أفكار خاطئة للدكتور النجار حول عصمة الأنبياء !
كتابات - نبيـل الكرخي
من أفكار الدكتور كامل النجار :
[ المؤمن ليس مقدساً ...
القرآن ليس مقدساً ...
المسجد ليس مقدساً ... ]
هذه الأفكار هي بعض مما فهمه الدكتور كامل النجار عن الإسلام ، هو لم يقل إنها أفكاره الشخصية وإلا لما أعترضنا عليها فهذا شأنه ، ولكنه نسب هذه الأفكار للإسلام وجزم بأنَّ الإسلام قد نص على عدم قدسية ما ذكرناه ! وبحمد الله عزَّ وجل فإنَّ المسلمين بغنى عن تعلم دينهم من الدكتور كامل النجار.
قال الدكتور النجار : (البحث العلمي، في عرف السيد الكرخي، لا بد أن يقود إلى ما قالت به الشيعة) ، فما هو ذنب الكرخي إذا كان مذهب الشيعة مبني على أسس صحيحة لأنه مستمد من فكر أهل البيت عليهم السلام ، فإذا كان البحث العلمي يقود لإعتناق مذهب آل البيت عليهم السلام فهذا من أجل أن مذهبهم عليهم السلام مبني على أسس صحيحة.
ونحن لا نصادر فكر أحد بل نريد ممن يتناول البحث في الروايات التأريخية أو الأحاديث النبوية أن يتناولها وفق ضوابط البحث العلمي ، بأن يتحقق من صحة ما ينقله ، فعلى سبيل المثال نحن لا نريد أن نحتِّم على القاريء الكريم نصرة مذهب الشيعة في ضرورة معرفة عدالة كل صحابي بصورة تفصيلية قبل قبول روايته ولا أن نفرض على القاريء العزيز نصرة مذهب أهل السنة في القول بعدالة جميع الصحابة بدون معرفة سيرة حياتهم ومقدار ضبطهم وعدم خلطهم ، بل نريد من القاريء الكريم أن يتفكر في قاعدة كل فريق وأن يقرر هو بنفسه أيهما أصح ما يقوله الشيعة في قواعد علم الرجال أم ما يقوله أهل السنة ، وأيهما أقرب للمنطق وللبحث العلمي ، فهذا المقدار يكفينا.
[وقال الدكتور كامل النجار : (وكل نقاشي عن العصمة كان مبنياً على ترجيح العقل على النقل، واستشهدنا بالنقل لنثبت خطأ الفكرة) ]
لكننا لم نعثر على ما ذكره فلم نجد أي ترجيح لأنه وببساطة لم يتطرق للدليل العقلي في نقض عصمة الأنبياء ولم يتحدث عنه ، ومقالته خالية من أي ذكرٍ له. فلماذا يدعي الترجيح في حين أنه لم يقم بذلك على الإطلاق ؟!
[وقال الدكتور النجار : (وبما أن فكرة عصمة النبي مشتركة بين السنة والشيعة، وبما أن السنة هم الغالبية في الإسلام، يصبح الاستشهاد بأقوالهم مقبولاً ومنطقياً)]
ويبدو أن الدكتور النجار لا يعلم أن الشيعة يختلفون عن أهل السنة في موضوع عصمة الأنبياء ، فالشيعة يقولون بعصمته (صلى الله عليه وآله) في كافة أقواله وأفعاله ، قبل البعثة وبعدها ، منذ ولادته وحتى نهاية حياته الشريفة ، في حين أن أهل السنة يكتفون بأن يجعلوه معصوماً في التبليغ فقط ، وهنا نجد الإختلاف واضحاً بينهما فهي إذن ليست مسألة متفق عليها بينهما ، وكون اهل السنة هم الغالبية فلا يعني ذلك أنهم أهل الحق أو أن ما ينقض مذهبهم ينقض الإسلام. ثم أن أهل السنة وهم الغالبية في الإسلام ينفون أن يكون الأئمة عليهم السلام معصومون ، فلماذا يتعب الدكتور النجار نفسه ويلجأ لهذا الأسلوب فيحاول إبطال عصمة النبي من أجل إبطال عصمة الأئمة ! مع أنه يذكر (بما أن السنة هم الغالبية في الإسلام، يصبح الاستشهاد بأقوالهم مقبولاً ومنطقياً) فكان يمكنه بكل سهولة أن يذكر رأيهم فقط في الموضوع ليستدل به على مراده !!
[وقال الدكتور النجار : (وكنت قد قلت في مقالي الأخير: " وقد قدس عرب ما قبل الإسلام أصنامهم وحتى بعض الأشجار مثل " ذات أنواط" وكذلك الكعبة التي كانوا يحتفظون فيها بأصنامهم. ثم جاءت الأديان التوحيدية فجعلت التقديس لله وحده " فاتهمني السيد الكرخي بالتناقض فقال: " فيعتبر عبادة العرب للأصنام هي عبادة غير توحيدية ، حيث يجعلها مرحلة سبقت ظهور الأديان التوحيدية حيث يقول كما هو مذكور آنفاً : (ثم جاءت الأديان التوحيدية فجعلت التقديس لله وحده) ، وهو بذلك يناقض ما ذكره في كتابه (الدولة الإسلامية بين النظرية والتطبيق) حيث يعتبر فيه أن عبادة العرب في الجاهلية للأصنام هو جزء من العبادة التوحيدية ". وأنا لا أرى أي تناقض بين القولين، فقد قلت سابقاً أن عرب ما قبل الإسلام قد عرفوا التوحيد وكانوا يحلفون بالله ويعتقدون أنه خلق السماء والأرض، لكنهم عبدوا الأصنام كوسيلة توصلهم لله في السماء، وقد قدسوا هذه الأصنام. ثم جاءت الأديان السماوية بما فيها الإسلام وقالت إن التقديس لله وحده. فأين التناقض ؟)]
فالتناقض واضح حيث أنه في مقاله السابق يذكر مرحلتين الأولى قبل ظهور الأديان التوحيدية ـ حيث يقول : (وكذلك الكعبة التي كانوا يحتفظون فيها بأصنامهم. ثم جاءت الأديان التوحيدية) ـ والثانية بعدها ، ويجعل عبادة الأصنام ضمن المرحلة الأولى ، بينما في كتابه (الدولة الإسلامية بين النظرية والتطبيق) يذكر أن عبادة الأصنام هو من ضمن الأديان التوحيدية ، وأن عبادة الأصنام فيه من التوحيد ما يغني الإنسانية عن ظهور الإسلام !؟؟ ، فالتناقض واضح في أفكاره بين كتابه ومقالته.
[وقال الدكتور النجار : (واستمر السيد الكرخي فقال: " وطرح الدكتور كامل النجار مناقشته لموضوع عصمة النبي (صلى الله عليه وآله) وفق الدليلين النقلي والعقلي فقال : (ولكن هل تنسجم هذه العصمة مع تعاليم الإسلام أولاً ومع العقل ثانياً ؟) ولكنه لم يلتزم هو نفسه بما ألزم به نفسه ، أي لم يناقش قضية العصمة وفق هذين الإتجاهين أي النقلي والعقلي ، فناقش الموضوع في إطاره النقلي فقط من خلال بعض الروايات الضعيفة ، وترك الدليل العقلي دون الخوض فيه مطلقاً. "
وأنا لم أناقش الموضوع في إطاره النقلي فقط ولكن احتراماً لعقل القارئ رأيت أن أذكر القليل الذي يدل على الكثير فقلت إذا كان النبي ليس معصوماً لأنه أخطأ عدة مرات وقال بنفسه إنه يخطئ ويصيب، فهل يجوز عقلاً أن يكون ابن عمه أو أحفاده معصومين ؟ فالقارئ يستطيع أن يستنتج ما نرمي إليه من الناحية العقلية. وقد قالوا قديماً: خير الكلام ما قل ودل. ولو أردنا الخوض في الأدلة العقلية بإسهاب لفعلنا) ]
فما يذكره الدكتور النجار هو من وجهة نظر مذهب اهل السنة الذين رووا روايات يدل بعضها على عدم عصمة النبي (صلى الله عليه وآله) وبالتأكيد فإنَّ آل البيت عليهم السلام ليسوا معصومين عندهم ، فنحن في غنى عن مذهبهم لأن في عقيدتنا التي أخذناها عن آل البيت عليهم السلام كفاية للنجاة من الضلال ، والدكتور النجار يميل للإستشهاد بمذهب أهل السنة لأن هذا المذهب يمكنه من الوصول لغايته في تشويه صورة الإسلام بسبب القواعد الخاطئة التي يمتلكها.
[وقال الدكتور النجار : (ولكن يكفي أن نقول أن معرفتنا بخصائص البشر منذ بدء التاريخ علمتنا أن الإنسان يتعلم من أخطائه) ]
ولكن يبدو أن ليس كل إنسان يتعلم من أخطاءه ، فهل ياترى قد تعلم الدكتور النجار من أخطاءه ، فهل أمتنع عن الإستشهاد بالأحاديث والروايات الضعيفة ؟!
[واما ما ذكره الدكتور النجار من أن أنس بن مالك ليس هو وحده من روى الحديث الذي بيّنا بطلانه في مقالنا السابق ، فقال : (وحتى لو وافقنا على ضعف أنس بن مالك، فلم يكن هو الوحيد الذي روى هذا الحديث، فقد قال يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق، عن إبراهيم بن محمد بن علي ابن أبي طالب، عن أبيه، عن جده علي ابن أبي طالب قال: أكثروا على مارية أم إبراهيم في قبطي ابن عم لها يزورها ويختلف إليها. فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((خذ هذا السيف فانطلق، فإن وجدته عندها فاقتله)). قال: قلت: يا رسول الله أكون في أمرك إذا أرسلتني كالسكة المحماة لا يثنيني شيء حتَّى أمضي لما أمرتني به، أم الشاهد يرى ما لا يرى الغائب. فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((بل الشاهد يرى ما لا يرى الغائب)). فأقبلت متوشحاً السيف، فوجدته عندها، فاخترطت السيف، فلما رآني عرف أني أريده، فأتى نخلة فرقي فيها، ثم رمى بنفسه على قفاه، ثم شال رجليه، فإذا به أجب أمسح ماله مما للرجال لا قليل ولا كثير، فأتيت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فأخبرته فقال: ((الحمد لله الذي صرف عنا أهل البيت)). (ج/5/326) البداية والنهاية للإمام إسماعيل بن كثير الدمشقي)) ]
فإن سند هذه الرواية ضعيف لمكان محمد بن إسحاق حيث ضعفوه كما في ضعفاء العقيلي حيث قال عنه هشام بن عروة : كذاب ، وقال عبد الرحمن بن مهدي : كان يحيى بن سعيد القطان ومالك يجرحان محمد بن إسحاق ، فلا يصح هذا الحديث.
