تويت
أدهم خنجر يحاول اغتيال غورو
تضم ((موسوعة التاريخ اللبناني: التاريخ السياسي والعسكري)) التي وضعها اللواء الركن الدكتور ياسين سويد، والبالغة ستة عشر مجلداً (وهي قيد الطبع في دار نوبيلس للطباعة والنشر وستصدر قريباً)، مجموعة من الوثائق التي جمعها المؤلف من دور المخطوطات الفرنسية بباريس، وخصوصاً ((مصلحة التاريخ لجيش البر الفرنسي بفنسين Se Lhistorique De Larmee De Terre Duiceuues.
ومن هذه الوثائق تقرير من روبرت دي كاي كبير الدبلوماسيين الاجانب في المفوضية العامة للانتداب، الى وزارة الخارجية الفرنسية بباريس، عن محاولة اغتيال المندوب السامي الفرنسي في سوريا ولبنان الجنـرال هنري غورو، عام 1921 وهو في طريقه الى القنيطرة بسوريا.
وفي ما يلي نص الوثيقة معرباً:
ذات يوم من ايام حزيران/يونيو عام 1921، وبالتحديد في 23 منه، امتطى المجاهد ادهم خنجر صهوة جواده وانطلق، مع ثلة من رفاقه المجاهدين، لمعاقبة رمز الاستعمار الفرنسي لبلاده (المفوض السامي الفرنسي الجنـرال غورو)، وذلك بتنفيذ حكم الاعدام به.
كان غورو مدعواً الى حفل غداء في دارة الامير محمود الفاعور في السويداء، عاصمة جبل الدروز، (1) فاستقل سيارته مصطحباً حاكم دولة دمشق حقي العظم، والمقدم كاترو ممثل المفوضية العليا في دمشق (اللذين جلسا في المقعد الخلفي الى جانب الجنرال)، والضابط المترجم برانيه ((Branet)) (الذي جلس الى جانب السائق) وخلف سيارة الجنرال عدد من سيارات المدعوين الى ذلك الحفل.
وفي ما يلي تفاصيل الحادث في تقرير رفعه، في ذلك الحين، روبرت دي كاي كبير الدبلوماسيين في المفوضية العامة للانتداب الى وزارة الخارجية الفرنسية بباريس:
بيروت في 24 حزيران الساعة 30, 1
نجا الجنرال غورو اليوم من محاولة اغتيال (2) على طريق دمشق – القنيطرة حيث كان في طريقه الى زيارة زعيم عشيرة الفضل، محمود الفاعور.
كانت سيارة الجنرال الذي يرافقه حاكم دولة دمشق حقي بك العظم، والمقدم كاترو ممثل المفوضية العليا في دمشق، والضابط المترجم ((برانيه)) على مسافة 12 كلم من القنيطرة حين اعترضتها مجموعة من خمسة خيالة مكفهري الوجوه، مسلحين ببنادق، ما لبثوا ان استدارو ليطاردوا سيارة الجنرال ويطلقوا عليها خمس عشرة طلقة، الا ان السائق زاد من سرعته مبتعداً عنهم.
ولسوء الحظ، اصيب المترجم ((برانيه)) بالطلقة الاولى، في رأسه فقتل، وانقلب واقعاً على الطريق. اما حقي بك العظم، الذي برهن عن رباطة جأش رائعة فقد اصيب بثلاثة جروح في الشفة والذراع والفخذ، واما الجنـرال غورو فقد اخترقت رصاصتان اكمامه.
كذلك فإن السيارة الثانية التي كانت تتبع سيارة الجنرال، على مسافة بعيدة، قد استقبلت بطلقات نارية حين توقفت بالقرب من جثة الضابط المترجم (برانيه) وكان في السيارة كل من الجنرال غوايبيه (Goybet) والسيد كارلييه السكرتير العام المساعد للمفوضية العليا، اللذين اخذا البنادق من السيارة وفتحا النار على رجال العصابة الخمسة الذين هربوا بعد تبادل قصير لاطلاق النار.
في هذه الاثناء، كان الجنرال غورو قد وصل الى القنيطرة حيث كان ينتظره الامير محمود الفاعور، عدونا في العام الماضي الذي نال، حديثاً العفو والتحق بنا، وقد اقام للجنرال استقبالاً حافلاً اشترك فيه الشعب كله، ويؤكد تصرف اهل البلاد الشعور أن المحاولة هي من صنع غرباء عن المنطقة، اذ اعتبر محمود الفاعور انها اهانة لضيافته لا يمكن غفرانها، والاعتقاد العام هو ان الخيالة الخمسة قد اتوا من شرق الاردن، حيث التحريض على الفرنسيين لم ينته منذ شهور، وهو قد شكل احدى الوسائل الثابتة لحلفاء الامير عبد الله، وكان من نتائجه في الخريف المنصرم، مقتل حاكم دولة دمشق، دروبي باشا، وعبد الرحمان باشا، احد وزرائه (3).
