إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

حبيبة دهري.. امي

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • حبيبة دهري.. امي

    الأم ، كلمة لا يستطيع القلم كتابتها ، و لا تستطيع الأوراق حملها ، لقد ملكت تلك الكلمة فؤادي ، و غرست بين أحشائي ، فسلبتني عقلي و روحي ، ثم دخلت و بدون استئذان قلبي ، فأصبح بيتها الكبير الذي تجد فيه كل ما تحب و تريد ، فكل ما تحتاجه موجود ، إن أرادت الدفء ستجده في قلبي ، و إن أرادت الراحة فستجدها أيضا ، و لكنها إن أرادت الحب فلن تجده في قلبي ، لأن ما أحمله لها أكبر من معنى الحب ،و على هذا الأساس قدمت استقالتي من الحب ، و راجعت نفسي ثم قدمت روحي لأحاسيسي ، فهي الوحيدة التي تعرف مشاعري و ما أحمل ، و هي من حثني على الاستقالة من الحب ، و شجعتني على تقديم الولاء لها ،و فعلا خضعت لمشاعري و نكست رأسي لها ، و كان نتيجة ذلك توفيق من الله رب العالمين تبارك و تعالى .
    فقد سئلت يوما عن سبب هذا التوفيق ، وكانت إجابتي و بدون تفكير ، الأم ، فهي السحر الذي أعطى وجودي ، و أعطاني من الدنيا نصيبا ، فأنا ما عشت إلا من لقاها ، و لولاها لما كنت الحبيبا .
    فلا أبالغ عندما أقول أنها سبب وجودي ، فلولاها لما كنت على هذه الدنيا و ما كنت لأعيش ، ففي علوم الأحياء ، لا يستطيع الإنسان أن يستغني عن الهواء لمدة تزيد عن النصف ساعة ، و في علوم فؤادي فأنا لا أستطيع أن أفارقها، أو أن أستغني عنها لما يزيد عن النصف ساعة ، و بالمقارنة تكون هي هوائي الذي أتنفسه ، فلولاها لكانت الحياة دمارا شاملا ، لأنها مالكة القلوب و النفوس ، و مالكة الدنيا .
    فحتى دمائي ، بدني ، قدمي ، يدي ، عيني ، أذني ، فمي ، و كل ما هو متعلقٌ بي يهتف دوما باسمها ، و لا يمكنه التخلي عنها .
    فدمائي لا تستطيع السير إلا بإذنها ، و بدني يهزل إذا ما ذكر اسمها ، و قدمي لا تمشي إلا بأمرها ، و هي من يساعد يدي على التحرك و الكتابة ، و عيني ترى سرابا إذا ما رأتها ، و فمي لا يعرف النطق إلا بعد أن ينطق باسمها ، و أذني لا تسمع شيئا حتى يرن صوتها و تسمعه.
    إذا، فهذه هي جوارحي ، و هذه أعضائي ، لا تستطيع التخلي عنها و لا للحظات ، و إذا حصل و تخلى يوما أحدها عن أمي ، فقد حكم ذلك العضو على الجسد و الروح بالإعدام ، و أعلن عصيانه عن دار الدنيا ، ثم تنتقل أعضائي و أحشائي تحت التراب ، و تنتقل روحي إلى موطن يفتقد الحياة .
    و ما ذكرت ،اعلم انه لا يليق بمقامها ، فمقامها أكبر من أن تحتويه الأوراق ، أو أن تكتبه الأقلام ، فهي الشمعة التي لا تنطفئ رغم العوائق ، فهيهات أن يطفئها شيء ، و حتى من قال الممات ، فهو أيضا لن يطفئها، فهي ليست كالشموع ، لأنها شمعة مقلتي ، و مقلتي لا تخدعاني إذ انهما يعكسان صورة طبيعية نقية عما يجول في فؤادي .
