراب، أنت أبوتراب!(81)
        36 - رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) - أنّه كان يقول -: إنّا كنّا نمدح عليّاً إذا قلنا له أباتراب(82).
        37 - صحيح مسلم عن أبي‏حازم عن سهل بن سعد: استُعمل على المدينة رجل من آل مروان، قال: فدعا سهلَ بن سعد، فأمره أن يشتم عليّاً، قال: فأبى سهل، فقال له: أمّا إذ أبيتَ فقل: لعن اللَّه أباالتراب، فقال سهل: ما كان لعليّ اسم أحبّ إليه من أبي‏التراب! وإن كان لَيفرح إذا دُعي بها(83).
        38 - صحيح البخاري عن أبي‏حازم: إنّ رجلاً جاء إلى سهل بن سعد فقال: هذا فلانٌ - لِأمير المدينة - يدعو عليّاً عند المنبر. قال: فيقول ماذا؟ قال: يقول له: أبوتراب. فضحك؛ قال: واللَّه ما سمّاه إلّا النبيّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم) ! وما كان-واللَّه-له اسم أحبّ إليه منه!
        فاستطعمتُ الحديثَ سهلاً، وقلت: يا أباعبّاس، كيف ذلك؟
        قال: دخل عليّ على فاطمة ثمّ خرج، فاضطجع في المسجد، فقال النبيّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم) : أين ابن عمّك؟ قالت: في المسجد، فخرج إليه، فوجد رداءه قد سقط عن ظهره، وخلص الترابُ إلى ظهره، فجعل يمسح التراب عن ظهره فيقول: اجلس يا أباتراب - مرّتين- (84).
        39 - علل الشرائع عن ابن عمر: بينا أنا مع النبيّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم) في نخيل المدينة وهو يطلب عليّاً(عليه السلام) ، إذا انتهى إلى حائط، فاطّلع فيه، فنظر إلى عليّ(عليه السلام) وهو يعمل في الأرض وقد اغبارَّ، فقال: ما ألوم الناس إن يكنوك أباتراب!(85)
        40 - تذكرة الخواصّ: أمّا كنيته: فأبوالحسن والحسين، وأبوالقاسم، وأبوتراب، وأبومحمّد(86).


        الألقاب

        إنّ شخصيّة عليّ(عليه السلام) بحر لا يُدرك غوره، فهو ذو شخصيّة فذّة ذات أبعاد عظيمة فريدة في التاريخ لا نظير لها. وكان للإمام(عليه السلام) ألقاب(87) وأوصاف كثيرة يشير كلٌّ منها إلى بعد من تلك الأبعاد العلميّة والعمليّة والثقافيّة والاجتماعيّة والمعنويّة والسياسيّة الرفيعة لشخصيّته(عليه السلام) . ويعود جُلّها إلى عصر النبيّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم) ؛ إذ كان رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) يناديه بها.
        ومن هذه الألقاب: «أعلم الاُمّة»، «أقضى الاُمّة»، «أوّل من أسلم»، «أوّل من صلّى»، «خير البشر»، «أميرالمؤمنين»، «إمام المتّقين»، «سيّد المسلمين»، «يعسوب المؤمنين»، «عمود الدين»، «سيّد الشهداء»، «سيّد العرب»، «راية الهدى»، «باب الهدى»، «المرتضى»، «الوليّ»، «الوصيّ»(88).
        وما برح رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) يذكر الإمام(عليه السلام) بهذه الألقاب. وكان في الحقيقة يمهّد بها لقيادته وزعامته، والتعريف بمنزلته العظيمة وموقعه المتميّز في القيادة مع تبيين أبعاد شخصيّته(عليه السلام) ، وذلك من منطلق اهتمامه بمستقبل الاُمّة الإسلاميّة ومهمّة الإمام العظمى في المستقبل المنظور.
        وإذا لاحظنا ألقاب الإمام(عليه السلام) نجد أنّ أشهرها لقبان هما:


        1 - أميرالمؤمنين
        وهو خاصّ به(عليه السلام) ، لا يشاركه به أحد، كما ليس لامرئٍ أن يخاطَب به البتّةَ. وتدلّ النصوص الروائيّة المتنوّعة - التي سيأتي قسم منها لاحقاً - على أنّنا لايحقّ لنا أن نطلقه حتى على الأئمّة(عليهم السلام)(89) .


        2 - الوصيّ
        وكان مشهوراً به في عصر النبوّة نفسه، وعرفه به القاصي والداني والصديق والعدوّ، وسنذكر النصوص التاريخيّة والروائيّة الدالّة على هذه الحقيقة. ونكتفي الآن بالإشارة إلى أحدها، وهي أنّه خرج في معركة الجمل شابٌّ من «بني ضَبَّة» من أصحاب الجمل، وارتجز يقول:

        نحن بني ضَبّة أعداءُ عليّ
        ذاك الذي يُعرف قِدْماً بالوصيّ(90)
        41 - تاريخ دمشق عن أنس بن مالك: قال رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) : اسكب إليّ ماءً - أو وضوءاً - فتوضّأ، ثمّ قام فصلّى ركعتين، ثمّ قال: يا أنس، أوّل من يدخل من هذا الباب أميرالمؤمنين، وقائد الغرّ المحجّلين(91)، سيّد المؤمنين؛ عليّ‏ (92).
        42 - الكافي عن عليّ بن أبي‏حمزة: سأل أبوبصير أباعبداللَّه(عليه السلام) وأنا حاضر، فقال: جعلت فداك! كم عُرج برسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) ؟ فقال: مرّتين، فأوقفه جبرئيل موقفاً، فقال له: مكانك يا محمّد! فلقد وقفت موقفاً ما وقفه ملك قطّ ولا نبيّ....
        فقال اللَّه تبارك وتعالى: يا محمّد! قال: لبّيك ربّي.
        قال: مَن لاُمّتك من بعدك؟ قال: اللَّه أعلم!
        قال: عليّ بن أبي‏طالب، أميرالمؤمنين، وسيّد المسلمين، وقائد الغرّ المحجّلين(93).
        43 - الإمام عليّ(عليه السلام) : قال رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) : يا عليّ، إنّ اللَّه عزّوجلّ قد غفر لك ولأهلك ولشيعتك ولمحبّي شيعتك، فأبشر! فإنّك الأنزع البطين: المنزوع من الشرك، البطين من العلم(94).
        44 - معاني الأخبار عن جابر بن يزيد عن أبي‏جعفر(عليه السلام) : قلت له: جعلت فداك! لِمَ سُمّي أميرالمؤمنين(عليه السلام) أميرَالمؤمنين؟ قال: لأنّه يَمِيرهم(95) العلم؛ أما سمعت كتاب اللَّه عزّوجلّ: وَنَمِيرُ أَهْلَنَا(96)؟! (97)
        45 - الفصول المهمّة: أمّا لقبه: فالمرتضى، وحيدر، وأميرالمؤمنين، والأنزع البطين(98).
        46 - تاج العروس: والوصيّ كغنيّ: لقب عليّ(رضى اللّه عنه)(99)(100).

        تعليق


        • #5
          الشمائل

          لم تحمل إلينا النصوص التاريخيّة والحديثيّة شيئاً عن ملامح الإمام(عليه السلام) إبّان ولادته وفي صغره، ومن هنا فإنّ ما يأتي في هذا المجال يرتبط بملامحه وهندامه أيّام خلافته(عليه السلام) . وفي ضوء ذلك يتسنّى لنا أن نصفه(عليه السلام) فنقول:
          كان(عليه السلام) رَبْعة من الرجال؛ إلى القِصَر أقرب وإلى السمن، من أحسن الناس وجهاً، وكأنّ وجهه القمر ليلة البدر حسناً، كثير التبسُّم، آدَم اللون يميل إلى السُّمرة، أدْعَج(101) العينين عظيمهما، في عينيه لين، أصلع، كأنّ عنقه إبريق فضّة، كَثّ اللحية، لا يغيّر شيبَه، عريض ما بين المنكبين، شَثْن الكفّين(102)، شديد الساعد واليد، عريض الصدر، ذا بطن، ضخم الكَرادِيس(103)، ضخم عضلة الذراع والساق دقيقَ مُستدَقّها، إذا مشى تكفّأ (104)، وإذا مشى إلى الحرب هرول.
          47 - الطبقات الكبرى عن إسحاق بن عبداللَّه بن أبي‏فروة: سألت أباجعفر محمّد بن عليّ (عليهما السلام) ، قلت: ما كانت صفة عليّ(عليه السلام) ؟
          قال: رجل آدمُ شديد الاُدْمة، ثقيل العينين عظيمهما، ذو بطن، أصلع، إلى القِصَر أقرب(105).
          48 - الغارات عن قدامة بن عتّاب: كان عليّ(عليه السلام) ضخم البطن، ضخم مُشاشة(106) المنكب، ضخم عضلة الذراع دقيقَ مستدقّها، ضخم عضلة الساق دقيقَ مستدقّها (107).
          49 - المناقب لابن شهرآشوب عن المغيرة: كان عليّ(عليه السلام) على هيئة الأسد؛ غليظاً منه ما استغلظ، دقيقاً منه ما استدقّ(108).
          50 - الكامل في التاريخ: كان عليّ(عليه السلام) فوق الرَّبعة، وكان ضخم عضلة الذراع دقيقَ مستدقّها، ضخم عضلة الساق دقيقَ مستدقّها، وكان من أحسن الناس وجهاً، ولا يغيّر شيبَه، كثير التبسّم‏ (109).
          511 - مقاتل الطالبيّين: كان(عليه السلام) أسمر، مربوعاً، وهو إلى القصر أقرب، عظيم البطن، دقيق الأصابع، غليظ الذراعين، حَمْش الساقين‏ (110)، في عينيه لين، عظيم اللحية، أصلع، ناتئ الجبهة(111).
          52 - فضائل الصحابة عن أبي‏إسحاق: قال أبي: يا بنيّ تريد أن اُريك أميرالمؤمنين - يعني عليّاً؟ قلت: نعم، فرفعني على يديه فإذا أنا برجلٍ أبيض الرأس واللحية، أصلع، عظيم البطن، عريض ما بين المنكبين(112).
          53 - مقاتل الطالبيّين عن داود بن عبدالجبّار عن أبي‏إسحاق: أدخلني أبي المسجد يوم الجمعة، فرفعني فرأيت عليّاً يخطب على المنبر؛ شيخاً، أصلع، ناتئ الجبهة، عريض ما بين المنكبين، له لحية قد ملأت صدره، في عينه اطْرِغْشاش - قال داود: يعني ليناً في العين - فقلت لأبي: مَن هذا يا أبة؟
          فقال: هذا عليّ بن أبي‏طالب ابن عمّ رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) وأخو رسول‏اللَّه، ووصيّ رسول‏اللَّه، وأميرالمؤمنين(113).
          54 - الطبقات الكبرى عن رزام بن سعد الضبّي: سمعت أبي‏ينعت عليّاً، قال: كان رجلاً فوق الربعة، ضخم المنكبين، طويل اللحية وإن شئت قلت - إذا نظرت إليه-: هو آدم، وإن تبيّنته من قريب قلت: أن يكون أسمر أدنى من أن يكون آدم(114).
          55 - وقعة صفّين: كان عليّ رجلاً دَحداحاً(115)، أدعج العينين، كأنّ وجهه القمر ليلة البدر حسناً، ضخم البطن، عريض المَسرُبة(116)، شثن الكفّين، ضخم الكسور، كأنّ عنقه إبريق فضّة، أصلع ليس في رأسه شعر إلّا خفاف من خلفه، لمنكبيه مُشاش كمُشاش السبع الضاري، إذا مشى تكفّأ به ومارَ(117) به جسده، له سنام كسنام الثور، لا تبين عضده من ساعده، قد اُدمجت إدماجاً، لم يمسك بذراع رجل قطّ إلّا أمسك بنفسه فلم يستطع أن يتنفّس. وهو إلى السمرة، أذلف‏ (118) الأنف، إذا مشى إلى الحرب هرول، وقد أيّده اللَّه بالعزّ والنصر(119).
          56 - المناقب للخوارزمي عن محمّد بن حبيب البغدادي صاحب المحبّر - في بيان صفاته(عليه السلام) -: آدم اللون، حسن الوجه، ضخم الكراديس‏ (120).
          57 - تاريخ دمشق عن مُدرك: رأيت عليّاً له وَفْرة(121)، وكان من أحسن الناس وجهاً(122).
          58 - نثر الدرّ: انصرف [عليّ(عليه السلام) من صفّين وكأنّه رأسه ولحيته قطنة، فقيل له: ياأميرالمؤمنين، لو غيّرت، فقال: إنّ الخضاب زينة، ونحن قوم محزونون(123) (124).
          59 - المناقب لابن شهرآشوب عن ابن إسحاق وابن شهاب: أنّه كتب حلية أميرالمؤمنين(عليه السلام) عن ثبيت الخادم على عمره(125)، فأخذها عمرو بن العاص، فزمّ بأنفه (126) فقطّعها، وكتب: إنّ أباتراب كان شديد الاُدمة، عظيم البطن، حمش الساقين، ونحو ذلك، فلذلك وقع الخلاف في حليته(127).

          --------------------------------------------------------------------------------
          1) سنن الترمذي: 5/583/3605، كفاية الطالب: 410.
          2) نهج‏البلاغة: الخطبة 94 والخطبة 161 نحوه وراجع الخطبة 96.
          3) راجع: القسم التاسع‏/عليّ عن لسان النبيّ‏/الخلقة/أنا وعليّ من نور واحد.
          4) راجع: القسم التاسع‏/عليّ عن لسان النبيّ‏/الخلقة/أنا وعليّ من نور واحد.
          5) راجع: كتاب «أهل البيت في الكتاب والسنّة»/جوامع خصائصهم.
          6) المناقب لابن المغازلي: 5/1.
          7) شرح نهج‏البلاغة: 1/11.
          8) معاني الأخبار: 121/1، الأمالي للصدوق: 700/954 كلاهما عن الحسن البصري، بحارالأنوار: 35/51/5.
          9) معاني الأخبار: 56/4 عن أبي‏ذرّ.
          10) تاريخ اليعقوبي: 2/11، شرح الأخبار: 3/219.
          11) راجع تاريخ اليعقوبي: 2/13.
          12) الكافي: 1/452؛ المستدرك على الصحيحين: 3/116/4573، فضائل الصحابة لابن حنبل: 2/555/933، المعجم الكبير: 1/92/151، سير أعلام النبلاء: 2/118/17، اُسد الغابة: 7/213/7176، الاستيعاب: 4/446/3486، تاريخ دمشق: 42/14، المناقب لابن المغازلي: 6/2، المناقب للخوارزمي: 46/9.
          13) الطبقات الكبرى: 1/119، تاريخ الطبري: 2/277، مروج الذهب: 2/281، أنساب الأشراف: 1/105.
          14) الكافي: 1/448/33-28، الأمالي للصدوق: 712/979.
          15) الكافي: 1/448/29، الأمالي للصدوق: 712/980، تاريخ اليعقوبي: 2/31، شرح الأخبار: 3/222؛ السيرة النبويّة لابن هشام: 1/377، شرح نهج‏البلاغة: 14/77.
          16) السيرة النبويّة لابن هشام: 2/57.
          17) الطبقات الكبرى: 1/209، تاريخ الطبري: 2/336، الكامل في التاريخ: 1/504، السيرة النبويّة لابن هشام: 1/376.
          18) الطبقات الكبرى: 1/211، تاريخ الطبري: 2/343، الكامل في التاريخ: 1/507، السيرة النبويّة لابن هشام: 2/57؛ الكافي: 1/449/31 وج 8/340/536، كمال الدين: 174/31.
          19) كمال الدين: 174/ 32، بحارالأنوار: 35/81/22.
          20) كمال الدين: 174/31 عن محمّد بن مروان، بحارالأنوار: 35/81/21.
          21) إيمان أبي‏طالب لفخّار بن معد: 130 عن عليّ بن أحمد بن مسعدة عن عمّه، بحارالأنوار: 35/115/54.
          22) كذا في المصدر، وفي بحارالأنوار: «بن صفيّه».
          23) إيمان أبي‏طالب لفخّار بن معد: 284، بحارالأنوار: 35/128/73 وراجع الإصابة: 7/197/10175.
          24) إيمان أبي‏طالب لفخّار بن معد: 248، كنز الفوائد: 1/270 نحوه، بحارالأنوار: 35/120/63؛ شرح نهج‏البلاغة: 13/269 نحوه.
          25) الفصول المختارة: 58، المناقب لابن شهرآشوب: 1/64، روضة الواعظين: 64 وفيه إلى «بنصيب»، بحارالأنوار: 35/93/31؛ شرح نهج‏البلاغة: 14/64.
          26) الكافي: 1/448/29، بحارالأنوار: 35/136/81.
          27) راجع: القسم السادس عشر/الأحنف بن قيس.
          28) هو قيس بن عاصم بن سنان بن خالد بن منقر بن عبيد بن مقاعس، وفد على النبيّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم) في وفد بني تميم وأسلم سنة تسع، ولمّا رآه النبيّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم) قال: هذا سيّد أهل الوبر. وكان عاقلاً حليماً مشهوراً بالحلم، قيل للأحنف بن قيس: ممّن تعلّمت الحلم؟ فقال: من قيس بن عاصم؛ رأيته يوماً قاعداً بفناء داره، محتبياً بحمائل سيفه يحدّث قومه، إذ اُتِيَ برجل مكتوف وآخر مقتول، فقيل: هذا ابن أخيك قتل ابنك، قال: فواللَّه ما حلّ حبوته ولا قطع كلامه، فلمّا أتمّه التفت إلى ابن أخيه فقال: يابن أخي! بئسما فعلت؛ أثمت بربّك، وقطعت رحمك، وقتلت ابن عمّك... ثمّ قال لابن له آخر: قُم يا بنيّ إلى ابن عمّك فحلّ كتافه، ووارِ أخاك، وسُق إلى اُمّك مائة من الإبل دية ابنها فإنّها غريبة.
          قال الحسن البصري: لمّا حضرت قيس بن عاصم الوفاة دعا بنيه فقال: يا بنيّ احفظوا عنّي، فلا أحد أنصح لكم منّي، إذا أنا متّ فسودوا كباركم ولا تسودوا صغاركم فتسفّه الناس كباركم وتهونوا عليهم...، وإيّاكم ومسألة الناس فإنّها آخر كسب المرء، ولا تقيموا على نائحة؛ فإنّي سمعت رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) نهى عن النائحة (اُسد الغابة: 4/411/4370).
          29) هو أكثم بن صيفي بن عبدالعزّى، ولمّا بلغه ظهور رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) أرسل إليه رجلين يسألانه عن نسبه وما جاء به، فأخبرهما وقرأ عليهما: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَنِ...) الآية، (النحل: 90). فعادا إلى أكثم فأخبراه وقرأ عليه الآية، فلمّا سمع أكثم ذلك قال: يا قوم، أراه يأمر بمكارم الأخلاق وينهى عن ملائمها، فكونوا في هذا الأمر رؤوساً ولا تكونوا أذناباً، وكونوا فيه أوّلاً ولا تكونوا فيه آخراً. فلم يلبث أن حضرته الوفاة فأوصى أهله: اُوصيكم بتقوى اللَّه وصلة الرحم؛ فإنّه لايبلى عليها أصل، ولا يهتصر عليها فرع (اُسد الغابة: 1/272/218).
          30) إيمان أبي‏طالب لفخّار بن معد: 332، بحارالأنوار: 35/133/78.
          31) تاريخ اليعقوبي: 2/14، تاج المواليد: 88، شرح الأخبار: 3/214، كشف الغمّة: 1/59.
          32) كنز العمّال: 13/636/37607.
          33) الاستيعاب: 4/446/3486، سير أعلام النبلاء: 2/118/17، اُسد الغابة: 7/213/7176، شرح نهج‏البلاغة: 1/14.
          34) شرح الأخبار: 3/215/1141؛ المناقب للخوارزمي: 277/264، شرح نهج‏البلاغة: 1/14.
          35) الكافي: 1/453/2، خصائص الأئمّة(عليهم السلام): 64.
          36) المستدرك على الصحيحين: 3/117/4574، تاريخ المدينة: 1/123 و 124، اُسد الغابة: 7/213/7176، الاستيعاب: 4/446/3486؛ علل الشرائع: 469/31 و 32، الأمالي للصدوق: 391/505، شرح الأخبار: 3/215/1142 و 1143.
          37) اُسد الغابة: 7/212/7176، تذكرة الخواصّ: 10، البداية والنهاية: 7/223؛ شرح الأخبار: 3/214، عمدة الطالب: 58.
          38) فضائل الصحابة لابن حنبل: 2/555/933، المناقب لابن المغازلي: 6/2 وفيه «أسلمت وهاجرت إلى النبيّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم)» بدل «وهاجرت...».
          39) بهاليل: جمع بُهْلول: العزيز الجامع لكلّ خير (لسان العرب: 11/73).
          40) الخَنا: الفُحش في القول (النهاية: 2/86).
          41) المناقب لابن شهرآشوب: 2/171.
          42) الكافي: 1/452/1، معاني الأخبار: 403/68.
          43) حَثا الترابَ عليه: هاله ورماه (تاج العروس: 19/305).
          44) ما بين المعقوفين أثبتناه من كنز العمّال.
          45) المستدرك على الصحيحين: 3/117/4574 عن الزبير بن سعيد القرشي عن الإمام زين العابدين عن أبيه (عليهما السلام)، كنز العمّال: 13/635/37607.
          46) الكافي: 1/453/2 عن محمّد بن جمهور عن بعض أصحابنا وراجع بصائر الدرجات: 287/9 وبحارالأنوار: 35/81/23.
          47) تهذيب الأحكام: 6/19، الإرشاد: 1/5، المقنعة: 461، كشف اليقين: 31، تاج المواليد: 88، المستجاد: 294، العمدة: 24، المصباح للكفعمي: 678، روضة الواعظين: 87، المناقب لابن شهرآشوب: 2/175 وج 3/307، إعلام الورى: 1/306، عمدة الطالب: 58؛ الفصول المهمّة: 29.
          48) تهذيب الأحكام: 6/19، الإرشاد: 1/5، المقنعة: 461، خصائص الأئمّة(عليهم السلام): 39، مصباح المتهجّد: 805، كشف اليقين: 31، العمدة: 24، المصباح للكفعمي: 678، الإقبال: 3/231/51، تاج المواليد: 88، المستجاد: 294، المناقب لابن شهرآشوب: 3/307، إعلام الورى: 1/306، عمدة الطالب: 58، روضة الواعظين: 87؛ كفاية الطالب: 407، الفصول المهمّة: 29.
          وفي يوم ولادته أقوال اُخر، منها: السابع من شعبان، راجع مصباح المتهجّد: 852 والدروس: 2/7.
          ومنها: النصف من شهر رمضان، راجع إثبات الوصيّة: 146 وكنز الفوائد: 1/255.
          49) الكافي: 1/452، تهذيب الأحكام: 6/19، الإرشاد: 1/5، المقنعة: 461، خصائص الأئمّة(عليهم السلام): 39، كشف اليقين: 31، العمدة: 24، تاج المواليد: 88، المستجاد: 294، روضة الواعظين: 87 وص‏92، المناقب لابن شهرآشوب: 3/307، عمدة الطالب: 58، إعلام الورى: 1/306، كشف الغمّة: 1/59؛ الفصول المهمّة: 29، كفاية الطالب: 407.
          وفي سنة ولادته أقوال اُخر، منها: 12 سنة قبل البعثة (يعني 28 سنة بعد عام الفيل)، راجع مصباح المتهجّد: 805 والمصباح للكفعمي: 678 والإقبال: 3/231/51 وتاريخ الأئمّة(عليهم السلام): 5 وتاريخ مواليد الأئمّة(عليهم السلام): 168 والفصول المهمّة: 29.
          ومنها: بُعِث النبيّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم) وعليّ ابن سبع سنين، راجع تاريخ بغداد: 1/134 وفيه أيضاً: ابن ثمان سنين.
          ومنها: 29 سنة بعد عام الفيل، راجع المناقب لابن شهرآشوب: 3/307.
          50) تهذيب الأحكام: 6/19، المقنعة: 461، الإرشاد: 1/5، خصائص الأئمّة(عليهم السلام): 39، مصباح المتهجّد: 805، الأمالي للطوسي: 707/1511، العمدة: 24، كشف اليقين: 31، كنز الفوائد: 1/255، الإقبال: 3/231/51، المصباح للكفعمي: 678، روضة الواعظين: 87، إرشاد القلوب: 211، المناقب لابن شهرآشوب: 2/175 وج 3/307، عمدة الطالب: 58، كشف الغمّة: 1/59، إعلام الورى: 1/306؛ مروج الذهب: 2/358، المناقب لابن المغازلي: 7/3، تذكرة الخواصّ: 10، الفصول المهمّة: 29، كفاية الطالب: 407، مطالب السؤول: 11.
          51) الغدير: 6/22.
          52) المستدرك على الصحيحين: 3/550/6044 وراجع مروج الذهب: 2/358 والمناقب لابن المغازلي: 7/3 وتذكرة الخواصّ: 10 ومطالب‏السؤول: 11 وكنزالفوائد: 1/255 وإثبات‏الوصيّة: 142 والإقبال: 3/231/51 وروضة الواعظين: 92 و 93 والمناقب لابن شهرآشوب: 2/174 و 175.
          53) روضة الواعظين: 88، الفضائل لابن شاذان: 48 نحوه، اليقين: 191/43 وفيه إلى «سنة المسيح»، بحارالأنوار: 35/10/12 وص 99/33؛ كفاية الطالب: 406 نحوه.
          54) الإرشاد: 1/5، المستجاد: 294، عمدة الطالب: 58، العمدة: 24، تاج المواليد: 88 وليس فيه ذيله، إرشاد القلوب: 211، خصائص الأئمّة(عليهم السلام): 39، كشف اليقين: 31، نهج‏الحقّ: 232، كشف الغمّة: 1/59، إعلام الورى: 1/306 والخمسة الأخيرة نحوه؛ كفاية الطالب: 407 وفيه «ليلة» بدل «يوم»، الفصول المهمّة: 29، نور الأبصار: 85 كلاهما نحوه وراجع الخرائج والجرائح: 2/888 وفرائد السمطين: 1/425/354.
          55) علل الشرائع: 135/3، معاني الأخبار: 62/10، الأمالي للصدوق: 194/206، الأمالي للطوسي: 706/1511 عن إبراهيم بن عليّ بإسناده عن الإمام الصادق عن آبائه(عليهم السلام) نحوه، بشارة المصطفى: 8، روضة الواعظين: 87.
          56) المناقب لابن المغازلي: 7/3 عن محمّد بن سعيد الدارمي عن الإمام الكاظم عن أبيه (عليهما السلام).
          57) شرح نهج‏البلاغة: 4/114.
          58) ديوان السيّد الحميري: 155/42، المناقب لابن شهرآشوب: 2/175.
          59) مقاتل الطالبيّين: 39؛ معاني الأخبار: 59/9، الفضائل لابن شاذان: 147، المناقب لابن شهرآشوب: 2/288 وج 3/276، بحارالأنوار: 35/67.
          60) حصل هذا التغيير في أوائل أيّام ولادته(عليه السلام) ك‏ما دلّ على ذلك النصوص التاريخيّة. وبهذا يكون ما نُقل عن عطاء - من أنّه(عليه السلام) لمّا علا كتفي رسول‏اللَّه‏
          (صلى اللّه عليه وآله وسلم)، وكسّر الا صنام سمّي عليّاً؛ من العلوّ والرفعة - فاقداً للوثائق التاريخيّة، واستحساناً ليس إلّا.
          61) علل الشرائع: 136/3، معاني الأخبار: 62/10، الأمالي للصدوق: 195/206، بشارة المصطفى: 8، روضة الواعظين: 88 وراجع الأمالي للطوسي: 707/1511.
          62) في المصدر: «أبيه»، وهو تصحيف.
          63) كذا في المصدر، ولعلّ الصحيح: «قاهرٍ عليِّ»، وفي بعض المصادر: «شامخٍ عليِّ».
          64) ما بين المعقوفين إضافة منّا يقتضيها السياق.
          65) ينابيع المودّة: 2/305/873؛ المناقب لابن شهرآشوب: 2/174 نحوه، بحارالأنوار: 35/19/102 وراجع كفاية الطالب: 406.
          66) معاني الأخبار: 55/3 عن عبداللَّه بن الفضل الهاشمي عن الإمام الصادق عن أبيه (عليهما السلام) وراجع ص‏56/5.
          67) معاني الأخبار: 59/9 عن جابر الجعفي عن الإمام الباقر(عليه السلام).
          68) إرشاد القلوب: 257، مائة منقبة: 138/83؛ المناقب للخوارزمي: 319/323 كلاهما عن أنس وراجع مشارق أنوار اليقين: 68.
          69) شرح نهج‏البلاغة: 1/12.
          إنّ شعر الإمام عليّ(عليه السلام) الذي ارتجزه في معركة خيبر لدى لقائه مرحب اليهوديّ والذي أوّله: «أنا الذي سمّتني اُمّي حيدرة» جاء في قسم كبير من المصادر التاريخيّة والحديثيّة، منها:
          صحيح مسلم: 3/1441/132، مسند ابن حنبل: 5/558/16538، فضائل الصحابة لابن حنبل: 2/607/1036 وص 644/1094، المستدرك على الصحيحين: 3/41/4343، الطبقات الكبرى: 2/112، مقاتل الطالبيّين: 40، الرياض النضرة: 3/149؛ الإرشاد: 1/127، وقعة صفّين: 390، المناقب لابن شهرآشوب: 3/129، روضة الواعظين: 146، الديوان المنسوب إلى الإمام عليّ(عليه السلام): 286/212.
          راجع: القسم الثاني‏/الدور المصيري في فتح خيبر.
          70) الطبقات الكبرى: 3/19، المعجم الكبير: 1/92، تاريخ بغداد: 1/133، المعارف لابن قتيبة: 203، تاريخ دمشق: 42/7 وص 14-10، مروج الذهب: 2/359، الاستيعاب: 3/197/1875، اُسد الغابة: 4/88/3789، الإصابة: 4/464/5704، تاريخ الإسلام للذهبي: 3/621، صفة الصفوة: 1/130، البداية والنهاية: 7/223؛ تهذيب الأحكام: 6/19، الإرشاد: 1/5، تاج المواليد: 87، تاريخ مواليد الأئمّة(عليهم السلام): 169، المستجاد: 294، روضة الواعظين: 87، عمدة الطالب: 59.
          71) الفصول المهمّة: 129؛ تاج المواليد: 88، إعلام الورى: 1/307.
          72) راجع: القسم التاسع‏/عليّ عن لسان النبيّ‏/الاُسرة/أبوريحانتَيّ.
          73) مقاتل الطالبيّين: 39، شرح نهج‏البلاغة: 1/11؛ المناقب لابن شهرآشوب: 3/113 نحوه وكلاهما من دون إسناد إلى المعصوم.
          74) المناقب للخوارزمي: 40/8 عن عمر بن عليّ.
          75) البَوْغاء: التراب الناعم (النهاية: 1/162).
          76) الطبقات الكبرى: 2/10.
          77) الصَّوْر: النخل الصِّغار. وقيل: هو المجتمع (لسان العرب: 4/475).
          78) الدَّقْعاء: عامّة التراب، وقيل: التراب الدقيق على وجه الأرض (لسان العرب: 8/89).
          79) أهَبَّهُ: نَبَّهَهُ (لسان العرب: 1/778).
          80) مسند ابن حنبل: 6/365/18349، فضائل الصحابة لابن حنبل: 2/687/1172، المستدرك على الصحيحين: 3/151/4679، خصائص أميرالمؤمنين للنسائي: 280/152، السيرة النبويّة لابن هشام: 2/249، تاريخ الطبري: 2/408، تاريخ دمشق: 42/549/9062، المناقب لابن المغازلي: 9/5، البداية والنهاية: 3/247، سلسلة الأحاديث الصحيحة: 4/324/1743 وراجع المناقب لابن شهرآشوب: 3/111.
          81) المعجم الأوسط: 1/237/775، تاريخ دمشق: 42/18/8359.
          82) المناقب لابن شهرآشوب: 3/112، بحارالأنوار: 35/61/12؛ مقاتل الطالبيّين: 40 عن سهل ابن سعد من دون إسناد إليه(صلى اللّه عليه وآله وسلم).
          83) صحيح مسلم: 4/1874/38، السنن الكبرى: 2/625/4340، تاريخ دمشق: 42/17، تاريخ الإسلام للذهبي: 3/622.
          84) صحيح البخاري: 3/1358/3500، المعجم الكبير: 6/167/5879، تاريخ الطبري: 2/409 وراجع صحيح البخاري: 5/2291/5851 وص 2316/5924 والأدب المفرد: 253/852 والمعجم الكبير: 6/149/5808 والبداية والنهاية: 3/247.
          وقد جاء في بعض المصادر - في أصل هذه الكنية - إنّ خلافاً ظهر بين الإمام والزهراء(عليهما السلام)، فترك الإمام البيت ممتعضاً، ونام في المسجد مغتاظاً!
          هكذا نُقل، ولكنّ عصمة هذين العظيمين، وقول الإمام فيها بعد استشهادها(عليها السلام): «ما أغضبتني قطّ» يدلّ دلالة قاطعة على أنّ هذا القسم من النصّ موضوع منحول، أقحمه فيه أعداؤهما ومناوئوهما.
          85) علل الشرائع: 157/4؛ المعجم الكبير: 12/321/13549.
          86) تذكرة الخواصّ: 5.
          87) اللقب: ما أشعر بمدح ك'«الصادق» أو ذمّ ك'«الجاحظ».
          88) اُنظر الأبواب المرتبطة بهذه العناوين.
          89) راجع: القسم الثالث‏/أحاديث الإمارة/اختصاص هذا الاسم بعليّ.
          90) راجع: القسم الثالث‏/أحاديث الوصاية/وصاية الإمام في أدب صدر الإسلام.
          91) في الحديث: «اُمّتي الغرّ المحجّلون» أي بيض مواضع الوضوء من الأيدي والوجه والأقدام (لسان العرب: 11/144).
          92) تاريخ دمشق: 42/303/8837.
          93) الكافي: 1/442/13.
          94) المناقب لابن المغازلي: 401/455، المناقب للخوارزمي: 294/284 كلاهما عن أحمد بن عامر عن الإمام الرضا عن آبائه(عليهم السلام)؛ الأمالي للطوسي: 293/570 عن عيسى بن أحمد عن الإمام الهادي عن آبائه عن الإمام الصادق‏
          (عليهم السلام).
          95) المِيرَة: هي الطعام ونحوه، يقال: مارَهم يَميرُهم: إذا أعطاهم المِيرَة (النهاية: 4/379).
          96) يوسف: 65.
          97) معاني الأخبار: 63/13.
          98) الفصول المهمّة: 129.
          99) هذا الكلام يدلّ على أنّ استعمال لفظ «الوصي» في عليّ(عليه السلام) كان كثيراً ومعروفاً.
          100) تاج العروس: 20/297، لسان العرب: 15/394 وفيه «قيل لعليّ(عليه السلام): وصيّ».
          101) الدَّعَج والدُّعْجة: السواد في العين وغيرها (النهاية: 2/119).
          102) شَثْن الكفّين: أي أنّهما يميلان إلى الغِلَظ والقِصَر (النهاية: 2/444).
          103) الكَرادِيس: رؤوس العظام وقيل: هي ملتقى كلّ عظمين ضخمين، كالركبتين والمرفقين والمنكبين؛ أي أنّه ضخم الأعضاء (النهاية: 4/162).
          104) تَكَفَّأَ جسدُه: تمايَلَ إلى قدّام (النهاية: 4/183).
          105) الطبقات الكبرى: 3/27، تاريخ بغداد: 1/134 و 135، أنساب الأشراف: 2/366، تاريخ الطبري: 5/153، تاريخ الإسلام للذهبي: 3/624 نحوه، تاريخ دمشق: 42/24 و25 عن الخوارزمي، المناقب لابن المغازلي: 12/13 عن قتادة، المعارف لابن قتيبة: 210 عن الواقدي والثلاثة الأخيرة نحوه من دون إسناد إلى المعصوم؛ شرح الأخبار: 2/427/771 وراجع اُسد الغابة: 4/115/379 والبداية والنهاية: 7/223.
          106) المُشاشة: ما أشرَفَ من عظْم المنكِب (لسان العرب: 6/347).
          107) الغارات: 1/93؛ الطبقات الكبرى: 3/26، مقتل أميرالمؤمنين: 67/56، أنساب الأشراف: 2/365، تاريخ دمشق: 42/23، اُسد الغابة: 4/115/3789.
          108) المناقب لابن شهرآشوب: 3/307، شرح الأخبار: 2/428/774.
          109) الكامل في التاريخ: 2/440.
          110) حَمْش الساقين: دقيقهما (لسان العرب: 6/288).
          111) مقاتل الطالبيّين: 42 وقال بعد ذلك: وصفته هذه وردت بها الروايات متفرّقة فجمعتها.
          112) فضائل الصحابة لابن حنبل: 2/555/934، الطبقات الكبرى: 3/25، شعب الإيمان: 5/216/6415، المعجم الكبير: 1/93/153، الاستيعاب: 3/210/1875، أنساب الأشراف: 2/361، تاريخ دمشق: 42/21 وفي بعضها إلى «اللحية» وص 20، مقتل أميرالمؤمنين: 68/57 كلاهما عن الشعبي؛ الغارات: 1/99 كلّها نحوه.
          113) مقاتل الطالبيّين: 42.
          114) الطبقات الكبرى: 3/26، أنساب الأشراف: 2/366، تاريخ دمشق: 42/23، اُسد الغابة: 4/115/3789.
          115) الدَّحْداح: القصير السمين (النهاية: 2/103).
          116) المَسرُبة: الشعرات التي تنبت في وسط الصدر إلى أسفل السُّرّة (المحيط في اللغة: 8/312).
          117) مارَ الشي‏ءُ: تحرّك وجاء وذهب كما تتكفّأ النخلة العَيْدانةُ (لسان العرب: 5/186).
          118) الذَّلَف: قِصرُ الأنف وانبطاحُه (النهاية: 2/165).
          119) وقعة صفّين: 233، المناقب لابن شهرآشوب: 3/307 عن جابر وابن الحنفيّة، كشف الغمّة: 1/77؛ الاستيعاب: 3/218/1875، ذخائر العقبى: 109 كلّها نحوه وراجع الرياض النضرة: 3/107 و 108.
          120) المناقب للخوارزمي: 45؛ كشف الغمّة: 1/75.
          121) الوَفْرة: شَعر الرأس إذا وَصَل إلى شحمة الاُذن (لسان العرب: 5/289).
          122) تاريخ دمشق: 42/25، اُسد الغابة: 4/116/3789، مقتل أميرالمؤمنين: 71/61 وفيهما «يخطب» بدل «له وفرة».
          123) أقول: يمكن أن يقال إنّ حزنه من التحكيم وما جرى قبله، وقال الشريف الرضي: يريد وفاة رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) (نهج‏البلاغة: ذيل الحكمة 473).
          124) نثر الدرّ: 1/307 وراجع نهج‏البلاغة: الحكمة 473 والرياض النضرة: 3/108.
          125) كذا في المصدر.
          126) زَمَّ بأنفه: إذا شَمَخَ وتكبّر (النهاية: 2/314).
          127) المناقب لابن شهرآشوب: 3/306.