لقد كانت محاولة طريق القنيطرة على تناقض تام مع الاستقبال الذي لقيه الجنرال في كل منطقة دمشق، لذا فهو قرر ان يغير شيئاً في البرنامج المحدد، حتى آخر الرحلة (4).
روبير دي كاي
كان بطل المحاولة ادهم خنجر من رفاق المجاهد احمد مريود (5) وقد افترقا بعدها، بسبب ضغوط الفرنسيين ومطاردتهم لهما، فذهب مريود الى وادي التيم، بينما ذهب ادهم الى شرق الاردن، ثم غادره الى (جبل الدروز) ونزل في القرية بلدة سلطان باشا الاطرش. وكان الفرنسيون قد اعلنوا جائزة من اربعة آلاف ليرة ذهبية لمن يأتيهم برأس ادهم، مما اغرى احد رجال سلطان باشا الاطرش ويدعى تامر فوشى بأدهم، وقبض الفرنسيون عليه واقتادوه الى بيروت، حيث حوكم وأعدم عام 1922.
وكانت مداهمة الفرنسيين بيت سلطان باشا الاطرش في ((القرّية)) والقبض على ضيفه ادهم (كان سلطان باشا غائباً في رحلة صيد خارج القرية) السبب الرئيسي لأول ثورة لسلطان باشا الاطرش على الفرنسيين (6).
اما الجنرال غورو، فقد ارسل في اليوم التالي (بتاريخ 25 حزيران) الى وزارة الخارجية الفرنسية بباريس، برقية جاء فيها:
((لقد اعرب اهالي دمشق، طوال اليوم، وبأعداد كبيرة، عن اعتراضهم على محاولة اغتيالي امس، وقد اخبرني الكثير منهم ان المجرمين الذين ارتكبوا هذه الجريمة المشابهة لجريمة ((الغزالة)) (7) بتاريخ 20 آب 1920 ضد رئيس دولة دمشق، علاء الدين الدروبي ورئيس المجلس عبدالرحمان باشا اليوسف والاشخاص الخمسة الآخرين والذين حكموا باجماع اعضاء المجلس الحربي في دمشق بتاريخ 25 منه، لم ينالوا عقابهم بعد، وقد ابدى الجنرال غوايبيه (Goybet) قائد الفرقة، بالاتفاق مع المقدم كاتروا (Catroux) مندوب المفوضية العليا، رأياً جازماً بتطبيق العقوبة الرئيسية بحق ثلاثة من المدانين هم: احمد صلاح المصري، ومحمد بن الحاج يوسف عيسى، وزعل سليم الذين ابديت اليكم بصددهم رأياً مماثلاً، وذلك بتاريخ 15 حزيران 1921.
انني اصر على ان اتلقى رداً سريعاً لجهة العقاب، اذ يجب الا يدفع ضباطنا وجنودنا حياتهم بسبب بطء قضائنا العسكري)).
هوامش:
(1) كانت فرنسا قد قسمت سوريا الحالية، في ذلك الحين، الى اربع دول هي: دمشق، حلب، جبل الدروز وبلاد العلويين.
(2) اضيف على الوثيقة بخط اليد: ليس اليوم، بل البارحة 23/ 6، وذلك صحيح، فقد وقعت الحادثة في 23 حزيران (المعرب).
(3) علاء الدين دروبي، اول رئيس لحكومة دولة دمشق، وقد اغتيل في 21 آب 1920، وعبد الرحمان باشا اليوسف احد وزرائه في الحكومة وقد اغتيل بعده بأيام (المعرب).
(4) انظر، للنص الفرنسي مؤلفنا، موسوعة التاريخ اللبنانية، المجلد 14 الوثيقة 86 التي ستصدر قريباً (المعرب).
(5) موسوعة التاريخ اللبناني مجلد 8. ووفقاً لمحمود عبيدات، في مذكراته عن أحمد مريود، لم يكن ادهم خنجر، من عداد الخمسة الذين حاولوا اغتيال غورو كما اثبتت شهادات الرجال الذين طلب اليهم قائد الثورة، المجاهد احمد مريود ابلاغ الخمسة المعنيين من الفرسان كل واحد باسمه الشخصي (ص 262).
(6) موسوعة التاريخ اللبناني مجلد 8 التي ستصدر قريباً.
(7) حادثة ((خربة الغزالة)) التي قتل فيها علاء الدين الدروبي وعبد الرحمان باشا اليوسف (المعرب) انظر النص الاصلي للوثيقة رقم 87 من المجلد 14 من موسوعة التاريخ اللبناني التي ستصدر قريباً.
