إعـــــــلان

تقليص

للاشتراك في (قناة العلم والإيمان): واتساب - يوتيوب

شاهد أكثر
شاهد أقل

-حين يتكالب السياسي والإعلامي على القانوني لطمس الحقيقة -1

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • -حين يتكالب السياسي والإعلامي على القانوني لطمس الحقيقة -1

    -حين يتكالب السياسي والإعلامي على القانوني لطمس الحقيقة -1
    التجاني بولعوالي
    tijanib@yahoo.com
    الحوار المتمدن - العدد: 1095 - 2005 / 1 / 31


    ملاحظة: كتب هذا المقال على ضوء مقتل الفتى المغربي علي البياتي بمدينة أمستردم

    مدينة الهدوء التي ينتابها الشغب!

    لقد قامت القناة الهولندية الثانية أواخر العام الماضي باستقراء للرأي على الصعيد الوطني، وبثته في برنامج يحمل عنوان (المدينة الأحسن في هولندا). حيث تم اختيار أحسن مدينة لسنة 2004، التي كانت مستريخت، وآمن مدينة التي هي خرونينكن، وأحسن والي الذي هو والي مدينة مستريخت السيد خيرد ليرس، وأشار البرنامج كذلك إلى أن مدينة أمستردم تعتبر الأولى، من حيث عدد القتلى الذين تم إحصاؤهم طوال السنة الفارطة. وهذا المعطى الواقعي نابع من طبيعة التركيبة البشرية لهذه المدينة، التي تحاول مسح علامات التوتر والغليان من على وجهها الصبوح، الذي تعلوه أطياف وألوان مختلف الثقافات واللغات والأعراق والمعتقدات، لكن لا تفلح في ذلك، فكلما عادت إلى صمتها المطبق الذي يشبه ذلك الصمت الذي يعقب العاصفة، أو إلى سكوتها المهيب التي يمكن وصفه بسكوت النهر الذي لا ينبغي الثقة فيه، كما يقول المثل المغربي: ثق في الواد الهرهوري (الصاخب) ولا تثق في الواد السكوتي (الهادئ)، أي أن النهر الصاخب بحركة مياهه المتلاطمة أهون من النهر الهادئ، الذي قد يخدعك بهدوئه الذي ينطوي على خطورة غير متوقعة، ودلالة هذا المثل تنطبق كذلك على الإنسان وغيره من الكائنات والموجودات.

    وأمستردم في ظاهرها مدينة ثقافية تجلب إليها الملايين من السياح، حتى أنك عندما تتمشى في شوارعها المنتظمة، أو تتابع ما يجري عبر ساحاتها الشهيرة، أو تزور متاحفها العتيقة، تحسب أن اختيارك قد وقع على عالم هادئ يحفل بأسباب التعايش الثقافي والتواصل الحضاري والتمازج الفني، فتحلم بالبقاء فيها أطول، أو العودة إليها في أقرب وقت ممكن، لكن هذا الهدوء الجميل يخفي خلفه صخبا مروعا وشغبا قاتلا، لا تصدقه إلا لما تقرأه في الجريدة أو تشاهده عبر الشاشة، أما عندما تكون منخرطا في إحدى عوالم أمستردم الثقافية أو الترفيهية فلا تكترث بحكايات الصحافة وأراجيفها.

    لكن، هذا هو الواقع الحقيقي الذي ينبغي التسليم به، فأمستردم رغم بهائها ورونقها وتفردها، فإنها تملك وجها آخر كله مساويء ومثالب، حيث تشير الإحصائيات إلى أنها أول مدينة من حيث جرائم القتل على المستوى الهولندي، هذا ناهيك عن السلوكات المنحرفة الأخرى، كالسرقة والاغتصاب والمتاجرة في المخدرات أو تعاطيها وغير ذلك، لكن اللافت للنظر أن هذا الوجه السلبي لمدينة أمستردم، كثيرا ما يعتبر الإعلاميون أو السياسيون الهولنديون أنه نتيجة للوجود الأجنبي بهولندا بعامة والوجود الإسلامي والعربي بخاصة، فاغلب الجرائم المسجلة يتم نسبها إلى المهاجرين من أصول إسلامية أو عربية، دون التحري الموضوعي لأسباب وملابسات ما يرتكب من سلوكات منحرفة، إذ كلما نزلت نازلة بالمدينة إلا وهب الإعلام ليشير بأصابع الاتهام إلى أبناء المهاجرين المشاغبين، فيصطف المواطنون الهولنديون في صفه، فيصيرون ضحايا للمؤسسة الإعلامية المتواطئة مع الأجهزة السياسية، وهم لا يدركون أن ذلك المسلك الذي تنتهجه الصحافة الهولندية إنما يزيد الطين بلة، فكلما توغل الإعلاميون في اتهام مكونات الجيل الأخير، ووصمه بالانحراف والتمادي إلا وكان رد فعله أثقل على المجتمع الهولندي عموما.