[وقال الدكتور النجار : (ثم اعترض الكرخي كذلك على عائشة لأنها روت القصة، وقال إن عائشة لم تكن حاضرة عند حدوث الواقعة لأنها كانت صغيرة. ولو أخذنا بهذا المنطق فسوف نلقي بمعظم الأحاديث في سلة المهملات لأن أغلبها يرجع إلى ابن عباس الذي كان عمره اثنتي عشر عاماً عندما توفي النبي) ]
فما هو وجه إعتراض الدكتور النجار في إعمالنا قواعد البحث العلمي ، فنحقق كل رواية قبل قبولها ! وحتى لو سقطت عشرات الأحاديث عن الإعتبار ، فإذا كان الحق هو في عدم إعتبارها فلماذا نهتم لأي شخص يريد خلاف ذلك نتيجة أتباع هوى.
[وقال الدكتور النجار : (وعلى كلٍ، لم يكن الترمذي هو الوحيد الذي قال بنزول الآية بهذه المناسبة، فالإمام القرطبي يقول في تفسيره: " فروى أهل التفسير أجمع أن قوما من أشراف قريش كانوا عند النبي صلى الله عليه وسلم وقد طمع في إسلامهم، فأقبل عبدالله بن أم مكتوم، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقطع عبدالله عليه كلامه، فأعرض عنه، ففيه نزلت هذه الآية." وكذلك يقول الإمام جلال الدين السيوطي في الدر المنثور في التفسير بالمأثور: " أخرج ابن المنذر عن قتادة قال: نزلت في ابن أم مكتوم أربع آيات {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر} ونزل فيه (ليس على الأعمى حرج) (النور الآية 61) ونزل فيه (فإنها لا تعمى الأبصار...) (الحج الآية 16) الآية. ونزل فيه (عبس وتولى) (عبس الآية 1) فدعا به النبي صلى الله عليه وسلم، فأدناه وقربه وقال: "أنت الذي عاتبني فيك ربي") ]
فأما قول القرطبي فليس فيه دلالة على صحة الرواية لأن أولئك المفسرون هم من أهل السنة وهم يتبعون نفس القواعد الفاسدة في علم الرجال والتي بيّنا عدم صحتها في مقالتنا الأولى الموسومة (أخطاء مكررة في مقالات الدكتور كامل النجار) ، وأما ما نقله الدكتور النجار عن السيوطي فيشمله ما ذكرناه آنفاً من عدم صحة تلك القواعد المذكورة ، فضلاً عن أن قتادة الذي ينقل عنه السيوطي هو من التابعين أي لم يكن معاصراً لزمن الأحداث فلا تقبل شهادته إلا بروايته عمن عاصرها وذلك بفرض وثاقته ، وهو لم يفعل ذلك بحسب ما نقله الدكتور النجار ، وكذلك فقد قال أبن حبان عن قتادة أنه كان مدلساً ، وقال الحاكم في علوم الحديث : لم يسمع قتادة من صحابي غير أنس ، وقد ذكر أبن أبي حاتم عن أحمد بن حنبل مثل ذلك ، وقال أبو داود : حدّث قتادة عن ثلاثين رجلاً لم يسمع منهم ، وقال إسماعيل القاضي في أحكام القرآن : سمعت علي أبن المديني يضعف أحاديث قتادة عن سعيد بن المسيب تضعيفاً شديداً ، فهل يمكن ان نقبل رواية شخص يحمل مثل هذه الصفات ؟!
[وقال الدكتور النجار : (وعن قصة تلقيح النخل عندما قال النبي لهم " لا أظن هذا يصلح " ثم قال فيما بعد عندما لم يثمر النخل: " إنما هُوَ ظََنٌ، فإن كان يُغنى شيئاً، فاصنَعوهُ، فإنَّما أنا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ، وإنَّ الظَنَّ يُخطِئٌ ويُصيبُ، ولكنْ ما قلتُ لكم عنِ الله عَزَّ وجَلَّ، فلن أكذِبَ على الله." اعتبر السيد الكرخي أن القصة مكذوبة على النبي وعلل كذبها بدخول عروة بن الزبير وأنس بن مالك وهشام بن عروة في الرواية وقال إنهم غير موثوق بهم. ثم أضاف: " وقال الشيخ محمد صادق النجمي في كتابه أضواء على الصحيحين ص275 ما نصه : (لا يخفى أن الغاية من جعل هذا الحديث هي فتح باب المخالفة للنبي ( صلى الله عليه وآله ) بحيث لو أراد الخلفاء وأصحاب السلطة يوما أن يحكموا على خلاف تعاليم النبي ( صلى الله عليه وآله ) وينقضوا أوامره ، فهم يملكون دليلا ، ويستدلون على مخالفتهم بأن النبي قد ارتكب خطأ في مسألة تلقيح النخيل وبعدها قال : أنتم أعلم بأمور دنياكم)) ]
ويبدو أن هناك خطأ فيما نقله الدكتور النجار عني حيث أني لم أتهم هشام بن عروة ولم أذكر أنه أحد أسباب ضعف الرواية بل قلت ما نصه : (وقد تتبعنا هذه القصة في كتب أهل السنة فوجدنا أن سندها ينتهي إلى عروة بن الزبير عن عائشة وكذلك ثابت عن أنس) ثم قلتُ : (وقد بيّنا آنفاَ أن هذه الأسانيد غير معتبرة) فلم أذكر هشام بن عروة.
[وقال الدكتور النجار : (و لكن المشكلة التي يجب على السيد الكرخي أن يتغلب عليها هي أن هناك رواةً آخرين رووا هذه القصة، فقد قال ابن ماجة: حدثنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّد. ثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسى، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ سِمَاكٍ؛ أَنَّه سَمِعَ مُوسى بْنَ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللهِ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ؛ قَالَ: مَررَتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي نَخْلٍ. رَأَى قَوْمَاً يُلَقِّحُونَ النَّخْلَ. فقَالَ: ( ما يصنع هؤلاء؟) قَالُوا : يَأْخُذُونَ مِنَ الذَّكَرِ فِيَجْعَلُونَهَ فِي الأنْثَى قَالَ ( مَا أَظُنُّ ذَلِكَ يُغْنِي شَيْئاً) فَبَلَغَهُمْ، فَتَرَكْوهُ. فَنَزَلُوا عَنْها . فَبَلَغَ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ (إِنَّمَا هُوَ الظَّنُّ. إِنْ كَانَ يُغْنِي شَيْئاً فَاصْنَعُوهُ. فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ. وَإِنَّ الظَّنَّ يُخْطئُ وَيَصٍيبُ. وَلكِنْ مَا قُلْتُ لَكُمْ: قَالَ اللهُ- فَلَنْ أَكْذِبَ عَلَى اللهِ). ولا أشك أن السيد الكرخي سوف يطعن في هؤلاء الرواة كذلك) ]
فالسؤال هنا هو لماذا لم يقم الدكتور النجار بنفسه بتدقيق سند رواياته قبل أن يتوقع منّا الطعن فيها ؟! ألا يحتم عليه أسلوب البحث الرصين أن يقوم بذلك ؟
فأما سماك فهو سماك بن حرب وقد قال أبو طالب عن أحمد أنه مضطرب الحديث ، وكان شعبة يضعفه ، وقال أبن عمار : يقولون أنه كان يغلط ويختلفون في حديثه ، وكان الثوري يضعفه بعض الضعف ، وقد ذكره العقيلي في الضعفاء.
واما موسى بن طلحة بن عبيد الله فهو ممن شهد معركة الجمل مع أبيه طلحة بن عبيد الله ، فهو على هذا التقدير من النواصب ، وهنا يبرز سبب روايته هو وأباه مثل هذا الحديث فمن المعلوم أن طلحة هو ممن خالف بيعة الغدير وتذرعوا لهذه المخالفة بذرائع واهية ، وأبنه موسى قد وافقه وحارب معه الإمام علي عليه السلام ، فهناك مصلحة لهما في إشاعة مثل هذه الأحاديث بين الناس ليقولوا للناس أن تنصيب الخليفة هو من شؤون الناس وليس من شأن النبي (صلى الله عليه وآله) ، كل ذلك من أجل سلب أهل البيت عليهم السلام حقهم في الخلافة ، فمن المناسب أن نعيد ما ذكره الشيخ محمد صادق النجمي في كتابه أضواء على الصحيحين ص275 ما نصه : (لا يخفى أن الغاية من جعل هذا الحديث هي فتح باب المخالفة للنبي ( صلى الله عليه وآله ) بحيث لو أراد الخلفاء وأصحاب السلطة يوما أن يحكموا على خلاف تعاليم النبي ( صلى الله عليه وآله ) وينقضوا أوامره ، فهم يملكون دليلا ، ويستدلون على مخالفتهم بأن النبي قد ارتكب خطأ في مسألة تلقيح النخيل وبعدها قال : أنتم أعلم بأمور دنياكم) ).