          تعليق


          • #6
            النشأة



            رافق عليّ(عليه السلام) رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) منذ السنين الاُولى من عمره؛ فقد عسرت الحياة على أبي‏طالب برهة، وضاقت به الاُمور، فاقترح رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) على إخوة أبي‏طالب أن يأخذوا منه بعض أولاده إلى بيوتهم؛ لتخفيف عب‏ء العيش عن كاهله.
            وشاءت إرادة اللَّه تعالى أن يكون عليّ(عليه السلام) في بيت رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) ، فتولّى تربيته منذ نعومة أظفاره.
            وكان النبيّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم) يحبّ هذا الطفل الصغير؛ يضمّه إلى صدره، ويُمِسّه عَرْفَه، ويُلقمه الطعام، ويرعى حياته لحظة لحظة، وينفحه بالأنوار الإلهيّة المشعّة.
            وهكذا تربّى الإمام(عليه السلام) في حجر النبوّة، وارتوى من منهل فضائلها الرائق، وأمضى أيّامه ملازماً لها ملازمة الظلّ لصاحبه.
            وحين سطعت القبسات الاُولى للوحي صدّق بالرسالة المحمّديّة موقناً؛ إذ كانت روحه قد تواشجت هي وروح صاحبها. من هنا كان أوّل من صدّقه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) .
            ونجد في الخطبة البليغة الرفيعة «القاصعة» أجمل تصوير لهذه الملازمة، ولدور رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) في تربيته وإعداده(عليه السلام) ، وحبِّه إيّاه، واستنارةِ الإمام(عليه السلام) بهذه الملازمة. وهو ما تقرؤونه في سياق النصوص التي يشتمل عليها هذه الفصل.
            60 - كشف اليقين عن يزيد بن قعنب: ولدت [فاطمة بنت أسد] عليّاً ولرسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) ثلاثون سنة، فأحبّه رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) حبّاً شديداً، وقال لها: اجعلي مهده بقرب فراشي.
            وكان(صلى اللّه عليه وآله وسلم) يلي أكثر تربيته، وكان يطهّر عليّاً في وقت غسله، ويُوجِره(1) اللبن عند شربه، ويحرّك مهده عند نومه، ويناغيه في يقظته، ويجعله على صدره(2).
            61 - شرح نهج‏البلاغة عن الحسين بن زيد بن عليّ بن الحسين(عليهما السلام)-:سمعت زيداً - أبي - يقول: كان رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) يمضغ اللحمة والتمرة حتى تلين، ويجعلهما في فم عليّ(عليه السلام) وهو صغير ‏في حِجْره(3).
            62 - أنساب الأشراف: قالوا: كان أبوطالب قد أقلّ وأقتر، فأخذ رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) عليّاً ليخفّف عنه مؤنته، فنشأ عنده(4).
            63 - مجالس ثعلب عن ابن سلّام: لمّا أمعَرَ(5) أبوطالب قالت بنو هاشم: دعنا فليأخذ كلّ رجلٍ منّا رجلاً من ولدك، قال: اصنعوا ما أحببتم إذا خلّيتم لي عقيلاً. فأخذ النبيّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم) عليّاً، فكان أوّل من أسلم ممّن تلتفّ عليه خِبْطاته‏ (6)(7).
            64 - مقاتل الطالبيّين عن زيد بن عليّ: كان رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) أخذ عليّاً من أبيه وهو صغير في سنةٍ(8) أصابت قريشاً وقحطٍ نالَهم، وأخذ حمزة جعفراً، وأخذ العبّاس طالباً؛ ليكفوا أباهم مؤنتهم، ويخفّفوا عنه ثقلهم، وأخذ هو عقيلاً لميله كان إليه. فقال رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) : اخترت من اختار اللَّه لي عليكم؛ عليّاً(9).
            65 - المستدرك على الصحيحين عن مجاهد بن جبر أبي‏الحجّاج: كان من نِعَم اللَّه على عليّ بن أبي‏طالب(عليه السلام) ما صنع اللَّه له وأراده به من الخير؛ أنّ قريشاً أصابتهم أزمة شديدة، وكان أبوطالب في عيالٍ كثير، فقال رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) لعمّه العبّاس - وكان من أيسر بني هاشم: يا أباالفضل، إنّ أخاك أباطالب كثير العيال، وقد أصاب الناس ما ترى من هذه الأزمة، فانطلق بنا إليه نخفّف عنه من عياله؛ آخذ من بنيه رجلاً، وتأخذ أنت رجلاً، فنكفلهما عنه. فقال العبّاس: نعم.
            فانطلقا حتى أتيا أباطالب، فقالا: إنّا نريد أن نخفّف عنك من عيالك حتى تنكشف عن الناس ما هم فيه، فقال لهما أبوطالب: إذا تركتما لي عقيلاً فاصنعا ما شئتما.
            فأخذ رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) عليّاً فضمّه إليه، وأخذ العبّاس جعفراً فضمّه إليه. فلم يزل عليّ مع رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) حتى بعثه اللَّه نبيّاً، فاتّبعه وصدّقه، وأخذ العبّاس جعفراً، ولم يزل جعفر مع العبّاس حتى أسلم واستغنى عنه(10).
            66 - الإمام عليّ(عليه السلام) - في خطبته المسمّاة بالقاصعة -: أنا وضعت في الصغر بكَلاكِل(11) العرب، وكسرت نَواجِم‏ (12) قرون ربيعة ومضر، وقد علمتم موضعي من رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) بالقرابة القريبة، والمنزلة الخصيصة؛ وضعني في حجره وأنا ولد يضمّني إلى صدره، ويكنفني في فراشه، ويُمِسّني جسدَه، ويُشِمّني عَرْفَه(13)، وكان يمضغ الشي‏ء ثمّ يُلقِمنِيه، وما وجد لي كذبة في قول، ولا خَطْلة (14) في فعل.
            ولقد قرن اللَّه به(صلى اللّه عليه وآله وسلم) من لدن أن كان فطيماً أعظم ملك من ملائكته؛ يسلك به طريق المكارم، ومحاسن أخلاق العالَم، ليلَه ونهاره. ولقد كنت أتّبعه اتّباع الفَصِيل(15) أثر اُمّه، يرفع لي في كلّ يوم من أخلاقه علَماً، ويأمرني بالاقتداء به. ولقد كان يجاور في كلّ سنة بحِراء، فأراه ولا يراه غيري. ولم يجمع بيتٌ واحد يومئذٍ في الإسلام غير رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) وخديجة وأنا ثالثهما، أرى نور الوحي والرسالة، وأشمّ ريح النبوّة(16).
            67 - السيرة النبويّة عن ابن إسحاق: كان ممّا أنعم اللَّه به على عليّ بن أبي‏طالب أنّه كان في حِجر رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) قبل الإسلام‏ (17).
            68 - شرح نهج‏البلاغة عن الفضل بن عبّاس: سألت أبي‏عن ولد رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) الذكور، أيّهم كان رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) له أشدَّ حبّاً؟ فقال: عليّ بن أبي‏طالب(عليه السلام) ، فقلت له: سألتك عن بنيه! فقال: إنّه كان أحبّ إليه من بنيه جميعاً وأرأف، ما رأيناه زايَله يوماً من الدهر منذ كان طفلاً، إلّا أن يكون في سفر لخديجة، وما رأينا أباً أبرّ بابنٍ منه لعليّ، ولا ابناً أطوع لأبٍ من عليٍّ له....
            وروى جبير بن مُطعِم قال: قال أبي‏مُطعِم بن عديّ لنا ونحن صبيان بمكّة: ألا ترون حبّ هذا الغلام - يعني عليّاً - لمحمّد واتّباعه له دون أبيه؟! واللات والعُزّى! لوددتُ أنّ ابني بفتيان بني نوفل جميعاً!(18)
            راجع: القسم التاسع / عليٌّ عن لسان النبيّ / المكانة السياسيّة والاجتماعيّة/خيرة اللَّه.

            --------------------------------------------------------------------------------
            1) وَجَرْته الدواءَ: جعلته في فِيه (لسان العرب: 5/279).
            2) كشف اليقين: 32/12.
            3) شرح نهج‏البلاغة: 13/200؛ بحارالأنوار: 38/323.
            4) أنساب الأشراف: 2/346.
            5) أمْعَرَ: افتقر (النهاية: 4/342).
            6) الخِبطَة: القطعة من البيوت والناس (لسان العرب: 7/284).
            7) مجالس ثعلب: 1/29.
            8) السَّنَة: الجَدْب، يقال: أخذتْهم السَّنة: إذا أجدَبوا واُقحِطوا (النهاية: 2/413).
            9) مقاتل الطالبيّين: 41، شرح نهج‏البلاغة: 1/15 نحوه.
            10) المستدرك على الصحيحين: 3/666/6463، السيرة النبويّة لابن هشام: 1/262، تاريخ الطبري: 2/313، الكامل في التاريخ: 1/484، تاريخ الإسلام للذهبي: 1/136، دلائل النبوّة للبيهقي: 2/162، المناقب للخوارزمي: 51/14، البداية والنهاية: 3/25 والأربعة الأخيرة نحوه؛ علل الشرائع: 169/1، المناقب لابن شهرآشوب: 2/179، إعلام الورى: 1/105 كلاهما نحوه، روضة الواعظين: 98.
            11) الكَلْكَل: الصدر من كلّ شي‏ء (لسان العرب: 11/596).
            12) نَجَم النبتُ: إذا طَلَع، وكلّ ما طَلَع وظَهَر فقد نجم (النهاية: 5/24).
            13) العَرْف: الريح... وأكثر استعماله في الطَّيِّبة (تاج العروس: 12/375).
            14) خَطِلَ في منطقه ورأيه خَطَلاً: أخطأ (المصباح المنير: 174).
            15) الفَصيل: ولد الناقة إذا فُصِل عن اُمّه (لسان العرب: 11/522).
            16) نهج‏البلاغة: الخطبة 192.
            17) السيرة النبويّة لابن هشام: 1/262، تاريخ الطبري: 2/312، تاريخ الإسلام للذهبي: 1/136، اُسد الغابة: 4/89/3789 وفيه «رُبّي في حِجْر»، دلائل النبوّة للبيهقي: 2/161، المناقب للخوارزمي: 51/13، البداية والنهاية: 3/24؛ روضة الواعظين: 98.
            18) شرح نهج‏البلاغة: 13/201؛ بحارالأنوار: 38/324.

            تعليق


            • #7
              الولادة




              النسب

              إنّ اُرومة الناس دليل على شخصيّتهم وفكرهم وثقافتهم. فاُولو النزاهة والصلاح والعقل والحكمة ينحدرون-في الغالب-من اُسَر كريمة طيّبة مهذّبة، وذوو السوء والقبح والشرّ غالباً هم ممّن نشأ في أحضان غير سليمة، وانحدر من اُصول لئيمة. ويتجلّى القسم الأوّل في الأنبياء-الذين هم عِلْية وجوه التاريخ، وقمم الشرف والكرامة والعزّة - ومَنْ تفرّع من دوحاتهم، ورسخت جذوره في بيوتاتهم الرفيعة.
              وكانت لأمير المؤمنين عليّ بن أبي‏طالب(عليه السلام) جذور ضاربة في سلالة طاهرة كريمة هي سلالة إبراهيم(عليه السلام) ، فهو كرسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) في ذلك. وإبراهيم(عليه السلام) هو بطل التوحيد، الراغب إلى اللَّه، المغرم بحبّه، وهو الواضع سنّة الحجّ؛ رمز العبودية ومقارعة الشرك. وهكذا فالحديث عن جُدود النبيّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم) حديث عن جدود عليّ(عليه السلام) ، والكلام عن سلالته(صلى اللّه عليه وآله وسلم) هو بعينه الكلام عن سلالة أخيه ووصيّه‏ (عليه السلام) ، قال(صلى اللّه عليه وآله وسلم) في أسلافه:
              «إنّ اللَّه اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل، واصطفى من ولد إسماعيل بني كِنانة، واصطفى من بني كنانة قريشاً، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم»(1).
              وهكذا فبنو هاشم هم صفوة اختيرت من بين صفوة الاُسر، ورسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) وعليّ(عليه السلام) هما صفوة هذه الصفوة، قال الإمام(عليه السلام) واصفاً سلالة النبيّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم) :
              «اُسرته خير الاُسر، وشجرته خير الشجر؛ نَبَتت في حرَم، وبَسَقت في كَرَم، لها فروع طوال، وثمر لا يُنال»(2).
              وهذا الثناء - بحقّ - هو ثناء على سلالته(عليه السلام) أيضاً، حيث قال رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) :
              «أنا وعليّ من شجرة واحدة»(3).
              وقال:
              «لحمه لحمي، ودمه دمي»(4).
              وعلى هذا يكون بيت رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) وبيت عليّ هو بيت النبوّة، واُرومتهما اُرومة النور والكرامة، وهما المصطفيان من نسل إبراهيم وبني هاشم، مع خصائص ومزايا سامقة؛ كالطهارة، والفصاحة، والسماحة، والشجاعة، والذكاء، والحياء، والعفّة، والحلم، والصبر وأمثالها(5). ناهيك عن منزلتهما المرموقة العليّة بين قبائل العرب بأجمعها.
              1 - المناقب لابن المغازلي عن مُصعب بن عبداللَّه: هو عليّ بن أبي‏طالب بن عبدالمطَّلب بن هاشم بن عبدمَناف بن قُصَيّ بن كِلاب بن مُرّة بن كَعْب بن لُؤَيّ ابن غالب بن فِهْر بن مالك بن النَّضْر بن كِنانة بن خُزَيْمة بن مُدْرِكة بن إلياس بن مُضَر بن نَزار بن معدّ بن عَدنان. واسم أبي‏طالب عبدمَناف‏ (6).
              2 - شرح نهج‏البلاغة: هو أبوالحسن عليّ بن أبي‏طالب - واسمه عبدمناف- ابن عبدالمطّلب - واسمه شَيْبة - ابن هاشم - واسمه عمرو - ابن عبدمناف بن قصيّ(7).
              3 - الإمام عليّ(عليه السلام) - من كلام له على منبر البصرة -: اسم أبي: عبدمناف، فغلبت الكنية على الاسم، وإنّ اسم عبدالمطّلب: عامر، فغلب اللقب على الاسم، واسم هاشم: عمرو، فغلب اللقب على الاسم، واسم عبدمناف: المغيرة، فغلب اللقب على الاسم، وإنّ اسم قصيّ: زيد، فسمّته العرب مجمعاً؛ لجمعه إيّاها من البلد الأقصى إلى مكّة، فغلب اللقب على الاسم(8).
              4 - رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) : خُلقت أنا وعليّ من نور واحد... فلم يزل ينقلنا اللَّه عزّوجلّ من أصلاب طاهرة إلى أرحام طاهرة حتى انتهى بنا إلى عبدالمطّلب‏ (9).
              راجع: القسم التاسع / عليّ عن لسان النبيّ / الخلقة.


              الأب

              عبدمناف بن عبدالمطّلب، المشهور بأبي‏طالب، أحد العشرة من أولاد عبدالمطّلب(10). وكان عبدالمطّلب الوجه المتألِّق في قريش، وله منزلته السامقة في أوساطها. ثمّ جاء بعده ولده أبوطالب فورث تلك المكانة الاجتماعيّة العليّة (11).
              وكانت اُسرة أبي‏طالب أوّل الاُسر التي اجتمع فيها زوجان هاشميّان(12).
              تولّى أبوطالب رعاية النبيّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم) الذي فقد أبويه في طفولته، ثمّ فقد جدّه(13). ولمّا بُعث أمين قريش(صلى اللّه عليه وآله وسلم) لم يدّخر أبوطالب وسعاً في دعمه ومؤازرته على ما هو بسبيله في مسيرته الجهادية الشاقّة.
              وآمن به أرسخ الإيمان(14)، وأصحر بذلك في شِعره(15). وكانت منزلته الاجتماعيّة السامية بين قريش وأهل مكّة، ودعمه السخيّ لرسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) ، حائلَين أصليّين دون وصول الأذى إليه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) من قريش(16).
              رافقه في حصار الشِّعب، وتحمّل مصائب المقاطعة الاقتصاديّة على كبر سنّه، ولم يتنازل عن معاضدته ومواساته(17).
              وكان له حقّ عظيم على الإسلام والمسلمين في غربة الدين يومئذٍ. وبعد خروجه من الشعب فارق الحياة حميداً. ففقد النبيّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم) بوفاته ووفاة خديجة (عليهما السلام) عضدَين وفيّين مضحّيين. واشتدّ أذى قريش وتعذيبها للمؤمنين عقب ذلك(18).
              5 - كمال الدين عن الأصبغ بن نباتة: سمعت أميرالمؤمنين صلوات اللَّه عليه يقول: واللَّه ما عبد أبي ولا جدّي عبدالمطّلب ولا هاشم ولا عبدمناف صنماً قطّ! قيل له: فما كانوا يعبدون؟ قال: كانوا يصلّون إلى البيت على دين إبراهيم(عليه السلام) ، متمسّكين به‏ (19).
              6 - الإمام الصادق(عليه السلام) : إنّ أباطالب أظهر الكفر وأسرّ الإيمان. فلمّا حضرته الوفاة أوحى اللَّه عزّوجلّ إلى رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) : اُخرج منها؛ فليس لك بها ناصر. فهاجر إلى المدينة (20).
              7 - عنه(عليه السلام) : كان أميرالمؤمنين(عليه السلام) يعجبه أن يُروى شعر أبي‏طالب وأن يُدوَّن، وقال: تعلَّموه وعلِّموه أولادكم؛ فإنّه كان على دين اللَّه، وفيه علم كثير(21).
              8 - إيمان أبي‏طالب عن عليّ بن محمّد الصوفي العلوي العمري: أنشدني أبوعبداللَّه بن منعية(22) الهاشمي - معلّمي بالبصرة - لأبي طالب:

              لقد أكرم اللَّه النبيّ محمّداً
              فأكرمُ خَلق اللَّه في الناس أحمدُ
              وشقّ له من اسمه لِيُجلَّه
              فذو العرش محمودٌ وهذا محمّدُ(23)
              9 - إيمان أبي‏طالب عن ضوء بن صلصال: كنت أنصر النبيّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم) مع أبي‏طالب قبل إسلامي، فإنّي يوماً لجالس بالقرب من منزل أبي‏طالب في شدّة القيظ، إذ خرج أبوطالب إليّ شبيهاً بالملهوف، فقال لي: يا أباالغضنفر، هل رأيت هذين الغلامين؟ -يعني النبيّ وعليّاً صلوات اللَّه عليهما - فقلت: ما رأيتهما مذ جلست، فقال: قم بنا في الطلب لهما؛ فلست آمَنُ قريشاً أن تكون اغتالتهما.
              قال: فمضينا حتى خرجنا من أبيات مكّة، ثمّ صرنا إلى جبل من جبالها فاستَرْقيناه إلى قلّته، فإذا النبيّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم) وعليّ(عليه السلام) عن يمينه وهما قائمان بإزاء عين الشمس يركعان ويسجدان. قال: فقال أبوطالب لجعفر ابنه: صِل جناح ابن عمّك، فقام إلى جنب عليّ، فأحسّ بهما النبيّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم) فتقدّمهما، وأقبلوا على أمرهم حتى فرغوا ممّا كانوا فيه، ثمّ أقبلوا نحونا، فرأيت السرور يتردّد في وجه أبي‏طالب، ثمّ انبعث يقول:

              إنّ عليّاً وجعفراً ثقتي
              عند مُلِمّ الزمان والنُّوَبِ
              لا تخذلا وانصرا ابن عمّكما
              أخي لاُمّي من بينهم وأبي
              واللَّه لا أخذل النبيّ ولا
              يخذله من بنيَّ ذو حَسَبِ(24)
              10 - الفصول المختارة-في ذكر ما جرى في شعب أبي‏طالب-: لمّا نامت العيون، جاء أبوطالب ومعه أميرالمؤمنين(عليه السلام) فأقام رسول‏اللَّه‏ (صلى اللّه عليه وآله وسلم) وأضجع أميرالمؤمنين(عليه السلام) م‏كانه، فقال أميرالمؤمنين(عليه السلام) : يا أبتاه، إنّي مقتول، فقال أبوطالب:

              اصبِرنْ يا بُنيّ فالصبر أحجى
              كلّ حيّ مصيره لشعوبِ
              قد بذلناك والبلاء شديدٌ
              لفداء النجيب وابن النجيبِ
              لفداء الأغرّ ذي الحسب الثا
              قب والباع والفناء الرحيبِ
              إن تُصبْك المنون فالنبل يبرى
              فمصيبٌ منها وغير مصيبِ
              كلّ حيٍّ وإن تملى بعيشٍ
              آخذٌ من سهامها بنصيبِ
              قال: فقال أميرالمؤمنين(عليه السلام) :

              أتأمرني بالصبر في نصر أحمدٍ
              وواللَّه ما قلت الذي قلت جازعا
              ولكنّني أحببت إظهارَ نصرتي
              وتعلمَ أنّي لم أزل لك طائعا
              وسعيي لوجه اللَّه في نصر أحمدٍ
              نبيّ الهدى المحمود طفلاً ويافعا(25)
              11 - الكافي عن إسحاق بن جعفر عن الإمام الصادق(عليه السلام) : قيل له: إنّهم يزعمون أنّ أباطالب كان كافراً؟ فقال: كذبوا، كيف يكون كافراً وهو يقول:

              ألم تعلموا أنّا وجدنا محمّداً
              نبيّاً كموسى خُطّ في أوّل الكتبِ
              وفي حديث آخر: كيف يكون أبوطالب كافراً وهو يقول:

              لقد علموا أنّ ابننا لا مكذَّبٌ
              لدينا ولا يعبا بقِيل الأباطلِ
              وأبيض يُستسقى الغمامُ بوجههِ
              ثمال اليتامى عصمة للأراملِ(26)
              12 - إيمان أبي‏طالب عن الحسن بن جمهور العمي يرفعه: قيل لتأبّط شرّاً الشاعر-واسمه ثابت بن جابر-: من سيّد العرب؟ فقال: اُخبرُكم: سيّد العرب أبوطالب بن عبدالمطّلب. وقيل للأحنف بن قيس التميمي(27): من أين اقتبست هذه الحكم، وتعلّمت هذا الحلم؟ قال: من حكيم عصره وحليم دهره؛ قيس بن عاصم المنقري(28). ولقد قيل لقيس: حلمَ من رأيتَ فتحلّمت؟ وعلمَ من رويتَ فتعلّمت؟ فقال: من الحليم الذي لم تحلّ قطّ حبْوته، والحكيم الذي لم تنفد قطّ حكمته؛ أكْثَم بن صَيْفيّ التميمي(29). ولقد قيل لأكثم: ممّن تعلّمت الحكم والرئاسة والحلم والسياسة؟ فقال: من حليف الحلم والأدب، سيّد العجم والعرب؛ أبي‏طالب بن عبدالمطّلب(30).
              راجع: كتاب «بحارالأنوار»: 35/68، نسبه وأحوال والديه.
              كتاب «إيمان أبي‏طالب» لفخار بن معدّ.
              كتاب «الغدير»: 7/550-445.


              الاُمّ

              فاطمة بنت أسد، وكانت امرأة لبيبة، صلبة العقيدة، فتيّة القلب، بَرّة، مبجَّلة. احتضنت النبيّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم) في طفولته(31)، فكان يحبّها حبّاً شديداً، حتى قال فيها: «كانت اُمّي بعد اُمّي التي ولدتني» (32).
              وكان يُثني على حنانها وشفقتها عليه قائلاً: «لم يكن بعد أبي‏طالب أبرّ بي منها»(33).
              وكانت أوّل امرأة بايعت النبيّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم) (34). وهاجرت إلى المدينة مع عليّ وفاطمة (عليهما السلام) مشياً على الأقدام. ولمّا توفّيت هذه المرأة العظيمة كفّنها رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) بقميصه(35)، وشارك في تشييعها، وصلّى عليها، ثمّ وضعها في قبرها بعدما اضطجع فيه(36).
              وكان عليّ(عليه السلام) رابع ولدٍ لهذين الوجهين المتألِّقين في التاريخ الإسلامي، إذ زيّن حياتهما بهاءً وسناءً بعد طالب وعقيل وجعفر(37).
              13 - فضائل الصحابة عن مصعب الزبيري: إنّ اُمّ عليّ بن أبي‏طالب فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبدمناف بن قصيّ. وهي أوّل هاشميّة ولدت هاشميّاً. وهاجرت إلى النبيّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم) وماتت، وشهدها النبيّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم) (38).
              14 - المناقب لابن شهرآشوب: خطب أبوطالب في نكاح فاطمة بنت أسد: الحمد للَّه ربّ العالمين ربّ العرش العظيم، والمقام الكريم، والمشعر والحطيم، الذي اصطفانا أعلاماً وسَدَنة، وعرفاء وخلصاء، وحجّته بَهاليل(39)، أطهار من الخَنا(40) والريب، والأذى والعيب، وأقام لنا المشاعر، وفضّلنا على العشائر، نخب آل إبراهيم وصفوته، وزرع إسماعيل، في كلام له.
              ثمّ قال: وقد تزوّجتُ بنت أسد، وسقتُ المهر، ونفّذتُ الأمر، فاسألوه واشهدوا. فقال أسد: زوّجناك ورضينا بك(41).
              15 - الكافي عن عبداللَّه بن مسكان عن الإمام الصادق(عليه السلام) : إنّ فاطمة بنت أسد جاءت إلى أبي‏طالب لتبشّره بمولد النبيّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم) ، فقال أبوطالب: اصبري سبتاً اُبشّرك بمثله إلّا النبوّة. وقال: السبت ثلاثون سنة، وكان بين رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) وأميرالمؤمنين(عليه السلام) ‏ثلاثون سنة (42).
              16 - الإمام عليّ(عليه السلام) : لمّا ماتت فاطمة بنت أسد بن هاشم، كفّنها رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) في قميصه، وصلّى عليها، وكبّر عليها سبعين تكبيرة، ونزل في قبرها؛ فجعل يومي في نواحي القبر كأنّه يوسّعه ويسوّي عليها، وخرج من قبرها وعيناه تذرفان، وحثا(43) في قبرها.
              فلمّا ذهب قال له عمر بن الخطّاب: يا رسول‏اللَّه، رأيتك فعلت على هذه المرأة شيئاً لم تفعله على أحد! فقال: يا عمر، إنّ هذه المرأة كانت اُمّي [بعد اُمّي‏](44) التي ولدتني، إنّ أباطالب كان يصنع الصنيع، وتكون له المأدبة، وكان يجمعنا على طعامه، فكانت هذه المرأة تفضل منه كلّه نصيباً، فأعود فيه، وإنّ جبريل(عليه السلام) أخبرني عن ربّي عزّوجلّ أنّها من أهل الجنّة، وأخبرني جبريل(عليه السلام) أنّ اللَّه تعالى أمر سبعين ألفاً من الملائكة يصلّون عليها(45).
              17 - الإمام الصادق(عليه السلام) : إنّ فاطمة بنت أسد اُمّ أميرالمؤمنين كانت أوّل امرأة هاجرت إلى رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) من مكّة إلى المدينة على قدميها. وكانت من أبرّ الناس برسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) ، فسمعتْ رسول‏اللَّه وهو يقول: إنّ الناس يحشرون يوم القيامة عراة كما وُلدوا، فقالت: واسوأتاه! فقال لها رسول‏اللَّه‏ (صلى اللّه عليه وآله وسلم) : فإنّي أسأل اللَّه أن يبعثك كاسية. وسمعته يذكر ضغطة القبر، فقالت: واضعفاه! فقال لها رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) : فإنّي أسأل اللَّه أن يكفيك ذلك.
              وقالت لرسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) يوماً: إنّي اُريد أن اُعتق جاريتي هذه، فقال لها: إن فعلت أعتق اللَّه بكلّ عضو منها عضواً منك من النار.
              فلمّا مرضت أوصت إلى رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) ، وأمرت أن يعتق خادمها، واعتقل لسانها، فجعلت تومي إلى رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) إيماءً، فقبل رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) وصيّتها.
              فبينما هو ذات يوم قاعد إذ أتاه أميرالمؤمنين(عليه السلام) وهو يبكي، فقال له رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) : ما يبكيك؟ فقال: ماتت اُمّي فاطمة، فقال رسول‏اللَّه: واُمّي واللَّه! وقام مسرعاً حتى دخل، فنظر إليها وبكى. ثمّ أمر النساء أن يغسِّلنها، وقال(صلى اللّه عليه وآله وسلم) : إذا فرغتنّ فلا تُحْدثن شيئاً حتى تُعْلمنني، فلمّا فرغن أعلمنه بذلك، فأعطاهنّ أحد قميصيه الذي يلي جسده وأمرهنّ أن يكفّنّها فيه، وقال للمسلمين: إذا رأيتموني قد فعلت شيئاً لم أفعله قبل ذلك فسلوني: لِمَ فعلته؟ فلمّا فرغن من غسلها وكفنها، دخل(صلى اللّه عليه وآله وسلم) فحمل جنازتها على عاتقه، فلم يزل تحت جنازتها حتى أوردها قبرها، ثمّ وضعها ودخل القبر فاضطجع فيه، ثمّ قام فأخذها على يديه حتى وضعها في القبر، ثمّ انكبّ عليها طويلاً يناجيها...(46).


              المولد

              ولد الإمام عليّ(عليه السلام) في يوم الجمعة(47) الثالث عشر من شهر رجب(48) بعد ثلاثين سنة من عام الفيل(49) في الكعبة المكرّمة (50).
              قال العلّامة الأميني في مولد الإمام(عليه السلام) وفي فضيلته التي لا بديل لها: «وهذه حقيقة ناصعة أصفق على إثباتها الفريقان، وتضافرت بها الأحاديث، وطفحت بها الكتب، فلا نعبأ بجلبة رماة القول على عواهنه بعد نصّ جمع من أعلام الفريقين على تواتر حديث هذه الأثارة»(51).
              18 - المستدرك على الصحيحين: قد تواترت الأخبار أنّ فاطمة بنت أسد ولدت أميرالمؤمنين عليّ بن أبي‏طالب(عليه السلام) في جوف الكعبة (52).
              19 - روضة الواعظين عن جابر بن عبداللَّه الأنصاري: سألت رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) عن ميلاد أميرالمؤمنين عليّ بن أبي‏طالب(عليه السلام) ، فقال: آه، آه! لقد سألتني عن خير مولود وُلد بعدي على سنّة المسيح(عليه السلام) ؛ إنّ اللَّه تبارك وتعالى خلقني وعليّاً من نور واحد... ثمّ نقلنا من صلبه [آدم(عليه السلام) ] في الأصلاب الطاهرات إلى الأرحام الطيّبة، فلم نزَل كذلك حتى أطلعني اللَّه تبارك وتعالى من ظهرٍ طاهر وهو عبداللَّه بن عبدالمطّلب، فاستودعني خير رحم وهي آمنة، ثمّ أطلع اللَّه تبارك وتعالى عليّاً من ظهرٍ طاهر وهو أبوطالب، واستودعه خير رحم وهي فاطمة بنت‏أسد (53).
              20 - الإرشاد: وُلد بمكّة في البيت الحرام، يوم الجمعة الثالث عشر من رجب سنة ثلاثين من عام الفيل. ولم يولد قبله ولا بعده مولود في بيت اللَّه تعالى سواه؛ إكراماً من اللَّه تعالى له بذلك، وإجلالاً لمحلّه في التعظيم(54).
              21 - علل الشرائع عن سعيد بن جبير: قال يزيد بن قَعْنَب: كنت جالساً مع العبّاس بن عبدالمطّلب وفريق من عبدالعُزّى بإزاء البيت الحرام، إذ أقبلت فاطمة بنت أسد اُمّ أميرالمؤمنين(عليه السلام) وكانت حاملة به تسعة أشهر وقد أخذها الطلق، فقالت: ربّ، إنّي مؤمنة بك وبما جاء من عندك من رسل وكتب، وإنّي مصدّقة بكلام جدّي إبراهيم الخليل(عليه السلام) وإنّه بنى البيت العتيق، فبحقّ الذي بنى هذا البيت، وبحقّ المولود الذي في بطني، لمّا يسّرت عليَّ ولادتي.
              قال يزيد بن قعنب: فرأينا البيت وقد انفتح عن ظهره، ودخلت فاطمة وغابت عن أبصارنا، والتزق الحائط، فرمنا أن ينفتح لنا قفل الباب فلم ينفتح، فعلمنا أنّ ذلك أمر من أمر اللَّه تعالى.
              ثمّ خرجت بعد الرابع وبيدها أميرالمؤمنين(عليه السلام) ، ثمّ قالت: إنّي فُضّلت على من تقدّمني من النساء؛ لأنّ آسية بنت مزاحم عبدت اللَّه سرّاً في موضع لا يحبّ أن يُعبد اللَّه فيه إلّا اضطراراً، وأنّ مريم بنت عمران هزّت النخلة اليابسة بيدها حتى أكلت منها رطباً جنيّاً، وإنّي دخلت بيت اللَّه الحرام وأكلت من ثمار الجنّة وأرزاقها(55).
              22 - الإمام الباقر عن الإمام زين العابدين (عليهما السلام)- :كنت جالساً مع أبي‏ونحن زائرون قبر جدّنا(عليه السلام) وهناك نسوان كثيرة، إذ أقبلت امرأة منهنّ، فقلت لها: من أنت يرحمك اللَّه؟ قالت: أنا زيدة بنت قَريبة بن العَجْلان من بني ساعدة، فقلت لها: فهل عندك شي‏ء تحدّثينا؟ فقالت: إي واللَّه؛ حدّثتني اُمّي اُمّ‏عُمارة بنت عُبادة بن نَضْلة بن مالك بن العَجلان الساعدي أنّها كانت ذات يوم في نساء من العرب، إذ أقبل أبوطالب كئيباً حزيناً، فقلت له: ما شأنك يا باطالب؟ قال: إنّ فاطمة بنت أسد في شدّة المخاض ثمّ وضع يديه على وجهه.
              فبينا هو كذلك، إذ أقبل محمّد(صلى اللّه عليه وآله وسلم) ، فقال له: ما شأنك يا عمّ؟ فقال: إنّ فاطمة بنت أسد تشتكي المخاض، فأخذ بيده وجاء وهي معه، فجاء بها إلى الكعبة فأجلسها في الكعبة، ثمّ قال: اجلسي على اسم اللَّه، قال: فطلقت طلقة فولدت غلاماً مسروراً نظيفاً مُنظفاً لم أرَ كحسن وجهه، فسمّاه أبوطالب عليّاً، وحمله النبيّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم) حتى أدّاه إلى منزلها.
              قال عليّ بن الحسين (عليهما السلام) : فواللَّه ما سمعتُ بشي‏ء قطّ إلّا وهذا أحسن منه!(56)
              23 - شرح نهج‏البلاغة: روي أنّ السنة التي ولد فيها عليّ(عليه السلام) هي السنة التي بُدئ فيها برسالة رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) ، فاُسمع الهتاف من الأحجار والأشجار، وكُشف عن بصره، فشاهد أنواراً وأشخاصاً، ولم يخاطَب فيها بشي‏ء.
              وهذه السنة هي السنة التي ابتدأ فيها بالتبتّل والانقطاع والعزلة في جبل حراء، فلم يزل به حتى كُوشِف بالرسالة، واُنزل عليه الوحي.
              وكان رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) يتيمّن بتلك السنة وبولادة عليّ(عليه السلام) فيها، ويسمّيها سنة الخير وسنة البركة.
              وقال لأهله ليلة ولادته - وفيها شاهد ما شاهد من الكرامات والقدرة الإلهيّة، ولم يكن من قبلها شاهد من ذلك شيئاً-: «لقد وُلد لنا الليلة مولود يفتح اللَّه علينا به أبواباً كثيرة من النعمة والرحمة».
              وكان كما قال صلوات اللَّه عليه؛ فإنّه(عليه السلام) كان ناصره، والمحامي عنه، وكاشف الغمّاء عن وجهه، وبسيفه ثبت دين الإسلام، ورست دعائمه، وتمهّدت قواعده(57).
              24 - ديوان السيّد الحميري - من قصيدة له في ولادة أميرالمؤمنين(عليه السلام) -:

              ولدته في حرم الإلهِ وأمنهِ
              والبيتِ حيث فناؤه والمسجدُ
              بيضاءُ طاهرةُ الثيابِ كريمةٌ
              طابت وطابَ وليدُها والمولدُ
              في ليلة غابت نحوس نجومها
              وبدت مع القمر المنير الأسعَدُ
              ما لُفَّ في خِرَقِ القوابلِ مثلُه
              إلّا ابنُ آمنةَ النبيُّ محمّدُ(58)
              راجع: كتاب «الغدير»: 6/22 - 38.