    ولم اشعر يوما بالظلام لأنها نور دربي ، و نور الدياجي و الغسق ، ولا أستطيع تخيل وضعي و حالي ارقد يوما دون أن اكحل ناظري بتأمل نورها ، أو أن أتذوق من العسل المصفى الذي تصبه من ريقها ، و لا أتصور الحياة بالاستمرار لو رحلت، فقد سرت لي هذه الحياة سرا بيني و بينها ، و هو إن رحلت يوما أمي عن دار الدنيا و استقالت من الحياة ، ثم إن نجمها غاب ، ستغير اسمها من حياة إلى جحيم ، ثم أنها ستدفن نفسها تحت الثرى حتى تكون قربها . و وعدتها بألا أفشي سرها و اني سأحفظه بجوارحي للأبد .
    إذا يا أوراقي ، رأيت أن الحياة الدنيا لم تتحمل أن تفارقها يوما ، فما حالي أنا التي رأت النور في عينها ، و الدفء الذي تمنحي إياه عند حاجتي إليه ،لذا فعند رحيلها سيفقد العالم أغلى شمس، و أن كسفت سيفقد النور العظيم الذي جعله الله ضياءاً في كل درب، و أسفي عليه إذ سيعيش في دجى ، بالليل و النهار ، فلن يكون هناك نهارا ، أما أنا فلأني سأرحل معها ، سأبقى دوما قرب دفئها و لن ابتعد عنها ، فقد أوصيت روحي ، إن فارقتني حبيبتي ، تعلن عصيانها التام عن العيش و ألا تستنشق الهواء ، حتى تنتقل معها ، و أوصيت أقربائي أن ادفن قربها ، حتى تؤنسني في وحشتي و وحدتي .
    و بما أن الحياة وثقت بي و ساقت لي سرها ، فقد أحببت أيضا أن افتح لها قلبي و اخبرها بكلمات كتبت من قلبي عن طريق يدي ، و خجلت أن أصارح حبيبتي أو أن أقدمها لها ، فسقت للحياة كلمات آخذ رأيها بها إن كانت تليق بمقامها ، و كانت لمحة من الخواطر و فيها مخاطبة حبيبة احرفي و أمي قائلة :
    لأنني لا احسن السباحة ، بقيت قرب شواطئك أمي ، و لأنني أخشى الغرق ، وقفت أتأمل من بعيد بحرك الكبير ، و لكي أبقى مفهوما ، لم اقتحم الأمواج .
    حبيبتي ، ما تزال ذاكرة الطفولة تتألق بمشاهدك المضيئة ، و ما تزال روحي تزخر بتكسرات النور فوق مرايا قبابك البهية ، و لا تزال عيناي مفعمتين بوميض مصابيح منائرك السامقة .
    أمي ، تحطم قلبي ، و لا زلت عاجزا عن التعبير عما يموج في أعماقي المضطرمة ، و كلماتي نفذت ، و لم تنفذ معانيك و لن تنفذ .
    أنيسة روحي ، لا تؤاخذيني ، فمن شيمتي التقصير ، و من فضائلك العفو .
    دعيني يا منيتي أضع كفي في كفيك عل الجمر يبرد ، دعيني اطف بالسدرة الخضراء في المأوى و أبعد ، دعيني أشمك و اخلد ، دعيني اردد اسمك الحلو المجرد ، دعيني اردد ، يا أمي ، يا سلوة روحي , احبك !
    ثم ختمت بذلك كلماتي , و سالت قطرات من الدموع على وجنتي ساخنة ، و ذلك إعلان من مقلتي أنها متأثرة بما قيل عن الام . و سألت الحياة عن رأيها و هل تستحقها أمي ، أم لم أوفي بالمضمون ، و كانت إجابتها أنها معجبة بأسلوبي و إحساسي ، و شكرت يدي على ما قدمت ، و لكنها صارحتني إن الكلام عنها قليل ٌ ، فهي لا تستحق كلاما ، إنما تستحق فعلا و إحساسا ، ثم غيرت رأيها و قالت لي بأن الام لن يوفيها ما بالقلب فهو قليل، فطريقة التعبير على هذه الأرض يتمثل باللسان ، و اللسان لن يستطيع البوح بكل ما في القلب و لن يفهم كل المشاعر ، فافتحي لها قلبك و دعيها تقرأ لعل جمرك يهدأ و كانت تلك مسامرتي للحياة عندما اقبل الليل .