[ وقال الدكتور النجار : (ثم قال السيد الكرخي: " نموذج آخر من نماذج عدم صحة أسلوب البحث العلمي عند الدكتور كامل النجار هو قوله : (وروى البخاري وابن ماجة أن خولة بنت ثعلبة وقيل بنت حكيم، أتت رسول الله (ص) فقالت إن زوجها أوس بن الصامت قد ظاهر عنها (جعلها مثل ظهر أمه، أي حرمت عليه كأمه) فقال لها الرسول: " حرمتِ عليه ". فقالت والله ما ذكر طلاقاً وإني أشكو إلى الله فاقتي ووحدتي ووحشتي وفراق زوجي وابن عمي، فنزلت الآية: " قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها " (المجادلة، الآية 1). فأحلها الله لزوجها. ومرة أخرى قد أخطأ النبي الإنسان الذي لم يدع العصمة) ، وبعد مراجعة المصادر لم نعثر على ما ذكره لا في البخاري ولا في أبن ماجة كما أدعى ، ووجدنا أن ما نقله عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) من أنه قال (حرمتِ عليه) يعارضه ما ذكره البيهقي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يقول لها : (أتقي الله فإنه زوجك وأبن عمك) "
ولو قرأ السيد الكرخي الجامع لأحكام القرآن للإمام القرطبي، تحت تفسير سورة المجادلة، لوجد: " والذي في البخاري من هذا عن عائشة قالت: الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات، لقد جاءت المجادلة تشكو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا في ناحية البيت ما أسمع ما تقول، فأنزل الله عز وجل: "قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها". وقال الماوردي: هي خولة بنت ثعلبة. وقيل: بنت خويلد. وليس هذا بمختلف، لأن أحدهما أبوها والآخر جدها فنسبت إلى كل واحد منهما. وزوجها أوس بن الصامت أخو عباد بن الصامت. وقال الثعلبي قال ابن عباس: هي خولة بنت خويلد الخزرجية، كانت تحت أوس بن الصامت أخو عبادة بن الصامت، وكانت حسنة الجسم، فرآها زوجها ساجدة فنظر عجيزتها فأعجبه أمرها، فلما انصرفت أرادها فأبت فغضب عليها قال عروة: وكان أمرءا به لمم فأصابه بعض لممه فقال لها: أنت علي كظهر أمي. وكان الإيلاء والظهار من الطلاق في الجاهلية، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال لها: (حرمتِ عليه) فقالت: والله ما ذكر طلاقا، ثم قالت: أشكو إلى الله فاقتي ووحدتي ووحشتي وفراق زوجي وابن عمي وقد نفضت له بطني، فقال: (حرمت عليه) فما زالت تراجعه ويراجعها حتى نزلت عليه الآية) ]
فأما ما نقله القرطبي عن الماوردي فيعارضه ما نقلناه عن البيهقي وذكره الدكتور النجار نقلاً عن مقالنا السابق ، واما ما ذكره القرطبي حول هذه الآية الكريمة فنصه هو :
{ قوله تعالى : ( قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله ) التي أشتكت إلى الله هي خولة بنت ثعلبة . وقيل بنت حكيم . وقيل أسمها جميلة . وخولة أصح ، وزوجها أوس بن الصامت أخو عبادة بن الصامت ، وقد مر بها عمر بن الخطاب رضي الله عنه في خلافته والناس معه على حمار فاستوقفته طويلا ووعظته وقالت : يا عمر قد كنت تدعى عميرا ، ثم قيل لك عمر ، ثم قيل لك أمير المؤمنين ، فاتق الله يا عمر ، فإنه من أيقن بالموت خاف الفوت ، ومن أيقن بالحساب خاف العذاب ، وهو واقف يسمع كلامها ، فقيل له : يا أمير المؤمنين أتقف لهذه العجوز هذا الوقوف ؟ فقال : والله لو حبستني من أول النهار إلى آخره لا زلت إلا للصلاة المكتوبة ، أتدرون من هذه العجوز ؟ هي خولة بنت ثعلبة سمع الله قولها من فوق سبع سموات ، أيسمع رب العالمين قولها ولا يسمعه عمر ؟ وقالت عائشة رضي الله عنها : تبارك الذي وسع سمعه كل شئ ، إنى لاسمع كلام خولة بنت ثعلبة ويخفي علي بعضه ، وهي تشتكي زوجها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهي تقول : يا رسول الله ! أكل شبابي ونثرت له بطني ، حتى إذا كبر سني وانقطع ولدى ظاهر مني ، اللهم إني أشكو إليك ! فما برحت حتى نزل جبريل بهذه الآية : ( قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله ) خرجه ابن ماجه في السنن . والذي في البخاري من هذا عن عائشة قالت : الحمد لله الذي وسع سمعه الاصوات ، لقد جاءت المجادلة تشكو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنا في ناحية البيت ما أسمع ما تقول ، فأنزل الله عزوجل : ( قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها ) . وقال الماوردي : هي خولة بنت ثعلبة . وقيل : بنت خويلد . وليس هذا بمختلف ، لان أحدهما أبوها والآخر جدها فنسبت إلى كل واحد منهما . وزوجها أوس بن الصامت أخو عبادة بن الصامت . وقال الثعلبي قال ابن عباس : هي خولة بنت خويلد الخزرجية ، كانت تحت أوس بن الصامت أخو عبادة بن الصامت ، وكانت حسنة الجسم ، فرآ ها زوجها ساجدة فنظر عجيزتها فأعجبه أمرها ، فلما انصرفت أرادها فأبت فغضب عليها - قال عروة: وكان امرأ به لمم فأصابه بعض لممه فقال لها : أنت علي كظهر أمي . وكان الايلاء والظهار من الطلاق في الجاهلية ، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال لها : ( حرمت عليه ) فقالت : والله ما ذكر طلاقا ، ثم قالت : أشكو إلى الله فاقتي ووحدتي ووحشتي وفراق زوجي وابن عمي وقد نفضت له بطني ، فقال : ( حرمت عليه ) فما زالت تراجعه ومراجعها حتى نزلت عليه الآية . وروى الحسن : أنها قالت : يا رسول الله ! قد نسخ الله سنن الجاهلية وإن زوجي ظاهر مني ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما أوحى إلي في هذا شئ ) فقالت : يا رسول الله ، أوحي إليك في كل شئ وطوي عنك هذا ؟ ! فقال : ( هو ما قلت لك ) فقالت : إلى الله أشكولا إلى رسوله . فأنزل الله : ( قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله ) الآية . وروى الدارقطني من حديث قتادة أن أنس بن مالك حدثه قال : إن أوس بن الصامت ظاهر من امرأته خويلة بنت ثعلبة فشكت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : ظاهر حين كبرت سني ورق عظمي . فأنزل الله تعالى آية الظهار ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لاوس : ( اعتق رقبة ) قال : مالي بذلك يدان . قال : ( فصم شهرين متتابعين ) قال : أما إني إذا أخطأني أن آكل في يوم ثلاث مرات يكل بصري . قال : ( فأطعم ستين مسكينا ) قال : ما أجد إلا أن تعينني منك بعون وصلة . قال : فأعانه رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمسة عشر صاعا حتى جمع الله له) } أنتهى.
وبذلك يجد القاريء الكريم أن الدكتور النجار يتّبع أسلوباً إنتقائياً للروايات التأريخية ، فالقرطبي قد ذكر روايتين في الأولى يقول لها النبي (صلى الله عليه وآله) : (فقال لها : ( حرمت عليه ) ، وفي الثانية يقول لها النبي (صلى الله عليه وآله) : ( ما أوحى إلي في هذا شئ ) وهي موافقة لرواية البيهقي التي ذكرناها في مقالنا السابق حول هذا الموضوع ، لكن الدكتور النجار فضّل ذكر الرواية الأولى دون الإشارة للرواية الثانية لأنه ظنَّ أن ذكرها وحدها يخدم أغراضه ويدعم فكرته في البحث المذكور. وعلى العموم فأنه على فرض عدم وجود مرجحات لترجيح إحدى الروايات على الأخرى فتسقط الروايتين عن الإعتبار.
[ وقال الدكتور النجار : (ومرة أخرى استعجل السيد الكرخي وقال إن ما أتيت به ليس له أصل: " ثم أن الله عزَّ وجل لم يحلها لزوجها مطلقاً كما ادعى الدكتور كامل النجار بل وضع كفارة عليه نجدها في قوله تعالى في الآيتين (3و4) من سورة المجادلة : (( والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير ، فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله وتلك حدود الله وللكافرين عذاب أليم )) ، فيبدو أن كل ما ذكره الدكتور كامل النجار ليس له أصل. "
ولو تغاضينا عن الطروحات النظرية وأخذنا بما حدث فعلاً نجد أن الله قد أحلها له، فقد قال القرطبي في تفسيره: " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأوس: (اعتق رقبة) قال: مالي بذلك يدان. قال: (فصم شهرين متتابعين) قال: أما إني إذا أخطأني أن آكل في يوم ثلاث مرات يكل بصري. قال: (فأطعم ستين مسكينا) قال: ما أجد إلا أن تعينني منك بعون وصلة. قال: فأعانه رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمسة عشر صاعا حتى جمع الله له والله غفور رحيم. فالذي لا يستطيع أن يقوم بأي من الشروط التي فرضها الله يستطيع أن يرجع إلى زوجته) ]
ويبدو أن الدكتور النجار قد فاته فهم قول القرطبي جيداً ، لأن القرطبي قال كما نقل الدكتور النجار عنه : (قال: (فأطعم ستين مسكينا) قال: ما أجد إلا أن تعينني منك بعون وصلة. قال: فأعانه رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمسة عشر صاعا حتى جمع الله له والله غفور رحيم) ، مما يعني أن ذلك الزوج قد أدى ما بذمته من كفارة فأطعم ستين مسكيناً ، وليس كما ذكر الدكتور النجار بقوله : (فالذي لا يستطيع أن يقوم بأي من الشروط التي فرضها الله يستطيع أن يرجع إلى زوجته) !!
[ وقال الدكتور النجار : (وفي محاولة لتفادي مناقشة الأدلة العقلية التي أوردناها من القرآن لنبرهن على أن العصمة غير ممكنة) ]
وكلامه هذا مثير للإستغراب فكيف يدعي أنه أورد أدلة عقلية من القرآن الكريم وأين هي تلك الأدلة في كلام الدكتور النجار ، وهل تكلم الدكتور النجار عن دليل عقلي أصلاً ؟!
