التعليم الإسلامي بهولندا بين مطرقة الإعلام وسندان الدولة - 2
كتابات - التجاني بولعوالي
التعليم الإسلامي في مواجهة الحرب الإعلامية، برنامج (نوفا) نموذجا
انشغلت الساحة الإعلامية الهولندية في السنوات الأخيرة، بملف قديم/جديد يتعلق بالمدارس الإسلامية في هولندا، بغض النظر عن العديد من التقارير والمقالات والتحاليل والبرامج الصحافية التي تعرضت طوال العقدين الأخيرين لهذه القضية، وذلك منذ تأسيس وتدشين أول المدارس ذات الطابع الإسلامي، فإنه يمكن اعتبار برنامج (نوفا) التلفزيوني الذي تبثه إحدى القنوات الهولندية الذائعة الصيت، وهي القناة الأولى، هو المسؤول الأكبر عن خلق زوبعة إعلامية حول مدى جدوى أو ضرر ما تقدمه المدارس الإسلامية داخل هولندا، وقد سبق لهذا البرنامج وأن تعرض لملف آخر يخص الإمام المغربي خليل المومني، ولا زالت تداعيات هذا الموضوع قائمة وبقوة داخل أوساط الرأيين الرسمي والعام الهولنديين.
وقد انبنت أطروحة هذا البرنامج على نقطتين أساسيتين؛ أولهما هي أن عددا كبيرا من هذه المدارس تتلقى دعما ماديا من جهات أصولية أجنبية متشددة، وأخراهما أن هذه المدارس تقدم ضمن برنامجها الدراسي أفكارا إسلامية متطرفة، تشجع على كراهية الغرب وغير المسلمين، ويدعي أنه يملك أدلة موضوعية قاطعة على هذه الاتهامات الموجهة إلى هذه المؤسسات التعليمية.
ويبدو أن هذا الملف لا يمكن فهمه وتفسيره إلا في إطار عام يراعي التوجهات والمعطيات السياسية والأيديولوجية والثقافية الراهنة التي بدأ العالم يشهدها، حيث أصبح الإسلام، كما هو معروف، بكل مكوناته هو ذلك الجسد العاري والغريب! الذي تصوب إليه نبال الإساءات وسهام الاتهامات، دون نسيان الأجواء السياسية العامة التي تطبع الساحة الهولندية، حيث التصعيد اللا مشهود ضد كل ما هو إسلامي، من قبل سواء كثير من الأطراف السياسية والحزبية أم الوسائل الإعلامية، وخلف كلاهما يتخفى اللوبي الصهيوني الذي يحاول بشتى الأدوات الدعائية والقانونية تشويه سمعة المسلمين، والتنقيص من قيمة الإسلام، باعتباره أداة إجرامية لزرع الإرهاب، ودرء سلم العالم وطمأنينة الإنسان. في ظل،إذن، هذه الأجواء العامة الملغومة، يمكن إدراج هذا الملف الذي يجدد من خلاله الإعلام الهولندي خاصة، أن ثمة خطرا إسلاميا محدقا بالوجود الغربي وفي عقر داره، ليبرر اتهاماته المتكررة للإسلام، وما ذلك إلا مشهد مصغر للمواجهة الحضارية الدائرة رحاها بين الإسلام والغرب.
هكذا، يقرر برنامج (نوفا) أنه قام ببحث مدعم بجميع الإمكانات المتاحة، داخل أوساط المؤسسات التعليمية الإسلامية، خصوصا الابتدائية منها التي تتوزع على مختلف المدن الهولندية، فاكتشف أن أكثر من ثلثها (كل عشرة مدارس من ثلاثة وعشرين) تضمن برامجها الدراسية أفكارا إسلامية متشددة ومعادية للغرب ولغير المسلمين، كما أنها تتلقى إعانات مالية من جهات إسلامية أصولية خارجية منها السعودية. غير أن البحث الأخير الذي قامت به وزارة التعليم حول المدارس الإسلامية، يدحض بشكل جلي أطروحة هذا البرنامج، بل ويتفاءل كثيرا للمجهود الذي تبذله هذه المدارس في خدمة المجتمع الهولندي، عن طريق تحفيز التلاميذ على الاندماج الإيجابي في المجتمع، عن طريق احترام غير المسلمين، ونشر ثقافة السلم الاجتماعي وغير ذلك، باستثناء مدرسة واحدة - لم يسمها تقرير وزارة التعليم- تحث تلاميذها على التحفظ من المجتمع الهولندي، وفي هذا رد واضح على ذلك الإعلام الذي ينطلق من رؤى هشة مبنية على الأهواء الأيديولوجية.