              الأسماء

              لمّا ولد الإمام(عليه السلام) ، اختارت له اُمّه فاطمة بنت أسد اسم «حيدرة»(59) تيمّناً باسم أبيها «أسد»، ثمّ اتّفقت هي وأبوه - وبإلهام ربّاني - على تسميته «عليّاً»(60).
              وكانت له أسماء اُخرى أيضاً ستأتي في سياق النصوص التاريخيّة والروائيّة لهذا الفصل.
              25 - علل الشرائع عن فاطمة بنت أسد: إنّي دخلت بيت اللَّه الحرام، وأكلت من ثمار الجنّة وأرزاقها، فلمّا أردت أن أخرج هتف بي هاتف: يا فاطمة! سمّيه عليّاً، فهو عليّ، واللَّه العليّ الأعلى يقول: إنّي شققت اسمه من اسمي، وأدّبته بأدبي، ووقفته على غامض علمي، وهو الذي يكسّر الأصنام في بيتي، وهو الذي يؤذّن فوق ظهر بيتي، ويقدّسني ويمجّدني، فطوبى لمن أحبّه وأطاعه، وويلٌ لمن عصاه وأبغضه‏ (61).
              26 - ينابيع المودّة عن العبّاس بن عبدالمطّلب: لمّا ولدت فاطمة بنت أسد عليّاً سمّته باسم أبيها(62) أسد، ولم يرضَ أبوطالب بهذا، فقال: هلمّ حتى نعلو أباقبيس ليلاً، وندعو خالق الخضراء، فلعلّه أن ينبئنا في اسمه.
              فلمّا أمسيا، خرجا وصعدا أباقبيس ودعيا اللَّه تعالى، فأنشأ أبوطالب شعراً:

              يا ربَّ الغَسق الدجيِّ
              والفلَق المبتلج المُضيِّ
              بيِّن لنا عن أمرك المقضيِّ
              بما نسمّي ذلك الصبيِّ
              فإذا خشخشة من السماء، فرفع أبوطالب طرفه، فإذا لوحٌ مثل زبرجد أخضر فيه أربعة أسطر، فأخذه بكلتا يديه وضمّه إلى صدره ضمّاً شديداً، فإذا مكتوب:

              خُصِّصتما بالولد الزكيِّ
              والطاهر المنتجب الرضيِّ
              وإسمه من قاهر العليِّ(63)
              عليٌّ اشتُقّ من العليِّ
              فسُرّ أبوطالب سروراً عظيماً، وخرّ ساجداً للَّه تبارك وتعالى، وعقّ بعشرة من الإبل.
              وكان اللوح معلّقاً في بيت [اللَّه‏](64) الحرام يفتخر به بنو هاشم على قريش، حتى غاب زمان قتال الحجّاج ابنَ الزبير(65).
              27 - الإمام زين العابدين(عليه السلام) : كان رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) ذات يوم جالساً وعنده عليّ وفاطمة والحسن والحسين(عليهم السلام) ، فقال: والذي بعثني بالحقّ بشيراً، ما على وجه الأرض خلق أحبّ إلى اللَّه عزّوجلّ ولا أكرم عليه منّا. إنّ اللَّه تبارك وتعالى شقّ لي اسماً من أسمائه؛ فهو محمود وأنا محمّد، وشقّ لك يا عليّ اسماً من أسمائه؛ فهو العليّ الأعلى وأنت عليّ...(66).
              28 - الإمام عليّ(عليه السلام)-: أنا اسمي في الإنجيل إليا، وفي التوراة بري‏ء، وفي الزبور أريّ، وعند الهند كبكر، وعند الروم بطريسا، وعند الفرس جبتر، وعند الترك بثير، وعند الزنج حيتر، وعند الكهنة بوي‏ء، وعند الحبشة بثريك، وعند اُمّي حيدرة، وعند ظئري ميمون، وعند العرب عليّ، وعند الأرمن فريق، وعند أبي‏ظهير(67).
              29 - رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) : إذا كان يوم القيامة، ينادون عليّ بن أبي‏طالب بسبعة أسماء: يا صدّيق، يا دالّ، يا عابد، يا هادي، يا مهديّ، يا فتى، يا عليّ؛ اُدخل أنت وشيعتك الجنّة بغير حساب(68).
              30 - شرح نهج‏البلاغة: كان اسمه الأوّل الذي سمّته به اُمّه: حَيْدَرة، باسم أبيها أسد بن هاشم - والحيدرة: الأسد - فغيّر أبوه اسمه، وسمّاه عليّاً.
              وقيل: إنّ حيدرة اسمٌ كانت قريش تسمّيه به.
              والقول الأوّل أصحّ؛ يدلّ عليه خبرُه يوم برز إليه مَرْحب، وارتجز عليه فقال:

              أنا الذي سمّتني اُمّي مَرْحَبا

              فأجابه(عليه السلام) رجزاً:

              أنا الذي سمّتني اُمّي حَيْدَرَه(69)



              الكنى

              كانت لأمير المؤمنين(عليه السلام) كنى عديدة، أشهرها: أبوالحسن(70)، وثمّة كنى اُخرى ذُكرت له(عليه السلام) ، منها: أبوالحسين، وأبوالسبطين‏ (71)، وأبوالريحانتين(72)، وأبوتراب، وإن كان التعريف الاصطلاحي للكنية لا ينطبق على بعضها.
              ويتراءى من الروايات أنّ كنية «أبوتراب» كانت أحبّ الكنى إليه(عليه السلام) ، وأنّه كان يُسرّ إذا نودي بها؛ لاُمور منها: أنّه كان يجد فيها نوعاً من التواضع والتذلّل للَّه سبحانه. ومنها: أنّها كانت تذكّره بملاطفة النبيّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم) معه في غزوة ذات العشيرة حيث كان متوسّداً التراب بصحبة عمّار بن ياسر وقد أصابه شي‏ء منه، ولذا كان له(عليه السلام) انشداد وتعلّق خاصّ بتلك الكنية.
              31 - الإمام عليّ(عليه السلام) : كان الحسن في حياة رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) يدعوني أباالحسين، وكان الحسين يدعوني أباالحسن، ويدعوان رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) أباهما. فلمّا توفّي رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) دعواني بأبيهما(73).
              32 - عنه(عليه السلام) : ما سمّاني الحسن والحسين يا أبة حتى توفّي رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) ، كانا يقولان لرسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) : يا أبة، وكان الحسن يقول لي: يا أباالحسين، وكان الحسين يقول لي: يا أباالحسن(74).
              33 - الطبقات الكبرى - في ذكر غزوة ذي العُشَيرة -: بذي العشيرة كنى رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) عليّ بن أبي‏طالب أباتراب؛ وذلك أنّه رآه نائماً متمرّغاً في البَوْغاء(75) فقال: اجلس، أباتراب، فجلس(76).
              34 - مسند ابن حنبل عن عمّار بن ياسر: كنت أنا وعليّ رفيقين في غزوة ذات العُشَيرة، فلمّا نزلها رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) وأقام بها رأينا ناساً من بني مُدلج يعملون في عين لهم في نخل، فقال لي عليّ: يا أبااليقظان، هل لك أن نأتي هؤلاء فننظر كيف يعملون؟ فجئناهم فنظرنا إلى عملهم ساعة، ثمّ غشينا النوم، فانطلقت أنا وعليّ فاضطجعنا في صَوْر(77) من النخل في دَقْعاء(78) من التراب فنمنا، فواللَّه ما أهبَّنا(79) إلّا رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) يحرّكنا برجله وقد تترّبنا من تلك الدقعاء، فيومئذٍ قال رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) لعليّ: يا أباتراب؛ لما يرى عليه من التراب.
              قال: ألا اُحدّثكما بأشقى الناس رَجُلين؟ قلنا: بلى يا رسول‏اللَّه، قال: اُحيمر ثمود الذي عقر الناقة، والذي يضربك يا عليّ على هذه - يعني قرنه - حتى تبلّ منه هذه - يعني لحيته- (80).
              35 - المعجم الأوسط عن أبي‏الطفيل: جاء النبيّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم) وعليّ(عليه السلام) نائم في التراب، فقال: إنّ أحقّ أسمائك أبوتراب، أنت أبوتراب!(81)
              36 - رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) - أنّه كان يقول -: إنّا كنّا نمدح عليّاً إذا قلنا له أباتراب(82).
              37 - صحيح مسلم عن أبي‏حازم عن سهل بن سعد: استُعمل على المدينة رجل من آل مروان، قال: فدعا سهلَ بن سعد، فأمره أن يشتم عليّاً، قال: فأبى سهل، فقال له: أمّا إذ أبيتَ فقل: لعن اللَّه أباالتراب، فقال سهل: ما كان لعليّ اسم أحبّ إليه من أبي‏التراب! وإن كان لَيفرح إذا دُعي بها(83).
              38 - صحيح البخاري عن أبي‏حازم: إنّ رجلاً جاء إلى سهل بن سعد فقال: هذا فلانٌ - لِأمير المدينة - يدعو عليّاً عند المنبر. قال: فيقول ماذا؟ قال: يقول له: أبوتراب. فضحك؛ قال: واللَّه ما سمّاه إلّا النبيّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم) ! وما كان-واللَّه-له اسم أحبّ إليه منه!
              فاستطعمتُ الحديثَ سهلاً، وقلت: يا أباعبّاس، كيف ذلك؟
              قال: دخل عليّ على فاطمة ثمّ خرج، فاضطجع في المسجد، فقال النبيّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم) : أين ابن عمّك؟ قالت: في المسجد، فخرج إليه، فوجد رداءه قد سقط عن ظهره، وخلص الترابُ إلى ظهره، فجعل يمسح التراب عن ظهره فيقول: اجلس يا أباتراب - مرّتين- (84).
              39 - علل الشرائع عن ابن عمر: بينا أنا مع النبيّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم) في نخيل المدينة وهو يطلب عليّاً(عليه السلام) ، إذا انتهى إلى حائط، فاطّلع فيه، فنظر إلى عليّ(عليه السلام) وهو يعمل في الأرض وقد اغبارَّ، فقال: ما ألوم الناس إن يكنوك أباتراب!(85)
              40 - تذكرة الخواصّ: أمّا كنيته: فأبوالحسن والحسين، وأبوالقاسم، وأبوتراب، وأبومحمّد(86).

              تعليق


              • #8
                الألقاب

                إنّ شخصيّة عليّ(عليه السلام) بحر لا يُدرك غوره، فهو ذو شخصيّة فذّة ذات أبعاد عظيمة فريدة في التاريخ لا نظير لها. وكان للإمام(عليه السلام) ألقاب(87) وأوصاف كثيرة يشير كلٌّ منها إلى بعد من تلك الأبعاد العلميّة والعمليّة والثقافيّة والاجتماعيّة والمعنويّة والسياسيّة الرفيعة لشخصيّته(عليه السلام) . ويعود جُلّها إلى عصر النبيّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم) ؛ إذ كان رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) يناديه بها.
                ومن هذه الألقاب: «أعلم الاُمّة»، «أقضى الاُمّة»، «أوّل من أسلم»، «أوّل من صلّى»، «خير البشر»، «أميرالمؤمنين»، «إمام المتّقين»، «سيّد المسلمين»، «يعسوب المؤمنين»، «عمود الدين»، «سيّد الشهداء»، «سيّد العرب»، «راية الهدى»، «باب الهدى»، «المرتضى»، «الوليّ»، «الوصيّ»(88).
                وما برح رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) يذكر الإمام(عليه السلام) بهذه الألقاب. وكان في الحقيقة يمهّد بها لقيادته وزعامته، والتعريف بمنزلته العظيمة وموقعه المتميّز في القيادة مع تبيين أبعاد شخصيّته(عليه السلام) ، وذلك من منطلق اهتمامه بمستقبل الاُمّة الإسلاميّة ومهمّة الإمام العظمى في المستقبل المنظور.
                وإذا لاحظنا ألقاب الإمام(عليه السلام) نجد أنّ أشهرها لقبان هما:


                1 - أميرالمؤمنين
                وهو خاصّ به(عليه السلام) ، لا يشاركه به أحد، كما ليس لامرئٍ أن يخاطَب به البتّةَ. وتدلّ النصوص الروائيّة المتنوّعة - التي سيأتي قسم منها لاحقاً - على أنّنا لايحقّ لنا أن نطلقه حتى على الأئمّة(عليهم السلام)(89) .


                2 - الوصيّ
                وكان مشهوراً به في عصر النبوّة نفسه، وعرفه به القاصي والداني والصديق والعدوّ، وسنذكر النصوص التاريخيّة والروائيّة الدالّة على هذه الحقيقة. ونكتفي الآن بالإشارة إلى أحدها، وهي أنّه خرج في معركة الجمل شابٌّ من «بني ضَبَّة» من أصحاب الجمل، وارتجز يقول:

                نحن بني ضَبّة أعداءُ عليّ
                ذاك الذي يُعرف قِدْماً بالوصيّ(90)
                41 - تاريخ دمشق عن أنس بن مالك: قال رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) : اسكب إليّ ماءً - أو وضوءاً - فتوضّأ، ثمّ قام فصلّى ركعتين، ثمّ قال: يا أنس، أوّل من يدخل من هذا الباب أميرالمؤمنين، وقائد الغرّ المحجّلين(91)، سيّد المؤمنين؛ عليّ‏ (92).
                42 - الكافي عن عليّ بن أبي‏حمزة: سأل أبوبصير أباعبداللَّه(عليه السلام) وأنا حاضر، فقال: جعلت فداك! كم عُرج برسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) ؟ فقال: مرّتين، فأوقفه جبرئيل موقفاً، فقال له: مكانك يا محمّد! فلقد وقفت موقفاً ما وقفه ملك قطّ ولا نبيّ....
                فقال اللَّه تبارك وتعالى: يا محمّد! قال: لبّيك ربّي.
                قال: مَن لاُمّتك من بعدك؟ قال: اللَّه أعلم!
                قال: عليّ بن أبي‏طالب، أميرالمؤمنين، وسيّد المسلمين، وقائد الغرّ المحجّلين(93).
                43 - الإمام عليّ(عليه السلام) : قال رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) : يا عليّ، إنّ اللَّه عزّوجلّ قد غفر لك ولأهلك ولشيعتك ولمحبّي شيعتك، فأبشر! فإنّك الأنزع البطين: المنزوع من الشرك، البطين من العلم(94).
                44 - معاني الأخبار عن جابر بن يزيد عن أبي‏جعفر(عليه السلام) : قلت له: جعلت فداك! لِمَ سُمّي أميرالمؤمنين(عليه السلام) أميرَالمؤمنين؟ قال: لأنّه يَمِيرهم(95) العلم؛ أما سمعت كتاب اللَّه عزّوجلّ: وَنَمِيرُ أَهْلَنَا(96)؟! (97)
                45 - الفصول المهمّة: أمّا لقبه: فالمرتضى، وحيدر، وأميرالمؤمنين، والأنزع البطين(98).
                46 - تاج العروس: والوصيّ كغنيّ: لقب عليّ(رضى اللّه عنه)(99)(100).


                الشمائل

                لم تحمل إلينا النصوص التاريخيّة والحديثيّة شيئاً عن ملامح الإمام(عليه السلام) إبّان ولادته وفي صغره، ومن هنا فإنّ ما يأتي في هذا المجال يرتبط بملامحه وهندامه أيّام خلافته(عليه السلام) . وفي ضوء ذلك يتسنّى لنا أن نصفه(عليه السلام) فنقول:
                كان(عليه السلام) رَبْعة من الرجال؛ إلى القِصَر أقرب وإلى السمن، من أحسن الناس وجهاً، وكأنّ وجهه القمر ليلة البدر حسناً، كثير التبسُّم، آدَم اللون يميل إلى السُّمرة، أدْعَج(101) العينين عظيمهما، في عينيه لين، أصلع، كأنّ عنقه إبريق فضّة، كَثّ اللحية، لا يغيّر شيبَه، عريض ما بين المنكبين، شَثْن الكفّين(102)، شديد الساعد واليد، عريض الصدر، ذا بطن، ضخم الكَرادِيس(103)، ضخم عضلة الذراع والساق دقيقَ مُستدَقّها، إذا مشى تكفّأ (104)، وإذا مشى إلى الحرب هرول.
                47 - الطبقات الكبرى عن إسحاق بن عبداللَّه بن أبي‏فروة: سألت أباجعفر محمّد بن عليّ (عليهما السلام) ، قلت: ما كانت صفة عليّ(عليه السلام) ؟
                قال: رجل آدمُ شديد الاُدْمة، ثقيل العينين عظيمهما، ذو بطن، أصلع، إلى القِصَر أقرب(105).
                48 - الغارات عن قدامة بن عتّاب: كان عليّ(عليه السلام) ضخم البطن، ضخم مُشاشة(106) المنكب، ضخم عضلة الذراع دقيقَ مستدقّها، ضخم عضلة الساق دقيقَ مستدقّها (107).
                49 - المناقب لابن شهرآشوب عن المغيرة: كان عليّ(عليه السلام) على هيئة الأسد؛ غليظاً منه ما استغلظ، دقيقاً منه ما استدقّ(108).
                50 - الكامل في التاريخ: كان عليّ(عليه السلام) فوق الرَّبعة، وكان ضخم عضلة الذراع دقيقَ مستدقّها، ضخم عضلة الساق دقيقَ مستدقّها، وكان من أحسن الناس وجهاً، ولا يغيّر شيبَه، كثير التبسّم‏ (109).
                511 - مقاتل الطالبيّين: كان(عليه السلام) أسمر، مربوعاً، وهو إلى القصر أقرب، عظيم البطن، دقيق الأصابع، غليظ الذراعين، حَمْش الساقين‏ (110)، في عينيه لين، عظيم اللحية، أصلع، ناتئ الجبهة(111).
                52 - فضائل الصحابة عن أبي‏إسحاق: قال أبي: يا بنيّ تريد أن اُريك أميرالمؤمنين - يعني عليّاً؟ قلت: نعم، فرفعني على يديه فإذا أنا برجلٍ أبيض الرأس واللحية، أصلع، عظيم البطن، عريض ما بين المنكبين(112).
                53 - مقاتل الطالبيّين عن داود بن عبدالجبّار عن أبي‏إسحاق: أدخلني أبي المسجد يوم الجمعة، فرفعني فرأيت عليّاً يخطب على المنبر؛ شيخاً، أصلع، ناتئ الجبهة، عريض ما بين المنكبين، له لحية قد ملأت صدره، في عينه اطْرِغْشاش - قال داود: يعني ليناً في العين - فقلت لأبي: مَن هذا يا أبة؟
                فقال: هذا عليّ بن أبي‏طالب ابن عمّ رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) وأخو رسول‏اللَّه، ووصيّ رسول‏اللَّه، وأميرالمؤمنين(113).
                54 - الطبقات الكبرى عن رزام بن سعد الضبّي: سمعت أبي‏ينعت عليّاً، قال: كان رجلاً فوق الربعة، ضخم المنكبين، طويل اللحية وإن شئت قلت - إذا نظرت إليه-: هو آدم، وإن تبيّنته من قريب قلت: أن يكون أسمر أدنى من أن يكون آدم(114).
                55 - وقعة صفّين: كان عليّ رجلاً دَحداحاً(115)، أدعج العينين، كأنّ وجهه القمر ليلة البدر حسناً، ضخم البطن، عريض المَسرُبة(116)، شثن الكفّين، ضخم الكسور، كأنّ عنقه إبريق فضّة، أصلع ليس في رأسه شعر إلّا خفاف من خلفه، لمنكبيه مُشاش كمُشاش السبع الضاري، إذا مشى تكفّأ به ومارَ(117) به جسده، له سنام كسنام الثور، لا تبين عضده من ساعده، قد اُدمجت إدماجاً، لم يمسك بذراع رجل قطّ إلّا أمسك بنفسه فلم يستطع أن يتنفّس. وهو إلى السمرة، أذلف‏ (118) الأنف، إذا مشى إلى الحرب هرول، وقد أيّده اللَّه بالعزّ والنصر(119).
                56 - المناقب للخوارزمي عن محمّد بن حبيب البغدادي صاحب المحبّر - في بيان صفاته(عليه السلام) -: آدم اللون، حسن الوجه، ضخم الكراديس‏ (120).
                57 - تاريخ دمشق عن مُدرك: رأيت عليّاً له وَفْرة(121)، وكان من أحسن الناس وجهاً(122).
                58 - نثر الدرّ: انصرف [عليّ(عليه السلام) من صفّين وكأنّه رأسه ولحيته قطنة، فقيل له: ياأميرالمؤمنين، لو غيّرت، فقال: إنّ الخضاب زينة، ونحن قوم محزونون(123) (124).
                59 - المناقب لابن شهرآشوب عن ابن إسحاق وابن شهاب: أنّه كتب حلية أميرالمؤمنين(عليه السلام) عن ثبيت الخادم على عمره(125)، فأخذها عمرو بن العاص، فزمّ بأنفه (126) فقطّعها، وكتب: إنّ أباتراب كان شديد الاُدمة، عظيم البطن، حمش الساقين، ونحو ذلك، فلذلك وقع الخلاف في حليته(127).