[ وقال الدكتور النجار : (ويظهر جلياً للقارئ أن السيد الكرخي ناقش الفقرات التي بها أحاديث يستطيع أن يقول أنها ضعيفة لكنه لم يتعرض لأي آية قرآنية تثبت أن النبي لم يكن معصوماً. فقد ذكرنا في المقال الحادثة التي أدخل الشيطان فيها كلمات إضافية فأنزل الله: " ما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته ". وقول الله: " ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم " مما يثبت أن النبي، لولا تدخل الله، لأخطأ وركن إليهم. وكذلك حادثة الإفك عندما امتنع النبي عن الحديث إلى عائشة لما يقارب الشهر حتى أنزل الله براءتها في القرآن. فكل هذه الآيات القرآنية تُثبت بمنطق العقل أن النبي لم يكن معصوماً ولكن السيد الكرخي اختار ألا يتعرض لها) ]
فمن المؤكد خطأ ما ذكره الدكتور النجار لأننا اعرضنا عن بعض ما ذكره الدكتور النجار بعد أن أثبتنا أبتعاده عن الأسلوب العلمي في البحث ، ولم يكن في منهجنا الرد على كل كلام الدكتور النجار بل كانت رغبتنا في بيان أخطاء منهجه الذي ينتهجه في الإستدلال التأريخي ومهاجمته للإسلام ، وكان يفترض بالدكتور النجار أن يقرأ تفاسير المسلمين ويتعمق في دراستها قبل ان يستشهد برواية لا يعرف مدى صحتها ، فما نقله من حديث الغرانيق قد أستفاض الرد عليه من قبل العلماء الشيعة في كتبهم ، ولو كان الدكتور النجار يبحث عن حقيقة الأمر وليس التشنيع لراجع ما كتبوا قبل أن يصدر حكماً خاطئاًً حول عدم عصمة النبي (صلى الله عليه وآله) ، ولنلق الآن نظرة فيها شيء من التفصيل على بعض ما كتبه علماء الشيعة حول هذه المسألة ، ولنبين للقاريء بعض أقوال علماء الشيعة حيث أنه يناقش مسألة العصمة من منظورهم لا سيما عصمة الأئمة عليهم السلام بالإضافة لعصمة النبي (صلى الله عليه وآله) :
ـ قال الشيخ الطوسي في تفسير التبيان : { وقال البلخي : ويجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وآله سمع هاتين الكلمتين من قومه وحفظهما فلما قرأ النبي صلى الله عليه وآله وسوس بهما إليه الشيطان ، وألقاهما في فكره ، فكاد أن يجريهما على لسانه ، فعصمه الله ، ونبهه ، ونسخ وسواس الشيطان ، وأحكم آياته ، بأن قرأها النبي صلى الله عليه وآله محكمة سليمة مما أراد الشيطان . ويحوز أن يكون النبي صلى الله عليه وآله حين اجتمع إليه القوم ، واقترحوا عليه أن يترك ذكر آلهتهم بالسوء ، أقبل عليهم يعظهم ويدعوهم إلى الله ، فلما انتهى رسول الله إلى ذكر اللات والعزى . قال الشيطان هاتين الكلمتين رافعا بها صوته ، فالقاهما في تلاوته في غمار من القوم وكثرة لغطهم ، فظن الكفار ان ذلك من قول النبي ، فسجدوا عند ذلك } .
ـ قال الشيخ الطبرسي في تفسير مجمع البيان : { فالمعنى : إن من أرسل قبلك من الرسل كان إذا تلا ما يؤديه إلى قومه ، حرفوا عليه ، وزادوا فيما يقوله ، ونقصوا ، كما فعلت اليهود ، وأضاف ذلك إلى الشيطان ، لأنه يقع بغروره ( فينسخ الله ما يلقي الشيطان ) أي : يزيله ويدحضه بظهور حججه . وخرج هذا على وجه التسلية للنبي صلى الله عليه وآله وسلم لما كذب المشركون عليه ، وأضافوا إلى تلاوته من مدح آلهتهم ، ما لم يكن فيها ، وإن كان المراد تمني القلب فالوجه أن الرسول متى تمنى بقلبه بعض ما يتمناه من الأمور ، وسوس إليه الشيطان بالباطل ، يدعوه إليه ، وينسخ الله ذلك ويبطله بما يرشده إليه من مخالفة الشيطان ، وترك استماع غروره . قال : وأما الأحاديث المروية في هذا الباب فهي مطعونة ، ومضعفة عند أصحاب الحديث ، وقد تضمنت ما ينزه الرسل عليهم السلام عنه . وكيف يجوز ذلك على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وقد قال الله سبحانه : ( كذلك لنثبت به فؤادك ) ، وقال : ( سنقرؤك فلا تنسى ) . وإن حمل ذلك على السهو ، فالساهي لا يجوز أن يقع منه مثل هذه الألفاظ المطابقة لوزن السورة ونظمها ، ثم لمعنى ما تقدمها من الكلام ، لأنا نعلم ضرورة أن الساهي لو أنشأ قصيدة ، لم يجز أن يسهو حتى يتفق منه بيت شعر في وزنها ، وفي معنى البيت الذي تقدمه ، وعلى الوجه الذي تقتضيه فائدته . ويمكن أن يكون الوجه فيه ما ذكرناه في النزول ، لأن من المعلوم أنهم كانوا يلقون عند قراءته طلبا لتغليطه ، ويمكن أن يكون كان هذا في الصلاة ، لأنهم كانوا يلقون في قراءته . وقيل أيضا : إنه كان إذا تلا القرآن على قريش ، توقف في فصول الآيات ، وأتى بكلام على سبيل الحجاج لهم . فلما تلا الآيات قال : ( تلك الغرانيق العلى ) على سبيل الإنكار عليهم ، وعلى أن الأمر بخلاف ما قالوه وظنوه . وليس يمتنع أن يكون هذا في الصلاة ، لأن الكلام في الصلاة حينئذ كان مباحا ، وإنما نسخ من بعد . وقيل : إن المراد بالغرانيق . الملائكة ، وقد جاء ذلك في بعض الحديث ، فتوهم المشركون أنه يريد آلهتهم . وقيل : إن ذلك كان قرآنا منزلا في وصف الملائكة ، فلما ظن المشركون أن المراد به آلهتهم ، نسخت تلاوته . وقال البلخي : ويجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم سمع هاتين الكلمتين من قومه وحفظهما ، فلما قرأ ، ألقاها الشيطان في ذكره ، فكاد أن يجريها على لسانه فعصمه الله ونبهه ، ونسخ وسواس الشيطان ، وأحكم آياته ، بأن قرأها النبي صلى الله عليه وآله وسلم محكمة ، سليمة مما أراد الشيطان . ويجوز أن يكون النبي صلى اله عليه وآله وسلم لما انتهى إلى ذكر اللات والعزى ، قال الشيطان هاتين الكلمتين رافعا بهما صوته ، فألقاهما في تلاوته في غمار الناس ، فظن الجهال أن ذلك من قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فسجدوا عند ذلك . والغرانيق : جمع غرنوق وهو الحسن الجميل ، يقال : شاب غرنوق وغرانق : إذا كان ممتليا ريا ( ثم يحكم الله آياته ) أي : يبقي آياته ، ودلائله وأوامره محكمة لا سهو فيها ، ولا غلط . ( والله عليم ) بكل شئ ( حكيم ) واضع للأشياء مواضعها . ( ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم ) أي : ليجعل ذلك تشديدا في التعبد وامتحانا ، عن الجبائي . والمعنى : إنه شدد المحنة والتكليف على الذين في قلوبهم شك ، وعلى الذين قست قلوبهم من الكفار ، فتلزمهم الدلالة على الفرق بين ما يحكمه الله ، وبين ما يلقيه الشيطان . ( وإن الظالمين لفي شقاق بعيد ) أي : في معاداة ومخالفة بعيدة عن الحق ( وليعلم الذين أوتوا العلم ) بالله وبتوحيده وبحكمته ( أنه الحق من ربك ) أي : إن القرآن حق لا يجوز عليه التبديل والتغيير ( فيؤمنوا به ) أي : فيثبتوا على إيمانهم . وقيل : يزدادوا إيمانا إلى إيمانهم . ( فتخبت له قلوبهم ) أي : تخشع وتتواضع لقوة إيمانهم ( وإن الله لهاد الذين آمنوا إلى صراط مستقيم ) أي : طريق واضح لا عوج فيه أي : يثبتهم على الدين الحق . وقيل : يهديهم ربهم بإيمانهم إلى طريق الجنة . ( ولا يزال الذين كفروا في مرية منه ) أي : في شك من القرآن ، عن ابن جريج . وهذا خاص في من علم الله تعالى أنهم لا يؤمنون من الكفار ( حتى تأتيهم الساعة بغتة ) أي : فجأة ، وعلى غفلة ( أو يأتيهم عذاب يوم عقيم ) قيل : إنه عذاب يوم بدر ، عن قتادة ومجاهد . وسماه عقيما لأنه لا مثل له في عظم أمره ، لقتال الملائكة فيه ، ومثله قول الشاعر : عقم النساء فلا يلدن شبيهه ، * إن النساء بمثله لعقيم وقيل : إنما سمى ذلك اليوم عقيما ، لأنه لم يكون فيه للكفار خير ، فهو كالريح العقيم التي لا تأتي بخير ، عن الضحاك ، واختاره الزجاج . وقيل : المراد به يوم القيامة ، والمعنى : حتى تأتيهم علامات الساعة ، أو عذاب يوم القيامة . وسقاه عقيما لأنه لا ليلة له ، عن عكرمة والجبائي .
ولعل فيما ذكرناه كفاية لمن أراد التبحر في معنى هذه الآية ، فلا دليل فيها على عدم العصمة.
وأما قول الدكتور النجار : (وكذلك حادثة الإفك عندما امتنع النبي عن الحديث إلى عائشة لما يقارب الشهر حتى أنزل الله براءتها في القرآن) ، فهو خالٍ من الدليل على عدم العصمة ، فأين هي الخطيئة في عدم تحدث النبي (صلى الله عليه وآله) مع عائشة تلك الفترة ، وما يدريه ما سبب ذلك ! فالخلل يكمن في إعتماد الدكتور النجار على روايات أهل السنة وهي روايات لم يثبت صحتها ، وما رواه الشيعة كذلك حول سبب حادثة الأفك مخالف لرواية أهل السنة ، ثم وعلى فرض صحة ما رواه أهل السنة في هذا الأمر فإنَّ النبي (صلى الله عليه وآله) يريد من كل افعاله وأقواله تعليم أمته ما يجب أن يكونوا عليه من حسن الفعل والتصرف ، والمسلمون مأمورون بالإقتداء بالنبي وطاعته ، ولذلك كانت السنة النبوية حجة على المسلمين ، ففعل النبي (صلى الله عليه وآله) يمكن فهمه من هذا الإتجاه ، فعدم التسرع في إصدار الأحكام والتأني والتريث قبل إصدار الحكم لا سيما في العلاقات الأسرية ، وتعليم المسلمين عدم الخوض في الباطل وتعليمهم عقوبة من يخوض في أعراض الناس كلها دروس يمكن للمسلم أن يستفيدها من حادثة الأفك ، بغض النظر عمن قد نزلت في حقه وبغض النظر عن التفاصيل الصغيرة للقصة.
والأدلة العقلية على عصمة النبي (صلى الله عليه وآله) والتي يمكن للقاريء الكريم أن يستفيض في معرفتها من خلال كتب الشيعة العقائدية ، هي أعظم وأدق وأكثر صحة من أن تعارضها مثل هذه القصة التي يرويها أهل السنة حول نزول الآية وهي قصة ليس فيها ما يخدش عصمة النبي (صلى الله عليه وآله).
nabilalkarkhy@yahoo.com
مواضيع ذات صلة :
• هل الأنبياء والرسل معصومون ؟
http://www.kitabat.com/i1277.htm
• أخطاء مكررة في كتابات الدكتور كامل النجار
http://www.kitabat.com/i1427.htm
• عاد السيد الكرخي فعدنا - عصمة الأنبياء والرسل
http://www.kitabat.com/i1461.htm
كتابات - نبيـل الكرخي
من أفكار الدكتور كامل النجار :
[ المؤمن ليس مقدساً ...