وقد أعقبت بث هذا البرنامج بعض الردود الموضوعية التي فندت ما جاء فيه، وفي هذا الصدد يمكن إدراج ما قاله آنذاك رئيس الاتحاد العام للمدارس الإسلامية بهولندا، السيد محمد الدويب، الذي اعتبر أن الاتهامات التي أسند البرنامج إليه رؤيته مثيرة للسخرية، لأنه جدد بث مقتطفات قديمة عديمة القيمة والأهمية، أما بشأن محتوى البرامج التعليمية التي تعتمدها هذه المؤسسات التعليمية، والتي يدعى أنها تتضمن أفكارا متطرفة، فيرى الدويب أن تقرير برنامج (نوفا) يبدو غير متوازن، لأنه يتناول مسائل قديمة جدا، كانت متداولة قبل 12 سنة مضت، وأنها اليوم لم تعد مستعملة، وأن اتحاد المدارس الإسلامية مستعد لأن يدلي بالمعلومات التي في حوزته، ويطلع بذلك الرأي العام على المناهج المستخدمة في المدارس الإسلامية.
لكن تصر الناطقة الرسمية لمصلحة الحماية الداخلية السيدة فينست على أن بحث الموضوع، لا يجب أن ينصب على مضامين البرامج التعليمية لهذه المدارس، بقدرما يبحث علاقة هذه المؤسسات بالمنظمات الإسلامية الأصولية والسيولة النقدية التي تتلقاها منها، غير أن اتحاد المدارس لا ينفي أن بعض المدارس الإسلامية استخدمت قبل ست سنوات أموالا أجنبية، لكن لأجل أهداف تعليمية. في حين نجد أن سكرتيرة الدولة في التعليم كرني ادلموند تثبت نفس ما جاء في تقرير وزارة التعليم، حين تخلص إلى أن هذه المدارس الإسلامية لا تضمن برامجها التعليمية أي كراهية أو بغض لغير المسلمين.
وقد عبرت بعض الأحزاب السياسية الهولندية عن آراء سلبية بخصوص هذا الملف، فممثل حزب (ديموقراطي 66) السيد توم دي خراف يرى أنه يجب أن توضع هذه المؤسسات تحت المراقبة الدائمة، وأن تتم معاقبة رجال التعليم، وكل من يتمادى في التنازل عن أفكاره المتطرفة التي تنطوي على كراهية غير المسلمين وبغضهم، يجب أن يجرد من صلاحياته التعليمية والمهنية. ويذهب في نفس المضمار زعيم حزب العمال السابق ادملكرت، الذي أشار إلى أن ما تقوم به هذه المؤسسات غير مقبول، وأن إذا ما استمر هؤلاء في تماديهم وتزمتهم، فسوف تغلق في وجوههم التمويلات التي يتلقونها من الدولية الهولندية. كما يبالغ النائب البرلماني كليمنس كورنيليو المنتمي إلى منظمة الديموقراطيين الأحرار، عندما يعتبر أن هذه الاتهامات الموجهة إلى هذه المدارس الإسلامية ذات طابع إجرامي!
بناء على أراء بعض السياسيين؛ رسميين كانوا أم حزبيين، يتجلى، إذن، أن هذا الملف المختلق من طرف ذلك البرنامج، كان في إبانه، ذا طبيعة مرحلية لها صلة وثيقة بالتحضير للانتخابات البلدية والبرلمانية، لذلك سعت حينذاك كل القوى السياسية الهولندية إلى تسييس هذه القضية واستغلالها، لخدمة أهدافها الأيديولوجية والانتخابية، حتى تقلص، بشكل ما، من الوجود السياسي والتمثيلي للمرشحين المسلمين والأجانب، وإلا فلماذا فندت سكرتيرة الدولة في التعليم تلك الأطروحة التي تقول أن المدارس الإسلامية، تشحن برامجها التعليمية بمضمونات تعادي غير المسلمين، فهذا دليل قاطع على أن ما يدعيه برنامج (نوفا) وغيره من البرامج الإعلامية لا أساس له من الصحة والواقعية.
