الدين حكم الله
فالدين حكم الله وربوبيته دان به السابقون للأمم وهم الأنبياء والمرسلون والأولياء الذين جاءوا إلى أقوامهم مبشرين ومنذرين بذلك بعد أن رغبوا عن حكم ما لم يجدوا فيه حياتهم وآمالهم وهم فطرة الله فرغبوا بعقولهم إلى ما وجدوا من ربهم وقد غاب عن غيرهم فنزل في روعهم ونفوسهم حكم الله بكلامه الذي تلقوه بيد رحمته يسقيهم بها نوره ورحمته برغبتهم إلى ذلك وتكليفهم لأنفسهم بها اذ كانوا لا يدرون ما ذلك الحكم وما هذه النعمة قال تعالى : ( وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ ..) وقال : ( ... مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ ) ، فازدهرت الحياة وبدأت في نفس كل واحد من هؤلاء وهم على الأرض بين أقوامهم لكن علموا ما لم يعلم أولئك لذلك أصبح الواجب عليهم أن يكونوا دعاةً له فتقلدوا الواجب الإلهي الرباني من باب الرحمة والرأفة بأقوامهم لأنهم لا يعلمون بالآيات التي استدلوا بها على ذلك الحكم والعلامات والسمات كمبين لها ولا إكراه في الدين لأنه فطرة الله التي فطر الناس عليها وهو حاجتهم ورغبتهم وهم مخلوقون له .
لا شك في أن الكثير من الناس قد غابت عنهم هذه الحقيقة وبدأ الكلام بها تكون غريبة لا يستقبلها أكثرهم خصوصا ممن اتخذ إلههُ هواه واعتبر الدين خدمة لله والأجر فقط يوم القيامة وهذه الحقيقة هي اجر الرسالات والمرسلين الذي ممتلكه إلا من اتخذ رسوله وإمامه أسوة حسنة بالمبدأ والغاية وشروطهما ولو كانوا قد علموها لأصابهم نور أولئك الأنبياء الذي به يمشون وتلك الرحمة التي بها يعيشون ولأصابهم الوحدة الإلهية من قصد الدين وحكمه .
وهذا الطرح الفطري المنطقي الإلهي الذي يأتي به مثل هؤلاء كحاله من كثير من الأطروحات التي يأتي بها الكثير كأطروحات علمية وفكرية تساهم في تقدم الناس بحياتهم إلى مقامات مرموقة من مقامات أصابهم فيها الظلم والجهل والفقر رغم أن تلك الأطروحات هي علاجات قصيرة المدى لا تعطي أصل الحياة التي تنشدها أطروحة الحكم الإلهي الفطري بالأئمة الربانيين كأنبياء ومرسلين وأولياء فلا غرابة فيه لو لم تكن النفس خائنة ضعيفة طائعة لعدوها الذي يصدها عن ذلك وما نرى قد صبر على هذا الحكم رغم الضعف وعداوة الشيطان إلا هؤلاء القلة الذين جاءوا رحمة للناس كمبينين فلذا تجد إن الشيطان والإنسان أصبحا أعداء لهذه الفكرة بان اتخذوا دينهم لعبا ولهوا ويحسبون أنهم مهتدون لذا نرى إن أمر الدين بهذه الحقيقة مفقود بفقد تطبيق هذه الأطروحة الربانية بسم هؤلاء الأنبياء والمرسلين الذي نزل فيهم التطبيق الإلهي العملي لحكمه الموصوف بالرحمة التي يتناسب إعطاءها ورضاه من نفسه جل وعلا .
وبخلاف ما نرى من تطبيق هذه الحقيقة في نفس كل واحد من هؤلاء العظماء نرى من يدعي انه من أتباع هؤلاء لكن لا نرى احدهم يتكلم بما يتكلمون به من أطروحاتهم وعملهم الذي يوافق كلامهم في نفوسهم ونفوس ما حولهم وما نراهم قائمين بذلك لان الذي نزل فيه الحكم الإلهي يكون قائما ولا يرضى بغير ذلك عاملا بقيامه داعيا دالا على من دعاه الله فستجاب له ودله على نفسه ليكون للناس فيه أسوة حسنة كمحمد صلى الله عليه واله الذي أصبح لعلي وخديجة وأصحابه البررة أسوة حسنة وهم غير اشرين ولا بطرين .
فإلى متى يبقى الشيطان بامتلاكه لهؤلاء ككثير من الناس الذي ما نرى فيهم الحياة الإلهية ولا الوحدة والتوحيد والى متى يستسلم كل عاقل لهؤلاء ويدعي العقلانية وهناك في كل زمن يوجد من هؤلاء القائمين البررة على الأرض بينهم يدعون إلى هذا الحق كأئمة ربانيين ونراهم يكَذّبون ويُقتلّون (يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ)، ( فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ).
تعليق