    وحتى نكون منصفين، يجب أن نثبت أن الجرائم التي تقترف داخل مدينة أمستردم أو غيرها من المدن الكبرى، لا يذهب ضحيتها دائما الهولنديون الأصليون، بقدرما تكون نتائجها سواء بسواء، لكل الأطراف التي تشكل المجتمع الهولندي المتعدد الثقافات، وآخر جريمة قتل كانت مدينة أمستردم مسرحا لها خير شاهد على ذلك، حيث ذهب ضحيتها شاب من أصل مغربي لم يبلغ بعد سنه العشرين، غير أن الإعلام الهولندي وحتى بعض السياسيين راحوا - كما نعهد منهم دوما - يوجهون الحدث وجهة غريبة حيث صار الجلاد هو الضحية، والضحية هو الجلاد! فعوض ما يتم تناول الجريمة من حيث هي جريمة وبموضوعية ولو نسبية، نرى أغلب الوسائل الإعلامية تركز على سبب الجريمة وملابساتها، وهل يستحق الضحية أن يصنع به ذلك أم لا، ولماذا فعل ذلك، والبادئ أظلم وغير ذلك من المبررات والذرائع، التي لا نلفى لها أثرا في الصحافة الهولندية، إذا كان الضحية أو المقتول تيو فان خوخ أو أستاذ تيرا كوليج الذي قتله التلميذ ذو الأصل التركي أو غيرهما من النماذج. وهذا الحدث يجعلنا نستحضر مقتل امرأة هولندية مدمنة قبل أكثر من سنة على يد بعض الشباب من أصل مغربي، وذلك نتيجة السرقة التي قامت بها تلك المدمنة، حيث أقام الهولنديون، سلطة وإعلاما وشعبا، الدنيا وأقعدوها، رغم أن تلك المرأة مذنبة، فلم يقولوا أن هذا القتل إنما كان بسبب جريمة السرقة التي اقترفتها، ولم يرددوا مثل هذا الكلام الغريب الذي تطالعنا به اليوم وسائل الإعلام الهولندية المختلفة.

    بشاعة الجريمة بين نفاق المسؤولين ورياء الإعلاميين

    ما حدث للشاب المغربي (علي البياتي) الذي قتل مساء الاثنين16 يناير 2005، من قبل امرأة هولندية تبلغ 43 سنة، يجب اعتباره جريمة شنعاء بكل المقاييس، حيث تحكي امرأة من أصل تركي عاينت من شرفة منزلها كل أطوار سيناريو القتل، أن الجانية رجعت إلى الوراء بسيارتها، فصدمت بقوة جسد الضحية الذي صار محبوسا بين مؤخرة السيارة وبين شجرة تنتصب على جنب الشارع، وراحت تحرك سيارتها إلى الأمام ثم ترجعها إلى الخلف لتوجه ضربات قاتلة للجسد المحجوز بالشجرة، حتى زهقت روح الضحية، وأثناء مجريات هذه الجريمة كانت تلك التركية تصرخ بكل قواها في وجه القاتلة علها تعود إلى صوابها وتقلع عن فعلتها، هكذا وصفت تلكم الشاهدة تفاصيل ذلك القتل، الذي قالت عنه الصحافة الهولندية وعلى لسان أكثر من مسؤول وسياسي أنه لم يكن متعمدا، وأن الضحية تلقى صدمة واحدة بالسيارة فمات على إثرها! ثم ما يمكن ملاحظته هو أن الصحافة ركزت على سبب القتل لتخفف من وقع الجريمة، الذي هو سرقة محفظتها اليدوية من سيارتها، فتقرأ سواء في العناوين المخصصة للحدث أم في المضامين عبارات وإشارات تجمع على مقتل لص وليس مقتل مواطن، كأن ليس ثمة قانونا يسري على جميع المواطنين، كيفما كانوا، شرفاء أم غير شرفاء، مستقيمين أم منحرفين، إلا أن الإعلام يمارس سلطته كما تسوغ له أهواؤه الأيديولوجية.