                --------------------------------------------------------------------------------
                1) سنن الترمذي: 5/583/3605، كفاية الطالب: 410.
                2) نهج‏البلاغة: الخطبة 94 والخطبة 161 نحوه وراجع الخطبة 96.
                3) راجع: القسم التاسع‏/عليّ عن لسان النبيّ‏/الخلقة/أنا وعليّ من نور واحد.
                4) راجع: القسم التاسع‏/عليّ عن لسان النبيّ‏/الخلقة/أنا وعليّ من نور واحد.
                5) راجع: كتاب «أهل البيت في الكتاب والسنّة»/جوامع خصائصهم.
                6) المناقب لابن المغازلي: 5/1.
                7) شرح نهج‏البلاغة: 1/11.
                8) معاني الأخبار: 121/1، الأمالي للصدوق: 700/954 كلاهما عن الحسن البصري، بحارالأنوار: 35/51/5.
                9) معاني الأخبار: 56/4 عن أبي‏ذرّ.
                10) تاريخ اليعقوبي: 2/11، شرح الأخبار: 3/219.
                11) راجع تاريخ اليعقوبي: 2/13.
                12) الكافي: 1/452؛ المستدرك على الصحيحين: 3/116/4573، فضائل الصحابة لابن حنبل: 2/555/933، المعجم الكبير: 1/92/151، سير أعلام النبلاء: 2/118/17، اُسد الغابة: 7/213/7176، الاستيعاب: 4/446/3486، تاريخ دمشق: 42/14، المناقب لابن المغازلي: 6/2، المناقب للخوارزمي: 46/9.
                13) الطبقات الكبرى: 1/119، تاريخ الطبري: 2/277، مروج الذهب: 2/281، أنساب الأشراف: 1/105.
                14) الكافي: 1/448/33-28، الأمالي للصدوق: 712/979.
                15) الكافي: 1/448/29، الأمالي للصدوق: 712/980، تاريخ اليعقوبي: 2/31، شرح الأخبار: 3/222؛ السيرة النبويّة لابن هشام: 1/377، شرح نهج‏البلاغة: 14/77.
                16) السيرة النبويّة لابن هشام: 2/57.
                17) الطبقات الكبرى: 1/209، تاريخ الطبري: 2/336، الكامل في التاريخ: 1/504، السيرة النبويّة لابن هشام: 1/376.
                18) الطبقات الكبرى: 1/211، تاريخ الطبري: 2/343، الكامل في التاريخ: 1/507، السيرة النبويّة لابن هشام: 2/57؛ الكافي: 1/449/31 وج 8/340/536، كمال الدين: 174/31.
                19) كمال الدين: 174/ 32، بحارالأنوار: 35/81/22.
                20) كمال الدين: 174/31 عن محمّد بن مروان، بحارالأنوار: 35/81/21.
                21) إيمان أبي‏طالب لفخّار بن معد: 130 عن عليّ بن أحمد بن مسعدة عن عمّه، بحارالأنوار: 35/115/54.
                22) كذا في المصدر، وفي بحارالأنوار: «بن صفيّه».
                23) إيمان أبي‏طالب لفخّار بن معد: 284، بحارالأنوار: 35/128/73 وراجع الإصابة: 7/197/10175.
                24) إيمان أبي‏طالب لفخّار بن معد: 248، كنز الفوائد: 1/270 نحوه، بحارالأنوار: 35/120/63؛ شرح نهج‏البلاغة: 13/269 نحوه.
                25) الفصول المختارة: 58، المناقب لابن شهرآشوب: 1/64، روضة الواعظين: 64 وفيه إلى «بنصيب»، بحارالأنوار: 35/93/31؛ شرح نهج‏البلاغة: 14/64.
                26) الكافي: 1/448/29، بحارالأنوار: 35/136/81.
                27) راجع: القسم السادس عشر/الأحنف بن قيس.
                28) هو قيس بن عاصم بن سنان بن خالد بن منقر بن عبيد بن مقاعس، وفد على النبيّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم) في وفد بني تميم وأسلم سنة تسع، ولمّا رآه النبيّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم) قال: هذا سيّد أهل الوبر. وكان عاقلاً حليماً مشهوراً بالحلم، قيل للأحنف بن قيس: ممّن تعلّمت الحلم؟ فقال: من قيس بن عاصم؛ رأيته يوماً قاعداً بفناء داره، محتبياً بحمائل سيفه يحدّث قومه، إذ اُتِيَ برجل مكتوف وآخر مقتول، فقيل: هذا ابن أخيك قتل ابنك، قال: فواللَّه ما حلّ حبوته ولا قطع كلامه، فلمّا أتمّه التفت إلى ابن أخيه فقال: يابن أخي! بئسما فعلت؛ أثمت بربّك، وقطعت رحمك، وقتلت ابن عمّك... ثمّ قال لابن له آخر: قُم يا بنيّ إلى ابن عمّك فحلّ كتافه، ووارِ أخاك، وسُق إلى اُمّك مائة من الإبل دية ابنها فإنّها غريبة.
                قال الحسن البصري: لمّا حضرت قيس بن عاصم الوفاة دعا بنيه فقال: يا بنيّ احفظوا عنّي، فلا أحد أنصح لكم منّي، إذا أنا متّ فسودوا كباركم ولا تسودوا صغاركم فتسفّه الناس كباركم وتهونوا عليهم...، وإيّاكم ومسألة الناس فإنّها آخر كسب المرء، ولا تقيموا على نائحة؛ فإنّي سمعت رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) نهى عن النائحة (اُسد الغابة: 4/411/4370).
                29) هو أكثم بن صيفي بن عبدالعزّى، ولمّا بلغه ظهور رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) أرسل إليه رجلين يسألانه عن نسبه وما جاء به، فأخبرهما وقرأ عليهما: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَنِ...) الآية، (النحل: 90). فعادا إلى أكثم فأخبراه وقرأ عليه الآية، فلمّا سمع أكثم ذلك قال: يا قوم، أراه يأمر بمكارم الأخلاق وينهى عن ملائمها، فكونوا في هذا الأمر رؤوساً ولا تكونوا أذناباً، وكونوا فيه أوّلاً ولا تكونوا فيه آخراً. فلم يلبث أن حضرته الوفاة فأوصى أهله: اُوصيكم بتقوى اللَّه وصلة الرحم؛ فإنّه لايبلى عليها أصل، ولا يهتصر عليها فرع (اُسد الغابة: 1/272/218).
                30) إيمان أبي‏طالب لفخّار بن معد: 332، بحارالأنوار: 35/133/78.
                31) تاريخ اليعقوبي: 2/14، تاج المواليد: 88، شرح الأخبار: 3/214، كشف الغمّة: 1/59.
                32) كنز العمّال: 13/636/37607.
                33) الاستيعاب: 4/446/3486، سير أعلام النبلاء: 2/118/17، اُسد الغابة: 7/213/7176، شرح نهج‏البلاغة: 1/14.
                34) شرح الأخبار: 3/215/1141؛ المناقب للخوارزمي: 277/264، شرح نهج‏البلاغة: 1/14.
                35) الكافي: 1/453/2، خصائص الأئمّة(عليهم السلام): 64.
                36) المستدرك على الصحيحين: 3/117/4574، تاريخ المدينة: 1/123 و 124، اُسد الغابة: 7/213/7176، الاستيعاب: 4/446/3486؛ علل الشرائع: 469/31 و 32، الأمالي للصدوق: 391/505، شرح الأخبار: 3/215/1142 و 1143.
                37) اُسد الغابة: 7/212/7176، تذكرة الخواصّ: 10، البداية والنهاية: 7/223؛ شرح الأخبار: 3/214، عمدة الطالب: 58.
                38) فضائل الصحابة لابن حنبل: 2/555/933، المناقب لابن المغازلي: 6/2 وفيه «أسلمت وهاجرت إلى النبيّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم)» بدل «وهاجرت...».
                39) بهاليل: جمع بُهْلول: العزيز الجامع لكلّ خير (لسان العرب: 11/73).
                40) الخَنا: الفُحش في القول (النهاية: 2/86).
                41) المناقب لابن شهرآشوب: 2/171.
                42) الكافي: 1/452/1، معاني الأخبار: 403/68.
                43) حَثا الترابَ عليه: هاله ورماه (تاج العروس: 19/305).
                44) ما بين المعقوفين أثبتناه من كنز العمّال.
                45) المستدرك على الصحيحين: 3/117/4574 عن الزبير بن سعيد القرشي عن الإمام زين العابدين عن أبيه (عليهما السلام)، كنز العمّال: 13/635/37607.
                46) الكافي: 1/453/2 عن محمّد بن جمهور عن بعض أصحابنا وراجع بصائر الدرجات: 287/9 وبحارالأنوار: 35/81/23.
                47) تهذيب الأحكام: 6/19، الإرشاد: 1/5، المقنعة: 461، كشف اليقين: 31، تاج المواليد: 88، المستجاد: 294، العمدة: 24، المصباح للكفعمي: 678، روضة الواعظين: 87، المناقب لابن شهرآشوب: 2/175 وج 3/307، إعلام الورى: 1/306، عمدة الطالب: 58؛ الفصول المهمّة: 29.
                48) تهذيب الأحكام: 6/19، الإرشاد: 1/5، المقنعة: 461، خصائص الأئمّة(عليهم السلام): 39، مصباح المتهجّد: 805، كشف اليقين: 31، العمدة: 24، المصباح للكفعمي: 678، الإقبال: 3/231/51، تاج المواليد: 88، المستجاد: 294، المناقب لابن شهرآشوب: 3/307، إعلام الورى: 1/306، عمدة الطالب: 58، روضة الواعظين: 87؛ كفاية الطالب: 407، الفصول المهمّة: 29.
                وفي يوم ولادته أقوال اُخر، منها: السابع من شعبان، راجع مصباح المتهجّد: 852 والدروس: 2/7.
                ومنها: النصف من شهر رمضان، راجع إثبات الوصيّة: 146 وكنز الفوائد: 1/255.
                49) الكافي: 1/452، تهذيب الأحكام: 6/19، الإرشاد: 1/5، المقنعة: 461، خصائص الأئمّة(عليهم السلام): 39، كشف اليقين: 31، العمدة: 24، تاج المواليد: 88، المستجاد: 294، روضة الواعظين: 87 وص‏92، المناقب لابن شهرآشوب: 3/307، عمدة الطالب: 58، إعلام الورى: 1/306، كشف الغمّة: 1/59؛ الفصول المهمّة: 29، كفاية الطالب: 407.
                وفي سنة ولادته أقوال اُخر، منها: 12 سنة قبل البعثة (يعني 28 سنة بعد عام الفيل)، راجع مصباح المتهجّد: 805 والمصباح للكفعمي: 678 والإقبال: 3/231/51 وتاريخ الأئمّة(عليهم السلام): 5 وتاريخ مواليد الأئمّة(عليهم السلام): 168 والفصول المهمّة: 29.
                ومنها: بُعِث النبيّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم) وعليّ ابن سبع سنين، راجع تاريخ بغداد: 1/134 وفيه أيضاً: ابن ثمان سنين.
                ومنها: 29 سنة بعد عام الفيل، راجع المناقب لابن شهرآشوب: 3/307.
                50) تهذيب الأحكام: 6/19، المقنعة: 461، الإرشاد: 1/5، خصائص الأئمّة(عليهم السلام): 39، مصباح المتهجّد: 805، الأمالي للطوسي: 707/1511، العمدة: 24، كشف اليقين: 31، كنز الفوائد: 1/255، الإقبال: 3/231/51، المصباح للكفعمي: 678، روضة الواعظين: 87، إرشاد القلوب: 211، المناقب لابن شهرآشوب: 2/175 وج 3/307، عمدة الطالب: 58، كشف الغمّة: 1/59، إعلام الورى: 1/306؛ مروج الذهب: 2/358، المناقب لابن المغازلي: 7/3، تذكرة الخواصّ: 10، الفصول المهمّة: 29، كفاية الطالب: 407، مطالب السؤول: 11.
                51) الغدير: 6/22.
                52) المستدرك على الصحيحين: 3/550/6044 وراجع مروج الذهب: 2/358 والمناقب لابن المغازلي: 7/3 وتذكرة الخواصّ: 10 ومطالب‏السؤول: 11 وكنزالفوائد: 1/255 وإثبات‏الوصيّة: 142 والإقبال: 3/231/51 وروضة الواعظين: 92 و 93 والمناقب لابن شهرآشوب: 2/174 و 175.
                53) روضة الواعظين: 88، الفضائل لابن شاذان: 48 نحوه، اليقين: 191/43 وفيه إلى «سنة المسيح»، بحارالأنوار: 35/10/12 وص 99/33؛ كفاية الطالب: 406 نحوه.
                54) الإرشاد: 1/5، المستجاد: 294، عمدة الطالب: 58، العمدة: 24، تاج المواليد: 88 وليس فيه ذيله، إرشاد القلوب: 211، خصائص الأئمّة(عليهم السلام): 39، كشف اليقين: 31، نهج‏الحقّ: 232، كشف الغمّة: 1/59، إعلام الورى: 1/306 والخمسة الأخيرة نحوه؛ كفاية الطالب: 407 وفيه «ليلة» بدل «يوم»، الفصول المهمّة: 29، نور الأبصار: 85 كلاهما نحوه وراجع الخرائج والجرائح: 2/888 وفرائد السمطين: 1/425/354.
                55) علل الشرائع: 135/3، معاني الأخبار: 62/10، الأمالي للصدوق: 194/206، الأمالي للطوسي: 706/1511 عن إبراهيم بن عليّ بإسناده عن الإمام الصادق عن آبائه(عليهم السلام) نحوه، بشارة المصطفى: 8، روضة الواعظين: 87.
                56) المناقب لابن المغازلي: 7/3 عن محمّد بن سعيد الدارمي عن الإمام الكاظم عن أبيه (عليهما السلام).
                57) شرح نهج‏البلاغة: 4/114.
                58) ديوان السيّد الحميري: 155/42، المناقب لابن شهرآشوب: 2/175.
                59) مقاتل الطالبيّين: 39؛ معاني الأخبار: 59/9، الفضائل لابن شاذان: 147، المناقب لابن شهرآشوب: 2/288 وج 3/276، بحارالأنوار: 35/67.
                60) حصل هذا التغيير في أوائل أيّام ولادته(عليه السلام) ك‏ما دلّ على ذلك النصوص التاريخيّة. وبهذا يكون ما نُقل عن عطاء - من أنّه(عليه السلام) لمّا علا كتفي رسول‏اللَّه‏
                (صلى اللّه عليه وآله وسلم)، وكسّر الا صنام سمّي عليّاً؛ من العلوّ والرفعة - فاقداً للوثائق التاريخيّة، واستحساناً ليس إلّا.
                61) علل الشرائع: 136/3، معاني الأخبار: 62/10، الأمالي للصدوق: 195/206، بشارة المصطفى: 8، روضة الواعظين: 88 وراجع الأمالي للطوسي: 707/1511.
                62) في المصدر: «أبيه»، وهو تصحيف.
                63) كذا في المصدر، ولعلّ الصحيح: «قاهرٍ عليِّ»، وفي بعض المصادر: «شامخٍ عليِّ».
                64) ما بين المعقوفين إضافة منّا يقتضيها السياق.
                65) ينابيع المودّة: 2/305/873؛ المناقب لابن شهرآشوب: 2/174 نحوه، بحارالأنوار: 35/19/102 وراجع كفاية الطالب: 406.
                66) معاني الأخبار: 55/3 عن عبداللَّه بن الفضل الهاشمي عن الإمام الصادق عن أبيه (عليهما السلام) وراجع ص‏56/5.
                67) معاني الأخبار: 59/9 عن جابر الجعفي عن الإمام الباقر(عليه السلام).
                68) إرشاد القلوب: 257، مائة منقبة: 138/83؛ المناقب للخوارزمي: 319/323 كلاهما عن أنس وراجع مشارق أنوار اليقين: 68.
                69) شرح نهج‏البلاغة: 1/12.
                إنّ شعر الإمام عليّ(عليه السلام) الذي ارتجزه في معركة خيبر لدى لقائه مرحب اليهوديّ والذي أوّله: «أنا الذي سمّتني اُمّي حيدرة» جاء في قسم كبير من المصادر التاريخيّة والحديثيّة، منها:
                صحيح مسلم: 3/1441/132، مسند ابن حنبل: 5/558/16538، فضائل الصحابة لابن حنبل: 2/607/1036 وص 644/1094، المستدرك على الصحيحين: 3/41/4343، الطبقات الكبرى: 2/112، مقاتل الطالبيّين: 40، الرياض النضرة: 3/149؛ الإرشاد: 1/127، وقعة صفّين: 390، المناقب لابن شهرآشوب: 3/129، روضة الواعظين: 146، الديوان المنسوب إلى الإمام عليّ(عليه السلام): 286/212.
                راجع: القسم الثاني‏/الدور المصيري في فتح خيبر.
                70) الطبقات الكبرى: 3/19، المعجم الكبير: 1/92، تاريخ بغداد: 1/133، المعارف لابن قتيبة: 203، تاريخ دمشق: 42/7 وص 14-10، مروج الذهب: 2/359، الاستيعاب: 3/197/1875، اُسد الغابة: 4/88/3789، الإصابة: 4/464/5704، تاريخ الإسلام للذهبي: 3/621، صفة الصفوة: 1/130، البداية والنهاية: 7/223؛ تهذيب الأحكام: 6/19، الإرشاد: 1/5، تاج المواليد: 87، تاريخ مواليد الأئمّة(عليهم السلام): 169، المستجاد: 294، روضة الواعظين: 87، عمدة الطالب: 59.
                71) الفصول المهمّة: 129؛ تاج المواليد: 88، إعلام الورى: 1/307.
                72) راجع: القسم التاسع‏/عليّ عن لسان النبيّ‏/الاُسرة/أبوريحانتَيّ.
                73) مقاتل الطالبيّين: 39، شرح نهج‏البلاغة: 1/11؛ المناقب لابن شهرآشوب: 3/113 نحوه وكلاهما من دون إسناد إلى المعصوم.
                74) المناقب للخوارزمي: 40/8 عن عمر بن عليّ.
                75) البَوْغاء: التراب الناعم (النهاية: 1/162).
                76) الطبقات الكبرى: 2/10.
                77) الصَّوْر: النخل الصِّغار. وقيل: هو المجتمع (لسان العرب: 4/475).
                78) الدَّقْعاء: عامّة التراب، وقيل: التراب الدقيق على وجه الأرض (لسان العرب: 8/89).
                79) أهَبَّهُ: نَبَّهَهُ (لسان العرب: 1/778).
                80) مسند ابن حنبل: 6/365/18349، فضائل الصحابة لابن حنبل: 2/687/1172، المستدرك على الصحيحين: 3/151/4679، خصائص أميرالمؤمنين للنسائي: 280/152، السيرة النبويّة لابن هشام: 2/249، تاريخ الطبري: 2/408، تاريخ دمشق: 42/549/9062، المناقب لابن المغازلي: 9/5، البداية والنهاية: 3/247، سلسلة الأحاديث الصحيحة: 4/324/1743 وراجع المناقب لابن شهرآشوب: 3/111.
                81) المعجم الأوسط: 1/237/775، تاريخ دمشق: 42/18/8359.
                82) المناقب لابن شهرآشوب: 3/112، بحارالأنوار: 35/61/12؛ مقاتل الطالبيّين: 40 عن سهل ابن سعد من دون إسناد إليه(صلى اللّه عليه وآله وسلم).
                83) صحيح مسلم: 4/1874/38، السنن الكبرى: 2/625/4340، تاريخ دمشق: 42/17، تاريخ الإسلام للذهبي: 3/622.
                84) صحيح البخاري: 3/1358/3500، المعجم الكبير: 6/167/5879، تاريخ الطبري: 2/409 وراجع صحيح البخاري: 5/2291/5851 وص 2316/5924 والأدب المفرد: 253/852 والمعجم الكبير: 6/149/5808 والبداية والنهاية: 3/247.
                وقد جاء في بعض المصادر - في أصل هذه الكنية - إنّ خلافاً ظهر بين الإمام والزهراء(عليهما السلام)، فترك الإمام البيت ممتعضاً، ونام في المسجد مغتاظاً!
                هكذا نُقل، ولكنّ عصمة هذين العظيمين، وقول الإمام فيها بعد استشهادها(عليها السلام): «ما أغضبتني قطّ» يدلّ دلالة قاطعة على أنّ هذا القسم من النصّ موضوع منحول، أقحمه فيه أعداؤهما ومناوئوهما.
                85) علل الشرائع: 157/4؛ المعجم الكبير: 12/321/13549.
                86) تذكرة الخواصّ: 5.
                87) اللقب: ما أشعر بمدح ك'«الصادق» أو ذمّ ك'«الجاحظ».
                88) اُنظر الأبواب المرتبطة بهذه العناوين.
                89) راجع: القسم الثالث‏/أحاديث الإمارة/اختصاص هذا الاسم بعليّ.
                90) راجع: القسم الثالث‏/أحاديث الوصاية/وصاية الإمام في أدب صدر الإسلام.
                91) في الحديث: «اُمّتي الغرّ المحجّلون» أي بيض مواضع الوضوء من الأيدي والوجه والأقدام (لسان العرب: 11/144).
                92) تاريخ دمشق: 42/303/8837.
                93) الكافي: 1/442/13.
                94) المناقب لابن المغازلي: 401/455، المناقب للخوارزمي: 294/284 كلاهما عن أحمد بن عامر عن الإمام الرضا عن آبائه(عليهم السلام)؛ الأمالي للطوسي: 293/570 عن عيسى بن أحمد عن الإمام الهادي عن آبائه عن الإمام الصادق‏
                (عليهم السلام).
                95) المِيرَة: هي الطعام ونحوه، يقال: مارَهم يَميرُهم: إذا أعطاهم المِيرَة (النهاية: 4/379).
                96) يوسف: 65.
                97) معاني الأخبار: 63/13.
                98) الفصول المهمّة: 129.
                99) هذا الكلام يدلّ على أنّ استعمال لفظ «الوصي» في عليّ(عليه السلام) كان كثيراً ومعروفاً.
                100) تاج العروس: 20/297، لسان العرب: 15/394 وفيه «قيل لعليّ(عليه السلام): وصيّ».
                101) الدَّعَج والدُّعْجة: السواد في العين وغيرها (النهاية: 2/119).
                102) شَثْن الكفّين: أي أنّهما يميلان إلى الغِلَظ والقِصَر (النهاية: 2/444).
                103) الكَرادِيس: رؤوس العظام وقيل: هي ملتقى كلّ عظمين ضخمين، كالركبتين والمرفقين والمنكبين؛ أي أنّه ضخم الأعضاء (النهاية: 4/162).
                104) تَكَفَّأَ جسدُه: تمايَلَ إلى قدّام (النهاية: 4/183).
                105) الطبقات الكبرى: 3/27، تاريخ بغداد: 1/134 و 135، أنساب الأشراف: 2/366، تاريخ الطبري: 5/153، تاريخ الإسلام للذهبي: 3/624 نحوه، تاريخ دمشق: 42/24 و25 عن الخوارزمي، المناقب لابن المغازلي: 12/13 عن قتادة، المعارف لابن قتيبة: 210 عن الواقدي والثلاثة الأخيرة نحوه من دون إسناد إلى المعصوم؛ شرح الأخبار: 2/427/771 وراجع اُسد الغابة: 4/115/379 والبداية والنهاية: 7/223.
                106) المُشاشة: ما أشرَفَ من عظْم المنكِب (لسان العرب: 6/347).
                107) الغارات: 1/93؛ الطبقات الكبرى: 3/26، مقتل أميرالمؤمنين: 67/56، أنساب الأشراف: 2/365، تاريخ دمشق: 42/23، اُسد الغابة: 4/115/3789.
                108) المناقب لابن شهرآشوب: 3/307، شرح الأخبار: 2/428/774.
                109) الكامل في التاريخ: 2/440.
                110) حَمْش الساقين: دقيقهما (لسان العرب: 6/288).
                111) مقاتل الطالبيّين: 42 وقال بعد ذلك: وصفته هذه وردت بها الروايات متفرّقة فجمعتها.
                112) فضائل الصحابة لابن حنبل: 2/555/934، الطبقات الكبرى: 3/25، شعب الإيمان: 5/216/6415، المعجم الكبير: 1/93/153، الاستيعاب: 3/210/1875، أنساب الأشراف: 2/361، تاريخ دمشق: 42/21 وفي بعضها إلى «اللحية» وص 20، مقتل أميرالمؤمنين: 68/57 كلاهما عن الشعبي؛ الغارات: 1/99 كلّها نحوه.
                113) مقاتل الطالبيّين: 42.
                114) الطبقات الكبرى: 3/26، أنساب الأشراف: 2/366، تاريخ دمشق: 42/23، اُسد الغابة: 4/115/3789.
                115) الدَّحْداح: القصير السمين (النهاية: 2/103).
                116) المَسرُبة: الشعرات التي تنبت في وسط الصدر إلى أسفل السُّرّة (المحيط في اللغة: 8/312).
                117) مارَ الشي‏ءُ: تحرّك وجاء وذهب كما تتكفّأ النخلة العَيْدانةُ (لسان العرب: 5/186).
                118) الذَّلَف: قِصرُ الأنف وانبطاحُه (النهاية: 2/165).
                119) وقعة صفّين: 233، المناقب لابن شهرآشوب: 3/307 عن جابر وابن الحنفيّة، كشف الغمّة: 1/77؛ الاستيعاب: 3/218/1875، ذخائر العقبى: 109 كلّها نحوه وراجع الرياض النضرة: 3/107 و 108.
                120) المناقب للخوارزمي: 45؛ كشف الغمّة: 1/75.
                121) الوَفْرة: شَعر الرأس إذا وَصَل إلى شحمة الاُذن (لسان العرب: 5/289).
                122) تاريخ دمشق: 42/25، اُسد الغابة: 4/116/3789، مقتل أميرالمؤمنين: 71/61 وفيهما «يخطب» بدل «له وفرة».
                123) أقول: يمكن أن يقال إنّ حزنه من التحكيم وما جرى قبله، وقال الشريف الرضي: يريد وفاة رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) (نهج‏البلاغة: ذيل الحكمة 473).
                124) نثر الدرّ: 1/307 وراجع نهج‏البلاغة: الحكمة 473 والرياض النضرة: 3/108.
                125) كذا في المصدر.
                126) زَمَّ بأنفه: إذا شَمَخَ وتكبّر (النهاية: 2/314).
                127) المناقب لابن شهرآشوب: 3/306.

                تعليق


                • #9
                  النشأة



                  رافق عليّ(عليه السلام) رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) منذ السنين الاُولى من عمره؛ فقد عسرت الحياة على أبي‏طالب برهة، وضاقت به الاُمور، فاقترح رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) على إخوة أبي‏طالب أن يأخذوا منه بعض أولاده إلى بيوتهم؛ لتخفيف عب‏ء العيش عن كاهله.
                  وشاءت إرادة اللَّه تعالى أن يكون عليّ(عليه السلام) في بيت رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) ، فتولّى تربيته منذ نعومة أظفاره.
                  وكان النبيّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم) يحبّ هذا الطفل الصغير؛ يضمّه إلى صدره، ويُمِسّه عَرْفَه، ويُلقمه الطعام، ويرعى حياته لحظة لحظة، وينفحه بالأنوار الإلهيّة المشعّة.
                  وهكذا تربّى الإمام(عليه السلام) في حجر النبوّة، وارتوى من منهل فضائلها الرائق، وأمضى أيّامه ملازماً لها ملازمة الظلّ لصاحبه.
                  وحين سطعت القبسات الاُولى للوحي صدّق بالرسالة المحمّديّة موقناً؛ إذ كانت روحه قد تواشجت هي وروح صاحبها. من هنا كان أوّل من صدّقه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) .
                  ونجد في الخطبة البليغة الرفيعة «القاصعة» أجمل تصوير لهذه الملازمة، ولدور رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) في تربيته وإعداده(عليه السلام) ، وحبِّه إيّاه، واستنارةِ الإمام(عليه السلام) بهذه الملازمة. وهو ما تقرؤونه في سياق النصوص التي يشتمل عليها هذه الفصل.
                  60 - كشف اليقين عن يزيد بن قعنب: ولدت [فاطمة بنت أسد] عليّاً ولرسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) ثلاثون سنة، فأحبّه رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) حبّاً شديداً، وقال لها: اجعلي مهده بقرب فراشي.
                  وكان(صلى اللّه عليه وآله وسلم) يلي أكثر تربيته، وكان يطهّر عليّاً في وقت غسله، ويُوجِره(1) اللبن عند شربه، ويحرّك مهده عند نومه، ويناغيه في يقظته، ويجعله على صدره(2).
                  61 - شرح نهج‏البلاغة عن الحسين بن زيد بن عليّ بن الحسين(عليهما السلام)-:سمعت زيداً - أبي - يقول: كان رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) يمضغ اللحمة والتمرة حتى تلين، ويجعلهما في فم عليّ(عليه السلام) وهو صغير ‏في حِجْره(3).
                  62 - أنساب الأشراف: قالوا: كان أبوطالب قد أقلّ وأقتر، فأخذ رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) عليّاً ليخفّف عنه مؤنته، فنشأ عنده(4).
                  63 - مجالس ثعلب عن ابن سلّام: لمّا أمعَرَ(5) أبوطالب قالت بنو هاشم: دعنا فليأخذ كلّ رجلٍ منّا رجلاً من ولدك، قال: اصنعوا ما أحببتم إذا خلّيتم لي عقيلاً. فأخذ النبيّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم) عليّاً، فكان أوّل من أسلم ممّن تلتفّ عليه خِبْطاته‏ (6)(7).
                  64 - مقاتل الطالبيّين عن زيد بن عليّ: كان رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) أخذ عليّاً من أبيه وهو صغير في سنةٍ(8) أصابت قريشاً وقحطٍ نالَهم، وأخذ حمزة جعفراً، وأخذ العبّاس طالباً؛ ليكفوا أباهم مؤنتهم، ويخفّفوا عنه ثقلهم، وأخذ هو عقيلاً لميله كان إليه. فقال رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) : اخترت من اختار اللَّه لي عليكم؛ عليّاً(9).
                  65 - المستدرك على الصحيحين عن مجاهد بن جبر أبي‏الحجّاج: كان من نِعَم اللَّه على عليّ بن أبي‏طالب(عليه السلام) ما صنع اللَّه له وأراده به من الخير؛ أنّ قريشاً أصابتهم أزمة شديدة، وكان أبوطالب في عيالٍ كثير، فقال رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) لعمّه العبّاس - وكان من أيسر بني هاشم: يا أباالفضل، إنّ أخاك أباطالب كثير العيال، وقد أصاب الناس ما ترى من هذه الأزمة، فانطلق بنا إليه نخفّف عنه من عياله؛ آخذ من بنيه رجلاً، وتأخذ أنت رجلاً، فنكفلهما عنه. فقال العبّاس: نعم.
                  فانطلقا حتى أتيا أباطالب، فقالا: إنّا نريد أن نخفّف عنك من عيالك حتى تنكشف عن الناس ما هم فيه، فقال لهما أبوطالب: إذا تركتما لي عقيلاً فاصنعا ما شئتما.
                  فأخذ رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) عليّاً فضمّه إليه، وأخذ العبّاس جعفراً فضمّه إليه. فلم يزل عليّ مع رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) حتى بعثه اللَّه نبيّاً، فاتّبعه وصدّقه، وأخذ العبّاس جعفراً، ولم يزل جعفر مع العبّاس حتى أسلم واستغنى عنه(10).
                  66 - الإمام عليّ(عليه السلام) - في خطبته المسمّاة بالقاصعة -: أنا وضعت في الصغر بكَلاكِل(11) العرب، وكسرت نَواجِم‏ (12) قرون ربيعة ومضر، وقد علمتم موضعي من رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) بالقرابة القريبة، والمنزلة الخصيصة؛ وضعني في حجره وأنا ولد يضمّني إلى صدره، ويكنفني في فراشه، ويُمِسّني جسدَه، ويُشِمّني عَرْفَه(13)، وكان يمضغ الشي‏ء ثمّ يُلقِمنِيه، وما وجد لي كذبة في قول، ولا خَطْلة (14) في فعل.
                  ولقد قرن اللَّه به(صلى اللّه عليه وآله وسلم) من لدن أن كان فطيماً أعظم ملك من ملائكته؛ يسلك به طريق المكارم، ومحاسن أخلاق العالَم، ليلَه ونهاره. ولقد كنت أتّبعه اتّباع الفَصِيل(15) أثر اُمّه، يرفع لي في كلّ يوم من أخلاقه علَماً، ويأمرني بالاقتداء به. ولقد كان يجاور في كلّ سنة بحِراء، فأراه ولا يراه غيري. ولم يجمع بيتٌ واحد يومئذٍ في الإسلام غير رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) وخديجة وأنا ثالثهما، أرى نور الوحي والرسالة، وأشمّ ريح النبوّة(16).
                  67 - السيرة النبويّة عن ابن إسحاق: كان ممّا أنعم اللَّه به على عليّ بن أبي‏طالب أنّه كان في حِجر رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) قبل الإسلام‏ (17).
                  68 - شرح نهج‏البلاغة عن الفضل بن عبّاس: سألت أبي‏عن ولد رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) الذكور، أيّهم كان رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) له أشدَّ حبّاً؟ فقال: عليّ بن أبي‏طالب(عليه السلام) ، فقلت له: سألتك عن بنيه! فقال: إنّه كان أحبّ إليه من بنيه جميعاً وأرأف، ما رأيناه زايَله يوماً من الدهر منذ كان طفلاً، إلّا أن يكون في سفر لخديجة، وما رأينا أباً أبرّ بابنٍ منه لعليّ، ولا ابناً أطوع لأبٍ من عليٍّ له....
                  وروى جبير بن مُطعِم قال: قال أبي‏مُطعِم بن عديّ لنا ونحن صبيان بمكّة: ألا ترون حبّ هذا الغلام - يعني عليّاً - لمحمّد واتّباعه له دون أبيه؟! واللات والعُزّى! لوددتُ أنّ ابني بفتيان بني نوفل جميعاً!(18)
                  راجع: القسم التاسع / عليٌّ عن لسان النبيّ / المكانة السياسيّة والاجتماعيّة/خيرة اللَّه.

                  --------------------------------------------------------------------------------
                  1) وَجَرْته الدواءَ: جعلته في فِيه (لسان العرب: 5/279).
                  2) كشف اليقين: 32/12.
                  3) شرح نهج‏البلاغة: 13/200؛ بحارالأنوار: 38/323.
                  4) أنساب الأشراف: 2/346.
                  5) أمْعَرَ: افتقر (النهاية: 4/342).
                  6) الخِبطَة: القطعة من البيوت والناس (لسان العرب: 7/284).
                  7) مجالس ثعلب: 1/29.
                  8) السَّنَة: الجَدْب، يقال: أخذتْهم السَّنة: إذا أجدَبوا واُقحِطوا (النهاية: 2/413).
                  9) مقاتل الطالبيّين: 41، شرح نهج‏البلاغة: 1/15 نحوه.
                  10) المستدرك على الصحيحين: 3/666/6463، السيرة النبويّة لابن هشام: 1/262، تاريخ الطبري: 2/313، الكامل في التاريخ: 1/484، تاريخ الإسلام للذهبي: 1/136، دلائل النبوّة للبيهقي: 2/162، المناقب للخوارزمي: 51/14، البداية والنهاية: 3/25 والأربعة الأخيرة نحوه؛ علل الشرائع: 169/1، المناقب لابن شهرآشوب: 2/179، إعلام الورى: 1/105 كلاهما نحوه، روضة الواعظين: 98.
                  11) الكَلْكَل: الصدر من كلّ شي‏ء (لسان العرب: 11/596).
                  12) نَجَم النبتُ: إذا طَلَع، وكلّ ما طَلَع وظَهَر فقد نجم (النهاية: 5/24).
                  13) العَرْف: الريح... وأكثر استعماله في الطَّيِّبة (تاج العروس: 12/375).
                  14) خَطِلَ في منطقه ورأيه خَطَلاً: أخطأ (المصباح المنير: 174).
                  15) الفَصيل: ولد الناقة إذا فُصِل عن اُمّه (لسان العرب: 11/522).
                  16) نهج‏البلاغة: الخطبة 192.
                  17) السيرة النبويّة لابن هشام: 1/262، تاريخ الطبري: 2/312، تاريخ الإسلام للذهبي: 1/136، اُسد الغابة: 4/89/3789 وفيه «رُبّي في حِجْر»، دلائل النبوّة للبيهقي: 2/161، المناقب للخوارزمي: 51/13، البداية والنهاية: 3/24؛ روضة الواعظين: 98.
                  18) شرح نهج‏البلاغة: 13/201؛ بحارالأنوار: 38/324.

                  تعليق


                  • #10
                    الولادة




                    النسب

                    إنّ اُرومة الناس دليل على شخصيّتهم وفكرهم وثقافتهم. فاُولو النزاهة والصلاح والعقل والحكمة ينحدرون-في الغالب-من اُسَر كريمة طيّبة مهذّبة، وذوو السوء والقبح والشرّ غالباً هم ممّن نشأ في أحضان غير سليمة، وانحدر من اُصول لئيمة. ويتجلّى القسم الأوّل في الأنبياء-الذين هم عِلْية وجوه التاريخ، وقمم الشرف والكرامة والعزّة - ومَنْ تفرّع من دوحاتهم، ورسخت جذوره في بيوتاتهم الرفيعة.
                    وكانت لأمير المؤمنين عليّ بن أبي‏طالب(عليه السلام) جذور ضاربة في سلالة طاهرة كريمة هي سلالة إبراهيم(عليه السلام) ، فهو كرسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) في ذلك. وإبراهيم(عليه السلام) هو بطل التوحيد، الراغب إلى اللَّه، المغرم بحبّه، وهو الواضع سنّة الحجّ؛ رمز العبودية ومقارعة الشرك. وهكذا فالحديث عن جُدود النبيّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم) حديث عن جدود عليّ(عليه السلام) ، والكلام عن سلالته(صلى اللّه عليه وآله وسلم) هو بعينه الكلام عن سلالة أخيه ووصيّه‏ (عليه السلام) ، قال(صلى اللّه عليه وآله وسلم) في أسلافه:
                    «إنّ اللَّه اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل، واصطفى من ولد إسماعيل بني كِنانة، واصطفى من بني كنانة قريشاً، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم»(1).
                    وهكذا فبنو هاشم هم صفوة اختيرت من بين صفوة الاُسر، ورسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) وعليّ(عليه السلام) هما صفوة هذه الصفوة، قال الإمام(عليه السلام) واصفاً سلالة النبيّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم) :
                    «اُسرته خير الاُسر، وشجرته خير الشجر؛ نَبَتت في حرَم، وبَسَقت في كَرَم، لها فروع طوال، وثمر لا يُنال»(2).
                    وهذا الثناء - بحقّ - هو ثناء على سلالته(عليه السلام) أيضاً، حيث قال رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) :
                    «أنا وعليّ من شجرة واحدة»(3).
                    وقال:
                    «لحمه لحمي، ودمه دمي»(4).
                    وعلى هذا يكون بيت رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) وبيت عليّ هو بيت النبوّة، واُرومتهما اُرومة النور والكرامة، وهما المصطفيان من نسل إبراهيم وبني هاشم، مع خصائص ومزايا سامقة؛ كالطهارة، والفصاحة، والسماحة، والشجاعة، والذكاء، والحياء، والعفّة، والحلم، والصبر وأمثالها(5). ناهيك عن منزلتهما المرموقة العليّة بين قبائل العرب بأجمعها.
                    1 - المناقب لابن المغازلي عن مُصعب بن عبداللَّه: هو عليّ بن أبي‏طالب بن عبدالمطَّلب بن هاشم بن عبدمَناف بن قُصَيّ بن كِلاب بن مُرّة بن كَعْب بن لُؤَيّ ابن غالب بن فِهْر بن مالك بن النَّضْر بن كِنانة بن خُزَيْمة بن مُدْرِكة بن إلياس بن مُضَر بن نَزار بن معدّ بن عَدنان. واسم أبي‏طالب عبدمَناف‏ (6).
                    2 - شرح نهج‏البلاغة: هو أبوالحسن عليّ بن أبي‏طالب - واسمه عبدمناف- ابن عبدالمطّلب - واسمه شَيْبة - ابن هاشم - واسمه عمرو - ابن عبدمناف بن قصيّ(7).
                    3 - الإمام عليّ(عليه السلام) - من كلام له على منبر البصرة -: اسم أبي: عبدمناف، فغلبت الكنية على الاسم، وإنّ اسم عبدالمطّلب: عامر، فغلب اللقب على الاسم، واسم هاشم: عمرو، فغلب اللقب على الاسم، واسم عبدمناف: المغيرة، فغلب اللقب على الاسم، وإنّ اسم قصيّ: زيد، فسمّته العرب مجمعاً؛ لجمعه إيّاها من البلد الأقصى إلى مكّة، فغلب اللقب على الاسم(8).
                    4 - رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) : خُلقت أنا وعليّ من نور واحد... فلم يزل ينقلنا اللَّه عزّوجلّ من أصلاب طاهرة إلى أرحام طاهرة حتى انتهى بنا إلى عبدالمطّلب‏ (9).
                    راجع: القسم التاسع / عليّ عن لسان النبيّ / الخلقة.


                    الأب

                    عبدمناف بن عبدالمطّلب، المشهور بأبي‏طالب، أحد العشرة من أولاد عبدالمطّلب(10). وكان عبدالمطّلب الوجه المتألِّق في قريش، وله منزلته السامقة في أوساطها. ثمّ جاء بعده ولده أبوطالب فورث تلك المكانة الاجتماعيّة العليّة (11).
                    وكانت اُسرة أبي‏طالب أوّل الاُسر التي اجتمع فيها زوجان هاشميّان(12).
                    تولّى أبوطالب رعاية النبيّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم) الذي فقد أبويه في طفولته، ثمّ فقد جدّه(13). ولمّا بُعث أمين قريش(صلى اللّه عليه وآله وسلم) لم يدّخر أبوطالب وسعاً في دعمه ومؤازرته على ما هو بسبيله في مسيرته الجهادية الشاقّة.
                    وآمن به أرسخ الإيمان(14)، وأصحر بذلك في شِعره(15). وكانت منزلته الاجتماعيّة السامية بين قريش وأهل مكّة، ودعمه السخيّ لرسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) ، حائلَين أصليّين دون وصول الأذى إليه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) من قريش(16).
                    رافقه في حصار الشِّعب، وتحمّل مصائب المقاطعة الاقتصاديّة على كبر سنّه، ولم يتنازل عن معاضدته ومواساته(17).
                    وكان له حقّ عظيم على الإسلام والمسلمين في غربة الدين يومئذٍ. وبعد خروجه من الشعب فارق الحياة حميداً. ففقد النبيّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم) بوفاته ووفاة خديجة (عليهما السلام) عضدَين وفيّين مضحّيين. واشتدّ أذى قريش وتعذيبها للمؤمنين عقب ذلك(18).
                    5 - كمال الدين عن الأصبغ بن نباتة: سمعت أميرالمؤمنين صلوات اللَّه عليه يقول: واللَّه ما عبد أبي ولا جدّي عبدالمطّلب ولا هاشم ولا عبدمناف صنماً قطّ! قيل له: فما كانوا يعبدون؟ قال: كانوا يصلّون إلى البيت على دين إبراهيم(عليه السلام) ، متمسّكين به‏ (19).
                    6 - الإمام الصادق(عليه السلام) : إنّ أباطالب أظهر الكفر وأسرّ الإيمان. فلمّا حضرته الوفاة أوحى اللَّه عزّوجلّ إلى رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) : اُخرج منها؛ فليس لك بها ناصر. فهاجر إلى المدينة (20).
                    7 - عنه(عليه السلام) : كان أميرالمؤمنين(عليه السلام) يعجبه أن يُروى شعر أبي‏طالب وأن يُدوَّن، وقال: تعلَّموه وعلِّموه أولادكم؛ فإنّه كان على دين اللَّه، وفيه علم كثير(21).
                    8 - إيمان أبي‏طالب عن عليّ بن محمّد الصوفي العلوي العمري: أنشدني أبوعبداللَّه بن منعية(22) الهاشمي - معلّمي بالبصرة - لأبي طالب:

                    لقد أكرم اللَّه النبيّ محمّداً
                    فأكرمُ خَلق اللَّه في الناس أحمدُ
                    وشقّ له من اسمه لِيُجلَّه
                    فذو العرش محمودٌ وهذا محمّدُ(23)
                    9 - إيمان أبي‏طالب عن ضوء بن صلصال: كنت أنصر النبيّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم) مع أبي‏طالب قبل إسلامي، فإنّي يوماً لجالس بالقرب من منزل أبي‏طالب في شدّة القيظ، إذ خرج أبوطالب إليّ شبيهاً بالملهوف، فقال لي: يا أباالغضنفر، هل رأيت هذين الغلامين؟ -يعني النبيّ وعليّاً صلوات اللَّه عليهما - فقلت: ما رأيتهما مذ جلست، فقال: قم بنا في الطلب لهما؛ فلست آمَنُ قريشاً أن تكون اغتالتهما.
                    قال: فمضينا حتى خرجنا من أبيات مكّة، ثمّ صرنا إلى جبل من جبالها فاستَرْقيناه إلى قلّته، فإذا النبيّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم) وعليّ(عليه السلام) عن يمينه وهما قائمان بإزاء عين الشمس يركعان ويسجدان. قال: فقال أبوطالب لجعفر ابنه: صِل جناح ابن عمّك، فقام إلى جنب عليّ، فأحسّ بهما النبيّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم) فتقدّمهما، وأقبلوا على أمرهم حتى فرغوا ممّا كانوا فيه، ثمّ أقبلوا نحونا، فرأيت السرور يتردّد في وجه أبي‏طالب، ثمّ انبعث يقول:

                    إنّ عليّاً وجعفراً ثقتي
                    عند مُلِمّ الزمان والنُّوَبِ
                    لا تخذلا وانصرا ابن عمّكما
                    أخي لاُمّي من بينهم وأبي
                    واللَّه لا أخذل النبيّ ولا
                    يخذله من بنيَّ ذو حَسَبِ(24)
                    10 - الفصول المختارة-في ذكر ما جرى في شعب أبي‏طالب-: لمّا نامت العيون، جاء أبوطالب ومعه أميرالمؤمنين(عليه السلام) فأقام رسول‏اللَّه‏ (صلى اللّه عليه وآله وسلم) وأضجع أميرالمؤمنين(عليه السلام) م‏كانه، فقال أميرالمؤمنين(عليه السلام) : يا أبتاه، إنّي مقتول، فقال أبوطالب:

                    اصبِرنْ يا بُنيّ فالصبر أحجى
                    كلّ حيّ مصيره لشعوبِ
                    قد بذلناك والبلاء شديدٌ
                    لفداء النجيب وابن النجيبِ
                    لفداء الأغرّ ذي الحسب الثا
                    قب والباع والفناء الرحيبِ
                    إن تُصبْك المنون فالنبل يبرى
                    فمصيبٌ منها وغير مصيبِ
                    كلّ حيٍّ وإن تملى بعيشٍ
                    آخذٌ من سهامها بنصيبِ
                    قال: فقال أميرالمؤمنين(عليه السلام) :

                    أتأمرني بالصبر في نصر أحمدٍ
                    وواللَّه ما قلت الذي قلت جازعا
                    ولكنّني أحببت إظهارَ نصرتي
                    وتعلمَ أنّي لم أزل لك طائعا
                    وسعيي لوجه اللَّه في نصر أحمدٍ
                    نبيّ الهدى المحمود طفلاً ويافعا(25)
                    11 - الكافي عن إسحاق بن جعفر عن الإمام الصادق(عليه السلام) : قيل له: إنّهم يزعمون أنّ أباطالب كان كافراً؟ فقال: كذبوا، كيف يكون كافراً وهو يقول:

                    ألم تعلموا أنّا وجدنا محمّداً
                    نبيّاً كموسى خُطّ في أوّل الكتبِ
                    وفي حديث آخر: كيف يكون أبوطالب كافراً وهو يقول:

                    لقد علموا أنّ ابننا لا مكذَّبٌ
                    لدينا ولا يعبا بقِيل الأباطلِ
                    وأبيض يُستسقى الغمامُ بوجههِ
                    ثمال اليتامى عصمة للأراملِ(26)
                    12 - إيمان أبي‏طالب عن الحسن بن جمهور العمي يرفعه: قيل لتأبّط شرّاً الشاعر-واسمه ثابت بن جابر-: من سيّد العرب؟ فقال: اُخبرُكم: سيّد العرب أبوطالب بن عبدالمطّلب. وقيل للأحنف بن قيس التميمي(27): من أين اقتبست هذه الحكم، وتعلّمت هذا الحلم؟ قال: من حكيم عصره وحليم دهره؛ قيس بن عاصم المنقري(28). ولقد قيل لقيس: حلمَ من رأيتَ فتحلّمت؟ وعلمَ من رويتَ فتعلّمت؟ فقال: من الحليم الذي لم تحلّ قطّ حبْوته، والحكيم الذي لم تنفد قطّ حكمته؛ أكْثَم بن صَيْفيّ التميمي(29). ولقد قيل لأكثم: ممّن تعلّمت الحكم والرئاسة والحلم والسياسة؟ فقال: من حليف الحلم والأدب، سيّد العجم والعرب؛ أبي‏طالب بن عبدالمطّلب(30).
                    راجع: كتاب «بحارالأنوار»: 35/68، نسبه وأحوال والديه.
                    كتاب «إيمان أبي‏طالب» لفخار بن معدّ.
                    كتاب «الغدير»: 7/550-445.