ثم إن هذه المدارس تخضع ـ كما أشرنا سالفا- لنظام تعليمي هولندي، هو نفس النظام السائد داخل المدارس الرسمية الأخر، مسيحية كانت أم يهودية أم غير ذلك، غير أن الفرق بين هذه المؤسسات يتمثل في أن كل مدرسة ينبني طابعها أو جوها الدراسي على أساس التوجه الديني الذي تنفرد به، فيتلقى فيها التلاميذ مادة خاصة بالدين الذي يؤمنون به، حيث يدرس تلاميذ المدارس الإسلامية مادة الإسلام، بالإضافة إلى المواد الدراسية الأخرى المشتركة مع باقي المدارس الهولندية على تنوع أشكالها، ويتلقى تلاميذ المدارس المسيحية أمورا تتعلق بالدين المسيحي وهكذا، ويتم هذا في إطار طقوسي ديني، أين تطبق واقعيا بعض التعاليم الدينية، فيتمكن التلاميذ المسلمون من أداء الصلاة جماعة داخل المدرسة، ولا يسمح في الأقسام الدراسية اختلاط الإناث بالذكور، كما أن التحية بين الذكر والأنثى لا تكون إلا شفوية دون استعمال اليد، وتؤخذ كذلك بعين الاعتبار أيام الأعياد الدينية التي تغلق فيها المدارس الإسلامية أبوابها، وتمنح للتلاميذ فرصة الاحتفال بهذه الأعياد، عن طريق القيام بأنشطة دينية وتعليمية وترفيهية مختلفة.
والخلاصة العامة مما سبق، أن الظرفية الراهنة التي يشهدها تاريخ الإنسانية، بدأت تتجدد فيها المواجهة الإسلامية الغربية، ليكرر التاريخ نفسه بكل قوة، فتتصاعد وتيرة العداء لكل ما هو إسلامي، بدعوى دلائل تخمينية ومزيفة مبنية على مزايدات أو مناقصات أيديولوجية محضة، تزعم أن ثمة مؤشرات واقعية على أن الإسلام هو العدو الجديد، الذي ينبغي صده ودحضه بكل الوسائل، وما ملف المدارس الإسلامية بهولندا إلا حلقة من هذه المؤشرات المختلقة.
شاعر وكاتب مغربي مقيم بهولندا
نقلا عن صحيفه كتابات
كتابات - التجاني بولعوالي
التعليم الإسلامي في مواجهة الحرب الإعلامية، برنامج (نوفا) نموذجا
انشغلت الساحة الإعلامية الهولندية في السنوات الأخيرة، بملف قديم/جديد يتعلق بالمدارس الإسلامية في هولندا، بغض النظر عن العديد من التقارير والمقالات والتحاليل والبرامج الصحافية التي تعرضت طوال العقدين الأخيرين لهذه القضية، وذلك منذ تأسيس وتدشين أول المدارس ذات الطابع الإسلامي، فإنه يمكن اعتبار برنامج (نوفا) التلفزيوني الذي تبثه إحدى القنوات الهولندية الذائعة الصيت، وهي القناة الأولى، هو المسؤول الأكبر عن خلق زوبعة إعلامية حول مدى جدوى أو ضرر ما تقدمه المدارس الإسلامية داخل هولندا، وقد سبق لهذا البرنامج وأن تعرض لملف آخر يخص الإمام المغربي خليل المومني، ولا زالت تداعيات هذا الموضوع قائمة وبقوة داخل أوساط الرأيين الرسمي والعام الهولنديين.
وقد انبنت أطروحة هذا البرنامج على نقطتين أساسيتين؛ أولهما هي أن عددا كبيرا من هذه المدارس تتلقى دعما ماديا من جهات أصولية أجنبية متشددة، وأخراهما أن هذه المدارس تقدم ضمن برنامجها الدراسي أفكارا إسلامية متطرفة، تشجع على كراهية الغرب وغير المسلمين، ويدعي أنه يملك أدلة موضوعية قاطعة على هذه الاتهامات الموجهة إلى هذه المؤسسات التعليمية.