    والطامة الكبرى أن بعض السياسيين والمسؤولين المهمين يتخلون في تفسيرهم لمثل هذه الأمور عن الجانب الموضوعي، فينطلقون مما تمليه عليهم عواطفهم الجياشة، كأنهم يشتغلون على كتابة نص إبداعي يقتضي الفهم الذاتي والعاطفة الفياضة، كما فعل وزير المالية خريت زالم في أعقاب مقتل فان خوخ، حيث قال بصريح العبارة (هولندا في حرب) فكانت النتيجة وخيمة، إذ تعرضت العديد من المؤسسات الإسلامية للحرق والتخريب. على نفس المنوال سارت وزيرة الاندماج والقضايا الأجنبية ريتا فردونك في تعاملها مع مقتل الهولندي من أصل مغربي (علي البياتي)، عندما لم تدن تلك الجريمة، ورأت أن الضحية لو لم يسرق لظل حيا، أو بالأحرى لظل من على دراجته النارية! وقد راح الوزير الأول بالكيناند يدافع عن وجهة نظر الوزيرة، وصرح بأنها لم تبرئ ساحة القاتلة، إلا لتخفف من التوتر الذي قد يشهده الواقع الاجتماعي، كما أنه رأى أن ملاحظتها، حول أن الضحية لو لم يسرق لبقي حيا، جد صحيحة. في حين ذهب البرلماني المستقل فيلدرس، الذي يسعى إلى تأسيس حزب معادي للإسلام والمسلمين، بعيدا عندما ماثل بين هذا الأمر وبين قضية الإرهاب، كما استغرب أن تتابع هذه الجانية قضائيا. لكن وزير العدل دونر استخلص أنه إذا كانت قضية ما في يد العدالة، فالمألوف أن لا تطلق بشأنها الملاحظات. ونفس الأمر أكده الخبير في القانون الجنائي ب. تاك، الذي قال أنه على السياسيين أن يحبسوا ألسنتهم ويدعوا الأمر للقضاء.

    إن ما صرحت به وزيرة الاندماج أثار انتباهي، وجعلني أغير نظرتي إليها، لأنني إلى حدود ما قبل تصريحها هذا، كنت أكن لها احتراما كبيرا، ولو أنها تنتمي إلى حزب ذي توجه يختلف والقناعة التي أومن بها. لقد اغتنمت فرصة وجودي بإحدى المناظرات التي قامت بها أواخر العام الماضي جمعية FORUM بمدينة أمستردم، والمناظرة كانت بعنوانإرهاب أو تقليد، نحو رؤية معاصرة حول الإسلام في هولندا) انطلاقا من البحث الذي قام به الكاتب جابريال فان دن برينك، حيث كانت الوزيرة حاضرة، وألقت كلمة معتبرة لها صلة بموضوع المناظرة، وبعد اختتام المناظرة قمت بتعارف شخصي معها، وتم نقاش جانبي بوجود مجموعة من الشباب المغربي حول بعض القضايا المهمة، فتبين لي أنها بالرغم من انتمائها إلى ذلك الحزب، فهي تحترم الآخر وتقدره وتتعامل معه على أساس من التعاون والتواصل الإيجابي، وفي الأخير سألتها بعض الأمور الخاصة على انفراد، فمنحتني عنوانها الإليكتروني ونصحتني بمراسلتها.