القرآن ليس مقدساً ...
المسجد ليس مقدساً ... ]
هذه الأفكار هي بعض مما فهمه الدكتور كامل النجار عن الإسلام ، هو لم يقل إنها أفكاره الشخصية وإلا لما أعترضنا عليها فهذا شأنه ، ولكنه نسب هذه الأفكار للإسلام وجزم بأنَّ الإسلام قد نص على عدم قدسية ما ذكرناه ! وبحمد الله عزَّ وجل فإنَّ المسلمين بغنى عن تعلم دينهم من الدكتور كامل النجار.
قال الدكتور النجار : (البحث العلمي، في عرف السيد الكرخي، لا بد أن يقود إلى ما قالت به الشيعة) ، فما هو ذنب الكرخي إذا كان مذهب الشيعة مبني على أسس صحيحة لأنه مستمد من فكر أهل البيت عليهم السلام ، فإذا كان البحث العلمي يقود لإعتناق مذهب آل البيت عليهم السلام فهذا من أجل أن مذهبهم عليهم السلام مبني على أسس صحيحة.
ونحن لا نصادر فكر أحد بل نريد ممن يتناول البحث في الروايات التأريخية أو الأحاديث النبوية أن يتناولها وفق ضوابط البحث العلمي ، بأن يتحقق من صحة ما ينقله ، فعلى سبيل المثال نحن لا نريد أن نحتِّم على القاريء الكريم نصرة مذهب الشيعة في ضرورة معرفة عدالة كل صحابي بصورة تفصيلية قبل قبول روايته ولا أن نفرض على القاريء العزيز نصرة مذهب أهل السنة في القول بعدالة جميع الصحابة بدون معرفة سيرة حياتهم ومقدار ضبطهم وعدم خلطهم ، بل نريد من القاريء الكريم أن يتفكر في قاعدة كل فريق وأن يقرر هو بنفسه أيهما أصح ما يقوله الشيعة في قواعد علم الرجال أم ما يقوله أهل السنة ، وأيهما أقرب للمنطق وللبحث العلمي ، فهذا المقدار يكفينا.
[وقال الدكتور كامل النجار : (وكل نقاشي عن العصمة كان مبنياً على ترجيح العقل على النقل، واستشهدنا بالنقل لنثبت خطأ الفكرة) ]
لكننا لم نعثر على ما ذكره فلم نجد أي ترجيح لأنه وببساطة لم يتطرق للدليل العقلي في نقض عصمة الأنبياء ولم يتحدث عنه ، ومقالته خالية من أي ذكرٍ له. فلماذا يدعي الترجيح في حين أنه لم يقم بذلك على الإطلاق ؟!
[وقال الدكتور النجار : (وبما أن فكرة عصمة النبي مشتركة بين السنة والشيعة، وبما أن السنة هم الغالبية في الإسلام، يصبح الاستشهاد بأقوالهم مقبولاً ومنطقياً)]
ويبدو أن الدكتور النجار لا يعلم أن الشيعة يختلفون عن أهل السنة في موضوع عصمة الأنبياء ، فالشيعة يقولون بعصمته (صلى الله عليه وآله) في كافة أقواله وأفعاله ، قبل البعثة وبعدها ، منذ ولادته وحتى نهاية حياته الشريفة ، في حين أن أهل السنة يكتفون بأن يجعلوه معصوماً في التبليغ فقط ، وهنا نجد الإختلاف واضحاً بينهما فهي إذن ليست مسألة متفق عليها بينهما ، وكون اهل السنة هم الغالبية فلا يعني ذلك أنهم أهل الحق أو أن ما ينقض مذهبهم ينقض الإسلام. ثم أن أهل السنة وهم الغالبية في الإسلام ينفون أن يكون الأئمة عليهم السلام معصومون ، فلماذا يتعب الدكتور النجار نفسه ويلجأ لهذا الأسلوب فيحاول إبطال عصمة النبي من أجل إبطال عصمة الأئمة ! مع أنه يذكر (بما أن السنة هم الغالبية في الإسلام، يصبح الاستشهاد بأقوالهم مقبولاً ومنطقياً) فكان يمكنه بكل سهولة أن يذكر رأيهم فقط في الموضوع ليستدل به على مراده !!
[وقال الدكتور النجار : (وكنت قد قلت في مقالي الأخير: " وقد قدس عرب ما قبل الإسلام أصنامهم وحتى بعض الأشجار مثل " ذات أنواط" وكذلك الكعبة التي كانوا يحتفظون فيها بأصنامهم. ثم جاءت الأديان التوحيدية فجعلت التقديس لله وحده " فاتهمني السيد الكرخي بالتناقض فقال: " فيعتبر عبادة العرب للأصنام هي عبادة غير توحيدية ، حيث يجعلها مرحلة سبقت ظهور الأديان التوحيدية حيث يقول كما هو مذكور آنفاً : (ثم جاءت الأديان التوحيدية فجعلت التقديس لله وحده) ، وهو بذلك يناقض ما ذكره في كتابه (الدولة الإسلامية بين النظرية والتطبيق) حيث يعتبر فيه أن عبادة العرب في الجاهلية للأصنام هو جزء من العبادة التوحيدية ". وأنا لا أرى أي تناقض بين القولين، فقد قلت سابقاً أن عرب ما قبل الإسلام قد عرفوا التوحيد وكانوا يحلفون بالله ويعتقدون أنه خلق السماء والأرض، لكنهم عبدوا الأصنام كوسيلة توصلهم لله في السماء، وقد قدسوا هذه الأصنام. ثم جاءت الأديان السماوية بما فيها الإسلام وقالت إن التقديس لله وحده. فأين التناقض ؟)]
فالتناقض واضح حيث أنه في مقاله السابق يذكر مرحلتين الأولى قبل ظهور الأديان التوحيدية ـ حيث يقول : (وكذلك الكعبة التي كانوا يحتفظون فيها بأصنامهم. ثم جاءت الأديان التوحيدية) ـ والثانية بعدها ، ويجعل عبادة الأصنام ضمن المرحلة الأولى ، بينما في كتابه (الدولة الإسلامية بين النظرية والتطبيق) يذكر أن عبادة الأصنام هو من ضمن الأديان التوحيدية ، وأن عبادة الأصنام فيه من التوحيد ما يغني الإنسانية عن ظهور الإسلام !؟؟ ، فالتناقض واضح في أفكاره بين كتابه ومقالته.
[وقال الدكتور النجار : (واستمر السيد الكرخي فقال: " وطرح الدكتور كامل النجار مناقشته لموضوع عصمة النبي (صلى الله عليه وآله) وفق الدليلين النقلي والعقلي فقال : (ولكن هل تنسجم هذه العصمة مع تعاليم الإسلام أولاً ومع العقل ثانياً ؟) ولكنه لم يلتزم هو نفسه بما ألزم به نفسه ، أي لم يناقش قضية العصمة وفق هذين الإتجاهين أي النقلي والعقلي ، فناقش الموضوع في إطاره النقلي فقط من خلال بعض الروايات الضعيفة ، وترك الدليل العقلي دون الخوض فيه مطلقاً. "
وأنا لم أناقش الموضوع في إطاره النقلي فقط ولكن احتراماً لعقل القارئ رأيت أن أذكر القليل الذي يدل على الكثير فقلت إذا كان النبي ليس معصوماً لأنه أخطأ عدة مرات وقال بنفسه إنه يخطئ ويصيب، فهل يجوز عقلاً أن يكون ابن عمه أو أحفاده معصومين ؟ فالقارئ يستطيع أن يستنتج ما نرمي إليه من الناحية العقلية. وقد قالوا قديماً: خير الكلام ما قل ودل. ولو أردنا الخوض في الأدلة العقلية بإسهاب لفعلنا) ]
فما يذكره الدكتور النجار هو من وجهة نظر مذهب اهل السنة الذين رووا روايات يدل بعضها على عدم عصمة النبي (صلى الله عليه وآله) وبالتأكيد فإنَّ آل البيت عليهم السلام ليسوا معصومين عندهم ، فنحن في غنى عن مذهبهم لأن في عقيدتنا التي أخذناها عن آل البيت عليهم السلام كفاية للنجاة من الضلال ، والدكتور النجار يميل للإستشهاد بمذهب أهل السنة لأن هذا المذهب يمكنه من الوصول لغايته في تشويه صورة الإسلام بسبب القواعد الخاطئة التي يمتلكها.
[وقال الدكتور النجار : (ولكن يكفي أن نقول أن معرفتنا بخصائص البشر منذ بدء التاريخ علمتنا أن الإنسان يتعلم من أخطائه) ]
ولكن يبدو أن ليس كل إنسان يتعلم من أخطاءه ، فهل ياترى قد تعلم الدكتور النجار من أخطاءه ، فهل أمتنع عن الإستشهاد بالأحاديث والروايات الضعيفة ؟!
[واما ما ذكره الدكتور النجار من أن أنس بن مالك ليس هو وحده من روى الحديث الذي بيّنا بطلانه في مقالنا السابق ، فقال : (وحتى لو وافقنا على ضعف أنس بن مالك، فلم يكن هو الوحيد الذي روى هذا الحديث، فقد قال يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق، عن إبراهيم بن محمد بن علي ابن أبي طالب، عن أبيه، عن جده علي ابن أبي طالب قال: أكثروا على مارية أم إبراهيم في قبطي ابن عم لها يزورها ويختلف إليها. فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((خذ هذا السيف فانطلق، فإن وجدته عندها فاقتله)). قال: قلت: يا رسول الله أكون في أمرك إذا أرسلتني كالسكة المحماة لا يثنيني شيء حتَّى أمضي لما أمرتني به، أم الشاهد يرى ما لا يرى الغائب. فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((بل الشاهد يرى ما لا يرى الغائب)). فأقبلت متوشحاً السيف، فوجدته عندها، فاخترطت السيف، فلما رآني عرف أني أريده، فأتى نخلة فرقي فيها، ثم رمى بنفسه على قفاه، ثم شال رجليه، فإذا به أجب أمسح ماله مما للرجال لا قليل ولا كثير، فأتيت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فأخبرته فقال: ((الحمد لله الذي صرف عنا أهل البيت)). (ج/5/326) البداية والنهاية للإمام إسماعيل بن كثير الدمشقي)) ]
فإن سند هذه الرواية ضعيف لمكان محمد بن إسحاق حيث ضعفوه كما في ضعفاء العقيلي حيث قال عنه هشام بن عروة : كذاب ، وقال عبد الرحمن بن مهدي : كان يحيى بن سعيد القطان ومالك يجرحان محمد بن إسحاق ، فلا يصح هذا الحديث.