                    الاُمّ

                    فاطمة بنت أسد، وكانت امرأة لبيبة، صلبة العقيدة، فتيّة القلب، بَرّة، مبجَّلة. احتضنت النبيّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم) في طفولته(31)، فكان يحبّها حبّاً شديداً، حتى قال فيها: «كانت اُمّي بعد اُمّي التي ولدتني» (32).
                    وكان يُثني على حنانها وشفقتها عليه قائلاً: «لم يكن بعد أبي‏طالب أبرّ بي منها»(33).
                    وكانت أوّل امرأة بايعت النبيّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم) (34). وهاجرت إلى المدينة مع عليّ وفاطمة (عليهما السلام) مشياً على الأقدام. ولمّا توفّيت هذه المرأة العظيمة كفّنها رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) بقميصه(35)، وشارك في تشييعها، وصلّى عليها، ثمّ وضعها في قبرها بعدما اضطجع فيه(36).
                    وكان عليّ(عليه السلام) رابع ولدٍ لهذين الوجهين المتألِّقين في التاريخ الإسلامي، إذ زيّن حياتهما بهاءً وسناءً بعد طالب وعقيل وجعفر(37).
                    13 - فضائل الصحابة عن مصعب الزبيري: إنّ اُمّ عليّ بن أبي‏طالب فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبدمناف بن قصيّ. وهي أوّل هاشميّة ولدت هاشميّاً. وهاجرت إلى النبيّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم) وماتت، وشهدها النبيّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم) (38).
                    14 - المناقب لابن شهرآشوب: خطب أبوطالب في نكاح فاطمة بنت أسد: الحمد للَّه ربّ العالمين ربّ العرش العظيم، والمقام الكريم، والمشعر والحطيم، الذي اصطفانا أعلاماً وسَدَنة، وعرفاء وخلصاء، وحجّته بَهاليل(39)، أطهار من الخَنا(40) والريب، والأذى والعيب، وأقام لنا المشاعر، وفضّلنا على العشائر، نخب آل إبراهيم وصفوته، وزرع إسماعيل، في كلام له.
                    ثمّ قال: وقد تزوّجتُ بنت أسد، وسقتُ المهر، ونفّذتُ الأمر، فاسألوه واشهدوا. فقال أسد: زوّجناك ورضينا بك(41).
                    15 - الكافي عن عبداللَّه بن مسكان عن الإمام الصادق(عليه السلام) : إنّ فاطمة بنت أسد جاءت إلى أبي‏طالب لتبشّره بمولد النبيّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم) ، فقال أبوطالب: اصبري سبتاً اُبشّرك بمثله إلّا النبوّة. وقال: السبت ثلاثون سنة، وكان بين رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) وأميرالمؤمنين(عليه السلام) ‏ثلاثون سنة (42).
                    16 - الإمام عليّ(عليه السلام) : لمّا ماتت فاطمة بنت أسد بن هاشم، كفّنها رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) في قميصه، وصلّى عليها، وكبّر عليها سبعين تكبيرة، ونزل في قبرها؛ فجعل يومي في نواحي القبر كأنّه يوسّعه ويسوّي عليها، وخرج من قبرها وعيناه تذرفان، وحثا(43) في قبرها.
                    فلمّا ذهب قال له عمر بن الخطّاب: يا رسول‏اللَّه، رأيتك فعلت على هذه المرأة شيئاً لم تفعله على أحد! فقال: يا عمر، إنّ هذه المرأة كانت اُمّي [بعد اُمّي‏](44) التي ولدتني، إنّ أباطالب كان يصنع الصنيع، وتكون له المأدبة، وكان يجمعنا على طعامه، فكانت هذه المرأة تفضل منه كلّه نصيباً، فأعود فيه، وإنّ جبريل(عليه السلام) أخبرني عن ربّي عزّوجلّ أنّها من أهل الجنّة، وأخبرني جبريل(عليه السلام) أنّ اللَّه تعالى أمر سبعين ألفاً من الملائكة يصلّون عليها(45).
                    17 - الإمام الصادق(عليه السلام) : إنّ فاطمة بنت أسد اُمّ أميرالمؤمنين كانت أوّل امرأة هاجرت إلى رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) من مكّة إلى المدينة على قدميها. وكانت من أبرّ الناس برسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) ، فسمعتْ رسول‏اللَّه وهو يقول: إنّ الناس يحشرون يوم القيامة عراة كما وُلدوا، فقالت: واسوأتاه! فقال لها رسول‏اللَّه‏ (صلى اللّه عليه وآله وسلم) : فإنّي أسأل اللَّه أن يبعثك كاسية. وسمعته يذكر ضغطة القبر، فقالت: واضعفاه! فقال لها رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) : فإنّي أسأل اللَّه أن يكفيك ذلك.
                    وقالت لرسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) يوماً: إنّي اُريد أن اُعتق جاريتي هذه، فقال لها: إن فعلت أعتق اللَّه بكلّ عضو منها عضواً منك من النار.
                    فلمّا مرضت أوصت إلى رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) ، وأمرت أن يعتق خادمها، واعتقل لسانها، فجعلت تومي إلى رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) إيماءً، فقبل رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) وصيّتها.
                    فبينما هو ذات يوم قاعد إذ أتاه أميرالمؤمنين(عليه السلام) وهو يبكي، فقال له رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) : ما يبكيك؟ فقال: ماتت اُمّي فاطمة، فقال رسول‏اللَّه: واُمّي واللَّه! وقام مسرعاً حتى دخل، فنظر إليها وبكى. ثمّ أمر النساء أن يغسِّلنها، وقال(صلى اللّه عليه وآله وسلم) : إذا فرغتنّ فلا تُحْدثن شيئاً حتى تُعْلمنني، فلمّا فرغن أعلمنه بذلك، فأعطاهنّ أحد قميصيه الذي يلي جسده وأمرهنّ أن يكفّنّها فيه، وقال للمسلمين: إذا رأيتموني قد فعلت شيئاً لم أفعله قبل ذلك فسلوني: لِمَ فعلته؟ فلمّا فرغن من غسلها وكفنها، دخل(صلى اللّه عليه وآله وسلم) فحمل جنازتها على عاتقه، فلم يزل تحت جنازتها حتى أوردها قبرها، ثمّ وضعها ودخل القبر فاضطجع فيه، ثمّ قام فأخذها على يديه حتى وضعها في القبر، ثمّ انكبّ عليها طويلاً يناجيها...(46).


                    المولد

                    ولد الإمام عليّ(عليه السلام) في يوم الجمعة(47) الثالث عشر من شهر رجب(48) بعد ثلاثين سنة من عام الفيل(49) في الكعبة المكرّمة (50).
                    قال العلّامة الأميني في مولد الإمام(عليه السلام) وفي فضيلته التي لا بديل لها: «وهذه حقيقة ناصعة أصفق على إثباتها الفريقان، وتضافرت بها الأحاديث، وطفحت بها الكتب، فلا نعبأ بجلبة رماة القول على عواهنه بعد نصّ جمع من أعلام الفريقين على تواتر حديث هذه الأثارة»(51).
                    18 - المستدرك على الصحيحين: قد تواترت الأخبار أنّ فاطمة بنت أسد ولدت أميرالمؤمنين عليّ بن أبي‏طالب(عليه السلام) في جوف الكعبة (52).
                    19 - روضة الواعظين عن جابر بن عبداللَّه الأنصاري: سألت رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) عن ميلاد أميرالمؤمنين عليّ بن أبي‏طالب(عليه السلام) ، فقال: آه، آه! لقد سألتني عن خير مولود وُلد بعدي على سنّة المسيح(عليه السلام) ؛ إنّ اللَّه تبارك وتعالى خلقني وعليّاً من نور واحد... ثمّ نقلنا من صلبه [آدم(عليه السلام) ] في الأصلاب الطاهرات إلى الأرحام الطيّبة، فلم نزَل كذلك حتى أطلعني اللَّه تبارك وتعالى من ظهرٍ طاهر وهو عبداللَّه بن عبدالمطّلب، فاستودعني خير رحم وهي آمنة، ثمّ أطلع اللَّه تبارك وتعالى عليّاً من ظهرٍ طاهر وهو أبوطالب، واستودعه خير رحم وهي فاطمة بنت‏أسد (53).
                    20 - الإرشاد: وُلد بمكّة في البيت الحرام، يوم الجمعة الثالث عشر من رجب سنة ثلاثين من عام الفيل. ولم يولد قبله ولا بعده مولود في بيت اللَّه تعالى سواه؛ إكراماً من اللَّه تعالى له بذلك، وإجلالاً لمحلّه في التعظيم(54).
                    21 - علل الشرائع عن سعيد بن جبير: قال يزيد بن قَعْنَب: كنت جالساً مع العبّاس بن عبدالمطّلب وفريق من عبدالعُزّى بإزاء البيت الحرام، إذ أقبلت فاطمة بنت أسد اُمّ أميرالمؤمنين(عليه السلام) وكانت حاملة به تسعة أشهر وقد أخذها الطلق، فقالت: ربّ، إنّي مؤمنة بك وبما جاء من عندك من رسل وكتب، وإنّي مصدّقة بكلام جدّي إبراهيم الخليل(عليه السلام) وإنّه بنى البيت العتيق، فبحقّ الذي بنى هذا البيت، وبحقّ المولود الذي في بطني، لمّا يسّرت عليَّ ولادتي.
                    قال يزيد بن قعنب: فرأينا البيت وقد انفتح عن ظهره، ودخلت فاطمة وغابت عن أبصارنا، والتزق الحائط، فرمنا أن ينفتح لنا قفل الباب فلم ينفتح، فعلمنا أنّ ذلك أمر من أمر اللَّه تعالى.
                    ثمّ خرجت بعد الرابع وبيدها أميرالمؤمنين(عليه السلام) ، ثمّ قالت: إنّي فُضّلت على من تقدّمني من النساء؛ لأنّ آسية بنت مزاحم عبدت اللَّه سرّاً في موضع لا يحبّ أن يُعبد اللَّه فيه إلّا اضطراراً، وأنّ مريم بنت عمران هزّت النخلة اليابسة بيدها حتى أكلت منها رطباً جنيّاً، وإنّي دخلت بيت اللَّه الحرام وأكلت من ثمار الجنّة وأرزاقها(55).
                    22 - الإمام الباقر عن الإمام زين العابدين (عليهما السلام)- :كنت جالساً مع أبي‏ونحن زائرون قبر جدّنا(عليه السلام) وهناك نسوان كثيرة، إذ أقبلت امرأة منهنّ، فقلت لها: من أنت يرحمك اللَّه؟ قالت: أنا زيدة بنت قَريبة بن العَجْلان من بني ساعدة، فقلت لها: فهل عندك شي‏ء تحدّثينا؟ فقالت: إي واللَّه؛ حدّثتني اُمّي اُمّ‏عُمارة بنت عُبادة بن نَضْلة بن مالك بن العَجلان الساعدي أنّها كانت ذات يوم في نساء من العرب، إذ أقبل أبوطالب كئيباً حزيناً، فقلت له: ما شأنك يا باطالب؟ قال: إنّ فاطمة بنت أسد في شدّة المخاض ثمّ وضع يديه على وجهه.
                    فبينا هو كذلك، إذ أقبل محمّد(صلى اللّه عليه وآله وسلم) ، فقال له: ما شأنك يا عمّ؟ فقال: إنّ فاطمة بنت أسد تشتكي المخاض، فأخذ بيده وجاء وهي معه، فجاء بها إلى الكعبة فأجلسها في الكعبة، ثمّ قال: اجلسي على اسم اللَّه، قال: فطلقت طلقة فولدت غلاماً مسروراً نظيفاً مُنظفاً لم أرَ كحسن وجهه، فسمّاه أبوطالب عليّاً، وحمله النبيّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم) حتى أدّاه إلى منزلها.
                    قال عليّ بن الحسين (عليهما السلام) : فواللَّه ما سمعتُ بشي‏ء قطّ إلّا وهذا أحسن منه!(56)
                    23 - شرح نهج‏البلاغة: روي أنّ السنة التي ولد فيها عليّ(عليه السلام) هي السنة التي بُدئ فيها برسالة رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) ، فاُسمع الهتاف من الأحجار والأشجار، وكُشف عن بصره، فشاهد أنواراً وأشخاصاً، ولم يخاطَب فيها بشي‏ء.
                    وهذه السنة هي السنة التي ابتدأ فيها بالتبتّل والانقطاع والعزلة في جبل حراء، فلم يزل به حتى كُوشِف بالرسالة، واُنزل عليه الوحي.
                    وكان رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) يتيمّن بتلك السنة وبولادة عليّ(عليه السلام) فيها، ويسمّيها سنة الخير وسنة البركة.
                    وقال لأهله ليلة ولادته - وفيها شاهد ما شاهد من الكرامات والقدرة الإلهيّة، ولم يكن من قبلها شاهد من ذلك شيئاً-: «لقد وُلد لنا الليلة مولود يفتح اللَّه علينا به أبواباً كثيرة من النعمة والرحمة».
                    وكان كما قال صلوات اللَّه عليه؛ فإنّه(عليه السلام) كان ناصره، والمحامي عنه، وكاشف الغمّاء عن وجهه، وبسيفه ثبت دين الإسلام، ورست دعائمه، وتمهّدت قواعده(57).
                    24 - ديوان السيّد الحميري - من قصيدة له في ولادة أميرالمؤمنين(عليه السلام) -:

                    ولدته في حرم الإلهِ وأمنهِ
                    والبيتِ حيث فناؤه والمسجدُ
                    بيضاءُ طاهرةُ الثيابِ كريمةٌ
                    طابت وطابَ وليدُها والمولدُ
                    في ليلة غابت نحوس نجومها
                    وبدت مع القمر المنير الأسعَدُ
                    ما لُفَّ في خِرَقِ القوابلِ مثلُه
                    إلّا ابنُ آمنةَ النبيُّ محمّدُ(58)
                    راجع: كتاب «الغدير»: 6/22 - 38.


                    الأسماء

                    لمّا ولد الإمام(عليه السلام) ، اختارت له اُمّه فاطمة بنت أسد اسم «حيدرة»(59) تيمّناً باسم أبيها «أسد»، ثمّ اتّفقت هي وأبوه - وبإلهام ربّاني - على تسميته «عليّاً»(60).
                    وكانت له أسماء اُخرى أيضاً ستأتي في سياق النصوص التاريخيّة والروائيّة لهذا الفصل.
                    25 - علل الشرائع عن فاطمة بنت أسد: إنّي دخلت بيت اللَّه الحرام، وأكلت من ثمار الجنّة وأرزاقها، فلمّا أردت أن أخرج هتف بي هاتف: يا فاطمة! سمّيه عليّاً، فهو عليّ، واللَّه العليّ الأعلى يقول: إنّي شققت اسمه من اسمي، وأدّبته بأدبي، ووقفته على غامض علمي، وهو الذي يكسّر الأصنام في بيتي، وهو الذي يؤذّن فوق ظهر بيتي، ويقدّسني ويمجّدني، فطوبى لمن أحبّه وأطاعه، وويلٌ لمن عصاه وأبغضه‏ (61).
                    26 - ينابيع المودّة عن العبّاس بن عبدالمطّلب: لمّا ولدت فاطمة بنت أسد عليّاً سمّته باسم أبيها(62) أسد، ولم يرضَ أبوطالب بهذا، فقال: هلمّ حتى نعلو أباقبيس ليلاً، وندعو خالق الخضراء، فلعلّه أن ينبئنا في اسمه.
                    فلمّا أمسيا، خرجا وصعدا أباقبيس ودعيا اللَّه تعالى، فأنشأ أبوطالب شعراً:

                    يا ربَّ الغَسق الدجيِّ
                    والفلَق المبتلج المُضيِّ
                    بيِّن لنا عن أمرك المقضيِّ
                    بما نسمّي ذلك الصبيِّ
                    فإذا خشخشة من السماء، فرفع أبوطالب طرفه، فإذا لوحٌ مثل زبرجد أخضر فيه أربعة أسطر، فأخذه بكلتا يديه وضمّه إلى صدره ضمّاً شديداً، فإذا مكتوب:

                    خُصِّصتما بالولد الزكيِّ
                    والطاهر المنتجب الرضيِّ
                    وإسمه من قاهر العليِّ(63)
                    عليٌّ اشتُقّ من العليِّ
                    فسُرّ أبوطالب سروراً عظيماً، وخرّ ساجداً للَّه تبارك وتعالى، وعقّ بعشرة من الإبل.
                    وكان اللوح معلّقاً في بيت [اللَّه‏](64) الحرام يفتخر به بنو هاشم على قريش، حتى غاب زمان قتال الحجّاج ابنَ الزبير(65).
                    27 - الإمام زين العابدين(عليه السلام) : كان رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) ذات يوم جالساً وعنده عليّ وفاطمة والحسن والحسين(عليهم السلام) ، فقال: والذي بعثني بالحقّ بشيراً، ما على وجه الأرض خلق أحبّ إلى اللَّه عزّوجلّ ولا أكرم عليه منّا. إنّ اللَّه تبارك وتعالى شقّ لي اسماً من أسمائه؛ فهو محمود وأنا محمّد، وشقّ لك يا عليّ اسماً من أسمائه؛ فهو العليّ الأعلى وأنت عليّ...(66).
                    28 - الإمام عليّ(عليه السلام)-: أنا اسمي في الإنجيل إليا، وفي التوراة بري‏ء، وفي الزبور أريّ، وعند الهند كبكر، وعند الروم بطريسا، وعند الفرس جبتر، وعند الترك بثير، وعند الزنج حيتر، وعند الكهنة بوي‏ء، وعند الحبشة بثريك، وعند اُمّي حيدرة، وعند ظئري ميمون، وعند العرب عليّ، وعند الأرمن فريق، وعند أبي‏ظهير(67).
                    29 - رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) : إذا كان يوم القيامة، ينادون عليّ بن أبي‏طالب بسبعة أسماء: يا صدّيق، يا دالّ، يا عابد، يا هادي، يا مهديّ، يا فتى، يا عليّ؛ اُدخل أنت وشيعتك الجنّة بغير حساب(68).
                    30 - شرح نهج‏البلاغة: كان اسمه الأوّل الذي سمّته به اُمّه: حَيْدَرة، باسم أبيها أسد بن هاشم - والحيدرة: الأسد - فغيّر أبوه اسمه، وسمّاه عليّاً.
                    وقيل: إنّ حيدرة اسمٌ كانت قريش تسمّيه به.
                    والقول الأوّل أصحّ؛ يدلّ عليه خبرُه يوم برز إليه مَرْحب، وارتجز عليه فقال:

                    أنا الذي سمّتني اُمّي مَرْحَبا

                    فأجابه(عليه السلام) رجزاً:

                    أنا الذي سمّتني اُمّي حَيْدَرَه(69)



                    الكنى

                    كانت لأمير المؤمنين(عليه السلام) كنى عديدة، أشهرها: أبوالحسن(70)، وثمّة كنى اُخرى ذُكرت له(عليه السلام) ، منها: أبوالحسين، وأبوالسبطين‏ (71)، وأبوالريحانتين(72)، وأبوتراب، وإن كان التعريف الاصطلاحي للكنية لا ينطبق على بعضها.
                    ويتراءى من الروايات أنّ كنية «أبوتراب» كانت أحبّ الكنى إليه(عليه السلام) ، وأنّه كان يُسرّ إذا نودي بها؛ لاُمور منها: أنّه كان يجد فيها نوعاً من التواضع والتذلّل للَّه سبحانه. ومنها: أنّها كانت تذكّره بملاطفة النبيّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم) معه في غزوة ذات العشيرة حيث كان متوسّداً التراب بصحبة عمّار بن ياسر وقد أصابه شي‏ء منه، ولذا كان له(عليه السلام) انشداد وتعلّق خاصّ بتلك الكنية.
                    31 - الإمام عليّ(عليه السلام) : كان الحسن في حياة رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) يدعوني أباالحسين، وكان الحسين يدعوني أباالحسن، ويدعوان رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) أباهما. فلمّا توفّي رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) دعواني بأبيهما(73).
                    32 - عنه(عليه السلام) : ما سمّاني الحسن والحسين يا أبة حتى توفّي رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) ، كانا يقولان لرسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) : يا أبة، وكان الحسن يقول لي: يا أباالحسين، وكان الحسين يقول لي: يا أباالحسن(74).
                    33 - الطبقات الكبرى - في ذكر غزوة ذي العُشَيرة -: بذي العشيرة كنى رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) عليّ بن أبي‏طالب أباتراب؛ وذلك أنّه رآه نائماً متمرّغاً في البَوْغاء(75) فقال: اجلس، أباتراب، فجلس(76).
                    34 - مسند ابن حنبل عن عمّار بن ياسر: كنت أنا وعليّ رفيقين في غزوة ذات العُشَيرة، فلمّا نزلها رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) وأقام بها رأينا ناساً من بني مُدلج يعملون في عين لهم في نخل، فقال لي عليّ: يا أبااليقظان، هل لك أن نأتي هؤلاء فننظر كيف يعملون؟ فجئناهم فنظرنا إلى عملهم ساعة، ثمّ غشينا النوم، فانطلقت أنا وعليّ فاضطجعنا في صَوْر(77) من النخل في دَقْعاء(78) من التراب فنمنا، فواللَّه ما أهبَّنا(79) إلّا رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) يحرّكنا برجله وقد تترّبنا من تلك الدقعاء، فيومئذٍ قال رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) لعليّ: يا أباتراب؛ لما يرى عليه من التراب.
                    قال: ألا اُحدّثكما بأشقى الناس رَجُلين؟ قلنا: بلى يا رسول‏اللَّه، قال: اُحيمر ثمود الذي عقر الناقة، والذي يضربك يا عليّ على هذه - يعني قرنه - حتى تبلّ منه هذه - يعني لحيته- (80).
                    35 - المعجم الأوسط عن أبي‏الطفيل: جاء النبيّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم) وعليّ(عليه السلام) نائم في التراب، فقال: إنّ أحقّ أسمائك أبوتراب، أنت أبوتراب!(81)
                    36 - رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) - أنّه كان يقول -: إنّا كنّا نمدح عليّاً إذا قلنا له أباتراب(82).
                    37 - صحيح مسلم عن أبي‏حازم عن سهل بن سعد: استُعمل على المدينة رجل من آل مروان، قال: فدعا سهلَ بن سعد، فأمره أن يشتم عليّاً، قال: فأبى سهل، فقال له: أمّا إذ أبيتَ فقل: لعن اللَّه أباالتراب، فقال سهل: ما كان لعليّ اسم أحبّ إليه من أبي‏التراب! وإن كان لَيفرح إذا دُعي بها(83).
                    38 - صحيح البخاري عن أبي‏حازم: إنّ رجلاً جاء إلى سهل بن سعد فقال: هذا فلانٌ - لِأمير المدينة - يدعو عليّاً عند المنبر. قال: فيقول ماذا؟ قال: يقول له: أبوتراب. فضحك؛ قال: واللَّه ما سمّاه إلّا النبيّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم) ! وما كان-واللَّه-له اسم أحبّ إليه منه!
                    فاستطعمتُ الحديثَ سهلاً، وقلت: يا أباعبّاس، كيف ذلك؟
                    قال: دخل عليّ على فاطمة ثمّ خرج، فاضطجع في المسجد، فقال النبيّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم) : أين ابن عمّك؟ قالت: في المسجد، فخرج إليه، فوجد رداءه قد سقط عن ظهره، وخلص الترابُ إلى ظهره، فجعل يمسح التراب عن ظهره فيقول: اجلس يا أباتراب - مرّتين- (84).
                    39 - علل الشرائع عن ابن عمر: بينا أنا مع النبيّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم) في نخيل المدينة وهو يطلب عليّاً(عليه السلام) ، إذا انتهى إلى حائط، فاطّلع فيه، فنظر إلى عليّ(عليه السلام) وهو يعمل في الأرض وقد اغبارَّ، فقال: ما ألوم الناس إن يكنوك أباتراب!(85)
                    40 - تذكرة الخواصّ: أمّا كنيته: فأبوالحسن والحسين، وأبوالقاسم، وأبوتراب، وأبومحمّد(86).



                    يتبع............

                    تعليق


                    • #11
                      الألقاب

                      إنّ شخصيّة عليّ(عليه السلام) بحر لا يُدرك غوره، فهو ذو شخصيّة فذّة ذات أبعاد عظيمة فريدة في التاريخ لا نظير لها. وكان للإمام(عليه السلام) ألقاب(87) وأوصاف كثيرة يشير كلٌّ منها إلى بعد من تلك الأبعاد العلميّة والعمليّة والثقافيّة والاجتماعيّة والمعنويّة والسياسيّة الرفيعة لشخصيّته(عليه السلام) . ويعود جُلّها إلى عصر النبيّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم) ؛ إذ كان رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) يناديه بها.
                      ومن هذه الألقاب: «أعلم الاُمّة»، «أقضى الاُمّة»، «أوّل من أسلم»، «أوّل من صلّى»، «خير البشر»، «أميرالمؤمنين»، «إمام المتّقين»، «سيّد المسلمين»، «يعسوب المؤمنين»، «عمود الدين»، «سيّد الشهداء»، «سيّد العرب»، «راية الهدى»، «باب الهدى»، «المرتضى»، «الوليّ»، «الوصيّ»(88).
                      وما برح رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) يذكر الإمام(عليه السلام) بهذه الألقاب. وكان في الحقيقة يمهّد بها لقيادته وزعامته، والتعريف بمنزلته العظيمة وموقعه المتميّز في القيادة مع تبيين أبعاد شخصيّته(عليه السلام) ، وذلك من منطلق اهتمامه بمستقبل الاُمّة الإسلاميّة ومهمّة الإمام العظمى في المستقبل المنظور.
                      وإذا لاحظنا ألقاب الإمام(عليه السلام) نجد أنّ أشهرها لقبان هما:


                      1 - أميرالمؤمنين
                      وهو خاصّ به(عليه السلام) ، لا يشاركه به أحد، كما ليس لامرئٍ أن يخاطَب به البتّةَ. وتدلّ النصوص الروائيّة المتنوّعة - التي سيأتي قسم منها لاحقاً - على أنّنا لايحقّ لنا أن نطلقه حتى على الأئمّة(عليهم السلام)(89) .


                      2 - الوصيّ
                      وكان مشهوراً به في عصر النبوّة نفسه، وعرفه به القاصي والداني والصديق والعدوّ، وسنذكر النصوص التاريخيّة والروائيّة الدالّة على هذه الحقيقة. ونكتفي الآن بالإشارة إلى أحدها، وهي أنّه خرج في معركة الجمل شابٌّ من «بني ضَبَّة» من أصحاب الجمل، وارتجز يقول:

                      نحن بني ضَبّة أعداءُ عليّ
                      ذاك الذي يُعرف قِدْماً بالوصيّ(90)
                      41 - تاريخ دمشق عن أنس بن مالك: قال رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) : اسكب إليّ ماءً - أو وضوءاً - فتوضّأ، ثمّ قام فصلّى ركعتين، ثمّ قال: يا أنس، أوّل من يدخل من هذا الباب أميرالمؤمنين، وقائد الغرّ المحجّلين(91)، سيّد المؤمنين؛ عليّ‏ (92).
                      42 - الكافي عن عليّ بن أبي‏حمزة: سأل أبوبصير أباعبداللَّه(عليه السلام) وأنا حاضر، فقال: جعلت فداك! كم عُرج برسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) ؟ فقال: مرّتين، فأوقفه جبرئيل موقفاً، فقال له: مكانك يا محمّد! فلقد وقفت موقفاً ما وقفه ملك قطّ ولا نبيّ....
                      فقال اللَّه تبارك وتعالى: يا محمّد! قال: لبّيك ربّي.
                      قال: مَن لاُمّتك من بعدك؟ قال: اللَّه أعلم!
                      قال: عليّ بن أبي‏طالب، أميرالمؤمنين، وسيّد المسلمين، وقائد الغرّ المحجّلين(93).
                      43 - الإمام عليّ(عليه السلام) : قال رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) : يا عليّ، إنّ اللَّه عزّوجلّ قد غفر لك ولأهلك ولشيعتك ولمحبّي شيعتك، فأبشر! فإنّك الأنزع البطين: المنزوع من الشرك، البطين من العلم(94).
                      44 - معاني الأخبار عن جابر بن يزيد عن أبي‏جعفر(عليه السلام) : قلت له: جعلت فداك! لِمَ سُمّي أميرالمؤمنين(عليه السلام) أميرَالمؤمنين؟ قال: لأنّه يَمِيرهم(95) العلم؛ أما سمعت كتاب اللَّه عزّوجلّ: وَنَمِيرُ أَهْلَنَا(96)؟! (97)
                      45 - الفصول المهمّة: أمّا لقبه: فالمرتضى، وحيدر، وأميرالمؤمنين، والأنزع البطين(98).
                      46 - تاج العروس: والوصيّ كغنيّ: لقب عليّ(رضى اللّه عنه)(99)(100).


                      الشمائل

                      لم تحمل إلينا النصوص التاريخيّة والحديثيّة شيئاً عن ملامح الإمام(عليه السلام) إبّان ولادته وفي صغره، ومن هنا فإنّ ما يأتي في هذا المجال يرتبط بملامحه وهندامه أيّام خلافته(عليه السلام) . وفي ضوء ذلك يتسنّى لنا أن نصفه(عليه السلام) فنقول:
                      كان(عليه السلام) رَبْعة من الرجال؛ إلى القِصَر أقرب وإلى السمن، من أحسن الناس وجهاً، وكأنّ وجهه القمر ليلة البدر حسناً، كثير التبسُّم، آدَم اللون يميل إلى السُّمرة، أدْعَج(101) العينين عظيمهما، في عينيه لين، أصلع، كأنّ عنقه إبريق فضّة، كَثّ اللحية، لا يغيّر شيبَه، عريض ما بين المنكبين، شَثْن الكفّين(102)، شديد الساعد واليد، عريض الصدر، ذا بطن، ضخم الكَرادِيس(103)، ضخم عضلة الذراع والساق دقيقَ مُستدَقّها، إذا مشى تكفّأ (104)، وإذا مشى إلى الحرب هرول.
                      47 - الطبقات الكبرى عن إسحاق بن عبداللَّه بن أبي‏فروة: سألت أباجعفر محمّد بن عليّ (عليهما السلام) ، قلت: ما كانت صفة عليّ(عليه السلام) ؟
                      قال: رجل آدمُ شديد الاُدْمة، ثقيل العينين عظيمهما، ذو بطن، أصلع، إلى القِصَر أقرب(105).
                      48 - الغارات عن قدامة بن عتّاب: كان عليّ(عليه السلام) ضخم البطن، ضخم مُشاشة(106) المنكب، ضخم عضلة الذراع دقيقَ مستدقّها، ضخم عضلة الساق دقيقَ مستدقّها (107).
                      49 - المناقب لابن شهرآشوب عن المغيرة: كان عليّ(عليه السلام) على هيئة الأسد؛ غليظاً منه ما استغلظ، دقيقاً منه ما استدقّ(108).
                      50 - الكامل في التاريخ: كان عليّ(عليه السلام) فوق الرَّبعة، وكان ضخم عضلة الذراع دقيقَ مستدقّها، ضخم عضلة الساق دقيقَ مستدقّها، وكان من أحسن الناس وجهاً، ولا يغيّر شيبَه، كثير التبسّم‏ (109).
                      511 - مقاتل الطالبيّين: كان(عليه السلام) أسمر، مربوعاً، وهو إلى القصر أقرب، عظيم البطن، دقيق الأصابع، غليظ الذراعين، حَمْش الساقين‏ (110)، في عينيه لين، عظيم اللحية، أصلع، ناتئ الجبهة(111).
                      52 - فضائل الصحابة عن أبي‏إسحاق: قال أبي: يا بنيّ تريد أن اُريك أميرالمؤمنين - يعني عليّاً؟ قلت: نعم، فرفعني على يديه فإذا أنا برجلٍ أبيض الرأس واللحية، أصلع، عظيم البطن، عريض ما بين المنكبين(112).
                      53 - مقاتل الطالبيّين عن داود بن عبدالجبّار عن أبي‏إسحاق: أدخلني أبي المسجد يوم الجمعة، فرفعني فرأيت عليّاً يخطب على المنبر؛ شيخاً، أصلع، ناتئ الجبهة، عريض ما بين المنكبين، له لحية قد ملأت صدره، في عينه اطْرِغْشاش - قال داود: يعني ليناً في العين - فقلت لأبي: مَن هذا يا أبة؟
                      فقال: هذا عليّ بن أبي‏طالب ابن عمّ رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) وأخو رسول‏اللَّه، ووصيّ رسول‏اللَّه، وأميرالمؤمنين(113).
                      54 - الطبقات الكبرى عن رزام بن سعد الضبّي: سمعت أبي‏ينعت عليّاً، قال: كان رجلاً فوق الربعة، ضخم المنكبين، طويل اللحية وإن شئت قلت - إذا نظرت إليه-: هو آدم، وإن تبيّنته من قريب قلت: أن يكون أسمر أدنى من أن يكون آدم(114).
                      55 - وقعة صفّين: كان عليّ رجلاً دَحداحاً(115)، أدعج العينين، كأنّ وجهه القمر ليلة البدر حسناً، ضخم البطن، عريض المَسرُبة(116)، شثن الكفّين، ضخم الكسور، كأنّ عنقه إبريق فضّة، أصلع ليس في رأسه شعر إلّا خفاف من خلفه، لمنكبيه مُشاش كمُشاش السبع الضاري، إذا مشى تكفّأ به ومارَ(117) به جسده، له سنام كسنام الثور، لا تبين عضده من ساعده، قد اُدمجت إدماجاً، لم يمسك بذراع رجل قطّ إلّا أمسك بنفسه فلم يستطع أن يتنفّس. وهو إلى السمرة، أذلف‏ (118) الأنف، إذا مشى إلى الحرب هرول، وقد أيّده اللَّه بالعزّ والنصر(119).
                      56 - المناقب للخوارزمي عن محمّد بن حبيب البغدادي صاحب المحبّر - في بيان صفاته(عليه السلام) -: آدم اللون، حسن الوجه، ضخم الكراديس‏ (120).
                      57 - تاريخ دمشق عن مُدرك: رأيت عليّاً له وَفْرة(121)، وكان من أحسن الناس وجهاً(122).
                      58 - نثر الدرّ: انصرف [عليّ(عليه السلام) من صفّين وكأنّه رأسه ولحيته قطنة، فقيل له: ياأميرالمؤمنين، لو غيّرت، فقال: إنّ الخضاب زينة، ونحن قوم محزونون(123) (124).
                      59 - المناقب لابن شهرآشوب عن ابن إسحاق وابن شهاب: أنّه كتب حلية أميرالمؤمنين(عليه السلام) عن ثبيت الخادم على عمره(125)، فأخذها عمرو بن العاص، فزمّ بأنفه (126) فقطّعها، وكتب: إنّ أباتراب كان شديد الاُدمة، عظيم البطن، حمش الساقين، ونحو ذلك، فلذلك وقع الخلاف في حليته(127).