    غير أن هذا الموقف الأخير الذي سجلته الوزيرة بخصوص هذه الجريمة النكراء، جعلتني أتساءل بمرارة؛ كيف يعقل لإنسان محنك يقف على رأس مؤسسة حساسة تتبنى مشروعا ليس بالسهل، يسعى إلى إدماج الأجانب والجنوبيين في بنية المجتمع الهولندي إدماجا إيجابيا، يخدم مصلحة الكل على أساس من الأخذ والعطاء، من نيل الحقوق وأداء الواجبات، كيف يعقل له أن يتفوه بكلام لا يقوله إلا المسرحيون قصد النفاذ إلى ذوق الجمهور وتلبية رغبته بالفرجة والإثارة ونحو ذلك؟ لو أن إنسانا عاديا قال مثل هذا الكلام لسلمنا به، لأنه لا يمس بفحوى ذلك الكلام إلا مخاطبيه المعدودين، أما أن يتردد هذا على لسان وزيرة الاندماج والقضايا الأجنبية، وعبر شتى وسائل الإعلام مكتوبة كانت أم مرئية أم مسموعة، فهذا معناه أن تلك المبادئ المثالية التي يتباهى بها المجتمع الهولندي من ديموقراطية ومساواة وحرية رأي وحقوق إنسان، أضحت ضربا من الخداع والخيال والتضليل...

  • #2
    حين يتكالب السياسي والإعلامي على القانوني لطمس الحقيقة

    حين يتكالب السياسي والإعلامي على القانوني لطمس الحقيقة
    التجاني بولعوالي
    tijanib@yahoo.com
    الحوار المتمدن - العدد: 1097 - 2005 / 2 / 2


    ملاحظة: كتب هذا المقال على ضوء مقتل الفتى المغربي علي البياتي بمدينة أمستردم
    التناغم بين الرأي الرسمي والرأي الشعبي

    إن مثل هذه الآراء الرسمية المنحازة من شانها أن تؤثر بشكل سلبي على الموقف الشعبي أو الرأي العام الوطني، لذلك يبدو أن أغلبية المواطنين الهولنديين يرون في ملاحقة القاتلة قانونيا وقضائيا أمرا غريبا، إذ تتعالى من كل مكان أصوات تطالب بعدم ملاحقتها قانونيا! ولو كان ذلك على حساب القانون، ففي هذه الحالة لا بأس من تجاوز بنود القانون الجنائي الهولندي وخرقها، لأن الضحية من أصل مغربي، وما دام العداء الآن موجه إلى المغاربة وغيرهم من المسلمين والجنوبيين، فلا بأس من تأجيل أو تعطيل القانون، لكن عندما يتعلق الأمر بخطيئة أو جريمة اقترفها مغربي أو أجنبي، كما حدث قبل أكثر من عام مع تلك الهولندية المدمنة السارقة، فلا يطالب الهولنديون بتطبيق القانون كما هو، بقدرما ينادون بتحديث القانون وتغييره، بل وجعله أشد مما هو عليه. ثم إن المعروف في القوانين والأعراف الدولية أن المواطن ليس له حق الرد بالمثل على مكروه أو سوء أصابه من مواطن آخر، ولو من باب الدفاع عن النفس، وإنما عليه التوجه إلى السلطة المعنية بالأمر، فهي وحدها التي لها الحق في متابعة الجاني ومعاقبته، وعلى نفس المنوال يتجه القانون الهولندي.

    هكذا يطفو من جديد على السطح العداء لما هو أجنبي على العموم، وما هو إسلامي أو عربي على الخصوص، فهذه حقيقة واقعية لا غبار عليها، رغم أننا نحن المثقفين نثبت بكل ما نملك من جهد وإمكانيات أن ليس ثمة عداء من الأجانب للغرب، فهذا من اختلاق الإعلام، واصطناع السياسيين الذين يتصيدون الفرص للرفع من منسوب شهرتهم وحجم نفوذهم الأيديولوجي، كما أننا نغض الطرف عن العديد من التجاوزات والإكراهات التي نتعرض إليها سواء في العمل أم المدرسة أم الشارع أم غير ذلك، لأجل تحقيق نوع من التعايش النسبي مع الهولنديين الأصليين، وتبيين الوجه السمح للشخصية التي نحملها، والثقافة التي نمثلها... غير أنه للأسف كلما طرأ طارئ، قد يحصل مثله في أي مكان من الكرة الأرضية، يكشف الهولنديون عن كرههم الدفين لما هو أجنبي، ورفضهم البين لثقافته وهويته بل ووجوده بين ظهرانيهم، وفي ذات الوقت يتهمون هذا الأجنبي ببغضائه للغرب وعدوانه عليه، كيف يمكن لنا إذن استيعاب مثل هذا التناقض المشكل؟