[وقال الدكتور النجار : (ثم اعترض الكرخي كذلك على عائشة لأنها روت القصة، وقال إن عائشة لم تكن حاضرة عند حدوث الواقعة لأنها كانت صغيرة. ولو أخذنا بهذا المنطق فسوف نلقي بمعظم الأحاديث في سلة المهملات لأن أغلبها يرجع إلى ابن عباس الذي كان عمره اثنتي عشر عاماً عندما توفي النبي) ]
فما هو وجه إعتراض الدكتور النجار في إعمالنا قواعد البحث العلمي ، فنحقق كل رواية قبل قبولها ! وحتى لو سقطت عشرات الأحاديث عن الإعتبار ، فإذا كان الحق هو في عدم إعتبارها فلماذا نهتم لأي شخص يريد خلاف ذلك نتيجة أتباع هوى.
[وقال الدكتور النجار : (وعلى كلٍ، لم يكن الترمذي هو الوحيد الذي قال بنزول الآية بهذه المناسبة، فالإمام القرطبي يقول في تفسيره: " فروى أهل التفسير أجمع أن قوما من أشراف قريش كانوا عند النبي صلى الله عليه وسلم وقد طمع في إسلامهم، فأقبل عبدالله بن أم مكتوم، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقطع عبدالله عليه كلامه، فأعرض عنه، ففيه نزلت هذه الآية." وكذلك يقول الإمام جلال الدين السيوطي في الدر المنثور في التفسير بالمأثور: " أخرج ابن المنذر عن قتادة قال: نزلت في ابن أم مكتوم أربع آيات {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر} ونزل فيه (ليس على الأعمى حرج) (النور الآية 61) ونزل فيه (فإنها لا تعمى الأبصار...) (الحج الآية 16) الآية. ونزل فيه (عبس وتولى) (عبس الآية 1) فدعا به النبي صلى الله عليه وسلم، فأدناه وقربه وقال: "أنت الذي عاتبني فيك ربي") ]
فأما قول القرطبي فليس فيه دلالة على صحة الرواية لأن أولئك المفسرون هم من أهل السنة وهم يتبعون نفس القواعد الفاسدة في علم الرجال والتي بيّنا عدم صحتها في مقالتنا الأولى الموسومة (أخطاء مكررة في مقالات الدكتور كامل النجار) ، وأما ما نقله الدكتور النجار عن السيوطي فيشمله ما ذكرناه آنفاً من عدم صحة تلك القواعد المذكورة ، فضلاً عن أن قتادة الذي ينقل عنه السيوطي هو من التابعين أي لم يكن معاصراً لزمن الأحداث فلا تقبل شهادته إلا بروايته عمن عاصرها وذلك بفرض وثاقته ، وهو لم يفعل ذلك بحسب ما نقله الدكتور النجار ، وكذلك فقد قال أبن حبان عن قتادة أنه كان مدلساً ، وقال الحاكم في علوم الحديث : لم يسمع قتادة من صحابي غير أنس ، وقد ذكر أبن أبي حاتم عن أحمد بن حنبل مثل ذلك ، وقال أبو داود : حدّث قتادة عن ثلاثين رجلاً لم يسمع منهم ، وقال إسماعيل القاضي في أحكام القرآن : سمعت علي أبن المديني يضعف أحاديث قتادة عن سعيد بن المسيب تضعيفاً شديداً ، فهل يمكن ان نقبل رواية شخص يحمل مثل هذه الصفات ؟!
[وقال الدكتور النجار : (وعن قصة تلقيح النخل عندما قال النبي لهم " لا أظن هذا يصلح " ثم قال فيما بعد عندما لم يثمر النخل: " إنما هُوَ ظََنٌ، فإن كان يُغنى شيئاً، فاصنَعوهُ، فإنَّما أنا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ، وإنَّ الظَنَّ يُخطِئٌ ويُصيبُ، ولكنْ ما قلتُ لكم عنِ الله عَزَّ وجَلَّ، فلن أكذِبَ على الله." اعتبر السيد الكرخي أن القصة مكذوبة على النبي وعلل كذبها بدخول عروة بن الزبير وأنس بن مالك وهشام بن عروة في الرواية وقال إنهم غير موثوق بهم. ثم أضاف: " وقال الشيخ محمد صادق النجمي في كتابه أضواء على الصحيحين ص275 ما نصه : (لا يخفى أن الغاية من جعل هذا الحديث هي فتح باب المخالفة للنبي ( صلى الله عليه وآله ) بحيث لو أراد الخلفاء وأصحاب السلطة يوما أن يحكموا على خلاف تعاليم النبي ( صلى الله عليه وآله ) وينقضوا أوامره ، فهم يملكون دليلا ، ويستدلون على مخالفتهم بأن النبي قد ارتكب خطأ في مسألة تلقيح النخيل وبعدها قال : أنتم أعلم بأمور دنياكم)) ]
ويبدو أن هناك خطأ فيما نقله الدكتور النجار عني حيث أني لم أتهم هشام بن عروة ولم أذكر أنه أحد أسباب ضعف الرواية بل قلت ما نصه : (وقد تتبعنا هذه القصة في كتب أهل السنة فوجدنا أن سندها ينتهي إلى عروة بن الزبير عن عائشة وكذلك ثابت عن أنس) ثم قلتُ : (وقد بيّنا آنفاَ أن هذه الأسانيد غير معتبرة) فلم أذكر هشام بن عروة.
[وقال الدكتور النجار : (و لكن المشكلة التي يجب على السيد الكرخي أن يتغلب عليها هي أن هناك رواةً آخرين رووا هذه القصة، فقد قال ابن ماجة: حدثنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّد. ثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسى، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ سِمَاكٍ؛ أَنَّه سَمِعَ مُوسى بْنَ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللهِ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ؛ قَالَ: مَررَتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي نَخْلٍ. رَأَى قَوْمَاً يُلَقِّحُونَ النَّخْلَ. فقَالَ: ( ما يصنع هؤلاء؟) قَالُوا : يَأْخُذُونَ مِنَ الذَّكَرِ فِيَجْعَلُونَهَ فِي الأنْثَى قَالَ ( مَا أَظُنُّ ذَلِكَ يُغْنِي شَيْئاً) فَبَلَغَهُمْ، فَتَرَكْوهُ. فَنَزَلُوا عَنْها . فَبَلَغَ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ (إِنَّمَا هُوَ الظَّنُّ. إِنْ كَانَ يُغْنِي شَيْئاً فَاصْنَعُوهُ. فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ. وَإِنَّ الظَّنَّ يُخْطئُ وَيَصٍيبُ. وَلكِنْ مَا قُلْتُ لَكُمْ: قَالَ اللهُ- فَلَنْ أَكْذِبَ عَلَى اللهِ). ولا أشك أن السيد الكرخي سوف يطعن في هؤلاء الرواة كذلك) ]
فالسؤال هنا هو لماذا لم يقم الدكتور النجار بنفسه بتدقيق سند رواياته قبل أن يتوقع منّا الطعن فيها ؟! ألا يحتم عليه أسلوب البحث الرصين أن يقوم بذلك ؟
فأما سماك فهو سماك بن حرب وقد قال أبو طالب عن أحمد أنه مضطرب الحديث ، وكان شعبة يضعفه ، وقال أبن عمار : يقولون أنه كان يغلط ويختلفون في حديثه ، وكان الثوري يضعفه بعض الضعف ، وقد ذكره العقيلي في الضعفاء.
واما موسى بن طلحة بن عبيد الله فهو ممن شهد معركة الجمل مع أبيه طلحة بن عبيد الله ، فهو على هذا التقدير من النواصب ، وهنا يبرز سبب روايته هو وأباه مثل هذا الحديث فمن المعلوم أن طلحة هو ممن خالف بيعة الغدير وتذرعوا لهذه المخالفة بذرائع واهية ، وأبنه موسى قد وافقه وحارب معه الإمام علي عليه السلام ، فهناك مصلحة لهما في إشاعة مثل هذه الأحاديث بين الناس ليقولوا للناس أن تنصيب الخليفة هو من شؤون الناس وليس من شأن النبي (صلى الله عليه وآله) ، كل ذلك من أجل سلب أهل البيت عليهم السلام حقهم في الخلافة ، فمن المناسب أن نعيد ما ذكره الشيخ محمد صادق النجمي في كتابه أضواء على الصحيحين ص275 ما نصه : (لا يخفى أن الغاية من جعل هذا الحديث هي فتح باب المخالفة للنبي ( صلى الله عليه وآله ) بحيث لو أراد الخلفاء وأصحاب السلطة يوما أن يحكموا على خلاف تعاليم النبي ( صلى الله عليه وآله ) وينقضوا أوامره ، فهم يملكون دليلا ، ويستدلون على مخالفتهم بأن النبي قد ارتكب خطأ في مسألة تلقيح النخيل وبعدها قال : أنتم أعلم بأمور دنياكم) ).