                      --------------------------------------------------------------------------------
                      1) سنن الترمذي: 5/583/3605، كفاية الطالب: 410.
                      2) نهج‏البلاغة: الخطبة 94 والخطبة 161 نحوه وراجع الخطبة 96.
                      3) راجع: القسم التاسع‏/عليّ عن لسان النبيّ‏/الخلقة/أنا وعليّ من نور واحد.
                      4) راجع: القسم التاسع‏/عليّ عن لسان النبيّ‏/الخلقة/أنا وعليّ من نور واحد.
                      5) راجع: كتاب «أهل البيت في الكتاب والسنّة»/جوامع خصائصهم.
                      6) المناقب لابن المغازلي: 5/1.
                      7) شرح نهج‏البلاغة: 1/11.
                      8) معاني الأخبار: 121/1، الأمالي للصدوق: 700/954 كلاهما عن الحسن البصري، بحارالأنوار: 35/51/5.
                      9) معاني الأخبار: 56/4 عن أبي‏ذرّ.
                      10) تاريخ اليعقوبي: 2/11، شرح الأخبار: 3/219.
                      11) راجع تاريخ اليعقوبي: 2/13.
                      12) الكافي: 1/452؛ المستدرك على الصحيحين: 3/116/4573، فضائل الصحابة لابن حنبل: 2/555/933، المعجم الكبير: 1/92/151، سير أعلام النبلاء: 2/118/17، اُسد الغابة: 7/213/7176، الاستيعاب: 4/446/3486، تاريخ دمشق: 42/14، المناقب لابن المغازلي: 6/2، المناقب للخوارزمي: 46/9.
                      13) الطبقات الكبرى: 1/119، تاريخ الطبري: 2/277، مروج الذهب: 2/281، أنساب الأشراف: 1/105.
                      14) الكافي: 1/448/33-28، الأمالي للصدوق: 712/979.
                      15) الكافي: 1/448/29، الأمالي للصدوق: 712/980، تاريخ اليعقوبي: 2/31، شرح الأخبار: 3/222؛ السيرة النبويّة لابن هشام: 1/377، شرح نهج‏البلاغة: 14/77.
                      16) السيرة النبويّة لابن هشام: 2/57.
                      17) الطبقات الكبرى: 1/209، تاريخ الطبري: 2/336، الكامل في التاريخ: 1/504، السيرة النبويّة لابن هشام: 1/376.
                      18) الطبقات الكبرى: 1/211، تاريخ الطبري: 2/343، الكامل في التاريخ: 1/507، السيرة النبويّة لابن هشام: 2/57؛ الكافي: 1/449/31 وج 8/340/536، كمال الدين: 174/31.
                      19) كمال الدين: 174/ 32، بحارالأنوار: 35/81/22.
                      20) كمال الدين: 174/31 عن محمّد بن مروان، بحارالأنوار: 35/81/21.
                      21) إيمان أبي‏طالب لفخّار بن معد: 130 عن عليّ بن أحمد بن مسعدة عن عمّه، بحارالأنوار: 35/115/54.
                      22) كذا في المصدر، وفي بحارالأنوار: «بن صفيّه».
                      23) إيمان أبي‏طالب لفخّار بن معد: 284، بحارالأنوار: 35/128/73 وراجع الإصابة: 7/197/10175.
                      24) إيمان أبي‏طالب لفخّار بن معد: 248، كنز الفوائد: 1/270 نحوه، بحارالأنوار: 35/120/63؛ شرح نهج‏البلاغة: 13/269 نحوه.
                      25) الفصول المختارة: 58، المناقب لابن شهرآشوب: 1/64، روضة الواعظين: 64 وفيه إلى «بنصيب»، بحارالأنوار: 35/93/31؛ شرح نهج‏البلاغة: 14/64.
                      26) الكافي: 1/448/29، بحارالأنوار: 35/136/81.
                      27) راجع: القسم السادس عشر/الأحنف بن قيس.
                      28) هو قيس بن عاصم بن سنان بن خالد بن منقر بن عبيد بن مقاعس، وفد على النبيّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم) في وفد بني تميم وأسلم سنة تسع، ولمّا رآه النبيّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم) قال: هذا سيّد أهل الوبر. وكان عاقلاً حليماً مشهوراً بالحلم، قيل للأحنف بن قيس: ممّن تعلّمت الحلم؟ فقال: من قيس بن عاصم؛ رأيته يوماً قاعداً بفناء داره، محتبياً بحمائل سيفه يحدّث قومه، إذ اُتِيَ برجل مكتوف وآخر مقتول، فقيل: هذا ابن أخيك قتل ابنك، قال: فواللَّه ما حلّ حبوته ولا قطع كلامه، فلمّا أتمّه التفت إلى ابن أخيه فقال: يابن أخي! بئسما فعلت؛ أثمت بربّك، وقطعت رحمك، وقتلت ابن عمّك... ثمّ قال لابن له آخر: قُم يا بنيّ إلى ابن عمّك فحلّ كتافه، ووارِ أخاك، وسُق إلى اُمّك مائة من الإبل دية ابنها فإنّها غريبة.
                      قال الحسن البصري: لمّا حضرت قيس بن عاصم الوفاة دعا بنيه فقال: يا بنيّ احفظوا عنّي، فلا أحد أنصح لكم منّي، إذا أنا متّ فسودوا كباركم ولا تسودوا صغاركم فتسفّه الناس كباركم وتهونوا عليهم...، وإيّاكم ومسألة الناس فإنّها آخر كسب المرء، ولا تقيموا على نائحة؛ فإنّي سمعت رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) نهى عن النائحة (اُسد الغابة: 4/411/4370).
                      29) هو أكثم بن صيفي بن عبدالعزّى، ولمّا بلغه ظهور رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) أرسل إليه رجلين يسألانه عن نسبه وما جاء به، فأخبرهما وقرأ عليهما: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَنِ...) الآية، (النحل: 90). فعادا إلى أكثم فأخبراه وقرأ عليه الآية، فلمّا سمع أكثم ذلك قال: يا قوم، أراه يأمر بمكارم الأخلاق وينهى عن ملائمها، فكونوا في هذا الأمر رؤوساً ولا تكونوا أذناباً، وكونوا فيه أوّلاً ولا تكونوا فيه آخراً. فلم يلبث أن حضرته الوفاة فأوصى أهله: اُوصيكم بتقوى اللَّه وصلة الرحم؛ فإنّه لايبلى عليها أصل، ولا يهتصر عليها فرع (اُسد الغابة: 1/272/218).
                      30) إيمان أبي‏طالب لفخّار بن معد: 332، بحارالأنوار: 35/133/78.
                      31) تاريخ اليعقوبي: 2/14، تاج المواليد: 88، شرح الأخبار: 3/214، كشف الغمّة: 1/59.
                      32) كنز العمّال: 13/636/37607.
                      33) الاستيعاب: 4/446/3486، سير أعلام النبلاء: 2/118/17، اُسد الغابة: 7/213/7176، شرح نهج‏البلاغة: 1/14.
                      34) شرح الأخبار: 3/215/1141؛ المناقب للخوارزمي: 277/264، شرح نهج‏البلاغة: 1/14.
                      35) الكافي: 1/453/2، خصائص الأئمّة(عليهم السلام): 64.
                      36) المستدرك على الصحيحين: 3/117/4574، تاريخ المدينة: 1/123 و 124، اُسد الغابة: 7/213/7176، الاستيعاب: 4/446/3486؛ علل الشرائع: 469/31 و 32، الأمالي للصدوق: 391/505، شرح الأخبار: 3/215/1142 و 1143.
                      37) اُسد الغابة: 7/212/7176، تذكرة الخواصّ: 10، البداية والنهاية: 7/223؛ شرح الأخبار: 3/214، عمدة الطالب: 58.
                      38) فضائل الصحابة لابن حنبل: 2/555/933، المناقب لابن المغازلي: 6/2 وفيه «أسلمت وهاجرت إلى النبيّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم)» بدل «وهاجرت...».
                      39) بهاليل: جمع بُهْلول: العزيز الجامع لكلّ خير (لسان العرب: 11/73).
                      40) الخَنا: الفُحش في القول (النهاية: 2/86).
                      41) المناقب لابن شهرآشوب: 2/171.
                      42) الكافي: 1/452/1، معاني الأخبار: 403/68.
                      43) حَثا الترابَ عليه: هاله ورماه (تاج العروس: 19/305).
                      44) ما بين المعقوفين أثبتناه من كنز العمّال.
                      45) المستدرك على الصحيحين: 3/117/4574 عن الزبير بن سعيد القرشي عن الإمام زين العابدين عن أبيه (عليهما السلام)، كنز العمّال: 13/635/37607.
                      46) الكافي: 1/453/2 عن محمّد بن جمهور عن بعض أصحابنا وراجع بصائر الدرجات: 287/9 وبحارالأنوار: 35/81/23.
                      47) تهذيب الأحكام: 6/19، الإرشاد: 1/5، المقنعة: 461، كشف اليقين: 31، تاج المواليد: 88، المستجاد: 294، العمدة: 24، المصباح للكفعمي: 678، روضة الواعظين: 87، المناقب لابن شهرآشوب: 2/175 وج 3/307، إعلام الورى: 1/306، عمدة الطالب: 58؛ الفصول المهمّة: 29.
                      48) تهذيب الأحكام: 6/19، الإرشاد: 1/5، المقنعة: 461، خصائص الأئمّة(عليهم السلام): 39، مصباح المتهجّد: 805، كشف اليقين: 31، العمدة: 24، المصباح للكفعمي: 678، الإقبال: 3/231/51، تاج المواليد: 88، المستجاد: 294، المناقب لابن شهرآشوب: 3/307، إعلام الورى: 1/306، عمدة الطالب: 58، روضة الواعظين: 87؛ كفاية الطالب: 407، الفصول المهمّة: 29.
                      وفي يوم ولادته أقوال اُخر، منها: السابع من شعبان، راجع مصباح المتهجّد: 852 والدروس: 2/7.
                      ومنها: النصف من شهر رمضان، راجع إثبات الوصيّة: 146 وكنز الفوائد: 1/255.
                      49) الكافي: 1/452، تهذيب الأحكام: 6/19، الإرشاد: 1/5، المقنعة: 461، خصائص الأئمّة(عليهم السلام): 39، كشف اليقين: 31، العمدة: 24، تاج المواليد: 88، المستجاد: 294، روضة الواعظين: 87 وص‏92، المناقب لابن شهرآشوب: 3/307، عمدة الطالب: 58، إعلام الورى: 1/306، كشف الغمّة: 1/59؛ الفصول المهمّة: 29، كفاية الطالب: 407.
                      وفي سنة ولادته أقوال اُخر، منها: 12 سنة قبل البعثة (يعني 28 سنة بعد عام الفيل)، راجع مصباح المتهجّد: 805 والمصباح للكفعمي: 678 والإقبال: 3/231/51 وتاريخ الأئمّة(عليهم السلام): 5 وتاريخ مواليد الأئمّة(عليهم السلام): 168 والفصول المهمّة: 29.
                      ومنها: بُعِث النبيّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم) وعليّ ابن سبع سنين، راجع تاريخ بغداد: 1/134 وفيه أيضاً: ابن ثمان سنين.
                      ومنها: 29 سنة بعد عام الفيل، راجع المناقب لابن شهرآشوب: 3/307.
                      50) تهذيب الأحكام: 6/19، المقنعة: 461، الإرشاد: 1/5، خصائص الأئمّة(عليهم السلام): 39، مصباح المتهجّد: 805، الأمالي للطوسي: 707/1511، العمدة: 24، كشف اليقين: 31، كنز الفوائد: 1/255، الإقبال: 3/231/51، المصباح للكفعمي: 678، روضة الواعظين: 87، إرشاد القلوب: 211، المناقب لابن شهرآشوب: 2/175 وج 3/307، عمدة الطالب: 58، كشف الغمّة: 1/59، إعلام الورى: 1/306؛ مروج الذهب: 2/358، المناقب لابن المغازلي: 7/3، تذكرة الخواصّ: 10، الفصول المهمّة: 29، كفاية الطالب: 407، مطالب السؤول: 11.
                      51) الغدير: 6/22.
                      52) المستدرك على الصحيحين: 3/550/6044 وراجع مروج الذهب: 2/358 والمناقب لابن المغازلي: 7/3 وتذكرة الخواصّ: 10 ومطالب‏السؤول: 11 وكنزالفوائد: 1/255 وإثبات‏الوصيّة: 142 والإقبال: 3/231/51 وروضة الواعظين: 92 و 93 والمناقب لابن شهرآشوب: 2/174 و 175.
                      53) روضة الواعظين: 88، الفضائل لابن شاذان: 48 نحوه، اليقين: 191/43 وفيه إلى «سنة المسيح»، بحارالأنوار: 35/10/12 وص 99/33؛ كفاية الطالب: 406 نحوه.
                      54) الإرشاد: 1/5، المستجاد: 294، عمدة الطالب: 58، العمدة: 24، تاج المواليد: 88 وليس فيه ذيله، إرشاد القلوب: 211، خصائص الأئمّة(عليهم السلام): 39، كشف اليقين: 31، نهج‏الحقّ: 232، كشف الغمّة: 1/59، إعلام الورى: 1/306 والخمسة الأخيرة نحوه؛ كفاية الطالب: 407 وفيه «ليلة» بدل «يوم»، الفصول المهمّة: 29، نور الأبصار: 85 كلاهما نحوه وراجع الخرائج والجرائح: 2/888 وفرائد السمطين: 1/425/354.
                      55) علل الشرائع: 135/3، معاني الأخبار: 62/10، الأمالي للصدوق: 194/206، الأمالي للطوسي: 706/1511 عن إبراهيم بن عليّ بإسناده عن الإمام الصادق عن آبائه(عليهم السلام) نحوه، بشارة المصطفى: 8، روضة الواعظين: 87.
                      56) المناقب لابن المغازلي: 7/3 عن محمّد بن سعيد الدارمي عن الإمام الكاظم عن أبيه (عليهما السلام).
                      57) شرح نهج‏البلاغة: 4/114.
                      58) ديوان السيّد الحميري: 155/42، المناقب لابن شهرآشوب: 2/175.
                      59) مقاتل الطالبيّين: 39؛ معاني الأخبار: 59/9، الفضائل لابن شاذان: 147، المناقب لابن شهرآشوب: 2/288 وج 3/276، بحارالأنوار: 35/67.
                      60) حصل هذا التغيير في أوائل أيّام ولادته(عليه السلام) ك‏ما دلّ على ذلك النصوص التاريخيّة. وبهذا يكون ما نُقل عن عطاء - من أنّه(عليه السلام) لمّا علا كتفي رسول‏اللَّه‏
                      (صلى اللّه عليه وآله وسلم)، وكسّر الا صنام سمّي عليّاً؛ من العلوّ والرفعة - فاقداً للوثائق التاريخيّة، واستحساناً ليس إلّا.
                      61) علل الشرائع: 136/3، معاني الأخبار: 62/10، الأمالي للصدوق: 195/206، بشارة المصطفى: 8، روضة الواعظين: 88 وراجع الأمالي للطوسي: 707/1511.
                      62) في المصدر: «أبيه»، وهو تصحيف.
                      63) كذا في المصدر، ولعلّ الصحيح: «قاهرٍ عليِّ»، وفي بعض المصادر: «شامخٍ عليِّ».
                      64) ما بين المعقوفين إضافة منّا يقتضيها السياق.
                      65) ينابيع المودّة: 2/305/873؛ المناقب لابن شهرآشوب: 2/174 نحوه، بحارالأنوار: 35/19/102 وراجع كفاية الطالب: 406.
                      66) معاني الأخبار: 55/3 عن عبداللَّه بن الفضل الهاشمي عن الإمام الصادق عن أبيه (عليهما السلام) وراجع ص‏56/5.
                      67) معاني الأخبار: 59/9 عن جابر الجعفي عن الإمام الباقر(عليه السلام).
                      68) إرشاد القلوب: 257، مائة منقبة: 138/83؛ المناقب للخوارزمي: 319/323 كلاهما عن أنس وراجع مشارق أنوار اليقين: 68.
                      69) شرح نهج‏البلاغة: 1/12.
                      إنّ شعر الإمام عليّ(عليه السلام) الذي ارتجزه في معركة خيبر لدى لقائه مرحب اليهوديّ والذي أوّله: «أنا الذي سمّتني اُمّي حيدرة» جاء في قسم كبير من المصادر التاريخيّة والحديثيّة، منها:
                      صحيح مسلم: 3/1441/132، مسند ابن حنبل: 5/558/16538، فضائل الصحابة لابن حنبل: 2/607/1036 وص 644/1094، المستدرك على الصحيحين: 3/41/4343، الطبقات الكبرى: 2/112، مقاتل الطالبيّين: 40، الرياض النضرة: 3/149؛ الإرشاد: 1/127، وقعة صفّين: 390، المناقب لابن شهرآشوب: 3/129، روضة الواعظين: 146، الديوان المنسوب إلى الإمام عليّ(عليه السلام): 286/212.
                      راجع: القسم الثاني‏/الدور المصيري في فتح خيبر.
                      70) الطبقات الكبرى: 3/19، المعجم الكبير: 1/92، تاريخ بغداد: 1/133، المعارف لابن قتيبة: 203، تاريخ دمشق: 42/7 وص 14-10، مروج الذهب: 2/359، الاستيعاب: 3/197/1875، اُسد الغابة: 4/88/3789، الإصابة: 4/464/5704، تاريخ الإسلام للذهبي: 3/621، صفة الصفوة: 1/130، البداية والنهاية: 7/223؛ تهذيب الأحكام: 6/19، الإرشاد: 1/5، تاج المواليد: 87، تاريخ مواليد الأئمّة(عليهم السلام): 169، المستجاد: 294، روضة الواعظين: 87، عمدة الطالب: 59.
                      71) الفصول المهمّة: 129؛ تاج المواليد: 88، إعلام الورى: 1/307.
                      72) راجع: القسم التاسع‏/عليّ عن لسان النبيّ‏/الاُسرة/أبوريحانتَيّ.
                      73) مقاتل الطالبيّين: 39، شرح نهج‏البلاغة: 1/11؛ المناقب لابن شهرآشوب: 3/113 نحوه وكلاهما من دون إسناد إلى المعصوم.
                      74) المناقب للخوارزمي: 40/8 عن عمر بن عليّ.
                      75) البَوْغاء: التراب الناعم (النهاية: 1/162).
                      76) الطبقات الكبرى: 2/10.
                      77) الصَّوْر: النخل الصِّغار. وقيل: هو المجتمع (لسان العرب: 4/475).
                      78) الدَّقْعاء: عامّة التراب، وقيل: التراب الدقيق على وجه الأرض (لسان العرب: 8/89).
                      79) أهَبَّهُ: نَبَّهَهُ (لسان العرب: 1/778).
                      80) مسند ابن حنبل: 6/365/18349، فضائل الصحابة لابن حنبل: 2/687/1172، المستدرك على الصحيحين: 3/151/4679، خصائص أميرالمؤمنين للنسائي: 280/152، السيرة النبويّة لابن هشام: 2/249، تاريخ الطبري: 2/408، تاريخ دمشق: 42/549/9062، المناقب لابن المغازلي: 9/5، البداية والنهاية: 3/247، سلسلة الأحاديث الصحيحة: 4/324/1743 وراجع المناقب لابن شهرآشوب: 3/111.
                      81) المعجم الأوسط: 1/237/775، تاريخ دمشق: 42/18/8359.
                      82) المناقب لابن شهرآشوب: 3/112، بحارالأنوار: 35/61/12؛ مقاتل الطالبيّين: 40 عن سهل ابن سعد من دون إسناد إليه(صلى اللّه عليه وآله وسلم).
                      83) صحيح مسلم: 4/1874/38، السنن الكبرى: 2/625/4340، تاريخ دمشق: 42/17، تاريخ الإسلام للذهبي: 3/622.
                      84) صحيح البخاري: 3/1358/3500، المعجم الكبير: 6/167/5879، تاريخ الطبري: 2/409 وراجع صحيح البخاري: 5/2291/5851 وص 2316/5924 والأدب المفرد: 253/852 والمعجم الكبير: 6/149/5808 والبداية والنهاية: 3/247.
                      وقد جاء في بعض المصادر - في أصل هذه الكنية - إنّ خلافاً ظهر بين الإمام والزهراء(عليهما السلام)، فترك الإمام البيت ممتعضاً، ونام في المسجد مغتاظاً!
                      هكذا نُقل، ولكنّ عصمة هذين العظيمين، وقول الإمام فيها بعد استشهادها(عليها السلام): «ما أغضبتني قطّ» يدلّ دلالة قاطعة على أنّ هذا القسم من النصّ موضوع منحول، أقحمه فيه أعداؤهما ومناوئوهما.
                      85) علل الشرائع: 157/4؛ المعجم الكبير: 12/321/13549.
                      86) تذكرة الخواصّ: 5.
                      87) اللقب: ما أشعر بمدح ك'«الصادق» أو ذمّ ك'«الجاحظ».
                      88) اُنظر الأبواب المرتبطة بهذه العناوين.
                      89) راجع: القسم الثالث‏/أحاديث الإمارة/اختصاص هذا الاسم بعليّ.
                      90) راجع: القسم الثالث‏/أحاديث الوصاية/وصاية الإمام في أدب صدر الإسلام.
                      91) في الحديث: «اُمّتي الغرّ المحجّلون» أي بيض مواضع الوضوء من الأيدي والوجه والأقدام (لسان العرب: 11/144).
                      92) تاريخ دمشق: 42/303/8837.
                      93) الكافي: 1/442/13.
                      94) المناقب لابن المغازلي: 401/455، المناقب للخوارزمي: 294/284 كلاهما عن أحمد بن عامر عن الإمام الرضا عن آبائه(عليهم السلام)؛ الأمالي للطوسي: 293/570 عن عيسى بن أحمد عن الإمام الهادي عن آبائه عن الإمام الصادق‏
                      (عليهم السلام).
                      95) المِيرَة: هي الطعام ونحوه، يقال: مارَهم يَميرُهم: إذا أعطاهم المِيرَة (النهاية: 4/379).
                      96) يوسف: 65.
                      97) معاني الأخبار: 63/13.
                      98) الفصول المهمّة: 129.
                      99) هذا الكلام يدلّ على أنّ استعمال لفظ «الوصي» في عليّ(عليه السلام) كان كثيراً ومعروفاً.
                      100) تاج العروس: 20/297، لسان العرب: 15/394 وفيه «قيل لعليّ(عليه السلام): وصيّ».
                      101) الدَّعَج والدُّعْجة: السواد في العين وغيرها (النهاية: 2/119).
                      102) شَثْن الكفّين: أي أنّهما يميلان إلى الغِلَظ والقِصَر (النهاية: 2/444).
                      103) الكَرادِيس: رؤوس العظام وقيل: هي ملتقى كلّ عظمين ضخمين، كالركبتين والمرفقين والمنكبين؛ أي أنّه ضخم الأعضاء (النهاية: 4/162).
                      104) تَكَفَّأَ جسدُه: تمايَلَ إلى قدّام (النهاية: 4/183).
                      105) الطبقات الكبرى: 3/27، تاريخ بغداد: 1/134 و 135، أنساب الأشراف: 2/366، تاريخ الطبري: 5/153، تاريخ الإسلام للذهبي: 3/624 نحوه، تاريخ دمشق: 42/24 و25 عن الخوارزمي، المناقب لابن المغازلي: 12/13 عن قتادة، المعارف لابن قتيبة: 210 عن الواقدي والثلاثة الأخيرة نحوه من دون إسناد إلى المعصوم؛ شرح الأخبار: 2/427/771 وراجع اُسد الغابة: 4/115/379 والبداية والنهاية: 7/223.
                      106) المُشاشة: ما أشرَفَ من عظْم المنكِب (لسان العرب: 6/347).
                      107) الغارات: 1/93؛ الطبقات الكبرى: 3/26، مقتل أميرالمؤمنين: 67/56، أنساب الأشراف: 2/365، تاريخ دمشق: 42/23، اُسد الغابة: 4/115/3789.
                      108) المناقب لابن شهرآشوب: 3/307، شرح الأخبار: 2/428/774.
                      109) الكامل في التاريخ: 2/440.
                      110) حَمْش الساقين: دقيقهما (لسان العرب: 6/288).
                      111) مقاتل الطالبيّين: 42 وقال بعد ذلك: وصفته هذه وردت بها الروايات متفرّقة فجمعتها.
                      112) فضائل الصحابة لابن حنبل: 2/555/934، الطبقات الكبرى: 3/25، شعب الإيمان: 5/216/6415، المعجم الكبير: 1/93/153، الاستيعاب: 3/210/1875، أنساب الأشراف: 2/361، تاريخ دمشق: 42/21 وفي بعضها إلى «اللحية» وص 20، مقتل أميرالمؤمنين: 68/57 كلاهما عن الشعبي؛ الغارات: 1/99 كلّها نحوه.
                      113) مقاتل الطالبيّين: 42.
                      114) الطبقات الكبرى: 3/26، أنساب الأشراف: 2/366، تاريخ دمشق: 42/23، اُسد الغابة: 4/115/3789.
                      115) الدَّحْداح: القصير السمين (النهاية: 2/103).
                      116) المَسرُبة: الشعرات التي تنبت في وسط الصدر إلى أسفل السُّرّة (المحيط في اللغة: 8/312).
                      117) مارَ الشي‏ءُ: تحرّك وجاء وذهب كما تتكفّأ النخلة العَيْدانةُ (لسان العرب: 5/186).
                      118) الذَّلَف: قِصرُ الأنف وانبطاحُه (النهاية: 2/165).
                      119) وقعة صفّين: 233، المناقب لابن شهرآشوب: 3/307 عن جابر وابن الحنفيّة، كشف الغمّة: 1/77؛ الاستيعاب: 3/218/1875، ذخائر العقبى: 109 كلّها نحوه وراجع الرياض النضرة: 3/107 و 108.
                      120) المناقب للخوارزمي: 45؛ كشف الغمّة: 1/75.
                      121) الوَفْرة: شَعر الرأس إذا وَصَل إلى شحمة الاُذن (لسان العرب: 5/289).
                      122) تاريخ دمشق: 42/25، اُسد الغابة: 4/116/3789، مقتل أميرالمؤمنين: 71/61 وفيهما «يخطب» بدل «له وفرة».
                      123) أقول: يمكن أن يقال إنّ حزنه من التحكيم وما جرى قبله، وقال الشريف الرضي: يريد وفاة رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) (نهج‏البلاغة: ذيل الحكمة 473).
                      124) نثر الدرّ: 1/307 وراجع نهج‏البلاغة: الحكمة 473 والرياض النضرة: 3/108.
                      125) كذا في المصدر.
                      126) زَمَّ بأنفه: إذا شَمَخَ وتكبّر (النهاية: 2/314).
                      127) المناقب لابن شهرآشوب: 3/306.


                      يتبع.........

                      تعليق


                      • #12
                        المدخل


                        الحمد للَّه الذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا اللَّه، وصلّى اللَّه على سيّد المرسلين، وخاتم الأنبياء محمّد، وأهل بيته الطيّبين الطاهرين، الذين أذهب اللَّه عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً.
                        قال رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) : عليٌّ آيةُ الحقّ، وراية الهدى.
                        ماذا أقول في عليّ(عليه السلام) والحديث عنه صعب شاقّ؟! ثمّ هو أصعب إذاما رامت الكلمات أن تتسلّق صوب ذراه الشاهقة، وتطمع أن تكون خليقة بتلك الشخصيّة المتألّقة.
                        النظر إلى شخصيّة الإمام أميرالمؤمنين(عليه السلام) محنة للفكر. وتملّي أبعاد هذا الرجل الشاهق يتطلّب طاقة لا تحتملها إلّا الجبال الرواسي. أمّا الحديث عن بعض عظمته الباهرة، وما تحظى به هذه الشخصيّة المتوهِّجة في التاريخ الإنساني من جلال وجمال، فهو خليق بكلام آخر، ويحتاج إلى لغة اُخرى؛ لغة تتناهى في امتدادها حتى تبلغ «الوجود» سعة، عساها - عندئذٍ - أن تُدرك شيئاً ضئيلاً من كلّ هذه الفضيلة التي تُحيط تلك الشخصيّة «العملاقة»، وما يحظى به من سموّ ومناقب لا نظير لها، ثمّ عساها أن تؤلّف كلاماً يرتقي إلى مدى هذا الإنسان الإلهي، ويكون جديراً به.
                        أمّا اُولئك الذين سلّحتهم بصيرتهم بفكر نافذ عن الإمام، وأدركوا - إلى حدّما- أبعاده الوجوديّة؛ فما لبثوا أن اضطرموا بمحنة العجز وقد لاذوا بالصمت، ثمّ ما برحوا يجهرون أنّ هذا الصمت لم يكن إباءً عن إظهار فضائل الإمام بقدر ما كان ينمّ عمّا اعتورهم من عجز، وهو إلى ذلك ينبئ عن حيرة استحوذت عليهم وهم لا يدرون كيف يصبّون كلّ هذه الفضائل العَليّة في حدود الكلمات، وكيف يعبّرون عن معانيها البليغة من خلال الألفاظ!
                        أجل، لم يكن قلّة اُولئك الذين اُشربوا في أعماق نفوسهم هذا المعنى الرفيع للمتنبي، وهو يصدع:

                        وتركتُ مدحي للوصيّ تعمُّداً
                        إذ كان نوراً مستطيلاً شاملا
                        وإذا استطال الشي‏ء قام بنفسهِ
                        وصفاتُ ضوء الشمس تذهبُ باطلا
                        مَنْ يريد أن يتحدّث عن جلال عليّ وفضائله يستبدّ به العجز، وتطوّقه الحيرة؛ فلا يدري ما يقول!
                        هي محنة كبيرة لا تستثني أحداً؛ أن ينطق الإنسان بكلام يرتفع إلى مستوى هذه «الظاهرة الوجوديّة المذهلة»؛ وهو عجز كبير مدهش يعتري الجميع مهما كانت القابليّة وبلغ الاستعداد.
                        ولا ريب أنّ أباإسحاق النظّام كان قد لبث يفكِّر طويلاً، وطوى نفسه على تأمّلٍ عميق مترامي الأطراف في أبعاد هذه الشخصيّة ومكوّناتها، قبل أن يقول: «عليّ بن أبي‏طالب(عليه السلام) محنة على المتكلِّم؛ إن وفّاه حقّه غلا، وإن بخسه حقّه أساء!».
                        عليٌّ(عليه السلام) في سوح القتال اللاحبة هو الأكثر جهاداً، والأمضى عزماً، والأشدّ توثّباً. وهو في مضمار الحياة الوجهُ المفعم بالاُلفة؛ حيث لا يرتقي إليه إنسان بالخلق الرفيع. وفي جوف الليل الأوّاب المتبتِّل، أعبد المتبتِّلين، وأكثر القلوب ولَهاً بربّه. وبإزاء خلق اللَّه هو أرفق إنسان على هذه البسيطة بالإنسان، يفيض بالعطوفة واللين. وهو الأصلب في ميدان إحقاق الحقّ في غير مداجاة، المنافح عنه في غير هروب.
                        أمّا في البلاغة والتوفّر على بدائع الخطابة وضروب الحكمة وفنون الكلام، فليس له نظير؛ وهو فارس هذا الميدان، والأمكن فيه من كلّ أحد. وللَّه درّ الشاعر العلوي، وهو يقول في ذلك:

                        كم له شمس حكمة تتمنّى
                        غرّةُ الشمس أن تكون سماها
                        تُرى، هل يمكن لإنسان أن يُشرِف على منعرجات التاريخ، ولا تشدّه تلك القمّة الشاهقة في مضمار الكرامة والحريّة والإنسانيّة، وهي تسمو على كلّ ما سواها!
                        وهل يسوغ لإنسان أن يمدّ بصره إلى صحراء الحياة، ثمّ لا يرفرف قلبه صوب هذا المظهر المتألِّق بالحبّ والعبادة، المملوء بالجهاد والمروءة، أو لا يُبصر هذا المثال المترع بالصدق والإيثار، وبالإيمان والجلال!
                        ثمّ هل يمكن لكاتب أن يخطّ صفحات بقلمه، ولا يهوى فؤاده أن يعطّر بضاعته بعبير يتضوّع بذكر عليّ، ويخلط كلماته بشذىً يفوح بنسائم حياته التي يغمرها التوثّب، ويحيط بها الإقدام من كلّ حدب، ويجلّلها الجهاد والإيثار من كلّ صوب!
                        في ظنّي أنّ جميع اُولئك الذين فكّروا وتأمّلوا، ثمّ استذاقوا طعم هذه الظاهرة الوجوديّة المذهلة، إنّما يخامرهم اعتقاد يفيد: وأنّى للقطرة الوحيدة التائهة أن تُثني على البحر! وأنّى للذرّة العالقة أن تنشد المديح بالشمس!
                        وأمّا كاتب هذه السطور!
                        فلم يكن يدُر بخلده قطّ أن يخطّ يوماً كلاماً جديراً في وصف تلك الشمس الساطعة، كما لم يخطر بباله أبداً أن يكون له حظّ في حمل قبضة من قبس كتلة الحقّ المتوهِّجة تلك، أو أن يكون له نصيب في بثّ شي‏ءٍ من أريج بحر فضائلها الزخّار، وأن يُسهِم في نشر أثارة من مناقبها المتضوّعة بعبيرٍ فوّاح.
                        هكذا دالت الحال ومرّت الأيّام بانتظار موعد في ضمير الغيب مرتقب!
                        فقد قُدِّر لي وأنا أشتغل بتدوين «ميزان الحكمة» أن اُلقي نظرة من بعيد على هذا البحر الزخّار، بحكم ضرورة أملتها هيكليّة الكتاب، وساقت منهجيّاً إلى مدخلٍ بعنوان: «الإمامة».
                        أجل، لم يسمح «المدخل» بأكثر من نظرةٍ من بعيد إلى البحر اللجّي، أطلّت على شخصيّة الإمام الأخّاذة عبر الكلام الإلهي والنبوي، قد سمحت بتثبيت ومضات من سيرة ذلك العظيم على أساس ما تحكيه روايات المعصومين:.
                        مرّة اُخرى شاء التقدير الإلهي أن تتّسع موسوعة «ميزان الحكمة» (التي تجدّد طبعها - بفضل اللَّه - مرّات، وراحت تتخطّى الحدود وتصل إلى أقصى النقاط، وهي تستجيب بقدرها لتطلّعات الباحثين عن المعرفة الدينيّة) وتمتدّ فصولها وتزداد.
                        بعد تأمّلٍ طويل انطلقت بكاتب هذه السطور همّتُه، وتبدّل العزم إلى قرار بالعمل يقضي بإضافة هذا الجزء.
                        كانت الرحلة بعيدة المدى، وبدا الطريق طويلاً وأنا حديث العهد به، لولا أن تداركتني رعاية خاصّة من الإمام، ولا غَروَ وهو كهف السائرين على الحقّ وملاذهم، ثمّ اكتنفتني همم كبيرة برزت من فضلاء كرام.
                        وبين هذا وذاك أينع ذلك الجهد وأثمر بعد سنوات حصيلةً تحمل عنوان: «موسوعة الإمام عليّ بن أبي‏طالب في الكتاب والسنّة والتاريخ» هي ذي التي بين أيديكم.
                        ثمّ شاءت المقادير مرّة اُخرى أن يقترن طبع الموسوعة في السنة التي توشّحت باسم مولانا أميرالمؤمنين(عليه السلام) ، حيث راحت هذه المناسبة تستقطب إليها اُلوف الجهود والهمم(1).
                        وها أنا ذا أتوجّه إلى اللَّه سبحانه شاكراً أنعُمَه من أعماق وجودي وقد حالفني توفيقه في المضيّ قُدماً لإنجاز هذا المشروع المهمّ؛ حيث هوّن العقبات، وذلّل الصِّعاب، ويسّر العسير.
                        إنّ «موسوعة الإمام» لهي إلى هذا العاشق الوله بذكر عليّ(عليه السلام) أعذب شي‏ء في حياته وأحلاه، وأدعى حصيلة تبعث على الفخر في سنيّ عمره، حيث بلغت نهايتها بفضل اللَّه سبحانه، ومعونة خالصة أسداها عدد من الفضلاء.
                        أجل؛ إنّ «موسوعة الإمام عليّ بن أبي‏طالب» تجسِّد من الاُمنيات في حياتي ما هو أرفعها وأسماها، وتستجيب من تطلّعاتي إلى ما هو أبعدها مدىً.
                        وما كان ذلك يتحقّق لولا فضل اللَّه وتوفيقه، فله حمدي، وعليه ثنائي اُزجيه خاشعاً بكلّ وجودي.
                        وما كان ليتمّ لولا رعاية خاصّة كنفني بها المولى أميرالمؤمنين، فله شكري، وعليه سلامي، فلولا ما فاء به من رعاية وتسديد، ولولا مدده الذي أسداه في تذليل العقبات الكؤود وتيسيرها لما رسَت «الموسوعة» على هذا الشكل.
                        وحسبُ هذه الكلمات أنّها رسالة اعتذار تومئ إلى تقصير صاحبها، ثمّ حسبها ما تُبديه من ثناء عاطر مقرون بالخشوع والجلال لكلّ هذه الرعاية الحافلة من أجل بلوغ المقصد.
                        إنّ «موسوعة الإمام» هي إطلالة على حياة أميرالمؤمنين(عليه السلام) ، كما هي نافذة تشرف على السيرة العلويّة، وتتطلّع إلى تاريخ حياة أكمل إنسان، وأعظم المؤمنين وأبرز شخصيّة في تاريخ الإسلام بعد رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) .
                        وتهدف «موسوعة الإمام» أن تترسّم السبيل إلى أعظم تعاليم عليّ بن أبي‏طالب(عليه السلام) وأبلغها عِظة وتذكيراً. كما توفّرت على بيان أجزاء من حياة أميرالمؤمنين(عليه السلام) وسيرته البيضاء الوضّاءة.
                        وتسعى «موسوعة الإمام» من خلال استجلاء المعالم الملكوتيّة لإمام الإنسانيّة؛ وتتطلّع عبر تدوين الخصائص العلميّة والأخلاقيّة والعمليّة لحياته التي تفيض بالتوثّب والإيمان؛ وتصبو عبر تبيين ما بذله «صوت العدالة الإنسانيّة» من جهود مذهلة لبسط العدل وإرساء حاكميّة الحقّ، إلى الجواب عمليّاً على السؤال التالي: لماذا جعل الكتابُ الإلهي عليَّ بن أبي‏طالب شاهداً إلى جوار اللَّه على الرسالة؟
                        لقد انطلقت «الموسوعة» من خلال الاستناد إلى عرضٍ جديد، وهيكليّة مبتكرة، ومنهج مستحدَث فاعل، لتقسيم السيرة العلويّة إلى ستّة عشر قسماً، تضعها بين يدي الباحثين والمتطلِّعين إلى المعارف العلويّة، وتُقدّمها إلى الولهين بحبّ عليّ(عليه السلام) ، وإلى طلّاب الحقّ والحقيقة.
                        وفيما يلي نقدِّم استعراضاً عامّاً لمحتويات هذه الأقسام:


                        القسم الأوّل: اُسرة الإمام عليّ

                        توفّر هذا القسم على بيان منحدر الإمام عليّ(عليه السلام) واُسرته، كما تناول المحيط الذي ترعرع به وحياته الخاصّة، ودار الحديث فيه أيضاً عن شخصيّة والديه، وعن أسماء الإمام وكُناه وألقابه وشمائله وأوصافه وزواجه وزوجاته وأولاده.
                        لقد اتّضح من هذا القسم أنّ الإمام نشأ في اُسرة كريمة، وترعرع في محيط طاهر زكيّ؛ فأسلافه الكرام من الآباء والأجداد موحِّدون بأجمعهم، طاهرون لم تخالطهم أدناس الجاهليّة، مضَوا وكلّهم ثبات في سبيل اللَّه.
                        كما كشف هذا القسم عن اُصول كريمة تكتنف هذا الموحِّد العظيم في تاريخ الإسلام، فلم يلوّث الشرك أحداً من أسلافه قط، ولم يكن لمواضعات البيئة وتلوّثاتها الفكريّة والعقيديّة نصيب في حياتهم. فهذا هو الإمام وقد انبثق من حضن والد مؤمن جَلِد قويّ الشكيمة منافح عن الحقّ، ووالدة كريمة المحتد صافية الفطرة مؤمنة بالمعاد.
                        ثمّ مضت حياته مع زوجة هي أتقى وأطهر امرأة في نساء عصره؛ وهي سيّدة نساء العالمين. وقد كان زواجاً بدأ بأمر اللَّه سبحانه وحفّته هالة من القداسة والخشوع، فانشقّ عن ذرّيّة كريمة كان لها اليد الطولى في صنع التاريخ، وهي إلى ذلك المصداق الأسمى ل «الكوثر».
                        أمّا كُناه وألقابه فقد اختارها رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) غالباً، وهي جميعاً تومئ إلى فضائله الرفيعة التي تتألّق عظمة، وإلى موضعه المنيف الشاهق في الإسلام والتاريخ.
                        حياة لم تهبط عن مستوى العظمة لحظة، ولم تتعثّر بصاحبها قط.