    هذا ليس كلاما إنشائيا أو عاطفيا، بل إنه كلام مدعوم بالأرقام والأدلة، نجد على سبيل المثال في الموقع الإلكتروني www.stand.nl عبر استقراء مباشر للرأي، أن أكثر من 83% من الهولنديين يرون أنه لا ينبغي لقاتلة الشاب المغربي أن تلاحق قضائيا، لأنها لم تنو قتل الضحية، وهي التي صدمته بسيارتها مع الشجرة حوالي ثلاث مرات كما تروي الشاهدة التركية! وهذا يعني بشكل ما أنه في مثل هذه الحالة يحبذ خرق القانون، لكن ألا يدري الذين يدلون برأيهم هذا أن خرق القانون يقود إلى إشاعة الفوضى، فنجد أنفسنا نعيش في واقع لا يسوده القانون الذي يعلو على الجميع كيفما كانوا، فهم يوجهون نقدهم المقذع للوزارة العمومية المختصة في مثل هذه القضية، والتي أصرت على مقاضاة الجانية، ويرون أن مسئوليها يتشبثون بأبراجهم العالية. ويتعاملون مع القضية بعواطفهم الجياشة، ويستهزئون من الضحية لما يصفه أحدهم بسخرية لاذعة بقوله: كأن ملكا توفي، ويشبهها آخر بمجرم وضع في وسط الورد! وغيرها من العبارات النابية التي تميط اللثام عن الوجه الخفي لهذا الشعب المتحضر!

    الأقلية المغربية بين شجب المواطنين وصمت المسؤولين

    إن الكثير من المغاربة حاولوا نفي تهمة السرقة عن الضحية، بل وأن بعضهم ادعى أن عملية القتل هذه تمت بشكل شبه مخطط، في حين بالغ الآخرون لما زعموا أن هذه الجريمة ما هي إلا انتقام لمقتل ثيو فان خوخ... غير أن الأهم من هذا كله ليس مدى صحة هذه الأقوال والإطلاقات ومصداقيتها، وإنما تلك الازدواجية التي طغت على التعامل مع هذه القضية سواء من قبل الإعلاميين أم من لدن السياسيين والمسؤولين. حقا، إن الضحية ارتكب السرقة، وهي سلوك مرفوض مطلقا، سواء داخل المجتمع والقانون الغربيين، أم داخل الثقافة والشريعة الإسلامية، ونحن باعتبارنا مسلمين نرفض بالإجماع مثل هذا التصرف المنحرف الذي قصاصه بالنص القرآني قطع اليد! ونتألم حين نسمع أو نعلم أن مواطنا مسلما أو عربيا سرق أو ارتكب جريمة ما، بيد أن هذا لا يعني أن كل مجرم أو سارق خارج من حماية القانون، حيث هناك إجراءات صارمة تقنن هذا، وتسويه بشكل حضاري يضمن الحقوق لكل أبناء الوطن، إذ ينال كل منحرف حظه سواء من العقوبة أم التربية أم التعويض أم غير ذلك.


    لكن رغم هذا كله، تبقى الازدواجية طاغية على الخطاب الرسمي الهولندي في مثل هذه الوضعية، وخير ما يثبت ذلك، إضافة إلى ما تم تسجيله آنفا من مواقف شتى، ما قام به عمال المقاطعة الحضرية التي ينتمي إليها موقع الجريمة، الذين جاءوا مبكرا إلى هذا الموقع فأخذوا الورود واللوحات القرآنية التي وضعت هناك من لدن بعض أقرباء وأصدقاء الضحية، ونظفوا المكان من أي أثر للجريمة، لماذا فعلوا ذلك ونحن نشهد أماكن عدة بأمستردم وغيرها من المدن الهولندية التي سقط فيها الضحايا تظل عبر الأيام تحفظ ما يوضع فيها من تذكارات وورود، حتى أضحى هذا تقليدا غربيا مألوفا.