[ وقال الدكتور النجار : (ثم قال السيد الكرخي: " نموذج آخر من نماذج عدم صحة أسلوب البحث العلمي عند الدكتور كامل النجار هو قوله : (وروى البخاري وابن ماجة أن خولة بنت ثعلبة وقيل بنت حكيم، أتت رسول الله (ص) فقالت إن زوجها أوس بن الصامت قد ظاهر عنها (جعلها مثل ظهر أمه، أي حرمت عليه كأمه) فقال لها الرسول: " حرمتِ عليه ". فقالت والله ما ذكر طلاقاً وإني أشكو إلى الله فاقتي ووحدتي ووحشتي وفراق زوجي وابن عمي، فنزلت الآية: " قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها " (المجادلة، الآية 1). فأحلها الله لزوجها. ومرة أخرى قد أخطأ النبي الإنسان الذي لم يدع العصمة) ، وبعد مراجعة المصادر لم نعثر على ما ذكره لا في البخاري ولا في أبن ماجة كما أدعى ، ووجدنا أن ما نقله عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) من أنه قال (حرمتِ عليه) يعارضه ما ذكره البيهقي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يقول لها : (أتقي الله فإنه زوجك وأبن عمك) "
ولو قرأ السيد الكرخي الجامع لأحكام القرآن للإمام القرطبي، تحت تفسير سورة المجادلة، لوجد: " والذي في البخاري من هذا عن عائشة قالت: الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات، لقد جاءت المجادلة تشكو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا في ناحية البيت ما أسمع ما تقول، فأنزل الله عز وجل: "قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها". وقال الماوردي: هي خولة بنت ثعلبة. وقيل: بنت خويلد. وليس هذا بمختلف، لأن أحدهما أبوها والآخر جدها فنسبت إلى كل واحد منهما. وزوجها أوس بن الصامت أخو عباد بن الصامت. وقال الثعلبي قال ابن عباس: هي خولة بنت خويلد الخزرجية، كانت تحت أوس بن الصامت أخو عبادة بن الصامت، وكانت حسنة الجسم، فرآها زوجها ساجدة فنظر عجيزتها فأعجبه أمرها، فلما انصرفت أرادها فأبت فغضب عليها قال عروة: وكان أمرءا به لمم فأصابه بعض لممه فقال لها: أنت علي كظهر أمي. وكان الإيلاء والظهار من الطلاق في الجاهلية، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال لها: (حرمتِ عليه) فقالت: والله ما ذكر طلاقا، ثم قالت: أشكو إلى الله فاقتي ووحدتي ووحشتي وفراق زوجي وابن عمي وقد نفضت له بطني، فقال: (حرمت عليه) فما زالت تراجعه ويراجعها حتى نزلت عليه الآية) ]
فأما ما نقله القرطبي عن الماوردي فيعارضه ما نقلناه عن البيهقي وذكره الدكتور النجار نقلاً عن مقالنا السابق ، واما ما ذكره القرطبي حول هذه الآية الكريمة فنصه هو :
{ قوله تعالى : ( قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله ) التي أشتكت إلى الله هي خولة بنت ثعلبة . وقيل بنت حكيم . وقيل أسمها جميلة . وخولة أصح ، وزوجها أوس بن الصامت أخو عبادة بن الصامت ، وقد مر بها عمر بن الخطاب رضي الله عنه في خلافته والناس معه على حمار فاستوقفته طويلا ووعظته وقالت : يا عمر قد كنت تدعى عميرا ، ثم قيل لك عمر ، ثم قيل لك أمير المؤمنين ، فاتق الله يا عمر ، فإنه من أيقن بالموت خاف الفوت ، ومن أيقن بالحساب خاف العذاب ، وهو واقف يسمع كلامها ، فقيل له : يا أمير المؤمنين أتقف لهذه العجوز هذا الوقوف ؟ فقال : والله لو حبستني من أول النهار إلى آخره لا زلت إلا للصلاة المكتوبة ، أتدرون من هذه العجوز ؟ هي خولة بنت ثعلبة سمع الله قولها من فوق سبع سموات ، أيسمع رب العالمين قولها ولا يسمعه عمر ؟ وقالت عائشة رضي الله عنها : تبارك الذي وسع سمعه كل شئ ، إنى لاسمع كلام خولة بنت ثعلبة ويخفي علي بعضه ، وهي تشتكي زوجها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهي تقول : يا رسول الله ! أكل شبابي ونثرت له بطني ، حتى إذا كبر سني وانقطع ولدى ظاهر مني ، اللهم إني أشكو إليك ! فما برحت حتى نزل جبريل بهذه الآية : ( قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله ) خرجه ابن ماجه في السنن . والذي في البخاري من هذا عن عائشة قالت : الحمد لله الذي وسع سمعه الاصوات ، لقد جاءت المجادلة تشكو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنا في ناحية البيت ما أسمع ما تقول ، فأنزل الله عزوجل : ( قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها ) . وقال الماوردي : هي خولة بنت ثعلبة . وقيل : بنت خويلد . وليس هذا بمختلف ، لان أحدهما أبوها والآخر جدها فنسبت إلى كل واحد منهما . وزوجها أوس بن الصامت أخو عبادة بن الصامت . وقال الثعلبي قال ابن عباس : هي خولة بنت خويلد الخزرجية ، كانت تحت أوس بن الصامت أخو عبادة بن الصامت ، وكانت حسنة الجسم ، فرآ ها زوجها ساجدة فنظر عجيزتها فأعجبه أمرها ، فلما انصرفت أرادها فأبت فغضب عليها - قال عروة: وكان امرأ به لمم فأصابه بعض لممه فقال لها : أنت علي كظهر أمي . وكان الايلاء والظهار من الطلاق في الجاهلية ، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال لها : ( حرمت عليه ) فقالت : والله ما ذكر طلاقا ، ثم قالت : أشكو إلى الله فاقتي ووحدتي ووحشتي وفراق زوجي وابن عمي وقد نفضت له بطني ، فقال : ( حرمت عليه ) فما زالت تراجعه ومراجعها حتى نزلت عليه الآية . وروى الحسن : أنها قالت : يا رسول الله ! قد نسخ الله سنن الجاهلية وإن زوجي ظاهر مني ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما أوحى إلي في هذا شئ ) فقالت : يا رسول الله ، أوحي إليك في كل شئ وطوي عنك هذا ؟ ! فقال : ( هو ما قلت لك ) فقالت : إلى الله أشكولا إلى رسوله . فأنزل الله : ( قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله ) الآية . وروى الدارقطني من حديث قتادة أن أنس بن مالك حدثه قال : إن أوس بن الصامت ظاهر من امرأته خويلة بنت ثعلبة فشكت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : ظاهر حين كبرت سني ورق عظمي . فأنزل الله تعالى آية الظهار ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لاوس : ( اعتق رقبة ) قال : مالي بذلك يدان . قال : ( فصم شهرين متتابعين ) قال : أما إني إذا أخطأني أن آكل في يوم ثلاث مرات يكل بصري . قال : ( فأطعم ستين مسكينا ) قال : ما أجد إلا أن تعينني منك بعون وصلة . قال : فأعانه رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمسة عشر صاعا حتى جمع الله له) } أنتهى.
وبذلك يجد القاريء الكريم أن الدكتور النجار يتّبع أسلوباً إنتقائياً للروايات التأريخية ، فالقرطبي قد ذكر روايتين في الأولى يقول لها النبي (صلى الله عليه وآله) : (فقال لها : ( حرمت عليه ) ، وفي الثانية يقول لها النبي (صلى الله عليه وآله) : ( ما أوحى إلي في هذا شئ ) وهي موافقة لرواية البيهقي التي ذكرناها في مقالنا السابق حول هذا الموضوع ، لكن الدكتور النجار فضّل ذكر الرواية الأولى دون الإشارة للرواية الثانية لأنه ظنَّ أن ذكرها وحدها يخدم أغراضه ويدعم فكرته في البحث المذكور. وعلى العموم فأنه على فرض عدم وجود مرجحات لترجيح إحدى الروايات على الأخرى فتسقط الروايتين عن الإعتبار.
[ وقال الدكتور النجار : (ومرة أخرى استعجل السيد الكرخي وقال إن ما أتيت به ليس له أصل: " ثم أن الله عزَّ وجل لم يحلها لزوجها مطلقاً كما ادعى الدكتور كامل النجار بل وضع كفارة عليه نجدها في قوله تعالى في الآيتين (3و4) من سورة المجادلة : (( والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير ، فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله وتلك حدود الله وللكافرين عذاب أليم )) ، فيبدو أن كل ما ذكره الدكتور كامل النجار ليس له أصل. "
ولو تغاضينا عن الطروحات النظرية وأخذنا بما حدث فعلاً نجد أن الله قد أحلها له، فقد قال القرطبي في تفسيره: " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأوس: (اعتق رقبة) قال: مالي بذلك يدان. قال: (فصم شهرين متتابعين) قال: أما إني إذا أخطأني أن آكل في يوم ثلاث مرات يكل بصري. قال: (فأطعم ستين مسكينا) قال: ما أجد إلا أن تعينني منك بعون وصلة. قال: فأعانه رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمسة عشر صاعا حتى جمع الله له والله غفور رحيم. فالذي لا يستطيع أن يقوم بأي من الشروط التي فرضها الله يستطيع أن يرجع إلى زوجته) ]
ويبدو أن الدكتور النجار قد فاته فهم قول القرطبي جيداً ، لأن القرطبي قال كما نقل الدكتور النجار عنه : (قال: (فأطعم ستين مسكينا) قال: ما أجد إلا أن تعينني منك بعون وصلة. قال: فأعانه رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمسة عشر صاعا حتى جمع الله له والله غفور رحيم) ، مما يعني أن ذلك الزوج قد أدى ما بذمته من كفارة فأطعم ستين مسكيناً ، وليس كما ذكر الدكتور النجار بقوله : (فالذي لا يستطيع أن يقوم بأي من الشروط التي فرضها الله يستطيع أن يرجع إلى زوجته) !!
[ وقال الدكتور النجار : (وفي محاولة لتفادي مناقشة الأدلة العقلية التي أوردناها من القرآن لنبرهن على أن العصمة غير ممكنة) ]
وكلامه هذا مثير للإستغراب فكيف يدعي أنه أورد أدلة عقلية من القرآن الكريم وأين هي تلك الأدلة في كلام الدكتور النجار ، وهل تكلم الدكتور النجار عن دليل عقلي أصلاً ؟!