                        القسم الثاني: الإمام عليّ مع النبيّ

                        يوم قرع صوت السماء فؤاد رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) ، وهبط إليه أمر الرسالة، ثمّ أعلن دعوته التاريخيّة، كانت الجزيرة العربيّة تغطّ في ظلام دامس، ويحيطها الجهل من كلّ حدب وصوب.
                        لقد واجه القوم بعثة نبيّ الحرّيّة والكرامة بالرفض والتكذيب، ثمّ اشتدّت عليه سفاهات القوم وتكالب الطغاة.
                        وهاهو ذا عليّ اختار موقفه إلى جوار النبيّ منذ الأيّام الاُولى لهذه النهضة الربّانيّة. وقد صحب أميرالمؤمنين(عليه السلام) رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) ولم ينفصل عنه لحظة، بل راح ينافح ويتفانى في الدفاع عنه دون تعب أو كلل.
                        وما توفّر عليه هذا القسم هو بيان الموقع الرفيع الذي تبوّأه الإمام في إرساء النهضة الإسلاميّة، والدور البنّاء الذي اضطلع به في دوام هذه الحركة الربّانيّة على عصر رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) .
                        يكشف هذا القسم أنّ عليّاً(عليه السلام) كان إلى جوار النبيّ لم يفارقه منذ البعثة حتى الوفاة، باذلاً نفسه وأقصى ما يستطيع في سبيل تحقيق حاكميّة الإسلام في المجتمع. فهو مع رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) في المشاهد جميعاً وعند المنعطفات الخطرة، وهو السبّاق الذي يثب مبادراً في المواطن الصعبة كلّها وعند العقبات الكؤود التي تعتري حركة الإسلام.
                        يُسفر هذا القسم عن أنّ عليّاً(عليه السلام) لم يوفِّر من جهده الدؤوب لحظة، ولم يدّخر من تفانيه المخلص شيئاً إلّا وقد بذله دفاعاً عن هذا الدين، وذوداً عن نبيّه الكريم(صلى اللّه عليه وآله وسلم) ، وصوناً لهذه الدعوة الربّانيّة الفتيّة، من أجل أن يمتدّ الإسلام وتبلغ هذه الحركة الإلهيّة مداها.


                        القسم الثالث: جهود النبيّ لقيادة الإمام عليّ

                        الإسلام خاتم الأديان، ورسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) خاتم النبيّين، والقرآن الحلقة الأخيرة في الكتب السماويّة.
                        والنبيّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم) مبلِّغ لدينٍ اكتسى لون الأبديّة، ولن يقوى الزمان على طيّ سجلِّ حياته؛ فماذا فعل رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) لتأمين مستقبل هذا الدين، وضمان مستقبل اُمّته؟ وما هو التدبير الإلهي في هذا المضمار؟
                        أوضح هذا القسم الرؤية المستقبليّة التي انطوى عليها الدين الإلهي، وموقع الإمام أميرالمؤمنين(عليه السلام) في المخطّط الربّاني الذي حملته السماء في هذا المجال.
                        بكلام آخر، ما عني به هذا الفصل هو الولاية العلويّة، وإمامة عليّ بن أبي‏طالب(عليه السلام) التي جاءت في إطار جهود رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) في رسم مستقبل الاُمّة.
                        وفي هذا الاتّجاه استفاض هذا القسم في حشد مجموعة الأدلّة العقليّة والنقليّة لإثبات أنّ النبيّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم) لم يدَع الاُمّة بعده هملاً دون راعٍ، ولم يعلّق مستقبلها على فراغ من دون برنامج محدّد للقيادة من بعده، بل حدّد مسار المستقبل بدقّة وجلاء من خلال جهد مثابر بذله طوال ثلاث وعشرين سنة، وعبر تهيئة الأجواء المناسبة لتعاليم مكثّفة أدلى بها على نحو الإشارة مَرّة، وعلى نحو صريح أغلب المرّات.
                        كما بيَّن هذا القسم صراحة أنّ «الغدير» لم يكن إلّا نقطة الذروة على خطّ هذا الجهد المتواصل الطويل. ثمّ عاد يؤكِّد بوضوح أنّ النبيّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم) لم يتوانَ بعد ذلك عن هذا الأمر الخطير، بل دأب على العناية به والتركيز عليه حتى آخر لحظات عمره المبارك.
                        ومع أنّ الحلقات الأخيرة في التدبير النبوي؛ كمَيلِه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) إلى تدوين ما كان قد ركّز على ذكره مرّات خلال السنوات الطويلة الماضية في إطار وصيّة مكتوبة، لم يأت بالنتيجة المطلوبة إثر الفضاء المخرّب الذي اُثير من حوله. وكذلك انتهت إلى المآل نفسه حلقة اُخرى على هذا الخطّ تمثّلت بإنفاذ بعث اُسامة. إلّا أنّ ما يُلحظ أنّ رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) لم يُهمل هاتين الواقعتين، بل راح يُدلي بكلمات وإشارات ومواضع تُزيل الستار عن سرّ هذه الحقيقة ورمزها.
                        وهذا أيضاً ممّا اضطلع به هذا القسم مشيراً إلى نتائج مهمّة استندت إلى وثائق ثابتة عند الفريقين.


                        القسم الرابع: الإمام عليّ بعد النبيّ

                        أسفاً أن لا يكون قد تحقّق ما ارتجاه رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) وما اختطّه لمستقبل الاُمّة، وقد ارتدى سرابيل الخلافة آخرٌ هو غير من اختُصّ به الأمر الإلهي.
                        أما وقد أسفر المشهد عن هذا، فهاهو ذا عليّ يواجه واقعاً كاذباً مريراً مدمِّراً قلَبَ الحقيقة، وهاهو مباشرة أمام لوازم الدين الجديد ومصالحه، وبإزاء اُناس حديثي عهد بالإسلام؛ فماذا ينبغي له أن يفعل؟ وما هو تكليفه الإلهي؟ ما الذي يقتضيه واقع ذلك العصر بما يكتنفه من أوضاع خاصّة على المستويين الداخلي والخارجي؟
                        لقد نهض هذا القسم بالجواب على هذه الأسئلة وغيرها ممّا حفَّ السيرة العلويّة في الفترة التي امتدّت بين وفاة رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) حتى تسنّم الإمام لأزمّة الحكم. كما سلّط أضواءً كاشفة على عوامل إهمال تعاليم النبيّ حيال مستقبل الاُمّة، وأسباب الإغضاء عن توجيهاته(صلى اللّه عليه وآله وسلم) حول قيادة عليّ(عليه السلام) .
                        وفي إطار متابعة الحوادث التي عصفت بالحياة الإسلاميّة بعد النبيّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم) حتى خلافة عثمان وقيام الناس ضدّه، تكفّل هذا القسم أيضاً ببيان الأجواء التي أحاطت بالمواقف الحكيمة لإمام الحكماء، وتفصيل ملابسات ذلك.


                        القسم الخامس: سياسة الإمام عليّ

                        خمسة وعشرون عاماً مضت على خلافة الخلفاء، وقد اتّسعت الانحرافات، وتفشّى الاعوجاج الذي كان قد بدأ بعد رحيل رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) ، حتى بلغت الأوضاع في مداها حدّاً أملى على الإمام عليّ(عليه السلام) أن يصف ما جرى بأنّه «بليّة»(2) كتلك التي كانت قبل الإسلام، وذلك في خطاب حماسي خطير ألقاه بدء الخلافة.
                        في هذه البرهة العصيبة ثار الناس ضدَّ الخليفة وضدّ سلوكه ونهجه في الحكم، حتى إذا ما قُتل انثالوا على الإمام بشكل مذهل، وهم يطالبونه باستلام الحكم.
                        لقد كان الإمام يُدرك تماماً أنّ ما ذهب لن يعود؛ إذ قلّما عاد شي‏ء أدبر. وعلى ضوء تقديره للأوضاع التي تناهت في صعوبتها امتنع في بادئ الأمر عن الاستجابة لهم، بيدَ أنّه لم يجد محيصاً عن إجابتهم بعد أن تعاظم إصرار المسلمين، وكثر التفافهم حوله.
                        كان أوّل ما طالعهم به في أوّل خطبة له حديثه عن التغييرات الواسعة التي يزمع القيام بها في المجتمع، كما أوضح في الحديث ذاته اُصول منهجه ومرتكزاته.
                        هذا القسم يبدأ رحلته مع الإمام، فيسجِّل في البدء الأجواء التي لابست وصوله إلى السلطة وتسنّمه للحكم، ثمّ يتابع تفصيليّاً انطلاق حركته الإصلاحيّة، متوفّراً على رصد اُصول نهج الإمام ومرتكزات سياسته في التغييرات الواسعة التي قادها، والحركة الإصلاحيّة التي تزعّمها، وما أثارت من أصداء في المجتمع، وما خلّفته من تبعات عليه.
                        من بين البحوث الأساسيّة الاُخرى في هذا القسم رصد أبرز الاُصول التي اعتمدها الإمام في الإصلاح على مختلف الصُّعد الثقافيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والقضائيّة والأمنيّة. كما سعى هذا القسم من الكتاب إلى متابعة رؤى الإمام(عليه السلام) في مجال السياسة، وعوامل استقرار الدول، وعوامل انحطاطها وزوالها، وطبيعة تعاون الدول بعضها مع بعض وغير ذلك ممّا له صلة بهذه الدائرة.


                        القسم السادس: حروب الإمام عليّ

                        يوم أن مسك الإمام أميرالمؤمنين(عليه السلام) زمام الحكم بيده، وراح يطبّق ما كان قد تحدّث عنه ووعد الناس به، برز أمامه تدريجيّاً ما كان قد توقّعه؛ فالوضع لم يحتمل بسط العدل، ولم يُطِق حركة الإصلاح والمساواة وإلغاء الامتيازات الوهميّة، فأخذت الفتن تطلّ برأسها، وبدأت أزمات الحكم.
                        ما يبعث على الدهشة أنّ أوّل من استجاش الفتنة وأرباها هُم اُولئك النفر الذين كان لهم الدور الأكبر في إسقاط الحكم السابق، وإرساء قواعد الحكم الجديد!
                        ميزة هذا القسم من الموسوعة أنّه تناول بالبحث والتحليل مناشئ هذه الفتن وجذورها، وتابع مساراتها وما ترتّب عليها من تبعات. كما رصد بالتفصيل فتن «الناكثين» و«القاسطين» و«المارقين» التي تعدّ في حقيقتها انعكاساً لحركة الإمام الإصلاحيّة، وردّ فعل على مواضعه المبدئيّة الصُّلبة بإزاء الحقوق الإلهيّة، ودفاعه عن قيم الناس وحقوقها.
                        من النقاط المبدعة اللامعة في هذا القسم تسليط الضوء على بعض الزوايا الفكريّة والنفسيّة والمواقف السياسيّة لمثيري الفتنة، ومتابعة تجلّيات ذلك بعمق ودقّة في حركة خوارج النهروان.
                        إنّ هذا البحث - في الصيغة التي اكتسبتها هذه الدراسة من خلال معرفة الوثائق التاريخيّة، وتحرّي التوجيهات الروائيّة التي احتوت هذه الخصائص - لهو حديث مبتكر وتحليل بكر بديع.
                        على أنّ هذا القسم برمّته هو أكثر أقسام الكتاب عِظة، وأعظمها درساً.


                        القسم السابع: أيّام التّخاذل

                        اتّسمت السنوات الاُولى لحكم الإمام أميرالمؤمنين(عليه السلام) بأنّها سنوات مواجهة وصِدام مع مثيري الفتنة. هكذا مضت بتمامها، وقد تعب الناس من دوام هذه الفتن وأصابتهم الملالة من المواجهة والاضطراب وعدم الاستقرار. على صعيد آخر دأب أرباب الفتنة - خاصّة مركزها الأساس في الشام - على إيجاد الأزمات على الدوام، وإثارة الفتن باستمرار، وزرع العقبات أمام الحكومة المركزيّة.
                        ويجي‏ء القسم السابع هذا حديثاً عن ذلك العهد. فهذه كلمات الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) تفيض من ألم الوحدة وحرقتها، وتبثّ شكواها من مصائب الزمان ودواهيه.
                        في تلك البرهة الحالكة من الزمان سقطت مصر؛ فغاب عن الإمام مالك الأشتر؛ أطهر الرجال، وأكفأ القادة، وأشجع الخلّان، وأوفاهم بعد أن ارتوى بشُهد الشهادة. فانكمش قلب الإمام، واُصيبت روحه الطهور، والألم يعتصره من كلّ جانب.
                        هذا القسم رحلة تسجِّل وحدة الإمام، وهو منظومة رثاء تعزف لظلامة عليّ، كما هو انعكاس لأصوات غربته المتوجِّعة التي راحت تندّ عن نفسه الطهور.
                        وهذا القسم يُسفر عن مشهدٍ آخر ليس له شبهٌ بالمشهد الأوّل الذي رافق بداية عهد الإمام. فالناس لم تعد على استعدادها الأوّل لحضور الجبهات، كما لم تعُد تستجيب لنداءات الإمام وهتافاته للجهاد والنفير. والذي يتفحّص ما كان يبثّه الإمام مراراً من شكوى، يرى فيه خصائص لأهل ذلك العصر وقد آثروا حبَّ الحياة، وراحت أنفسهم ترنو إلى الدنيا، وتصبو إليها.
                        في أوضاع كالحة كهذه استعرت بالإمام أميرالمؤمنين(عليه السلام) عواطفه النبيلة، وثارت بين جوانحه أحاسيسه الطهور؛ فملأت نفسه ألماً وغضاضة وهو ينظر إلى جند معاوية تغير على المدن المَرّة تلو الاُخرى؛ تُزهِق أرواح الأبرياء، وتُمارِس النهب والسلب، وتبثّ بين الآمنين الرعب والدمار.
                        راحت أخبار الظلم المرير تصل الإمام، وتنهال عليه وقائع غارات معاوية وتهوّر جنده واستهتارهم وضحكاتهم المجنونة، فاهتاجته هذه الحال، والتاعت نفسه وفاضت لها غصصاً وهو يتأوّه من الأعماق، ولكن لا من مجيب!
                        وهكذا مضى الإمام أميرالمؤمنين(عليه السلام) وهو يتمنّى الموت مرّات ومرّات!
                        بيد أنّه لم يهُن ولم تضعف عزيمته لهذه الرزيئة، ولم يذعن إلى الواقع المرير، بل مضى قَويّاً شامخاً مقداماً لم يتخلّ عن المقاومة حتى آخر لحظة من عمره.
                        أجل، هذا أميرالمؤمنين يثبُ كالمنار المضي‏ء آخر أيّام حياته وهو يهيب بالناس العودة إلى صفّين مجدّداً، وقد استنفر بكلماته المفعمة بالحماس جيشاً عظيماً إلى هذه المهمّة. فما أن انتهى من خطبته - وكانت الأخيرة - إلّا وعقد للحسين بن عليّ(عليه السلام)ولقيس بن سعد وأبي‏أيّوب الأنصاري لكلّ واحدٍ في عشرة آلاف مقاتل.
                        لكن واأسفاً! فقد أودت واقعة استشهاد الإمام(عليه السلام) واغتياله من قِبل شقيّ «متنسّك» بقواعد هذا البرنامج، فانهار ما دبّره الإمام لاستئصال فتنة الشام واجتثاثها من الجذور؛ إذ ما لبثت أن تداعت الجيوش بعد مقتل الإمام وتفرّقت.
                        لقد توفّر هذا القسم على تفصيل هذه اللمحات التي جاءت هنا مختصرة، وغاص بالبحث والتحليل مع جذور هذه الوقائع وأجوائها ومساراتها وما كان قد اكتنفها من أسباب وعوامل.


                        القسم الثامن: استشهاد الإمام عليّ

                        كان رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) هو الذي أخبر باستشهاد الإمام أميرالمؤمنين عليّ(عليه السلام) . أمّا الإمام نفسه فقد كان وجوده ينمّ عن صبغة وتكوين خاص يشدّه إلى السماء أكثر ممّا يجرّه إلى الأرض ويربطه بها. كان دائماً يتطلّع صوب الملكوت، تهفو روحه إلى هناك بانتظار اللحظة التي يعرج بها إلى السماء.
                        كم كانت عظيمة هذه الرحلة صوب الملكوت وهي تحمل عليّاً مضرَّجاً بدم الجراح، ومضمَّخاً بالنقيع الأحمر.
                        ما كان أعظم شوقه للمنيّة! فهاهو ذا عليّ والسيف الغادر المسموم يرقد على مفرقه ويشقّ رأسه، يتطلّع إلى الملأ الأعلى، ويهتف في وصف رحلته ويقول: «كطالبٍ وجد، وغاربٍ ورد».
                        القسم الثامن هذا اختصّ بمتابعة ما كان ذكره رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) عن استشهاد عليٍّ(عليه السلام) ، وما كان يحكيه عليّ عن شهادته. كما تابع بقيّة مكوّنات المشهد؛ إذ وقف في البدء مع واقعة الاغتيال يصفها عن قرب، ثم انتقل مع الإمام المسجّى مع جراحه راصداً جميع ما نطق به من تعاليم ووصايا وحِكَم مذ هوى على رأسه سيف الغدر حتى لحظة استشهاده، ثمّ انتقل إلى الجانب الآخر متقصّياً ردّفعل ألدّ أعداء عليّ‏ (عليه السلام) وما نطق به عند ما بلغه خبر شهادة الإمام.
                        كما لم يهمل واقعة تجهيز أميرالمؤمنين(عليه السلام) ودفنه وإخفاء قبره.
                        واختُتم هذا القسم بذكر زيارة مرقد الإمام أميرالمؤمنين(عليه السلام) وبركات ذلك وما يتّصل بروضته الشريفة.


                        القسم التاسع: الآراء حول شخصيّة الإمام

                        تؤلّف تجلّيات شخصيّة الإمام أميرالمؤمنين(عليه السلام) على لسان الرجال وفي كلمات الرموز الكبيرة، بل وحتى على لسان أعدائه، أحد أهمّ فصول معرفة أبعاد شخصيّته.
                        ربّما لا نبالغ إذا قلنا إنّ ما حفَّ شخصيّة عليّ بن أبي‏طالب، وما قيل فيه وعنه من كلام وأحكام وتجليل وتكريم وخطب وقصائد ومدائح، وما أحاط به من ذهول وحيرة وهتاف وصمت، فاق الجميع بحيث لا يمكن مقارنته بأيّ شخصيّة اُخرى في تاريخ الإسلام.
                        في هذا القسم يطلّ القارئ على شخصيّة عليّ بن أبي‏طالب(عليه السلام) من خلال ما نطق به القرآن، وما جاء على لسان النبيّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم) والإمام عليّ نفسه، وسيّدة النساء فاطمة الزهراء(عليها السلام)، وصحابة النبيّ، وأهل البيت(عليهم السلام) ، وزوجات النبيّ، كما يتطلّع إلى اُفقها العريض عبر ما خطّه عدد كبير من الرموز العلميّة والثقافيّة والسياسيّة البارزة، وما جادت به قرائح الشعراء والاُدباء والخطباء؛ حتى أعداؤه.
                        ويمضي القارئ في هذا القسم مع رجال قالوا في عليّ(عليه السلام) كلمات مسفرة كضوء الفجر، انطلقت من قلوب مفعمة بالشوق والحبّ.
                        وقد ترك بعضهم شهادة صريحة للتاريخ في أنّ فضائل عليّ بن أبي‏طالب(عليه السلام) ومناقبه تعظم على الإحصاء، ولا تقوى الصحف المكتوبة بأجمعها على استيفائها.
                        وقالوا: إنّ الصمت أقوى من كلّ حديث عن عليٍّ(عليه السلام) ، وأمضى من كلّ الكلمات.
                        فهذه كلماتهم تخطّ لعليّ أنّه الأعلم، وهو الأعرف من الجميع بكتاب‏اللَّه، وعليّ الأشجع في سوح الوغى، وهو أكثر الناس إخلاصاً وتبتّلاً وطاعة.
                        علىٌّ الهيّن الليّن أكرم الناس خلقاً، وقلبه الشاخص إلى ربّه أبداً.
                        عليٌّ في مضمار البلاغة بحر لا يُنزَف، وهو سيّد البلَغاء، وأفصح الخطباء.
                        عليٌّ المجاهد الذي تَثِبُ به بصيرته، وهو الصلب الذي لا تلين له عريكة، ولا تُوهنه الصعاب، ملؤه إقدام ومضاء.
                        وعليٌّ أعرف الاُمّة بالحقّ، وأنفذ الرجال بصيرة.
                        هذه بعض كلماتهم في عليّ. ولعليّ بعد ذلك كلّ فضيلة وكمال، فله وحده ما كان للصالحين جميعاً.
                        كان علي وِتراً التقت فيه جميع خصال الجمال، وتألّقت في ذراه الفضائل بأكملها، وحطّت عنده المكارم. وهو في الفتوّة وِتر لا ندّ له ولا نظير.
                        هذه الحقيقة نلحظها تتوهّج بين ثنايا هذا القسم عبر شهادة وأقوال عشرات المفكّرين، تتوزّعهم مختلف الاتّجاهات والرؤى، بل نرى بعضها متضادّاً أحياناً!
                        ولاريبَ أنّ قراءة كلّ هذه الشهادات والأقوال، والاطّلاع على هذه القطوف الدانية من كلمات المدح والإطراء، لهو أمر خليق أن يشدّ إليه القارئ ويجذبه إلى دائرة نفوذه.

                        تعليق


                        • #13
                          القسم العاشر: خصائص الإمام عليّ

                          عليّ بعد النبيّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم) هو اللوحة الفريدة الوحيدة التي تتجلّى بها خصائص الإنسان الكامل. وهذه الحقيقة الناصعة الكريمة كانت قد أفصحت عن نفسها خلال القسم السابق عبر ما جاء عن المعصومين(عليهم السلام) ، وما نطق به الصحابة والعلماء والفلاسفة والمتكلّمون والباحثون.
                          ماينهض به القسم العاشر هو إبانة خصائص الإمام أميرالمؤمنين(عليه السلام) وتسليط أضواء مكثّفة على ماتحظى به شخصيّته الفذّة من أبعاد ومكوّنات. انطلاقاً من هذا طاف القسم مع الإمام في خصائصه العقيديّة والأخلاقيّة والعلميّة والسياسيّة والاجتماعيّة والفكريّة، التي تتلاقى فيما بينها لتؤلّف صرح هذا الرجل التاريخي الشامخ والمنار المضي‏ء الذي لا نظير له.
                          يالروعته وتفرّده! فلم يكفر باللَّه طرفة عين، وهو في ثبات إيمانه، ورسوخ يقينه أمضى من الجبال الرواسي، لا يرقى إلى قمّته أحد قطّ. يعمر الخلق الكريم جنبات وجوده، وتفوح حياته بالإخلاص والإيثار، وتمتلئ أرجاؤها بالمكرمات.
                          في محراب العبادة هو الأوّاه المتبتّل أعبد العابدين، وقلبه المجذوب إلى ربّه أبداً، وهو في الصلاة أخشع المصلّين.
                          ومن يمعن في ميدان السياسة يجده الأصلب، شاهقاً يفوق الجميع، ذكيّاً لا تضارعه الرجال، أدرى الناس بملابسات الزمان.
                          للمظلومين نصيراً لا يكلّ عن الانتصاف لهم ولا يملّ، وهو على الظالمين كنارٍ اشتدّت في يوم عاصف.
                          علمه الأكمل، وبصيرته الأنفذ، ورؤيته إلى اللَّه وإلى عالم الوجود والخليقة شفيفة رائقة، سليمة نقيّة، لا تضارعها نظرة ولا يضاهيها نقاء.
                          أجل؛ حسبُ عليّ أنّه كان عليّاً وحسب، خالصاً للَّه من دون شَوب، شاهداً على الرسالة، مجسّداً لقيمها الرفيعة ومُثلها العليا.
                          وهذا القسم يقدّم هذا جميعاً إلى طلابّ الحقّ والنفوس الظمأى للحقيقة، ويحمله إلى العقول المتلهّفة لمعرفة عليّ، عبر مرآة متألّقة بنور الآيات الكريمة، ومن خلال النصوص والوقائع التاريخيّة.


                          القسم الحادي عشر: علوم الإمام عليّ
                          عليّ(عليه السلام) أعظم تلميذ بزغ في مدرسة محمّد(صلى اللّه عليه وآله وسلم) . أبصر فيه رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) من الجدارة والاستعداد ما يفوق به كلّ إنسان، ومن القدرة على التعلّم ما لا مدى له، ففاض على روحه علماً غزيراً لا ينضب، وأراه الحقائق الكبرى الناصعة؛ وبتعبير النصوص الروائيّة والتاريخيّة لقّنه «ألف باب»، و«ألف حرف»، و«ألف كلمة»، و«ألف حديث»(3) في مضمار معرفة الحقائق وتحرّي العلوم.
                          عليّ(عليه السلام) باب حكمة النبيّ، ومدخل علم رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) ، وهو خزانة علمه، ووارث علوم جميع النبيّين.
                          عليّ المؤتمن على حكمة النبيّ الحافظ لعلمه، ومن ثَمَّ هو أعلم الاُمّة.
                          أميرالمؤمنين(عليه السلام) اُذن واعية، لذا فهو لا ينسى ما يقرع فؤاده من العلم، وبذلك راحت الحكمة تتفجّر من بين جوانحه، وتفيض نفسه الطهور بحقائق المعرفة.
                          لكن أسفاً وما أعظمها لوعة أن تكون مقادير الحياة قد غيّبت اُولئك الرجال الذين يهيب بهم استعدادهم الوجودي لتلقّي المعرفة العلويّة الناصعة. ولو كانوا هناك لفاض عليهم الإمام بقبضة من شعاع علمه الباهر، ولأشرق الوجود بقبسٍ من نور معرفته.
                          كان عليّ(عليه السلام) يحظى من «علم الكتاب» بعلمه الكامل كلّه، في حين لم يكن لآصف بن برخيا من «علم الكتاب» إلّا بعضه، فأهّله أن يأتي إلى سليمان(عليه السلام) بعرش بلقيس في طرفة عين أو أقلّ(4).
                          لم يعرف علم عليّ(عليه السلام) مدىً، ولم يوقفه حدّ، بل امتدّ سعةً حتى تخطّى كلّ العلوم. فهو في الذروة القصوى في علوم القرآن، وفي معارف الشريعة، وعلوم الدين، وعلم البلايا والمنايا، وهو السنام الأعلى في كلّ معرفة.
                          هل تجد لعليّ نظيراً في معرفة اللَّه، وهو ذا رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) يقول: «ما عرف اللَّه إلّا أنا وأنت»؟
                          أجل؛ هو ذا كما يقول النبيّ الأقدس؛ فهذا كلامه في التوحيد ومراتبه، وفي إثبات الصانع وطرق الاستدلال عليه، وفي معرفة اللَّه وصفاته يقف في الذروة العليا، وله في نظر الفلاسفة والمتكلِّمين مرتبة سامقة لا تُضاهى.
                          إنّ ما نطق به الإمام عليّ(عليه السلام) حول الوجود، وما ذكره عن المخلوقات، وما توفّر على إظهاره من نقاط بديعة حيال الخليقة لهو ينمّ عن إحاطة علميّة بضروب المعرفة البشريّة.
                          فكلمات الإمام أميرالمؤمنين(عليه السلام) عن بدء الخليقة، وخلق الملائكة والسماوات والأرضين والحيوان، وما فاض به عن المجتمع والنفس وحركة التاريخ، وما أدلى به من إشارات عن الرياضيّات والفيزياء وعلم الأرض (الجيولوجيا) وغير ذلك ممّا يعدّ في حقيقته تنبّؤات علميّة، ويدخل في المعجزات العلميّة للإمام، لهو قمين بالإعجاب، وخليق أن يملأ النفس خضوعاً ودهشة.
                          لم يعرف التاريخ على امتداده رجلاً، عالماً كان أم فيلسوفاً أم مفكِّراً، ينهض بعلوّ قامته، ويقول بثبات: سلوني ما تشاؤون. ثمّ لم يعجزه الجواب أبداً، ولم يلبث حتى لحظة واحدة كي يتأمّل بما يجيب.
                          وهذا القسم ليس أكثر من إيماءة إلى علوم عليّ بن أبي‏طالب(عليه السلام) ، وهو إشارة على استحياء إلى بحره الزخّار، ونظرة عابرة تومض من بعيد إلى اُفق المعرفة العلويّة.


                          القسم الثاني عشر: قضايا الإمام عليّ

                          القضاء صعب، وأصعب منه القضاء الراسخ الذي يستند إلى الصواب والحقّ.
                          يستند القضاء من جهة إلى علم راسخ، ويتطلّب من جهة اُخرى روحاً كبيرة وشخصيّة ثابتة لا تخشى التهديد ولا تميل إلى التطميع، ولا تطوح بها العلائق والأهواء عن جادّة الحقّ والصواب.
                          وأقضية عليّ بن أبي‏طالب(عليه السلام) هي منارات مضيئة في الحياة، وأكاليل رفيعة في رحاب الحياة السياسيّة، وأحرى بها أن تكون من أعاجيب التاريخ القضائي.
                          لقد تناول هذا القسم أقضية الإمام في أربعة فصول توفّر كلّ واحد منها على بُعد. فقد مرَّ في البدء على الموقع القضائي الذي يحظى به الإمام، وأنّه «أقضى الاُمّة» بمقتضى صريح كلام رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) .
                          ثمّ انعطف إلى بيان أمثلة لأقضية عليّ(عليه السلام) على عهد النبيّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم) ، متابعاً لها وهي تتوالى في عهد خلافته الراشدة، لتكشف بأجمعها عن علم واسع عميق، وصلابة ماضية في السلوك، وثبات راسخ، وإيثار الحقّ على ما سواه، والدفاع عن الحقيقة في خضمّ الحياة.


                          القسم الثالث عشر: آيات الإمام عليّ

                          الإنسان خليفة اللَّه في الأرض. والأبعاد المعنويّة هي أسمى مظهر باهر يتألّق في شخصيّة الإنسان، وإذا ما ارتقى الإنسان على هذا الخطّ وصار قريباً إلى اللَّه عبر السلوك المعنوي، فسيكون كلّ ما يصدر عنه مذهلاً عجيباً، وتصير حياته وتعاطيه مع الوجود «تجلّيات» للقدرة الإلهيّة.
                          حين تُبصر عليّاً(عليه السلام) في هذا المجال تجده «ممسوساً في ذات اللَّه» على حدّ ما نصّ عليه رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) في وصفه، وهو أدرى الناس به، وعليّ ثمرة لتربية الرسول. ومن ثَمَّ كان حريّاً بحياته أن تكون - ولا تزال - مشرقة بأكثر تجلّيات هذا «الخليفة الربّاني» نوراً ووضاءة.
                          لقد توفّرت فصول هذا القسم على الإيماء إلى أمثلة للقدرة المعنويّة الباهرة، والولاية التكوينيّة التي يحظى بها الإمام، ومرّت على بعض تجلّيات هذا «الخليفة الربّاني»، وما يشعّ به وجوده من مظاهر القدرة والعظمة الإلهيّة.
                          كان من بين المحطّات التي لبثت عندها فصول هذا القسم أمثلة لإجابة الدعوات، وإخبار الإمام بالمغيّبات، وبعض ما له من كرامات مثل «ردّ الشمس» التي تعدّ منقبة تختصّ به وحده، وفضيلة تبعث على الدهشة، وتدعو إلى العجب.
                          هذا القسم في حقيقة الإمام أميرالمؤمنين(عليه السلام) رحلة تطوف معه لتبرز بُعده المعنوي في التعامل مع اُفق الوجود، وتؤشّر إلى موقعه المنيف في معارج الصعود، وما يحظى به هذا الإنسان الربّاني من مكانةٍ عظيمة على مهاد الأرض، كما تكشف عن دوره ك «خليفة إلهي».