ويبدو أن هذا الملف لا يمكن فهمه وتفسيره إلا في إطار عام يراعي التوجهات والمعطيات السياسية والأيديولوجية والثقافية الراهنة التي بدأ العالم يشهدها، حيث أصبح الإسلام، كما هو معروف، بكل مكوناته هو ذلك الجسد العاري والغريب! الذي تصوب إليه نبال الإساءات وسهام الاتهامات، دون نسيان الأجواء السياسية العامة التي تطبع الساحة الهولندية، حيث التصعيد اللا مشهود ضد كل ما هو إسلامي، من قبل سواء كثير من الأطراف السياسية والحزبية أم الوسائل الإعلامية، وخلف كلاهما يتخفى اللوبي الصهيوني الذي يحاول بشتى الأدوات الدعائية والقانونية تشويه سمعة المسلمين، والتنقيص من قيمة الإسلام، باعتباره أداة إجرامية لزرع الإرهاب، ودرء سلم العالم وطمأنينة الإنسان. في ظل،إذن، هذه الأجواء العامة الملغومة، يمكن إدراج هذا الملف الذي يجدد من خلاله الإعلام الهولندي خاصة، أن ثمة خطرا إسلاميا محدقا بالوجود الغربي وفي عقر داره، ليبرر اتهاماته المتكررة للإسلام، وما ذلك إلا مشهد مصغر للمواجهة الحضارية الدائرة رحاها بين الإسلام والغرب.
هكذا، يقرر برنامج (نوفا) أنه قام ببحث مدعم بجميع الإمكانات المتاحة، داخل أوساط المؤسسات التعليمية الإسلامية، خصوصا الابتدائية منها التي تتوزع على مختلف المدن الهولندية، فاكتشف أن أكثر من ثلثها (كل عشرة مدارس من ثلاثة وعشرين) تضمن برامجها الدراسية أفكارا إسلامية متشددة ومعادية للغرب ولغير المسلمين، كما أنها تتلقى إعانات مالية من جهات إسلامية أصولية خارجية منها السعودية. غير أن البحث الأخير الذي قامت به وزارة التعليم حول المدارس الإسلامية، يدحض بشكل جلي أطروحة هذا البرنامج، بل ويتفاءل كثيرا للمجهود الذي تبذله هذه المدارس في خدمة المجتمع الهولندي، عن طريق تحفيز التلاميذ على الاندماج الإيجابي في المجتمع، عن طريق احترام غير المسلمين، ونشر ثقافة السلم الاجتماعي وغير ذلك، باستثناء مدرسة واحدة - لم يسمها تقرير وزارة التعليم- تحث تلاميذها على التحفظ من المجتمع الهولندي، وفي هذا رد واضح على ذلك الإعلام الذي ينطلق من رؤى هشة مبنية على الأهواء الأيديولوجية.
وقد أعقبت بث هذا البرنامج بعض الردود الموضوعية التي فندت ما جاء فيه، وفي هذا الصدد يمكن إدراج ما قاله آنذاك رئيس الاتحاد العام للمدارس الإسلامية بهولندا، السيد محمد الدويب، الذي اعتبر أن الاتهامات التي أسند البرنامج إليه رؤيته مثيرة للسخرية، لأنه جدد بث مقتطفات قديمة عديمة القيمة والأهمية، أما بشأن محتوى البرامج التعليمية التي تعتمدها هذه المؤسسات التعليمية، والتي يدعى أنها تتضمن أفكارا متطرفة، فيرى الدويب أن تقرير برنامج (نوفا) يبدو غير متوازن، لأنه يتناول مسائل قديمة جدا، كانت متداولة قبل 12 سنة مضت، وأنها اليوم لم تعد مستعملة، وأن اتحاد المدارس الإسلامية مستعد لأن يدلي بالمعلومات التي في حوزته، ويطلع بذلك الرأي العام على المناهج المستخدمة في المدارس الإسلامية.
لكن تصر الناطقة الرسمية لمصلحة الحماية الداخلية السيدة فينست على أن بحث الموضوع، لا يجب أن ينصب على مضامين البرامج التعليمية لهذه المدارس، بقدرما يبحث علاقة هذه المؤسسات بالمنظمات الإسلامية الأصولية والسيولة النقدية التي تتلقاها منها، غير أن اتحاد المدارس لا ينفي أن بعض المدارس الإسلامية استخدمت قبل ست سنوات أموالا أجنبية، لكن لأجل أهداف تعليمية. في حين نجد أن سكرتيرة الدولة في التعليم كرني ادلموند تثبت نفس ما جاء في تقرير وزارة التعليم، حين تخلص إلى أن هذه المدارس الإسلامية لا تضمن برامجها التعليمية أي كراهية أو بغض لغير المسلمين.