[ وقال الدكتور النجار : (ويظهر جلياً للقارئ أن السيد الكرخي ناقش الفقرات التي بها أحاديث يستطيع أن يقول أنها ضعيفة لكنه لم يتعرض لأي آية قرآنية تثبت أن النبي لم يكن معصوماً. فقد ذكرنا في المقال الحادثة التي أدخل الشيطان فيها كلمات إضافية فأنزل الله: " ما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته ". وقول الله: " ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم " مما يثبت أن النبي، لولا تدخل الله، لأخطأ وركن إليهم. وكذلك حادثة الإفك عندما امتنع النبي عن الحديث إلى عائشة لما يقارب الشهر حتى أنزل الله براءتها في القرآن. فكل هذه الآيات القرآنية تُثبت بمنطق العقل أن النبي لم يكن معصوماً ولكن السيد الكرخي اختار ألا يتعرض لها) ]
فمن المؤكد خطأ ما ذكره الدكتور النجار لأننا اعرضنا عن بعض ما ذكره الدكتور النجار بعد أن أثبتنا أبتعاده عن الأسلوب العلمي في البحث ، ولم يكن في منهجنا الرد على كل كلام الدكتور النجار بل كانت رغبتنا في بيان أخطاء منهجه الذي ينتهجه في الإستدلال التأريخي ومهاجمته للإسلام ، وكان يفترض بالدكتور النجار أن يقرأ تفاسير المسلمين ويتعمق في دراستها قبل ان يستشهد برواية لا يعرف مدى صحتها ، فما نقله من حديث الغرانيق قد أستفاض الرد عليه من قبل العلماء الشيعة في كتبهم ، ولو كان الدكتور النجار يبحث عن حقيقة الأمر وليس التشنيع لراجع ما كتبوا قبل أن يصدر حكماً خاطئاًً حول عدم عصمة النبي (صلى الله عليه وآله) ، ولنلق الآن نظرة فيها شيء من التفصيل على بعض ما كتبه علماء الشيعة حول هذه المسألة ، ولنبين للقاريء بعض أقوال علماء الشيعة حيث أنه يناقش مسألة العصمة من منظورهم لا سيما عصمة الأئمة عليهم السلام بالإضافة لعصمة النبي (صلى الله عليه وآله) :
ـ قال الشيخ الطوسي في تفسير التبيان : { وقال البلخي : ويجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وآله سمع هاتين الكلمتين من قومه وحفظهما فلما قرأ النبي صلى الله عليه وآله وسوس بهما إليه الشيطان ، وألقاهما في فكره ، فكاد أن يجريهما على لسانه ، فعصمه الله ، ونبهه ، ونسخ وسواس الشيطان ، وأحكم آياته ، بأن قرأها النبي صلى الله عليه وآله محكمة سليمة مما أراد الشيطان . ويحوز أن يكون النبي صلى الله عليه وآله حين اجتمع إليه القوم ، واقترحوا عليه أن يترك ذكر آلهتهم بالسوء ، أقبل عليهم يعظهم ويدعوهم إلى الله ، فلما انتهى رسول الله إلى ذكر اللات والعزى . قال الشيطان هاتين الكلمتين رافعا بها صوته ، فالقاهما في تلاوته في غمار من القوم وكثرة لغطهم ، فظن الكفار ان ذلك من قول النبي ، فسجدوا عند ذلك } .
ـ قال الشيخ الطبرسي في تفسير مجمع البيان : { فالمعنى : إن من أرسل قبلك من الرسل كان إذا تلا ما يؤديه إلى قومه ، حرفوا عليه ، وزادوا فيما يقوله ، ونقصوا ، كما فعلت اليهود ، وأضاف ذلك إلى الشيطان ، لأنه يقع بغروره ( فينسخ الله ما يلقي الشيطان ) أي : يزيله ويدحضه بظهور حججه . وخرج هذا على وجه التسلية للنبي صلى الله عليه وآله وسلم لما كذب المشركون عليه ، وأضافوا إلى تلاوته من مدح آلهتهم ، ما لم يكن فيها ، وإن كان المراد تمني القلب فالوجه أن الرسول متى تمنى بقلبه بعض ما يتمناه من الأمور ، وسوس إليه الشيطان بالباطل ، يدعوه إليه ، وينسخ الله ذلك ويبطله بما يرشده إليه من مخالفة الشيطان ، وترك استماع غروره . قال : وأما الأحاديث المروية في هذا الباب فهي مطعونة ، ومضعفة عند أصحاب الحديث ، وقد تضمنت ما ينزه الرسل عليهم السلام عنه . وكيف يجوز ذلك على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وقد قال الله سبحانه : ( كذلك لنثبت به فؤادك ) ، وقال : ( سنقرؤك فلا تنسى ) . وإن حمل ذلك على السهو ، فالساهي لا يجوز أن يقع منه مثل هذه الألفاظ المطابقة لوزن السورة ونظمها ، ثم لمعنى ما تقدمها من الكلام ، لأنا نعلم ضرورة أن الساهي لو أنشأ قصيدة ، لم يجز أن يسهو حتى يتفق منه بيت شعر في وزنها ، وفي معنى البيت الذي تقدمه ، وعلى الوجه الذي تقتضيه فائدته . ويمكن أن يكون الوجه فيه ما ذكرناه في النزول ، لأن من المعلوم أنهم كانوا يلقون عند قراءته طلبا لتغليطه ، ويمكن أن يكون كان هذا في الصلاة ، لأنهم كانوا يلقون في قراءته . وقيل أيضا : إنه كان إذا تلا القرآن على قريش ، توقف في فصول الآيات ، وأتى بكلام على سبيل الحجاج لهم . فلما تلا الآيات قال : ( تلك الغرانيق العلى ) على سبيل الإنكار عليهم ، وعلى أن الأمر بخلاف ما قالوه وظنوه . وليس يمتنع أن يكون هذا في الصلاة ، لأن الكلام في الصلاة حينئذ كان مباحا ، وإنما نسخ من بعد . وقيل : إن المراد بالغرانيق . الملائكة ، وقد جاء ذلك في بعض الحديث ، فتوهم المشركون أنه يريد آلهتهم . وقيل : إن ذلك كان قرآنا منزلا في وصف الملائكة ، فلما ظن المشركون أن المراد به آلهتهم ، نسخت تلاوته . وقال البلخي : ويجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم سمع هاتين الكلمتين من قومه وحفظهما ، فلما قرأ ، ألقاها الشيطان في ذكره ، فكاد أن يجريها على لسانه فعصمه الله ونبهه ، ونسخ وسواس الشيطان ، وأحكم آياته ، بأن قرأها النبي صلى الله عليه وآله وسلم محكمة ، سليمة مما أراد الشيطان . ويجوز أن يكون النبي صلى اله عليه وآله وسلم لما انتهى إلى ذكر اللات والعزى ، قال الشيطان هاتين الكلمتين رافعا بهما صوته ، فألقاهما في تلاوته في غمار الناس ، فظن الجهال أن ذلك من قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فسجدوا عند ذلك . والغرانيق : جمع غرنوق وهو الحسن الجميل ، يقال : شاب غرنوق وغرانق : إذا كان ممتليا ريا ( ثم يحكم الله آياته ) أي : يبقي آياته ، ودلائله وأوامره محكمة لا سهو فيها ، ولا غلط . ( والله عليم ) بكل شئ ( حكيم ) واضع للأشياء مواضعها . ( ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم ) أي : ليجعل ذلك تشديدا في التعبد وامتحانا ، عن الجبائي . والمعنى : إنه شدد المحنة والتكليف على الذين في قلوبهم شك ، وعلى الذين قست قلوبهم من الكفار ، فتلزمهم الدلالة على الفرق بين ما يحكمه الله ، وبين ما يلقيه الشيطان . ( وإن الظالمين لفي شقاق بعيد ) أي : في معاداة ومخالفة بعيدة عن الحق ( وليعلم الذين أوتوا العلم ) بالله وبتوحيده وبحكمته ( أنه الحق من ربك ) أي : إن القرآن حق لا يجوز عليه التبديل والتغيير ( فيؤمنوا به ) أي : فيثبتوا على إيمانهم . وقيل : يزدادوا إيمانا إلى إيمانهم . ( فتخبت له قلوبهم ) أي : تخشع وتتواضع لقوة إيمانهم ( وإن الله لهاد الذين آمنوا إلى صراط مستقيم ) أي : طريق واضح لا عوج فيه أي : يثبتهم على الدين الحق . وقيل : يهديهم ربهم بإيمانهم إلى طريق الجنة . ( ولا يزال الذين كفروا في مرية منه ) أي : في شك من القرآن ، عن ابن جريج . وهذا خاص في من علم الله تعالى أنهم لا يؤمنون من الكفار ( حتى تأتيهم الساعة بغتة ) أي : فجأة ، وعلى غفلة ( أو يأتيهم عذاب يوم عقيم ) قيل : إنه عذاب يوم بدر ، عن قتادة ومجاهد . وسماه عقيما لأنه لا مثل له في عظم أمره ، لقتال الملائكة فيه ، ومثله قول الشاعر : عقم النساء فلا يلدن شبيهه ، * إن النساء بمثله لعقيم وقيل : إنما سمى ذلك اليوم عقيما ، لأنه لم يكون فيه للكفار خير ، فهو كالريح العقيم التي لا تأتي بخير ، عن الضحاك ، واختاره الزجاج . وقيل : المراد به يوم القيامة ، والمعنى : حتى تأتيهم علامات الساعة ، أو عذاب يوم القيامة . وسقاه عقيما لأنه لا ليلة له ، عن عكرمة والجبائي .
ولعل فيما ذكرناه كفاية لمن أراد التبحر في معنى هذه الآية ، فلا دليل فيها على عدم العصمة.
وأما قول الدكتور النجار : (وكذلك حادثة الإفك عندما امتنع النبي عن الحديث إلى عائشة لما يقارب الشهر حتى أنزل الله براءتها في القرآن) ، فهو خالٍ من الدليل على عدم العصمة ، فأين هي الخطيئة في عدم تحدث النبي (صلى الله عليه وآله) مع عائشة تلك الفترة ، وما يدريه ما سبب ذلك ! فالخلل يكمن في إعتماد الدكتور النجار على روايات أهل السنة وهي روايات لم يثبت صحتها ، وما رواه الشيعة كذلك حول سبب حادثة الأفك مخالف لرواية أهل السنة ، ثم وعلى فرض صحة ما رواه أهل السنة في هذا الأمر فإنَّ النبي (صلى الله عليه وآله) يريد من كل افعاله وأقواله تعليم أمته ما يجب أن يكونوا عليه من حسن الفعل والتصرف ، والمسلمون مأمورون بالإقتداء بالنبي وطاعته ، ولذلك كانت السنة النبوية حجة على المسلمين ، ففعل النبي (صلى الله عليه وآله) يمكن فهمه من هذا الإتجاه ، فعدم التسرع في إصدار الأحكام والتأني والتريث قبل إصدار الحكم لا سيما في العلاقات الأسرية ، وتعليم المسلمين عدم الخوض في الباطل وتعليمهم عقوبة من يخوض في أعراض الناس كلها دروس يمكن للمسلم أن يستفيدها من حادثة الأفك ، بغض النظر عمن قد نزلت في حقه وبغض النظر عن التفاصيل الصغيرة للقصة.
والأدلة العقلية على عصمة النبي (صلى الله عليه وآله) والتي يمكن للقاريء الكريم أن يستفيض في معرفتها من خلال كتب الشيعة العقائدية ، هي أعظم وأدق وأكثر صحة من أن تعارضها مثل هذه القصة التي يرويها أهل السنة حول نزول الآية وهي قصة ليس فيها ما يخدش عصمة النبي (صلى الله عليه وآله).
nabilalkarkhy@yahoo.com
مواضيع ذات صلة :
• هل الأنبياء والرسل معصومون ؟
http://www.kitabat.com/i1277.htm
• أخطاء مكررة في كتابات الدكتور كامل النجار
http://www.kitabat.com/i1427.htm
• عاد السيد الكرخي فعدنا - عصمة الأنبياء والرسل
http://www.kitabat.com/i1461.htm