اللواء الركن المتقاعد
د. ياسين سويد
تضم ((موسوعة التاريخ اللبناني: التاريخ السياسي والعسكري)) التي وضعها اللواء الركن الدكتور ياسين سويد، والبالغة ستة عشر مجلداً (وهي قيد الطبع في دار نوبيلس للطباعة والنشر وستصدر قريباً)، مجموعة من الوثائق التي جمعها المؤلف من دور المخطوطات الفرنسية بباريس، وخصوصاً ((مصلحة التاريخ لجيش البر الفرنسي بفنسين Se Lhistorique De Larmee De Terre Duiceuues.
ومن هذه الوثائق تقرير من روبرت دي كاي كبير الدبلوماسيين الاجانب في المفوضية العامة للانتداب، الى وزارة الخارجية الفرنسية بباريس، عن محاولة اغتيال المندوب السامي الفرنسي في سوريا ولبنان الجنـرال هنري غورو، عام 1921 وهو في طريقه الى القنيطرة بسوريا.
وفي ما يلي نص الوثيقة معرباً:
ذات يوم من ايام حزيران/يونيو عام 1921، وبالتحديد في 23 منه، امتطى المجاهد ادهم خنجر صهوة جواده وانطلق، مع ثلة من رفاقه المجاهدين، لمعاقبة رمز الاستعمار الفرنسي لبلاده (المفوض السامي الفرنسي الجنـرال غورو)، وذلك بتنفيذ حكم الاعدام به.
كان غورو مدعواً الى حفل غداء في دارة الامير محمود الفاعور في السويداء، عاصمة جبل الدروز، (1) فاستقل سيارته مصطحباً حاكم دولة دمشق حقي العظم، والمقدم كاترو ممثل المفوضية العليا في دمشق (اللذين جلسا في المقعد الخلفي الى جانب الجنرال)، والضابط المترجم برانيه ((Branet)) (الذي جلس الى جانب السائق) وخلف سيارة الجنرال عدد من سيارات المدعوين الى ذلك الحفل.
وفي ما يلي تفاصيل الحادث في تقرير رفعه، في ذلك الحين، روبرت دي كاي كبير الدبلوماسيين في المفوضية العامة للانتداب الى وزارة الخارجية الفرنسية بباريس:
بيروت في 24 حزيران الساعة 30, 1
نجا الجنرال غورو اليوم من محاولة اغتيال (2) على طريق دمشق – القنيطرة حيث كان في طريقه الى زيارة زعيم عشيرة الفضل، محمود الفاعور.
كانت سيارة الجنرال الذي يرافقه حاكم دولة دمشق حقي بك العظم، والمقدم كاترو ممثل المفوضية العليا في دمشق، والضابط المترجم ((برانيه)) على مسافة 12 كلم من القنيطرة حين اعترضتها مجموعة من خمسة خيالة مكفهري الوجوه، مسلحين ببنادق، ما لبثوا ان استدارو ليطاردوا سيارة الجنرال ويطلقوا عليها خمس عشرة طلقة، الا ان السائق زاد من سرعته مبتعداً عنهم.
ولسوء الحظ، اصيب المترجم ((برانيه)) بالطلقة الاولى، في رأسه فقتل، وانقلب واقعاً على الطريق. اما حقي بك العظم، الذي برهن عن رباطة جأش رائعة فقد اصيب بثلاثة جروح في الشفة والذراع والفخذ، واما الجنـرال غورو فقد اخترقت رصاصتان اكمامه.
كذلك فإن السيارة الثانية التي كانت تتبع سيارة الجنرال، على مسافة بعيدة، قد استقبلت بطلقات نارية حين توقفت بالقرب من جثة الضابط المترجم (برانيه) وكان في السيارة كل من الجنرال غوايبيه (Goybet) والسيد كارلييه السكرتير العام المساعد للمفوضية العليا، اللذين اخذا البنادق من السيارة وفتحا النار على رجال العصابة الخمسة الذين هربوا بعد تبادل قصير لاطلاق النار.
في هذه الاثناء، كان الجنرال غورو قد وصل الى القنيطرة حيث كان ينتظره الامير محمود الفاعور، عدونا في العام الماضي الذي نال، حديثاً العفو والتحق بنا، وقد اقام للجنرال استقبالاً حافلاً اشترك فيه الشعب كله، ويؤكد تصرف اهل البلاد الشعور أن المحاولة هي من صنع غرباء عن المنطقة، اذ اعتبر محمود الفاعور انها اهانة لضيافته لا يمكن غفرانها، والاعتقاد العام هو ان الخيالة الخمسة قد اتوا من شرق الاردن، حيث التحريض على الفرنسيين لم ينته منذ شهور، وهو قد شكل احدى الوسائل الثابتة لحلفاء الامير عبد الله، وكان من نتائجه في الخريف المنصرم، مقتل حاكم دولة دمشق، دروبي باشا، وعبد الرحمان باشا، احد وزرائه (3).