وقد عبرت بعض الأحزاب السياسية الهولندية عن آراء سلبية بخصوص هذا الملف، فممثل حزب (ديموقراطي 66) السيد توم دي خراف يرى أنه يجب أن توضع هذه المؤسسات تحت المراقبة الدائمة، وأن تتم معاقبة رجال التعليم، وكل من يتمادى في التنازل عن أفكاره المتطرفة التي تنطوي على كراهية غير المسلمين وبغضهم، يجب أن يجرد من صلاحياته التعليمية والمهنية. ويذهب في نفس المضمار زعيم حزب العمال السابق ادملكرت، الذي أشار إلى أن ما تقوم به هذه المؤسسات غير مقبول، وأن إذا ما استمر هؤلاء في تماديهم وتزمتهم، فسوف تغلق في وجوههم التمويلات التي يتلقونها من الدولية الهولندية. كما يبالغ النائب البرلماني كليمنس كورنيليو المنتمي إلى منظمة الديموقراطيين الأحرار، عندما يعتبر أن هذه الاتهامات الموجهة إلى هذه المدارس الإسلامية ذات طابع إجرامي!
بناء على أراء بعض السياسيين؛ رسميين كانوا أم حزبيين، يتجلى، إذن، أن هذا الملف المختلق من طرف ذلك البرنامج، كان في إبانه، ذا طبيعة مرحلية لها صلة وثيقة بالتحضير للانتخابات البلدية والبرلمانية، لذلك سعت حينذاك كل القوى السياسية الهولندية إلى تسييس هذه القضية واستغلالها، لخدمة أهدافها الأيديولوجية والانتخابية، حتى تقلص، بشكل ما، من الوجود السياسي والتمثيلي للمرشحين المسلمين والأجانب، وإلا فلماذا فندت سكرتيرة الدولة في التعليم تلك الأطروحة التي تقول أن المدارس الإسلامية، تشحن برامجها التعليمية بمضمونات تعادي غير المسلمين، فهذا دليل قاطع على أن ما يدعيه برنامج (نوفا) وغيره من البرامج الإعلامية لا أساس له من الصحة والواقعية.
ثم إن هذه المدارس تخضع ـ كما أشرنا سالفا- لنظام تعليمي هولندي، هو نفس النظام السائد داخل المدارس الرسمية الأخر، مسيحية كانت أم يهودية أم غير ذلك، غير أن الفرق بين هذه المؤسسات يتمثل في أن كل مدرسة ينبني طابعها أو جوها الدراسي على أساس التوجه الديني الذي تنفرد به، فيتلقى فيها التلاميذ مادة خاصة بالدين الذي يؤمنون به، حيث يدرس تلاميذ المدارس الإسلامية مادة الإسلام، بالإضافة إلى المواد الدراسية الأخرى المشتركة مع باقي المدارس الهولندية على تنوع أشكالها، ويتلقى تلاميذ المدارس المسيحية أمورا تتعلق بالدين المسيحي وهكذا، ويتم هذا في إطار طقوسي ديني، أين تطبق واقعيا بعض التعاليم الدينية، فيتمكن التلاميذ المسلمون من أداء الصلاة جماعة داخل المدرسة، ولا يسمح في الأقسام الدراسية اختلاط الإناث بالذكور، كما أن التحية بين الذكر والأنثى لا تكون إلا شفوية دون استعمال اليد، وتؤخذ كذلك بعين الاعتبار أيام الأعياد الدينية التي تغلق فيها المدارس الإسلامية أبوابها، وتمنح للتلاميذ فرصة الاحتفال بهذه الأعياد، عن طريق القيام بأنشطة دينية وتعليمية وترفيهية مختلفة.
والخلاصة العامة مما سبق، أن الظرفية الراهنة التي يشهدها تاريخ الإنسانية، بدأت تتجدد فيها المواجهة الإسلامية الغربية، ليكرر التاريخ نفسه بكل قوة، فتتصاعد وتيرة العداء لكل ما هو إسلامي، بدعوى دلائل تخمينية ومزيفة مبنية على مزايدات أو مناقصات أيديولوجية محضة، تزعم أن ثمة مؤشرات واقعية على أن الإسلام هو العدو الجديد، الذي ينبغي صده ودحضه بكل الوسائل، وما ملف المدارس الإسلامية بهولندا إلا حلقة من هذه المؤشرات المختلقة.
شاعر وكاتب مغربي مقيم بهولندا
نقلا عن صحيفه كتابات