    لكل فعل رد فعل يختلف بحسب السياق والدوافع النفسية والفطرية، وهذه الجريمة التي مارستها أنثى على ذكر في سن ابنها، استتبعتها ردود فعل شتى، منها ما أشرنا إليها في الفقرات السالفة، وفي هذا الموضع نحاول تقريب موقف جزء من الجالية المغربية، المعنية بشكل أو بآخر بهذا الحدث، حيث بادر الكثيرون سواء من أقرباء الضحية أم أصدقائه أم المتعاطفين معه أم غير ذلك، بوضع الورود وعدد من اللوحات القرآنية والرسائل أمام الشجرة التي قتل بقربها الشاب المغربي، حيث وضعت ورقة مكتوب عليها بالهولندية: فردونك القتالة! ويقصدون بذلك وزيرة الاندماج التي تناولنا موقفها سابقا، كما قام مجموعة من شباب الحي الذي شهد مصرع الضحية وبينهم أخت الضحية وبعض ممثلي جمعية المركز الثقافي الاجتماعي المغربي بشرق أمستردم ومؤسسات أخرى، بوقفات عديدة طوال الأيام التي أعقبت الحادثة، وذلك بحضور بعض وسائل الإعلام الهولندية، كما أقيمت مسيرة صامتة تنديدا بما وقع وتضامنا مع عائلة الضحية، انطلاقا من مكان الجريمة وصولا إلى المسجد الكبير، حيث ألقى الإمام - كما يروي لنا أحد الذين حضروا في المسيرة - كلمة معبرة حث فيها المسلمين عموما والمغاربة بخاصة، بالتحلي بالصبر والتعقل، والاقتداء بالتعاليم الإسلامية السمحة ونحو ذلك من المواعظ التي من شأنها تجنيبهم الوقوع في صدام مع الآخر. إضافة إلى ذلك أوردت بعض المصادر الإعلامية أن الكثير من المؤسسات الرسمية تتلقى مكالمات هاتفية تترجم غضب الجالية المغربية، وأحيانا تتوعد بالتهديد والانتقام.

    بعد هذه النازلة التي كسرت صمت مدينة أمستردم، وعكرت صفوها الذي أوت إليه بعد ضجة مقتل ثيو فان خوخ، وأثبتت مصداقية ما ورد في برنامج (المدينة الأحسن في هولندا) الذي اعتبر أمستردم أول مدينة على الصعيد الوطني من حيث عدد القتلى، بعد ذلك إذن، ماذا كان موقف ممثلي الجالية المغربية والإسلامية مما حدث، هل تحركت المؤسسات الثقافية والدينية التي تمثل الأقلية المغربية، هل عبر السياسيون المغاربة الذين يقبعون في البرلمان الهولندي عن شعورهم إزاء ما جرى، هل هب المثقفون والفاعلون الثقافيون المغاربة الذين شجبوا أيما شجب مقتل ثيو فان خوخ، رغم أنه أساء إليهم، وحط من كرامتهم، ومسخ الهوية التي يحملونها، أم أنهم لا يزالون يعتصمون بالصمت، وما انفكوا يفكرون فيما سيدلون به بشأن هذه الواقعة. لم نسمع بعد شيئا، عدا آراء معدودة على أصابع اليد الواحدة لبعض الشباب الذي صادفته كاميرا الإعلام أثناء تلك الوقفات الصامتة التي تلت يوم الجريمة، أو لممثلي بعض الجمعيات الفاعلة في الحي أو المقاطعة التي يوجد فيها مكان الحادث.
    سوف لن نسبق الأحداث، لكن سوف ننتظر ما ستسفر عنه الأيام القليلة القادمة، ونحن نردد قول الشاعر الجاهلي طرفة بن العبد في معلقته:
    ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا *** ويأتيك بالأخبار من لم تزود

    تعليق

    المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
    حفظ-تلقائي
    x

    رجاء ادخل الستة أرقام أو الحروف الظاهرة في الصورة.

    صورة التسجيل تحديث الصورة

    اقرأ في منتديات يا حسين

    تقليص

    لا توجد نتائج تلبي هذه المعايير.

    يعمل...
    X