    و باتت هذه المشاعر تعبر عما يحمل الفؤاد و يعبر عن معنى الكلمة التي يناديها الناس أمي، و التي تكونت من ثلاثة حروف و لكن الأقلام عجزت عن كتابتها و عذرتُها ، و عجز العالم عن التعبير عن حبها ، ثم انه سئم أيضا من الحديث عنها دون أن يوفي حقها .
    فكأنني أجد نفسي مخاطبا القمر ليلة عنها ، منظما أحلى القصائد و الأشعار و الخواطر في حبها و لأجلها ، ثم انتابني شعور إنني أريد أن احكي للقمر غيرتي عليها قائلا له ، أيها القمر العظيم ،اني أغار على أمي من الهواء ، فأنا أغار منه عندما يداعب وجنتي أمي إذا هب في وجهها ، و أغار عليها حتى من كوب الماء عندما يلثم شفتيها ، فكأن قلبي ينطق عندما يرى تلك المشاهد قائلا ، ليتني كنت نسمة من الهواء حتى أداعب وجنتيك الحمراء ، و ليتني كوبا من الماء حتى الثم شفتيك آخذا منه العسل ، و كأن بالقمر قد تغير لونه و ظهرت علامات الخجل عليه ، فغابت طلته و مضت الأيام دون أن يظهر ، فتسائل العالم اجمع عن سبب تلك الغيبة ، و هو القمر ، الذي بدى على مر العصور واثقا من نفسه ، طالعا بالليل مزينا السماء الزرقاء باللون الأبيض الساطع من قسماته ، فجاءني متخفيا ذات ليلة ، فسلمت عليه و سألته عن سبب الغياب ، و أجابني باكيا و دموع عينه خلتها شلال من الدماء ، انه و على مر تلك العصور يظهر في كل ليلة ليزين السماء و هو واثق كل الثقة من نفسه و انه الأجمل رغم كل شيء ، و بعد أن حدثته عن أمي تغير حاله و غير رأيه فرأى أن الدنيا لا تكتمل إلا بزينتها ، و انه لا يتزين إلا لها ، فخجل من نفسه من الطلوع و هي الأجمل و الأنقى ، و هي من حمّله صفة البياض ، و هو قد غاب إنما ليبحث عن تلك الكلمة ليضعها مكانه و ينصبها قمرا للبشرية ، فمقامها الأعلى ، و لكني تعجبت من كلامه ، و أجبته بأن الام التي يبحث عنها لينصبها قمرا ، هي بالأصل قمر في عيني ، و في عين كل ولد ، و أيضا ، فتلك الام لم تفعل ذلك إنما لأجر ، بل لأجل أبنائها و أجيالها ، فهي إن ضاق بك العلم يا قمر، الزهرة الناصعة البياض التي تنثر عطرها و بلا اجر تطالب به ، سوى أن تبقي أبنائها في المقدمة .
    فهل عرفت أيها القمر انك الوحيد الذي تستحق مكانتك و أنها اكبر من أن نتصب قمرا.
    فكل لسان قد خلقه الله تبارك و تعالى على وجه الأرض ، و كل يد في كل عهد و زمن لا يستطيع أن يملأ كأسها من الكلام أو الحنان،أو أن يوفي قدرا مما تستحق .
    فكفى بالحبيب محمد_ص_ قائلا أن الجنة التي يحلم بها كل مسلم تحت أقدام الأمهات ، و كفاها شرفا و قدرا أن تذكر ثلاث مرات على لسانه صلى الله عليه و اله و سلم ، و كفى بالأمم فخرا أن تكون لهم النبع الذي لا ينضب . فكفى بك يا كتاب ثرثرة دون جدوى ، فيا أوراق تشققي ، و يا أقلام جفي لعظمتها ، و انحني يا دنيا إجلالا لها ، ثم يا نفس اسكتي و لا تتكلمي عن ذاتها ، فقد عجزت ، و لن يجف بحرها العظيم ، و أخيرا أيها الشعر صهٍ فالمقام مقدسٌ، فاصمت، فصمتك من مقالك اشعرُ .