                          القسم الرابع عشر: حبّ الإمام عليّ

                          الجمال حبيب إلى الإنسان، والإنسان يهفو إلى الجمال، ولن تجد إنساناً يصدّ عن الجمال أو تنكفئ نفسه عن المكرمات والفضائل السامقة أو يُشيح عن المُثل العليا.
                          هو ذا عليّ(عليه السلام) مصدر جميع ضروب الجمال، يتفجّر وجوده بالكمال، وتحتشد فيه جميع الفضائل والمكارم والقيم؛ فأيّ إنسان يبصر كلّ هذا التألّق ولا يشدو قلبه إلى عليّ حبّاً وإيماناً؟ وأيّ إنسان له عين بصيرة ويعمى عن ضوء الشمس؟
                          دعْ عنك اُولئك النفر الذين ادلهمّت نفوسهم بظلمة حالكة، فعميت أبصارهم عن رؤية هذا الجمال الباهر الممتد، ولم يُبصروا مظاهره الخلّابة.
                          وإلّا لو خُلّي الإنسان وإنسانيّته لاُلفي باحثاً عن الجمال أبداً متطلّعاً إليه على الدوام.
                          كذلك هو عليّ أحبُّ الخلق إلى اللَّه خالق الجمال وواهب العظمة. كما هو الأحبّ عند الملائكة وعند رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) . وهل يكون هذا إلاّ لجوهر الذات العلويّة، وللمكانة المكينة التي يحظى بها هذا الإنسان الملكوتي الذي تتقرّب الملائكة - أيضاً - إلى اللَّه بمحبّته؟
                          إنّ لحبّ عليّ في ثقافتنا الدينيّة شأناً عظيماً يُبهِر العقول، ويبعث على التأمّل.
                          وما نهض به هذا القسم أنّه وثَّقَ لهذه الحقيقة نصوصَها. وقد جاءت النصوص تفصح دون مواربة ولُبْس أنّ حبّ عليّ حبٌّ للَّه ولرسوله، وتسجِّل بنصاعة وضّاءة أنّ حبّ عليّ «نعمة» و«فريضة» و«عبادة»، وهو «العروة الوثقى» و«أفضل العمل» و«عنوان صحيفة المؤمن».
                          فحبّه إذاً من دين اللَّه بالصميم.
                          ومع أنّ هذا القسم لا يدّعي أنّه قد استقصى كلّ النصوص الروائيّة التي لها مساس بعليّ(عليه السلام) في هذا المجال، إلّا أنّ ما توفّر على ذكره أسفر بوضوح: أنّ حبّ عليّ هو السبيل إلى بلوغ حقائق المعرفة الدينيّة، وهو الذي يشيع السكينة في أرجاء الحياة، وبحبّ عليّ يكتمل الإيمان والعمل، وبه تُرفع أعمالنا مقبولة إلى اللَّه سبحانه، وبحبّ عليّ يستجاب الدعاء وتُغفر الذنوب.
                          وبحبّ عليّ(عليه السلام) تنتشر نسائم السرور على الإنسان عند الموت، وحبّ عليّ لُقيا يُبصِر بها المحتضر وجه المولى عند الممات، وحبّ عليّ جواز لعبور الصراط وللثبات عليه، وهو الجُنّة التي تقي نار جهنّم.
                          ومسك الختام: أنّ حبّ عليّ هو الحياة الطيّبة في جنّة الخُلد.
                          إنّ كلّ ذلك لا يكون إلّا بحبّ عليّ، وفي ظلال حبّ عليّ(عليه السلام) .
                          لم تتردّد النصوص الروائيّة لحظة وهي تسجّل بثبات راسخ أنّ حبّ عليّ(عليه السلام) هو دليل طهارة المولد، وعلامة على الإيمان والتقوى، وهو عنوان شهرة الإنسان ومعروفيّته في السماوات وعند الملأ الأعلى، وهو رمز السعادة.
                          وبعدُ؛ فإنّ كلّ هذا الحشد من التأكيد على الحبّ العلوي، ووصله برباط وثيق مع الحبّ الإلهي، وبحبّ رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) لهو دليل شاخص على أنّ الحبّ المحمّدي الصحيح لن يكون ممكناً من دون الحبّ العلوي. وما ادّعاء حبّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم)من دون حبّ عليّ(عليه السلام) إلّا عبث جزاف ودعوة باطلة.
                          على أنّ هذا القسم يعود ليكشف في جوانب اُخرى على أنّ حبّ عليّ(عليه السلام) ما كان شعاراً يُرفع وحديثاً يُفترى، بل هو اُسوة يقتدي فيها المحبّ بحياة عليّ، يلتمس هديه في خطاه، يعيش كما يعيش، ويفكّر كما يفكّر، ويمارس معايير عليّ في الحبّ والولاء، وفي البغض والبراءة، ويحثّ خطاه صوب قيَمه دائماً وأبداً، وإلّا كيف يجتمع حبّ عليّ مع حياة سفيانيّة ونهج اُموي؟
                          آخر ما يشدّ إليه الانتباه في مادّة هذا القسم هو التحذير من الغلوّ؛ فمع كلّ هذا التركيز المكثّف العريض على حبّ الإمام أميرالمؤمنين(عليه السلام) ، وإلى جوار هذه الإشادة بالآثار العظيمة التي يُغدقها هذا الحبّ على الحياة الماديّة والمعنويّة، جاءت التعاليم النبويّة والعلويّة والدينيّة تشدّد النكير، وتُعلن التحذير الكبير من الغلو بهذا الحبّ. فهاهي ذي النصوص الحديثيّة تنهى عن الإفراط وتذمّه، وتعدّه انحرافاً يهيّئ الأجواء إلى انحرافات أكبر.


                          القسم الخامس عشر: بغض الإمام عليّ

                          على قدر ما تكون شخصيّة عليّ الطالعة المهيبة بالغة الروعة والجمال لذوي النفوس الزكيّة، موحية أخّاذة لذوي الأفكار الرفيعة، محبوبة خلاّبة لذوي الفِطَر النقيّة والطباع الكريمة، فهي تثير الغيظ في النفوس المدلهمّة المظلمة، وتستجيش عداوة الوصوليّين النفعيّين، وبغضاء ذوي الأغراض الدنيئة الهابطة، والنوازع المنحطّة.
                          إنّ التاريخ يجهر أنّ أعداء عليّ بن أبي‏طالب كانوا من حيث التكوين الروحي سقماء غير أسوياء نفسيّاً، ومن حيث التكوين الفكري كانوا منحرفين بعيدين عن الصواب. أمّا من حيث مكوّنات الشخصيّة فقد كانوا اُناساً تستحوذ عليهم الأنانيّة والأثَرة، يُنبئ باطنهم عن الفساد والأغراض الهابطة.
                          هذا رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) يستشرف مستقبل الإسلام عبر مرآة الزمان، يعلم بالفتن ويعرف مثيريها وأصحابها. وهو ذا يؤكّد في كلّ موقعٍ موقعٍ من أشواط حياته المملوءة عزماً وتوثّباً والتزاماً على حبّ عليّ بن أبي‏طالب، ويحذّر الناس من بغضه، وينهاهم عن عداوته وشنآنه.
                          يسجّل رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) بصراحةٍ لا يشوبها لبسٌ أنّ بغض عليّ بن أبي‏طالب كفر، وأنّ مَن آذى عليّاً فقد آذاه.
                          ليس هذا وحده، بل مضى رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) يرسم ثغور الجبهة الاجتماعيّة ويحدّد اصطفافاتها العامّة بما يُظهر أنّ مَن هو مع عليّ وعلى حبّ عليّ فهو مع النبيّ نفسه، ومَن يناهض عليّاً ويعاديه فموقعه في الجبهة التي تعادي النبيّ وتُناهض رسالته.
                          لقد أفصحت النصوص المعتبرة عند الفريقين ممّا تقصّاها هذا القسم، على أنّ أعداء عليّ بن أبي‏طالب بعيدون عن رحمة اللَّه سبحانه، وأنّ خسرانهم وسوء منقلبهم أمر قطعي لا ريب فيه. فمن يمُت على بغض عليّ(عليه السلام) يمُت ميتة جاهليّة، وبغض عليّ علامة تُجهر بنفاق صاحبها وفسقه وشقائه.
                          وإذا كان بغض عليّ(عليه السلام) يستتبع ميتة جاهليّة؛ فإنّ إنساناً كهذا لن ينتفع شيئاً من تظاهره بالإسلام، وهو يُحشر في القيامة أعمى، ليس من مصير يؤول إليه سوى نار جهنّم.
                          يضع هذا القسم بين يدي القارئ نصوصاً حديثيّة وروائيّة كثيرة، فيها دلالة على ما سلفت الإشارة إليه. وهو - علاوة على ذلك - يعرّف بعدد من ألدّ أعداء الإمام وأعنف المبغضين له، كما يمرّ على جماعة من المنحرفين عنه، وعلى القبائل التي كانت تكنُّ له البغضاء، ولا غرابة فقد قيل: «تُعرف الأشياء بأضدادها».
                          هذا عليٌّ، ولا يلحق به لاحق، واسمه الآن يصدح عبر اُفق المكان والزمان، ويعلو شاهقاً على ذرى التاريخ، وهذه تعاليمه وكلماته مسفرة كضوء الفجر متألّقة على مدار الزمان.
                          أما والأمر كذلك؛ فقد كان حريّاً بهذا القسم أن يلبث عند تلك الجهود المحمومة كاللهب، وعند تلك الصدور الموبوءة بالحقد، وقد نفثت أحقادها علّها تُطفئ الشعلة المتوقّدة، أو عساها تنال من وهجها شيئاً، حتى تستيقن النفوس بوعد اللَّه الذي وعَده، وكي لا يستريب أحد بقوله سبحانه: يُرِيدُونَ لِيُطْفُِواْ نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ‏ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ(5). وهكذا كان.


                          القسم السادس عشر: أصحاب الإمام عليّ وعمّاله

                          مع هذا القسم يُختَتم الكتاب ويبلُغ نهايته. بعد أن لبث القارئ مع خمسة عشر قسماً من الموسوعة، وصار على معرفة واسعة ممتدّة بمختلف أبعاد حياة الإمام أميرالمؤمنين(عليه السلام) المملوءة بالتعاليم الواعية البنّاءة التي تُنير الحياة وتفتح المغاليق؛ بعد هذا كلّه آن له أن يرحل في هذا القسم مع جولة تطوف به على عدّة من أصحاب عليّ(عليه السلام) وعمّاله، يتعرّف عليهم وينظر إليهم عن كثب.
                          في هذا القسم يخرج القارئ بحصيلة معرفيّة معطاءة عن اُولئك الرادة الذين تربّوا في كنف عليّ، وتخرّجوا من مدرسته، وفي الوقت ذاته تتكشّف له معالم الحكم العلوي وما كان يعانيه من قلّة الطاقات الرياديّة الملتزمة الرشيدة، وما يكابده الحكم من نقص في القوى الفاعلة المطيعة المسؤولة. وهذا الواقع يُسهم إلى حدّ في الإفصاح عن السرّ الكامن وراء بعض النواقص التي بدت في الحكم العلوي، ويُعين القارئ على إدراك ذلك، كما تمنحه معطيات هذا القسم موقعاً أفضل للتوفّر على تحليل واقعي لحكومة الإمام.
                          من الجليّ أنّ أصحاب الإمام لم يكونوا على مستوى واحد، كما لم يكن عمّاله كذلك. لقد كانت ضرورات الحكم ومتطلّبات الإدارة العامّة تُملي على الإمام أن يلجأ أحياناً إلى استعمال اُناس ثابتين في العقيدة بيدَ أنّهم غير منضبطين في العمل. لكن الإمام لم يكن يغفل لحظة عن تنبيه هؤلاء وتحذيرهم المرّة تلو الاُخرى، كما لم يُطق مطلقاً انحرافاتهم وما يصدر عنهم واضطراب سلوكهم مع الناس.
                          إنّ عليّاً الذي أمضى عمراً مديداً يضرب بسيفه دفاعاً عن الحقّ؛ وعليّاً الذي اختار الصمت سنوات طويلة من أجل الحقّ «وفي العين قذى، وفي الحلق شجا»؛ عليٌّ هذا لا يُطيق المداهنة - وحاشاه - في تنفيذ الحقّ، ولا يعرف المجاملة في إحقاقه، ولا يتحمّل المساومة أبداً.
                          تتضاعف أهميّة هذا القسم من الموسوعة، وهو حريّ بالقراءة أكثر، ونحن نبصر - فيه - مواقف الإمام من الأصحاب والعمّال مملوءة دروساً وعبراً.
                          ومع القسم السادس عشر يشرف الكتاب على نهايته، ليكون القارئ قد خرج من الموسوعة بسيل متدفّق من المعرفة، وبفيض من التحاليل والرؤى والأفكار والأخبار، تستحوذ عليها جميعاً شخصيّة الإمام عليّ بن أبي‏طالب(عليه السلام) .

                          تعليق


                          • #14
                            خصائص الموسوعة

                            انتهى للتوّ استعراض وجيز قدّمناه لأقسام «الموسوعة» الستّة عشر دون خوض لما احتوته فصولها من تفاصيل، وما ضمّته من مداخل صغيرة كانت أم كبيرة، وقد آن الأوان للحديث عمّا تحظى به من خصائص.
                            بيد أنّا نعتقد أنّ السبيل إلى معرفة خصائص الموسوعة - وربّما ما تحمله من مزايا ونقاط بارزة - يُملي علينا أن نُلقي نظرة إلى ما كُتب عن الإمام أميرالمؤمنين(عليه السلام) حتى الآن، كي تتّضح من جهةٍ ضرورات التعاطي مع هذه المجموعة، وتستبين من جهة اُخرى نقاط قوّتها وما قد تكون حقّقته من مكاسب ومعطيات على هذا الصعيد.


                            غزارة المدوّنات وكثرتها عن الإمام

                            يحظى الإمام أميرالمؤمنين(عليه السلام) بشخصيّة هي في المدى الأقصى من الجاذبيّة؛ ومن ثَمّ فتَملّي سيرة هذا العظيم، والتطلّع إلى حياته العبقة الفوّاحة هو ممّا لا يختصّ باتّجاه دون آخر. فهاهم الجميع من كافّة الاتّجاهات والأفكار يكتبون عن الإمام، وهاهي ذي شخصيّته المتوهّجة تجذب كلّ المسالك والميول، وتستقطب لدائرتها كافّة القرائح والأقلام.
                            هكذا تمثّلت واحدة من خصائص عليّ بن أبي‏طالب بغزارة ما كُتب عنه، وكثافة التآليف التي أطلّت على حياته وسيرته، وتناولت بالبحث إمامته وخلافته، واندفعت تُعنى بحِكمه وتعاليمه، وبآثاره ومآثره.
                            فتاريخ الإسلام بدون اسم عليّ بن أبي‏طالب ومن دون مآثره وبطولاته التي بلغت أعلى ذروة، هو تاريخ أجوف مشوّه، وكتلة هامدة بلا حراك ولا روح، وهو بعد ذلك لا يمتّ إلى حقيقة التاريخ الإسلامي بصلة.
                            فهاهي ذي قمم تاريخ صدر الإسلام تتضوّع باسم عليّ، وتفوح بذكراه، وهاهو ذا ظلّه يمتدّ ويطول فلا يغيب عن واقعة قط.
                            وما خطّته الأقلام عن الإمام أميرالمؤمنين(عليه السلام) يفوق الحصر عدّاً، فهذا رصد واحد قدّم خمسة آلاف عنوان كتاب بعضها في عدّة مجلدات، دون أن يستوفي الجميع.


                            تصنيف الكتابات

                            ما جادت به القرائح والأقلام عن عليّ بن أبي‏طالب يقع في جهات متعدّدة، ويمتدّ محتواه على مواضيع مختلفة. مع ذلك يمكن تصنيف الحصيلة في رؤوس العناوين التالية:
                            أ - تاريخ حياة الإمام.
                            ب - خلافة الإمام.
                            ج - خصائص الإمام وفضائله.
                            د - مواضيع لها صلة بالإمام أو تدور حوله مثل الغدير، وآية التطهير، والولاية، وما إلى ذلك.
                            ه - تفسير الآيات النازلة بشأن الإمام.
                            و - أقضية الإمام.
                            ز - أدعية الإمام.
                            ح - الأحاديث والنصوص النبويّة عن الإمام.
                            ط - كلام الإمام، ولهذا صيغ مختلفة كالأحاديث ذات الصيغة البلاغيّة، والاُخرى رُتّبت على أساس الحروف الهجائيّة.
                            ي - الشروح؛ وتشمل شرح خطبة واحدة، أو كتاب واحد أو رسالة واحدة، وإلى غير ذلك من الصيغ.
                            ك - ما جادت به القرائح والأقلام نظماً ونثراً عن فضائل الإمام ومناقبه ومراثيه.
                            ل - كرامات الإمام ومعاجزه في حياته وبعد استشهاده.
                            يفصح هذا التصنيف بموضوعاته المختلفة أنّ الأقلام قد تبارت متحدّثة عن الإمام عليّ(عليه السلام) من زوايا مختلفة، كلّ واحد يعزف على حياته وآثار عظمته من بُعده الخاص.
                            أما وقد اتّضح ذلك على وجه الإجمال، تعالوا ننعطف إلى خصائص هذه «الموسوعة» وما قد تحظى به من مزايا، نجملها من خلال العناوين التالية:


                            1 - الشمول ومبدأ الانتخاب

                            في الوقت الذي حرصت «الموسوعة» على تجنّب التكرار(6)، والإحالة إلى النصوص المتشابهة، فقد سعت إلى الجمع بين الشمول والاختصار معاً، متحاشية الزوائد والفضول، من خلال التأكيد على مبدأ الانتخاب.
                            لقد انطلقت «الموسوعة» تجمع النصوص والأحاديث والنقول من مصادر الفريقين، مع التركيز على ما له مساس بالإمام أميرالمؤمنين(عليه السلام) .
                            هكذا تطمئنّ نفس الباحث الذي يراجع هذه المجموعة إلى أنّه قد اطّلع على حصيلة ما جادت به الأقلام حيال الإمام عليّ(عليه السلام) ، كما ينفتح أمامه الطريق ممهّداً لاختيار الموضوع أو المواضيع التي يصبو إلى دراستها، عبر الكثافة المعلوماتيّة التي يوفّرها له حشد كبير من المصادر والهوامش والإيضاحات التي جاء ذكرها في الهوامش.


                            2 - الاستناد الواسع إلى مصادر الفريقين

                            حقّقت «الموسوعة» لأوّل مرّة أوسع عمليّة استعراض لمصادر الفريقين التاريخيّة والحديثيّة، حيث استنطقت ما حوَته صحفاتها من ذكرٍ لمختلف جوانب شخصيّة الإمام عليّ(عليه السلام) .
                            بِلغة الأرقام؛ لم تبلغ هذه «الموسوعة» نهايتها، ولم تكتسب هذه الصيغة إلّا بعد مراجعة ما ينوف على الأربعمائة وخمسين كتاباً أربت مجلّداتها على الألفين، منها مئتا كتاب من مصادر الشيعة، ومئتان وخمسون كتاباً من مصادر أهل السنّة.
                            ثمّ لكي ترتاد بالباحثين صوب آفاق معرفيّة ممتدّة، وحتى تفتح لهم السبيل واسعاً للدراسة والتحليل، فقد أحالت في هوامشها إلى ما يناهز الثلاثين ألف موضع من مصادر الفريقين، ويكفي هذا وحده للكشف عن المدى الأقصى الذي بلغه البحث.


                            3 - وثاقة المصادر

                            في تدوين هذه الموسوعة عمدنا في البدء إلى جمع المعطيات على جذاذات (بطاقات) مستقلّة من المصادر مباشرة، مع الاستعانة بأنظمة الحاسوب الآلي وأقراص الخزن باللغتين الفارسيّة والعربيّة على قدر ما تسمح به الإمكانات، ثمّ جمعنا النصوص المتشابهة حيال الموضوع الواحد، وسعينا بعدئذٍ إلى انتخاب أكثر هذه النصوص وثاقة، وفرز ما هو أقدمها وأكثرها شمولاً.
                            لقد حرصنا على أن تأتي النصوص المنتخبة من أوثق الكتب الحديثيّة والتاريخيّة وأهمّها. لكن ينبغي أن نسجّل أنّ وثاقة النصوص والنقول في البحث التاريخي تختلف اختلافاً بيّناً عمّا هي عليه في النصوص والنقول الفقهيّة؛ فمن الواضح أنّ ذلك التمحيص الذي ينصبّ على سند الرواية الفقهيّة، لا يجري بنفسه على البحوث التاريخيّة.
                            فما يستدعيه البحث التاريخي أكثر؛ هو طبيعة النصّ (الوثيقة) ومدى ثباته وسلامته، وهذه غاية يبلغها الباحث باستخدام قرائن متعدّدة.
                            في رؤيتنا أنّ النصّ أو النقل الموثّق - فقهيّاً كان أم تاريخيّاً - هو الذي يكون موثوقاً يبعث على الاطمئنان، حتى لو لم يحظَ بسند ثابت وصحيح. نسجّل ذلك رغم انتباهنا لأهميّة السند الصحيح والموثّق في إيجاد الاطمئنان.
                            وينبغي أن نُضيف أيضاً إلى أنّ الوثوق السندي في النصوص التي تستند إلى المصادر الحديثيّة والتاريخيّة للفريقين (الشيعة والسنّة) لا يمكن أن يكون ملاكاً كاملاً وتامّاً؛ إذ من الواضح أنّ لكلّ فريق رؤيته الخاصّة في تعيين «الثقة» و«غير الثقة»، كما له مساره الخاصّ ونهجه الذي يميّزه في الاُصول الرجاليّة.
                            الكلمة الأخيرة على هذا الصعيد تتّجه إلى طبيعة الملاك الذي انتخبناه؛ ففي عمليّة جمع النصوص وفرزها عمدنا بالإضافة إلى ما بذلناه من جهد في توثيق المصدر والاهتمام بالسند، إلى مسألة نقد النصّ كي يكون هو الملاك الأهمّ في عملنا. وفي هذا الاتّجاه سعينا إلى بلوغ ضرب من الاطمئنان من خلال تأييد مضمون النصّ بالقرائن النقليّة والعقليّة، كي يتحوّل ذلك إلى أساس نطمئنّ إليه في ثبات النصّ.
                            على هذا لم نلجأ إلى الأحاديث المنكرة حتى لو كان لها أسانيد صحيحة. وإذاما اضطرّتنا مواضع خاصّة لذكر نصّ غير معتبر؛ فإنّنا نعطف ذلك بإيضاح ملابسات الموضوع.


                            4 - التحليل والتصنيف

                            يلتقي الباحثون على صفحات هذه الموسوعة، والمتشوّفون إلى سيرة عليّ(عليه السلام) ومعارفه مع سبعة آلاف نصّ تاريخي وحديثي تدور كلّها حول الإمام.
                            لقد سعى هذا المشروع إلى أن يقدّم عبر الأقسام والفصول مجموعة من التحليلات والنظريّات التي تتناسب مع المادّة، وأن يخرج من خلال تقويم النصوص بإلماعات مهمّة في مضمار التاريخ والحديث.
                            إن القارئ سيواجه على هذا الصعيد نقولاً مكثّفة تصحب فقه الحديث نأمل أن تأتي نافعة مفيدة.


                            5 - رعاية متطلّبات العصر وفاعليّة المحتوى

                            ليست «موسوعة الإمام عليّ» كتاباً تاريخيّاً محضاً يُعني بالنصوص والوثائق التاريخيّة التي ترتبط بحياة الإمام أميرالمؤمنين(عليه السلام) ، كمالم نكن نهدف أن نقدّم ترجمة صرفة نزيد بها رقماً جديداً على التراجم الكثيرة الموجودة. بل أمعنّا النظر إلى الواقع المُعاش، وركّزنا على المتطلّبات المعاصرة ونحن ننتخب العناوين ونملأ النصوص التي جاءت تحتها.
                            وحرصنا على أن تأتي هذه «الموسوعة» مجموعة متكاملة موحية، تهَب الدروس، وتبثّ العبر من حولها، وتلامس حاجات العالم الإسلامي، وتؤثّر في عقول الباحثين، وتُعين الشباب، وتمنح اُولئك الذين يرغبون أن تكون لهم في سيرة عليّ(عليه السلام) اُسوة في واقع الحياة؛ تمنحهم المثال المنشود.
                            كما أردنا ل «الموسوعة» من خلال سيرة الإمام أميرالمؤمنين(عليه السلام) أن تفتح أمام البصر الإنساني مغالق الطريق، وأن تُعين في تذليل العُقَد الفكريّة والعقيديّة والسياسيّة.
                            على أنّ أكثر أقسام هذا المشروع نفعاً وتأثيراً هي تلك التي أضاءت النهج العلوي، وأسفرت عن مرتكزاته في مختلف مجالات إدارة الاجتماع السياسي، وتسيير الحكم والتعامل مع المجتمع. فهذه الأقسام هي في صميم حاجة قادة البلدان الإسلاميّة، بالأخصّ العاملين في نطاق نظام الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران.
                            فهذه الأقسام جسّدت على منصّة الواقع الحياةَ السياسيّة والاجتماعيّة للإمام، وأومأت ببنانٍ لا تخطئه عين إلى الواقع الحقيقي لكفاءة ذلك السياسي الواقعي، الذي ليس له مأرب من تنفيذ السياسة غير الحقّ.
                            ف «الموسوعة» إذاً ليست صفحات في بطون الكتب، بل هي من الحاضر في الجوهر، ومن الواقع اليومي في الصميم. من هذه الزاوية هي خليقة بالقراءة والتفكير والتأمّل، وجديرة بالعمل.


                            6 - الإبداع في التدوين والتنظيم

                            لقد صُمّمت مطالب «الموسوعة» وموضوعاتها في إطار هيكليّة هندسيّة خاصّة، بحيث يكون بمقدور الباحث أن يكون في صميم السياق العام للكتاب بمجرّد إلقاء نظرة عابرة، وبشي‏ء من التأمّل يعثر على ما يريد.
                            فقد اختيرت العناوين بحيث تُسفر عن محتوى الأقسام والفصول، وتستوعب جميع النصوص الموجودة. بيد أنّ الأهمّ من ذلك أنّها حرصت على أن تجي‏ء تلك العناوين حول السيرة العلويّة البنّاءة، وهي تعبّر عن مثال يُحتذى وتعكس اُسوة يمكن الاقتداء بها.
                            بهذا جاءت العناوين واقعيّة وليست انتزاعيّة محضة، كمالم تأتِ مغلقة مبهمة.


                            7 - إيضاحات الهوامش ومزايا اُخرى

                            لكي يستغني الباحث الذي يراود هذه «الموسوعة» عن العودة إلى المصادر الاُخرى في المسائل الفرعيّة، وحتّى يشقّ طريقه إلى مبتغاه بيسر، جاءت إيضاحات الهوامش تضمّ ترجمة للأشخاص وتعريفاً بالأماكن وبياناً للنقاط الغامضة التي تكتنف النصوص، مع شرح موجز للمفردات الصعبة. وقد تمّ تعزيز ذلك كلّه بخرائط مؤدّية تعكس الأمكنة والمواقع التاريخيّة بدقّة، عكف على تصميمها متخصّصون.


                            8 - أدب التكريم

                            عند نقل النصوص؛ إذا ماكانت تلك النصوص مسندة إلى رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) وأهل بيته(عليهم السلام) يُذكر الاسم مع النقل، وعند ذكر النبيّ يُشفع بصيغة (صلى اللّه عليه وآله وسلم) ، في حين يشفع ذكر كلّ واحد من أئمة أهل البيت(عليهم السلام) بصيغة (عليهم السلام) تكريماً لهذه الأسماء المقدّسة والذوات المعصومة، حتى لو لم تحوِ النصوص في مصادرها الأصليّة هذا التكريم.
                            أمّا إذا كانت النصوص عن غير النبيّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم) وأهل بيته(عليهم السلام) فعندئذٍ نكتفي بذكر المصدر فقط في بدء النصّ.


                            9 - أخلاقيّة الكتابة

                            حرصت «الموسوعة» على أن تلتزم في كتاباتها الأدب العلمي بدقّة، وتراعى اُصول البحث في مداها الأقصى.
                            إنّ من يتأمّل تاريخ الإسلام بعمق، ويرمي ببصره تلقاء مصنّفات مختلف علماء النِّحَل في دائرة الثقافة الإسلاميّة، يلمس كم احتوى ميراث اُولئك - قدماء ومحدثين - من ظلم للتشيّع، وأيّ حيف أصاب قمّته العلياء الشاهقة!
                            كما يدرك الصدود الذي أحاط إمام المجاهدين، وما نزل بصحبه الأبرار الذين أخلصوا له الولاء، سواء عن طريق كتمان الحقائق أو من خلال قلب وقائع التاريخ.
                            هذه اُمور جليّة لم تخف على أحدٍ، يعرفها جميع باحثي التاريخ الإسلامي، كما نعرفها نحن أيضاً، وقد تبدّت أمامنا بأبعاد مهولة عند كتابة «الموسوعة».
                            بيد أن ذلك كلّه لم يجرّنا إلى موقف مماثل عند تدوين «الموسوعة» لا بدءاً، وتأسيساً، ولا بصيغة الردّ بالمثل. فهاهي ذي التحليلات والإيضاحات ووجهات النظر والمداخل نقيّة لم يشبْها لوث، وهاهو ذا القلم عفّ ولم يهبط قط إلى الشتيمة ولغة التجريح والكلام النابي وكَيل التُّهم والمطاعن.
                            وفي الحقيقة جعلنا المشروع يفي‏ء بجميع أجزائه في ظلال «الأدب العلوي»؛ هذا الأدب الذي يأخذ مثاله الرفيع مما علّمه الإمام أميرالمؤمنين(عليه السلام) صاحبيه حجر بن عدي وعمرو بن الحمق. فهذان الحواريّان يتوقّدان عزماً، ويفيضان رسوخاً، وهما مملوءان حماساً وغيرة؛ فأنّى لهما أن يصبرا على أباطيل العدوّ وزخرفه، وما صار يستجيشه من ضوضاء هائجة؟
                            لقد راحا يدمدمان بألسنتهما ضدَّ العدو، فما كان من أميرالمؤمنين(عليه السلام) إلّا أن علّمهما أدب المواجهة، فقال لهما بعد أن ذكّرهما بأنّهم على الحقّ وأن عدوّهم على الباطل:
                            «كرهت لكم أن تكونوا لعّانين؛ تشتمون وتتبرّؤون، ولكن لو وصفتم مساوئ أعمالهم فقلتم: مِن سيرتهم كذا وكذا، ومِن عملهم كذا وكذا، كان أصوب في القول، وأبلغ في العذر»(7).
                            واضح إذن أنّ ذِكر شخص وفعاله وتحليل سلوكه، أو تسليط أضواء كاشفة على ما يلفّ فعال بعضِ مَن تنكّب عن الحقّ والصواب وما صدر عنه من سلوك شائن- لا يمكن أن يُعدّ إساءة نابية، بل هو من الوعي التاريخي والدفاع عن الحقّ بالصميم. ومن ثَمّ إذاما احتوت «الموسوعة» شيئاً من هذا فهو تعبير عن واقعٍ لا أنّه ينمّ عن إساءة جارحة.
                            ومع ذاك سعينا أن ننظر إلى المسائل برؤية الاُسلوب التحليلي والبحث العلمي وليس من خلال العناد والتعصّب الأعمى المقيت. ومِن ثَمّ لم يتمّ التوهين بمقدّسات أيّ نحلة، ولم نطعن بشخص قط.
                            على هذا نأمل أن تجي‏ء «الموسوعة» خطوة على طريق التقريب بين المذاهب، وأن يكون شخوص «الأدب العلوي» وتبلوره فيها سبباً لانتفاع الجميع، ويهيّئ الأجواء لوحدة كلمة المؤمنين.


                            شكر وتقدير

                            حيث شارف هذا المدخل على نهايته، ولمّا يُمسِك القلم بعدُ نبتهل - مرّة اُخرى - إلى اللَّه سبحانه ضارعين بقلوب مفعمة، بالشكر والثناء على ما أنعم به من تيسير كريم وفضل جسيم، وما امتنّ به من توفيق عظيم لهذه الخدمة العلويّة الجليلة.
                            كما نوجّه شكرنا وثناءنا إلى كلّ جهد كريم شارك في هذا المشروع في إطار مختلف المجاميع، وكان له سهم في التأليف والتحقيق والتخريج، وفي الطباعة والتصحيح والتدقيق، ونخصّ بالذكر الباحثَين الكريمَين الجليلين السيّد محمّد كاظم الطباطبائي والسيّد محمود الطباطبائي نژاد، اللذين بذلا جهوداً مخلصة مشكورة في تدوين هذه المجموعة، وكانا معنا رفيقَي درب في هذه الرحلة الممتدّة من عام 1413 ه'. كما نشكر الاُستاذ الفاضل الشيخ محمّد علي مهدوي‏راد الذي أعاننا على تهيئة البيانات والتحليلات.
                            وأتقدّم بشكري الخالص وثنائي الجزيل أيضاً إلى مسؤول قسم تدوين الموسوعة في مركز دراسات دار الحديث المحقّق العزيز الشيخ عبد الهادي المسعودي، الذي بذل جهداً محموداً في تنظيم الصيغة الأخيرة وإعداد العمل وإنجازه في الموعد المقرّر.
                            إلهي..
                            اجعلنا في حزب عليّ(عليه السلام) الذي هو حزب رسول‏اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) ، واكتبنا في المفلحين الفائزين.
                            واجعلنا في صفّ جنودك المحبّين لك الوالهين بك، وفي عداد حماة دينك، المنافحين عن نقاء الفكر الإسلامي، و صُن ألسنتنا وأقلامنا من الزلل، وأقِلْها من العثرات والباطل، واجعل ما نكتب ونقول خدمة لغايات الحكم العلوي، وأرضاً صلبة توطئ إلى الحكومة العالميّة لوليّ اللَّه الأعظم الإمام المهدي(عليه السلام) .
                            وآخر دعوانا أن الحمد للَّه ربّ العالمين، وصلّى اللَّه على سيّدنا ونبيّنا محمدٍ وآله الطاهرين.
                            محمد محمّدي الرَّيشَهري‏
                            ربيع الثاني 1421 ه

                            --------------------------------------------------------------------------------
                            1) أطلق قائد الثورة الإسلاميّة آية اللَّه السيّد الخامنئي - حفظه اللَّه تعالى - على العام الإيراني الحالي (1379 ه'.ش) «عام الإمام عليّ(عليه السلام) » و «عام الولاية»؛ وذلك لحلول عيد الغدير فيه مرّتين؛ فبداية العام الحالي في 13 ذي الحجّة 1421 ه'. ق، ونهايته في 24 ذي الحجّة 1422 ه'. ق، فيكون يوم الغدير (18 ذي الحجّة) قد حلّ في الشهرين الأوّل والأخير من هذا العام.
                            2) نهج البلاغة: الخطبة 17، الكافي: 8/67/23
                            3) جاءت هذه الألفاظ في نصوص مختلفة، ويمكن أن يكون المقصود فيها واحداً.
                            4) قوله سبحانه: (قَالَ الَّذِى عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَبِ أَنَا ءَاتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَءَاهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّى) (النمل: 40).
                            5) الصفّ: 8.
                            6) باستثناء النصوص التي يقع بينها اختلاف أساسي، أو أن يكون النصّ المكرّر حاوياً لنقطة مهمّة، أو متضمّناً فكرة جديرة بالذكر.
                            7) وقعة صفين: 103.

                            تعليق


                            • #15
                              الإهداء



                              يا بقيّة اللَّه.. يا سليل رسول‏اللَّه.. ويا حبيب فاطمة الزهراء وعليّ المرتضى.
                              سيّدي.. يا من ذكرك يجعل القلب يفيض بحبّ الجمال، ويشدو صوب المكرمات، ويتطلّع إلى العدل والخير.
                              إيهٍ «يا شمس المغرب»، ويا من التفكير بغاياتك الشاهقة النبيلة، مطالعَ نور تتفجّر براكينَ حماسةٍ وإيمان.
                              إيهٍ «يا من يملأ الأرض عدلاً»، ويا من ظهورك تتويجٌ لغايات النبيّين، وحضورك تأسيس ل «يوم الخلاص» الموعود.
                              يا آخرَ أمل أنتَ، ويا أغلى هبات السماء، يا من اسمك يملأ النفوس أملاً، وَذكرك ينثر على العاشقين عطراً روحيّاً فوّاحاً، يجذبهم صوب الشمس.
                              بعد سنوات طويلة من الجهد المثابر الخاضع الدؤوب، وحيث تمّت صفحات هذا الكتاب وهي تتضوّع في كلّ جزءٍ جزءٍ باسم عليّ بن أبي‏طالب رمز العدالة الشاهق، ومثال الحقّ والإيمان النابض، هاأنا أرفع بضاعتي المزجاة، وأتطلّع إليك - يا أيّها العزيز - بكفٍّ ممدودة ملؤها الرجاء.
                              أهتفُ وأقول، بخشوع آسر ودمع هطول:
                              سيّدي.. أيها اللواء المنشور
                              والعلم المركوز
                              يا مَظهر الرحمة الفيّاضة، والحنان الكبير
                              يا ملاذ أهل الضرّ والبلوى، وصريخ المكروبين‏
                              يا سَطْعة نور متفجّر في وهدة الدَّيجور
                              ويا شمساً طالعة في اُفق الوجود.
                              تقبّل - سيّدي - هذه الهديّة المتواضعة، وحفّها منك بنظرة رعاية كريمة، واجعلنا من المشمولين بضراعاتك، وحقّق لنا أمل الوصال، وأذقنا طعم اللقاء.

                              تعليق

                              المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                              حفظ-تلقائي
                              x

                              رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

                              صورة التسجيل تحديث الصورة

                              اقرأ في منتديات يا حسين

                              تقليص

                              لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

                              يعمل...
                              X