لقد كانت محاولة طريق القنيطرة على تناقض تام مع الاستقبال الذي لقيه الجنرال في كل منطقة دمشق، لذا فهو قرر ان يغير شيئاً في البرنامج المحدد، حتى آخر الرحلة (4).
روبير دي كاي
كان بطل المحاولة ادهم خنجر من رفاق المجاهد احمد مريود (5) وقد افترقا بعدها، بسبب ضغوط الفرنسيين ومطاردتهم لهما، فذهب مريود الى وادي التيم، بينما ذهب ادهم الى شرق الاردن، ثم غادره الى (جبل الدروز) ونزل في القرية بلدة سلطان باشا الاطرش. وكان الفرنسيون قد اعلنوا جائزة من اربعة آلاف ليرة ذهبية لمن يأتيهم برأس ادهم، مما اغرى احد رجال سلطان باشا الاطرش ويدعى تامر فوشى بأدهم، وقبض الفرنسيون عليه واقتادوه الى بيروت، حيث حوكم وأعدم عام 1922.
وكانت مداهمة الفرنسيين بيت سلطان باشا الاطرش في ((القرّية)) والقبض على ضيفه ادهم (كان سلطان باشا غائباً في رحلة صيد خارج القرية) السبب الرئيسي لأول ثورة لسلطان باشا الاطرش على الفرنسيين (6).
اما الجنرال غورو، فقد ارسل في اليوم التالي (بتاريخ 25 حزيران) الى وزارة الخارجية الفرنسية بباريس، برقية جاء فيها:
((لقد اعرب اهالي دمشق، طوال اليوم، وبأعداد كبيرة، عن اعتراضهم على محاولة اغتيالي امس، وقد اخبرني الكثير منهم ان المجرمين الذين ارتكبوا هذه الجريمة المشابهة لجريمة ((الغزالة)) (7) بتاريخ 20 آب 1920 ضد رئيس دولة دمشق، علاء الدين الدروبي ورئيس المجلس عبدالرحمان باشا اليوسف والاشخاص الخمسة الآخرين والذين حكموا باجماع اعضاء المجلس الحربي في دمشق بتاريخ 25 منه، لم ينالوا عقابهم بعد، وقد ابدى الجنرال غوايبيه (Goybet) قائد الفرقة، بالاتفاق مع المقدم كاتروا (Catroux) مندوب المفوضية العليا، رأياً جازماً بتطبيق العقوبة الرئيسية بحق ثلاثة من المدانين هم: احمد صلاح المصري، ومحمد بن الحاج يوسف عيسى، وزعل سليم الذين ابديت اليكم بصددهم رأياً مماثلاً، وذلك بتاريخ 15 حزيران 1921.
انني اصر على ان اتلقى رداً سريعاً لجهة العقاب، اذ يجب الا يدفع ضباطنا وجنودنا حياتهم بسبب بطء قضائنا العسكري)).
هوامش:
(1) كانت فرنسا قد قسمت سوريا الحالية، في ذلك الحين، الى اربع دول هي: دمشق، حلب، جبل الدروز وبلاد العلويين.
(2) اضيف على الوثيقة بخط اليد: ليس اليوم، بل البارحة 23/ 6، وذلك صحيح، فقد وقعت الحادثة في 23 حزيران (المعرب).
(3) علاء الدين دروبي، اول رئيس لحكومة دولة دمشق، وقد اغتيل في 21 آب 1920، وعبد الرحمان باشا اليوسف احد وزرائه في الحكومة وقد اغتيل بعده بأيام (المعرب).
(4) انظر، للنص الفرنسي مؤلفنا، موسوعة التاريخ اللبنانية، المجلد 14 الوثيقة 86 التي ستصدر قريباً (المعرب).
(5) موسوعة التاريخ اللبناني مجلد 8. ووفقاً لمحمود عبيدات، في مذكراته عن أحمد مريود، لم يكن ادهم خنجر، من عداد الخمسة الذين حاولوا اغتيال غورو كما اثبتت شهادات الرجال الذين طلب اليهم قائد الثورة، المجاهد احمد مريود ابلاغ الخمسة المعنيين من الفرسان كل واحد باسمه الشخصي (ص 262).
(6) موسوعة التاريخ اللبناني مجلد 8 التي ستصدر قريباً.
(7) حادثة ((خربة الغزالة)) التي قتل فيها علاء الدين الدروبي وعبد الرحمان باشا اليوسف (المعرب) انظر النص الاصلي للوثيقة رقم 87 من المجلد 14 من موسوعة التاريخ اللبناني التي ستصدر قريباً.
اللواء الركن المتقاعد
د. ياسين سويد