  • #2
    مشكوره اختي لهذا البوح الرائع.وجميل ماكتبتي.وقليل هذه الكلمات في حق الام
    فلو سطرنا كتبا واوراقا لم نوفي ولو جزء بسيط من حقهااا
    فالى كل ام حملت وارضعت كل الشكر والتقدير وورودا معطره بالحب الى شخصها الرائع

    دمتي سالمه اختي وسلم بوووحك وقلمك

    تعليق


    • #3
      السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...

      أشكرك أختي على هذه الكلمات الرائعه.... بل الأكثر من رائعه..
      جعله الله في ميزان حسناتك..

      أختك: الأوحديه

      تعليق


      • #4
        مشكورة أختي على هذه الكلمات الجميلة .. والعبارات الرائعة

        أختك حنين

        تعليق


        • #5
          فكفى بالحبيب محمد_ص_ قائلا أن الجنة التي يحلم بها كل مسلم تحت أقدام الأمهات ، و كفاها شرفا و قدرا أن تذكر ثلاث مرات على لسانه صلى الله عليه و اله و سلم ، و كفى بالأمم فخرا أن تكون لهم النبع الذي لا ينضب . فكفى بك يا كتاب ثرثرة دون جدوى ، فيا أوراق تشققي ، و يا أقلام جفي لعظمتها ، و انحني يا دنيا إجلالا لها ، ثم يا نفس اسكتي و لا تتكلمي عن ذاتها ، فقد عجزت ، و لن يجف بحرها العظيم ، و أخيرا أيها الشعر صهٍ فالمقام مقدسٌ، فاصمت، فصمتك من مقالك اشعرُ .




          رائع أختي العزيزة

          رائع جدا

          تسلمين

          تعليق


          • #6
            القلم يكون له طعم خاص عند الحديث عن الأمومة .
            شكرا على هذه الكلمات الأدبية الجميلة.
            تلميذكم : بو غازي

            تعليق


            • #7
              ابنتي الفاضلة
              السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

              ها قد وصل والدك متاخر وهو في غتية الفرح والسرور لعودتك للمشاركة معه في منتديات يا حسين المباركة.

              كعادتك لا تعودين الا بما يسعد القلب من الكلمات التي تشبه في معانيها شذا الزهور وفي اماني صاحبتها الامل في ان تلاقي كلماتها استحسان الاحباب لأنها كتبت في احب الناس بعد الله واهل البيت الى القلب وهي الام التي
              لا يقبل الله عبادة العبد الا برضاها .
              ابنتي الكريمة قبولك باستحسان من يبحر في كلماتك يعد اجحاف في حقك لان حقك وحق كلماتك هو أن يعلن كل من كحل عيناه بحروفها أن ينحني اجلالاض لقدرك وقدر الام الحنونة التي كان لتربيتها عليك اطيب الاثر.
              فاقبلي تحياتي واوصليها لوالدتك التي علمتك هذا الحب و الحنان.
              تحياتي القلبية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

              تعليق


              • #8
                والدي العزيز
                اشكرك على مكل ما تقدمه لي من تشجيع يزيدني على الكتابة
                و هذا قليل جدا في فضل امي الحبيبة التي لا يسع للسان ان يتقدم بربع ما اكنه لها
                و لكن هذا ما تطيب به النفس و يزخر به الخاطر و هذا ما يستطيع القلب كتابته و ما تستطيع اليدين حملها
                و كرا مرة اخرى على هذا التشجيع

                تعليق


                • #9
                  كلمات رائعة

                  تعليق


                  • #10
                    "الحنفيه انفتحت ومين يقدر اسدها ""
                    لم استطع الا البكاء
                    فعشقي الأكبر امي
                    كم هي جميله هذه الكلمات
                    وبالخصوص هذه صحيح حركت فيي احساس الغيره
                    شكرا
                    شكرا
                    شكرا
                    على هذه الكلمات


                    ، أيها القمر العظيم ،اني أغار على أمي من الهواء ، فأنا أغار منه عندما يداعب وجنتي أمي إذا هب في وجهها ، و أغار عليها حتى من كوب الماء عندما يلثم شفتيها ، فكأن قلبي ينطق عندما يرى تلك المشاهد قائلا ، ليتني كنت نسمة من الهواء حتى أداعب وجنتيك الحمراء ، و ليتني كوبا من الماء حتى الثم شفتيك آخذا منه العسل
                    شكرا
                    شكرا
                    شكرا
                    على هذه الكلمات

                    تعليق


                    • #11
                      احسنتي اختي العزيزة على ماخطته يمينك المباركة

                      لاحرمنا الله من تواجدك المبارك

                      تحياتي

                      تعليق


                      • #12
                        بسم الله الرحمن الرحيم
                        اللهم صل على محمد و اهل بيته الطيبين الطاهرين
                        شكرا جزيلا على هذا الدعم و التشجيع
                        و فعلا ان امي الحبيبة تستحق هذا و اكثر منه ايضا ..
                        فحبها بين الاحشاء و الروح

                        تعليق

                        المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                        حفظ-تلقائي
                        x

                        رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

                        صورة التسجيل تحديث الصورة

                        اقرأ في منتديات يا حسين

                        تقليص

                        لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

                        يعمل...
                        X